الأحد، نوفمبر 09، 2008

ليلى الخضراء تسرق... الأضواء



د. بطرس دلة


هذا الكاتب إنسان دقيق الملاحظة يعيش مع أطفاله يوميًّا حيث يقضي بصحبتهم ساعات طوالا ليس لأن الزوجة مشغولة في إعداد الطعام وتنظيف البيت وما إلى ذلك، ولكن، لأنه يحب الأطفال بشكل مميز، ويتمتع بصحبتهم ويقلدهم في أحاديثهم، عندما يتسامر معهم ويتعلم منهم الشيء الكثير. وفي كلّ مرة يفاجئنا بزاوية جدية يطل علينا فيها من خلال قصه التي تراكمت في العامين الأخيرين ولا أذكر كاتبا بغزارة إبداعه. وقد وجدت له على رفوف مكتبتي أكثر من ست عشرة قصة صادرة في كتب، بالإضافة إلى أكثر من عشرين قصة للكاتب يمكنكم الاطلاع عليها من خلال موقعه الالكتروني على شبكة الانترنت، وهي ظاهرة مباركة حيث يستطيع كلّ طفل الدخول إلى الموقع والتمتع بعدد كبير جدا من القصص الجميلة مجانا عبر زاوية القصص في الموقع الذي يتابع عمله الإعلامي المتميز.
ويحرص كاتبنا نادر أبو تامر على أن يشبه الأطفال في لغته وفي المواضيع التي يتناولها بقلمه المبلول بعالم الصغار ساعيًا إلى إرضاء أذواقهم وتطلعاتهم آخذا بيدهم إلى عالم أفضل وأجمل، أرقى وأنقى، وبالتالي فإنه يهدف دائمًا إلى استقطابهم واجتذابهم ليكونوا من أصدقائه ومن عشاق كتبه وقصصه، خاصة وأن القراءة ليست بالأمر الرائج والمنتشر بين الكبار، وبالتالي كان لا بدّ أن نغرسها في صفوف الصغار بصورة مشوقة تزرع على شفاههم ابتسامة المرح والذكاء والحب.
إن علاقات المحبة التي يكنها الكاتب لجمهور الصغار تجعل من كتبه قريبة إلى عالمهم، وتحضه على أن يعجن لغته ويصبها قي مرآة تجعل الطفل يرى نفسه فيها. وأود الإشارة إلى أنني أخوض مع نادر أبو تامر تجربة جميلة وجدتها مع مرور الزمن أنها مدهشة، حيث أعمل على قراءة الكتب أمام أحفادي الصغار وأحاول أن أستنتج أين تكمن بوصلة مشاعرهم وما الذي يشدهم إلى القصص التي أقرؤها، وفي أي الفقرات قد يشعرون بالملل، غير أن مثل هذا الملل لم ألمسه على ملامحهم البريئة في قصص نادر أبو تامر، وإن كانوا في بعض الحالات قد أعربوا عن وجهات نظر لا تتفق مع رأيي أنا في بعض الرسومات، مما يعني أن الطفل يبحث عن الرسومات الجميلة والمعبرة والمثيرة التي ترافق النص في الكتاب. أضف إلى ذلك أن الصغار يحكمون على الأمور بتلقائية وفطرة وبراءة كبيرة فلا يعرفون المجاملة الكاذبة ولا المحاباة وعليه فهم يشكلون أفضل سيسموغراف ومقياس لرصد مدى نجاح القصص.
في قصة ليلى الخضراء يدهشنا الكاتب ومنذ البداية باختياره للاسم، وإذا كان أطفالنا جميعا يعرفون قصة ليلى الحمراء، ونعرفها نحن لانتشارها الكبير بهذا الاسم فها هو نادر أبو تامر يختارها ذات لون آخر هو اللون الأخضر، وتصبح برفقته "ليلى الخضراء". فلماذا يفعل ذلك؟ لأن ليلى الجديدة التي قام الكاتب بتفصيل شخصيتها هي فتاة محبة للطبيعة الغناء وعاشقة للجمال، وبالتالي فهي تعمل على إنقاذ الطبيعة من وزير شرير لا يتوقف عن تدبير المقال والمؤامرات في مملكة يحكمها أمير طيب عادل، إلى أن يكتشف هذا الأمير المؤامرات المختلفة التي يدبرها الوزير الشرير بحنكة. غير أن الدور الذي تقوم به فارسة القصة (ليلى الخضراء) يقطع الطريق على الشرير. وليلى ما كانت لتلبس الفستان الأخضر إلا لأن الطبيعة اختارت لها فستانا بهذا اللون، كمكافأة لها على ما تقوم به من أجل حماية مصادر الماء والهواء وهي قيمة نبيلة يحرص الكاتب على تكريس قلمه في هذه القصة لخدمتها. لكن، يراودني إزاء تطورات الأحداث في قصة "ليلى الخضراء" تساؤلان: لماذا كان الوزير شريرًا؟ ولماذا رسمت ليلى بفستان أحمر وليس أخضر، إذا كانت "ليلى خضراء"؟ الإجابة على السؤال الأول كما استمعت إليها من الكاتب هي اختياره في العديد من الحالات القصصية التي يكتبها محوري "الخير والشر" في العديد من قصصه مع حرصه الدائم على أن تنتهي المواجهة بين هذين القطبين بانتصار واضح ولا تشوبه شائبة للخير على الشر في نهاية المطاف. أما بالنسبة للسؤال الثاني حول لون فستان ليلى فكان أن المقطع الظاهر على غلاف الكتاب هو ياقة الفستان فحسب وهي مصنوعة من الورد الأحمر، أما الفستان كله كما يظهر في باقي لوحات الكتاب فهو باللون الأخضر الجميل الممزوج بالطبيعة الأخاذة والطيبة.
وأرى هذه المرة لمستوى رفيعًا للغاية في الرسومات إلى درجة أنني تساءلت بيني وبين نفسي هل هذه صور حقيقية تمَّ التقاطها بعدسة الكاميرة أم أنها قد رسمتها ريشة رسام. واتضح أن الرسامة والفنانة التشكيلية البارعة والعريقة ايرينا كركبي هي التي رسمتها وقد استوحت أفكارها من منزلها وحديقتها بحيث تشاهد فيها أشخاصا أعزاء عليها وتلاحظ فيه مشاهد من بيتها، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن كركبي تعاطفت بل تماهت وتضامنت مع ليلى الخضراء فكادت رسوماتها تنطق من شدة الجمال ودقة التصوير. لكن، هناك مأخذ صغير على ليلى في الرسم وهو أن ليلى التي نراها في الكتاب هي فتاة بالغة وليست طفلة صغيرة كما يتوقع القارئ.
وبرزت في القصة اللغة المنسابة والجميلة والقريبة من الطفل مع أنها مكتوبة بصيغة شاعرية وبجمل مقفاة ومسجوعة، غير أن ذلك لم يكن على حساب الفكرة الرئيسية التي يحاول المؤلف بنجاح نقلها إلى الأطفال. وإن كنت افهم الحاجة في بعض الأحيان للتلاعب اللغوي الذكي من أجل التعبير عن الفكرة بصورة ناجحة وناجعة، لكنني كنت أفضل أن تبدأ جملك يا نادر بالفعل وليس بالاسم وهو ما فعلته أنت أحيانًا من أجل نقل اللقطة القصصية والشعرية بصورة صادقة ومثيرة لقرائنا الصغار، ويمكن القول بالفعل إن ليلى الخضراء تسرق الأضواء.
كفر ياسيف

ليست هناك تعليقات: