الأربعاء، أبريل 15، 2009

غيمةٌ مغربيةٌ تهطل على أرض الرافدين: الشاعرة فاتحة مرشيد



قراءة: وليد جاسم الزبيدي
الشاعرة فاتحة مرشيد

من مواليد 14/ آذار-مارس/1958م وُلدت الشاعرة المغربية الدكتورة فاتحة مرشيد بمدينة ابن سليمان وهي أحدى الأقاليم المغربية تنتمي إلى جهة الشاوية ورديغة وتوجد في قلب البلاد شرقي الدار البيضاء وهي مدينة زراعية تتميز بكثرة الأراضي الخضراء والحدائق وتحافظ على طابعها العمراني التقليدي . والشاعرة حائزة على الدكتوراه في الطب سنة 1985م وعلى دبلوم التخصص في طب الأطفال سنة 1990م، أشرفت على إعداد وتقديم برنامج يهتم بالتربية الصحية في القناة الثانية المغربية،وهي عضو في اتحاد كتّاب المغرب.
لها إصداراتٌ متنوعة في الشعر والرواية والطب، من إصداراتها: ديوان إيماءات عام 2002م ، دار الثقافة، الدار البيضاء، وديوان: ورق عاشق، وهي مجموعة قصائد ،نشر الدار البيضاء، سنة 2003م، وتعال نمطر، إصدار دار شرقيات –القاهرة 2006، وديوان أي سواد تخفي يا قوس قزح، باللغتين العربية والفرنسية، منشورات مرسم ، الرباط، 2006م، ورواية لحظات لا غير، إصدار المركز الثقافي العربي-بيروت، 2007م.
شاركت في العديد من الفعاليات الثقافية داخل المغرب وخارجه. تُرجمت أعمالها إلى اللغات الفرنسية والإنكليزية والأسبانية والتركية والدنماركية. في مقالنا المتواضع هذا سنلقي بعض الضوء على المسيرة الشعرية للشاعرة (فاتحة) آملين أن تكون مقالتنا فاتحة خير للآخرين الذين سيضيفون ويضفون لهذه الشاعرة ما تستحق من اهتمام ودراسة. الشاعرةُ (فاتحةُ) تغوصُ في أعماق الطفولة، وتتحسسُ بدائية الحواس والمشاعر المتلونة بالانفعال والتلقائية، فهي مع الطفل في اختصاصها المهني الطبي، الذي لا يتعارض مع هاجس طفولة الشعر، بل جاء مكملاً لإنسانية الكلمة والحرف، فيمنحها الشعرُ حلماً ، والطبّ يهبها ألماً وفضاءاً للتأمل.
لقد أقبلت الشاعرةُ على الطفولة من أوسع أبوابها لتعودَ لأحضان البراءة والطبيعة، حياة البساطة والعبث، فاختارت طب الأطفال، وها هي تمدّ نسيجاً رقيقاً متشابكاً بين أدوات الطب وأدوات الشعر، ما بين حاضنة الطفل وحاضنة طفولة الكلمة، ما بين مبضع وحقنة إلى أسلوب وصورةٍ واندهاش وومضة، لقد تعاملت مع الكلمة في غرفة عمليات فبعثت فيها الروح. تأتي (فاتحةُ مرشيد) لتؤسسَ في المغرب العربي أدباً –أنثوياً- (إذا جاز التعبير)، كالذي أسستْهُ الشاعرة سعاد الصباح في المشرق العربي، فالشاعرتان من ذات المدرسة، مدرسة نزار قباني، هذا الشاعر العربي الكبير، الذي أيقظ المرأة وجعلها تجرأ أن تصرخ، وتهتف، وتعارضُ، وتؤسس المنظمات ، وتطرق أبواب السلاطين والقوانين مطالبة بحريتها.
لقد استفزّ (نزار قباني) جراحاتنا وكرامتنا وتقاليدنا، إنه أجراس الكنائس وأصوات المآذن، هكذا جاءت الشاعرة من رحم هذه المدرسة العتيدة، الرقيقة، التي تمارس الفوضى، والحرية، تمارس الثورة كما تحمل غصن الزيتون..
والآن لنقرأ أشعار (فاتحة مرشيد) بتأنٍ ونرى ما الذي أتت به من جديد، إصدارها الأول، ديوان ،تأملات، أولُ ما يحرك هواجسك العنوان، وكما يقول النقاد المعاصرون ،العنوان ثريا النّص، وهكذا نبدأ به، فالعنوان يحيلك إلى (إيماءات) الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس الصادر عن مطبعة الأديب البغدادية سنة 1978م ، ترجمة الشاعر سعدي يوسف،وهي قصائد ما تسمى الومضة أو الضربة في قصيدة النثر. وعناوين المقطوعات هي : رحيل، يأس، نهوض، عراء، نفس،إبحار، غيرة.. هذه العناوين هي رحيلٌ يائسٌ في نهوض عراء النفس وإبحارٌ في الغيرة. هكذا أقرأها، فهي عناوين الإغتراب داخل الروح، وإبحارٌ نحو مجهول. وفي هذه المقطوعات تسيطر عليها الجملة الفعلية(الفعل الماضي خاصّة)، فتقرأ: أقصى، علّقَ، أغمضَ، وهي حركات وصور الماضي الحزين ، الماضي الراحل واليائس والمبحر في مجاهل الكون.
أما مقطوعة (يأس)، فهي المتألهة بالفعل المضارع، الجملة الفعلية أيضا، (يبزغُ، يكون، يمتطي، أكتمُ، أبتسمُ، أهرعُ، أضعُ، أرتدي، أجلسُ، أنصتُ، .. الألف التي تشير إلى (أنا) الكبيرة، التي تتحدثُ عن ذاتها تستشرفُ فيه الحال والاستقبال. وتتبعها (نهوض)، وهي جمل فعلية فعلها مضارع تبدأ بالألف(أنهض، أتسلق، ألامس، أشيد، ألتحف، ..)وهي ألذات. وهكذا يسيطر الفعل المضارع في معظم مقطوعاتها، وتطغي الأنا في حرف الألف في الفعل المضارع حيث الفاعل مستتراً ومختبئاً تحته الأنا.
الديوان الآخر للشاعرة المبدعة (فاتحة مرشيد) ، بعنوان: ورق عاشق، لماذا ورق عاشق؟ ولم يكن ورق عاشقة؟؟! الشاعرة أنثى، ارتدت قناع الذكورة، وخاطبت روحها الأنثى: وحدكِ.. هكذا بدأتْ، ثم تنهالُ وتنثالُ الأفعالُ المضارعةُ، وقد استخدمت الشاعرة مقطع من أغنية محمد عبد الوهاب ووظّفته في القصيدة( لا مش أنا اللبكي). وقد استخدمت الشاعرة عبارة لم يستخدمها أي شاعر في وصف المرأة وصورةَ فريدة لم تتكرر( حلمتُ أن يطأنَ بأعلى كعبهن لذّاتي)!!هذه القدحة الذكية المعبرة عن روح الأنثى وتجسيدها العضوي (كعب)..
الشاعرة فاتحة لم تكن لغتها لغة نزار اليومية ولا صورة وإحساس سعاد الصباح، أنها من مدرسة نزار نعم، ولكن بخصوصية مختلفة، وبفن وأداء وإبداع مختلف لغوياً وفنياً وأسلوبياً. تولد في قصائدها الصور بلغة من السهل الممتنع، والضربة الشعرية، والومضة التي تبهر العقول، فتظل الصورةُ في الأفق لا تزول حتى ولو غلقت كتابها.
وأختار للقاريء بعضاً من إشراقات وإبداعات الشاعرة المبدعة فاتحة مرشيد:
مقطوعة عراء:
ككل الصبايا/ أخفيتُ تحت القميص / كتاباتي/ كبعض عرائي/ وعند انفلات الصّبا/ فقدتُ حيائي/ ما عاد يخجلني/أن يسري عنّي ردائي./..
ومقطوعة حب لاهث: لأن حبكَ/لاهثٌ كالهروب/يلاحقني الزمن/بأحضانك/..
ومقطوعة حافة فرحي: لم يتجاسر الحزنُ/ على طرق باب/أنت خلفه/ تسلّق/ حافة فرحي.../.
ومقطوعة نزيف: تنزفُ/ الروح/ مني/ لا أثر/ لدمائي/ على/ القلم../.
مقطوعة ماء القلب: أهو الظمأ/ يجعلني/ أرى الماء/حيث السراب؟/ أم هو الحب/بخيلٌ/ بماء القلب؟../.
وهكذا نلاحظُ الأسلوبية التي استخدمتها الشاعرة في التعبير عن الأحاسيس والمشاعر بالجملة الفعلية وخصوصا الفعل المضارع وهذا يعني ارتباط هذه القصائد بالحدث واستمرارية هذا الحدث في الحاضر والمستقبل ، وكذلك لغة (الأنا) التي تتسع مع اتساع مدى القصيدة. وقد تخلّت في بعض قصائدها من أنثوتها لترتدي قناع الذكورة وهي تعني هنا القوة ، قوة الحدث، قوة الفعل.أي أنها لا تتصرف قولاً بل تربط كلماتها بأفعال، أو أن صورها هي أعمال وأحداث ووقائع حقيقية تتجسد عبر الجمل والعبارات والمقاطع.
أسلوبيةٌ جديدةٌ تنهضُ بمهامها ومسؤوليتها هذه الشاعرة الفذّة التي صوّرت خلجات وآلام المرأة بإحساس جديد واعٍ، كما ولبستْ وتقنّعتْ بلباس وقناع الذكورة لأنها تعني القوة والقدرة التي تحتاجها الرّقة ويحتاجها الجمال. الشاعرةُ (فاتحة) فتحت فتحاً جديداً في باب الغزل والرقة الشعرية والمهارة اللغوية في استخدام أدواتها. أنها قراءة سريعة لشاعرة تحتاج إلى وقفات متأنية من النقاد العراقيين والعرب وهي دعوة لقراءة أدب وشعر هذه الفنانة المبدعة.
تحيةً للشاعرة فاتحة مرشيد، وتحيةً إلى الأدب والأدباء في المغرب، وهذا جسر يمتد من بغداد إلى الرباط، فالهمّ واحد، والإبداع واحد، واللغة واحدة، والإحساس يتجدد..

ليست هناك تعليقات: