السبت، نوفمبر 29، 2008

المهرّج الكبير

خالد ساحلي

كنت الطفل البريء في الصغر
وكان الحلم جميلا داخلي
كعصفور جنة
كنت لا أعي حقيقة الأشياء
تتشابه الأسماء عندي و معانيها
بنيت جسر خيال لوجه الشمس
صار داري
أجدده ببزوغ الصباح
وكان اليوم الشتوي
من أيام كانون المبارك
يوم ميلاد الدهشة
الحقيقة البسيطة
طلب المعلم مني
دراهم لأجل عرض المهرّج
قال المعلم : المهرّج صديق الأطفال
صاحب السروال العريض المخطط
و الأنف المدبّب
على رأسه القبعة الظريفة
التي لا تشبه قبعة الساحر
ووجهه المضحك مزيج ألوان
انتظرت يومه المشهود
أخيرا المهرّج على المنصة.
رأيته يخفي جرحه في أغنية
كفف دمعة الأطفال الحزينة في ابتسامة
ألقى عرضه الشيّق ومضى لحاله
وبقى في الذاكرة
الأثر الطيب صورته
ملامحه لا زالت معلّقة
على أستار أقداري
كان ذلك من زمان
حين كبرت
وعيت السياسة
في الوطن المجروح
حبائل مشنقة
وعيت أسماء الظلم والوشاية
و اليد الفنانة في الجور
المُحرقة المغيّرة القدر المحتوم

رأيت المهرّجين
يفقّسون كالجراد
عرفتهم أجناسا
كالإنس و الجن
كالشياطين و الملائكة
المهرّج كبيرهم اللعين
حين يخطب بلا أغنية في دائرته
ويعطي بعينيه الكاذبتين الوعود
كما عمدة البلد
لتنتحر في زوارق العبور الأمنية
أو على قارعة الطريق
في لفائف الحشيش والحبوب المنومة
حين الانتظار يكفّن نفسه
لأجل الزهور
يتنازل الفناء للنهاية
ويهدي الموت للأبرياء
في صناديق مغلقة
يتنازل متفرج مثلي
عن الهوية و الجنسية
لمن يريدها؟
من يريدها؟ من يقول أنا أريدها؟
فأنا هذا لا يساوي ذرة في غبار الناقة.
المهرّج الكبير حين يخطب
يشعل الحقيقة بعود الكذب مع الخشب
بكثرة اللغو و الكلام
يمنح الدمعة في ابتسامة
و الحزن مع الهرج
يكبر في هذا الوطن
كل مهرّج يمنح في البحر
الغرق بدل السكن
يكبر في هذا الوطن
كل مهرّج يقتل الروح
حين يمنح السم
مع ما يشبه الفرح
حين يعطي الخبز جائزة الواشين
ويذبح بسكين الجشع
الحلم العذري مع الغد الجديد
يكبر في هذا الوطن
من ليس في قلبه إله
بل وثن وطمع
يكبر كل مصاصي الدماء
مصاص عرق الطاهرين
العاملين فقراء الحقول و الشوارع
تحت لظى الحر و العطش
يكبر في هذا الوطن
كل اللصوص الذين يذوب الظل فيهم
وعلى القلب المسكين الخطر
من يفتح القبور ليلة عرس اليتيم
الذي قضى والداه بالرحيل الأبدي؟
هو الآن في عداد الركب
منتفضا ليحاكم
بالجرم الذي لم يفعله
في هذا الوطن المجروح
وضعت الله بقلبي
وبين عيناي حط الهدهد بالخبر اليقين
عائدا من سبأ الزيف.



ليست هناك تعليقات: