في خطوة قضائية لا سابق لها، دانت محكمة المطبوعات برئاسة القاضي وليد عاكوم الزميل زاهي وهبي على خلفية نص شعري نشر في "المستقبل" في حزيران 2005 بعنوان "فخامة القاتل"، اعتبر انه يتعرض لرئيس الجمهورية.
واللافت في هذا الحكم إصرار المحكمة على تكريس عبارة "فخامة" ولو تم الغاؤها بمرسوم بحسب ما جاء في حيثياته القانونية، فإن ذكرها في أي مجلس لا يترك مجالاً للشك بأن المقصود "فخامة" رئيس الجمهورية وذلك في معرض الرد على تأكيد وهبي انه لم يكن يقصده.
اما الأمر المستغرب، اضافة إلى إصرار المحكمة بأن "الكاتب استعمل عبارات بريئة المظهر بغية اكساب المعنى نفحة شعرية بهدف تقوية المعنى وإعطائه اثراً ابلغ"، فإنها أوردت عبارة "السافل" من ضمن النعوت المشكو منها على الرغم من انها غير موجودة اطلاقاً في متن المقال.
وكانت محكمة المطبوعات في بيروت برئاسة القاضي عاكوم وعضوية المستشارين محمد المصري وكارول غنطوس اصدرت حكماً في دعوى الحق العام ضد الزميل وهبي والمدير المسؤول في "المستقبل" الزميل توفيق خطاب قضى بتغريم كل منهما خمسين مليون ليرة.
وفي تصريح لوكيل الدفاع المحامي فؤاد شبقلو، استغرب صدور هذا الحكم على شاعر من جراء قصيدة عبّر خلالها عن حزنه الدفين على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والعديد من الشخصيات السياسية والارواح البريئة التي ازهقت، مستخدماً توريات شعرية ومعاني ومفردات لائقة لم يكن من بينها عبارة "السافل" التي ادخلت وأضيفت في الحيثيات القانونية للحكم إلى القصيدة من دون ان تكون قد وردت فيها.
وأشار إلى انها محاكمة للنوايا أكثر منها للقصيدة وموضوعها، وانه أول حكم يدين شاعراً على شعره، ويتناول قلماً عبّر عن اختلاجات قلبه. ولفت إلى ان التعليل القانوني واهن ويجب استئنافه لفسخه تمييزاً خلال عشرة أيام، خاتماً بالقول "انه الزمن الرديء يا عزيزي".
وفي ما يأتي نص القرار "
ان محكمة استئناف الجنح في بيروت ـ الغرفة الثانية الناظرة بقضايا المطبوعات ـ المؤلفة من الرئيس وليد عاكوم والمستشارين محمد المصري وكارول غنطوس لدى التدقيق والمذاكرة.
تبين أن قاضي التحقيق الأول في بيروت قد أحال إلى هذه المحكمة بتاريخ 21/7/2005 المدعى عليهما توفيق داود خطاب وزاهي شفيق وهبي ليحاكما أمامها بمقتضى المادة 23 والمادة 26 من المرسوم الاشتراعي رقم 104/77.
وتبين ان هذه المحكمة أجرت المحاكمة علناً بحضور المدعى عليه زاهي وهبي ووكيل المدعى عليهما الاستاذ فؤاد شبقلو، فكرر ممثل الحق العام مآل الادعاء وطلب وكيل المدعى عليهما اعلان براءة موكليه. وختمت المحاكمة لإصدار القرار في 22/2/2007.
بناء عليه وبنتيجة المحاكمة العلنية أولاً:
في الوقائع والأدلة بتاريخ 7/6/2005 نشرت جريدة المستقبل في عددها رقم 1940 مقالاً بعنوان "فخامة القاتل" تعرض فيه لرئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود. وقد احتوى المقال المذكور على العبارات التالية التي تنال من فخامة الرئيس:"القتلى يشيّعون تباعاً والقاتل يحتفظ بابتسامته الصفراء".
"المفجوعون والمقهورون والحيارى يصلّون لراحة أنفس الضحايا والقاتل يحار أي ربطة عنق سوف يرتدي هذا النهار".
"البلاد تسبح في دموعها والقاتل يسبح في حمام الحقد والكراهية والحسد".
"الأرض تهتز من هول الجريمة والقاتل متشبث بكرسيه الهزاز".
"ينهض القاتل من نومه كل صباح ويرتدي ابتسامته كما يرتدي ربطة عنقه".
"الابتسامة قناع... الابتسامة خنجر في الظهر".
"كم مرة ابتسم القاتل للقتيل؟ كم مرة سدد ابتسامته إلى قلبه؟".
"كان الجنرال الفاشي (هو أيضاً) فرانكو طريح فراشه حين تناهى إلى مسامعه هدير الشعب وهو يحيط بالقصر من كل الجهات...لم يفهم الجنرال، ولن يفهم، ان الشعب لا يروّع، وان الذين يروحون بلا أسف عليهم هم القتلة السفلة.
فيا فخامة القاتل كفى. ارحل".
وتبين أن المدعى عليه زاهي وهبي انكر في كافة مراحل التحقيق ما أسند إليه موضحاً انه لم يكن يقصد رئيس الجمهورية اللبنانية وان عبارة فخامة التي كانت تطلق على رئيس البلاد "وعطوفة" التي كانت تطلق على رئيس مجلس النواب قد الغيت بقرار من مجلس الوزراء بتاريخ 16/10/1997 رقم 36، وان المقال المشكو منه لا يتضمن مساً بمقام رئاسة الجمهورية ولا تعرضاً لشخص الرئيس.
ولجهة قوله ان القاتل متشبث بكرسيه الهزاز قال المدعى عليه ان القاتل كما تخيله غير آبه بما يفعل ولا بما يتسبب به من مآس واحزان وتصوره جالساً على كرسي هزاز تعبيراً عن عدم اكتراثه بما يجري ولو قصد أي كرسي آخر لما استعمل عبارة "هزاز".
وتبين أن المدعى عليه توفيق خطاب المدير المسؤول في جريدة المستقبل أدلى بأنه اطلع على المقال الذي كتبه زاهي وهبي ويتحمل مسؤولية ما ورد فيه لانه لا يعتبر انه يتضمن قدحاً وذماً.
تأيدت هذه الوقائع:
1 ـ بالادعاء
2 ـ بمضمون المقال موضوع الدعوى.
3 ـ بأقوال المدعى عليهما الصريحة والمؤولة.
4 ـ بمجريات المحاكمة كافة.
ثانياً: في القانون حيث أن المدعى عليه زاهي وهبي يدفع بأنه لم يكن يقصد رئيس الجمهورية في مقاله الذي يحمل عنوان "فخامة القاتل" وأورد فيه عبارات مثل: "يسبح في حمام الحقد والكراهية والحسد..." "القاتل متشبث بكرسيه الهزاز..." "لم يفهم الجنرال، ولن يفهم ان الشعب لا يروع..." "فيا فخامة القاتل كفى، أرحل".
وحيث أن عبارة "فخامة" ولو تم إلغاؤها بمرسوم صدر عن مجلس الوزراء واستبدالها بعبارة اخرى، فإن ذكرها في أي مجلس كان لا يترك مجالاً للشك في ذهن القارئ أو المستمع سواء كان يتعاطى في الشأن العام أم لا ان المقصود هو فخامة رئيس الجمهورية تماماً كما أن ايراد كلمة "دولة" لا تترك مجالاً للشك أن المقصود بها هو رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس النواب وايراد كلمة "معالي" لا تترك مجالاً للشك أن المقصود هو أحد الوزراء.
وحيث أن المدعى عليه لم يكتفِ بايراد عبارة "فخامة" للاشارة إلى رئيس الجمهورية بل اتبعها بعبارات تعرف العامة كافة أن رئيس الجمهورية هو المقصود بها مثل: "الجنرال"، "متشبث بكرسيه الهزاز" "يسبح..."، "يا فخامة القاتل كفى... ارحل" سيما وان هذه العبارة الأخيرة جاءت مترافقة مع حملة سياسية قادتها بعض الاحزاب السياسية اللبنانية تحت شعار: "فل" أي أرحل.
وحيث انه كثيراً ما يستعمل الكاتب عبارات بريئة المظهر أو الفاظاً غامضة أو يلجأ إلى التورية والاستعارة بغية اكساب المعنى نفحة شعرية أو أدبية وهو يهدف من ذلك إلى تقوية المعنى وإعطائه اثراً أبلغ في نفس القارئ من جهة وتهرباً من أحكام القانون من جهة ثانية.
وحيث انه يتبين من العبارات والجمل المشكو منها والمشار اليها في متن هذا الحكم انها تشكل بمجموعها وبما حوته من معانٍ والفاظ مساً بكرامة رئيس الجمهورية وتتضمن قدحاً وذماً وتحقيراً بحقه وذلك بما تضمنته من نعوت كالقاتل والحاقد والسافل والمتشبث بكرسيه الهزاز.
وحيث أن فعل المدعى عليهما زاهي وهبي وتوفيق خطاب يكون منطبقاً على نص المادة 23 من قانون المطبوعات التي تنص على عقوبة الحبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من خمسين إلى ماية مليون ليرة لبنانية أو باحدى هاتين العقوبتين، ولا يجوز في أي حال ان تقل عقوبة الحبس عن شهر واحد والغرامة عن حدها الادنى.
لذلك وبعد سماع مطالعة النيابة العامة، تقرر بالاتفاق:
أولاً: ادانة المدعى عليهما زاهي شفيق وهبي وتوفيق داود خطاب بالجنحة المنصوص عليها في المادة 23 من قانون المطبوعات معطوفة على المادة 26 منه بالنسبة للأخير.
ثانياً: تغريم كل من المدعى عليهما زاهي شفيق وهبي وتوفيق داود خطاب خمسين مليون ليرة لبنانية وتدريكهما الرسوم والمصاريف.
قراراً صدر وافهم علناً بحضور ممثل النيابة العامة بتاريخ 22/2/2007.
المستقبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق