د. عدنان الظاهر
مَن هنَّ الفتيات الثلاث وكيف إجتمعنَ في العاصمة الجيكية براغ ؟ سؤال لا يخلو من بعض وجاهة ٍ في زمنٍ ضاعت فيه الوجاهات ! لا تُطلْ الكلام ... أجب أولاً وتفلسف في أسئلتك ثانيا ً . إنك وحقي عليكَ لَرَجلٌ صاعق ٌ مخيف ، سأجيبُ فلا تؤاخذني يا إبنَ أمي ولا تأخذ بلحيتي التي لا وجودَ لها . إنهنَّ حسب تسلسل ( أو تسنسل ) أعمارهنَّ كما يلي : سهامُ الجبل ثم عشتارُ بابلَ ثم دنيا الوطن . كاد أنْ يشهقَ فزِعا ً صاحبي ... دنيا الوطن ؟ نعم يا صاحبي ، إنها هكذا ... هكذا أسمت نفسها ... دنيا الوطن بعدَ أنْ هجرت زوجها اللئيم القاسي وتركتْ وطنها الأصل ثم راحت تبحث لها عن وطن ٍ بديل حتى وجدته أخيرا ً... وجدتْ لها بديلا ً من وطنها أجمل منه وأكبر وأكثر إنتظاماً ونظاما ً. قلتَ إنها هجرت زوجها ولكنْ ماذا عن الفتاتين الأخريين؟ ماذا بهنَّ ؟ أقصد بسؤالي الحالة الزوجية لهنَّ . الأولى متزوجة من رجل غيور يُحصي عليها أنفاسها حتى إنه فرض على حاسوبها رقابة بوليسية صارمة يدقق فيما يرد إليه وما يصدر عنه من رسائل وغير الرسائل . طيّبْ ، وماذا عن ثالثة الأثافي ؟ أمرها معقّد ٌ قليلاً وغير طبيعي. ماذا تعني ؟ أعني أنها عشتار بابلَ آلهة الخصب والجنس والتناسل وإدامة الحياة على سطح كوكبنا الأرضي ... إنها هي عشتارُ نفسها ـ يا سبحانَ الله ـ تمارسُ اليومَ مهة العنوسة القاتلة ! العنوسة ؟ كيف تكون عشتارُ عانساً ؟ إسالْ روحك ... إسالْ نبيّكَ ... إسألْ مليكها حمورابي ... إسألْ سكَنةَ ومواطني مملكة بابلَ ولا تسلني . مصيبة ،
أجلْ ، إنها مصيبة حقيقية . هيا وقصَّ عليَّ حكاياتهنَّ في مدينة براغ حسب تسلسل أعمارهنَّ لا حسبَ الحروف الأبجدية لأسمائهنَّ الحُسنى .
أولا ً / تحدثت سهام الجبل فقالت :
إني كما تعلمون يا صحاب أديبة أحب الأدباء والشعراء كثيراً وأميل بطبيعتي إليهم . وعندما قرَّ قراري أنْ أزورَ العاصمة الجيكية براغ كنتُ على علم ٍ أنَّ فيها مركزاً خاصا ً بالشاعر العراقي الراحل الشيخ محمد مهدي الجواهري . قلتُ في نفسي إنها ستكونُ واحدة من المناسبات النادرة أنْ أزور مُقامَ هذا الشاعر وأنْ أرى صوره تزين جدران المركز وأنْ أسمع صوته هادراً ينشدُ أجملَ أشعاره وأكثرها شهرة ً . ثم قد منيّتُ النفسَ
أنْ ألتقي بمن يشرح لي جوانبَ من تأريخ الرجل أو أنْ أجدَ هناك ما أقرأه عنه من صفحات سِفر حياته الصاخبة الطويلة والعريضة . إتصلت مِراراً تلفونياً بالمركز فلم يردَّ أحدٌ على تلفوناتي . بعثتُ برسالة الكترونية أسالُ فيها تزويدي بعنوان المركز كيما يتسنى لي زيارته في الوقت الذي يحدده القائمون عليه . إنتظرتُ وإنتظرتُ سُدىً حيث لم أستلمْ جوابا ً . لا أعرف أحداً في هذه العاصمة القديمة الجميلة كي أسأله عن العنوان ولا أعرف لغة أهل البلد بل وحتى موظفو إستعلامات الفندق ذي النجوم الأربع لا يعرفون شيئاً عن هذا المركز ولم يفلحْ أحدٌ منهم في إيجاد حل ٍ لمعضلتي مع مسؤوليهِ . ما الحلُ إذا ً وكيف السبيلُ للوصول إلى الجواهري ؟ هل ألعنُ عاثرَ حظي أم ألومُ نفسي ؟ كلا ، إني في الأساس جئتُ إلى براغ وفي رأسي مشاريع عدّة ما كانت زيارة مركز الجواهري إلا واحدة أخرى في مسلسل الأولويات . مرّت أيامٌ عدّة أستطعتُ خلالها إنجاز مهماتي وتعرّفتُ جيداً على معالم المدينة ومتاحفها ومسارحها وقمتُ بجولتين نهريتين على ظهور الزوارق جيئة ً وذهابا ً خلال نهر
( فولتافا ) الفائق الجمال والذي يشق ُّ العاصمة إلى نصفين غير متكافئين مساحة ً كما يبدوان لي . كنتُ أعود لفندقي مبكرة ً وآوي إلى فراشي لشدة تعبي وكثرة ما قطعتُ من مسافات ٍ للتعرف بشكل جيد على المدينة وشوارعها ومخازنها الحديثة العملاقة . حتى كانت ليلة غاية في غرابتها وكانت ليلتي قبلَ الأخيرة في براغ . تراءى لي في الحلم أني أقرأُ في لوحة ضوئية معلقة ٍ في رقبة حصان النصب التذكاري العملاق للقديس
( فاتسلاف ) المقابل للمتحف الوطني والمقام في بداية الساحة السياحية الشهيرة التي تحمل إسمه ( ساحة فاتسلاف ) ... تراءى لي أني أقرأ بالحروف العربية ثلاثة َ أسماءِ أعلام ٍ لرجلين وإمرأة هي : بلاء ، عواء،
شيرين ، مكتوب تحتها مباشرة ً : هؤلاءِ هم بعض عارفي عنوانَ مركز أبي فراتٍ الجواهري .أفقتُ من نومي مذعورة ً وكانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل . أحسست بظمأ شديد وجفاف في شفتيَّ وفي لساني . شربتُ زجاجة َ ماءٍ معدنيٍّ بحجمِ لتر ونصف اللتر . تعوذتُ من الشيطان. جفاني النوم وفارقتني الرغبة ُ فيه . إنتظرتُ حتى حانت الساعة ُ الخامسة ُ فجراً فإرتديتُ ملابسي كيفما إتفقَ ويممتُ وجهي صوبَ النصب التذكاري العملاق من المرمر الأسود اللماع وكان قريباً جداً من موقع فندقي المسمى ( إليسيه )
Elysee
هُرعتُ إليه مُهرولة ً غير مصدّقة ٍ لما حدث لي في نومي قبل حوالي الساعتين من الزمان . دنوتُ من التمثال حَذِرة ً وَجِلة ً أتلفتُ يمنة ً ويسرة ً خوفا ً من حَدث ٍ لا أعرفُ مغزاه وتفاصيله . كان ما زال الصباحُ معتماً كثيرَ الندى قليلَ البرد فأصابني ذهولٌ شاملٌ والكثير من الإحباط والخيبة . لم أرَ لوحاً ضوئيا ً معلقا ً في رقبة حصان القديس فاتسلاف . إقتربتُ من مرمر التمثال أكثر فأكثر وتحسسته بكفيَّ وعينايَ شاخصتان تتمليان وتتأملان رقبة الحصان ثم أجزاء جسده الأخرى ولا سيما قوائمه الأربع وذيله الكث المجدّل المرفوع بشموخ وعنجهية ناحية السماء . بقيتُ كذلك متسمرة ً شبهَ شلاء ثم حركت رأسي قليلاً نحو الأعلى فكدتُ أُجنُّ : رأيتُ القديس يبتسمُ لي ساخراً صامتا ً كأبلغ ما يكونُ الصمتُ تعبيراً عن الكلام . كانت إبتسامته ساخرة ً شامتة ً تركتني أشعر بضعفي وصَغاري وهواني فتمنيتُ لو لم تلدني أمي ولم أغامرْ بزيارة هذه العاصمة ولا قد حاولتُ التعرفَّ على مُقام الشاعر الجواهري ولا تلفنتُ ولا سألتُ ولا أرسلتُ رسالة ً ألكترونية . تمنيتُ لو أستطيعُ تحطيمَ هذا النصب التذكاري الهائل بكفيَّ أو بنطحة ٍ من رأسي أو برفسة ٍ من أقدامي كما تفعلُ بعض الخيول غير الأصيلة . لماذا يسخرُ قديسُ براغ مني وقد أتيته سائحة ً من بلدان بعيدة ؟ تهاويتُ منهارة ً على مصطبة ٍ تقع خلف ظهر القديس وذيل حصانه الشامخ بإباء وعزٍّ . حاولتُ لشعوري بالذل والهوان أن أبكي لكنَّ الدموعَ خانتني بل أنا التي خنتها . كتمتها لأني لم أشأ أنْ أفضحَ ضعفي وإنهياري بحضور القديس وجواده اللذين سخرا مني وضحكا عليَّ . نمتُ على تلك المصطبة منكّسة َ الرأس ِ حتى تناهت لي أصواتُ مارّة ٍ وهديرُ محركات بعض سيارات التاكسي . نهضتُ متثاقلة ً خائرة َ القوى غير راغبة ٍ بالعودة إلى فندقي لأريحَ نفسي وأسكّنَ هياجَ أعصابي بحمّام ٍ ساخن ٍ ثم أتناولُ فطوري في مطعم الفندق كما إعتدتُ عليه صباح كل يوم بين الساعة الثامنة والتاسعة . بقيتُ واقفة ً هناك عاجزة ً عن تحريك أيِّ جزء ٍ في جسدي المتعب . كانت حركة ُ البشر والسيارات في تزايدٍ مستمرٍّ مع مرور الوقت ومع صعودِ ضوءِ الصباح إلى الأفق الأعلى وكانت معنوياتي هي الأخرى تتحسن وقوايَ الجسمانية تعودُ إليَّ تدريجاً فقررتُ العودة للفندق بين الحالمة واليقظى غير مصدّقة ٍ لما حدث . نمتُ قليلاً وأخذتُ حمّاما ً شديد السخونة فإرتفعت فيَّ الرغبة في مواصلة الحياة وزال الكثيرُ من تعبي وإختفت الهمومُ فشرعتُ أغني كعادتي كلما دخلتُ حمام بيتي .
أنهت سهامُ الجبل قصتها في براغ فدخلنا جميعاً في حالة من السهوم والوجوم وطالَ الصمتُ الثقيلُ حتى كسرتُ حالة الصمت طالباً من سهام أن تعيدَ على مسامعنا تلك الأغنية التي غنّت في حمام فندقها في براغ قريباً من حصان القديس فإعتذرت قائلة ً لكل مقام ٍ مقال ولكلِّ حالة ٍ حال.
ثانياً / تحدثتْ عشتارُ بابلَ فقالت :
تعلمون أني عشتارُ آلهة الجنس والخصب والتكاثر وإنَّ مليكَ بابلَ العظيم حمورابي كان قد أحالني على التقاعد لأني زرتُ صديقاً دون أخذ الإذن منه . غدوتُ بعد التقاعد المبكر أصطنعُ دورَ إمرأة ٍ عانس فلا جنس مقدس أمارسه ولا غير مقدس . ثم وقد تجاوزتُ الثلاثين من عمري لم تعدْ أمامي أية فرصة للزواج في مملكة بابل فرجالها يفضلون الصبيات المراهقات الفوّارات الدم وأنا كما ترون لستُ كذلك . وكما تعلمون إنَّ جبّارَ سومرَ جلجامش نعتني ذات يوم بأني قربة ٌ مثقوبة ٌ وموقد ٌ ليس فيه نارٌ . الخلاصة أني تقاعدت مرتين لا مرة واحدة ... تقاعدتُ من وظيفتي مستشارة ً وناطقة ً رسمية ً بإسم صاحب الجلالة حمورابي ثم أعفاني من مهماتي الآخرى الأكثر خطورة ً والأعظم أجراً ورزقاً كآلهة للتناسل والجنس المقدس . أردتُ من هذه المقدمة الطويلة أنْ أخلص للقول أني وبحكم واقعي الحالي والسابق أميلُ كثيراً لقصص وحوادث الجنس وباقي شؤون النساء الخاصة / العامة . في فندقي ذي النجوم الثلاث في براغ المسمى ( المدينة الذهبية )
The Golden City
وجدتُ ضالتي التي أنشدُ والجوَّ الشديدَ الخصوصية الذي أرومُ . عقدتُ علاقات ٍ متينة بالكثير من عاملات الفندق اللواتي أتين من جمهورية أوكرانيا بعقودِ خدمة ٍ مؤقتة ٍ لعام واحد كمنظفات ومرتبِّات حُجر نزلاء الفندق . لفتنَ نظري بشبابهنَّ وحيويتهنَّ وأناقة ما يرتدين فقررت تأسيس روابطَ صداقةٍ مع أغلبهنَّ فدعوتهنَّ عدةَ مرات ٍ لتناول طعام العشاء في مطعم يقابل الفندق . أو للتمشيات الطويلة في مركز المدينة أو للإلتقاء بي في حجرة نومي . وكنتُ لا أبخل عليهن بتقديم أنواع النستلات والحلوى وبعض النقود والملابس . جررتهنَّ الواحدة بعد الأخرى للحديث عن قصة وصولها براغ ومسألة التعاقد مع الفندق فقالت الأولى منهنَّ وإسمها
( تانيا ) :
قرأتُ في الصحف إعلاناً يدعو الفتيات المثقفات الجميلات اللواتي يتكلمنَّ عدة َ لغات أجنبية للتعاقد على العمل في فنادق مدينة براغ على أن تتنازلَ مَن يقعُ عليها الإختيارُ للشركةِ صاحبة العقد عن مخصصات الشهرين الأول والثاني . مقابلَ ذلك تتعهد الشركة بتوفير السكن في نفس الفندق . ماذا عن الضمان الصحي أو حق العلاج الطبي أو التقاعد ؟ لا شئ ، لا شئ بالمرّة . مَن تمرّض فلتمرض ْ ومَن تمتْ فلتمتْ وهذا قدرها وهذه رغبتها في العمل حيث البطالة هناك في قريتي في أوكرانيا ولا من فرصة للعمل . أنا ـ قالت تانيا ـ شابة ٌ مطلقة ٌ أعيشُ مع والدتي على مورد شهري مقداره 70 دولاراً فقط . لكننا مكتفون ذاتياً تقريباً حيثُ في حوزتنا مجموعة من الأبقار والماعز وعدد كبير من الدجاج ونزرع في حديقة بيتنا الواسعة خُضار الصيف وفيها أشجار فاكهة ٍ منوَّعة ٍ كالتفاح والكمثرى والعنجاص والتين الشوكي ثم نبيعُ الورود على قارعة الطريق. نصنع ـ قالت تانيا ـ من حليب الأبقار والماعيز الجبنة وباقي مشتقات الزبدة وتأتينا من دجاجنا أعداد ٌ كبيرة ٌ من البيض نأكل بعضه ، نبيعُ البعضَ الآخرَ ونوّزع باقيه على الجيران . قد تبدو للعين هذه الحياة كالجنة وهي كذلك لولا أمر واحد يخصني بالدرجة الأولى والأخيرة . قلت إني إمرأة شابة ٌ مطلقة ٌ شديدة السخونة وليس في قريتنا فرص ٌ لعقد صداقات مناسِبة لقلة الرجال أولاً ولمتانة الصداقات الحميمة التي تربط عوائل الجيران ببعضهم ثانياً فمع مَن أمارسُ الجنسَ الذي تعوّدتُ عليه زمن الزواج حتى كنتُ أُكثرُ منه مع زوجي السابق الذي كان يهوى ممارسته أكثر مني . وجدتُ في فرصة العمل خارج قريتي الأوكراينيّة الصغيرة المحافظة أملا ً بالتعرف على رجال ٍ مناسبين أختارهم من بين نزلاء الفندق الذي سأعمل فيه أو ربما خارج نطاق العمل . وبالفعل ـ قالت تانيا ـ نجحتْ صديقتي ( ماريا ) مَثلا ً في العثور على زوج جيكي وعقدت ( أولغا ) صداقة عميقة مع رجل يسكن مع شقيقته في بيت كبير في ضواحي مدينة براغ تذهبُ إليه مساءَ كلِّ يوم ٍ بعد أنْ ننهي أعمالنا في الفندق ولا تعود إلا فجرَ اليومِ التالي مُنهكة ً خائرة َ القوى شاحبة َ الوجه . أما أنا ـ قالت تانيا ـ فكنتُ أختارُ رجالاً متوسطي الأعمار أو من بين الكهول الوسيمين الأنيقين من بين ضيوف الفندق لأني أعرف من خبرات سابقة ، تجمّعتْ لديَّ خلال عملي السابق في جزيرة قبرص ، ماذا يريدُ أمثالُ هؤلاءِ الرجال من المرأة وغدوتُ خبيرة ً من الدرجة الأولى في كيفية تطمين حاجاتهم الجنسية حسب أعمارهم وقدراتهم الجسدية وأي صنف من صنوف الجنس يلائمهم وكنتُ أزورهم ليلاً حسب الوقت الذي يناسبهم حاملة ً لهم معي إصبعَ الكوندوم الواقي من الحمل ومرض الأيدز. يتعلقُ بي الكثيرُ منهم فيبالغون في تكريمي ويقدمون لي الهدايا المنوَّعة ويوجهون لي العديد من الدعوات لتناول طعام العشاء في المطاعم الراقية. كما يترك معي الكثيرُ منهم أرقام تلفوناتهم مع وعدٍ بالمجيء ثانية ً إلى براغ خصيصا ً للإلتقاء بي . هنا أجد النقود الكافية التي لا تتوفر لي في قريتي الأوكراينية حيث أكسب من خدمتي في الفندق 500 دولاراً أمريكياً في الشهر فضلاً عن البخشيش وهدايا عشاقي . ثمَّ هنا يتوفر الجنس الذي أريد فما الذي يغريني بالبقاء هناك في قرية معزولة لا أمارسُ فيها إلا علف وحلب الأبقار والماعيز وجمع بيض الدجاج والعناية بالحديقة الشاسعة ؟
إنتهى بيانُ عشتارَ فنظر كل واحدٍ منا في وجوه باقي أصحابه مندهشين مما قصّت علينا عشتارُ . بعد فترة صمتٍ قصيرة ٍ تساءلتُ هل من أسئلة لديكنَّ يا رفيقات ؟ توزّعت النظراتُ بينهنَّ متهيبات ٍ من توجيه أسئلة ٍ لالهةٍ شهيرةٍ تنتسب بجسدها لعالمهنَّ المألوف حتى حثثتهنَّ على توجيه بعض الأسئلة من باب تغيير الأجواء التي خيّمت على مجلسنا بين ذهول وعَجب وإستغراب . تململت سهامُ الجبل وتنحنحت ثم غيّرت وضعَ ساقيها على بعضهما فتهيأ للجميع أنها هي من ستبادر إلى توجيه الأسئلة لكنها خيّبت الظنَّ منسحبة ً لتدخنَّ سيجارةً آخرى جديدة . صوّبتُ ناظري تجاه
( دنيا الوطن ) ففهمتْ على الفور أني أريدها أنْ تتكلم . تكلمت بالفعل فقالت متسائلة ً يا عشتارُ : أودُ أنْ أسألكِ سؤالاً شديد َ الخصوصية فهل تسمحين ؟ بكل سرور ... أجابتْ عشتارُ . هل عقدتِ صداقات حميمة جداً جداً مع بعض هؤلاء الفتيات الجميلات الأنيقات الشديدات السخونة ؟ أعني هل وقعتِ في حب البعض منهنَّ ... إذا سمحتِ ؟ تحرّجتْ عشتارُ كثيراً وإحمرّت وجنتاها فطلبتْ سيجارة ً من سهام . سحبتْ نَفَساً عميقاً ولم تطلق دخانه في الفضاء . ركّزت عينيها في الأرض ، رفعت رأسها متطلعة ً في وجوه الحاضرين بشيءٍ من التحدي ثم قالت : نعم ، قد أحببتُ ( تانيا ) الجسورة الجريئة الشديدة السخونة الرائعة الذوق في إختيار الملابس والألوان . تجاوبتْ على الفور معي بعد أنْ أغدقتُ عليها الهدايا الثمينة والنقود فإنصرفتْ لي وأهملتْ صيدَ كهولِ الرجال ِ طيلة َ فترة بقائي في الفندق . وحين أزمعتُ على المغادرة كان يوماً عصيباً عليها وعليَّ حيث غرقنا بالدموع والنحيب والقبل الشاذة فتعرينا وقضينا الليلة َ تلك سوية ً في فراشي جنساً وحباً وقبلا ً وعضّا ً ونبيذاً .
توقفتْ عشتارُ عن الكلامِ فتنهدّت سهامُ عميقاً في حين ظلت دنيا الوطن مبتسة ً طوال الوقت إبتسامة ً غامضة ً ملتبسة ً لا من تفسير لها . عببنا المزيد من كؤوس البيرة الباردة والنبيذ الأحمر القاني نصف الجاف وأكثر من التدخين مَن أكثر وتثاءبَ مَن تثاءب غير أني ، بإعتباري منظّم اللقاء وصاحب الفكرة والمنتج والمخرج ، أشرتُ على السيدة ( دنيا الوطن ) أن تتهيأ َ لتقصَّ علينا حكايتها في مدينة براغ .
ثالثا ً / دنيا الوطن تقصُّ حكايتها
قالت دنيا الوطن إنَّ قصتي تختلف كثيراً عن قصص زميلتيَّ السابقتين . لا علاقة لي بالجواهري رغمَ أني أحب الأدب وأقرأ القصص وأحاول في بعض الأحيان أن أكتب بعض خواطري وذكرياتي القديمة . ثمَّ إني إمرأة ٌ مطلقة لبرالية النزوع شديدة الإعتداد بنفسي أعبد إستقلالي وأحترم حدودي ولستُ مهتمة ً بقصص البنات وتفاصيل حياتهنَّ الخاصة . قصتي فيها بعض اللوعة وفيها بعض الحزن الشفاف الذي ينطوي على بعض الندم على أمور فاتت أو أنا التي فوّتها على نفسي وما يفوتُ وما يمرُّ في الحياة لا يعودُ وهيهات أنْ يعودَ القهقرى . بداية ُ قصتي مع مدينة براغ التي أزورها لأولِّ مرة ٍ كما يلي : عرض عليَّ صديقٌ قبل عامين أن نلتقي هنا وأن نمضّي عشرة أيام كاملة ٍ ضيفة ً عليه سَكناً وطعاما ً وشراباً وتنقلات ٍ وباقي متعلقات السياحة . عرضَ عليَّ السكنَ في حجرتين منفصلتين في فندق واحد ذي أربع نجوم يسمى
Olypic I
أو السكن في حجرة ٍ واحدة ٍ كبيرة ٍ بسريرين منفصلين في هذا الفندق . قبلتُ العَرضَ الثاني بشكل أوليٍّ شرطَ أنْ لا نمارسَ الجنسَ أبداً . ثم أعدتُ النظرَ في قراري فإرتأيتُ أني كنتُ على خطأ جسيم . تساءلتُ لِمَ أضيّع على نفسي فرصة ً نادرة ً مؤاتية ً في أنْ أمارسَ الجنسَ في مدينة جميلة لم أرَهَا قبلاً مع صديق أعجبتني صورته دونَ أنْ أراه . فكرّتُ في الأمر طويلاً خاصة ً في الليالي حتى أصابني أرَق ٌ شديدُ الوطأة . الحَّ عليَّ حرماني الجنسي الذي لم أمارسه منذ أنْ إفترقتُ عن زوجيَ السابق بالطلاق . العمرُ يتقدمُ والحرمانُ تثقل وطأته فتزدادُ الهمومُ وتتشعبُ الأفكارُ حتى إني كنتُ أشعر في بعض الأحايين بالندم على قراري بالإنفصال عن الزوج . المشاكل المحتملة مع زوج أفضل بكثير من الوقوع تحت طائلة ومطارق الحرمان خاصة ً في ليالي الشتاء الطويلة وبالأخص في موسم تساقط الثلوج حيث يحتاجُ جسدُ المرأة لدفء مُضاعَفٍ . قررتُ بعد المعاناة وعذاب التفكير والتأنيب والندم أنْ أقبلَ شروط صديقي بالرضوخ لإرادته والتجاوب مع رغبته في ممارسة الجنس معي وما الذي يمنعنا من إتيانِ ذلك ونحن نشترك في حجرة واحدة بسريرين متجاورين يمكن بسهولة ضمهما إلى بعضهما كيما يجتمع الجسدان على سريرعريض واحد . أخبرته بموافقتي ولكنْ ـ يا لغبائي ـ مع شرطٍ آخرَ أخير ٍ هو أنْ لا نمارس الجنسَ معاً إلا بعد مرور بضعة أيامٍ على لقائنا وإجتماعنا في حجرة واحدة . قلتُ له إني أريد أن نتحادث طويلاً أولاً وأنْ نتعرفَ على بعضنا جيداً ثم نفكرُ في مسائل الجنس . هكذا هي طبيعتي فإني لا أستطيعُ أن التقط َ الرجلَ إلتقاطاً بل عليَّ أنْ أتجاوبَ معه نفسياً قبل كل شئ ثم تبدأ مرحلة الهظم والتمثيل أي قبول دخوله عالمي الشديد الخصوصية ... عالم الجسد العميق الأغوار حيث يتقرر مصير علاقتي بالرجل ومدى ديمومتها وعمقها وطبيعتها . غضبَ صديقي من مقترحي ثم قال إنه يسحبُ العرضَ إلا إذا أردتُ أنا تنفيذ المشروع فسيكون التنفيذ على نفقتي الخاصة وأنْ نقيمَ في فندقين منفصلين أو في فندق واحد ولكنْ في حجرتين مستقلتين على أنْ نمضّي الأوقات في المدينة معاً ولا أكثر من ذلك . لم ترق الفكرة ُ لي مقارنة ً بسابقتها فقلتُ له فلنؤجل المشروعَ حتى أجلٍ قادمٍ ولسوف نرى . بقيتْ خيالات المشروع بصيغته الأولى تلحُّ في رأسي وتضغط ُ على أعصاب وحبال الجنس في جسدي حتى قررتُ أنْ أزورَ براغ لوحدي على أمل أنْ أجده فيها وكنتُ أعرف مواعيده المفضلة لزيارة هذه المدينة . وهكذا وجدتُ نفسي وحيدةً أتفحصُ الوجوه في الشوارع والمقاهي والمطاعم وقطارات المترو وحافلات الشوراع وفي المتاحف والمسارح وأينما حللتُ وحيثما ذهبتُ ولكنْ بلا جدوى . لم أفقد الأمل وصورته في رأسي تملأ خيالي وكل وجودي وما ترك فيَّ من إنطباعات جميلة عميقة إذْ تأكدَّ لي يوماً إثرَ يوم ٍ
إنه الرجل الذي أريد وإنه الرجل الذي سيملأ حياتي غبطة ً ومسراتٍ فأسلوبه في الحديث حلو وصورته وسيمة وتأريخه السابق مُغر ٍ وفوق هذا وذاك إقتنعت بأنه الصديق المثالي الواضح والشديد الصراحة وإنه سيحبني مثلما أحبه وإنه سوف لن يخونَ فليس من شيمته خيانة أصدقائه .
أكثرتُ من إرتياد مقاهي الفنادق الراقية مؤملة ً النفس في أنْ أجده هناك فكنتُ لا أغادرُ مطعم ومقهى فندق ( يالطا ) حتى أدخل مطعم ومقهى فندق ( أمباسادور ) ومن هذا إلى مقهى ومطعم ( سلافيا ) المطل على نهر ( فولتافا ) . كأسُ نبيذٍ هنا وفنجانُ قهوة ٍ تركية أو أسبريسو هناك وعشاء في مكانٍ آخر حتى أملّ التطوافَ وحيدة ً تترصدني بعض العيون الفضولية الغريبة فأعودُ إلى فندقي قبيلَ حلولِ الظلام ِ . أستحمُّ طويلاً ثم أفتح جهازَ التلفزيون على بعض البرامج ولا سيما
CNN
لأتابعَ أخبارَ العالم باللغة الإنكليزية . أتناول خلال ذلك الكثير من زجاجات البيرة المخزّنة ِ في ثلاجة حجرتي . أتصل تلفونياً ببعض أهلي وأصدقائي في الوطن حتى يأخذ التعبُ مني مأخذه فـأنامُ عميقاً حتى الساعة السابعة من صباح اليوم التالي . هكذا أمضيتُ عشرة َ أيام ٍ وحيدة ً في مدينة براغ دون أنْ أفقدَ الأمل في لقياه وتمضية بعض الوقت معه هنا أو هناك وظلَّ هذا الأمل ثم تحوَّلَ إلى غُصةٍ حارقة ٍ وجمرة ٍ في دواخلي لا يخمدُ لهيبُها ولستُ أدري كيف ستمضي أموري معه بعد أنْ خسرتُ بغباءٍ مناسبة ً نادرة ً للإلتقاء به والتمتع بأحاديثه وقصصه الجميلة وما في رأسه من خيالات تلهب المشاعر ثم إمكانية ممارسة الجنس معه . قصتي هنا في براغ فيها مشابهٌ من قصة الأوكراينية ( تانيا ) صاحبة الأخت عشتار سوى إني جئتُ أبحثُ عن الجنس فقط مع صديق واحدٍ بعينه لا أبحثُ عن مالٍ إذ لديَّ ولله الحمد منه الكثير مما أتاني من صفقة طلاقي ومما إدخرتُ من عملي مع الزوج السابق .
أنهت ( دنيا الوطن ) أقصوصتها حول زيارتها لمدينة براغ كأنها تخلصت من عبء ثقيل الوطأة أو كأنها أنهت للتوِّ جلسة َ إعترافٍ أمام قسٍّ في كنيسة . إنتبهتُ فجفلتُ ... كانت أنظار الفتيات جميعاً تدور حولي في فضول وتساؤل لكأنما تنتظر تعليقا ً ما مني أنهي فيه جلستنا التي طالت قليلاً ولم نشعرْ بالملل . غيرَ أنَّ السيدة دنيا الوطن طلبت مني بإصرارٍ أنْ أقصَّ عليهنَّ قصتي مع براغ فإعتذرتُ ... قلتُ إنَّ قصتي أطول القصص وأكثرها تعقيداً وغرابة ً فالأفضل لي ولكنَّ أنْ نتركَ أمرَها وأنْ ننساها وقد نعودُ إليها ... ربما نعود إليها في ظرف آخر وزمن ٍ آخر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق