السبت، مارس 13، 2010

الضياع 3-7

أنطوني ولسن

أستراليا


تحذير: هذه القصة للكبار فقط

... وبسرعة متناهية ألبسها فريد جلبابها، وارتدى جلبابه أيضاً، خوفا من دخول أمها عليهما وهما في هذا الوضع العاري جدا...

عادت الى كنبتها متكورة والدمعة في عينيها، ورأسها الصغير مدفون بين ركبتيها، ويداها ملفوفتان حوله، وشعرها الأسود الحريري الناعم يغطي اليدين والركبتين. لم تدر ماذا تفعل، ماذا تقول، ومن أين جاءت تلك الدماء التي لطّخت الغطاء؟!

كانت تسمع ان الرجل ليلة زفافه يذبح قطة كي يخيف زوجته، ويجبرها على طاعته، ولكنها كانت عارية، وكان هو عارياً أيضاً. منذ اليوم الأول لزواجهما، وهو يحاول ان يجعلها تنام إلى جواره، وكانت ترفض، وتصّر على النوم فوق الكنبة، تماماً، كما تجلس الأن.

- مبروك يا عروسه.

أجفلت وهي تسمع صوته وتراه واقفاً أمامها، ويداه تداعبان برقة رأسها الغارق بين يديها.

- أنت أشرف الشريفات، ما تخافيش، الدم ده شرفك وعفتك يا عفعوفتي.. إنت نسيتي والا ايه!.. انا فرفورك.. امبارح بالليل كنت أدلعك وأقو لك يا عفعوفتي، وإنت تدلعيني وتقولي يا فرفورتي..

لم تصدق أذنيها.. شعرت بالخزي والعار.. وانها ارتكبت الفحشاء، دون ان تدري.. تمنت لو استطاعت ان تقتل نفسها لتستريح من هول المذلة التي عاشتها ليلة أمس.. كيف ومتى حدث ذلك؟!.. هل من المعقول ان يكون قد نالها أخيراً؟!..

عندما رأها تتصارع مع أفكارها، وانها لن تستجيب له، تركها على ما هي عليه، حاملا معه (الغطاء) خارجا من الغرفة، ليجد والدة عفاف واقفة واجمة في آخر الصالة، لا تعرف ماذا تقول او ماذا تفعل. تطلع بها والأندهاش يلفه من حالتها ووقفتها، وقدم لها غطاء السرير وعليه بقع الدم الأرجواني، وقال لها:

- صباح الخير يا أم العروس.. مبروك عليكم وعلٍي.. بنتك شريفة واسمها عفاف وهي عفيفة بحق وحقيقي.. خدّي العلامة أهه.

أمسكت أم عفاف بغطاء السرير، رفعته بيد، واليد الأخرى تساعد فمها في اطلاق الزغاريد.. اتجهت الى شباك الصالة المطل على الحارة وراحت تصرخ:

- يا بنات.. يا ستات.. باركو لنا يا أهل الحي.. يا جيران.. العلامة آهه.. بنتنا حرة وشريفة. اسمها عفاف وهي عفيفة.

أطلت من أطلت من البنات، وباركت من باركت من الستات، وانطلقت زغاريدهن مدوية في الحارة ومعلنة شرف عفاف.

أربعة أيام بلياليها، والجميع، بما فيهم أم عفاف، ينتظرون معرفة ما حصل بين العريس والعروسة.. بدأت بعض الألسنة تلوك سمعتها، والبعض الآخر يلوك سمعته، على أساس ان من يشرب من (ماء الخواجات) لا يعتبر رجلا بنظرهم.

أحس فريد بالفخر والاعتزاز، واعتبرنفسه رجلاً تمكن بالفعل من ان ينام مع زوجته، ويبرهن للجميع انه فارس نسائي مغوار.

عاد فريد الى الغرفة، فوجد عفاف، كما تركها، متكورة فوق الكنبة، لا تريد ان ترفع رأسها، ولا ان تفتح فمها. إقترب منها، حاول ان يربت على كتفها، خافت منه كمن لسعته أفعى. فأبعد يده عنها والصمت يخيم عليه. لقد ضاعت الفرحة منه، وأنطفأت البهجة في عينيه وقلبه. أحبها معتقداً انها مجرد فتاة يتسلى بها وقت الحاجة. لكنها بعد ليلة البارحة، اصبحت عنده كل حاجة. صحيح انها كانت سكرانه لحظة دخوله عليها وفض بكارتها، لكنه أحس بنشوتها وهي تتلوى بين يديه وانها كانت تطلب منه المزيد، فأعطاها كل ما تذكره وتعلمه من تلك الافلام اللعينة التي كان يدمن مشاهدتها في أستراليا. قام بأدائه خير قيام، وعندما رأها تتأمل جسدها العاري باعجاب زائد، ظن ان الرياح بدأت تجري كما يشتهي الملاح. لكن.. لا زغاريد أمها أفرحتها ولا تهاني النسوة والصبايا.. وها هي جلستها حزينة بائسة وكانها تريد الهروب من حياتها.

دخلت أمها الغرفة، فرأت فريد واقفا كالصنم، لا يتحرك ولا يستطيع الاقتراب من ابنتها. رأت ابنتها متحجرة في جلستها، فأقتربت من صهرها وربتت على كتفه بحنان وقالت:

- أستاذ فريد اتفضل أنت روح استنى في الصالة.. وأنا جايه حالاً أعملك الشاي وأحضر لك الغداء.

إقتربت من ابنتها، مدت يدها وربتت على كتفها بحنان.. إرتعشت عفاف وانتفضت وهي تبكي بحرقة احتضنتها أمها وأخذت تهدئ من روعها:

- بس يا حبيبتي مالك حد زعلك.. مبروك يا عروسه وأحلى وأشرف عروسه في الحارة.. لا في الحتة كلها.. في الدنيا كلها رفعتي راسنا قدام جوزك وقدام الناس.

- لا.. لا أنا.. أنا بنت وحشة و.. ومش كويسة..

- ليه يا حبيبتي؟.. يا عبيطة الدم اللي كان على (الغطاء) دا شرفك يا بنتي واللي بين انك عفاف وعفيفة وشريفة بحق وحقيقي..

ارتجفت عفاف أكثر فأكثر، وتطلعت الى أمها بوجه حزين، وعيون مبللة بالدموع والشهقات تتعالى مع كل نفس يتسابق مع دقات قلبها وهي تقول لأمها:

- ماما أنا بنت وحشه.. مش كويسه..

- ليه يا حبيبتي، دي سنّة الحياة.. الواحدة منا مالهاش غير جوزها وعيالها..

- لا يا ماما.. انا.. انا كنت نايمه جنبه عريانه من غير هدوم. ماعرفتش كده غير لما نزلت من السرير وشفت نفسي في المرايه..

- حقك عليّ يا بنتي. كان لازم حد يفهمك أصول الحياة والجواز.. لكن أنا كنت مكسوفه أتكلم معاك.. وأهو أديكي دخلتي دنيا وبقيتي ست زيك زي أمك.. قومي يا حبيبتي تحضري معايا الفطار. صدقيني ما انا عارفه إن كان فطار واللا غدا. المهم قومي بقى وبلاش كسل.. الأول رايحه اولع وابور (الجاز) واسخن لك مية علشان تستحمي وهو كمان يستحمه..

- " شهقت ".. يستحمه معايا؟!

- وماله.. ما هو جوزك؟!

- لا.. لا.. لا يا ماما مش ممكن..

- طيب يا حبيبتي.. طيب.. استحمي انتي الاول وبعدين هو..

هكذا كانت الليلة الأولى التي عرف فيها زوجته عفاف.. صحيح انه شعر بتجاوبهامعه اثناءالجماع، إلا انه كان تجاوباً مخموراً.. تتأوه تارة، وتصرخ تارة اخرى صرخات خافته ترسلها بتقطع بلا مقاومة أو شعور أو إحساس كامل.

حين رأت جسدها العاري يتلوى في المرآة لاول مرة.. أحبته.. نعم أحبت جسدها، وحدّقت فيه ملياً بطريقة لم تفهمها. بدت وقتذاك مشدوهة بقوامها، بنهديها، بكل ما وهبها الله من مفاتن. أخذت تتحسّس كل جزء من جسدها، بيد مرتعشة، ورغبة جامحة لاحتضان هذا الجسد الممشوق، والتحليق به من سماء لسماء. لكنها عندما رأت فريد عاريا خلفها، أصيبت بنوع من القرف، لم يعجبها جسده، فأغمضت عينيها، وضاعت في حالة هستيرية حاولت أمها إنقاذها منها.

خرجت من غرفتها، لم تتمكن من المشي بادئ الأمر. استندت على كتف امها، رأت فريد ينظر اليها والشفقة تكسو ملامحه، طأطأت رأسها في خجل ومشت.

عند المساء لم يحضر فريد معه خمراً ولا كباباً. أكل ما قدمته له من طعام. بعدها ذهب الى غرفته لينام، أمسكها من يدها وأخذ يداعبها، عادت اليها قشعريرتها.. احتضنها وقبلّها، أحست بالغثيان، ومع ذلك تمالكت أعصابها وكتمت غيظها، ولم تشعر بأية نشوة وهو جاثم فوق صدرها. وما ان انتهى من غزوها جنسيا، حتى ارتمى على ظهره وراح في نوم عميق.. وبسرعة غريبة.. أما هي فلم تعرف للنوم طعما، لأنها لا تعرف ما هذا الذي يدور بينهما.

قبل سفرهما الى أستراليا، هكذا كانت حياتهما.. كل فرد من افراد العائلة، مهتم بها.. وكل بنت من زميلاتها في المدرسة أو من بنات الحارة، كانت تحسدها على النعمة التي حلّت عليها، آلا وهي نعمة الذهاب الى البلد الغربي المليء بالسيارات والملابس الأفرنجية والمال الوفير.. وهي فرحة معهن وكأن المسافرة فتاة أخرى وليست هي، يتكلمن عنها، فتنصت إليهن وتوافقهن على كل ما يقلن. طفلة بريئة لم تعرف من الحياة غير مساعدة والدتها في شؤون المنزل، والاهتمام بدروسها. لهذا لم تستطع ان تتخيل ما سوف تكون عليه حياتها في أستراليا.. وماذا ستفعل هناك هل ستكمل تعليمها أم ستبقى في البيت لإعداد الطعام لزوجها؟!..

آن أوان السفر.. وها هي الليلة الأخيرة التي ستقضيها مع والديها وإخوتها وأهل الحارة، تجيء بسرعة لم تتوقعها.. بدأ قلبها يرتجف. شعرت بدقاته العنيفة التي أخذت تزداد عنفاً كلما فكرت بالإبتعاد عن اسرتها والاتجاه نحو المجهول. إنه زوجها الذي ستسافر معه. لكن الفترة التي عاشرته فيها لا تتعدى الأسابيع الثلاثة، من هو؟!.. ما عمله؟!.. كيف ستتصرف معه؟!.. هل في أستراليا بنات في سنها يمكنها ان تلعب معهن أو ان تصاحبهن على الأقل؟!.. كل هذا كان يشغل بالها.. ستترك أمها وأباها وأخوتها وترحل. ستحرم من صوت والدها، ساعة ايابه من العمل كي تعد له الطعام. لن تسمع صراخ أمها مع إخوتها عندما تطلب منهم شيئاً. البيت كله يتحرك كخلية نحل، وهي المحرك الأول فيه.. ما الذي يحدث؟! لماذا تزوجت؟!.. ما هو الزواج؟!.. أهو النوم، في سرير واحد، مع رجل غريب؟!.. وهل موافقة والدها على زواجها منه كافية لإعطائه حق مضاجعتها؟!.. وبدون هذه الموافقة، هل كان بإمكانها مضاجعته أو مضاجعة أي رجل آخر؟!..

لياليها مليئة بالخوف والرهبة، مع العلم أنها في بداية الزواج!! كانت تنهض باكية مرتعشة تتوسل الى النوم فوق الكنبة (الإسلامبولي).. المكان الذي وعت فيه الدنيا. بعد زواجها طلبت من والدها ان يضعها في الغرفة التي تنام فيها، مؤقتا، مع فريد.. والآن يطلب منها النوم في حضن رجل غريب. لماذا يا ابي توافق على هذا؟!!..

- انها سنة الحياة يا ابنتي. كل رجل وامرأة عليهما ان يتركا والديهما ويعيشا مع بعضهما مستقلين. وعندما ينجبان أطفال يزداد التقارب والتفاهم بينهما مع مرور الأيام.

- لكن يا أبي.. كل من يتزوج يعيش قريباً من أهله، يشعر بالامان ويستطيع رؤيتهم ساعة يشاء. أما انا يا أبي فمشواري طويل، لقد درست في مادة الجغرافيا ان قارة أستراليا تعتبر آخر القارات جنوب الكرة الأرضية. معنى هذا ان المسافة بيننا ستصبح بعيدة وبعيدة جداً يا أبي.. وانت مريض، فكيف لي أن أسمع صوتك أو ان أراك؟.. حرام هذا يا أبي.. ارحمني وارحم نفسك من هذا العذاب.

- انه المكتوب يا ابنتي، وعلينا السير في الطريق المكتوب.. علينا ان نقطعه حتى النهاية التي حددّها الله لنا منذ جئنا الى الحياة.

حوارها مع والدها كان حلماً يقظاً. أفاقت منه عندما جاءتها احدى المودعات وأخذتها بالاحضان وهي تدعو لها بالسعادة والهناء ، ومين زيك رايحة استراليا.. يا بختك.

بعد ذلك خلا المكان من الأصدقاء ولم تر لزوجها صديقاً واحداً جاء لوداعه، باستثناء بعض أقاربه الذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد.

الساعة السادسة تماما ستقلع الطائرة. ها هي الساعة قد أعلنت قدوم منتصف الليل، ولم يبق سوى ساعات قليلة لا تعتقد أن حداً سينامها، بمن فيهم والدها المريض، الذي ومنذ وصوله من عمله، وهو يتحرك ويساعد بإعداد الحقائب واستقبال الناس وإرتشاف القهوة والشاي معهم. لكنه كان دائما يتجنّب ان تتلاقى عيناه بعينيها. كلما فكّر بالأمر يحزن ويكتئب ويشعر بتمزق في قلبه. ابنته البكر التي أحبها حبا يفوق الوصف، والتي كانت أول طفل يلاعبه ويناغيه، كانت عندما تسمع صوت الباب يفتح تشرئب برأسها متطلعة الى مكان مجيئه، مبتسمة وهي لا تكمل عامها الأول، فيحملها ويرفعها الى أعلى ثم يهبط بها ليرفعها مرة اخرى، ويضعها على السرير، ويدفن وجهه في جسدها الناعم ويطلق صوتا من فمه يجعلهاتضحك وتقهقه بصوت عالٍ.

طوال حياتها، وهي تقوم بدور الإبنة والأخت له. إنه وحيد والديه، فوجد في عفاف الأخت الصغرى التي ستترعرع وتكبر بين يديه ، العلاقة بينهما وطيدة جداً.. يفهمها وتفهمه بنظرة عين. تعرف ما إذا كانت قد أغضبته.. وماذا يريد. لم يضربها مرة واحدة. دللّها دون أن يفسدها. لم تكن لديها مطالب خاصة.. وإن ارادت شيئا تطلبه منه في حياء وهي تردد:

- مش مهم يا بابا.. اذا كنت مش قادر تجيبه.

تطلعت به مرة ثانية وثالثة ورابعة، فكان يشيح بنظره عنها ولسان حاله يقول:

- والآن يا ابنتي الحبيبة اودعك.. ونحن على قيد الحياة.. حلمي كان ان تكملي دراستك الثانوية والجامعية، وأن تجدي عملاً يليق بك، تكتسبين منه رزقك الى ان تختاري ابن الحلال. لكن الأقدار تخبئ لنا ما لا نعرف او نتوقع. ها هو المرض يزحف إليّ، وأنا أمارس عملين مختلفين من أجل توفير لقمة العيش النظيفة. أحاول جاهداً ادخار مصاريف دراستك ودراسة إخوتك. وأمك تبذل المستحيل من أجل تدبير شؤون هذا البيت.

غدا صباحاً، ستحلقين يا عفاف في سماء بلدك الحبيبة مصر.. ستكونين مثل كبار الناس الذين يسافرون بالطائرة. لم تسافري ولا مرة في حياتك. كنت أتمنى أن تسافري الى بيت جدك في الصعيد وأن تركبي الدرجة الثالثة في القطار، وترين بعينك وتحسين بنفسك كم هو شاق السفر. اما الآن يا حبيبتي، فقد جنبّك الله كل هذه المتاعب والمشقات، لأن لا أحد يقف بالطائرة كما بالقطار. فلكل راكب مقعده الخاص به. وبالطائرة مضيفات جميلات مثلك، يقمن بخدمتك والسهر على راحتك، فهنيئاً لك.

حبيبتي.. لا تنسينا بعد وصولك لأستراليا، تذكرينا وابذلي جهدك لمساعدة أهلك والعمل على سفرهم الى جنتك العتيدة.. آه يا ربي.. لماذا نعيش هذه الأيام.. أيام الفرقة والعذاب.. كنا نعيش قانعين بقسمتك، بعطفك، بحبك لنا. أما الآن فالجوع يزحف الى بطون الكبار والصغار.. فلا العمل الوظيفي يكفي لمواجهة مطالب الحياة، ولا الارض تحتوي مكاناً نقدر ان نسير عليه بأمان. الناس يعيشون فوق بعضهم البعض بطريقة عجيبة غريبة، واليأس هو المهيمن الأول والأخير على عقولنا وأفكارنا وتصرفاتنا. لم نعد نميز بين الصالح والطالح. بعتك يا ابنتي بأبخث ثمن، ولم آكن أطمع في مهر يقدم إليّ. بل كنت أطمع في حياة أفضل أقدمها اليك.. أين ستكون هذه الحياة.. ليس مهما.. المهم أن تنالي حقك المحرومة منه.. أن تعيشي العيشة التي لم أستطع توفيرها لك.

لا تغضبي مني يا وحيدتي.. يا صديقتي ويا ابنتي.. فأنا لا أعرف اذا كان قبولي بهذا الرجل زوجا لك، عملاً صحيحاً يرضي الله أم يغضبه؟!.. كل ما أتمناه هو ان تحافظي على نفسك في بلاد الغربة.

إغرورقت عيناه بالدموع.. لم يستطع الاستمرار في تلك الحلقة الخيالية مع ابنته. أخرج منديله وأخذ يمسح دموعه. تركت عفاف الجميع، زوجها، رفيقاتها، امها واخوتها وركضت نحو والدها لتجفف دموعه بمنديلها، ركعت على ركبتيها. ساد المكان صمت رهيب. الأب يبكي والبنت تبكي، والأم مسمّره في مكانها لا تستطيع الحركة، وفريد منبهر في مكانه، لا يصدق ما يرى.. فجأة هرول اخوتها الصبيان إليهما وأرتموا عليهما وهم يبكون ويصرخون ويبددون صمت المكان.

لم يستطع الأب الذهاب مع ابنته الى المطار لتوديعها هناك، فبقيت والدتها معه، وتطوّع احد الجيران بأخذ اشقائها الى المطار لتوديعها.

خرجت المسكينة من دار ابيها الى المجهول والدموع تنهمر من عينيها بغزارة، وصمت أخرس يلجم فمها، ويشل تفكيرها، وكانها بقرة مساقة الى الذبح، لا تستطيع الإعتراض او التوقف عن الحركة.

هل حدّق الناس في عيون الماشية وهي مساقة الى سكين الجزار؟!

هل تأكد الناس من ان الماشية لا تبكي وهي تسير الى الموت؟ وهل تملك الماشية حرية الاعتراض والرفض؟

(يتبع)

ليست هناك تعليقات: