الأربعاء، أبريل 01، 2009

مع سُهيلة وكأس بيرتها

د. عدنان الظاهر


( كأس بيرة : مجموعة قصصية للسيدة سُهيلة بورزق ) *

{{ ... جميلٌ أنْ أصلَ إليكَ في كتاب ... ساقولُ لكَ في كلِّ حرفٍ فيه كم أنا عازمة على الحياة . لك محبتي وتقديري / سهيلة بورزق / فرجينيا 12.03.2009 أمريكا }} .

كانت هذه كلمة الإهداء التي تفضّلت عليَّ بها السيدة سهيلة بورزق ، الكاتبة والصحافية الجزائرية المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية ، تُرى ، كيف ستكون النهايات مع مجموعتها القصصية هذه التي حملت عنوان " كأس بيرة " والتي قدمتها ببضع كلمات فيها من السخرية بقارئها العربي أكثر مما فيها من دعابة مرّة . قالت سُهيلة :

[[ أيها القارئ العربي المدلل بخلفية جسدك ... في صحة نفاقك الأبدي " كأس بيرة " ]].

لنتذكّرْ ، ونحنُ ماضون في مغامرة قراءة هذه المجموعة من القصص أحسن القصص ، ألا فلنتذكّر هذا القول التمهيدي ففيه من مداخل وأبواب ومفاتيح العديد من مضمامين ما في المجموعة من قصص فضلاً عن شفرات فهم شخصية السيدة القاصّة وتراكيبها النفسانية وعتمات ما يتلألأ فيها ومنها وحولها من أنوار فإنها عالم بل عوالم خاصة شديدة الخصوصية منوّعة الأجواء والأهواء مختلفة المشارب والثقافات . هي كاتبة ـ أنثى ـ إمرأة شابة تشعر أنها تعيش السبعين من العمر . فوق ذلك وقبل ذلك وجدتها إمرأة متسربلة بالإبداع المتفرد ولكل مبدعة ومبدع تفرّده الخاص به لا يضاهيه شئ لدى غيرها وغيره وإلا لما تفرّدا ولما إستقلا بإبداعهما ولما خلدهما التأريخ تأريخ الأدب والإبداع فيه . لكل مبدع ومبدعة جنونه وشذوذه الخاصان بهما . بم تفرّدت السيدة سهيلة بورزق فيما كتبت ؟

1ـ الجرأة والصراحة دون حدود

2ـ القول المفتوح على مصراعيه حتى لو كان من الكلام الذي يعتبره البعض بذيئاً

3ـ تحفّظها على العرب عموماً بل ونفرتها منهم ومما يحملون من تراث وثقافة وتقاليد ليست بمنأى عن الدين الإسلامي ... وهي هنا من الجائزأن نراها موزّعة بين إبن خلدون والدكتورة وفاء سلطان . كتبت مثلاً في قصة إمرأة بنصفين ما يلي : ... (( وعروبتي أيضاً كالسرطان لم يدفعْ لأسفلها إلا بعد الهتك اللوطي الشرس / ص 56 )) ثم (( دعنا نتفق أنَّ الحلال والحرامَ فتوى مضروبة ، وقضيتها مرتبطة بالأوطان العاهرة ولك أنْ تعي جيداً أنَّ الحربَ قائمةٌ فينا على الدوام ما دامت أوطاننا بيت دعارة كبير تُمارسُ فيه الشرعية بالمقلوب وبشذوذ ليس له مثيل / ص 56 )) . و (( ... ما الذي يمكن انْ يُغريني فيكَ ، أنت العربي المدلل ببداوتك ؟ ص 65 / قصة حالة ممنوعة )) .

4ـ رغم البهرجة اللفظية الطنّانة الرنّانة وادّعاء حب الحياة وإنفتاحها عليها سكراً ورقصاً وسهراً وحباً وجنساً صريحاً ... رغم كل ذلك وجدتها من خلال قراءة وتحليل نصوصها ... وجدتها إمرأةً تميل للجنوح والنكوص لعالم طفولتها واللوذ بصدر وحضن أمها حتى بعد أنْ فضَّ العريّس العنتريس بكارتها وأسال قطراتٍ من دمها . وجدتها حزينة في دواخلها العميقة تخيّم عليها في ساعات وحدتها غيومٌ شديدة الحزن .

5ـ ولعها الغريب بمفردتي " العهر " والدعارة / قصة إمرأة بنصفين مثلاً . واللواط والشذوذ الجنسي / قصة غواية نهد مثلاً ..

6ـ وغرام آخر في تكرير توظيف مفردات " الخلفية والخلفيات والمؤخرّة والمؤخرات " للنساء والرجال على حدٍّ سواء / قصة هيلوين على وجه الخصوص فما تفسير ذلك ؟

ملاحظة : لا تقصد القاصّة بهيلوين

Halloween

العيد المعروف بهذا الإسم ،إنما قصدت ثمرة القرع الذي يحمل هذا الإسم فإنَّ شكل ولون وكروية هذه الثمرة الكبيرة تضع أمام مخيلتها ، كما أرى ، صورة وهيئة خلفيات البشر .

7ـ حبها لأغاني وصوت فيروز والورود والألوان وثمرة الرمّان خاصةً

ثنائية زمان سهيلة

لا من وجود في قصصها للزمن القادم ، المستقبل ، فهي مخلوق ثنائي الزمن يتبادل في قصصها البعدان الماضي والحاضر أو يتداخلان بفنية أو تقنية عالية رشيقة سلسة ليس فيها مطبّات أو إفتعالات أو إنزلاقات أو نشازات في اللفظ أو السياق أو منطق السرد . تبدو لي كأنها إنسانة لا ترى لها مستقبلاً ولربما هنا نجد سر وسبب حزنها الشفيف الدائم الذي تجيد إخفاءه خلف بسمتها الودودة الطفلة البريئة لكأنها تبكي باسمة وتبتسم باكية . بسمتها بكاء ودمعتها إبتسام فأي مزيج هذه المرأة التي جمعت فيها الملاك الصامت وشياطين البراكين الثائرة أبداً ؟؟!! كيف تآلف فيها البركان والملاك ؟ لعل محنتها هنا في هذه الإزدواجية القاتلة فميزانها قلق شديد الإضطراب وسعادتها في نجاحها المؤقت في إقامة مثل هذا التوازن ، لذا فإنها تضحك وهي باكية وتبكي وهي ضاحكة ولا تُخفي الحالتين وفي هذا أجد عنصر قوة شخصيتها وتماسكها في وجه ما لاقت من مصائب ومصاعب ومشاق .

قال قبلها الشاعر الأخطل الصغير بشارة الخوري يائساً من مستقبل عمره :

لم يكنْ لي غدٌ فافرغتُ كأسي

ثمَّ حطّمتها على شفتيا

لكنها لم تقلْ ذلك صراحةً لا يأساً ولا حَرَجاً إنما هزءاً ولا أُباليةً بالحياة وبما تأتي به الحياة مستقبلاً . أقفلت بابه بإحكام وصرامة وأسدلت السُتُر عليه .

لا بأس من تعريف القارئ الكريم على بعض ما كتبت السيدة سُهيلة بورزق في مفتتح مجموعتها القصصية / الصفحة 7 :

ـ (( كنتُ بحاجة إلى لغة تقولني بالمقلوب ، تفسّرني بالأضداد ، تقلب تاريخي الأنثوي الدامي ، لكنني عند عتبة الحرف وجدتني أتعرى من خبرتي القليلة في الحياة وأعودُ إلى حقل الطفولة ... ))

ـ (( أنا سلطة الظل والظلُّ حجة الضوء ، أنا الإختلاف المغضوب عليه ... ))

ـ (( أنا الدرجة المئوية لرجل لا يأتي والأنوثة الفاجرة جداً ، أنا الحالة المستعصية على الألم والغيمة الشديدة الحزن ... ))

هذه الأقوال ما بين الأقواس أحسبها كافية لفك طلاسم وشفرات ورموز نفسية وشخصية القاصة المبدعة المتميزة السيدة سهيلة بورزق ، مهما كابرت ومهما تعالت وغالطت في العَلَن لدى مناقشتها ومحاججتها وسؤالي منها مثلاً عن نسبة وجودها المئوية فيما قصّت وروت للناس . كانت تؤكد دواماً أنها إمرأة متزوجة ولها بنات وأولاد وهذا في رأيي لا يتناقض مع ذاك . ربما كتبت ما كتبت عن أحوالها قبل زواجها . أقولُ هذا الكلام لأني وجدتها بشخصها وعيانها في بعض ما قصّت وسردت من أحداث ومناسبات وروايات فحرارة روحها وفكرها بل وجسدها هناك فيما كتبت ولا يهرق كاتب أو كاتبة من حرارة إنفعالات جسده وفكره وقوداً وضوءاً إلا إذا كان صادقاً في تعبيره عن معاناته أو معاناتها الحقيقية الخاصة به إذْ لا من حركة بدون حرارة ولا حرارة بدون وقود .

لغة وأسلوب سهيلة

لغة الكاتبة القاصّة السيدة سُهيلة بورزق لغة مترفة أُرستقراطية البناء فيها سحر يخدّرُ عصب القارئ ويستدرجه إليها إمرأةً ولعوالمها ولما تسرد من قصص أحس القصص فيستسلم لها أنثى ولما تقول دون أنْ تدع له فُرصةً للتفكير أو لرفع سؤال أو إستيضاح. نقبل ما تقصَّ كأمر واقع لا جدالَ فيه فقولها قول صادق أمين . لغتها ليست صعبة وليس فيها عَوَجٌ أو إفتعالٌ أو فذلكات ولا زخرفات وديكورات فارغة من هواء للبهرجة وتشتيت فكر القارئ . لغة سُهيلة لغة مباشرة سهلة التداول والتناول لكنَّ فيها من المجازات السوريالية الشئ النادر المثال وإنْ كانت قليلة لكنها ليست شحيحة . لسهيلة القدرة على تخليق عناصر وتراكيب لغوية طريفة توظفها ببراعة للإشارة والرمز والتورية والمجاز فهي ساخرة حيناً وعالمة بشؤون الرجال والجنس وعادات العرب وبعض شذوذ بعض العرب أحيانا . لغتها مستقيمة الخطوط متوازية المستويات تنتقي كلماتها بعناية تبدو عفوية ولعلها كذلك عفوية بفضل قوة طبيعتها الميالة للأدب وتمكنها من العربية ولغتين أخريين في الأقل هما الفرنسية ثم الإنكليزية ـ الأمريكية .

[[ ملاحظة : هذه الإشادة بمتانة وقوة لغة السيدة القاصّة لا تمنعني من التنبيه لأخطاء لغوية قليلة جداً وجدتها في متن المجموعة القصصية وقد أشّرتُ عليها ـ كعادتي ـ بوضع علامة خطأ بإزائها ، وإذا شاءت السيدة رتبتها حسب ورودها في تسلسل صفحات الكتاب وبعثتها لها في رسالة منفصلة . ]]

أسوق أمثلةً لتوضيح القصد مما قلت آنفاً بخصوص مجازات سهيلة السوريالية البارعة في تصوير حالتي التخفي ـ الوضوح ، الغموض ـ الإبانة ، العتمة ـ الضوء ... وهي مجازات مُبتكرة جديدة على أدب العرب وجدتُ الكثير منها في قصة " ليلة القبض على الحب "

منها على سبيل المثال (( لكنَّ المكانَ بحميميته له سلطة غريبة على القلب يجعلك تتخيل زائريه كلهم من طينتك ، يبحثون عن ظلٍّ ما يحتمون به من جسدٍ أنهكه الترحالُ في اللغة )) . ثم (( قلتُ : سأرسمُ لك جسدَ إمرأةٍ من خيالي أجمعُ فيها رغباتك كلها ، وما عليك إلا محاورتها من خلالي . قال ومع مَن سأنام ؟ قلتُ نمْ مع الجسد الصورة في خيالك )) . ثمَّ (( أخبرني أنه نام معي في خياله أكثرَ مما نامَ مع الجسد الصورة ، لم أتعجبْ من ذلك فكل الرجال يفعلونها مع اللواتي يغرمون بهنَّ حتى وإنْ كانوا بين أحضان زوجاتهم )) . نجد في هذه الأمثلة تراكيب لغوية مبتكرة تخدر العقل وتسحره ، تقنعه بوجود شئ ملموس لا من وجود حقيقي له . تصور له أموراً يعجز عن الإمساك بناصيتها ويستحيلُ عليه اللحاق بها وإنْ حاول فسوف لن يعثر إلا على آثار خفيفة وظلال لا تقول شيئاً محدداً فيعود خائباً سوى من حلم جميل مرَّ به سريعاً دون أن يفقه مغزاه وهذا هو الأدب في واقعه وطبعه . كلام سهيلة شعر منثور بحق وحقيق وإنْ هو إلا روح هذه السيدة الشابة المتغربة هرباً من تقاليد وعروبة ودين بلدها الأصل وأهلها . لا أقول قد تأمركت بإقامتها في أمريكا فذلك أمر واضحٌ مفروغٌ منه قالته قصصها وعبّرت عنه صراحةً وبلغة حلوة بليغة المبنى والمعنى . فكرها الجديد طغى وتمدد وبانَ فيما قصّت وكتبت ونشرت في العديد من المواقع قبل ظهور مجموعتها القصصية الحالية في كتاب هو أول كتبها كما أحسب .

سهيلة إمرأة بارعة في تقصّي أحوال الجنس وانواعه وأساليبه

نعم ، إنها خبيرة بما تناولت من أمور الجنس وأساليب ممارساته فقد وجدتها مسلسلةً كما يلي :

1ـ الجنس العادي الطبيعي تمارسه إمراةٌ مع رجل ( هذا مبثوث في ثنايا الكتاب )

2ـ الجنس الشاذ يمارسه رجلٌ مع رجل أي اللواط كما نسميه ( قصة تجاعيد )

3ـ لواط يمارسه رجلٌ مع إمرأة أي يأتيها من دُبرها ( قصة هالوين وقصة غواية نهد )

4ـ جنس رابع شاذ تمارسه إمرأةٌ مع إمرأة ( قصة غواية نهد / ريم والأرملة هند ) .

5ـ إستمناء ذكوري ( الصفحة 51 )

6ـ إستمناء أنثوي ( الصفحات 90 و 92 )

7ـ وثمّةَ طريقةٌ سابعةٌ لممارسة الجنس بين رجل وإمرأة أشارت السيدة سُهيلة لها بصريح العبارة ( أتخيلك اللحظةَ تركبُ مريانا كما كنتَ تفعلُ معي وتنتفض فوقها ككلب لاهث ، ستعنّفكَ حتماً وستُعطيك درساً في الركوب . وإذا لم تتعلمه جيداً سترحلُ عنك ، ولأنك إبن كلب لاهث أيضاً ستتعلمُ على يديها كيف تلعقُ فرجها وأنتَ منتشٍ بعرق عروبتك المتخلّفة عن اللهاث المرياني / الصفحة 76 ) .

هل معنى هذا أنَّ الكتابَ بما فيه من قصص جميلة موضوعٌ أصلاً ومكرّسٌ للجنس وأشكاله وأساليب ممارساته ؟ بالطبع كلا والف الف كلاّ . الكاتبة سهيلة معنيّةٌ بالدرجة الأولى بموضوعة حرية المرأة بشكلها المطلق ، لكنَّ نظرتها لها نظرة كونية شاملة لا تُخفي ما يرافق ممارسة هذه الحرية من سلبيات وأمور نراها شاذة أو غير مقبولة أو لا تستقيم والمعروف من التقاليد والعادات الموروثة وهي ضدها وضد الدين علانيةً وبمنتهى الصراحة والوضوح . ما نسميه بالشذوذ الجنسي أمر قديم معروف قدم وجود الإنسان على سطح كوكبنا تعرفه وتمارسه شعوب الأرض قاطبةً يستوي فيه العربي والأرمني والروسي والإغريقي والإنكليزي وغيرهم ومنذ عهد أفلاطون الفيلسوف كما يعرف الجميع . ما أسبابُ إهتمام سهيلة بورزق بموضوع الجنس وأنواعه المالوف منها والشاذ ؟ إذا دافعت عن المرأة وحريتها المطلقة فكراً وجنساً وسلوكاً فهذا حقها ومسؤوليتها ورسالتها إمرأةً وصحافيةً وأديبةً مفكّرة ولكن ، الا يتناقض موقفها هذا من الحرية المطلقة مع فضحها وسخريتها وشجبها لممارسات الجنس غير الطبيعي التي يأتيها بعض الناس بسبب لا إستواء طبيعتهم الجنسية التي ورثوها في جيناتهم وليس لهم ذنبٌ فيها ؟ وبهذه المناسبة لم أستحسن الصورة التي رسمتها السيدة القاصة في الصفحة 84 من قصة غواية نهد إذْ كتبت (( ... كنتُ أسمعُ من ثرثارات الحي أنه يجمعُ زوجاته الثلاث { كتبتها ثلاثة وهذا خطأ } على سرير واحد ويطلب منهنَّ التعرّي التام والسجود كي يتسنى له ركوب مؤخراتهنَّ )) . كان يكفي ، من وجهة نظري المتواضعة ، لتعرية وكشف عيوب وشذوذ هذا الرجل وهو مدير مدرسة ... يكفي عرض ملاحقاته ومراوداته للأرملة هند وهي تعمل خادمة تنظيف في مدرسته رغم كونه رجلاً متزوجاً من ثلاث نساء ثم الصمت . لا من داعٍ لرسم الصورة المقززة للنفس البشرية السوية التي رأينا قبل قليل .

محنة سهيلة بورزق بجسدها

مَن يقرأ كتاب السيدة سهيلة بعناية وتركيز يجده طافحاً بالأمثلة على محنة وتمحّن القاصّة بجسدها ويجدها محنة وجودية شديدة العمق فيها من الغموض لصاحبتها بقدر ما فيها من صراع وألم . لا تعرف بدقة حاجات هذا الجسد ولا سبب إلحاح هذه الحاجات على من تحمله معها ليلاً ونهاراً ، في اليقظة والمنام . فهل إنها وحدها بين بنات جنسها مّن تعاني من هذه المحنة ؟ لا أظن ذلك . إنه نوع من الإنحرافات النفسية التي تميلُ وتنحرفُ بصاحبها أو صاحبتها عن سراط التوازن النفسي إلى الجهة السالبة في الحياة البايولوجية. إنها حالة من حالات الإنفصام بين النفس والجسد وهما في وحدة لا تتجزأ في الأحوال الطبيعية للبشر . ماذا قالت عن جسدها ؟ نقرأ ما يلي كنموذج من بين العديد من النماذج :

(( جسدي ... هذا الذي يتجاوزُ قناعاته ويبحث فيه عن أنا المشرّدة في عتمته ، هذا الذي إفترستني فيه الأسئلة وملآتني إستفهامات قاصرة ، منذ الخليقة ، منذُ أمّي ، وأنا أبحثُ فيه عن شكلي الذي أُحب ، عن لذةٍ تأخذني إلى عالم السِحْرِ ، هذا الجسد المنخرطُ في صمته وجموده وحيرته وبرده وخجله ، هذا الذي تتحركُ فيه قناعاتي الضاربة في الإختلاف ، هذا الذي يجوعُ دهراً ولا يسألُ المُتعةَ أنْ تمنحه لحظةَ إنتشاء . الصفحتان 75 / 76 )) .

نقرأ في هذا الكلام فلسفة عميقة لا أدري إنْ كانت جديدة على غيري كما هي جديدة عليَّ أم لا ؟ إنها تبحث فيه في جسدها عن أناتها المشرّدة وتبحث فيه منذ ولادتها عن شكل لها تحبه. إنها إذاً منفصمة عن الجسد الذي وُلِدتْ فيه . إنتزعت نفسها منه ووضعته أمامها على طاولة التشريح لتوجه له بعض الأسئلة التي تبحث فيها عن أجوبة من قبيل : أين أنا فيك يا جسد وأين انا منك يا جسدي ؟ ما شكلي الذي أريدُ وأحبُّ ؟ إنها تستجوبه وتستنطقه كخالق لا كجزء منها لا ينفصم عنها إلا بالمرض النفساني العضّال . أرى في هذه القطيعة بين سهيلة الأنا وسهيلة الجسد علّة حزن الكاتبة رغم مرحها ودعاباتها ومجون بعض الفاظها المنسّقة الجميلة . وعلينا أنْ لا ننسى أنَّ ممارسة الجنس علاج للكثير من علل النفس ولعل في هذه الكلام سر شغف الكاتبة بتعداد أنواع وطرائق ممارسة الجنس بل وتوظيفها لكلمات تبدو للبعض منا بذيئة صارخة عارية تحرج أذن سامعها فضلاً عن أديم قارئها .. أفلمْ يقلْ أحدُ الشعراء :

الجنسُ كان مُخدِّراً جرّبتُهُ

لمْ يُنهِ أحزاني ولا أَزَماتي ؟

أخيراً : ماذا بعدُ في هذه القصص من فنون سهيلة بورزق ؟

وجدتُ أفضلَ قصتين هما " حالة جسد " ثم خاتمة الكتاب قصة " غواية نهد " .


*هامش /

سهيلة بورزق / كتاب كأس بيرة ، مجموعة قصص . الناشر : مؤسسة سندباد للنشر والإعلام ، القاهرة ، الطبعة الأولى 2009 .


ليست هناك تعليقات: