الأربعاء، نوفمبر 12، 2008

مع نصّ: مع إنّكَ غيرُ عاديّ للكاتبة: نوريّة العبيديّ



زياد جيّوسي

في بداية الحديث عن النّصّ، علينا الإنتباه إلى العنوان: مع إنّكَ غيرُ عاديّ، فهنا نجد مخاطبة مباشرة لشخص مجهول، وكأنّها توجّه أصبعها وتشير إليه بضمير المخاطب أنت، وليس مهمًّا أن يكون معلومًا كيّْ نستطيع أن نحلّق مع النّصّ الّذي أبدعته الكاتبة نوريّة العبيديّ من العراق. وما يلفت النّظر في الجزء الأوّل من النّصّ، أنّ الكاتبة تخرج من سياق العنوان ومخاطبة الشّخص المجهول، إلى وصف آخر يفاجئ القارئ الّذي يتوقّع من خلال قراءة العنوان أن يبدأ النّصّ بالتّحدّث مع ذاك المجهول، فهي تصف طاحونة غريبة، طاحونة مجهولة أيضًا بضمير الغائب هي، رغم عدم وجود الضّمائر إلاّ كمستتر. وهذا ما سنلمسه في الجزء الثّالث من النّصّ؛ حيث يكون الضّمير أنا. والطّاحونة قد ترمز من خلالها إلى الحياة والأزمات الّتي تتلّون بألوان شتّى تتناثرُ منها المساحيقُ، فهذه الطّاحونة تطحنُ كلَّ شيءٍ،، ولا تتوقّف حتّى أنّها إن لم تجد ما تطحنه من البذور والقشور، والبذور رمز دائم للحياة وانبثاقها من قلب الموت، تتّجه الطّاحونة إلى الزّهور النّديّة، دلالة على الإستمراريّة بعمليّة السّحق والطّحن، ومن هنا وجدت أنّ الرّمزية تشير للحياة من خلال فهمي للنّصّ.

وما يؤيّد الفكرة لجوء الكاتبة إلى أسلوب التّأكيد من خلال الإنتقال من الفقرة الأولى إلى الفقرة الثّانية بكلمة ميّزتها بلون مختلف عن الكتابة وهي: وتدور، لتنتقل بنا للقسم الثّاني من النّصّ، حيث تسعى للهروب من هذه الطاحونة ألقيت نفسي.. هربًا منها، فتلجأ للّيل هربًا من النّهار. ولكن حتّى الليل بعناصره قمرٍ ونجمةٍ وسماءٍ وروحي- كلّ واحد منها تسحقه الطّاحونة.

وهنا تلجأ الكاتبة مرّة أخرى إلى الإنتقال إلى الجزء الثّالث- بعبارة تتميّز باللون والتّنسيق عمّا سبقها ويليها، فتقول: فبحثت بعيدًا.. لربّما. فالكاتبة بعد أن وضعتنا من خلال العنوان بصورة المخاطبة للمذكّر المجهول، ثمّ انتقلت لوصف الطّاحونة، ثمّ الهروب بلا جدوى من الطّاحونة، تعود بنا لمن خاطبته بالعنوان، فربما كان هو من يملك أن يكون ملجأً ، فهو من تبلغنا منذ البداية أُبلغُ أنَّه غيرُ عاديّ، فهو الأمل الّذي له أن يغيّر الأمور!!!.

الكاتبة تصرّ بنصّها أن تواصل المفاجأة، فبعد أن تنقّلت بنا من وصف الطّاحونة وهروبها منها، ووضعت القارئ بجوّ نفسيّ قلِق، ثمّ الوصول للملجأ غير العادي، حتى نشعر بأنّ النّهاية قد اقتربت من خلاله- ذلك غير العادي، تنقلنا بأسلوب الصّدمة المباشرة إلى القسم الجديد من النّصّ، فتضع كعادتها النّقلة المتميّزة باللون والتّنسيق فتقول فيها: يا لحسرتي.. نسيت. فتعود للطّاحونة من جديد بدون ذكرها بالاسم فتقول: أنّي أُحِطْتُ بخُبْرِها، وهي الّتي لها أن تترك حروف اسمي!!! في شفاهها نازفات، لتنقلنا إلى النتيجة من خلال كلمة تميزها كالعادة في الانتقال بين المقاطع لتقول: إذا.. ، فتخاطب الأمل الّذي اعتبرته غير عاديّ بقولها: عاديّ إن أنت لم تقدم.. ولم تعلن التّحدّي، فتحيله في لحظة إلى المواجهة والى أن يختار التّحدّي فيكون غير عاديّ، أو اللاتحدّي فيصبح عاديًّا، رغم التماس العذر له، وتصل بنا إلى الخاتمة بقولها: لن تتغيّر الأمور وستظلّ تدور، وأنا أدور.

وهكذا نجد أنّ الكاتبة تمكّنت من شدّ القارئ من خلال نصّ متميّز، لم تترك له فسحة من الوقت للهروب ورمي النّصّ جانبًا. فقد اعتمدت أسلوب المفاجأة بين أقسام النّصّ، ولم تترك المجال للحدس أن يصيب بما يمكن أن يكون متوقّعًا في كلّ قسم من أقسام نصّها، وتمكنت من خلال عمليّة الانتقال بين الأقسام بكلمات لوّنتها باللون الأحمر، من شدّ القارئ واجتذابه والانتقال بسرعة للغوص في القسم التّالي. وفي الوقت نفسه لم تلجأ إلى أسلوب التّتابع بسرد الحدث، فعملت على القيام بنقلات غير متوقّعة أعطت للنّصّ جمالاً خاصًّا ومتميّزًا، فكان كلّ قسم عبارة عن لوحة تشكِّل جزءًا من لوحة أكبر وأشمل. ولجأت إلى أسلوب متميّز من خلال استخدام الضّمائر المستترة، أنت، هي، أنا، لتعود لضمير المخاطب غير المستترأنت، وكأنّها كانت تشير بأصبعها إلى وجهه، بلّْ أخال الصّرامة تظهر في ملامح الوجه مع نظرة إشفاق أو سخرية مستترة، حتّى تصل بنا إلى النّتيجة غير المتوقَّعة بأنّ الطّاحونة ستظلّ تدور، بعد أن أصبح الأمل غير العاديّ.. مجرد عاديٍّ.

ليست هناك تعليقات: