الخميس، فبراير 15، 2007

السلطـة والدولة الخليجية في إبداع عبد الرحمن منيف



طلعت أبو زيد


باحث واكاديمي


عن الديمقراطية
شكل موضوع السلطة والدولة إحدي القضايا الأكثر إثارة في ابداع عبد الرحمن منيف‏.‏ فقد كانت السلطة بالنسبة له هي الدولة‏.‏ وذلك لأن حقيقة الدولة الخليجية كما نظر إلي تاريخها وآفاقها لم تكن أكثر من سلطة محكومة بقوة الأجنبي وضعف مقوماتها الذاتية‏.‏ وهو الأمر الذي جعله ينظر إلي تاريخها باعتباره تاريخا وهميا ومصطنعا‏.‏ من هنا مراوحتها بالمكان واجترارها للزمان وفقدانها للأمان‏.‏ وهي الحالة التي جعلت منها سلطة قمعية واستبدادية بالطبع والسليقة‏.‏ ومن ثم‏,‏ ليست انجازاتها في نهاية المطاف أكثر من إبداع الملح‏:‏ ناصعا مثيرا قويا تحت الشمس وأقدام العراة لكنه سريع الذوبان تحت قطرات المطر وندي الليل وسيل الوديان وأمواج البحر‏,‏ أي أمام كل ما يحتوي في ذاته علي قوة الحركة والحياة‏.‏ وهي الفكرة التي وضع صورتها النموذجية في‏(‏ مدن الملح‏).‏


ففي‏(‏ مدن الملح‏)‏ نلمح مراحل تطور الدولة الثلاث التي يرسم عبد الرحمن منيف دقائقها العديدة‏.‏ فالمرحلة الأولي هي مرحلة تأسيس المملكة‏,‏ صنعها السلطان خريبط علي مستوي السياسة الداخلية‏,‏ وهاملتون علي مستوي العلاقات الخارجية‏.‏ والمرحلة الثانية هي مرحلة الانقلابات السياسية العالمية بطلها داخليا السلطان خزعل‏.‏ والمرحلة الأخيرة هي مرحلة تثبيت الحدود والسلطات والعلاقات بالخارج‏.‏ استطاع السلطان فنر أن يعطيها بعض المميزات الخاصة‏.‏


أولا‏:‏ مرحلة الفتك والعنف‏:


وقد امتدت المرحلة الأولي هذه من الحرب العالمية الأولي‏,‏ أو قبلها بقليل‏,‏ حتي ما بعد الحرب العالمية الثانية‏.‏ شغلها بداية علي المستوي المحلي الأمير مرخان هديب وهو والد خريبط‏.‏ كان أميرا لموران وما جاورها‏,‏ لمسيرة يومين من كل اتجاه‏'(1).‏


وكان الصراع حينذاك علي أشده بين أمراء الصحراء ومنهم مزهر بن سحيم الذي عادي مرخان فارتكب خطأ سياسيا تكتيكيا عندما عادي بريطانيا وطلب معونة الأتراك‏(2).


‏قدر لخريبط بعد ذلك أن يقتل مزهر السحيم فعدته بريطانيا‏'‏ الصديق الذي يعتمد عليه‏...‏ ولزمته الأمراء الصغار وحماية القوافل‏,‏ وطلبت منه مراقبة الجيران والأتراك وشاطئ البحر‏,‏ من ناحية الشرق‏..‏ ولم تمض سنوات حتي أصبحت موران تدين له بالطاعة والولاء‏'(3).‏


وحالما استتب الأمر له‏,‏ دعمته بريطانيا دعما غير محدود وأعلن نفسه سلطانا علي‏'‏ موران وطال به الأمر علي هذه الحال‏,‏ فشهد الانقلاب السياسي العالمي الكبير بعيد الحرب العالمية الثانية‏'(4).‏


لقد بدأ خريبط حياته السياسية أميرا بدويا صغيرا شجاعا وفتاكا في الحروب‏,‏ وعلي قدر كبير من الدهاء‏.‏ عبر عن دهائه السياسي مرارا بأشكال متعددة‏.‏ كان يقضي ساعات طويلة مع الناس العاديين يحادثهم ويستمع إليهم‏(5).‏ وهو بالإضافة إلي ذلك دائم التستر بالدين‏.‏ يؤكد أن الهدف من حروبه وغزواته إعلاء راية الإسلام في كل مكان‏.‏


في موازاة ذلك تعامل مع‏'‏ الحكام المجاورين بكثير من الذكاء والفطنة‏.‏ بعث إليهم الرسل والرسائل يطمئنهم‏,‏ يتفاوض معهم‏,‏ يبحث شؤون الحدود والمراعي والمياه‏..'(6).‏


أما في الحرب‏,‏ فكان شديد البأس لا يرحم‏.‏ يصدر أوامره شخصيا بالذبح‏'‏ إضرب‏,‏ إضرب بقسوة‏'(7),'‏ إذبح وأمش‏...‏ ما نريد أسري‏'(8).‏ ويوصي أبنه خزعل بأن يكسر رقبة أي شخص إذا اعترض أو خالف‏:'‏ ما عندنا لحية مشطة‏..‏ وما عندنا كبير إلا البعير‏'(9).‏ وينصح ابنه فنر بأن يفتك بالناس فتكا‏:'‏ خلي الأرض ترجف تحت رجلك‏,‏ وما أحد كبير غيرك‏'(10).‏


أثبت خريبط أنه يمتلك ذكاء فطريا عظيما في ما يخص شؤون الحرب والقيادة‏.‏ لاحظ هاملتون أنه يطبق‏,‏ غريزيا‏,‏ ما كتبه مكيافيللي في كتاب الأمير‏.‏ يقضي قضاء كليا علي الأسر الحاكمة التي يحتل أرضها‏,‏ ولا يبدل القوانين المدنية أو الضريبية للمناطق المحتلة حديثا‏!‏ وهذا ما شدد عليه مكيافيللي في نصائحه للأمير‏(11).‏


تلك هي عبقرية خريبط‏.‏ إنها عبقرية المهادنة والدهاء أولا‏,‏ ثم فن القتل وسفك الدماء إذا ظفر‏.‏ ارتكب مذابح وفظائع اقشعرت لها الأبدان‏,‏ ووسع حدود مملكته عبر الحروب والغزوات فأصبحت أكبر مما أراد أو حلم به‏(12).‏


تحالف منذ البداية مع الإنجليز فدعموه بالمال والسلاح والرجال‏.‏ اقترحوا عليه أن يطلق علي سلطته اسم السلطنة الهديبية نسبة لهديب‏,‏ جده فأعلن ذلك‏(13).‏


أسس أكبر سلطنة في الصحراء العربية‏,‏ وظل حليف الإنجليز حتي ضعفوا في موازاة بروز الأمريكيين قوة فاعلة‏.‏ كان حذرا جدا في تعامله مع الإنجليز والأميركيين في تلك الحقبة‏.‏ استطاع أن يوازن مواقفه بينهما تماما‏.‏ فأسر لأبنه فنر‏:'‏ حنا‏,‏ وبتوفيق من الله‏,‏ نصلي ورا علي ونأكل مع معاوية‏,‏ وبالسياسة مع الإنجليز وبالمصلحة والشغل مع الأميركان‏'(14).‏ وقد مات خريبط في مجري التحول السياسي الكبير بعيد الحرب العالمية الثانية‏.‏


ورثه في السلطنة ابنه خزعل وورث الأميركيون البريطانيين علي مستوي النفوذ والسيطرة‏.‏


ثانيا‏:‏ مرحلة وهم القوة‏:


‏وهذه المرحلة هي‏,‏ استمرار للمرحلة الأولي‏.‏ إذا كانت الأولي هي زمن الفتك والعنف‏,‏ فان الثانية هي مرحلة وهم القوة‏.‏ فقد ناضل خزعل مع أبيه وأعد نفسه لما بعده وسماه شخصيا خليفة له‏.‏ قد يكون العمل السياسي الأكثر أهمية‏,‏ الذي قام به في البداية هو طرد هاملتون من السلطنة‏(15).‏


ولا نستطيع الزعم بأنه فعل ذلك نتيجة لقراءة سياسية جديدة‏,‏ تأخذ بالحسبان ضعف البريطانيين وقوة الأميركيين فقط‏/‏ بقدر ما دفعه إلي ذلك موقفه الشخصي من هاملتون‏,‏ الذي كان قد عارض ترشيحه لولاية العهد مفضلا أخاه فنر عليه‏(16).‏ وكانت مرحلته هي مرحلة تثبيت الوجود الأمريكي في الصحراء وإحكام سيطرتهم علي النفط‏.‏ فقد عمل الأمريكيون جاهدين لاستبعاد الاتحاد السوفيتي عن المنطقة‏,‏ والحيلولة دون دخوله شريكا في نفطها‏,‏ واهتموا بإعادة رسمها وإعداد حكامها وبناء توجهاتها السياسية‏.‏


لهذا كان المطلوب من السلطان خزعل أن يكون قويا ليبقي سلطانا وأن يترك السياسة لغيره‏.‏ وقد أدي هذا الدور المناط بصورة نموذجية‏.‏ فقد كان همه الأول إبعاد إخوته عن القصر والتفرغ لحريمه‏.‏ لكنه بني مع ذلك بعض المؤسسات بمعزل عن الخلفيات السياسية أو الأيديولوجية‏.‏


جعل منها هياكل مادية جاهزة للشحن السياسي‏,‏ وتولي ذلك الأميركيون في خطوة لاحقة‏.‏ وهي الحصيلة التي جعلت من فكرة منيف عن هذه المرحلة تنحصر في إبراز ما أسميناه بوهم القوة‏.‏ بمعني أن شخصية خزعل‏(‏ الملك‏)‏ لم تكن أكثر من أكذوبة كبري‏.‏ وهو أمر جلي في عزله عن السلطة بسهولة ودون مشكلات تذكر‏.‏ فعندما غادر السلطنة إلي ألمانيا لقضاء شهر العسل مع عروسه‏,‏ فإنه تسلم حال وصوله إلي بادن بادن قرار عزله من موران وتسلم أخيه فنر السلطنة مكانه‏(17).‏ كشف هذا الحدث أن خيوط اللعبة لم تكن بيديه‏.‏ لم يكن علي علم بحقيقة الأدوار التي يؤديها حتي المقربون جدا منه‏,‏ صعق بخيانة بعضهم وبغباء البعض الآخر‏.‏ وقف عاجزا تماما عن القيام بأي عمل من شأنه التغيير‏.‏ وظل في ألمانيا حتي مات فأعيد جثمانه إلي موران‏(18).


‏ثالثا‏:‏ مرحلة صيرورة الدولة الجديدة في الخليج‏:


‏أما المرحلة الثالثة التي تتوج بها صيرورة الدولة الجديدة في الخليج‏,‏ فهي مرحلة السلطان فنر‏.‏ فقد أعد فنر إعدادا خاصا قبل الوصول إلي السلطة‏.‏ تهيأت له ظروف استثنائية ساعدته علي البقاء منعزلا أولا‏.‏ عاش المدة الأولي من حياته عند أخواله بعيدا عن صخب السياسة‏,‏ فنمت قدرته علي الصمت والتأمل‏(19).‏


ثم عاد إلي قصر أبيه وصار يتعلم ويعد نفسه بهدوء‏.‏ التفت إليه أبوه خريبط‏,‏ آنذاك وقرر أن يجربه ويختبره‏.‏ بعد ذلك‏,‏ قرر هاملتون العميل البريطاني‏,‏ إعداده للوصول إلي سدة السلطة‏.‏ أصطحبه إلي بريطانيا مرات متتالية فتعلم الإنجليزية واكتشف العالم‏(20).‏ ثم أعده أميرا علي طريقة مكيافيللي تماما‏.‏ قرأ عليه‏,‏ أولا‏,‏ مقاطع من كتاب الأمير وأهداه أوراقا مترجمة منه‏,‏ فلاحظ‏'‏ أن شيئا أقرب إلي الكشف أو الزلزال حدث في فكره وحياته‏(21).‏


بدأ فنر يحلم وشعر أن باستطاعته تنفيذ‏'‏ وصايا مكيافيللي فوعد نفسه بأن يتعلم كثيرا‏,‏ ويصمت كثيرا‏,‏ ويتكتم كثيرا‏'(22).‏ مما أدي بالنهاية إلي أن يصبح أميرا بالمعني الذي أراده هاملتون ومكيافيللي‏.‏ فقد استطاع فنر أن يترجم عمليا وصايا مكيافيللي‏.‏ وأصبح سلوكه السياسي مجموعة إجابات علي السؤال التالي‏:‏ ماذا نحتاج للبقاء في السلطة؟ إن هذا الهدف يحتاج‏,‏ علي رأي مكيافيللي‏,‏ إلي كسر القوانين الأخلاقية‏.‏ لذلك علي الحاكم الناجح أن يكون أسدا وثعلبا في آن‏,‏ وعليه أن يعرف متي يهادن ومتي يقسو ويفتك‏(23).‏ وهي المهمة التي نفذها فنر بصورة جيدة‏.‏


فقد وظف كل ما يمكن توظيفه من مقدرات وأساليب سياسية وعسكرية وأمنية من أجل البقاء في السلطة‏.‏ ولم يلتفت ساعة إلي ما هو أخلاقي‏.‏لقد أراد عبد الرحمن منيف القول‏,‏ بان الدولة الجديدة التي استندت إلي الصيغة السياسية المشوهة للميكيافلية‏,‏ كانت في الوقت نفسه تفتقد لأسس وجودها الذاتي‏.‏ وهو الأمر الذي جعل من شخصية فنر‏'‏ أميرا في الداخل‏,‏ لكنه لم يكن سلطانا في الخارج‏!'.‏


فقد انتقل قرار السلطنة في تلك الحقبة إلي الخارج‏.‏ صار يصنع في الولايات المتحدة الأميركية‏.‏ وقد جدد فنر نفسه‏,‏ المعاهدات التي تسهل هذا الأمر‏(24).‏وهو الانتقال الذي صوره عبد الرحمن منيف بواقع ربط الولايات المتحدة سياستها في موران بالمعطيات والمعادلات السياسية العالمية‏.‏


فقد كانت تلك مرحلة الحرب الباردة‏.‏ وصار من الضروري لها ومن خلفها الغرب أن تثبت دولة إسرائيل في المنطقة‏.‏ لذلك كان لا بد من إضعاف العرب‏.‏ من هنا محاولاتها للسيطرة التامة علي نفط الصحراء وعلي قرارها السياسي‏.‏ وبالتالي عزلها عن دائرة التأثير‏.‏


واندلعت حرب الأيام الستة‏(1967)‏ واستولت إسرائيل علي أراض عربية وأضعفت مصر و سوريا المعول عليهما في الحرب‏.‏ كما عملت الولايات المتحدة لضمان سيطرتها علي النفط‏,‏ وعزل الصحراء عن بقية العرب‏,‏ وللإبقاء علي دعمها للكيان الصهيوني في الوقت نفسه‏.‏


وكان علي فنر أن يعي هذا التوازن‏,‏ وأن يبحث له عن دور فيه‏.‏ عليه أن يتقبل النفوذ الأمريكي في منطقته وألا يلتفت إلي بقية العرب وإن هزموا‏!‏ وعليه أن يعي تماما أن الخطأ البسيط‏,‏ في هذا المجال‏,‏ قاتل‏!‏لقد حاول عبد الرحمن منيف من خلال تصويره الأدبي والروائي الكشف عن المراحل الثلاث لظهور وتطور واستتباب الدولة الخليجية باعتبارها أيضا مراحل مصادرة الدولة علي المستويين الداخلي والخارجي‏.‏ بمعني مصادرة مقوماتها وقراراتها واستقلالها‏.‏


وبالتالي إبعادها عن أي‏'‏ تدخل‏'‏ في الشئون العربية‏,‏ بمعني عزلها عن ذاتها وتاريخها وامتدادها ومكونها القومي‏.‏ أما النتيجة المنطقية المترتبة علي ذلك فهي ضعفها المركب وتركيبة العنف المنظم فيها‏.‏ لقد جري تصنيع نوع من الدولة هي مزيج من خضوع تام للسيطرة الخارجية وسيطرة داخلية عبر إخضاع المجتمع‏.‏ بحيث جعل منها مصدرا للقمع الشامل والهزيمة الشاملة‏.‏إن الموقف النقدي العام والتاريخي الموضوعي من خصوصية تشكل وبناء الدولة الخليجية‏,‏ التي حاول عبد الرحمن منيف رسم معالمها الدقيقة وخلجات أعماقها النابضة في صحراء الثقافة والمدنية‏,‏ كانت في الوقت نفسه مجرد نقلة ظاهرية للقبيلة‏.‏


بمعني بقاء المضمون القبلي وتغير مظهرها الخارجي‏.‏ وهي الفكرة التي يجمع الكثير من الباحثين العرب عليها‏.‏ إذ يؤكدون علي أن القبيلة ذاتها تحولت إلي دولة أو مشيخة أو إمارة‏.‏ مما جعل منها منذ البدء‏'‏ مأزومة ومشوهة وليست مبنية علي تطور طبيعي للقوي البشرية التي أنشئت من أجلها‏'(25).‏ ويؤيد منيف هذه الرؤية فيري أن هذه الصيغة للدولة لا تمت بصلة إلي مفهوم الدولة في العصر الحديث‏,‏ وأنها عاجزة عن


فتح طريق للمستقبل وتتناقض تماما مع أية محاولة للتقدم‏(26).‏ وهو الحكم الذي نعثر عليه في تتبع عبد الرحمن منيف لكيفية ومضمون بناء‏'‏ المؤسسات‏'‏ الحكومية‏.‏ إذ نعثر في أغلب رواياته علي رصد دقيق لظهور وكيفية تشكيل الحكومة والإدارة والأجهزة الأمنية والعسكرية والدستور والقضاء‏.‏


قلما تحكي روايات عبد الرحمن منيف عن حكومة علي علاقة ولو واهية بالمفهوم الحديث للحكومة‏.‏ ففي‏(‏ مدن الملح‏)‏ يتحدث هاملتون عن حكومة خريبط ويصفها بعبارة‏:'‏حكومة صاحب الجلالة‏'(27).‏ ويقصد بها السلطان‏,‏ الذي يمتد به العمر ولا تشكل علي يديه أية حكومة أو أية صيغة لمؤسسة إدارية يمكن أن تشبه الحكومة‏.‏ وظلت الحال علي هذا النحو أيام خلفه السلطان خزعل هو الحكومة والسلطة‏.‏


ويعبر أحد رجال الرواية عن هذا الواقع بقوله‏:'‏ القصر هو الحكومة‏,‏ هو الدولة‏'(28).‏ بعد ذلك اختلف الأمر شكليا مع السلطان فنر‏.‏ حيث صرنا نسمع بوزراء ولكنهم غالبا من إخوة السلطان والمقربين منه‏.‏ ظلت الحكومة عمليا غير فاعلة‏.‏ فهي لا تستطيع أن تعارض السلطان في شيء‏,‏ ولا أن يعارض الوزراء في وزارتهم إرادة السلطان‏.‏


هو وحده المخول تعيين الوزراء وإقالتهم وتبديلهم ساعة يشاء ولأي سبب كان‏.‏ وقدمت الرواية مثالا علي إرادته وصلاحياته تلك حين أعلنت‏'‏ إرادة سلطانية بتغيير عدد من الوزراء‏:‏ سمي راكان وزيرا للداخلية‏,‏ وميزر وزيرا للمالية‏,‏ وعين الرويشدي معاونا لوزير المالية‏.‏


أما وزارة الدفاع فكانت من نصيب مساعد‏.‏ كما تضمنت الإدارة ذاتها تبادلا في الحقائب بين عدد من الوزراء‏'(29).‏ وهو تغيير يمكن فهم محتواه عندما نتعرف إلي أن راكان وميزر ومساعد‏,‏ هم إخوة السلطان‏.‏ لقد تحولت الحكومة إلي بيت عائلي‏,‏ الأب هو الحاكم الأكبر والبقية حكام صغار‏.‏


ومن هذه الصورة المكثفة لنوعية الحكومة وإمكانية فعلها يمكن معرفة طبيعة الإدارة التي رصد عبد الرحمن منيف مختلف مظاهرها المشوهة‏.‏ فإذا كانت الإدارة بمعناها العصري هي مجموعة الأجهزة المادية والبشرية التي تقوم علي تأمين المصلحة العامة وتلبية حاجات المواطنين بأكبر قدر ممكن من الفعالية والكفاية‏,‏ فان نموذجها في‏(‏ مدن الملح‏)‏ هي الصيغة المعاكسة أو المناقضة لذلك‏.‏ وهو أمر‏'‏ طبيعي‏'‏ في رصد عبد الرحمن منيف لها‏,‏ انطلاقا من إدراكه الواقعي القائل‏,‏ بان الإدارة هي التعبير المباشر عن إرادة السلطة السياسية‏(30).


‏يري بعض الباحثين في شؤون المجتمع العربي‏,‏ الذي استمد منه عبد الرحمن منيف أحداث معظم رواياته‏,‏ أن الإدارة فيه بحالة سيئة جدا‏.‏ يؤكدون علي غياب أي جهاز مختص بعملية اختبار القيادات الإدارية‏.‏ ويلاحظون أن عملية التعيينات في الجسم الإداري تخضع لمعايير شخصية غير موضوعية قائمة علي الولاء لرئيس العمل أكثر من الولاء للمؤسسة‏(31).‏ لهذا السبب بالذات تتسع الفجوة بين متطلبات النمو ووجود القوة البشرية المدربة علي الإدارة الحديثة‏(32).‏ مما أدي ويؤدي إلي إبعاد العنصر البشري المختص والمدرب عن الإدارة‏.‏


ولم تسد هذا النقص الأجهزة والأدوات الحديثة المستوردة‏,‏ في ظل أسلوب إداري مشدود إلي الخلف‏(33).‏ مما أدي إلي جمود الإدارة وتخلفها وابتعادها التدريجي عن غاياتها الأساسية المتمثلة بالتخطيط الفعال وتنمية الإمكانيات‏(34).‏ بينما لم تتعد الإدارة في الدولة الخليجية أكثر من إدارة بدائية هي الوجه الآخر لتنظيم القبيلة‏(35).‏وقد رصدت روايات عبد الرحمن منيف وخصوصا‏(‏ مدن الملح‏)‏ الشكل البدائي للإدارة‏.‏ وفي رواياته نعثر علي نماذج عديدة مثيرة للسخرية في كيفية إدارة شئون الدولة والاقتصاد والحياة عموما‏.‏


فقد كان خريبط يحمل ديوانه معه أينما ذهب‏.‏ وهذا الديوان هو الإدارة‏.‏ إنه مجموعة كبيرة من الأوراق في صناديق تحملها جمال مخصصة لها‏(36).‏ ويدير تلك الجمال والصناديق والأوراق مسئول معروف يعتمد علي ذاكرته في عمله‏.‏ لكنه بعدما تفرعت السجلات وكثرت‏,‏ اضطر إلي تخصيص دفتر لفهرستها‏,‏ ثم وسم الجمال بوسم خاص‏(37).‏


ومهما كانت صيغ ونماذج‏'‏ تطوير‏'‏ الإدارة فان غايتها الأساسية كانت تقوم في تنفيذ إرادة السلطان الشخصية‏.‏ وليس مصادفة أن لا يتحدث ولا يرصد عبد الرحمن منيف نموذج الإدارة في المرحلة الثالثة من تطور الدولة ومؤسساتها‏,‏ وذلك لاضمحلال وتلاشي معني الإدارة في‏'‏ الإدارة‏'.‏غير أن الأمر يختلف فيما يتعلق بجهاز الأمن والاستخبارات‏.‏ حيث يتسني لنا في رواية‏(‏ مدن الملح‏)‏ أن نراقب جهاز الأمن في أثناء تشكله‏,‏ وتضييقه علي الناس‏,‏ وارتباطه مباشرة بجهاز الاستخبارات الأميركية‏.‏ فقد بدأ جهاز الأمن والسلامة مشروعا في رأس الدكتور صبحي المحملجي‏,‏ الذي كانت مهمته الأساسية هي حماية السلطان‏(38).‏


ثم وافق السلطان خزعل علي بنائه‏.‏ لقد كانت أجهزة الأمن في بداية نشوئها‏,‏ كما رصدها عبد الرحمن منيف‏,‏ تعمل أساسا من أجل مراقبة الناس والتضييق عليهم‏,‏ وحماية السلطان حتي من إخوته وأبنائه‏.‏ وبعدما ازدادت أهمية السلطنة علي المستوي العالمي‏,‏ عمل الأميركيون علي الإمساك بها مباشرة‏.‏ أعادوا تشكيلها وبناءها وفقا لسياستهم‏.‏ ورسموا أهدافها وسيروا عملها بدقة متناهية‏.‏ ثم ألحقوا بها عددا من الخبراء الذين‏'‏ جاءوا خصيصا من الولايات المتحدة وألمانيا‏',‏ ثم إرسال المتدربين إلي الولايات المتحدة الأميركية‏(39).‏


وفي وقت لاحق يجري ربط الجهاز الأمني بسفارة الولايات المتحدة في السلطنة‏,‏ وتحديدا‏'‏ بالمستشار اندورز‏(40).‏ وهو الواقع الذي سجله عبد الرحمن منيف في مجري استعراضه للمحاولة الانقلابية في الجيش في عهد فنر‏.‏ إذ نري مجيء محققين أجانب لاستكمال التحقيقات‏,‏ ومن ثم إعادة تنظيم الجيش وإقامة أجهزة جديدة ووضع أنظمة حديثة لحراسة القصر‏(41).‏ وطور فنر هذا الجهاز بعد اكتشاف المؤامرة بمساعدة الأميركيين‏.‏ شدد الرقابة علي الجيش وخصوصا الضباط‏(42).‏إن إعادة النظر بتركيبة الجيش‏,‏ أو‏'‏ بناءه‏'‏ كان مرتبطا بطبيعة المهمات المميزة للسلطة‏.‏ ففي رواية‏(‏ مدن الملح‏)‏ يمكننا متابعة بناء الجيش وارتباطاته وارتهانه من الجندي الأول حتي الجيش الجرار المقاتل علي الحدود‏.‏


فقد كان الجيش أيام خريبط عبارة عن جموع من البدو والفلاحين تتجمع في أوقات الحروب فقط‏,‏ ويقودها خريبط شخصيا أو من يكلفه‏.‏ هدفها الأول أن تحصل علي الغنائم والرواتب‏.‏ وتتفرق بعد الحرب فلا يبقي إلي جانبه إلا القليل‏(43).‏ كانت سياسته تقضي بألا يبقي علي الجيوش بجانبه‏,‏ لأنهم يصبحون‏'‏ مثل الهم علي القلب‏,‏ وإذا حكمتهم أول يوم يفلتون أكيد في اليوم التالي‏..‏ وإذا ظلوا بوجوهنا ما نخلص من طلايبهم‏'(44).‏


وفي عهد‏'‏ خزعل أنشئت المفرزة العسكرية الأولي بعد ثلاثة أيام من الجهد الشاق والمستمر‏(45).‏ دار هذا الجيش حول نفسه في البداية لا يدرك حقيقة مهماته‏.‏ كان‏'‏ الجنود‏'‏ يمشون في السوق وبأيديهم العصي ولا يترددون في ضرب أي إنسان لأتفه الأسباب‏(46).‏ وفجأة حصل الانقلاب الكبير في السياسة العالمية‏,‏ فنظر الأميركيون إلي هذا الجيش وقرروا تنظيمه وتسليحه وإحكام السيطرة عليه‏.‏


عرضوا علي السلطان في البداية تسليحه بأحدث الأسلحة وبأسعار زهيدة فقبل‏(47).‏ وتعاملوا بعد ذلك مع رجال صدقوا لهم الود‏.‏ وسلح الجيش فعلا ونظم‏.‏ استمرت سيطرة الأميركيين عليه في عهد السلطان فنر فجدد المعاهدات التي أبرموها مع خزعل‏.‏ وبنت الشركات الأميركية المستودعات في المناطق‏.‏ ووردت المعدات والألبسة‏(48).‏


يلاحظ بعض الباحثين أن التحديث العسكري في المجتمعات النامية والخليجية منها بالذات‏,‏ كان في مرحلة من مراحله سريعا وقد أدي إلي‏'‏ ردود فعل عكسية‏,‏ لما يتوخاه أولو الأمر‏,‏ بسبب العقائد العسكرية الغربية التي تفرض علي الجيوش‏(49).‏ وهو واقع صورته رواية‏(‏ مدن الملح‏).‏ والمقصود بذلك ظهور‏'‏ بتنظيم داخل الجيش معارض للسلطة ويخطط للانقلاب عليها‏'(50).‏ ومن اللافت للنظر‏,‏ في هذا الأمر‏,‏ أن الأميركيين هم الذين اكتشفوا هذا التنظيم‏..‏ وقد لا يفاجأ أحد بذلك‏.‏


هم الذين بنوا ذاك الجيش وملؤهم العزم علي ألا يخرج من تحت سيطرتهم‏.‏ لقد حددوا مهماته‏:‏ أولاها حماية النظام‏,‏ ما دام مواليا‏,‏ والثانية حماية مصالحهم الحيوية‏,‏ وهو‏,‏ إلي جانب ذلك‏,‏ باب من أبواب الرزق‏(51).‏ أما النتيجة فهي جيش بلا قوة‏,‏ وأموال طائلة كالماء في الرمل‏,‏ و‏'‏مأثرته‏'‏ الوحيدة هي الحفاظ علي أمن السلطة ودوام خضوعها للسيطرة الأجنبية‏.‏ وهي معادلة لم يكن بإمكانها أن تنتج غير الانتهاك المستمر للقانون والشرعية‏.‏ ولعل أحد نماذجه الأكثر وضوحا وجلاء هو انعدام الدستور وزيف القضاء‏,‏ أو طابعهما القهري‏.‏


إذ لا نعثر في أغلب روايات عبد الرحمن منيف المتعلقة بالحياة ودقائقها علي إشارة للدستور‏.‏ كما لا نري فيها أية إشارة إلي قوانين مكتوبة أو أصول للمقاضاة أو المحاكمات أو إرساء العدالة‏.‏ ويظل الدستور في بقية رواياته المؤسسة الغائبة المشتهاة‏.‏ وتنتهك العدالة فيها ويشوه القضاء تشويها موجعا ومذلا‏.‏فمن المعلوم أن هدف الدستور هو تنظيم الدولة والمجتمع‏.‏ وهو يفرق بين السلطة والهيئة التي تتولي ممارستها‏.‏ إنه مجموعة القواعد والمبادئ التي تحدد اختصاص الحكام وتتعلق بحقوق الأفراد وحرياتهم‏(52).‏


وتطالب الناس بالدستور في بعض روايات عبد الرحمن منيف وتعد السلطات به وتكذب‏.‏ ويؤرخ دارسو المجتمع العربي للدساتير والقوانين‏,‏ فيحكون عن المشكلات والأزمات الخطيرة في تلك الأمور المهمة‏.‏ أنهم يتحدثون عن قوانين خاصة بالغوص‏,‏ صدرت في العقد الثاني من القرن العشرين‏,‏ في ظل سيادة كلية للأعراف التي تعني بالشؤون الحياتية الأخري‏(53).‏ وتبلورت بعد ذلك بعض الدساتير في تلك الدول‏.‏ لكنها ظلت محكومة بالأعراف القبلية السائدة‏.‏ ويمثل عليها بدستور المملكة العربية السعودية للعام‏1926‏ الذي شكل المجالس لكنه حصر صلاحياتها ضمن النطاق الاستشاري فقط‏(54).‏ وظل الأمر طويلا علي هذه الحال قبل إدخال تعديلات أخري علي الدساتير‏.‏ وظلت التعديلات دون طموحات الناس‏,‏ فلم تلغ الصلاحيات الواسعة التي تعطي للأمير أو السلطان‏.‏ ويضرب أحدهم مثلا علي ذلك دستور الكويت للعام‏1962‏ الذي حفظ صلاحيات الأمير التشريعية وخوله قيادة الجيش وعزل الوزراء وتعيينهم وتسمية جميع المسئولين المدنيين والعسكريين‏(55).‏ وهي مكونات تعكس طبيعة العلاقة بالدستور‏.‏


وليس مصادفة ألا تظهر في المملكة العربية السعودية وعمان‏,‏ علي سبيل المثال‏,‏ دستور مكتوب حتي عام‏1983‏ علي الرغم من الوعود المتكررة في هذا الشأن‏(65).‏ويؤكد عبد الرحمن منيف أن الدول القائمة في تلك المنطقة‏,‏ في أواخر القرن العشرين‏,‏ هي دول قبلية ليس لها دساتير‏(57).‏ وهو غياب مرهون بطبيعة تكونها وطابعها القبلي والعائلي وخوائها الداخلي‏.‏ فقد كانت فكرة الدستور معلومة ومفهومة منذ بدء تشكل الدولة‏,‏ لكنها كانت بالقدر ذاته مرفوضة من أول تأسيس لها‏.‏ فقد رد فنر علي أخيه ردا مقتبسا من كتاب الأمير لميكيافيلي‏,‏ ليؤكد له أن ما وعد به الناس عن الدستور هو وعد كاذب‏.‏


وقال بهذا الصدد‏:'‏ علي الحاكم المتبصر أن لا يحافظ علي وعوده عندما يري أن هذه المحافظة تؤدي إلي الإضرار بمصالحه‏,‏ وأن الأسباب التي دعته لإعطائها لم تعد قائمة‏'(58).‏ ولكي يفهمه الأمر جيدا تابع حديثه‏:'‏ تريدون دستورا؟ حلت البركة‏!‏ بس هالحين نريد عونكم ومساعدتكم‏,‏ وبعدها نخلص الحرب‏.‏ بعدما تتغير الأمور‏.‏ الله كريم‏..‏ فهمت‏.‏ هالحين‏,‏ يا راكان‏,‏ ليش نقول الدستور والدولة الحديثة وغيرها من السوالف الجايفة‏'(59).‏


بعبارة أخري‏,‏ لقد أراد عبد الرحمن منيف القول‏,‏ بأن محاربة الدستور الكذب الدائم هو الدستور الوحيد المكتوب والمقروء والعملي للسلطة والدولة الناشئة‏.‏ وهي سلطة ودولة لا تتمتع بالتالي بشرعية فعلية‏.‏ ومن ثم لا يمكن للقضاء والعدالة أن تشق طريقها إلي المجتمع والفرد والمؤسسات والعلاقات‏.‏لهذا أيضا تخلو روايات عبد الرحمن منيف من أجهزة القضاء ومن أية أصول للمحاكمات‏,‏ علي الرغم من كثرة السجناء فيها وتعدد أصنافهم وأجناسهم وأعمارهم‏.‏ وتؤكد في المقابل أن‏'‏ أغلب الذين يلقي عليهم القبض يقضون فترات طويلة في السجن بدون أحكام‏..‏ والمعتقل لا يملك الحق في محاكمة علنية وعادلة‏'(60).‏ ويروي أحد أبطالها أنه حكم عليه بالسجن لمدة إحدي عشرة سنة بسبب دعوته‏,‏ عبر الكلمة والفكرة‏,‏ إلي جعل حياة الناس أكثر سعادة‏(61).‏


وتسخر السلطة رجال الدين والشريعة الإسلامية والحكم بها وزرا‏.‏ ففي رواية‏(‏ الأشجار واغتيال مرزوق‏)‏ يقول أحد أبطالها‏:'‏ أن بعض الذين ينامون الآن في السجون أفضل ألف مرة من القضاة الذين حاكموهم وحكوا عليهم‏'(62).‏ أما في‏(‏ مدن الملح‏)‏ فإننا نقف أمام السلطان نفسه بوصفه القاضي الأول والأخير‏.‏ كان خريبط علي سبيل المثال‏,‏ يأمر بالإعدام وينقذ الحكم‏.‏ وقد فعل ذلك مرارا‏.‏ حكم بالإعدام علي عدد من الخدم والعاملين في المخازن والخصيان والعبيد‏,‏ بسبب أخطاء صغيرة ووشايات لا قيمة لها‏(63).‏


كما يلعب الأمير أحيانا دور القاضي‏.‏ ففي‏(‏ مدن الملح‏)‏ يكشف عبد الرحمن منيف عن وقائع تعري القضاء وتؤكد علي عدم نزاهته‏.‏ بل نراه يتعمق في كشف طبيعة النفسية المريضة للسلطة عندما يصبح الظلم شيمة وجزءا من الغطرسة والسطوة والجاه‏.‏ وهو واقع صوره عبد الرحمن منيف بصورته المفارقة في تلك الحكاية التي تروي قصة أحد الأشخاص الذي ظل يدور بين الناس ثلاثة أيام متتالية يجمع التواقيع والأختام‏,‏ علي عريضة بلغ طولها عشرين مترا‏,‏ لم يكتب عليها شيء‏!‏ وعندما سئل عما فيها أجاب بأنها‏'‏ مكتوبة بدموع العين‏,‏ وموجهة إلي سلطان المسلمين وبقية البشر‏,‏ إلي الله‏..‏ لعله يفعل شيئا قبل أن تقوم الساعة‏.‏


وكان الناس يوقعون‏,‏ أو يمدون أختامهم أو إيهام اليد اليسري‏,‏ ويسجلون موافقتهم بحماس وقناعة‏(64).‏لقد أرد عبد الرحمن منيف من خلال تصوير تطور الدولة ونشوء وفعل مؤسساتها إلي الكشف عن طبيعة الخلل التاريخي والثقافي فيها‏.‏ لقد وجد في هذا الخلل نتيجة طبيعية لأسسها الخربة الأولي‏.‏ إن كل ما فيها مصنوع بإرادة خارجية‏,‏ ومن ثم كل ما فيها يعمل بقواعد لا علاقة له بمنطق التطور الذاتي والمصلحة العامة وفكرة الدولة الحديثة‏.‏ أما النتيجة فهي التوغل المستمر في تصنيع‏'‏ السلطة التسلطية‏'‏ أو الصيغة الأكثر تحسنا في ترسيخ وتوسيع منظومة العنف المادي والروحي‏.




‏الهوامش‏:


‏‏1)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ تقاسيم الليل والنهار‏,‏ المؤسسة العربية للدراسات والنشر‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الرابعة‏,1992‏ ص‏10-


11.‏‏2)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏15.


‏‏3)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏16-17.


‏‏4)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بادية الظلمات‏,‏ المؤسسة العربية للدراسات والنشر‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الرابعة‏,1992,‏ ص‏196-97.‏‏5)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏11.


‏‏6)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ تقاسيم الليل والنهار ص‏116.


‏‏7)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏154.


‏‏8)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏84.


‏‏9)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏159.


‏‏10)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏166-167.


‏‏11)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏70-71.


‏‏12)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏393,152,87-397.


‏‏13)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بادية الظلمات‏,‏ ص‏43‏ وص‏409‏ وص‏417.‏


‏14)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏197.‏


‏15)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏196.


‏‏16)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏180.‏


‏17)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ الأخدود‏,‏ المؤسسة العربية للدراسات والنشر‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الرابعة‏,1992,‏ ص‏591‏ وص‏606.‏‏18)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ المنبت‏,‏ المؤسسة العربية للدراسات والنشر‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الرابعة‏,1992,‏ ص‏257.‏‏19)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ الأخدود ص‏68.


‏‏20)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏75,‏ ص‏91-94.


‏‏21)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بادية الظلمات ص‏34.




‏‏22)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏32.


‏‏23)DavidE.Apter,IntroductionToPoliticalAnalysis.Op.cit,pp(77-78).‏‏24)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بادية الظلمات ص‏242.


‏‏25)‏ ضاهر مسعود‏,‏ المشرق العربي المعاصر‏,‏ معهد الإنماء العربي‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الأولي‏,1986,‏ ص‏142,‏ ص‏364.

‏‏26)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بين الثقافة والسياسة‏,‏ المركز الثقافي العربي‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الأولي‏,1998,‏ ص‏118.

‏‏27)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بادية الظلمات ص‏310.

‏‏28)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ الأخدود‏,‏ ص‏322.

‏‏29)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بادية الظلمات‏,‏ ص‏394-395.

‏‏30)‏ علي حسن الشامي‏,‏ الإدارة العامة والتحدث الإداري‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الثانية‏,1995,‏ ص‏50.

‏‏31)‏ باقر سليمان النجار‏,‏ سوسيولوجيا المجتمع في الخليج العربي‏,‏ دار الكنوز الأدبية‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الأولي‏,199,‏ ص‏177-179.

‏‏32)‏ محمد غانم الرميحي‏,‏ الخليج ليس نفطا‏,‏ دار الجديد‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الثانية‏,1995,‏ ص‏76.

‏‏33)‏ أسامة عبدالرحمن‏,‏ البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية‏,‏ عالم المعرفة‏,‏ العدد‏57,‏ الكويت‏,1982,‏ ص‏111.

‏‏34)‏ علي خليفة الكواري‏,‏ تنمية للضياع أم ضياع لفرص التنمية‏,‏ بيروت‏,‏ مركز الدراسات الوحدة العربية‏,‏ الطبعة الأولي‏,1996,‏ ص‏179.‏‏35)‏ باقر سليمان النجار‏:‏ سوسيولوجيا المجتمع في الخليج العربي‏,‏ ص‏175.

‏‏36)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بادية الظلمات‏,‏ ص‏83.

‏‏37)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏83.

‏‏38)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ الأخدود ص‏100.

‏‏39)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏208.

‏‏40)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏437‏ وص‏550.

‏‏41)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بادية الظلمات‏,‏ ص‏504.

‏‏42)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏340.

‏‏43)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏81.

‏‏44)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ تقاسيم الليل والنهار‏,‏ ص‏182.

‏‏45)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ التيه‏,‏ المؤسسة العربية للدراسات والنشر‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الرابعة‏1992,‏ ص‏517.

‏‏46)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏519.

‏‏47)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ الأخدود‏,‏ ص‏527.

‏‏48)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بادية الظلمات‏,‏ ص‏104.

‏‏49)‏ محمد غانم الرميحي‏,‏ الخليج ليس نفطا‏,‏ ص‏362.

‏‏50)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ بادية الظلمات‏,‏ ص‏339.

‏‏51)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏471-483.

‏‏52)‏ إسماعيل الغزال‏:‏ الدساتير والمؤسسات السياسية‏,‏ بيروت‏,‏ مؤسسة عز الدين‏,‏ لا ط‏,1996,‏ ص‏20.‏

‏53)‏ محمد غانم الرميحي‏:‏ الخليج ليس نفطا‏,‏ ص‏28.

‏‏54)‏ مسعود ضاهر‏,‏ المشرق العربي المعاصر‏,‏ ص‏353.

‏‏55)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏390.

‏‏56)‏ محمد غانم الرميحي‏,‏ الخليج ليس نفطا‏,‏ ص‏183.

‏‏57)‏ عبد الرحمن منيف‏:‏ بين الثقافة والسياسة‏,‏ ص‏117.

‏‏58)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏520.

‏‏59)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏521-522.

‏‏60)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ الآن‏..‏ هنا المؤسسة العربية للدراسات والنشر‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة الأولي‏,1991,‏ ص‏197.

‏‏61)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ شرق المتوسط‏,‏ المؤسسة العربية للدراسات والنشر‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة التاسعة‏,1993,‏ ص‏152.

‏‏62)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ الأشجار واغتيال مرزوق‏,‏ المؤسسة العربية للدراسات والنشر‏,‏ بيروت‏,‏ الطبعة السابعة‏,1992,‏ ص‏42-43.‏‏63)‏ عبدالرحمن منيف‏:‏ تقاسيم الليل والنهار‏,‏ ص‏39‏ وص‏326‏ وص‏327.

‏‏64)‏ المصدر السابق‏,‏ ص‏413.‏


ليست هناك تعليقات: