الجمعة، مارس 05، 2010

قلم ذهبي‏

هيثم البوسعيدي
حينما يتخذ القلم الأصيل قرار الانغماس في عالم الكتابة، بطريقته العفوية يجبر خلايا العقل على شق مسيرة البحث عن مكامن الحقيقة، ويرسم بين جدران القلب فكرة التفتيش عن مواضع الخطأ، ويحفر عميقا في جذور البيئة المحيطة به لأجل التنقيب عن مواقع النقص في سياسات الدولة التي تحكمه وممارسات المجتمع الذي يحتضنه، وذلك إيمانا منه باستحالة استمرارية حياة الوطن ونهضة المجتمع وصلاح الفرد بدون وجود الرأي الآخر والفكر المعارض الذي يحرك العقول لمواجهة المشاكل المعقدة ويدفع النفوس لملامسة العيوب الخفية.

هذا شأن القلم الحر وديدن الحبر الطاهر الذي يأبى ممارسة الكتابة المرتبطة بصور الزيف وأشكال النفاق ومسارات الخداع، ولكونه يحمل صفات الشرف والحرية وخصائص الشفافية والمصداقية فهو متجاهل ومستبعد من عدة جهات وأطراف.

فذلك القلم ينفر من صراحته الكثيرون ويغضب من انتقاداته المتخاذلون لأنه يميط اللثام عن الأسرار الخطيرة ويفضح أصحاب الأقنعة ويعري أهل الإدعاءات وينبه أهل الغفلة عما يرتكب من انتهاكات في حق الإنسان والمجتمع والوطن، ويشير بأصابع الاتهام نحو مسببات الظلم وعوامل التفرقة وأبواب الباطل، ويطالب أفراد المجتمع بسرعة التغيير ويحرض فئات المجتمع على الاستمساك بطرق الصواب والتشبث بدروب الاستقامة.

ويواجه هذا القلم في مسيرته النبيلة أطياف من البشر وألوان من الناس هم أعداء وكفرة وأنذال وعشاق مصالح، تجتمع قلوبهم الخبيثة على نية واحدة وتتقاطع خططهم عند هدف مشترك ألا وهو اغتيال ذلك القلم الشريف وتغيبه في سجون وتشويه مبادئه أمام السذج وعامة الناس بمختلف الوسائل والأساليب.

من جانب آخر فإن فئة كبيرة من قراء الوقت الحاضر يتآمرون أيضا على ذلك القلم الذهبي بإهماله واضطهاده بعديد الوسائل، بل يسعون إلى قلب صفحات ناصعة امتلأت بغزارة إبداعه وبجمال إنتاجه لأنها فضحت واقعهم المرير وصدمتهم بكمية العيوب والأمراض في دواخلهم المتناقضة، ولأنها لم تمارس سياسة تخدير القارئ ولم تعتمد على التسلية والإلهاء في أغلب عباراتها الفضية وجملها الذهبية.

لذا فهذا القلم يعتبر قلم ذهبي تتساقط أمام رماحه مغريات الشهرة والمال والمصالح، وليس له صديق ولا صاحب ولا خليل يواسي أحلامه الكبرى وطموحاته الجليلة في إصلاح الوطن.

لذا فهو مكروه من أهل السياسة ورجال الدين وأصدقاء اللهو وزعماء المجتمع ورؤساء الإعلام الهابط وتجار المال الحرام وجزء كبير ممن يدعي الثقافة والفكر والأدب.

أخيرا فإن حقيقة هذا القلم وصفاء معدنه الأصيل وندرة ما يختزنه من فكر عظيم ستظهر بعد انقضاء عشرات العقود وتقادم السنوات بعدما تنقشع الغيبوبة وتزول غمامة السواد التي تسيطر على قلب المجتمع الذي يفزع هذه الأيام من سلطة الفرد ويرتعد خوفا من ديكتاتورية الفرعون مهما تعددت صوره واختلفت مواقع وجوده


ليست هناك تعليقات: