د. عدنان الظاهر
سنة ُ وسنُ السقوط ؟ مِمَ السقوط ومن أي علوٍّ أو إرتفاع ؟ وما علاقة سقوط الأسنان في فم البشر بالسقوط من علٍ تحت فعل قوة الجذب الأرضي ؟ أسئلة بحاجة إلى أجوبة مناسبة . لا يا أخي الكريم ، لا يا أخي ، إنما عنيتُ بالسن العمرَ ، عمر الإنسان الذي يسقطُ فيه من على مدرجات أعوام الحياة ربما السقوط الأخير أي الموت وهل من سقطةٍ أخرى بعد الموت ؟ كلا ، لا قوة جذب الأرض تفعل في الموتى فعلها ولا أطباء الأسنان [ لاحظْ علاقةَ التطابق التام بين حروف الإنسان والأسنان ! ] . السقوط إذا ً ، السقوط الذي لا من قيامة ٍ بعده لا بالروح ولا بالجسد . السقوط الأبدي . طيّب ، عنيتَ بالسن العمرَ لا أطالَ الشيطانُ عمرك ، فما فلسفة سنة السقوط ؟ سؤال غاية في الوجاهة يا ملحاح . سنة السقوط لا علاقة لها بسنِّ السقوط . سنة ُ السقوط هي السنة التي تضعف فيها معنويات الإنسان ويفقد القدرة أو معظم القدرات للسيطرة على نفكيره وأفعاله وإنفلات نزعاته ورغائبه البدائية والطفولية فيقدم على فعل ما كان يأنف أن يفعله في سالف زمانه . بل ويشرعُ يفكرُ في أمور ٍ ما كان ليجرؤ على التفكير بها . أتذكر ُّ شيخاً طاعنا ً في سنه كان يطلب من أفراد عائلته أبناءً وأحفادا ً أنْ يوفروا له قطع الشكولاتة والبقلاوة وما كان يقرب منها لا في شبابه ولا في كهولته . حتى أنه طلب ذات مرة ٍ ( مصّاصة َ أطفال ) لكي يرضعَ بها حليبَ الرضاعة . قام صاحبي صارخا ً : وهذا هو أرذلُ العمر الذي قرأنا عنه ، أرذل العمر ، السقوط من قمةالقدرة إلى قاع اللاقدرة ، من عزِّ الشباب إلى ذُلِّ الخَرَف . هذه هي سنة السقوط . إتيانُ ما لم يأتهِ الإنسانُ في ماضيه حين كان في رأسه دماغ ٌ يفكرُ ويسيطرُ ويوجّه وينتقدُ . وهل سَلسُ البول يدخلُ ضمن عناصر سنة السقوط ؟ كلا ، ذلك موضوعٌ آخر لا علاقة َ له بالسن والعمر . أفلمْ تسمعْ بظاهرةِ سَلس البول لدى الأطفال ؟ إنها لا تخصُّ الأطفالَ وحدهم ، فقد تجدها في عدد لا يُحصى من الرجال الذين بلغوا أشدَّهم ، إنها ظاهرة معروفة طبيا ً لها أسبابها ومسبباتها . لذا فإنها ليست من علامات وشروط السقوط . هل فهمتَ الفوارق ؟ نعم ، فهمتُ . هل تسمحُ لي أن أذهب لبيت الراحة ... لديَّ حاجة مُلحّة للتبول على الفور وإلا تبولتُ على نفسي وملابسي وأفسدتُ جلستنا لهذا اليوم . وأنا في بيت الراحة ( التواليت ، دورة المياه ، المرحاض ) سمعتُ صاحبي يقول : لعنَ اللهُ مرضَ البول السكري ّّ . رددتُ معه وأنا لم أزلْ أتبوَّل مكرَّمٌ السامعُ : لا فُضَّ فوك عزيزي ، اللعنة على السكري حتى يوم الدين . قال صاحبي قد فهمتُ الكثير عن فلسفة اليوم ولكن ألا تلقي المزيد من الضوء على مسألة الفرق بين سنة السقوط وسن السقوط ؟ حَسَتا ً سأنوّرك بالفرق بشكل بسيط : فهمنا أنَّ سنة السقوط تعني سنة موت الإنسان ، أما سن السقوط فإنه يسبقُ سنة السقوط بمُددٍ تكبرُ أو تصغرُ حسب ظروف الناس . فقد يسقطُ إنسانٌ في سن الثلاثين أو الأربعين أو الستين حسب ظروفه وأحوال صحته النفسية والجسدية والمالية والعائلية ، وقد يسقط قبل وفاته بفترة قصيرة . إنَّ هذا السقوط مرتبطٌ بسلامة العقل وقوة التفكير والإرادة والسيطرة على نزعات الإنسان الفطرية والبدائية ورواسب ورغائب الطفولة . أعرفُ رجلاً في السادسة والثمانين كان يتحرش جنسياً بخادم منزله ولما لم تستجبْ له عرض عليها الزواجَ ففكرتُ في العرض جدياً ثم سألته إنْ كان لديه إرث ٌ أو تقاعدٌ مُجز ٍ . وافقتْ وقد أجابها بالإيجاب على الصفقة لكنَّ أولاده منعوه وأوقفوا الصفقة وطردوا المسكينة من بيتهم . ماذا تسمّي هذا النوع من التصرفات والرغبات ؟ سقطَ في نظري هذا الرجل في ذاك العام وذاك الشهر واليوم حيثُ عرض الزواج على إمرأة في الأربعين من عمرها كانت تخدم عائلته الكبيرة . علّق قائلاً ليس من غرابة في هذه القصة ، الكثير من الطاعنين في السن يراودون خادمات منازلهم وصغيرات السن من بنات الجيران بشتى الوسائل والأساليب والمغريات خاصة ً أولئك الأرامل الذي فراقتهم أزواجهم بالموت المبكر . أفلمْ تسمع بقصص ذلك الشيخ العجوز الذي كان مغرماً بعاصمة أوربية معينة حيث إبتاعَ له فيها شقة ً يقضي فيها الكثير من شهور السنة حيث إفتضحَ أمره في إصطياد الفتيات الجميلات لقاء ما يعرضُ عليهنَّ مما لديه من دولارات كثيرة كانت لها قيمتها في ذلك الزمان . سألته وكيف كان يتمتع بشباب وفتنة الصبايا وهو شيخٌ طاعنٌ في السن أجاب صاحبي قائلا ً : ويلك ، للجنس أشكالٌ وأساليب وطرق شتى منوَّعة لا حصرَ لها معدّة خصيصاً لمثل هذه الأعمار . ثمَّ لاتنسَ الأدوية والعقاقير والمنشطات . هذه هي سنوات السقوط بالنسبة لأمثال هذا الرجل الخَرِف الطاعن في السن . سألتع وباية لغة كان هذا ( الدون جوان ) العجوز يتفاهم بها مع صباياه وحسناواته ؟ قال ليس في الأمر هذا من مشكلة . كيف ؟ لا تحتاج ممارسة ُ الجنس ِ إلى لغة فلغته عالمية كونية لا لسانَ لها يخدمها ويترجمُ لها . لعنَ اللهُ الشيوخ ولعنَ عودتهم إلى صباهم . هل تصدقني إذا قلتَ لك إني تعرّفتُ على فتاة في العشرين من عمرها كانت تدّعي أنَّ جدها لأبيها قد إغتصبها بعد أنْ بلغت الحُلم ؟ ولهذا عزفت عن الزواج ورفضت مَن تقدّم لها به .
هل نعودُ بعد هذه السياحة وقد عرفنا الفرق بين سنة وسن السقوط للحديث عن الجنس وطرق ممارسته في عصر التمدن والعولمة وأزمة الرأسمال الحالية وكارثة أسواق المال والسندات وهل هي نهاية الرأسمالية ؟ هذا الحديث ثقيل ٌ جداً لكني أوجزُ موقفي منه بما يلي : ليست في هذه الأزمة نهاية ُ الرأسمالية ، ما كانت الأولى ولن تكونَ الأخيرة . هذه هي طبيعة النظام الرأسمالي . كبوات وأزمات وركود ثم تحسن وقيام وإنتعاش وتطور حتى تبني الرأسمالية قبرها بيدها وتطمر نفسها فيه . متى يكونُ ذلك ؟ سيكونُ ذلك حتماً ولكنْ لا علمَ لي بموعده الدقيق . هل غيّرتَ ساعتك حسب التوقيت الشتوي الجديد ؟ لا ، شكراً ، لقد ذكرتني بهذا الأمر الذي لا يهمني لا من قريب ٍ ولا من بعيد . لم أهتمَّ يوماً في حياتي بموضوع الزمن حتى أني في أغلب أوقاتي لا أحمل ساعةً في معصمي أو جيبي . لماذا ، هل تخشى ساعةَ ويومَ وسن السقوط ؟ نعم ، أخشاها كلَّ الخشية . لا أتمنى لنفسي مثلَ هذا المصير . أتمنى أنْ أموتَ قبل بلوغ هذه الرتبة التعيسة من العمر ... أرذلَ العمر . أحب الحفاظَ على ما كنتُ فيه وما درجتُ عليه في سائر أعوام عمري . أحب الثباتَ على ثوابتي وعلى نقاء عاداتي وطبيعية سليقتي وسلوكي . أحبُّ أنْ أواجه نفسي بما عرفته عني وما عرفته عنها . نهض صاحبي مودِّعاً وهو ينشدُ شعرَ بعض المتصوفة :
أنا مَن يهوى ومّن يهوى أنا ...
فأكملتُ هذا البيت بصوتٍ خفيض خجول :
نحنُ روحانِ أحلا بَدَنا
إنتفضَ الشيخُ صاحبنا الطاعنُ في السن الذي منعه أهله من الزواج بخادم منزله ، إنتفضَ صارخاً محتجا ً من ظلمة قبره قائلاً : ويلكم يا ظَلَمة ، ويلكم من عذاب الآخرة ، ظلمتوني ولم تسمحوا لي أنْ أمارس نفسي وباقي حياتي وأنْ أمتعَّ سيدةً كانت تخدمكم جميعاً طبخا ً وغسيلاً وتنظيفا ً وتسوّقاً ... ما أظلمكم من بشر معتوه لا تفكرون إلا بالمال والميراث وتحرمون أباكم من حقوقه في دنياه ومن مُتع الحياة التي خلقت معه له . ما أشدَّ ظلمَ الإنسان لأخيه ووالده الإنسان . تقرأون شعر علماء الصوفية لكنكم لا تمتثلون لما جاء فيها من سحر وحقيقة وبيان . لقد كنتُ أزمعتُ الأخذ بمعنى هذا البيت الشعري البليغ [ نحنُ روحانِ أحلا بَدنا ] لكنكم الويلُ الويلُ لكم وقفتم حَجرَ عثرة ٍ في سبيلي ومنعتم عني المعروف وظلمتموني وظلمتم تلك المرأة المسكينة التي تنازلت ووافقت على الزواج مني شيخاً لكني معافى قويّ البنية والعضلات ... الويلُ لكم من عذاب الآخرة يا أولاد الأفاعي ... الويلُ لكم من عذاب نار جهنم ... سأواجهكم واحداً واحداً يومَ الحساب .
كم نوعا ً من السقوط يعرفها بنو البشر ؟
1ـ السقوط في الإختبارات المدرسية
2ـ السقوط فوقَ الأرض أثناء المشي أو من سطح دارٍ أو بناية ٍ أو شجرة وحصول آلام أو جروح أو كسور ... وقد سقطتُ ـ لعلمك أخي ـ أواخرَ شهر كانون الثاني من هذا العام 2008 متزحلقاً على جليد الشتاء فتهشّمَ إصبعان من كفيَ اليمنى وما زلتُ أعاني من بعض ألم ٍ وبعض مشاكل في حركة الإصبعين رغم العلاج والتجبير بالجبس والأدوية ثم فترة التأهيل والمساجات الخاصة . تلك كانت الكسور الأولى في عظامي خلال كل مسيرة حياتي الطويلة .
3ـ السقوط الخُلقي في السن المحددة التي جرى حولها الحديث قبلَ قليلٍ ، وكان نموذجها الشيخ الطاعن في سنه الذي راود خادم منزله ثم عرض عليها الزواجَ وهو في أرذلِ العمر .
4 ـ السقوط في حفرة تحت الأرض وهو السقوط الأخير للإنسان : الموت ، وهو أشنع السقطات وأقلها ألماً لمن يسقط في حفرته !!
عاد الشيخُ الطاعنُ في سنه من ظلمة ِ حفرته فأضحكني إذ ْ قال ضاحكاً هازئا ً شامتا ً : الحمدُ لله ... الف الحمدُ لله ... لم أعرف في حياتي إلا سقوطين إثنين لا أكثر ... ذاك الذي سميتموه إجحافا ً وظلما ً بالسقوط الخُلقي ، ثم السقوط الأخير الذي ليس له من إستثناءٍ أو مهرب ٍ ... كلُّ مَن عليها فان ٍ زائل ٌ . لم أدخلْ مدرسة ً في حياتي وما سقطت من سطح دار ٍ أو شجرة ٍ أو من على ظهر مطية أو فرس .
الثلاثاء، نوفمبر 25، 2008
سِنُ وسَنة ُ السقوط
Labels:
عدنان الظاهر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق