د. عدنان الظاهر
[[ من حكايات ألف ليلةٍ وليلة ]]
( دعتني هندُ للذهاب معها إلى الحمّام الشعبي الوحيد ، حيثُ تتكدّسُ الأجسادُ الملتهبةُ والجائعة على الدوام / التوقيع : ريم العباسيّة البغدادية )*.
هل نذهب معكما يا جميلتان لا لنستحمَّ ولكن لنتسمعَ لما يجري هناك من أحاديث ونرى ما تعرّى من أجساد أنثوية لا يراها عادةً إلا الأزواجُ ؟ تحفّظت هندُ الأرملةُ لكنَّ ريمَ لم تعترضْ . عاشقة الحرية لم تعترض ولم تمتعض أصلاً من السؤال كما كان شأن صاحبتها هند . ما سبب إمتعاضكِ واعتراضكِ يا هندُ ؟ قالت لو كنتم نساءً مثلنا لما اعترضتُ . قال لها صاحبي ليس في الأمر من مشكلة ، سنحلقُ شواربنا ولحانا ونتخفى في أزياء نساء وندخل معكما كما تدخلُ الحمّامَ باقي النساء . علّقت ريمُ قائلةً والبهجة الطافحةُ على قسمات وجهها الفتي الجميل : فكرة جيدة صائبة ، تعالوا معنا وسأساهم في عملية التمويه وأشتت عنكما عيون الفضوليات المتسائلة والمشككة في أمركما . قطّبتْ هندُ حاجبيها مستنكرةً قول ريم . قلتُ يا هندُ ، ساعدينا في مهمتنا وقولي للمستحّمات الباقيات هؤلاء نسوة صحافيات جئنَّ لكتابة تقرير عن أحوال حماماتنا الشعبية ولقد منعتهنَّ صاحبةُ الحمّام من إدخال أجهزة التصوير التلفزيوني معهنَّ ولسوف يكتفين بما يشاهدنَ ويكتبن من ثم بما يسجلن من معلومات في ذاكرتهنَّ . قالت هندُ قد أوافق على الفكرة ولكن ، كيف ستُخفيان طبيعتكما الذكورية ؟ هل ستقصّان ... بعد حلق شاربيكما واللحى ؟ ضحكنا ، ضحكنا طويلاً فحجتها منطقية معقولة . ماذا سنفعل ببلاوينا المخفية عادةً والتي لا يمكنُ إخفاءَها في الحمّامات ؟ هل نؤجّلُ البتَّ في الموضوع العويص كيما نفكر في حل مقبول لمشكلتنا ؟ قالت ريمُ لا من داعٍ لتأجيل تنفيذ المشروع ، فلقد وجدتُ حلاً .. ما هو يا ريمُ الفيافي والبوادي والحمامات ؟ إشرأبَّ صاحبي بعنقه عجلانَ يسالها عن الحل . قالت لديَّ لبسان داخلية فرنسية من نسيج مطاط خاص يضغط بقوة فيُخفي ما تحته من أعضاء بشرية مهما كان حجمها وإنتفاخها . تبسّمت هندُ الأرملةُ علامة القبول بالفكرة والرضا عنها بينما نهض صاحبي ليصافحَ ريمَ الشابّةَ المطلقة مهنئاً وشاكراً لباقتها وحسن تدبيرها للأمور الشائكة . هاتِ الملابس الداخلية يا ريمُ يا بنت الصحارى والرمال الثابتة والمتحركة .... هاتِ اللبسان المطاطية فصبري ها قد نفد ، قال صاحبي المتعجّلُ أمورَه أبداً [ عبّاس المستعجل ... كما كانت تسميه المرحومةُ والدته ] . قالت هند وقد قبلت فكرة المشروع بعد تعديله سنلتقي هنا غداً الساعةَ العاشرة صباحاً فهيّئا نفسيكما يا شبابُ وتخلّصا مما في وجوهكما الصبوحة من قذارة اللحى والشنبات واتركا الباقي علينا فالملابس النسائية جاهزة لديَّ تماماً وفق مقاساتكما . أما الملابس الداخلية فلدى حبيبتي الصغيرة ريم جلبتها معها من باريس في زيارتها الأخيرة لها لكأنها علاّمةُ الغيوب تتوقع مثل هذه الأحداث الطارئة فأعدّتْ مُسبَقاً لكل حادثٍ حديثا . تدرّبوا على تمثيل الدور جيداً فأمامكما ليلة كاملة . هل يسكتُ عبّاسُ المُستَعجِل وليس في طبعه السكوت ؟ كلا . قال هاتِ الملابس الداخلية يا ريم لكي نتدرب عليها جيداً وننجح في الإختبار الصعب فأعضائي كبيرة بشكل غير طبيعي وسلاحي سلاح حمار طولاً وعرضاً . طربتْ هندُ وقد سمعت خطبة عباس المستعجل أو الأصح المستمطي والمستحمر ما دام سلاحُه سلاحَ حمارٍ أو مطيٍّ بالعراقية الدارجة . تذكّرتُ بعضَ أحداثِ أعوام الدراسة والشباب حين كان نفرٌ من الطلبة السوريين يحرّفون كلماتِ إحدى أغنيات المطرب السوري الدُرزي فهد بلاّن فيقلبونها إلى { تحت التُفاحا / راواني سلاحا } . ما كنت أفهم يومذاك معنى هذا التحوير وتحريف الكلم عن مواضعه لكني أجدُ نفسي اليومَ ممتنٌّاً للصديق عباس المستمطي . مرّت الليلة على أفضل حال فقد نجحت التجارب والتمرينات الشاقة المعقدة وتمَّ ضبطَ كل شئ والتحسب لأيما إحتمال مفاجئ . حلقنا لحانا والشوارب ونجحنا في إخفاء ما يتعسرُّ في الأحوال الطبيعية إخفاءه عن أعين النساء خاصةً . وماذا عن شعر الصدر والساقين يا صديقُ ؟ الذي يحلق شاربه يهون عليه حلق شعر صدره وساقيه ... أجاب عبّاس المستعجل والمستمطي . إلتقينا حسب الموعد في بيت هند فوجدنا الملابس النسائيةَ جاهزةً أعدتها هندٌ لنا . خلعنا ما علينا من ملابس الرجال ولبسنا الأخرى بمساعدة هند وريم التي سألتْ عمّا وهبتْ من ملابس داخلية فطمأناها أننا جئنا فيها . لم تصدّق دعوانا فطلبت منا أن نكشف عما أخفينا عنها وعن هند فسارع صاحبي ليكشفَ عن عورته المخبّأة تحت لباس المطاط . صفّقتْ ريمُ وضحكت هند من كل أعماقها ... نجحت أخيراً فكرة ريم فشكراً لما وهبت من لبسان داخلية تُخفي المحظورات . تمعّنتْ في وجهينا طويلاً هندُ . مدّت أناملها تتلمس خدينا متفحصةً جودة الحلاقة وتمام الصنعة . هزّت رأسها معجبةً بما وجدتْ . كل شئ تمام وعلى ما يرام . الكل جاهزون لزيارة حمام نساء القرية البعيدة عن المدينة والمدنية وشرورهما . ما سيكون إسمك يا عباس ؟ قال إسمي في حمام النساء
[ هناء ] . وأنت الآخرُ ما سيكون إسمك ؟ [ شفاء ] ... قال الآخر الذي هو أنا المُبتلى بعباس من جهة وبلبسان المطّاط من الجهة الأخرى . لقد إكتشفتُ بعد فوات الأوان أني لست بحاجةِ لها ، ذاك أنَّ أمري معها غير أمر عباس المستمطي أو المُستَحمِر ! قادتنا هندُ إلى إحدى زاويا الحمّام القصيّة شبه المعتمة يُزيدها البخارُ الكثيفُ عتمةً وظلاما . وكان هذا المكانُ مثالياً يُتيحُ لنا رؤية النساء المستحمّات عارياتٍ ربّي كما خلقتني دون أنْ ينتبهنَّ إلى مَن نكونُ نحنُ . ثم كنَّ منشغلاتٍ بأمور لا تخطرُ على بال إنسانٍ عاديٍّ لا خبرةَ له في شؤون النساء وحمامات النساء وما أدراكَ ما حمّامات النساء . أصابني وصاحبي عباس المستعجل ذهولٌ مضاعف إذْ إكتشفنا أنَّ صاحبتنا وقائدةَ حملتنا الأرملة هندُ إمرأةً ( مِثلية ) واقعةً في غرام الشابّة ريم. ما كانت ريمُ تتمنّعُ وتتعفّف عمّا كانت تطلبُ هندٌ منها علانيةً . وما كان ما نرى منهنَّ غريباً في ذلكم الحمّام فما فعلتا إلا ما كانت تفعله باقي المستحِمّات . سمعنا هنداً تقولُ لريم (( جسدُك جميلٌ يا ريمُ فتردُّ عليها وجسمك أجمل . أتريدين أنْ أُدلّكَ جسمكِ ؟ مسكت هندٌ يدَ ريمَ ودخلت بها إلى غرفةٍ منزويةٍ في آخر القاعة وأغلقت الباب وبصمت مشتركٍ بدأت تدلّكُ ظهرها ثم راحت تقبّلها بطريقة مدروسةٍ حالمة . داعبتْ حلمتها مقتربةً من جرحها البين فخذيها تفتّشُ عن سره الغائر . إستسلمت ريمُ لعاشقتها هند كما لو كانت مُخدرة وهي تبالغُ في مداعبتها وتتأوّه وتطلبُ منها أنْ تفعلَ معها الأمرَ نفسه . ثم رأينا إمرأةً تركبُ أخرى في زاوية مظلمة وسمعناها تقولُ لها إفتحي رجليكِ أكثر ... والثانيةُ تحتها تتأوّهُ ))* لم نستطعْ المكوثَ طويلاً فالوضع لا يُطاق . غادرنا حمّامَ النساءِ صامتين أنا وصاحبي عباس المستعجل على أنْ تلتحق صاحبتانا بنا بعد ساعتين . إلتقينا في بيت هند كما إتفقنا وكانت ريمُ بادية الإمتعاض شاحبةَ الوجه مكسورة الخاطر على عكس ما كانت عليه هندُ . ما بكِ يا ريمُ ؟ قالت رأيتُ ما رأيتم من عجائب وغرائب وكان آخرها (( أنَّ صاحبةَ الحمّام دنتْ مني ثم سالتني أمتزوجة أنا أم لا ؟ حين أجبتُ بنعم سألتني هل أريدُ رجلاً أو إمراةً ؟ بادرتها منزعجةً بالقول : هل هذا حمامٌ أو بيت دعارة ؟ )) *
جهّزتْ لنا هندُ الشايَ وأتت ببعض الحلوى وكانت متورّدةَ الخدين يطفحُ وجهُها بالبِشْرِ والرضا عن أمر زاولته بمحض وكل رغبتها . قدّمنا لها الشكر الجزيلَ على حسن ما فعلت معنا وما قدّمت من تسهيلات لتيسير المشاهدات الحية الضرورية لكتابة تقريرنا الصحافي عمّا رأينا في ذلك الحمّام النسوي من غرائب وعجائب ما كنا لِنُصدّقَها لولا أنْ رأيناها بعيوننا . قالت ضاحكةً أتودان تكرير المشاهدة في الأسبوع القادم ؟ لمعت عينا صاحبي تفضحان رغبته الأكيدة في زيارة هذا الحمام الأسطوري . لم يجرؤ على أنْ يُفصحَ عن رغبته لكنَّ هند الخبيرة بشؤون الرجال والنساء قالت له ستأتي الأسبوعَ المقبل إلى الحمام معي وسنمارس معاً ما رأيتما من عجائب كأنك صاحبتي وستكونُ أنتَ الراكبُ وأنا المركوبة ففي الظلام يتساوى الجنسان الذكرُ والأنثى . راقت الفكرة لصاحبي لكنه تضامناً معي تساءل وماذا عن صاحبي الوفي هذا وصاحبتك الوفية ريم ؟ لا من مشكلة معهما ، سيبقيان وحيدين في بيتي ليفعلا ما يشاءان بعيداً عن المثلية وما يُسمّى بالشذوذ الجنسي ، ردّت هندُ . موافقة يا ريم ؟ أجابت على الفور بكل سرور . وأنت يا وفي ؟ سألني صاحبي. سأذهب للحمام مع هند الأسبوع الذي يلي أسبوعك ، قلتُ له . قال أحسنتَ أحسنتَ لِنتَ فوافقتَ أخيراً وجاملتَ إبليسَ الشيطان الأكبر ، أحسنتَ أحسنتَ الآن أراك على طريق الصواب ماشياً متأبِّطاً ذراعَ المعصية وخلفك الشيطانُ الأكبرُ . أخيراً تركتَ مثالياتك وتنازلتَ عن عصمتك والدنيا كما تعلمُ فانية لا تدومُ ولا تبقى لأحد .
ذهبَ صديقي عباس إلى حمام النساء ثانيةً برفقة السيدة هند كما سبقَ وأنْ إتفقا قبل أسبوع . أما أنا فلقد بقيتُ في بيت هند مع الشابة المسكنية ريم . لم أشأ أنْ أمسسها أبداً أبداً .. وجدتها أنبلَ وأكبرَ من أنْ يمسّها بسوءٍ رجلٌ . وجدتها نبيّةً أساء الرجالُ فهمها وشوّهوا طبعها وأسرفوا في إستغلالها بعد أنْ جهلوا وتنكّروا لطبيعتها فما عرفوا منها وفيها إلا جسدها الجميل الفتي المتفجّر فتنةً وأنوثةً وشباباً . طلبتُ منها أنْ تقصًّ عليَّ بعضاً من محنتها مع الرجال فوافقت واستجابتْ بشجاعةٍ عزَّ نظيرُها . قالت محنتي في جسدي قبل أنْ تكون مع الرجال ولكنْ ، لا بأسَ من الكلام أولاً عن محنتي مع الرجال : [[ ربّاني عمّي يتيمةً وما أنْ تفجّرتْ فيَّ أُنوثتي حتى إغتصبني عمّي فهربتُ منه ومن بيته لأجدَ نفسي وأنا في الثالثة عشرة عاهرةً من عواهر الشوارع . هل تصدّقُ أني ما زلتُ أغزلُ من أُنوثتي أسئلةً للحزن وما زلتُ أبحثُ عن طفولةٍ مسروقة مني وعن وطنٍ بحجم ذاكرتي ليس بأكبرَ من وجه أمي التي لم أرَها . إشتغلتُ مُترجمةً في مؤسسة عسكرية وكنتُ أنامُ مع رئيسي لأنالَ فارقاً مادياً لا بأسَ به ... تغرّبتُ وكنتُ في غربتي وحزني بحاجةٍ إلى سماع فيروز . غنّت لي فيروزُ ودموعي الثكلى تعيدني إلى طفولة ضبابية الصورة وأنا أحلمُ بالمستحيل ]] **. أطرقتْ ريمُ إطراقة عميقة طويلة وكنتُ معها في إطراقتها بل كنتُ مُجمَّداً مُسمَّراً في مكاني لا أقوى حتى على تحريك عضلة لساني . وجدتُ نفسي أمام محنةٍ إنسانيةٍ حقيقية لا قِبَلَ لي بها . أهكذا تقسو الحياةُ على بعضنا وعلى الأجمل ما ومَنْ فينا ؟ كيف يغتصبُ رجلُ إبنةَ أخيه اليتيمة وكيف يهونُ عليه تشرُّدُها في الشوارع بغيّا ؟ وماذا قلتِ يا ريمُ عن الجسد ؟ ماذا قلتُ عن الجسد ؟ قلتُ [[ جسدي يبحثُ فيه عني أنا المشرّدة في عَتمته . منذُ الخليقةِ وأنا أبحثُ فيه عن شكلي الذي أُحبُّ وعن لذةٍ تأخذني إلى عالم السحر ]] .
جاءت هندُ من الحمام وجاء عباسُ معها متأبطاً ذراعها منتفخي الأوداج سروراً وبهجةً وإمتلاءً . ما أنْ أراحا نفسيهما على الأريكة الطويلة حتى شعّت عيناهما بسؤالٍ قديمٍ معروفٍ معهودٍ يقول : هل أنجزتما المهمات الملقاة على عاتقيكما إذْ تركناكما في البيت وحيدين ؟ واصلتُ وريم الصمتَ فالمحنةُ لا تحتملُ الكلامَ تاركين تقديرَ الموقف لهما وليظّنا ما شاءا ما دام مَنْ يمارسُ الجنسَ في حمّامات النساءِ ومَنْ لا يمارسهُ في البيوت سواء !
هامش وتوضيح
*تفصيلات ما كان يجري في حمّام النساء منقول حرفياً تقريباً من قصة " غواية نهد " في كتاب [[ كأس بيرة / للسيدة سُهيلة بورزق / سندباد للنشر والإعلام ، القاهرة ، الطبعة الأولى 2009 ]] .
**مقتطفات من عدد من قصص الكتاب سالف الذكر / كأس بيرة لسهيلة بورزق .
الأحد، أبريل 19، 2009
حمّام ريم الشعبي للنساء
Labels:
عدنان الظاهر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق