الثلاثاء، فبراير 13، 2007

بعد سقوط الوهم... هل نجرؤ على محاسبة الجزيرة؟

قطر
**
د. عبدالحميد الانصاري
شبكة قناة »الجزيرة« الأم وبقية بناتها »الجزر« الجديدة, هي قنواتنا المحبوبة لنا والعزيزة علينا, وتمثل صورة إعلامية حضارية رائعة ذات مهنية عالية وريادة واسعة وانتشار كبير في سوق التنافس الإعلامي العالمي.ولا شك أن »الجزيرة« وتوابعها, وبدءاً من تأسيسها في العام (1996) استطاعت وبحرفية جيدة وبسقف عال من الحرية الإعلامية التي تحظى بها وبكوادر مؤهلة أن تنقل صورة قطر الحضارية إلى شتى أنحاء العالم, وكي نحافظ على هذه المكانة العالية للجزيرة في سوق الإعلام العربي والدولي, لا بد من إعادة النظر في سياساتها الإعلامية وفي برامجها وفي خططها وفي مسارها لأنه من دون النقد والمراجعة من داخل البيت لا يمكن ضمان التفوق والامتياز.
ومن هذا المنطلق تأتي مقالة الكاتب الأستاذ أحمد علي - المدير العام للوطن القطرية - بعنوان »لماذا أوضاع القطريين بائسة في - جزيرتهم - مثل أحوال الهنود الحمر? - المنشورة في الوطن بتاريخ 4/2/,2007 هذه المقالة التي هي حدث إعلامي كبير في الساحة القطرية - كما أتصورها - لذلك لقيت تجاوباً جماهيرياً واسعاً وخصوصاً من الجمهور القطري الذي تفاعل معها بشكل غير طبيعي معبراً عن تأييده على امتداد الأسبوع الماضي عبر إرسال كمية هائلة من الرسائل الإلكترونية على امتداد أسبوع وأكثر.
أتصور أن أهمية وفرادة المقالة تأتي من قضيتين:الأولى: أنه للمرة الأولى في الساحة القطرية تظهر (مقالة) تنتقد »الجزيرة« ومديرها بشكل بالغ الصراحة والوضوح وكذلك مجلس إدارتها وتسمي الأشياء بأسمائها.لقد اعتدنا الانتقادات الموجهة للجزيرة من الخارج, أما من داخل قطر وعبر وسائل إعلامها فكان أمراً شديد الحساسية لدرجة الرهبة التي لا يقدم عليها المسؤول الإعلامي بالرغم من ارتفاع سقف مناخ الحريات الإعلامية بدولة قطر بدعم وتأييد من سمو أمير دولة قطر شخصياً لدرجة أن أحمد علي قال عنه »أمير الحريات«.
نعم لقد كان انتقاد »الجزيرة« (تابو) محرماً أو هكذا تصورناه حتى جاءت مقالة أحمد علي لتفتح باب هذا المحرم الوهمي, ومن ثم جاءت مقالة د. أحمد عبدالملك - الكاتب الإعلامي المعروف - بعنوان »القطريون يحتاجون إلى كفيل للدخول إلى جزرهم« المنشورة بالراية القطرية 5/2/2007 وفي نفس السياق, لتؤكد كسر هذا التابو الوهمي.
ولعلي لا أخفي على القارئ أني شخصياً كتبت بعض المقالات التي تنتقد سياسة الجزيرة الإعلامية في مناسبات عدة, منها: بعد الحادث الإرهابي الذي استهدف مسرحاً ملاصقاً للمدرسة البريطانية في الدوحة - مارس 2005 - حيث كتبت مقالة بعنوان »بعد العمل الإرهابي بالدوحة - هل تغير - الجزيرة سياستها?« لكنها لم ترزق النور, لقد قلت في تلك المقالة: »الآن بعد أن عمت الظاهرة الإرهابية الساحة الخليجية وأصبحت الهاجس الأعظم للخليجيين, هل بدأت سياسات المراجعة الإعلامية?
هناك فضائيات وصحف بدأت تغييراً في سياساتها بهدف تحقيق نوع من التوازن والموضوعية والسؤال الآن بعد عملية الدوحة, هل تبدأ »الجزيرة« سياسة المراجعة الإعلامية?
في تصوري أن الجزيرة تواجه الآن تحدياً كبيراً يتطلب منها سياسة إعلامية جديدة تحقق توازناً معقولاً ومقبولاً بين الرأي والرأي الآخر, وأتصور أن سياسة المراهنة على استرضاء (القاعدة) وقاية لشرها وحماية للمصالح القطرية, سياسة خطرة, وسياسة استرضاء (الشارع العاطفي) عبرالخطاب التحريضي ضد الأميركيين, لا مستقبل لها, كما أتصور أن لدى القائمين على الجزيرة, الحنكة والإدراك اللازمين لأخذ زمام المبادرة قبل أن تفرض المنافسة الإعلامية شروطها, إن الرؤية الإعلامية الموضوعية والمتوازنة هي التي تسود في النهاية, لأنها المستقبل..
نحن لا نطالب إعلامنا بالشيء الكثير, المطلوب شيء يسير أن ننتقل من خطاب التحريض إلى خطاب التبصير وذلك ليس علينا بالشيء الكبير«, كان هناك نوع من التوجس لدى القائمين على النشر وخصوصاً عقب سخونة الحدث مباشرة فلم تنشر المقالة ولكن الأمور تغيرت كثيراً وجرت مياه كثيرة بعدها.
مقالتا أحمد علي والدكتور أحمد عبدالملك ركزتا على قضية الحرية داخل مؤسسة »الجزيرة« من منطلق أن الجزيرة تردد عبارة »الرأي والرأي الآخر« فكيف تضيق بالرأي الآخر إذا انتقدها أو انتقد مديرها... (5) قطريين أوقفوا عن العمل لمجرد أنهم عبروا عن »رأيهم الآخر« في مديرهم المباشر عبر الصحف?
وتساءل الكاتبان: هل تعاني »الجزيرة« من ازدواجية المعايير عند تطبيق »حرية التعبير« على نفسها?, مؤكدين »الحرية كل لا يتجزأ, عندما تطبقها على غيرك, لا بد أن تقبلها على نفسك«, متسائلين: كيف تسمح »الجزيرة« لضيوفها بانتقاد الرؤساء ثم يتحسسون من انتقادات موظفيهم لمديرهم?القضية الثانية التي طالب بها الكاتبان وشكلت قضية »رأي عام« لأنها ضربت على الوتر الحساس وعبرت عن مشاعر الجمهور القطري, هي: تعديل (مسار) الجزيرة لخدمة المصالح القطرية وتحقيق طموحات القطريين, فالقناة قناتهم والموارد الهائلة التي تصرف عليها قطرية, ومع ذلك ورغم مرور (12) عاماً وتوسع شبكة الجزيرة لا نرى للعنصر القطري أي تواجد, لا على مستوى المشاركة الإعلامية في البرامج ولا على مستوى التوظيف, ولا على مستوى تدريب وتهيئة كوادر إعلامية قطرية للمستقبل, هذا الوضع الغريب يثير علامة استفهام كبيرة عن مدى مساهمة مجلس إدارة الجزيرة في رسم السياسات وترشيد قرارات الإدارة وقدرة المجلس على محاسبة المدير العام, فالملاحظ لدى القطريين ولدى الخليجيين في دول الجوار والذين يتساءلون دائماً باستغراب: لماذا لانشاهد القطريين في الجزيرة? أين الكفاءات الإعلامية القطرية?
أين مقدمو البرامج القطريون? واضح من هذه التساؤلات أن الجزيرة تنتهج سياسة إقصاء القطريين, ويتساءل أحمد علي متحدياً »أتحدى فخامة مدير عام شبكة الجزيرة أن يكشف لنا: كم نسبة القطريين العاملين في الشبكة, أو يستعرض أعداد المواطنين الذين أبعدوا أو ابتعدوا نتيجة الضغوطات« ويضيف »إننا نلاحظ أن الوجود القطري شبه معدوم في شبكة الجزيرة في الوقت الذي تمتلئ فيه طرقاتها وقنواتها ودواعيسها بأصحاب - اللحى - الخفيفة«.
هل تكون »الجزيرة« في مستوى التحدي? وهل تبدأ مسيرة التغيير? ما نرجوه أن تقتنع - الجزيرة - أن التغيير رغبة قطرية جماهيرية مخلصة وليس مؤامرة أميركية مغرضة.
* كاتب قطري

ليست هناك تعليقات: