الخميس، يونيو 18، 2009

كيف نعد أطفالنا للمستقبل ـ2

عبد الكـريم عليــان
عضو صالون القلم الفلسطيني
Elkarim76@hotmail.com


الطفل والكتاب

كتاب الطفل عرضة للتسفيه والتردي.. نظرا لعدم إقبالنا عليه، وقد يشكو البعض من ارتفاع سعره، إن ذلك مرتبط بإقبالنا على شرائه، وأن سعره يتناسب عكسيا مع شرائه، وأن الناس يقبلون على الألعاب والملابس والحلويات وغيرها.. أكثر من الكتاب وفي الغالب تكون أسعارها أغلى من الكتاب.. إن شعورنا بالعجز عن شراء الكتاب يعكس نظرتنا الدونية له. إن مشكلة كتاب الطفل متعددة الجوانب، ولا تقتصر على ما ذكر فقط.. كما أن إصرار كتّاب الأطفال على التعامل مع الأطفال على أنهم ساذجون وقدراتهم محدودة أمر في غاية الخطورة، فالكتابة للطفل ليست مجرد مجموعة من الحكايات والحواديث.. إن طفل العصر يجب أن يقرأ عن مشكلات الكون، الاهتمام بكتاب الطفل يقطع الطريق أمام الثقافة الوافدة والتي تصدرها ثقافات أخرى، أو المنطلقة من أسس ثقافية وافدة ـ كما هو حاصل الآن ـ ففي كثير من الحالات تحتوي على مزيج من التناقض والغرابة وعلى قدر كبير من الغثاثة والتشويه، فلا هو تعبير عن قدرتنا وإنجازاتنا، ولا هو في نهاية الأمر نافع لأبنائنا وبناتنا..!

الطفل وأدب الطفل

ما زال أدب الطفل أسير عقول الكبار ويخضع لمقاييسهم دون أي اعتبار لتذوق الطفل، وقلما نجد كتابا يخضع لرؤية من يكتب لهم أساسا، بل إن هذا الأدب لا يزال أسير نزعات وشطحات توجهه (الكاتب) وجهة معينة وتسقط صفته عن كل ما يخالف هذه الوجهة، سواء أكانت وجهة أسلوبية أو فكرية، وما يرد فيه من كلمات وتراكيب تبقى على أسس افتراضية تفتقد التجربة والبحث الميداني، أو تغفل عن أهميتها، فليس من تصانيف مبدئية لطبيعة المفردات المرحلية، فطرف يرى رؤية معينة، وثاني يخالفه وآخر يرى في أنسنة الحيوانات والنباتات والجماد أسلوبا تشويقيا مفيدا، وآخر يرى فيه أسلوبا تقليديا سيئا.. لذلك فإن أدب الأطفال سيبقى أسير نظرات ضيقة وتجارب غريبة عن واقعنا وافتراضات واهمة ونظريات غير علمية ورؤى منفصلة عن الواقع ما لم يأخذ دوره في التنشئة سواء أكان هذا الأدب مطبوعا أو مسموعا ومرئيا، وإذ يتحرر ـ نادرا ـ فإن ضيق الانتشار يهمش هذا التحرر النادر!

وحتى نستطيع الحكم على أدب الأطفال علينا مراعاة الفوائد التي يمكن أن يعطيها هذا الأدب في الجوانب التالية:

1. الجانب القيمي والأخلاقي الخاص بالمجتمع من خلال سياق يوضح الآثار الإيجابية والسلبية.

2. الجانب السلوكي والحركي من خلال السلوكيات التي يدعو إليها أو ينهى عنها أو من خلال تحليل الأحداث بطريقة تبين أهمية الاتزان والتوازن، وكذلك بما تزرعه من سلوكيات تدفع الطفل إلى المزيد من النشاط والحركة إيجابا.

3. الجانب اللغوي والجمالي بتنمية ثروة الأطفال اللغوية والجمالية من حيث المفردات المتسقة نثرا أو شعرا أو من حيث الإيقاع والسلاسة والبساطة أو من خلال التصوير والوصف.

4. الجانب المعرفي والعلمي بما يضيفه من معارف وعلوم تنساب عبر السياق بسلاسة وإمتاع .

5. الجانب الاجتماعي بما ينقله من مشاهد مميزة وجديرة بالملاحظة حيث يصبح الطفل أكثر جرأة في دخول المجتمع، وأكثر قدرة على فهم قوانينه وضوابطه وقيمه وأكثر إدراكا لطبيعته وجوانبه وأكثر وعيا لمعرفة تحولاته وحاجاته..

6. الجانب النفسي من خلال التجارب والخبرات التي تؤدي إلى تربية وعلاج وكشف الغموض بقدر من المتعة والمعرفة غير المباشرة.

7. الجانب العاطفي والانفعالي بحيث تؤدي إلى اتزان عقلاني وموضوعي وعلمي من جهة والحرص الشديد على سلامة المجتمع بتركيباته وأفراده من جهة ثانية فلا يكون تابعا سلبيا، ولا مناهضا سلبيا، بل يدخلها في دائرة عقلانية حريصة على مشاعرها وأحاسيسها في دقتها واتزانها..

الطفل والتلفزيون

لعب التلفزيون دورا بارزا في هذه المرحلة ـ بشكل خاص ـ في حياتنا وسلوكنا، وكان الطفل هو المتلقي الأول والأخطر في حياتنا وتساءل الجميع منا على مدى تأثير التلفزيون في سلوك الأطفال وانعكس ذلك في تصرفاتهم الغريبة سواء كان ذلك في تصرفاتهم الغريبة في الشارع أم البيت أم المدرسة، وعجزنا جميعا أمام هذه المعضلة؟ هل نمنع أطفالنا من مشاهدة التلفزيون؟؟ أم نسمح لهم بذلك ؟ وإن سمحنا لهم. أي البرامج يشاهدون؟ من منا يراقب أطفاله عند مشاهدتهم للتلفزيون؟ من منا حاول تنظيم هذه العملية؟ أسئلة كثيرة مهمة؟ والأهم منها: هل نملك الجرأة سواء كنا مربين؟ أم معلمين؟ للسعي على تنظيم هذه العملية؟

تعلق الطفل بالتلفزيون يجب ألا يثير محاذيرنا ومخاوفنا فقط، بل يجب أن نلتفت إلى أهمية استغلال هذا التعلق بما يفيده ويفيد التربية، فالعملية التناغمية بين الطفل والتلفزيون لم تعد ظاهرة عفوية مجانية، بل أصبحت صالحة للاستغلال في جميع الاتجاهات، فتأثير التلفزيون على الطفل تأثير شامل يشمل مختلف جوانب المعرفة والسلوك والتنشئة، إن المعرفة الآتية إلى الطفل عبر الشاشة قد تحوي من المشاهد والحوادث والقيم والقواعد الحياتية ما يخالف تماما ما ينطق به الأهل ويوصي به المربون والمرشدون وهذا ما يخلق نوعا من الالتباس والتناقض يؤدي بالطفل نفسيا وعقليا وتربويا إلى حالة من الاضطراب والبلبلة. وانطلاقا من ذلك يجب أن ننتبه إلى جملة أمور لا بد منها لتحسين واقع الطفل وعلاقته بالتلفزيون منها ما هو مرهون بالمجتمع ومؤسساته الإعلامية والتربوية، وما هو مرهون بالأسرة والمشرفين على تربية الطفل مباشرة .

◄ دور المجتمع والمؤسسات الإعلامية :

· السعي إلى تقديم برامج مفيدة ومشوقة تجذب الطفل إلى التلفزيون المحلي وتقطع عليه الطريق للقنوات التي تؤثر سلبا فيه.

· أن تكون البرامج مدروسة بحيث تكون قادرة على نفض القيم الرديئة والوافدة عن عقله باستمرار.

· نشر نوع من الوعي الإعلامي والصحي في التعامل مع جهاز التلفزيون.

· تنسيق البرامج وأوقات إذاعتها بحيث نتلافى إطلاع الطفل على ما لا يجب أن يطلع عليه في شكله المعروض، وذلك من خلال التفصيلات البرامجية وتقدير الأوقات التي يتزاحم فيها الأطفال على الأجهزة.

◄ دور أهل الطفل وذويه:

· تصحيح علاقة الطفل بالتلفزيون، فالحجر لا يفيد، كما أن الإهمال يؤدي إلى أخطاء فاحشة في بناء الشخصية.

· تنمية هوايات الطفل ومهاراته ليستغرق فيها وتغطي له أوقات فراغه .

· التصرف السليم أمام الطفل، فاستسلام الكبار للتلفزيون وتعلقهم به يرثه الطفل ويصبح سلوكا أساسيا لديه.

· تحديد عدد المحطات التي يمكن للأسرة متابعتها والاقتصار على ما هو مفيد منها.

· تنظيم أوقات الأسرة يوميا وتوزيعها بحيث يكون وقت التلفزيون محدد يتوافق مع البرامج المفيدة.

الطفل والألعاب

تمتلئ أسواقنا بألعاب مستوردة، أو مصنوعة محليا على غرار المستورد. وجلّ هذه الألعاب ينطلق من أسس لا تمت بصلة إلى واقعنا، تحمل للطفل سلوكيات وقيم مغايرة ومختلفة عن خصوصيتنا ومع ذلك لا نستطيع مواجهتها وتلافيها، فهي أساسية في حياة الطفل وكذلك ألوانها المثيرة وأشكالها المحببة وتقنياتها المدهشة وما تقدمه من إمتاع وتسلية يغري الطفل وذويه. ولأن الألعاب ضرورة يمليها واقع الطفولة وطبيعتها لا بد للطفل من أن يحصل عليها، بل ربما يكون لحرمانه منها تأثير ضار جدا به، لكن علينا إدراك أن الألعاب ليست لمجرد الإلهاء، إنما الغاية منها المساهمة في نموه العقلي والجسدي والنفسي والحركي. لذلك يجب البحث عن اللعاب التي تسبب المزيد من المتعة المفيدة لا المتعة العقيمة.

الطفل والمهارات

المهارات تتعلق بجوانب النمو الحركية والعقلية مباشرة وتتداخل أيضا مع جوانب النمو الأخرى، والمهارات تدفع الطفل مبكرا نحو التوازن بين ما هو جمالي وما هو وظيفي إذ أن مهاراته تكون ظاهرة، وهذا يعني أنه سيتعرض لعمليات تقييم وتقويم مباشرة من قبل أسرته ومجتمعه. وكلما نمت مهارات الطفل تتاح له فرص أفضل للتواصل مع المجتمع، واكتساب المزيد من الخبرة، وتجعله قادرا على قياس مدى فاعليته وحضوره في المجتمع والدور الذي يمكنه أن يقوم به في إطار الجماعة الإنسانية أي تمهد له السبيل ليكون فردا إيجابيا بناء متفاعلا، له حضوره ومكانته وفرادته، وهذا ما يجعله يتصف بالاتزان، ويخلق في نفسه نوعا من الثقة بطاقاته وملكاته ويفتح له المجال لتحقيق الحد الأقصى من طموحاته وأحلامه، إضافة إلى ما تشكله هذه المهارات من اكتفاء حياتي وذلك من خلال اختصار حاجاته إلى الآخرين لأداء أعمال يمكنه القيام بها بنفسه.

الطفل والتعليم

بما أن الغذاء ضروري لنمو الجسد وتكامل وظائفه، كذلك التعليم ضروري لنمو القدرات العقلية وتوازن الحاجات النفسية ورفد الملكات وصقل المواهب. والأهم في التعليم هو المناهج التعليمية التي أخذت منذ القدم اهتماما وافرا وحتى الآن. فالمناهج تتغير بتقدم المعرفة وتحولات الظروف ونوعية الحاجات والمواصفات المرحلية للأمم في مجالات المعرفة والحياة. إذن أهمية التعليم تنبع من أهمية مناهجه وأهمية المناهج تأتي من خلال تنوعها وغناها وشموليتها واستجابتها لطبيعة الأطفال من جهة، إضافة إلى تحولاتها وتغيراتها المواكبة للتحولات والتغيرات التي تطرأ على المعارف والعلوم وظروف المجتمع وثقافته من جهة ثانية، إضافة إلى احتساب المدى المأمول للمجتمع والمستقبل المطلوب له في أسس هذه المناهج من جهة ثالثة ….

بعد هذه الدراسة القصيرة والمتواضعة لا نفهم لماذا يوجد لدينا في كل الدول العربية وزارات تربية وتعليم ؟ ولماذا لم تقم هذه الوزارات بعلاج هذه المشكلات الواضحة والتي يعرفها الجميع ويعاني منها كافة الناس وكافة المدارس في كافة البلدان منذ زمن طويل؟ هل هذه الوزارات قاصرة عن معالجة هذه المشاكل أو الحد منها..؟ ما المانع أن تتوحد مناهج الأمة العربية جميعها في منهاج واحد ما دام تربطنا لغة واحدة؟ وقضايا واحدة ومصير واحد وجغرافيا واحدة؟ أليست وحدة مناهجنا كافية لتوحيد ثقافتنا وهويتنا؟ ومن ثم مواجهة التحديات معا أقوى وأفضل من تفرقنا وضعفنا..؟ أين جامعاتنا المتناثرة والكثيرة في كل البلدان من هذه القضايا؟ نعتقد أن كليات التربية بكل أقسامها من حيث هي كليات لإعداد المعلم في مراحل التعليم العام. في حاجة إلى تطوير من الداخل، وبحاجة إلى توحيد مناهجها أيضا لتخريج معلم واحد يستطيع أن يتعامل مع كل القضايا بشكل جدي ويتداول التجارب والخبرات معا حتى نستطيع الخروج من دائرة الإحباط والتجهيل،وتتبنى دولنا مجتمعة فلسفة تربوية واحدة تتآلف وتتعاون مع كل أنظمة المجتمع المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتاريخية والدينية ...وبهذا نكفل لمجتمعاتنا التطور والتقدم لنرتقي إلى مصاف الأمم المتطورة ونشاركها كل الإنجازات الحضارية...

ـــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

· إسماعيل ، د. محمد عماد الدين : الأطفال مرآة المجتمع ، سلسلة عالم المعرفة /99 ، الكويت ، 1986 .

· عاقل ، د. فاخر : معالم التربية ، دار العلم للملاين ، بيروت ، 1983 .

· كرم ، د. جان جبران : التلفزيون والأطفال ، دار الجليل ، بيروت ، 1988 .

· الهيتي ، د. هادي نعمان : ثقافة الأطفال ، سلسلة عالم المعرفة / 123 ، الكويت ، 1988 .

· وزارة الثقافة والإعلام ، الشارقة : الطفل والقراءة ، الشارقة ، 1993 .

· أحرثاو ، د. الغالي : الطفل واللغة ، المركز الثقافي العربي ، بيروت ـ الدار البيضاء ، 1993 .

· إبراهيم ، د. عبد الستار وآخرون : العلاج السلوكي للطفل ، سلسلة عالم المعرفة / 180 ، الكويت ، 1993 .


ليست هناك تعليقات: