الأربعاء، فبراير 21، 2007

كيف للفيلسوف أن يكون داعية لسفك الدماء؟




سعيد الشيخ

يكتبون ما يشبهم أو ما يشبه زمانهم الأغبر، وهم على قطيعة مبينة مع وظيفتهم التنويرية.
يوم كان الظلام يسود خرائط الممالك والجمهوريات الطالعة من رحم الحروب... كانوا قناديل يرتفعون الى مراتب الانبياء، اذ الافكار تتقولب مناهج ويقينا للضالين ان يهتدوا على شكل البلاد، دستورا وأمنا لسيادة قيم الانسان يجترحها الوعي المبدع بذائقته الفنية ولاطلاق عجلة الانتاج.

يكتبون ما يشبهم او ما يشبه زمانهم فلاسفة " الموضة" الفكرية, وما حولهم سوى الحطام... يخالفون وظيفتهم حينما يرتضون ان يكونوا جزءا من الحطام. من هذا الخراب. من هذا الانحطاط. وينفخون على الجمر لبثّ الاشتعال.

اذا قلنا ان الامة مصابة بالعجز، فاذا بهم هم أسياد العجز ... يجترّون كلماتهم المتفحمة من كثرة سواد القلب الممتد الى جدار العقل ... يتصدع هذا الجدار ومن تشققاته يخرج الدخان الاسود، فاذا بالبلاد واقعة تحت ضباب كثيف، والسواد يملأ المعمورة كلها ... والكل يتخبط .

*****
اكتب تداعياتي هذه وعيناي الى المشهد العراقي الراهن حيث الثقافة كم تشبه هذا الحريق ... الكل في أتونه ولا ريادة ثاقبة تأخذ زمام المبادرة نحو طريق الخلاص لان الارجوحة الفكرية أفرغت اليقين من لمعان الهداية.

الشارع هو الشارع... هذا الموصوم بالغوغائية والتخلف من قبل عيّنة الفلاسفة والكتّاب اياهم الذين يبذرون في "أرض السواد" بذور الطائفية البغيضة ... وهؤلاء هم الذين أول من يقع في غواية المعاني التي هي نتاج عقولهم الدكناء... وينفخون في بوق الغوغائية سمفونياتهم الرديئة امعانا في عصر الانحطاط واصرارا عجيبا على إدارة الازمة.

السؤأل البديهي: كيف لا يختلف الفيلسوف مع أسباب الأزمة؟ وبدل ان يخالف عناصر البلاء لشعبه ... كيف ينصب افكار الفتنة كمصائد تنتظر ضحاياها؟ والكتابة لديه تصبح في اطارها العام تخصيب للحقد والكراهية...وهنا فقط يفلح ان ينتصر على العجزحيث فلسفة ثقافة العنف ستولّد ادواتها الفتاكة في جسم المجتمع المنهك اصلا منذ أمد بعيد.
والسؤال الصارخ هنا: كيف للفيلسوف ان يكون داعية لسفك الدماء؟

*****

الطبيعي ان يغتبط المفكر التنويري لسقوط الفكر الظلامي المضاد... ومن غير الطبيعي ان يغتبط هذا المفكر لفكرة الموت والنفي للآخر ككائن، حيث تبدو الثقافة هنا لا تسير في اطارها التثقيفي والاجتماعي ولا بد ان انحرافا خطيرا قد أصابها... وقد أصاب بالتحديد انسانية النص وعطب الحواس. واثناء هذا الوضع والى المستقبل ان لم يتم تدارك الخلل،فإن اي نتاج هو نتاج مهزوز من انسان مختل، شقي ويدعو الى الشقاء.

سعيد الشيخ
كاتب وشاعر فلسطيني

ليست هناك تعليقات: