د. عدنان الظاهر
إلتقيته صدفةً في إحدى مدائن الخيال المتشبث أبداً بالسياحة وإكتشاف المدائن الجديدة الجميلة التي قالت القّاصة السيدة سُهيلة بورزق عنها [[ أجملُ المدن ، تلكَ التي تسكنكَ وأنتَ في قِمّةِ مغادرتكِ لها * )) وقال قبلها عنها الشاعر التركي المعروف ناظم حكمت
[[ أجملُ المدن تلك التي لم نرها بعدُ ]] ، لذا أطرحُ على نفسي السؤالَ : هل معنى هذا أنَّ أفضلَ الناس هم أولئك الذين لم نتعرّفْ عليهم بعدُ وأنَّ أجمل نساء العالمين مَن لمْ ترهنَّ عيوننا بعدُ ؟ قالت سهيلة على الفور نعم ، بينما قال فارس بعد تريّث ـ فهو محامٍ ـ ليس بالضرورة . تُرى ، مَن منهما المصيبُ أو على حق والحقُّ حتى الحق أمر نسبي فالظالمُ يرى نفسه مع الحق وكذلك المظلوم الذي وقع الظلمُ عليه ... تمام أيها الصديق المحامي ؟ قال معك حق ، فنحنُ المحامين ورجال القانون نقلب الأسود في المحاكم إلى أبيضَ والعكسُ بالعكس لقاء أجور وليس لوجه الله . جاءنا صوتُ الشاعر النجفيِّ بحرُ العلومِ صارخاً من فجٍّ في الأرض عميق : أين حقّي ؟ ما حجّتك سيدة سُهيلة فيما ادّعيتِ والبيّنة في لغة أهل القانون على مَن ادّعى ؟ ما رأيكم يا جماعة الخير فيما قال الشاعر الإنكليزي لورد بَيْرِنْ
[[ آخخخخخ ... لو أنَّ للنساءِ في العالم أجمعَ ثغراً واحداً إذاً لقبّلتُهُ واسترحتُ ]] ؟ صمتَ بحرُ العلوم ولم يُجب المحامي فارس لكنَّ القاصّة المبدعة سُهيلة سارعت للقول معه حق ، كل الحق فيما قال . إنه بعضٌ من ذاك ، فنساء العالم غائبات عنه وعن عيانه فهنَّ الجميلات إذاً ما دُمنَ غائباتٍ عن عيون الشاعر السائح أبداً والمغامر أبداً والعاشق أبداً . ألمْ يقلْ ناظم حكمت إنَّ أجمل المدائن هنَّ اللواتي لم نرهنَّ بعدُ ؟ فقول اللورد تماماً كهذا القول وقوله هو القول الأسبق . ما رأي أخينا المحامي ؟ لا أتورط فيما يقول الشعراء والشعراء كما تعلمون يقولون ما لا يفعلون وتراهم في كل وادٍ يهيمون كفانا اللهُ شرّهم وشرَّ ما يقولون . توتّرَ الجو قليلاً فأردتُ إطفاءَ جذوة حرارته فعزمتُ على طرحِ السؤال عن مكان ومكمن الجمال، أفي الوجه أم في الجسد ؟ إرتأيتُ أنْ أُقسم الرهطُ إلى فريقين فريق يقول إنما في الوجه سرُّ الجمال وفريق يقول الجمال في جسد المرأة أولاً يأتي بعد ذلك جمالُ الوجه مكمّلاً لا عنصراً أوَّلاً رئيساً فبدأتُ بفارسنا ووجهتُ له سؤالي : ماذا تقول يا رجل القانون الذي لا يحسن العزف عليه الماسكون بمفاتيحه ؟ إنبسطت أسارير المحامي بدون تحفظات وظلال بسمة منتصرة تؤطّرُ قسماتِ وجهه ليقول : تعرفون أنني رجل قضاء ومحاماة وسوح قضاء ودفع ودفاع وكرِّ في الساحة وفرٍّ . الساحات ميداني وعرض بطولاتي وجولاتي متشحاً بجلباب القضاء الأسود ، لذا أرى في جسد المرأة ميداني الأفضل وساحة بلائي وقضاء حاجاتي وإستعراض قوّتي وجبروتِ عضلاتي وما في رأسي من علم وقوانين أحفظها عن ظهر قلب . فلا من جمالٍ خارجَ هذه الساحة ، الجسد ! وأنتِ يا سُهيلة، ما خطبُك مع الجسد وأين ترين الجمال أهو في الوجه أم في الجسد ؟ لا جمال في الوجه ولا في الجسد ولا بطيخ ! قالت ، إنما الجمالُ جمالُ الروح التي لا أحد يعرف مكانها لأنها من أمر رب العالمين . سألوا نبيَّنا عنها فقال الروح من أمر ربي ، لم يحدد مكانها ولم يصفْ ماهيتها ولم يقلْ ما هي بل ترك أمرها مفتوحاً للتأويل والإجتهاد والشك . وما رأيكِ بالجسد ، أعدتُ سؤالي على سهيلة ؟ قالت إقرأ مجموعتي القصصية { كأس بيرة } * لتعرف رأيي في الجسد فلقد خصّصتُ له قصة كاملة تحمل عنوان " حالة جسد " . ثم إقرأ محنتي مع الجسد التي فصّلتها في قصة " غواية نهد " في نفس الكتاب مار الذكر على الصفحة 75. أين الجمال إذاً ؟ الجمالُ من أمر ربي ، أجابت السيدة المُمتَحنة بجسدها . ضحكَ مَنْ ضحك وعبسَ وقطّب مَن عبسَ وتجهمَّ وقطّب . وجدتُ فجأةً نفسي مُحاصراً في مركز دائرةٍ محمكة الإغلاق حتى كدتُ أختنق . تآمرَعليَّ الجميعُ وحاصروني مثلً كلبٍ في جامع
طالبين مني أنْ أفصحَ عن وجهة نظري في أمر الجسد . وجدتُ ألأمرَ صعباً بل في غاية الصعوبة . طلبتُ مهلةً للتفكير قبل أنْ أُجيبَ فرفضوا بقسوةٍ طلبي . هل تحوَّل جميعُ مَنْ حضر ندوتي إلى قُضاة قُساة غلاظ الطبع قُدّتْ قلوبُهم من حجر أصمّ لا تعرف الرحمةَ والرقة ؟ على أية حال ، قلتُ لنفسي المحتارة بزمانها ، وَضَعكَ من أحبّكَ أمامَ أمرٍ واقعٍ لا مهربَ منه ولا فَكاكا فدبّرْ شأنك يا رجلُ وتحمّل النتائج مهما كانت فأنت أمام قضاة يحاكمونك في ساحة قضاء ولا رادَّ كما تعرف لقضاء . قلت مع نفسي الأمّارة بالسوء وعظائم الأمور سأتغابى وأتخابثُ وأفتعلُ البلاهة وأقصُّ نكاتٍ مضحكةٍ وأخرى من بقايا مخلّفات الطفولة لا مخلفات جيوش الحرب العالمية الثانية ... عسى أن يضحكوا ويطربوا لنكاتي وما أقصُّ عليهم من إبداعات الخيال خاصةً وأنَّ السيدة سُهيلة بارعة في فن القصٍّ الذي يخلط الحقيقةَ بالخيال المتشعب العميق الأبعاد ... وإذا ما طربَ الإنسانُ وحلّق في عالم وسماء البهجة والمسرّة يتبدل مزاجه وتلينُ أوتارُ قلبه فتحلّ الرحمةُ فيه بدل الغضب واللعنة والتهديد بالنار والويل والثبور . توكلّتُ ، حككتُ رأسي الأشعث بأظافري ثم قلتُ راسماً بسمةً بلهاء تتعرّجُ على زوايا فمي : الجسدُ من أمر ِ ربّي ! غرق القومُ بهستريا ضحك متواصل لا أول له ولا آخر . دخنَّ فارس المحامي سيجارة لف ورفعت سهيلة كأسَ بيرتها عالياً نخبَ ندوتنا ولا عقلانية جوابي الذي أضحكهم . وأنت يا بحرَ العلوم ماذا تقول في ردّي ؟ أراك ساكتاً والساكت عن الحق شيطانٌ أخرس . قال قد طلّقتُ السياسة والشعرَ بعد أنْ قلتُ أواسطَ أربعينيات القرن الماضي [[ إنما اللهُ قوّةٌ دَنَميتٌ // كشريطٍ في سينما الحمراءِ ]] فلعنني البعضُ وشتمني وهددني بالموت آخرون وصفّقَ لي مَنْ صفّق . فلا تقحمني رجاءً في أمور تخصُّ ربك فأوضاعنا اليومَ في العراق لا تسمحُ بذلك ومن يجرؤ عاقبته النار وبئسَ المصير ! معك حق ، معك حق يا صاحبَ أين حقي . الآن وبعد أنْ هدأتْ سورةُ الضحك والسخرية وقوة الله الديناميتية عادَ القومُ إلى محاصرتي والتضييق على خناقي طالبين مني جواباً محدداً دقيقاً على سؤالهم بخصوص الجسد المتمرّد أبداً الملعون أبداً المرغوب فيه أبداً. لِمَ ورّطتُ نفسي بجمع هذا النفر من الأصدقاء الذين إنقلبوا خصوماً لي لا يرحمون ؟ كان أبو الطيّب المتنبي مصيباً إذاً حين قال [[ ومن العداوةِ ما ينالُكَ نفعُهُ // ومن الصداقةِ ما يضرُّ ويؤلمُ ]] . صرتُ أُرنّحُ رأسي مردداً أغنية محمد القبانجي : الحبايب جالعجارب لاسعات حشاي !! طلبت سهيلة مزيداً من البيرة وانشغل رجل القانون بلف سيجارة أخرى بين تدوير بالأنامل وترطيب بالشفاه كأنه يتعبدُّ ويقبّلُ الحجر . قلتُ لنفسي ها قد أفلتَّ يا رجل من حبل المشنقة بفضل جوابك الذي أضحكهم فالضحكة بلسم النفوس وطب التوترات العصبية وإكسير الخلافات بين البشر ... لكني لم أكنْ إلا على خطأ. فسرعانَ ما عادوا جميعاً إليَّ وقد إنتشوا بيرةً وانبسطوا دُخاناً يطلبون مني جواباً شافياُ دقيقاً يتحرون فيه رأيي بالجسد ؟ لم يقتنعوا بقولي إنَّ الجسدَ من أمر بي . ضحكوا عليَّ وعلى جوابي فسلّمتُ أمري لربي والجسد . حاولتُ الإستعانة بالعزيزة سهيلة فردتني وصدتني بتعالٍ وكبرياء قائلةً قد قلتُ رأيي فيما كتبتُ واضحاً صريحاً لا لبسَ فيه ... الآنَ جاء دورك فاثبتْ أمام محنتك كما يثبتُ في المعارك الرجالُ ! ماذا عسايَ أقولُ في أمور الجسد الذي خانني طفلاً صغيراً إذْ أسقطني معه وسقط صريعَ حمّى الملاريا ورجفاتها الدورية المزعجة وما كان يرافق ذلك من تقيؤ وحرارة عالية وعطش دائم شديد وما كان يومذاك في عالم الطب من دواء غير حبوب وسائل الكنين الأصفر المرّ الذي لا يُطاق . أصابني جرّاها فقرُ دمٍ دائمٍ ونحول وشحوب أضحك عليَّ زملائي الأطفالُ في المدرسة فقاطعتها لفترة حتى أقنعني أهلي بالرجوع لصفّي ومدرستي وشجعني بعض المعلمين من معارف أهلي وأغروني بالكثير من أصابع الطباشير التي كنتُ أرسم بها على شارع المدينة وجدرانها وأكتب ما كنتُ أعرفُ من جمل القراءة الخلدونية من قبيل زيزي زيزي وموسى يرعى المعزى ومليكنا مليكنا نفديك بالأرواح عشْ سالماً عشْ غانماً مرفرفَ الجناح وغير ذلك الكثير . من أجل الرسم والكتابة أحببتُ أصابع طباشير المدارس . وخانني جسدي قبل الملاريا إذْ سقط وأسقطني معه من سطح دارنا فوقعنا معاً في دار ٍ مجاورةٍ فوق قفصٍ من جريد النخل لحسن حظي وسوء حظ الجار صاحب القفص ... تكسرّت ساقي الناحلة اليسرى لكنَّ القفصَ المسكين البريء تكسرَّ بالكامل ، أنقذَ حياتي مضحيّاً بحياته وما كان يؤدي من خدمات لأهله وبقية الناس . آخ منك يا جسد ! في الخامسة من عمري أغرقني جسدي في ماء جدول صغير فأنقذني سائق سيارة مدير الناحية. رآني أغرقُ وأغوصُ فرمى بكامل جسده وكامل ملابسه في الماء وانتشلني كحصاة أو سمكة في نَفَسها الأخير. ذهبتُ لأبي أشكوه ما وقع لي فانهال عليَّ ضرباً وتوبيخاً وشرع يلومني لماذا ذهبتُ مع باقي أطفال حيينا للنهر وقد طالما منعني من ذلك . من يسمع كلام أهله في صيف العراق اللاهب الشديد الحرارة والأطفال عفاريت يغري بعضُهم البعض الآخر على إتيان المعاصي والمحرّمات . توقفتُ وأنا أسرد لهم ذكرياتي المؤلمة مع جسدي. تنهدّتُ عميقاً فطلبوا مني أنْ أواصل حديثي ، إستهوتهم قصصي مع الجسد إذْ وجدوا فيها أجوبةً جيدة حقيقية تثبت وجود الجسد في الإنسان وإنه ليس من أمر ربي إنما هو مَن يقرر مصيرَ الإنسان في حياته لذا فإنه هو رب الإنسان فلا من روح ولا هم يحزنون . أردتُ أنْ أُريحَ نفسي قليلاً فتساءلتُ مَن يحرّكُ الجسد ؟ قال المحامي ، وكان ما زال منشغلاً بلف سيجارة أخرى ، الروح تحرك الجسد . قالت سهيلة بل الرأس ، الفكر ، العقل . تململ بحرُ العلوم فقال ساخراً بل قوّةٌ غامضةٌ جبّارة بقوة ألف طن من الديناميت هي التي تحرّكُ هذا الجسدَ المبطّنَ اللعين . إنه هو محرّكُ الروح والفكر والعقل . رجاءً لا تضعوا العربةَ أمام الحصان . سألوني ماذا أقول أنا فقلت الجسد يتحرك تلقائياً ولكن بمساعدة بطاريات تشحنها فوتونات ضوء الشمس مجّاناً كما سيكون شأن وسائط النقل في المستقبل القريب . ضحكوا ثم قالوا ذكرتَ الملاريا والرعدة والحرارة لكنكَ لم تقلْ ما قال صاحبك المتنبي فيها حين أصابته في مصر . نهضتُ مفتعلاً هيئة وصوتَ أبي الطيّب وأنشدتهم ما قال المتنبي في الملاريا :
وزائرتي كأنَّ بها حياءً
فليسَ تزورُ إلا في الظلامِ
بذلتُ لها المطارفَ والحشايا
فعافتها وباتت في عظامي
أراقبُ وقتها من غير شوقٍ
مراقبةَ المشوقِ المستهامِ
ذُهلتُ ، أجلْ ذُهلتُ ! قام ضيوفي لي مصفقين مشجعين فهذا يصافح وذاك يربتُ على كتفي وسُهيلة تقدّمُ لي كأس بيرتها البللوري الخاص ثم أضحكني فارسُ القانون وساحات القضاء والأجساد إذْ قدّمَ لي سيجارة لف أعدّها قبل قليل . قبلتُ بللورَ بيرة أم ناجي لكني إعتذرتُ عن قبول لُفافة التبغ الملفوف بالأصابع . لم أدّخنْ في حياتي أبداً . مارستُ وأتيتُ جميع المعاصي المعروفة التي علّمني إياها والدنا المرحومُ آدم وخصمُهُ الملعونُ إلى يوم الدين إبليس إلا الدخان والتدخين . والنركيلة ؟ قال بحر العلوم . تركتها لك يا أبا ناظم ، فالنجفيون يُحبون النواركيل . هل أنقذني المتنبي وشعره من ورطتي مع الجسد ؟ كلا ، كان المتنبي دوماً مع النفس لا مع الجسد ، لذا قال حين مرضَ :
يقولُ ليَ الطبيبُ أكلتَ شيئاً
وداؤكَ في شرابكَ والطعامِ
وما في طبّه أني جوادٌ
أضرَّ بجسمهِ طولُ الجَمامِ
فأُمسكَ لا يُطالُ لهُ فيرعى
ولا هوَ في العليقِ أو اللجامِ
هكذا كانت علّةُ أبي الطيّب المتنبي علّةً نفسانيةً كما يحسبُ وليست جسمانية . أما علّتكَ يا إبن آدمَ ففي جسدك شئتَ أمْ أبيتَ ! سألتُ وقد إنفرج الموقفُ فغدا لصالحي : لماذا إنتحر الشاعر الروسي ماياكوفسكي ولماذا إنتحرت الممثلة الأمريكية مرلين مونرو ثم الكاتب إرنست همنكواي ؟ قال أبو ناظم إذا كنتَ تطلبُ الجواب مني فإني أقول : إنتحر شاعر ثورة أكتوبر لأنه فقد صوته بعد أن تلفتْ حنجرته أي إنه فقد أجزاء من جسده فكانت محنته العظمى تخلّصَ منها بالموت إنتحاراً . كذلك الأمر مع الممثلة مرلين ، أدمنت تعاطي المخدرات ففقدت ذاكرتها والكثير من سيطرتها على جسدها وأفعالها فكفرت بالجسد الذي خانها فتركته وتركها وغادرا الدنيا الفانية . أما الأخير صديق كوبا وكاسترو الملتحي حتى اليوم فلقد إنتحرَ لأنه فقد القدرة على مواصلة الكتابة تحت تأثير الكحول الذي تناوله بإفراط. يكتبُ الإنسانُ برأسه ولسانه ويده فإذا ما فقدها فبِمَ سيكتبُ يا تُرى وهذه جميعاً أجزاءٌ من جسده وفي جسده ؟ ما رأي السيدة سُهيلة بهذا التفسير ؟ قالت لي تفسيراتي الخاصة ولي رأيٌ آخرُ بالجسد فجسدي ليس جسد إرنست ولا جسد ماياكوفسكي لكنه قد يكون قريباً من جسد مرلين مونرو وأنا اليوم مقيمةٌ في بلدها أمريكا وفي أرض التبوغ الأكثر شهرةً ولاية " فرجينيا " . تعطّلت حواس جسد مرلين وفشلت في زواجها المتعدد وفقدت القدرة على فهم لغاته وفكِّ طلسمات شفراته فما معنى وما جدوى الحياة إذاً ؟ مات الجسدُ فماتت معه . كنتُ شديدَ الإنتباه لما قالت سهيلة فعنَّ لي أنْ أوجّهَ سؤالاً لعله سيكون السؤال الأخير في ندوة اليوم . قلتُ يا جماعةَ الخير والقضاء وإصدار الإحكام ، ما تفسيركم لرقص الدراويش والمتصوِّفة ، بل وحتى زوربا الإغريقي ، العنيف الطويل حتى الإغماء وفقدان السيطرة على الجسد ؟ أجاب فارس إنه التسامي بالجسد والحلول في الأعالي بعد صفاء الروح وخلاصها من الجسد وأدرانه . قال أبو ناظم بل إنه ضربٌ من الهلوسة والجنون . وقالت سُهيلةُ إني أراهُ أحدَ وسائل التخفيف من أعباء الجسد بإنهاكه بالحركات الفيزيائية العنيفة والتخلص من بعضِ مّما نحنُ فيه من متاعبه ومتطلباته التي لا تنتهي ولا تُحدُّ . إنه برزخٌ لتصريف طاقاته وضغوط حاجاته القاهرة الضاربة كالقدر وأقوى من القدر . كان إبن الفارض يتعرّى حين يتدروش أي إنه يُعرّي جسده ويعرضه للملأ كما هو لا أرديةٌ تستره وتغطّيه كأنه يسخرُ منه وينتقم من جبروت تحكّمه فينا . أهذا ما يعنّتكم ويؤلمكم ويُشقيكم يا بشر ؟ أفي هذا حتفكم وجنتكم وناركم ؟ أهينوه يا بشر . كسّروا حدته . إسخروا منه واحتقروه يا بشرُ . إنه من طين آدمَ لا من نار إبليس العاصي . إلتفتت سُهيلة تسألني ما رأيك في قولي ؟ قولك يا سُهيلة هو الصوابُ بعينه لكنه بحاجة إلى إضافات أخرى . قالت ما هي هذه الإضافات الأخرى ؟ إنها الفروق الجوهرية والإختلافات في طبيعة جسد المرأة والرجل . يشتركان في أمور ويختلفان في أخرى . محنة المرأة في جسدها ليست كمحنة الرجل مع جسده . قالت أفهمُ ما تريدُ أنْ تقولَ ، أفهمُ ذلك جيداً فأنا كما تراني إمراة . لجسد المرأة عليها سلطانٌ جبّارٌ غاشم . جبروته يختلف في الليل عنه في النهار . وَصَلنا ، وقد عزمنا على إنهاء لقاء اليوم ، صوتُ الطبيبة والروائية المغربية فاتحة مُرشيد تقولُ فيه إنَّ لها مداخلة حول موضوع الجسد . تفضّلي يا أمَّ لمياء وسليم ، قولي رأيك . قالت بل أحيلكم إلى الصفحة 24 من كتابي الأخير الذي يحملُ عنوانَ " مخالب المُتعة " **. وماذا قلتِ يا فاتحة في هذه الصفحة ؟ شرعت الطبيبةُ تقرأ [[ ... أنْ تحترمَ المرأةَ هو أنْ تحترمَ أنوثتها ، أنْ تعترفَ بحقها في المُتعة ، لا أنْ تقدّسها . المرأةُ ليست لا تمثالاً ولا ملاكاً ولا شيطاناً حتّى . إنها إنسانٌ وأنت إنسان . مارسْ إنسانيتكَ يا أخي ، ودعها تمارس إنسانيتها دون نظرياتٍ جوفاء / هذا حوار دار في الرواية بين الصديقين عزيز وأمين ]] . هل أناقشك مختصراً في قولك هذا يا فاتحة أو أدعه لفُرصةٍ أخرى أناقشه معك طويلاً وربما عسيراً ؟
صمتت الدارُ البيضاءُ ومعها صمتت فاتحة وكازابلانكا وكل سواحل بحار بلاد المغرب من أغادير حتى سبتةْ ومليلةْ المغتصبتين إسبانيّاً .
هوامش
· * كأس بيرة ، مجموعة قصصية لسُهيلة بورزق / الناشر : سندباد للنشر والإعلام ، القاهرة . الطبعة الأولى مارس 2009 .
· ** مخالب المُتعة ، رواية للطبيبة المغربية فاتحة مرشيد / الناشر : المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، المغرب . الطبعة الأولى 2009 .
الجمعة، أبريل 17، 2009
أين أنت يا فارسُ ؟ سياحة فنطازيّة في مطار دولي
Labels:
عدنان الظاهر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق