عوني وتد
اعتدنا الجلوس انا وبعض الأصحاب في متنزه يبعد عن جدار العزل بضع عشرات الامتار،جدارٌ محكم المنافذ ،عالي المتراس،تطل من خلفه قرية زيتا الشعراوية في قضاء طولكرم الشماء، قرية جريحة كانت بالامس القريب تعانق مشارف قريتنا ،وتحتضن سهولنا وروابينا سواعد ابنائها وبناتها الذين يلتقطون لقمة عيشهم بتفانٍ واخلاص... واذا بصوت تشويقةٍ شجيّةٍ تقطع اطراف حديثنا، وتدمي قلوبنا : بَعَايِدْ يا دَمِعْ عِينِي بَعَايِدْ / بَقيِتُوا قْرابْ وَاصْبَحْتُوا بَعَايِدْ / وَجانَا العيد ، مينْ بَدّي أعَايِدْ ؟! / عَلى الْفُرْقَه والا عَلِحْبابْ " . زغرودة من تشاويق والدة الشهيد "خالد ابو العز " الزيتاوي ، والمعروف باسم (ابو احمد قاهر الجدار)، تغريبة ام ثكلى ،تعلو كل مغيب مع موعد عودته من العمل في حقول قريتنا .شهيد روى بدمائه الزكية ثرى قرية زيتا الشعراوية،وأرتقت روحه الى باريها بالقرب من بيته الصامد ، بين حقول اللوز والزيتون ، والتي اقتلعتها واجتثت جذورها ، براثن جدارالفصل والعزل الملعون.
لَـوْ كَانت في الجِدَارِ .." فَتْحَهٌ " !! لجلست استرق سماع زغاريد الحاجة " زينب " والدة الشهيد .أيّ تنهيدة تَرُدّ صدر قلب يَتَصَدَعُ الماً على فراق واسطة عقده ؟! ايّ ميجَنَةٍ تَصُدّ دمعة أبٍ يتلوع حسرة ًعلى عناق قرة عينِه ؟! أيّ اهزوجة تسدّ رمق وليد يترعرع ميتّماً لرحيل عامود بيته ؟! سبع سنوات طُويَت من ملحمة البطل المُسَجّى، والذي ما زال يُحْتجَزُ في برادات الموتى! تجمدت قضيته، وتجار المفاوضات يتزلجون فوق دمائه المتجمدة ، وفق أنغام وألحان املاءات "البارتنر " العنيد. كُسرّت الاطراف .. فجَبَرَ النصرُ كسرها،هُتِكَت الاعراض ..فغسل الطُهرُ عارها، أعتُقِلت النسور والماجدات..فحطّم الصبرُ اسرها . اما في عهد المفاوض الميمون ،حُبِس الشهيد ، وهُدّم القبرُ، وقطّعَ الجدار اوصالنا. وما زال جثمان البطل مسجى في برادات الموت ينتظر دفنه في اكناف قريته الصابره! لَـوْ كَانت في الجِدَارِ .." فَتْحَهٌ " !! لتسللت نحوها وبيدي وردة من تلتنا، وسنبلة قمح من حواكيرنا ..وردةٌ من "يوسف الصديق" تنثر عبق عطرها لبيوت الاسرى والمعتقلين ، تحمل البشرى لزوجات واولاد الاسرى في غياهب الزنازين ،تحمل كسرة خبز للاطفال اليتامى والبائسين. وردةٌ تجدد بيعة وقَسَمَ "مؤسسات الاقصى" باننا على العهد الأمين. وسنبلة قمح.. أبذر حباتها خلف الجدار ، تتحدى الحصار،تخرس الأعصار، وتزحف لتعانق الامطار، وتطرح حباتها المجد للصابرين، لَـوْ كَانت في الجِدَارِ .." فَتْحَهٌ " !! لأصطحبت الحاجة "ام نضال" ، تمد يدها المباركة عبرها، لتقبلها ابنتها "عائشة " ،المبعدة عن حنانها ،المشتاقة لأحتضانها منذ سنين. علّها تخفف أحزانها ،وتزيل غبار بُعادها ، وتمسح هامات احفادها برفق ولين ، وتغني لهم جدتهم العجوز، اغنية اللقاء : وَنا لَعّنْ عنّاتي بقلبي / علّي ذَوّبوا شَحْمي بقلبي / سألتْ الدار :وينْ احبابْ قلبي؟ / قالت : غُيابْ ما منهُم حَدا .
لَـوْ كَانت في الجِدَارِ .." فَتْحَهٌ " !! لأودعت فيها رسالة من طفلة اسير منسيّ خلف قضبان الجلبوع ، واسوار عسقلان ، طفلة فلسطينية ابنة " ثمانية واربعين شهراً " ، تحدثكم عن أغاني الحرية ، وطول ليالي الحرمان.. تستجدي سماحة حقائبكم ! تلتمس سطراً واحداً في ملفات مباحثاتكم ، وثوابت مواقفكم ! هل لحرية ابيها نصيب من تشدقات خطاباتكم؟ وتأتآت سجلاتكم ؟! وستصرخ طفلتنا في وجوهكم ! : " أحكموا البناء ، أغلقوا الفتحات ، ازرعوا الاشواك والاسلاك ، علّوا الابراج فوق التلال ، فمآذن التكبير اسمى ، واجراس الكنائس اعلى، فأن كنتم قد عجزتم عن مطالبنا ،وتنصلتم لقضيتنا ، فدعاؤنا وابتهالنا ارفع وأجدى " . وسنتزع من بين خصلات شعرها نشطة بيضاء ، ترفعها زعاماتنا وكل قياداتنا عند مؤتمرات هزائم اللقاء ، ويعقدها شعبنا الأبيّ راية صُلح ومحبة بين الاشقاء. لَـوْ كَانت في الجِدَارِ .." فَتْحَهٌ " !! لجعلتها منبراً يحكي للعالم أمجاد الكرامة والعزة ، من هاشميين أشاوسٍ يتحدون الجوع في غزه ، من مخيمات ترفض الركوع بثباتها ،وتقهر الكوارث والخنق بصمودها، امة جعلت من دموع الصبر دواء ، ومن ظلمة الحصار كهرباء ، ألا ليت شعري ! فالبارحة بكى العالم برمته لقتل وزه، فما باله اليوم يصمت لموت مريضٍ في غزه؟؟ يا حكام الدجل! ويا ولاة "الأزل " ! غزة لا تبتغي جَذْوة من حماساتكم لتصطلي من البرد ، ولا تريد سيفاً من هزائمكم لتصدّ المعتدي ، فقد اوصدتم في وجهها الحدود ،واقمتم المتاريس والسدود ..وأطلقتم رصاص الكنانة على ملتمسي الخبز والماء .عجباً لمن يسوس أمته ، ويفقد نخوته، وليس في وجهه ماء الحياء !
( من ضحايا كوارث الصرف الصحي في غزة)
ليت شعري على راحتي! امسح للطفل دمعه/ليت شعري درعا واقٍ! يحمي أطفال غزه/كيف اجعل من معاني الشعر شمعة؟! تنير عتمة ليل،تكشف ضرّ وَيْل.. في بلاد حل الظلام فيها وَخَيّم/ومليك ومُعَظّم./ليت شعري دمعة! تحجب دمعه/بعدما حل حصار المخيم./لم أعد أدرك شمسي..لم اعد أعرف أمسي! رغم قصفي بنيران، تجعل الليل نهارا./تجعل ألأخضر هشيماً ودمارا/لم اعد اخشي عدوي،لا،ولا اهاب الظلام!/انما اخشى العروبة،وأهاب تجار السلام/أهاب من عانق أكتاف اللئام/من راهن بالحلم..وهادن الظلم/ورأى انياب الذئاب..اسراب حَمَام. (تسونامي فلسطين)
لَـوْ لم تكن في الجِدَارِ .." فَتْحَهٌ " !! لأطلقت طائرة ورقية من أحلام اطفال فلسطين ، وزغاريد امهات فلسطين ،تحوم فوق قصوركم ،وشاليهات مقايضاتكم ومنتجعات أطماعكم ، وتلقى لكم شهادة رُسّمَت حروفها بالعبرية ،وزيّنت أجنحتها بزخرفات اجنبية ،وفقا لمعهد مواصفات البناء العصريه محدودة الضمان ، تشهد بالفخر والتقدير والأمتنان ،لأعوان الجدار ، ولحماة وبناة الجدار، وتشيد بكل الاخلاص والوفاء لمصانع وشركات اسمنت " ابي العلاء" المسلح ، وانجازاته القومية في مشاريع البناء ومخططات الاعمار.
لكم جداركم! ولنا " فتحات" امل واصرار . فأحكموا جداركم! اوصدّوا الفتحات ! امام نفخ ناياتنا ، ونفح اطلالات ورودنا، وزحف سنابلنا الفلسطينية، وعصف رساثل أطفالنا الشجيّه ، واختراق ايادي امهاتنا الأبيه ، وانطلاق طائراتنا الورقيه .. فسيأتي يومٌ .. تضربون عنده رؤوسكم بالجدار. وسيكتب التاريخ بحروف من ذهب : " خالدُنا " الشهيد مات ، ولم تمت زيتا، وسور برلين أردَاهُ الدمار !
(فلسطين)
الأحد، نوفمبر 02، 2008
لَـوْ كَانت في الجِدَارِ .. فَتْحَهٌ
Labels:
عوني وتد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق