السبت، أبريل 18، 2009

فاروق ياسين يناقش (زفة العروس) لأنطوني ولسون

فاروق ياسين
أيها الحفل الكريم
نسعد ونشرف الليلة بلقائكم في مبنى مكتبة كوبرج العامة وكم كان بودنا لو كان أنطوني ويلسون معنا حاضرا هذا العرس غير أن وعكة صحية حالت بينه وبين الحضور،ندعوا له بعاجل الشفاء.
أود بادئ ذي بدء أن أطمئن الزميل العزيز بول خياط على سلامة ذاكرته بل وقوتها
وأقول نعم لقد شرفنا من قبل سويا بالمشاركة قي التعريف بأدب أنطوني ويلسون , وهذا بالطبع شرف لكلينا .
وأبدأ حدبثي بالقول: إن الكتب في أيامنا هذه أكثر من أن تسمح للقارئ بأن يتبين ما يأخذ منها وما يدع, كما أن الأعمال الأدبية الكبرى ...تظل بالنسبة إلى الكثيرين من النقاد بل والقراء المثقفين عالما مغلقا من الأسرار،حتى يتولاها... صفوة ممتازة من بينهم... بتسليط الضوء عليها وعلى مكنوناتها من الدرر الكامنة في أعماقها ,وحينئد فقط تفصح هذه الأعمال عن أسرارها، ولقد كان من حسن حظي..... أن لفت بعض من هذه الصفوة انتباهي إلى كتابات هذا الأديب أنطوني ويلسون ...... في الصحافة والأدب, فلا حظت من خلال إطلالاتي عليها حرصه الشديد أن يعرض بصدق على قرائه أعمالا تتسم بالحِرفية الناضجة الشريفة التي لا تعرف في الحق ... لومة لائم ولمست في أسلوبه الروائي.. رشاقة التعبير وأناقته وقدرته الفائقة على مزج السرد المحكي... الذي يسوقه باللغة العرية الفصحى مع الحوار العامي الدرامي الدي يدور على ألسنة شخوص قصصه ,خذوا هذا المثال.. من زفة العروس الصفحة رقم 26.
كانت نعيمة ترقص وكأنهاهانم..... ......وهو ابن العمدة ليس إلا نفر من أنفارها العاملين في ضيعتها...
كانت صورتها ادائما أمام عينيه وهو يبجث عنها.......وعندما يقف ليستريح قليلا,
كانت تتجسم واقفة متحدية شامخة أمامه....كان يصرخ في غيظ وهو يقول:
فتح الله: آه يا بنت الكلب .....إنت فاكره نفسك إيه.. ده إنت حتة رقاصه .. ..غازية
لا رحتي ولا جيتي ....راح أشرب من دمك بس أما اشوفك.
هذا هو فتح الله إبن العمدة أيها الحضور الكريم....... وهو لص حقير يستغل سلطة أبيه ليعيث فى الأرض فسادا..... ....يتحرش بالنساء ويعتدي عليهن بالضرب إن لم يطاوعن هواه... غير أن أبا ه العمدة الطيب العادل ينتصر للمظلومين ويقول للجميع ...".ربنا ما يرضاش بالظلم.........ولا يرضى أبدا أن يعاقب برئ بينما المتهم يرتع حرا وسط الناس ويزداد إجراما وميزته أنه إبن العمدة....والبرئ عيبه أنه نصراني"
وبهذه الخاتمة يكون أنطوني ويلسون قد تفادى ببراعة الشظايا المتطايرة جراء الفتنة الطائفية في مصر...... معتمدا في ذلك علي إيمان قوي بأصالة الشخصية المصرية المتجذرة في قلوب المصريين أجمعين .
ونأتي الآن .... إلى القصة الثانية ضمن هذا الكتاب وعنوانها (في السينما) وهي في بعض تفاصيلها..... تصوير يعِرض لحالة نفسية تنتاب الكثيرين منا نحن المهاجرين ،خاصة هؤلاء القادمين من أوطان وخلفيات ثقافية مغايرة للثقافة الغربية ا لسائدة هنا في أستراليا, فنحن وسائر البشر عندما يشرد خيالنا أو تطفأ الأنوار. من حولنا نحس فجأة....... أو لعل من الأفضل أن أقول نعاني مما يمكن تسميته إزدواجية المشاعر وتداعيها... ...والآن هيا بنا مع صاحبنا أسامة إلى دارين للسينما مرة مع نادية بنت الجيران في شبرا....... والمرة الثانية في قلب سيدني مع ميرنا الزميلة الجميلة التي عاشت طفولتها تحت ستار الرعب الذي سببته الحرب الأهلية اللبنانية... .....ويقول ويلسون على لسان أسامه (وأنا أختصر هنا من صفحة46) : بدأ العرض السينمائي, وتشابكت أيادينا, نادية وأنا .......... تماما كما يحدث الآن مع ميرنا. ضغط أصابع ميرنا على أصابعي، أعادني إلى واقعي بعيدا عن الذكريات..... وأحداث الفيلم تدور حول حرب أهلية وفتاة فى عمر الربيع متسخة الوجه تجري في ذعر وفزع.
إزدياد ضغط أصابع ميرنا أعادني مرة أخرىألى حيث كنت مع نادية في..... سينما شبرا بالاس... أصابعنا متشابكة. وفريد الأطرش وموسيقاه يلهبان جسدي شوقا إليها سحبت يدي من يدها ومددتُ ذراعي خلفها .......مالت نحوي وأسقطـت رأسها على صدري وعبقت رائحة شعرها في أنفي .....إلخ ...إلخ ........ وتلاقت الشفتان وملأ الهدوء المكان .
وحسبت نفسي في الجنة ، وفجأة قفزتُ صارخا فقد هوت علي من خلف ...... كفٌ غليظة أعقبها سيل من الشتائم "يابن الكلب ، إنت فاكر نفسك فين يابن الـ....يا وسخ
يابن االـ ..." .
هنا أعزائي. تظهرحنكة الكاتب وبراعته حيث ينتقل فزعُ وانتفاضة أسامة من تذكر ما حدث منذ زمن في سينما شبرا ليتزامنَ آنياً مع صراخٍ (رد فعل) تطلقه ميرنا في سيدني تحت وطأة كابوس من نوع آخر.. هو كابوس الحرب الأهلية في لبنان الذي اختلط بأحداث الفيلم فأيقظ عند المسكينة هلعاَ و معاناتٍ حسية سابقة .
أرجو ألا يكون اجتزائي لهذه اللقطة من القصة قد أضر بسياقها لكني فقط أردت أن أعبر عن إعجابي بالطريقة التي يتفهم و يتعامل بها أنطوني ويلسون..... مع الزمان والمكان بحيث يتداخلان فيما يعرف علميا بالزمكان، خاصة عندما يتحكم الماضي في الحاضر ،أو حين يلقي أيضا بظلاله الكثيفة على المستقبل .
ونذهب الآن إلى الفنانة.. وهي القصة الثالثة والأخيرة في هذه المجموعة القصصية الرائعة و تحتل مساحة من الصفحات.. تزيد عن ثلثى عدد صفحات الكتاب وقد أتاح هذا الإتساع لويلسون.... إظهار قدرته الفائقة على سرد أدق التفاصيل الحميمية التي تتصل عاطفيا بأدق المشاعر الإنسانية كالنظرات واللمسات لدرجة قوله: إن ملامسة اليدَ أصدقُ إنباءً من العين وإن اليد هي المدخل الى القلب.... بينما العين قادرة على التعبير المخادع (مسألة تحتمل النقاش).
يتنقل بنا الكاتب- وأنا هنا أختصر اختصارا شديدا- إلى حيث يسافر( الدكتور عزت بتاع أستراليا ) وعروسه سلوى بعد الزواج إلى الأقصر وأسوان. حيث يقضيان وقتا ممتعا ثم يعودان بعد ذلك إلى القاهرة إلى أن يهبطا بنا في مطار سيدني حيث نفاجأ معهما( العروسين ) بالزفة والرقص والزغاريد المصرية.... من مدخل المطار حتى صالة الوصول والكل مأخوذ ومنبهرمن المفاجأة ... ثم نعرف بعد ذلك أن الذي يقف وراء هذا المهرجان هي مدام فضيلة. وحول من تكون هذه المدام فضيلة هذه تتوالى وتتطور بغرابة أحداث هذه القصة الرائعة التي تدور في معظم حناياها حول تضارب القيم والتقاليد والعادات بين الشعوب بل والمجتمعات المختلفة.. كما تتصدى
لقضية هجرة الأدمغة والكفاءات من الوطن الأم ...وتدعو لقانون يحرم هجرتها إلى الخارج.... وتناقش أيضا قضية الزواج والحياة وكيف أن الأسرة يجب أن تبنى على أساس متين قوامه.... معرفة كل من الرجل والمرأة للأخرمعرفة قوية بل وطيدة قبل الزواج ......وقضايا أخرى.
وبعد....... وأنا بصدد ختام كلمتي هذه لايسـعني سوى التتقدم بجزيل الشكر وعميق التقدير لكاتبنا الكبير أنطوني ويلسون على عطائه العبقري ولكم جميعا على حسن سماعكم وتشريفكم لنا بالحضور.

ملبورن

ليست هناك تعليقات: