د. عدنان الظاهر
أجلْ ، لِمنْ الشكوى ؟ سيدة الزهور تُسيءُ فهم مقاصدي أو يتعسّرُ عليها فكَّ رموزِ رسائلي . وعشتار بابلَ ـ وهي من بناتِ أعمامي ـ غضبى عليَّ ولكنْ بدون حقدٍ ، زعلانة ! أحسبُ أو أعزو سبب غضبها إلى تقصيرها في فهم ظروفي وعجزها عن تصوّر ما ألاقي من مصاعب ومتاعب حياتية متشعبة تعرف لا شكَّ بعضها وتجهلُ أغلبها . معها حق ، لها في كافة الظروف ـ وإنْ تنوّعت واختلفت ـ حقٌّ واضحٌ معلومٌ ( للسائل مثلي والمحروم ) . إذا أسميتُ تلك الفتاة المغرورة القاصرة الفهم " سيدة الزهور " فعشتارُ بابلَ سيّدةُ الكون الأعلى والأسفل . إنها من رَحِمي . إنها عظمي ودمي وتأريخي وحاضري فإنْ غابتْ غبتُ معها وإنْ حضرتْ كان معها حضوري [[ إنْ غبتَ عني فما إنسٌ يؤانسني // وإنْ حضرتَ فكلُّ الناسِ قد حضرا . لإبن زيدون ]] . في كفيها الطاهرين أريجُ أديمِ تُربةِ بابلَ حمورابي وإذا تعرّقَ الكفّانِ فمنهما سلسبيل دجلةَ والفرات . فيا سيّدةَ الأكوان قاطبةً متى أراك وأين ؟ ما الذي يحولُ دون لقائنا عَلَناً أمام العالمين وعلى رؤوسِ الإشهادِ ؟ تفجيراتُ أسواقِ ومدارسِ بغدادَ أم أعرافُ الناس التي تقادمَ عهدها وأكلَ الدهرُ عليها وشرب ؟ قالت حيائي ، خجلي ، ترددي ... هي التي تحولُ وتجعلُ لقاءنا عسيراً ولا أقولُ مستحيلاً . لا من مستحيلٍ في الحياة إلا أبدية عمرِ وحياةِ الإنسانِ . لماذا لقاءُ سيدةِ الزهورِ ممكنٌ وممكنٌ على الدوامِ لكنَّ لقاءكِ ـ سيدتي ، فأنا جزءٌ من أكوانك ـ شبه مُحرَّمٍ ؟ قالت بالضبط ! وصلتَ ، إلتقفتها طائرةً ، إنما هي في أول وآخر أمرها مسألةُ حلالٍ دينيٍّ وعرفيٍّ وحرامٍ . ماذا سيكون جوابي وأنا أتحاشى مناقشةَ أمورِ الدين خاصةً مع العَلَوياتِ سليلاتِ المجدِ التالد وعالي المُحتّد ؟ كيف أناقشها ونحن مختلفان في هذا الأمر ؟ متى اجتمع قطبُ الشمالِ مع قطبِ الجنوب ؟
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ واسقِ بهِ
مَنْ كانَ صِرفَ الهوى والودّ يسقينا
ويا نسيمَ الصبا بلّغْ تحيتَنا
مَنْ لو على البعدِ حيّا كان يُحيينا
( لإبن زيدون في الولاّدة بنت المستكفي ) .
كتبتُ مرةً لها هذين البيتين فلم أسمعْ منها تعليقاً . يبدو أنها لا تُحبُ الشعرَ وربما لم تقرأهُ لأنها محسوبةٌ على العلماء . هل ـ سيدتي ، سيدة الكون ـ تسمعينني ؟ اما زلتِ في بغدادَ أم قد رحلتِ منذ قرونٍ عنها ؟ إلى أين رحلتِ سيدتي وتركتيني أبحث في تأريخ بابلَ عنك وأشمُّ ماءَ الفراتِ لعلَ فيه شئٌ باقٍ منكِ ، من عَرَقِ راحتيكِ . وأتشمّمُ شجرَ أغصانِ وسيقانِ صَفصافِ ضفافِ الأنهارِ عسى أنْ أعثرَ على بعضِ آثارِ أريجِ حنّاءِ كستناءِ شعرك . هامَ كما تعرفين ( وربما لا تعرفين ! ) قيسُ العامري في البراري والفلواتِ بحثاً عن إبنة عمّه ليلى الممنوعة عنه والمحرّمة عليه لكني همتُ أبحثُ عنك سيدتي في مدن العراق شمالاً وجنوباً، وفي شطآنِ أنهاره وما يتفرعُ منها من قنواتٍ وخوّضتُ في مياهها بكامل ملابسي طافياً وغائصاً أبحث عنك لعلي أجدكِ بين اللئالئ في القيعانِ مستقرةً أو تلعبين بين الحور والجان . لا أحبُّ الصحارى والبيد وإنْ عشقتُ رمال سواحلِ البحار صيفاً وشتاءً :
أُحبُّ رمالَ شتاءِ الجَنوبِ
وأهوى الثلوجَ شتاءً وصيفا
ففي زهرةِ الأقحوانِ أُراني خَجولاً عَجولا
شديدَ تلوِّنِ فصلِ الخريفِ
فيا طائفاً قد تقضّى سريعاً سريعاً
وعادَ ومن ثُمَّ طوّحنا واختفى
أفي طبعنا أنْ نَشُتَّ وفي طبعنا
أنْ نموتَ فنَشتُمَ أرواحَنا
أما من علاجٍ لرجعِ الصدى في عليلِ الخُطى ؟
شذى البحرِ يملأُ صدري صباحاً
بكئيبِ الخواطرِ والرؤى
على شُرفةِ البيتِ والشمسُ جذوةُ رأسِ الضُحى
وطِبُّ جسومٍ تُحبُّ شديدَ العرا
فالمصيفُ اللطيفُ مضى حسرةً في مطاوي الحشا
أفي الرملِ آثارُنا
وبقيا كؤوسِ شرابِ الهوى
في مقاهي المصيفِ تركنا سُدى
على أملٍ أنْ تعودَ مصايفُ أحزاننا القهقرى ؟
دفنّا موجةً للأسى وعزيزِ المُنى
في كثيبِ رمالِ المصيفِ الكئيبِ
ظهيرةَ يومٍ غريبٍ شديدِ الوجومِ
لأنَّ الزمانَ يخونُ كثيراً ، وقد خاننا
ولنْ نلتقي مرةً ... ربّما !
هل ستقرأُ مولاتي هذا الشعر الحزين الذي قلته في إحدى دورات حياتي المتقلِّبة قبل قرابة العشرة أعوام ؟ وأنتِ ، الصبيّةُ المغرورةُ سيدةُ الزهورِ ، هل لديك بعضُ الوقتِ لقراءة شعري هذا المُكَرّسِ للرملِ والبحرِ والمصيفِ وقد كنا معاَ سويّةً قبل عشرة أيام نتمشى على رمال سواحل جزيرةِ إيبيزا الإسبانية ؟ هل تتذكرين أمْ أنَّ كثرةَ ما في حوزتكِ من زهورٍ أنستك أسماءَ قاطفيها ومَنْ أهداها ؟
قال المتنبي :
أَتُراها لكثرةِ العُشّاقِ
تَحَسبُ الدمعَ خِلقةً في المآقي
أجابتْ مُحتجّةً : ليس لي عُشّاقٌ إنما لي أصدقاءٌ كثيرون ليس فيهم مَنْ أعشقُ أو يستحقُّ حبّي الأصيل ! ما زلتُ صغيرةً على الحب والعشق . يبدو أنكَ تغارُ من بعض أصدقائي ؟ ماذا أقولُ لهذه الصبيّة ؟ هل لديَّ وقتٌ أو مزاجٌ للغَيرة ؟ وهل بقيَ فيّ عصبٌ يحتملُ عبءَ الغَيرة ؟ أنتِ واهمةٌ يا صبيّةَ الصبياتِ والمُزهرةِ بين الزهراتِ . أنتِ واهمةٌ وأنتِ عاجزةٌ عن فكِّ رموزِ ما أكتبُ لكِ بل وتسيئين فهمَ بعض ما أكتبُ لكِ فمتى تنضجينَ ومتى تفقهين معاني سطوري ؟
هل من لقاءٍ آخرَ على سواحلِ مدائنَ وجزائرَ أخرى بعيدة ؟ قالت عشتارُ بابلَ بل أنا المرَشّحةُ لهذا اللقاء الآخر . أنا مثلك مزاجي بحريٌّ والماءُ هوايَ ومتعتي . وغموضُ البحرِ يُحاكي طبيعتي وهيبتُهُ تستهويني . إتفقنا . أعدّي نفسكِ إذاً وجهّزي جوازَ سفَركِ وحقيبةَ ملابسك وسأكونُ في إنتظاركِ في أي مطارٍ تشاءين.
أجلْ ، لِمنْ الشكوى ؟ سيدة الزهور تُسيءُ فهم مقاصدي أو يتعسّرُ عليها فكَّ رموزِ رسائلي . وعشتار بابلَ ـ وهي من بناتِ أعمامي ـ غضبى عليَّ ولكنْ بدون حقدٍ ، زعلانة ! أحسبُ أو أعزو سبب غضبها إلى تقصيرها في فهم ظروفي وعجزها عن تصوّر ما ألاقي من مصاعب ومتاعب حياتية متشعبة تعرف لا شكَّ بعضها وتجهلُ أغلبها . معها حق ، لها في كافة الظروف ـ وإنْ تنوّعت واختلفت ـ حقٌّ واضحٌ معلومٌ ( للسائل مثلي والمحروم ) . إذا أسميتُ تلك الفتاة المغرورة القاصرة الفهم " سيدة الزهور " فعشتارُ بابلَ سيّدةُ الكون الأعلى والأسفل . إنها من رَحِمي . إنها عظمي ودمي وتأريخي وحاضري فإنْ غابتْ غبتُ معها وإنْ حضرتْ كان معها حضوري [[ إنْ غبتَ عني فما إنسٌ يؤانسني // وإنْ حضرتَ فكلُّ الناسِ قد حضرا . لإبن زيدون ]] . في كفيها الطاهرين أريجُ أديمِ تُربةِ بابلَ حمورابي وإذا تعرّقَ الكفّانِ فمنهما سلسبيل دجلةَ والفرات . فيا سيّدةَ الأكوان قاطبةً متى أراك وأين ؟ ما الذي يحولُ دون لقائنا عَلَناً أمام العالمين وعلى رؤوسِ الإشهادِ ؟ تفجيراتُ أسواقِ ومدارسِ بغدادَ أم أعرافُ الناس التي تقادمَ عهدها وأكلَ الدهرُ عليها وشرب ؟ قالت حيائي ، خجلي ، ترددي ... هي التي تحولُ وتجعلُ لقاءنا عسيراً ولا أقولُ مستحيلاً . لا من مستحيلٍ في الحياة إلا أبدية عمرِ وحياةِ الإنسانِ . لماذا لقاءُ سيدةِ الزهورِ ممكنٌ وممكنٌ على الدوامِ لكنَّ لقاءكِ ـ سيدتي ، فأنا جزءٌ من أكوانك ـ شبه مُحرَّمٍ ؟ قالت بالضبط ! وصلتَ ، إلتقفتها طائرةً ، إنما هي في أول وآخر أمرها مسألةُ حلالٍ دينيٍّ وعرفيٍّ وحرامٍ . ماذا سيكون جوابي وأنا أتحاشى مناقشةَ أمورِ الدين خاصةً مع العَلَوياتِ سليلاتِ المجدِ التالد وعالي المُحتّد ؟ كيف أناقشها ونحن مختلفان في هذا الأمر ؟ متى اجتمع قطبُ الشمالِ مع قطبِ الجنوب ؟
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ واسقِ بهِ
مَنْ كانَ صِرفَ الهوى والودّ يسقينا
ويا نسيمَ الصبا بلّغْ تحيتَنا
مَنْ لو على البعدِ حيّا كان يُحيينا
( لإبن زيدون في الولاّدة بنت المستكفي ) .
كتبتُ مرةً لها هذين البيتين فلم أسمعْ منها تعليقاً . يبدو أنها لا تُحبُ الشعرَ وربما لم تقرأهُ لأنها محسوبةٌ على العلماء . هل ـ سيدتي ، سيدة الكون ـ تسمعينني ؟ اما زلتِ في بغدادَ أم قد رحلتِ منذ قرونٍ عنها ؟ إلى أين رحلتِ سيدتي وتركتيني أبحث في تأريخ بابلَ عنك وأشمُّ ماءَ الفراتِ لعلَ فيه شئٌ باقٍ منكِ ، من عَرَقِ راحتيكِ . وأتشمّمُ شجرَ أغصانِ وسيقانِ صَفصافِ ضفافِ الأنهارِ عسى أنْ أعثرَ على بعضِ آثارِ أريجِ حنّاءِ كستناءِ شعرك . هامَ كما تعرفين ( وربما لا تعرفين ! ) قيسُ العامري في البراري والفلواتِ بحثاً عن إبنة عمّه ليلى الممنوعة عنه والمحرّمة عليه لكني همتُ أبحثُ عنك سيدتي في مدن العراق شمالاً وجنوباً، وفي شطآنِ أنهاره وما يتفرعُ منها من قنواتٍ وخوّضتُ في مياهها بكامل ملابسي طافياً وغائصاً أبحث عنك لعلي أجدكِ بين اللئالئ في القيعانِ مستقرةً أو تلعبين بين الحور والجان . لا أحبُّ الصحارى والبيد وإنْ عشقتُ رمال سواحلِ البحار صيفاً وشتاءً :
أُحبُّ رمالَ شتاءِ الجَنوبِ
وأهوى الثلوجَ شتاءً وصيفا
ففي زهرةِ الأقحوانِ أُراني خَجولاً عَجولا
شديدَ تلوِّنِ فصلِ الخريفِ
فيا طائفاً قد تقضّى سريعاً سريعاً
وعادَ ومن ثُمَّ طوّحنا واختفى
أفي طبعنا أنْ نَشُتَّ وفي طبعنا
أنْ نموتَ فنَشتُمَ أرواحَنا
أما من علاجٍ لرجعِ الصدى في عليلِ الخُطى ؟
شذى البحرِ يملأُ صدري صباحاً
بكئيبِ الخواطرِ والرؤى
على شُرفةِ البيتِ والشمسُ جذوةُ رأسِ الضُحى
وطِبُّ جسومٍ تُحبُّ شديدَ العرا
فالمصيفُ اللطيفُ مضى حسرةً في مطاوي الحشا
أفي الرملِ آثارُنا
وبقيا كؤوسِ شرابِ الهوى
في مقاهي المصيفِ تركنا سُدى
على أملٍ أنْ تعودَ مصايفُ أحزاننا القهقرى ؟
دفنّا موجةً للأسى وعزيزِ المُنى
في كثيبِ رمالِ المصيفِ الكئيبِ
ظهيرةَ يومٍ غريبٍ شديدِ الوجومِ
لأنَّ الزمانَ يخونُ كثيراً ، وقد خاننا
ولنْ نلتقي مرةً ... ربّما !
هل ستقرأُ مولاتي هذا الشعر الحزين الذي قلته في إحدى دورات حياتي المتقلِّبة قبل قرابة العشرة أعوام ؟ وأنتِ ، الصبيّةُ المغرورةُ سيدةُ الزهورِ ، هل لديك بعضُ الوقتِ لقراءة شعري هذا المُكَرّسِ للرملِ والبحرِ والمصيفِ وقد كنا معاَ سويّةً قبل عشرة أيام نتمشى على رمال سواحل جزيرةِ إيبيزا الإسبانية ؟ هل تتذكرين أمْ أنَّ كثرةَ ما في حوزتكِ من زهورٍ أنستك أسماءَ قاطفيها ومَنْ أهداها ؟
قال المتنبي :
أَتُراها لكثرةِ العُشّاقِ
تَحَسبُ الدمعَ خِلقةً في المآقي
أجابتْ مُحتجّةً : ليس لي عُشّاقٌ إنما لي أصدقاءٌ كثيرون ليس فيهم مَنْ أعشقُ أو يستحقُّ حبّي الأصيل ! ما زلتُ صغيرةً على الحب والعشق . يبدو أنكَ تغارُ من بعض أصدقائي ؟ ماذا أقولُ لهذه الصبيّة ؟ هل لديَّ وقتٌ أو مزاجٌ للغَيرة ؟ وهل بقيَ فيّ عصبٌ يحتملُ عبءَ الغَيرة ؟ أنتِ واهمةٌ يا صبيّةَ الصبياتِ والمُزهرةِ بين الزهراتِ . أنتِ واهمةٌ وأنتِ عاجزةٌ عن فكِّ رموزِ ما أكتبُ لكِ بل وتسيئين فهمَ بعض ما أكتبُ لكِ فمتى تنضجينَ ومتى تفقهين معاني سطوري ؟
هل من لقاءٍ آخرَ على سواحلِ مدائنَ وجزائرَ أخرى بعيدة ؟ قالت عشتارُ بابلَ بل أنا المرَشّحةُ لهذا اللقاء الآخر . أنا مثلك مزاجي بحريٌّ والماءُ هوايَ ومتعتي . وغموضُ البحرِ يُحاكي طبيعتي وهيبتُهُ تستهويني . إتفقنا . أعدّي نفسكِ إذاً وجهّزي جوازَ سفَركِ وحقيبةَ ملابسك وسأكونُ في إنتظاركِ في أي مطارٍ تشاءين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق