د. حبيب بولس
في ظلّ مجتمع ذكوري يتميّز بأنه يعيش رهاب القطيع, والقطيعية هنا تعني قوة تحويل هائلة من الحالة البشرية إلى الحالة الحيوانية, بحيث يصير القطيعيون مخلوقات آدمية مسخت بقدرة قادر, وفي عالمنا العربي بقدرة سلطة عفنة ومجتمع مقموع وقامع في آن معا, محكوم بثوابت لا تحول ولا تزول, تمتح- بموافقة تلك السلطة-, حيثياتها من تقاليد وأعراف موروثة بالية. في مجتمع ذكوري كمجتمعنا كيف يمكن أن يكون وضع المرأة؟! إذا كان الرجل قطيعيا مقموعا, وهو المنصب شيخا على هذه الحالة, فكيف إذن سيكون حال المرأة؟! ستكون بلا شك مقموعة أكثر من مرة, وفي ظل المعادلة القائمة اليوم, والتي تقول وهي ممسوسة بالشدهة والاستفهام الغريب: "كيف يقتلنا الغريب- الأجنبي- ثم يعود مجتمعنا إلى قتل القتيل مرة ثانية؟!!!", وفي حال المرأة العربية وثالثة.
من الطبيعي أن ينظر المقموع إلى من هو أضعف منه نظرة قمعية, وأن يسقط عليه ما يعاني منه. وهكذا تصير المرأة في مجتمعاتنا العربية, رغم كونها عصبها, ذبيحة وقربانا. ولأننا نخشى أن ينكشف سرنا- نحن الرجال- ويقيح ضعفنا, وينفلت رهابنا ويفتضح, نحاول استباحة الحلقة الأضعف فينا وذلك بإسقاط وجعنا عليها وبجعلها مطية لكل ما نتخفف منه, ومتنفسا للثأر مما يضايقنا, من هنا نسيج حياتها وخصوصياتها بتابوات كثيرة, فتصير محكومة بمحرمات ومحارم كثيرة في الممارسة اليومية: في المشية, في النظرة, في الحديث, في الجلوس,... وكم بالحري في ممارسة وظيفتها الأنثوية- الجنس-؟
المرأة في مجتمعاتنا العربية تعيش إذن بين هذه المحرمات ونحن مقموعون منذ بداية وعينا, وتفتحنا على سلطة ومجتمع قامعين فيهما الكثير من العفن والتعفن, نحصي على المرأة خطواتها, أنفاسها, نعاينها, نرقبها, ولا نكف عن ذلك حتى نحرقها ونحترق معها.
اسيجتنا هذه المضروبة حول المرأة هي المحارة التي ندخلها فيها ونحوطها بالممنوعات, تجعل حياتها في إشكالية دائمة, في شبكة من النقائض الغريبة العجيبة, أساسها نظرتنا الثنائية إليها: فنحن نريدها ولا نريدها. نريدها أن تكون أنثى ولا أنثى معا. أن تكون موضوع الجنس لا ذاته, أن تكون صقيعا لتبقى عذراء, وأن تصير لهبا لتكون زوجة, أن تكون ذات حياء وخفر ظاهريا ولا تفكر إلا بما بين ساقيها وساقي الرجل في سرها. أن تسير كالدودة ملتصقة الساقين, ملتحمة الركبتين كأنما تضغط على شيء تخشى سقوطه. نريدها مسخا, بلا معالم خاصة ولا عالم خاص ولا سمات فارقة. بحيث تصير جميع النساء مسميات أو مرقمات أو مبطقات أو معنونات بلا فرادة ولا تميز. بمعنى آخر نريد لها أن تكون لا كما هي تريد أن تكون, بل كما يراد لها أن تكون. وطالما أن حريتها مصادرة على هذه الشاكلة, وطالما أن حياتها مقموعة سلفا, فهل نطمح إلى حريتها!!!؟ من الصعب جدا تحقيق ذلك إذن ماذا يتبقى لها؟ يتبقى الهروب. ولكن الهروب إلى أين؟ إلى الداخل؟ أم إلى الخارج؟ بمعنى إلى المحارة والتقوقع على الذات ومن ثم إلى التقطعن؟ أو ردة فعل جامحة تكسر القشرة الصلبة وتحرق الأخضر واليابس؟!
ومع معرفتنا أن الحرية فعل وليست ردة فعل, إذن الهرب إلى الخارج مهزوم سلفا, وإلا تحول إلى شذوذ والشذوذ ليس الطريق إلى تحقيق الذات والتفرد, فشرط الحرية الفعل وليس ردة الفعل كما أسلفت. بدون الفعل تبقى الحرية وهم حرية. وهكذا تحاصر المرأة ولا يبقى أمامها سوى الحلم, تهرب إليه, علها تستطيع بواسطته أن تقيم الموازنة وتستعيض به عما نطمح إليه.
هذا هو الواقع المر. والسؤال هل هناك مجال لأحلام المرأة, لأمانيها وأمنياتها في مجتمعاتنا العربية؟!!!
انه السؤال الذي يطرقه ويخدش قشرته التي قست سعد الله ونوس في مسرحيته "أحلام شقية", المسرحية التي تعتبر من إنتاجه المتأخر عام (1994), والتي فيها ينكأ وبشجاعة فائقة جرحا ينز على الدوام بمحاولة جريئة في تعرية مصيبة المصائب- المرأة العربية-, في مجتمعنا. وأحلام شقية كمسرحية تعتبر نقلة نوعية متفردة في عطاء ونوس المسرحي, حيث يبرز فيها واضحا البعد الإنساني وبكثافة. فيها الإنسان مرسوم بمستويين: الاجتماعي الظاهري, والفردي المكبوت. وذلك من خلال المرأة وواقعها والمرأة وذاتها الموضوع المحوط بتابوات كثيرة, نعبر عنها دون الولوج إلى التفاصيل. المسرحية ذات بعدين كبيرين: خارجي/ اجتماعي وداخلي/نفسي, وهي تصور الذات الإنسانية في صراعها معهما, وتطرح مدى التقاطع والتنافر بينهما والتغيرات التي تطرأ على الإنسان حين يعي هذا التنافر ويحاول أن يتخطاه. ولأن ونوس مدرك لأمر واقعه من جهة, ولأهمية المسرح من أخرى, يكتب أحلام شقية لتمثل ولنشاهدها بكل حدة طرحها وأبعادها, بحيث من المفروض أن تأخذنا المشاهدة إلى محارتنا كي نتأملها وكي نتأمل بشرطنا الإنساني في سياق جماعي يوقظ انتماءنا إلى الجماعة ويعلمنا الكثير. وما يريد أن ينزفه ونوس بالتالي من خلال أحلام شقية: انه لا يوجد اليوم أي تصور عن المستقبل, هنالك شروط ناقصة. ولأن الناس/البشر لم يعودوا يجرؤون على الحلم فان الشرط الإنساني يبدو قاتما ومحبطا.
وكما كان سعد الله ونوس جريئا في طرحه للموضوع, كان المخرج الفنان منير بكري جريئا هو الآخر في انتقائه للموضوع وإخراجه مسرحيا. فعالم المرأة على غزارته ومادته الملونة يتقحمه بكري مجازفا ومغامرا وغير هياب عالم المسرحية ينفذ إلى ذلك التسوس الذي ينخر واقعنا ومجتمعنا ليبرزه ويعريه ويجلده في آن معا وذلك من خلال فارس وماري/ كاظم وغادة, شخوص المسرحية, أي من خلال عائلتين متجاورتين, وغريب يقتحم عالمهما فيحرك مياهه الآسنة ويهدد استكانته وركوده. والغريب هنا- وهو مغيب ومضمر في المسرحية- هو محرك الأحداث ودافعها إلى التأزم. إذ بدونه كل شيء يبقى ساكنا. الغريب هو حلم ماري المقموعة اجتماعيا وجنسيا وعائليا لذا هي شقية, وهو حلم غادة أيضا المقموعة عاطفيا وثقافيا وعائليا, لذا هي الأخرى شقية, الغريب هو عدو فارس وعدو كاظم لأنه يرج أعمدة عالمهما ويزعزعها ويهدده بالسقوط. ماري تلك المرأة الشقية التي فقدت حياتها الأنثوية الجنسية ليلة دخلتها لأن زوجها كان ملوثا, والتي فقدت بسبب التلوث جنينها تنفر من زوجها, وتتعلق بذلك الغريب/الحلم وتعامله كابنها المشتهى تعويضا. وغادة التي زوجت باتفاقية أبرمها والدها مع عمها, من ابن عمها زواجها غير متكافئ يقمع طموحها, تحرم هي الأخرى من المشتهى, الذي فتح عينيها عليه أخوها الغائب الذي تخلى عنها وهاجر فيصير الغريب/الحلم مشتهاها وترى فيه أخاها الغريب المضمر. بينما فارس الملوث النتن, المصاب بالعقم جنسيا واجتماعيا ووظيفيا يمارس حياته كأن شيئا لم يكن, معتمدا على خنوع زوجته وجهلها وبساطتها وعاطفتها. فارس خرقة امعة, عاطل عن كل شيء عالة على زوجته ومجتمعه, طفيلي مهزوم الشخصية, ضعيف, همه المقهى والصغائر والدسائس, يخشى الغريب/ التهديد, الذي من الممكن أن يفضحه ويزيل عن وجهه القناع لتظهر حقيقته, وكذلك كاظم المتغطرس, الجاسوس على مجتمعه, القامع المقموع, الفظ السكير, الذي يعيش على أوجاع الآخرين وتهديدهم, والذي يسقط على غادة كل ضعفه, يخشى هو الآخر الغريب لأنه يهدد حياته ويفضح أمره ورجولته المفتعلة. من هنا وأمام هذا التهديد لا بد من اتحاد: اتحاد فارس وكاظم لطرد الغريب/ التهديد وإنقاذ عالمهما المهدد بالسقوط. ومن هنا أيضا, وأمام هذا الحلم الجميل الذي يشي بالمضمر وبالمغيب لا بد من اتحاد ماري وغادة للمحافظة على الغريب/ الحلم. ولكن شتان ما بين الاتحادين, الأول شروطه مهيأة (مجتمع ذكوري قامع) والآخر شروطه ناقصة (مجتمع أنثوي مقهور) لذلك تكون النتيجة مأساوية- القتل- قتل الغريب/الحلم, نتيجة التحالف الأول وقتل الطفل/ الأمل نتيجة التحالف الثاني. لذلك يشتد وقع المأساة على المرأتين, بينما يرتقي كاظم في سلم العمالة, إشارة إلى انتصار الذكورية, وتنتهي المسرحية بصرخة غادة التي فقدت عزيزين الغريب وطفلها/ المشتهى والأمل. وهكذا نعيش في المسرحية مستويين من الصراع ينفردان ويتلاحمان: الخارجي-كاظم/فارس والداخلي- غادة/ماري. الخارجي ينتصر لأن الظروف تقف إلى جانبه. بينما الداخلي ينهزم لأن الظروف ليست مؤاتية, ولأن الظروف المنشودة ليست ردة فعل بل هي الفعل بذاته. عبر هذين الصراعين تنكشف الأمور على حدتها وقسوتها, والصراعين محملان بالكثير من الترميز الشفاف الذي ينداح تدريجيا. والترميز يقوم على ثنائية متناسقة ومتنافرة, فنحن أمام سلطة قامعة يمثلها كاظم, قامعة من جميع نواحيها, لذلك يصور كسكير يسقط قوته وتسلطه على زوجته لأنه محروم منها أمام رؤسائه, وأمام عطالة وتلوث ونذالة وعفن مقزز اجتماعيا وجنسيا يمثلهم فارس. ويقابل ذلك كبت أخرس تمثله ماري العاملة المقموعة بصمتها والمحرومة من الأمومة ومن الجنس, وكبت آخر ولكنه ناطق تمثله غادة المقموعة عاطفيا وثقافيا والمحرومة مما تشتهي, إلى جانب ذلك كله حلم يمثله غريب مضمر في المسرحية. حلم ماري بالتطهر من وسخ فارس وابن لها يواسي ويخفف. وحلم غادة بحب حقيقي تحقق من خلاله ذاتها. والحلم يعادل هنا ولدا وأخا. ولكن, وهنا تكمن لسعة العقرب في المسرحية وروعتها أيضا لأنها تخبئ سؤالا كبيرا وجرحا مفتوحا على مصراعيه هل الحلم/ حلم المرأة العربية مسموح به في مجتمعنا؟! والمرأة هنا بكل مكنوناتها. الإجابة تكون حتى الحلم محظور عليها. والمسرحية تفجر حقيقة فاضحة في نهايتها مفادها: "لا مجال للحلم, لا مجال للتمني, لا شيء سوى الظلام والموت. أين الشعر- الجمال- في هذه الدنيا؟ أين غابة النخيل- الحرية- والشرفة التي ينأى عنها القمر؟ لا الحلم ممكن ولا التمني ممكن ولا شيء سوى الظلام والموت".
ومع هذه الصرخة/ الوصمة الفاضحة, تصل المسرحية منتهاها, فتتعرى الأمور ونلسع بسياط ونوس الجلدية المالحة. ولكن في هذه الصرخة شيء ما مغيب ومحمل بالأمل. حيث موت الطفل ما هو إلا البداية فكأنني بالكاتب يقول: لا يمكن للمرأة أن تحقق حلمها/ حريتها/ذاتها, إلا بالتضحية, إلا بعد دفع الثمن غاليا, وهكذا يصير الموت هنا لا نهاية بل بداية, نهاية للحاضر وبداية للاتي, وان تعثرت الخطوة هذه المرة فلأنها جاءت ارتجالية عاطفية. فشرطها كي تنجح العقل والدراسة, لذا ننتظر الآتي البعيد عن التهور, عندئذ لن يكون الموت مجانيا رخيصا بل مثمرا, وفاعلا ورافعا. شرطه الوحيد عقل ودراسة واتحاد المقهورين وفهم الواقع, الضلعان الأخيران تحققا أما الأولان فما زالا غائبين, لكن مصيرهما التحقق. والسؤال الآن مع نص كهذا غزير بالمعاني والدلالات, عميق الفكرة, جيد البناء دراميا. هل نجح المخرج في نقله إلينا فنيا, وتجسيدا حركيا؟ هل جعلنا من خلال الأداء الحركي والمؤثرات الأخرى نحس بشرطنا الإنساني وبتأمل محاراتنا؟ أو بصيغة أخرى هل اكتفى المخرج بنقل الفكرة, معتمدا على عمقها أم أنه وظف الشروط المسرحية الأخرى لتتلاحم سويا فكرة وأداء وحركة وفنا؟ في الحقيقة أن الفكرة جيدة هي لب المسرح, وهي لجودتها تتطلب تجسيدا فنيا يعادل مستواها الفكري, ولكن ما شاهدناه على المسرح من تحقق أدائي فني تجسيدي لأحلام شقية كان باهتا قليلا, وذلك لأنه كان عملا مسرحيا ملتصقا بصرامة بحرفية النص والتشديد عليه لدرجة أن هذا الالتصاق الحرفي شكل عائقا أمام انطلاق الأداء وفنيته في هذا العمل. لقد شعرنا ببرود الحركة وبهتانها, وببرودة الحوار وجفافه لان حركة الجسد كانت غائبة عنه في الكثير من المشاهد, وحين تغيب حركة الجسد يجنح العمل إلى الذهنية بحيث يحس المشاهد بصراع أفكار أكثر من إحساسه بصراع شخوص من لحم ودم. إن هذا الأمر- أي برودة الحوار وبرودة الحركة- أدى إلى أن تميل المسرحية إلى عملية قراءة سردية متقنة حكائيا أكثر من أن تميل إلى عملية تمثيلية حركية عاكسة, وعملية القراءة مهما أتقنت لا تصل للهدف المسرحي الرامي إلى التعاطف حد التماهي والتطهر بالتالي. للقراءة السردية شروطها, وللحركة المسرحية شروطها وفعل الأخيرة في المشاهد أهم وهو ما يسعى إليه المسرح ترجمة الكلمة/ الجملة إلى فعل معبر نابض بالحركة. ولأن المخرج علق بهذه الإشكالية- إشكالية برودة الحركة وضمورها- النابعة عن التعلق بالنص والفكرة, بهتت الإضاءة ولم يعد لها ذلك التأثير, وكذلك بهتت الموسيقى ففقدت هي الأخرى تأثيرها. إذ من المفروض أن تتلون الإضاءة والموسيقى مع تلوينات وصراع النفس البشرية الداخلي وأن تعبر عن ذلك بالخفوت حينا وبالشدة حينا آخر, كي يعكسا الواقع المتنافر والمتجانس, المتالف والمتخالف , وكي يحس به المشاهد معكوسا من خلالهما الشيء الوحيد الذي ظل يربطنا بهذا التنافر هو الديكور الشبيه بعالم المرأة بعالم المرأة المعبر عنه في المسرحية. وما جعل العمل يجنح إلى الذهنية إضافة إلى ما ذكرت, تغييب دور الطفل والاكتفاء بالتأشير عليه, والعبور عن الحلم سريعا, مع أنه جوهر العمل ومركزه وبؤرته المشعة التي تنير جانبه وترفعه إلى مصاف الدرامية الرفيعة.
ومع أن المخرج أحسن اختيار طاقم الممثلين, فهم جميعا حرفيون, تعمدوا بالتجارب المسرحية كثيرا, ورغم ما بذلوه من جهد كبير إلا أنهم لم يستطيعوا انتشال العمل من الذهنية إلى الحركية إلى الفعل الحي- حيث شعرنا بشيء من التردد بين الانطلاق والكبح, بين الفعل والسكون الكلامي, بين التفلت والتراجع, بين التعاطف مع الشخصية والتماهي معها, وبين الابتعاد عنها.
الأمر الذي جعلنا نشعر بفقدان التميز لدى الممثلين ونحن نتابع ما يجري, لأن ما كان يجري حقيقة هو محاورة تتركز على نقل الفكرة أكثر من تركيزها على التجسيد. هل هو الأثر البريختي على المخرج؟ ربما, ولكن أحلام شقية بعيدة عن البريختية المعروفة عند ونوس في أعماله الأخرى. هل أراد منير بكري أو هل هدف إلى اطلاعنا على الفكرة دون زجنا في أتونها؟! لا أدري, شيء ما كان ينقص هذا العمل على أهمية ما بذل فيه من مجهود.
وما يقال في المحصلة النهائية عن هذا العمل؟ انه عمل حاول فيه المخرج أن يطرق بابا جديدا لطالما ظل مغلقا. وأن يعري موضوعا جوهريا لطالما تكتمنا عليه وتسترنا. لقد نجح منير في ذلك بدون شك, بدءا من حسن الاختيار وتقديم العمل بهذه الجرأة, ومرورا بالارسطية ووحداتها الدرامية الثلاث وانتهاء بالفاجعة التي تفجرت في وجوهنا, ولكن مع كل ذلك علق بأفكار ونوس المسرحية وجذبته الفكرة وألحت عليه فطغت على الإمكانيات المسرحية ولكن هذا منع تحويلها إلى حركة, إلى تجسيد فاعل مسرحيا, متحرك نشط, نابض, مفعم بالحيوية, فران عليها السكون أكثر من الحركة, واتسمت بالحوارية القصصية, وغاب عنها الحوار الكاشف المتدفق المترجم إلى حركات جسدية متوترة متلاحقة تأسر المشاهد وتشده.
إن فكرة النص العميقة وطروحاتها ودلالاتها الكثيرة شكلت على ما يبدو لمنير على رسوخ قدميه في فن الإخراج المسرحي منزلقا.
وأخيرا إن فاتنا هذه المرة رؤية مسرحية نابضة بالحركة, كفانا أننا تمتعنا برؤية مسرحية تطرح أفكارا جريئة, جديدة بصدق وبرؤية ثاقبة كتابة وإخراجا وتمثيلا وفنا. وان فات المخرج بعض الأمور الفنية في هذا العمل, كفاه انه حاول أن يحدث صدعا في محارة محكمة الإغلاق, هي عالم المرأة في مجتمعنا, كفاه انه حرك شيئا في دواخلنا ورفعه من سباته في الأعماق إلى محاياة السطح.
والى الأمام دائما إلى الأمام
حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية
drhbolus@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق