الاثنين، فبراير 26، 2007

تطعيم وليس طعام


بقلم : يوسف فضل
متابعة لجدول تطعيمات أطفالي فقد حان موعد استكمال تطعيم ابني (خمسة سنوات ) وابنتي ( أربعة سنوات ) لتطعيمات شلل الأطفال Oral Polio وثلاثي بكتيري DTP وثلاثي فيروسي MMR و الحمى الشوكية Meningitis هذه التطعيمات للأطفال بعمر 4- 6 سنوات .

إذ أن استكمال كافة التطعيمات يعطي الطفل مناعة تحميه من الإصابة بأمراض الطفولة إن شاء الله . وتشمل التطعيمات عشرة أمراض خطره على حياة أطفالنا يمكن الوقاية منها بالتطعيم وهي : الدرن ، الالتهاب الكبدي الفيروسي (ب ) شلل الأطفال ، السعال الديكي ، الدفتيريا ، التيتانوس، المستديمه النزلية، الحصبة ، الحصبة الألمانية ، والنكاف بالإضافة إلى الحمى الشوكية .

بعد أن اصطحبت ابنتي (عمرها 13سنة ) في طريق العودة من مدرستها عرجت على مدرسة الأطفال لاصطحاب ابني وإبنتي بنية الذهاب إلى المستوصف الطبي فلاحظ ابني أنني غيرت في اتجاه طريق العودة للبيت فقال : " رايحين طعام ؟" . وهو يعني أننا ذاهبون إلى المطعم . فعلقت ضاحكا لأنني تخيلته خارجا من المستوصف وهو يبكي بعد التطعيم :" رايحين قريب من الطعام .أنت بدك تأخذ طعام أكل واليوم ستأخذ تطعيم إبرة " فاستحسن الفكرة لاعتقاده انه سيجرب طعم طعام جديد لأنه لم يفهم ماذا تعني كلمة تطعيم غير تشابهها بنغمة اللفظ مع طعام فاعتقد أن تطعيم مرادفة لكلمة طعام . حتى أن ابنتي اثنت على الفكرة الجديدة بأنهما ذاهبان إلى التطعيم ( طعام ) .

حينما وصلت المستوصف صدمت بوجود أزمة سير واكتظاظ بوقوف السيارات عند المدخل إلى ساحة كراج السيارات . أعتقدت أن كافة أطفال المدينة قد جاءوا للتطعيم . وعندما جاء دوري بدخول الشارع الفاصل بين مبنى المستوصف وساحة الكراج كانت السيارات مصطفة على جانبي الطريق أي أن الأزمة بسبب اصطفاف السيارات على جانبي الشارع الذي يتسع لثلاثة سيارات مما جعل الطريق باتجاه واحد بالدخول دون توفر إمكانية خروج السيارة لعدم اتساع الشارع إلا لسيارة واحدة . لاحظت أن هناك لوحة تنبيه بطول متر ونصف أمام المستوصف تقول :" لراحة المرضى يرجى عدم الوقوف أمام باب المستوصف " . اعتقد أن الرسالة واضحة . ولماذا يضع المستوصف مثل هذه اللوحة لولا معاناته من وقوف السيارات أمام المستوصف . ومع ذلك جاء دوري لأعاني ما يعاني المستوصف . طبعا فهمت (خطأ) المعني المراد من اللوحة فقمت بإيقاف سيارتي في ساحة الكراج على غير عادة السائقين الآخرين الذين أوقفوا سياراتهم أمام المستوصف . أما الخروج من حيث أتيت فهذا من رابع المستحيلات إلا أنني دبرت حالي (شكرا لسيارة الجيب ) بالنزول من ساحة الكراج إلى الرصيف ومن ثم الوصول إلى الشارع الخلفي لساحة الكراج .

لا ادري لماذا نحب أن نضيق على أنفسنا وإزعاج الآخرين بأمور تافهة لا تحتاج إلى عناء جهد غير العمل على إلحاق الأذى تعمدا وما يمكن أن نسببه من تذمر الآخرين تجاه سلوكنا البسيط . بل لو أن الغنم أتيحت لها فرصة تعلم القراءة لفهمت معنى اللوحة بان نلتزم بالنظام في الحياة . لكن البعض منا يفضل استخدام الغباء وكأنه سلعة تجارية تبتاع من السوق بالمال وأن عدم استخدامها يفسدها مما يلحق الضرر الاقتصادي بالمشتري . إن الحل البسيط هو قيادة السيارة المصطفة على جانب الطريق إلى حوالي 5م زيادة إلى داخل ساحة الكراج المسفلتة والمخططة لتتسع لثلاثمائة موقف سيارة . ألم أقل انه الغباء الذي جعل السائق يترك ساحة الكراج خاوية ويحشر نفسه وغيره في الشارع . فإذا كانت السياسة هي فن الممكن فلماذا لا نستخدم الممكن المتاح في حياتنا . صعب !!!

رفضت الممرضة تطعيم ولداي بحجة أن أمهما ليست معهما . وهذا سبب غير مقنع . شرحت الأمر لمدير المستوصف الذي قدم لي تعليلا آخر أن الممرضة تحتاج الأم للامساك بالطفل أثناء التطعيم . فكان ردي :" وهل أنا احضر أولادي إلى مسلخ لذبحهما وهذه اختهما معهما لتساعد الممرضة في ذبحهما " . فأدرك حس الدعابة في قولي ورد تطيبا لخاطري :" ما رأيك أن أطعمك معهما " . وأمام تشجيع ولداي له فقال كل واحد منهما :" إحنا بدنا تطعيم " . فابتسم لهما لشعوره بشجاعتهما ورد :" وهل تستطيعا تحمل ابر التطعيم " . اتصل بالممرضة لاتخاذ ما يلزم .

خرجا ولداي وهما يبكيان وضحكت لمنظرهما مع شعوري بالشفقة عليهما لأنني تخيلتهما كيف استوعبا الفارق بالمعنى بين طعام وتطعيم من خلال تذوق طعم الإبر وشعورهما أن والدهما قد خدعهما . لم اخدعهما بل لم استطع توصيل فكرة التطعيم لهما وأهميته لهما فبادرتني ابنتي :" أنا قلت لك بدنا طعام مش تطعيم ؟" زاد ضحكي واحتضنتهما مبديا شعورا حانيا وتفهما لما يعانياه من ألم الإبر : واحده في الذراع الأيمن وأخرى في الذراع الأيسر والأخيرة في الورك . فوجهت كلامي لابني :" وأنت بدك تطعيم ؟ " فنفض يديه بحركة احتجاجية إلى السماء وقال :" أنا خلصت " . لاذ بالصمت أو أنه استسلم لواقع لا يستطيع تغييره . ما حدث حدث .
ابنتي : أنا صغيرة ما بروح على الدكتور .
يوسف : الصغار اللي بروحي على الدكتور .
ابنتي : في واوا كتير .
يوسف : وين الواوا .
ابنتي (أشارت بيدهم إلى وركها ) : أنا بدي أكبر عشان ما أروح على الدكتور .
يوسف : بعدين بتكبري .
ابنتي : الصبح بدي اكبر .
يوسف : الصبح بتكبري يوم واحد .
ابنتي : بس . كيف أكبر .
يوسف : بس تنهي المدرسة بتكبري .
ابنتي : بعدين ما آخذ إبرة .
يوسف : وكمان كلي طعام . بدك طعام والا تطعيم .
ابنتي : طعام . راسي انفرج ( انفجر )
يوسف : بابا ما راح أخذك تطعيم .
ابنتي : صرت كبيرة .
يوسف ( نظرت إليها وقلت في سري : إن شاء الله تكبري ولا تمرضي ولا تحتاجي طبيب أو لإبر ) : أنا أحبو هذا الصغير الحلو.

عالم الطفولة كبير فهو يشعرني بالنضج العاطفي ومتعة الحياة إذ أرى نفسي في الآخرين وهذا ما لا أستطيع تفسيره لنفسي وكنت اعتقد أننا الكبار نعلم الصغار لكن بعض أسئلة الصغار تعلم الكبار وتجعلنا في مواقف لا نحسد عليها ولا نستطيع الرد عليها لأننا لم نتعلم كيفية مخاطبتهم لكن سلوكنا الشخصي أمامهم يعلمهم الكثير دون كلام .

editor@grenc.com

ليست هناك تعليقات: