الأربعاء، يوليو 30، 2008

صباحكم أجمل \ شام يا ذا السيف

زياد جيوسي
فرح خاص يجتاح الروح وينشر في جنبات النفس شعور خاص، فهنا في عمّاني الأجمل عشت بالأمس لحظات الفرح بولادة ابنتي لحفيدتي الأولى، لأشعر لأول مرة في حياتي بشعور الجد وامتداد الحياة من خلال الأحفاد، فجاءت سيرين لتضفي إلى حياتي فرحا خاصا، لعله امتداد للفرح الذي شعرت به حين جاءت ابنتي ذؤابة للحياة في نهاية عام 1980، فكانت ولم تزل المدللة بين أبنائي، وحين أبلغت بالخبر السعيد كنت أجول مع زوار معرضي الأول للصور الفوتوغرافية، في جنبات مركز رؤى في عمّان فرحا برام الله وهي تتجلى بصورها في عمّان، فأضيف للفرح فرح آخر، وللروح سعادة جعلتها تحلق بفضائات أجمل وأرحب.
هي عمان الهوى مرة أخرى، عمان الذاكرة والهوى والجمال، أجول في جنباتها كلما أتيح لي بعض من الوقت، فأستعيد ذاكرة وذكريات ضاربة جذورها في الروح، فعمان توسعت بشكل مذهل، وأصبح الاعتماد على استخدام السيارات العامة كطلبات للوصول إلى المناطق يهز ميزانية الجيب، وانتظار حافلات النقل عملية متعبة وخاصة لعدم توفرها بالشكل المتواصل ولكافة المناطق، وعدم وجود سيارة خاصة يساهم في الحد من الحركة، ففي الماضي كنت اسكن في جبل الأشرفية ومن ثم جبل التاج حيث قضيت فترة زمنية طويلة من عمري، حتى انتقلت وسكنت ضاحية خلدا التي كانت هادئة وافتقدت الهدوء أثناء غيابي الطويل عن عمان، ومن الأشرفية كانت الحركة أسهل وكانت عمان أصغر، وكان سن الشباب يلعب دوره بالقدرة أكثر على الحركة، فليس من مسؤوليات متعبة، وليس من تعب تأثيرات العمر أيضا.
في رام الله الحب والعشق لا أعاني من نفس الصعوبات، فرام الله مدينة صغيرة رغم امتداد مساحاتها في السنوات العشر الأخيرة، وطبيعة وجودي في قلب المدينة وقرب المراكز الثقافية من هذا القلب، وطبيعة مناخها الجميل يسهل الحركة كثيرا، وفي معظم الأحيان سيرا على الأقدام، فحركتي من صومعتي هناك إلى أي من أطراف المدينة لا يتجاوز النصف ساعة سيرا على الأقدام، مما يتيح الحركة اليومية بشكل مختلف عن الحركة في عمان وامتداداتها الشاسعة والكبيرة.
ومع هذا يبقى لعمان في الذاكرة جمالها الخاص وذكرياتها الأجمل، وقد أتاح لي معرضي صباحكم أجمل – رام الله، لبعض من الصور التي التقطتها عدستي لمدينة رام الله والذي سيختتم في الغد، المجال للحديث مع الزوار للمعرض عن الذاكرة العمّانية كما الذاكرة الراميّة، ووجدت ألما عند العديد من رواد المعرض من تدمير ذاكرة عمان ومبانيها القديمة التي رسمت تاريخها وذاكرتها، وحقيقة أن هذه المشكلة تواجهها كافة مدننا العربية بشكل عام، فهذه المباني بالأصل هي ملكية خاصة لأفراد، وليس هناك من قوانين تمنعهم من هدمها وبناء مباني تجارية أو عمارات سكنية تحقق لهم المرابح المادية، وبالتالي ليسوا معنيين كثيرا بالذاكرة والتراث، وليس هناك بالمقابل من جهات يمكنها أن تستملك هذه المباني وتبقي عليها بعد ترميمها كذاكرة تروي حكاية المدن وتحفظ ذاكرتها.
وفي نفس الوقت أتيح لي من خلال المعرض الالتقاء بالعديد من الأصدقاء القدامى الذين باعد بيننا الزمان، إضافة لبعض الذين جمعتني بهم علاقة الحرف والكتابة، فسعدت بحضور الصديقة الكاتبة دارين طاطور من الرينة في قلبنا المحتل منذ عام النكبة التي حضرت خصيصا للمعرض، وحضور صديق الحرف والكلمة القاص ناصر الريماوي والتعرف عليه، هذا الشاب المفعم حيوية، والشاعرة ماماس صاحبة الحرف الرقيق، فأضاف اللقاء المباشر إلى معرفة الحرف والقلم بعدا أجمل وأروع، فكان لمركز رؤى الفضل بتبنيه فكرة المعرض أن يتيح لي هذه اللقاءات، وللحقيقة لا أمتلك إلا أن أقدم كل شكر ومحبة لوسائل الإعلام المختلفة في الأردن على اهتمامهم الكبير وتغطيتهم للمعرض والكتابة عنه، وكان للقاءات اليومية التي أجرتها معي الصحافة ووسائل الإعلام أثر كبير وطيب في قلبي.
يعيدني الحديث عن ذاكرة عمّان ورام الله إلى ذاكرتي وسفري الأول إلى دمشق وأنا عائد من بيروت إلى عمّان، فقد تركت هذه المدينة اثر كبير في روحي، فقد قضيت وقتا طويلا أجول في أحيائها القديمة، هذه الأحياء الضاربة جذورها في التاريخ، فتجولت أزقة الساروجة وباب توما والميدان وغيرها الكثير من الأحياء، ساحات دمشق ومتاحفها، ساحة المرجة والصالحية، المتحف العسكري ومتحف الآثار ومتحف العظم، معرض دمشق الدولي وجامعة دمشق، وحرصت على زيارة المسجد الأموي وقبر القائد صلاح الدين الأيوبي، سوق الحميدية الجميل والذي أصبحت فيما بعد لا يمكنني أن أزور دمشق بدون أن أزوره، وأتناول بوظة بكداش وأتأمل العاملين وهم يصنعونها بواسطة الدق بالمدقات الخشبية الضخمة، أو أتناول إفطارا من الفول باللبن في مطعم المصري، أو أن أشتري كتابا من بسطات الكتب المنتشرة على الأرصفة وأذهب لمقهى الفاروقي أقرأه هناك، أو أجلس في مقهى الحجاز أرقب المسافرين والقادمين والمنتظرين من كافة المناطق بلهجاتهم المختلفة، أو أذهب لقاصيون أجالس الغوطة وجمالها من هذا الارتفاع، فأشعر بالجمال يتكوم في طرقات روحي ودروبها، فأخاطب حبا تركته في عمان عبر الروح.
بقيت على تواصل مع دمشق بعد هذه الزيارة، فأصبحت دمشق تسكنني، أصبحت بعض من روحي، فسكنت في فترة لاحقة في حي المزرعة الجميل، أمارس كل يوم هناك طقوس حب وعشق لدروب دمشق وحواريها، أتنشق ياسمينها ذو العبق المتميز، أغسل وجهي وروحي بمياه عيون الماء الواصلة مياهها لدمشق، والمنتشرة في أرجاء المدينة، أجالس حوافي بردى، ولم أتوقف عن معانقة دمشق حتى عام 1976 حين زرتها آخر مرة، فقد أتت ظروف أبعدتني ولم يتح لي أن أعانقها من جديد، وإن بقيت في الذاكرة لم تغادرها، أسائل من يزورها عنها وأحملهم السلام إليها، فيفاجئوني بالحديث عن حجم التغير الذي أصابها، فاشعر أني لو زرتها من جديد فلن أجد وجهها الجميل الذي تركته، وأني سأجد بدلا من ذلك وجها غطته المساحيق والألوان المستحدثة، فأشعر بألم يجتاح الذاكرة ويخدش جمال الذكرى.
صباحك أجمل عمّان، صباحك أجمل يا رام الله التي أشتاق إليها بجنون الشوق، فلا تفارقيني أيتها الجميلة، ابقي معي وعلى عهد حب اجتاحني عبر العصور، فقد كنت أنت حبي وستبقين، فدعينا رغم كل الصعاب وبرد الوحدة الموحش، نضع يدا بيد، نحلم معا بحب أجمل وصباح أجمل، نعوض ما فاتنا عبر السنين من بعاد وفرقة، فأنا احبك وأغار عليك حتى من نسمة الهواء، فاعذري قسوتي حينا إن قسوت، فهي من الم البعد وشدة الجوى، فان مت فادفنيني في حنانيك، وازرعي على مرقدي من ياسمينك، كي لا يفارقني عبقه وشذاه في رحلتي الأخيرة.
صباح آخر وحروف خمسة تلفني بالحب والجمال، فنجان قهوتنا المبلل بالدمع وآهات الجوى، فيروز تشدو لنا:
"شام يا ذا السيف لم يغب، يا كلام المجد في الكتب، قبلك التاريخ في ظلمة، بعدك استولى على الشهب، في ربيع فيك خبأته، ملئ دنيا قلبي التعب، يوم عيناها بساط السما والرماح السود في الهدب، تلتوي خصرا فأومي إلى نغمة الناي ألن تحب، أنا في ظلك يا هدبها أحسب الأنجم في لعبي، طابت الذكرى فمن راجع بي كما العود إلى الطرب".
صباحكم أجمل.

التاج

د. نوري الوائلي
يا صاحبي ما لنفسي همّها حالي = تكبو لعسرٍ وضيق المال والحال
البخلَ تهوى إذا عاشت بلا عوز = واليأس فيها إذا باتت على بالي
ميّالة للهوى والسوء ديدينها = الموتَ تنسى وفيها طول آمالي
إن مسها الشرّ تجزع والقنوط بها = إن مسها الخيرتمنع وزن مثقال
همي من الناس حيث الناس ملبسهم = سوء الظنون وحب الجاه والمال
هاموا بحال وما دامت لهم عتب = كالموج يعلو ويهفو دون أوصال
الناس تكذب ان قالت وان حلفت = لا صدق في القول بل صدق بأفعال
ما قيمة الملك والدنيا وما حملت = من مغريات وأحوال وأموال
ماقيمة العمر ان قارنته فرضا = في عمر كون يفوق العد والعالي
ما أصغر الجسم في أرض وما حسبت = من وسع كون بلا حد لأطوال
ما أجرأ النفس حين النفس غارقة = في وحل كفر وفي شرك وأذلال
ما أجرأ النفس تعصي الرب ياعجبي = والرب يعفو بجود دون مكيال
ما أعجب النفس بعد الدفن راجعة = فيها التعالي وفيها سوء اقبال
يوما تفيق على موت به هلع = لم يبق قبلك من واط ولا عال
قد خُيّر المرء بين الخير مركبة = أو يركب الشرّ في نهج واعمال
الخيرُ دوما طريقٌ ما به عوج = والشرُ قطعا طريقُ الظلم والضال
اغنى الخلائق من يحيا بلا سقم = واشجع الخلق من يصبرْ لأهوال
انت السعيدُ إذا بالله معتصم = حتى وان سُقت في كرب لآجال
تاجٌ على الرأس نفسٌ ما بها علل = تحيا بستر من العاصي ومحتال
تاجٌ على الراس يبقى للرضى علما = ما بعده الفقر أو هم لأغلال
تاجا يراه عليلُ النفس محتسرا = والمبتلى بالعدى والغمّ والوالي
رزق يفوق نجوم الكون في عدد = لو نمت ليلا سليم الجسم والبال
الرزق عرس وتقوى العبد زينته = ما قيمة العرس ان يكمُل باسمال

كـــن كمـــا العراق؛؛ ولا تنحنِ..

مريم الراوي

رسائل مريمية

&

لاتنتظر أحداً ياصديقي، كي ينزع الخنجر من خاصرتك..
على قيامتنا ان تأتي من ذواتنا المغروسة في قبو الموت والخوف والصمت..
كل المدن وعلى رحبها ضاقت وضاقت على أنيننا،لكنها لطالما اتسعت حين غاصت احذية الجند في رمالنا..فإستقبلتهم بالورد،واحتضنت جراحهم الطازجة،واخذت تلون اسوار الكون بدمائهم"الطاهرة"،واعلنت الحداد على"جنود الحرية"وكنا نحن بدموعنا ودمائنا الوافرة ، مجرمين!!!
هل استوقفهم طفل مقطع الأوصال؟ هل افزعهم نواح مغتصبة؟ او نداء أسير، وبكاء إبن على والده؟؟
هل تناسينا، كيف انسل الضمير بلا رجعة من صدورهم، حين القوا بمرساة الجوع والفقر في مدننا الطاهرة؟؟
خمسة عشر سنة، اغتالونا فيها كل يوم، نخروا أجساد أطفالنا الغضة، وقتلوا الحلم مراراً ساعتها..
والآن،أخبرني، من يخرجنا من مدينتنا وقريتنا؟؟ من يعبث بإعمارنا؟ من ألقانا لجحيم الغربة والإغتراب، بفخر؟!
فتشبث ياصديقي بتراب أرضك، سيأتي يوم لن تطال به عنقك..تذكر كل شهقة، كل دمعة، كل ضحكة، كل وجع، فغداً ستغدو ذكرياتك زادك ووطنك،وعكازك الوحيد!!

&

قاتل لأجل ماتحب
قاتل لأجل الذكريات
قاتل لأجل الوطن
قاتل لأجل ذاتك
قاتل لأجل مايخصك
قاتل، ولا تلتفت لصرخات الروح..
قاوم بكبرياء، فلا ذلة حين تناضل لتقطف عمرك من افواه الموت..
قاوم يارفيقي، وتذكر، ما نحصل عليه، هو مانفني أنفسنا لأجله..
وعلى قدر الدموع والدم، سيكون الغد..

&

أطول من عنق النخيل جرحي..
وفوق قباب السماء تتردد أغنيتي اليتيمة في قهر..
وهناك خلف الجدار، وخلف الأسلاك الشائكة، يرقد وجعي،وبعض من أمنياتي المنسية..
بين سطور المواويل، ووتمتمات التراتيل، ينبض حنين مهجر،تطارده رصاصة حمقاء..
ولازلت أبكي بصمت، وأبتسم بخيلاء..
أشد على قلب العراق، وأذكر كيف إلتهم نار الزمن ضوء عيونه..
لازلت أذكر وأتعمد بتلك الرؤى مااستطعت،كيف ان العراق ،
وقف شامخاً،يطالع فرار الرحمة من قلوبهم،وهم بين كفيه كمسبحة،
ومابين القلب والروح اوجدهم درب معبد بالدم والتضحيات..
ولأجلهم كان النخيل،درع شرقي؛؛
لأجلهم هم لاغيرهم، علق العراق ابنائه وشبابه ،
أوسمة على صدورهم العارية!!
لازلت أذكر،كيف ظلم العراق، وكيف صمت،
وكيف بكى دم عليهم، كي يداري فجيعة الهروب من حضرته..
لذا،،
كن كما العراق؛؛
وإستقبل الظلم، والغربة، واليتم، بسعادة..
إبتسم بوجه الظلم، والإغتراب، والوحدة، والفراق..
وأصرخ بإعلى مااستطاع جرحك: إني لها..
كن لها.. ولاتخبر عن ألم..
هل شكى المسيح لغير الدروب والطريق أوجاعه؟؟
هل تشبث المسيح بغير صليب الروح؟؟
أخبرني..قبل اللقاء الأخير،إذاً، ماكان العراق؟؟
ومابعد اللقاء، ماكان العراق، وماسيكون؟؟
إليك ياوطني، يامجموعة ذكريات،
وطفولة تضيع تفاصيلها في واقع يحكمة النسيان،
تبقى وحدك ياعراق، ذاكرة لاتنام..
وسيبقى العراق عراق...

&

إبتسم بوجه الريح الغاضبة..
تصدر أمواج الحنين، وإنتصب قبالة الشاطئ، بترف..
لاتغادر ضفة الوطن، وإن التقط السراب ملامح وجعك..
لاتبارز قطرات المطر،
ان إمسكت بجدائل حزنك المتشظى،على عتبات جبينك..
لاتدع عينك تخذلك ، إمزج دموعك بالضحك..
وفي رحاب البحر، إذكر الفجر
إذكر كيف يغني للنهار، ويداعب عمراً ولى بالإنتظار..
لاتجاهر بيتمك، إستلق على رمال ألمك،
وإحص كم قصرا شيدت من غمام ومن دخان!!
تعلم الأنين، وإعتاد القهر..
سيكتب لك الضياع كما من سبقوك،
وسيكتب لك البقاء، كي تعذب..
سيطول بك العمر حتى تلفضك الموانئ،
وحتى يقتفي الموت خطواتك بنهم..
وستبقى تنتظر، وتنتظر..سيغدو إنتظارك وطن..
فلا تتعجل، ولاتقم صلاة الوداع،فللجرح بقية!!
وتذكر..
من لايخشى المطر، ولا يخجل من دموعك،
أن تغبطه على مأساته المضرجة بالبؤس!!

&

تضاحك الذئاب تحت شرفات الظلام؛
فتحت بساتين الموت أذرعها لإحتضان غربان النار؛
صفع الليل،زهرات النهار، وجن الزمن في طرقات العودة؛
وأخذ الحزن يتوعد المدينة بالخلود؛
غزت أشباح الموت ميادين الفردوس؛
وإمتد النشيج الى عباب الروح؛
وطال الآفاق عويل الصبية؛
حدث هذا ذات دمعة..
حين وقف جلجامش،وحيداً، خارج أسوار غابات الغد، يتسأل من جديد:
- أين أنكيدو ياقوم؟؟
وكان الجواب:
- جريح ، تـائه، منذ خمس صرخات!!

الثلاثاء، يوليو 29، 2008

خبيب بن عدي

محمـد محمد علي جنيـدي



أخُبَيْبُ يَا رَمْزَ الْفِدَاء
أخُبَيْبُ يَا حُبَّ السَّمَاء
لَكَ تَنْحَنِي قِمَمُ الْجِبَالِ
فَخُورَةً
بَكَ أصْبَحَتْ
قَصَصُ النِّضَالِ
ثَرِيَّةً
يَا صَاحِبَ الْقَلْبِ السَّلِيم
كَمْ كُنْتَ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم
أيُّ الْيَقِينِ أيَا خُبَيْبُ
سَطَرْتَهُ
أيُّ الْوَلاءِ
لِخَيْرِ خَلْقِ اللهِ
أنْتَ رَفَعْتَهُ
صَلَبُوكَ! قَالُوا أنَّهُمْ
صَلَبُوكَ بَلْ
أهْدُوْكَ عِبْقَ شَهَادَةٍِ
تَكْفِي الْبَرِيَّةَ كُلَّهَا
عَفْواً وَنُوُر
إذْ يَسْتَضِيفُك َرَبُّنَا
بِهِدَايَةٍ
زُفَّتْ إلَيْكَ، بِكَأسِهَا
غَيْثاً طَهُور
لِمَقُولَةٍ قَدْ قُلْتَهَا
وَقَفَ الزَّمَانُ كُلُّهُ
مُتَأدِّباً
واللهِ مَا
أحْبَبْتُ أنْ ألْقَى السَّلامَةَ
رَاغِباً
وبِحَوْزَتِي وَصْلُ الأحِبَّةِ
والْحَيَاةُ هَنِيئَةٌ
والْمُصْطَفَى
فِيهَا يُشَاكُ بِشَوْكَةٍ
ما أرَوَعَ الْعِشْقَ الَّذِي
أجْرَاكَ
نَهْرَ مَحَبَّةِ
ما أعَظَمَ الدِّينَ الَّذِي
أهْدَاكَ
نُورَ الْحِكْمَةِِِِِ
يا ابْنَ الْمَدِينَةِ
يَا حَبِيبَ الْمُجْتَبَى
اُنْثُرْ يَقِينَ الرُّوحِ
عِطْراً طَيِّبا
قُمْ يَا خُبَيْبُ
لِلْخَلائِقِ
كُلِّهِم
قُمْ يَا وَثِيقَ النَّفْسِ
والْإيمَانِ
قُلْ لِجَمِيعِهِمْ
إسْلامُنَا
دِينُ السَّلام
إسْلامُنَا
مِسْكُ الْخِتام
لا يَأْخُذُ الْجَانِي
صَدِيق
هُوَ لَمْ يَزَلْ سَمْحاً
أنِيق
يا مَنْ أرَدْتَ سِيَاحَةً
فِي نُورِهِ
وطَوَيْتَ عُمْراً بَاحِثاً
عَنْ دَارِهِ
إسْلامُنَا
إسْلامُنَا
عُنْوَانُهُ
ومِدَادُهُ
أخْلاقُهُ
ولَقَدْ كَفَى
قُرْآنُنَا
وإمَامُنَا
هَذَا النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى

حتى يجيء عصر التنوير

نبيل عودة

النقد يشبه الابداع ويحركه ليس فقط رد الفعل السلبي أو الايجابي من قراءة النص ، انما الرؤية الثقافية الشاملة والمتكاملة التي تتفجر تلقائيا دون قرار مسبق من العقل ، وما عدا ذلك كل ما يكتب يقع في باب الإنشاء البسيط .

تبعا لتقسيمات الماوردي (أبو الحسن البصري – فقيه وأديب شافعي) فإن مفاهيم العقل والفطنة والذكاء تتميز عن بعضها على النحو التالي:

· العقل: أدا ة الإدراك الأولية.

· الفطنة: للتصور، وهي مرحلة ثانية للإدراك.

· الذكاء: وهو الحافظة وأداة التصرف في المعلومات.

وقعت على هذا النص وأنا أحاول ان أفهم، عبر قراءاتي لبعض موروثاتنا الثقافية، ما آلت اليه حالتنا الثقافية في العقدين الأخيرين. حقاً التشابه مستحيل نتيجة اختلافات جوهرية في تركيبة المجتمع واللغة والقضايا المطروحة، ومسائل الفكر، واتساع دائرة التأثيرات الثقافية المتبادلة، واتساع امكانيات النشر، وغياب مقاييس النشر ، وتفاهة معظم المراجعات النقدية، وتحول النقد الى اتجاه واحد مدحي، لدرجة صرت على ثقة نسبية ان النقد يكتب قبل صدور العمل الأدبي.. ومقرر سلفا اتجاهة ودرجة مدائحه، التي صارت تقاس على سلم شبيه بسلم ريختر... ولدي عشرات النماذج التي تثبت ما أذهب اليه. واحداها حدثت معي شخصيا بنقد لا علاقة له بمضمون كتاباتي.. كما يبدو في محاولة لكسب ودي. فاذا ذهب العقل ، هل تبقى الفطنة ؟ وهل ينفعنا عندها الذكاء ؟!

القضايا الثقافية لمجتمعنا الصغير، المجتمع العربي داخل إسرائيل، ولمجتمعنا الأكثر اتساعاً، المجتمعات العربية... تلفت انتباهي واهتمامي من زوايا مختلفة، بصفتها مقياسا لتقدم المجتمع المدني أولاً، كقاعدة لا يمكن تجاهل دورها في الرقي الحضاري، الذي يشمل تطوير التعليم، والقضاء على الأمية، وتطوير اللغة لملاءمتها لعصر الحضارات والعلوم والتقنيات.. وبالطبع الإبداع الثقافي هو الجانب الروحي من حضارة المجتمعات البشرية... غيابه وركوده والفوضى التي تسود حقوله المختلفة، تشكل معياراً آخر لمستوى تقدمنا الاجتماعي والثقافي، أو تراجعنا.

العقل السوي المدرك يفهم ان المجتمعات البشرية تستهلك الثقافة بصفتها قيمة روحية تثري عالمها بجماليات مختلفة، وتثري الانسان على المستوى الشخصي، فكراً ومعرفة، وتوسع مداركه لحقائق الحياة، ولأساليب بناء العلاقات الاجتماعية، والتواصل الانساني داخل المجتمع الواحد، بدل حالة التشرذم والعداء التي تسود للأسف الشديد مجتمعاتنا على قاعدة فكرية ودينية واثنية. وتعمق وعيه الفلسفي حول مجمل القضايا المطروحة. وربما مشكلتنا أيضا أن المجتمعات العربية تعرف المثقف بدوره وليس بالثقافة التي يحملها.

الثقافة كانت دائماً معياراً صحيحاً لتطور المجتمعات البشرية، وما زال المؤرخون يعتمدون الثقافات القديمة، كأداة لفهم طبيعة تلك المجتمعات، ومدى رقيها وتطورها.

هل يمكن فهم طبيعة المجتمع الفرعوني القديم، دون ما تركته دولة الفراعنة من آثار ثقافية، مادية (بناء حضاري) وروحية،(ابداع ثقافي)؟

هل يمكن فهم المجتمع الإغريقي القديم دون الرجوع أيضا لآثاره المادية والروحية ؟

ليس سراً ان ثقافتنا اليوم تعبر عن واقعنا الاجتماعي، وهو للأسف واقع مترد ومليء بالاشكاليات، وبعضها إشكاليات خطرة على مستقبل مجتمعنا ومستقبلنا. وبما اننا نعيش في عصر العولمة، الذي جعل العالم حي صغير، فإن الواقع الاجتماعي بات يشمل بترابط كبير مجمل الفكر والنشاطات الاقتصادية والسياسية والتربوية والعلمية والأدبية والفنية والدينية، ويطرحها ضمن الصورة الكونية، التي تشمل الواقع في العالم الأوسع. من هنا رؤيتي ان التحدي أمامنا أصبح أكبر، والمسؤولية لم تعد محددة بنطاق جغرافي ، محلي أو أكثر اتساعا جغرافيا.

أشعر ببعض الإمتعاض من بعض الكتابات، وأصحابها بالطبع.. التي تتعامل مع ثقافتنا من خارج الفكر الثقافي. وتنحو نحو الكتابة دون اعتماد العقل والمنطق، والقدرة على الربط بين النص والواقع، وقدرة النص على ان يشكل قوة جذب وإضافة للقارئ... أو بكلمات أخرى، دون اعتماد ما وصل اليه الماوردي، بعقلانيته، قبل عشرة قرون. ان عجزهم عن التواصل الحضاري مع عقلانية الماوردي، يولد ظواهر مستهجنة، لا تربطها بالفعل الثقافي الا التسميات. ان خيانة الناقد لإستقامته الثقافية مرة واحدة، تقضي على مصداقيته أبداً. هناك هوة غير قابلة للتجسير بين التشجيع، دون ان نثير الوهم بالإكتمال، وبين ادعاء النقد الذي يرتكب فيه الناقد خيانة لثقافته ولجمهور القراء. بكلمات أخرى ، يفقد شرعيته الثقافية .

لا يمكن كشف مضامين ثقافتنا، رقيها أو ضعفها، وفتح الآفاق نحو انطلاقة حضارية، بالترويج الذي يشبه تشجيع فرق كرة القدم. ان عدم التزام العقل في معالجة ثقافتنا المحلية، الإبداع الروحي بالأساس، من قصة وشعر وفن مسرحي ورسومات وغناء وتمثيل وموسيقى ورقص، يقودنا الى المبالغة، والى إثارة الشهوة للمدح التي سرعان ما تتلاشى، والى الشعور الكاذب لدى المبدعين المبتدئين بالإكتفاء بما أنجزوه، بل استكثاره على أنفسهم، والظن انهم وصلوا الى مراتب الكمال العليا، التي لا مراتب أرقى منها ثقافياً. هذا يقودنا الى حالة إضطراب ثقافي، والى غياب العقلانية الثقافية من الابداع ومن النقد.

حين نُغيب العقل ُنغيب الفطنة، ونستبدلها بكليشيهات جاهزة، ملّها المتلقي (القارئ) وبالطبع في هذه الحالة يصبح الادعاء ان واقعنا الثقافي يشهد نهضة ثقافية وانتشارا واسعا للثقافة، نوع من السخرية السوداء. وأيضا قبل عشرة قرون قال الإمام الشافعي لتلاميذه: "اذا ذكرت لكم ما لم تقبله عقولكم، فلا تقبلوه، فإن العقل مضطر الى قبول الحق". فلماذا لا يكون هذا صحيح اليوم أيضا ؟!

لست متشائماً من واقعنا الثقافي. في النهاية لن يصح الا الصحيح وأما الزبد فيذهب جفاء. ولكني متألم لما يحدث.. ومن الانعكاسات السلبية على تطور ثقافتنا.. وتعويق انطلاقتها. وأقول بوضوح: لدينا مبدعون يبشرون بالخير، تعالوا لا نقتل ابداعهم بالمبالغات التشجيعية. تعالوا نخاطب عقولهم ونحث فطنتهم، ونشجع ذكائهم. ونحول حياتنا الثقافية الى عامل هام في بناء وعينا المجتمعي.

ما يجري هو النقيض الكامل. هو قبر للعقل والفطنة والذكاء... وقبر لتطور الإبداع.. وقبر للذائقة الثقافية للمبدع وللقارئ ايضا.

لا أنكر وجود مثقفين ونشاط ثقافي متعدد الوجوه رغم محدوديته. ولكن بين وجود مثقفين ونشاط ثقافي محدود وبين الحديث عن حركة ثقافية وحياة ثقافية نشطة مساحة شاسعة جداً، تتعلق بشروط ومناهج وسياسات وتوظيفات غير متوفرة، واذا توفرت فهي لا تخدم الا أشخاصاً، وليس مجمل الحياة الثقافية وحركة الإبداع الثقافي والفني، خاصة في ظل القصور في التوظيفات ، وغياب الأجندة الثقافية من برامجنا الاجتماعية.

من الواضح اليوم في ثقافتنا المحلية، ان المسرح والموسيقى والرقص تجاوزوا الإبداع الأدبي من شعر ونثر ونقد، ولكن بالمجموع العام، كل هذا النشاط، لم يتحول الى حركة ثقافية لها دورها المؤثر، بحيث يصبح الإبداع الأدبي والفني حديث المجتمع، ويحتل حيزاً واسعاً من اهتمامه.

اليس من المخجل ان تمثيلية بلا مضمون، سطحية قصة ونصاً وحواراً، اليوم اسمها نور(التركية) وغدا غيرها، مكسيكية، أرجنتينية، أمريكية أو عربية (ما الفرق ؟) تصير محورا لحياة مجتمعنا الثقافية والاجتماعية، حديث الناس في السهرات، حديث الطلاب والطالبات، بيوت تتمزق لأن المراة لا تستطيع ان لا تعبر عن إعجابها بوجه البطل مهند أو غيره ؟؟ والرجل يحلم على زوجة ثانية أو مغامرة مع شبيهة لنور ودواليك ؟؟ انتهى عصر هيفاء وهبة ونانسي عجرم وأليسا وبقية جميلات الغناء.. أو تأكد استحالة الوصول اليهن ؟؟ مجتمع يعيش نسائه ورجاله في فانتازيا تتلوها فانتازيا أخرى، هو مجتمع مريض !!

هذا الواقع المؤلم يعبر عن ضحالة ثقافية وفقر فكري. وهو ليس مؤهلاً لنشوء حركة ثقافية. وغياب الصدق الثقافي يزيده تقهقرا.

هذا الواقع الذي وصلناه لم يكن نتيجة تطور سليم.. بل نتاج حالة مشوهة في ادارة المجتمع، من الهيئات والمؤسسات والتنظيمات الرسمية والشعبية، وبالطبع بسبب قصور أصحاب الفكر والمعرفة الثقافية، والمتخصصون بالدراسات الاجتماعية والانسانية، وجمهور نقاد الفكر والأدب والسياسة، معظمهم، وبنسب متفاوتة، يتحملون حصتهم من حالة الترهل والضحالة التي نعيشها.

الموضوع الثقافي لا يحظى بمكانة ضمن أولويات مؤسساتنات الرسمية والشعبية، وانا أظن ان للثقافة قيمة بنيوية فكرية وتربوية واجتماعية لا تقل أهمية عن أي موضوع نضالي نطرحه على أجندتنا.

اذا لم نبن مجتمعنا قوياً، مثقفاً، عقلانياً، متنوراً أخلاقياً ومليئاً بالجماليات وبالفكر الانساني، وبالاستعداد للتعاضد والتكامل الاجتماعي، والتجند وراء مطالبه الحيوية، ولا أستثني السياسة من هذه المطالب، ستبقى كل ممارساتنا الثقافية والسياسية، تعاني من قصور في الرؤية، من العجز في فهم دور الثقافة الاجتماعي والحضاري، وكيفية توجيه ودعم وتطوير حياتنا الثقافية.

الثقافة ليست كماليات في حياة الانسان والمجتمع. الثقافة عنصر استهلاكي أساسي في حياة الشعوب التي تنشد التقدم والرقي الحضاري. الثقافة هي المفتاح لأن نكون أبناء عصرنا، أبناء عالمنا، بدون الثقافة نظل أبناء الماضي، محكومين لغرائزنا، مقيدين بأحكام نهائية لا تربطها بالمنطق حتى شعرة معاوية.

أحاول ان أطلع على كل ما ينشر من نقد وإبداع أدبي وفني، أحيانا أعجز عن قراءة سطر آخر من النص الابداعي أو النقدي. عندما أجد لغة مقعرة لا أجد أدباً. عندما أواجه نصاً كل مميزاته هو رصف كلمات لا تقود الى معنى، أسقط النص من أي تعريف أدبي. لا أتحدث من وجهة نظر نقدية، انما من وجهة نظر ذوقية. ما قيمة النص الذي لا يشد قارئه؟ لا أريد إعطاء نماذج حتى لا أثير ضدي المزيد من الغاضبين. لست نافياً للقدرات الإبداعية لأي من الأدباء، خاصة الشباب.. ولكني أرى ان نقدنا الراهن لا يخدمهم، بل يخدعهم، لا يخدم الهدف من وراء النقد، بل يخدم أهداف شخصية لكاتب النقد.

كنت أديباً شاباً، ومتحمساً، ومن المنتجين بغزارة، وتنشر أعمالي في أفضل الصحف العربية وقتها، "الاتحاد"، بل وفي أهم منبر ثقافي للعرب في إسرائيل، مجلة "الجديد"، والتي كان يعتبر النشر فيها شهادة بلوغ أدبية، ولم أكن قد تعديت السادسة عشرة عندما ظهرت أولى قصصي في الجديد. وقد عانيت فيما بعد من ظاهرة التجاهل لكتاباتي، وأصابني الأمر بالقلق ؟ هل الآخرون أفضل مني ؟ كنت أريد أن أعرف أين أقف. وهل كتاباتي الابداعية تستحق هذه التسمية، أين نقاط ضعفي وقوتي ؟ ماذا ينقص نصوصي لأنطلق نحو آفاق جديدة؟

ولكني لم أحظ حتى بلفتة واحدة. كانت الساحة محجوزة لأسماء محددة، وبدأت أفهم ان ما يجري تهريج ثقافي في معظمه، وتسويق أسماء وليس تسويق ثقافي. وقررت ان أحمل السلم بالعرض.. حقاً أدواتي النقدية تعتمد على قراءاتي الواسعة واطلاعي الموسوعي على مجالات ثقافية وفكرية واسعة جدا ومتعددة الاتجاهات. رغبتي حتى اليوم ليست، وبشكل مطلق... الكتابة النقدية... وليست وبشكل مطلق، الكتابة السياسية. رغبتي حتى اليوم الكتابة الإبداعية من قصة ورواية ومسرح... لقد دفنت رغبتي حتى لا أترك الميدان لحميدان. وخصصت الأدباء الشباب بجل كتاباتي، ووجدت نفسي أغرق أكثر بالفكر النقدي والفكر الثقافي والكتابة الفكرية والسياسية، محاولا إيجاد أجوبة على ما يحصل لثقافتنا ومجتمعنا وسياستنا، بعد العشق المجنون للعالم العربي لكل ما أنتجناه في العقود التي سبقت حرب 1967 وما بعدها... وكانت آثار الخلل الثقافي، وفقدان الاتزان قد بدأت تتبلور بعد نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي لتتحول مع الوقت الى فوضى واندثار للمقاييس الأدبية، وغياب لجيل المحررين الأدبيين أصحاب الرؤية الثقافية، وحلول مرحلة صارت فيها الصفحات الثقافية في صحافتنا أقل الزوايا أهمية، بل وتشطب قبل غيرها اذا ورد اعلان تجاري جديد، الى جانب حقيقة مؤلمة اننا لا نستطيع ان نسمي محرراً أدبياً يستحق ان يحمل هذه الصفة في صحافتنا بحيث يقدم للقارئ ما يستحق صفة الثقافة، وليس إغراقنا بنصوص بلا مضمون وبلا اشراق وبلا مسحة ثقافية .

اذن لماذا نستهجن حالتنا الثقافية المتردية ؟؟

أين النقد البنيوي الذي يعرف وظيفته التربوية والتثقيفية، وليس الترويجية فقط؟

أين نقد واقعنا الاجتماعي وفكرنا السياسي الذي يتهاوى ويتحول الى صراع بين "الديوك" على مناصب أهمها منصب عضو في الكنيست، لا فرق بين من ادعى القومية والعداء للصهيونية، ثم أقسم يمين الولاء للدولة الصهيونية ونشيدها وعلمها (عزمي بشارة مثلا)، وبين أحزاب أقرت حق إسرائيل في الوجود وترى بالكنيست منبراً سياسياً يجب استغلاله (الحزب الشيوعي مثلا) وصولاً الى خوض الحركة الاسلامية (الجنوبية) معمعة الانتخابات، وصارت عضوية الكنيست ساحة للخلافات حتى داخل صفوف الحركة الاسلامية ومجلس شورتها، تماماً كما في صفوف العلمانيين، وغنيّ عن القول ان أهداف قادة الأحزاب، بات ينحصر في الوصول الى عضوية الكنيست، وكأن نضالنا الفكري والسياسي والثقافي وتوعية وتثقيف الجمهور، الذي بواسطته حافظنا على لغتنا وبنينا كياننا السياسي والقومي، لم يعد ذا قيمة. وما عدا الكنيست أصبح الشارع فقط لمتطلبات تحضير الأرضية المناسبة لانتخابات الكنيست القادمة. كان معاش الكنيست يسلم للحزب الذي اوفد ممثليه للكنيست (الحزب الشيوعي)، وعضو الكنيست ليس صاحب امتياز بين سائر قادة الحزب، لا يتميز عنهم بالمعاش. اليوم صارت عضوية الكنيست مكانة اقتصادية تميزه عن رفاقه الآخرين، دخل شخصي مرتفع وشروط اجتماعية وشخصية وخدماتية واسعة للغاية، والآخرين في قيادة الأحزاب، حطابين وسقاة ماء.

عضو الكنيست متنعم بالخيرات، والباقون يعانون من عجز متواصل في إنهاء الشهر. هذه العقلية سادت في ثقافتنا أيضا. هناك من يعتبرون أنفسهم أوصياء على الأدب والأدباء، ولكن عهد الوصايات انتهى، عهد الخضوع للخزعبلات الثقافية والسياسية سقط، عهد عبادة الفرد كانت مرحلة مدمرة فكرياً للأحزاب التي مارستها، وتركت ترسبات سياسية وثقافية صعبة لم نخرج منها بعد.

اذا لم نكن، نحن المثقفين، في الصف النضالي الأول، بأقلامنا ونشاطنا الميداني، وحريصين على قيمة كلمتنا، وقوة موقفنا، ومصداقيتنا، فهذا يعني ان صفتنا كمثقفين مصابة بالقصور والنقص في المضمون.

ان صمت المثقف هي خيانة لذاته الثقافية ولعقله.

ما يجري داخل ثقافتنا يشبه "المذبحة الثقافية". أجل زراعة الوهم لدى المبدعين بانهم أصبحوا عالميين، وإبداعهم وصل الى قمة لا سابق لها، هي مذبحة لأولئك المبدعين ولمستقبلهم الابداعي، ولثقافتنا بمجملها.

للأسف هذا ما يرتكبه بعض المتنشطين ثقافيا... تحت صياغات تحمل اسم النقد وتفتقد لمضمون النقد. لو قاموا بتغطية الإصدار اخباريا لخدمونا وخدموا صاحب الابداع أكثر من نقدهم.

بعضهم يدعون بجرأة يحسدون عليها، ان ثقافتنا أضحت عالمية، لو سالتهم ماذا قرأوا في عمرهم المديد من أدب عالمي، كلاسيكي أو حديث، لأصيبوا بما يشبه دوار البحر؟ على الأغلب لا يعرفون حتى اسماء الأدباء البارزين. ويفهمون في الحداثة أيضاً ولا يترددون في استعمال تعبير الحداثة لوصف ما يقع تحت أيديهم من نصوص أشبه بالطلاسم، دون فهم إشكاليات هذا التعبير(الحداثة) حتى في الثقافة التي جاء منها هذا التعبير. ماذا يفهمون من الحداثة غير لصقها كنوع من المديح، وكأن ابداع أدبي غير متأثر بالحداثة هو ابداع فاشل؟ هل يعون ان الفكر الحداثي بدأ بعصر الرنيسانس، ووصل أسمى مراحله في عصر التنوير الأوروبي، وانه يعتمد على ثقافة اجتماعية دمقراطية ليبرالية، وفكر التعددية الثقافية، ونقد الفكر الديني الكهنوتي، وتحرير الانسان من عقلية التلقين؟ أين مجتمعنا من هذا كله، أين ليبراليينا؟ لا أنفي وجود ثقافة حداثية، ولكن وصف الطلاسم الشعرية بالحداثة، او جعل تفكيك ترابط اللغة حداثة، او تفكيك المعاني والصياغات، أوتفكيك بحور الشعر... الخ. هذه مهزلة، لو وصفوا ابداع محمود درويش بالحداثة لما أعترضت. لو وصفوا كتابات المفكر العربي البارز د. هاشم صالح بالحداثة أو د. رجاء بن سلامة.. لفهمت ما يعنون بالحداثة، اما إلصاقها بمجموعات شعرية تفتقد لعناصر الشعر، واعذروني من الإستعراض المباشر.. او لكتابات أدبية لم تتجاوز المساحة المحلية الضيقة، فذلك يستعصي علي فهمه، حقا أعرف الجواب... وهو اننا أمام ظاهرة تفكيك القيم الثقافية، وتحويل الثقافة الى سلعة للمزايدة، وتوزيع الألقاب، ظناً ان هذا ما يرفع قيمة الناقد. المسألة الأساسية ليس موضوع النقد، انما جعل الناقد معشوقا !!

الحداثة تعتمد فلسفة اجتماعية أفرزها عصر التنوير. يقول هاشم صالح: لقد سار الفكر التنويري في طريق وعرة، قال عنها الشاعر الألماني العظيم شيللر (1759-1805): "إن الإنسان يبتعد عن هدفه الأسمى بطريقتين: إما أن يصير ضحية العنف، وإما أن يصير وضيعًا ومنحلاً، ويجب على الجمال أن ينقذ الإنسان ويوصله إلى الطريق الصحيح، بعيدًا عن هذين الخطأين". ويتساءل هاشم صالح: "ترى، متى يكون لنا، نحن العرب، عصر تنويرنا؟!!

كما يبدو لم يقرأ نقدنا المحلي!!

حقا لدينا مثقفون يفهمون ما هي الحداثة، لدينا أكاديميون يدرسون عصور التنوير وفلسفاتها. اما إبداعنا فيواجه مشاكل لن توصله شطحات نقادنا التخيلية الى الحداثة... او الى الابداع في أسمى صوره، حتى بدون هذه المخلوقة المستوردة "الحداثة" !!

على الأقل حتى نتقدم، تعالوا نعود الى طروحات الماوردي، لعل فيها ما يلزمنا أكثر من الحداثة الأوروبية. ولعل الأوروبيين استغفلونا وخطفوا عقلانية الماوردي من الذين وأدوها !!

نبيل عودة – كاتب، ناقد واعلامي فلسطيني

الاثنين، يوليو 28، 2008

يوسف شاهين، كبير الفنانين

د.ابراهيم عباس نــَتــّو

أيا شاهينُ، حـَلـّقْ في الفضاءِ
و جـُلْ في الكون مـُكتملَ البهاءِ

يبدُ الغيرُ في البيداء تيهاً
و تأتي انت موروفََ الرفاءِ

يتيهُ الغيرُ في البيداء لهثاً
و انتَ الروضُ موفورُ النماءِ

أيا شاهينُ، يا فنان مصرٍ
اميرُ الفن، معطورُ الثناءِ

حماك الله للتعبير حـُراً
و صان بلادنا شرَ البلاء

و هيأ للفنون رعاة فكرٍ
يصونون الكرامة بالإباءِ

و أكثَر في البلاد حُداة خيرٍ
و الهَمنا المزيدَ من العطاءِ!ا

===========
توفي فنان العروبة الكبير الأستاذ مخرج السينما العالمي يوسف شاهين، عن عمر تجاوز الـ82 عاماً حافلاً بالعطاء تعدى الـ40 فيلماً خلال الـ50 سنة الماضية؛و حصل على عدد كبير من الجوائز في مصر و في خارجها تقديراً لفنه..لمحتُ احداها منذ عدة سنوات..في مهرجان لوكارنو للسينما الـ43 في سويسرا،مثلاًا
و و مثله مثل الروائي العالمي نجيب محفوظ،.. فلقد تعرض يوسف شاهين هو ايضاً لأنواع الإيذاء أثناء حياته من المتزمتين قساة القلوب.ا


متهم أمام ثلاث قاضيات فاتنات

د. عدنان الظاهر

نادى عليَّ منادي المحكمة الجزائية لأمثل أمام ثلاث قاضيات يتميزنَّ في كل شأن عن بقية نساء العالمين فتنة ً أو علماً أو قضاءً . قادني المنادي
ـ وما كان شرطياً لحسن حظي ـ من يدي قودَ الصديق لا قيادة متهم مقيد بالكبول الفولاذية ففوجئت بجدية الموقف وأبهة المكان وغرابة أردية السيدات القاضيات . في الحقيقة هذه أول مرة في حياتي أُقاضى فيها من قبل سيدات متخصصات في القضاء فضلاً عن الأدب أو العلم وما شابه ذلك . كان الجو داخل المحكمة متوتراً مكهرباً وبدا لي غريباً فالقاضية السيدة (سهام ) كانت سافرة الوجه عابسة المحيا تزم شفتيها على أمر جلل وتنظر إليَّ شزراً بل ويتطاير الشرر من عينيها الجميلتين ( يا حافظ يا ستار ) .
أما قاضية الوسط ( الحرباء ) فكانت ، أو هكذا خيّلَ إليَّ ، محايدة النظرات وتعبيرات الوجه الجميل لكنها كانت محجبة الرأس ملفعة بما شاء الله من السُتر والبطانيات واللحفان حتى لكأنها مجموعة سجاجيد في دكانة بائع سجاد خليط إيراني ويماني وصيني فضلاً عما يُسمى في العراق ب [ بُسط مدينة الحمزة ] المعروفة بزركشاتها وتنوع ألوانها وغلاظة خيوط صوفها . نعم ، كانت هذه القاضية محايدة الموقف متماسكة العواطف رابطة الجأش وهي تقابل متهماً هي إحدى من أقمنَ الدعوى الجزائية ضده . بقي قلبي يدق في إنتظار دراسة موقف وتعبيرات وجه القاضية الثالثة ( عشتار بابل ) .
كانت عشتار بين ـ بين ... وجه قمري من حيث الدورة لكنَّ ثغرها كان منطبقاً بصرامة وتصميم على أمر لا يخلو من قسوة وربما بعض نزعة إنتقام . قلت إنها بين ـ بين لإنها كانت أقل شراً من القاضية سهام من جهة ، وأقل إسرافاً في التحجب والتعمية إذ إكتفت بغطاء رأس أزرق سماوي اللون لم يغطِ جبهتها النورانية إذ بانت بعض خصلات شعرها فوق الجبين . هذه صورة المحكمة المثلثة الأركان أمامي متهماً بتهمة لا أعرف فحواها ولا تفصيلاتها ولم يجرِ تبليغي قبل المحكمة بضرورة تكليف محام ٍ يدافع ويرفع المظلمة عني . وقفت أمامهنَّ ـ وأنا جبان منذ طفولتي أمام النساء ـ كالأرنب المذعور أبتلع ريقي بين الفينة والفينة في إنتظار توجيه الإتهام لي رسمياً وتحديد المادة القانونية التي أُحاكم بموجبها وأنا لا أفهم القانون .
كنَّ يتشاورن همساً لا أسمعه بالطبع ثم تكلمت رئيسة الجلسة السيدة ( سهام ) . كانت شديدة التوتر وصوتها معبأ بغضب غريب وكانت النار أو ما يشبه النار يأتيني شواظها متطايراً مع كل حرف يخرج من بين شفتيها . كنت أحترق بنار القاضية الجميلة ثم بنار خوفي على مصيري كيف أُحاكم وأنا بريء ؟ وجهت لي تهماً لا من وجود حقيقي لها البتة . قالت إنك خائن متقلب متعدد الأركان تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول . خدعتني إذ أسميتني ( ربّة ً ) حيناً و( آلهة ً ) مراتٍ أُخرَ .
ولم يمضِ طويلُ وقتٍ حتى إكتشفتك تغازل غيري وتكتب لها وعنها وربما كذلك أطلقتَ في رسائلك الخاصة عليها لفظتي الربة والنبية كما كان ديدنك معي طوال عام تصرّمَ يا خائن يا جبان ويا متقلب ومعدوم الضمير . كانت تتكلم سهام ونيران جهنم في عينيها العسليتين وأصبع سبابتها متوتراً للحد الأقصى لا تكف عن توجيهه صوبي لكأنها لبؤة تروم إفتراسي .
بقيت رغم ذلك متماسكاً رابط الجأش لأني أعرف نفسي بريئاً ولديَّ الكثرة من الشهود يقفون مدافعين عني يؤكدون نزاهتي وعفة لساني وطيبة قلبي وسلامة نواياي . إسترخت ْ أخيراً حضرة القاضية ( سهام ) قليلاً بعد أنْ أفرغت شحنة كامل غضبها وحقدها عليَّ فأراحت ظهرها على مسند كرسيّها وأعطت الكلام للقاضية الثانية ( الحرباء ) التي كانت تتوسط هيئة المحكمة . رأيتهما في عمر واحد تقريباً فهل ترى ستهاجمني بذات العنف والقسوة كما فعلت زميلتها سهام ؟
سنرى . طلبتُ كأس ماء أبلل به ريقي الذي كان جافاً فأمرت رئيسة الجلسة به فأتاني . تكلمت القاضية الثانية بهدوء وعصب بارد وكانت تبدو خجولة أو متحفظة أو تعاني من صراع لسبب ما أو إنها ما كانت في الأساس منسجمة مع سهام وربما تغار منها أو تحسبها منافسة في عالم الأدب والقص لها . ثم كانت سهام حسب ذوق بعض الناس أكثر منها جمالاً وأشد إغراءً وأكثر تفتحاً وإنطلاقاً فهي لم تعرف في حياتها الحجاب ولمْ تمارس طقوس ومقتضيات الدين ولم تصمْ ولم تصل ِ فشتان بين هاتين القاضيتين نشأةً وتربيةً ومسلكاً .
بعد تفكير وتردد قالت إنها تؤيد حرفياً أقوال وإدعاءات القاضية زميلتها السيدة سهام ولم تضفْ شيئاً آخر . صُعقِتُ وكدتُ أسقط من الكرسي لفرط هلعي ووطأة ما وقع على رأسي من مفاجأة ما كنتُ أتوقعها إذْ كنت أتوسم في هذه الحرباية الحيادَ والموضوعية والكثير من النصفة وتحكيم الضمير لكنَّ المفاجآت تظل ُّ في حكم المفاجآت أبداً .
نكسّت رأسي خيبةً لا خجلاً وقد رأيتها تزيد النيران حطباً وتضاعف من إتقاد جمرات غضب سهام وتشحن جو المحكمة بشتى إنفعالات الغضب والضغينة والحقد على رجل بائس بريء كل ذنبه أنه تعبد لبعض ربات الجمال والإبداع في أزمان وأوقات مختلفة حسب الظروف والمناسبات ولم يخنْ أحداً في الزمن المرصود لإحداهن إنما أنصرف بالمطلق لواحدة فقط ولم يتخلَ عنها إلا بعد أنْ تخلت هي عنه أو أهملته أو إنشغلت بسواه . على كل حال ... وقع في الرأس ِ الفأسُ فلننتظر ماذا ستقول القاضية الثالثة عشتار وظني إنها ستنصفني لأني مثلها بابلي وإني عبدتها كباقي مواطني بابل وقدمت لها الأضاحي والقرابين وناديتها يا ربتي ويا آلهتي سوى أني إعتذرتُ عن ممارسة الجنس المقدس معها في معبدها بجوار شارع الموكب وقلت لها بصراحة قد مارسك آلاف الرجال قبلي فما حاجتك برجل عفيف نظيف القلب واليد واللسان مثلي ؟ ثم إني لا أرى فرقاً بين جنس مقدس وآخر غير مقدس فالجنس بين المرأة والرجل هو الجنس ذاته لا يترك أحدهما أثراً في النفس والجسد أقوى من أثر الآخر . سنرى .
تكلمت عشتارُ بابلَ وفي نبرة صوتها شئ من خوف حاولت تبديده بحركات عصبية من أنامل كفيها والعبث بقلم كان مطروحاً أمامها . قالت إنها لم تتعرف على المتهم إلا قبل بضعة أيام وليس لديها معلومات عن سلوكه مع الزميلتين القاضيتين صاحبتي الدعوى . ثم أضافت إنها تحس أو تعتقد أنَّ المتهم الماثل أمام هيئة الإدعاء رجل بريء تقي نقي سليم الطوية نبيل المقاصد وإني نفسي أشهد على صدقه وقوة شخصيته إذْ رفض ممارسة طقوس الجنس المقدس معي أنا عشتارُ ربة بابل والكاهنة المقدسة التي يدين لها الخلق جميعاً ولا يرفض دعوتها أحدٌ من رجال الكون إلا هذا العاصي النبيل الذي تتمناه كافة نساء وصبايا بابل وما جاور بابل من ممالك . أحتاج للمزيد من الوقت لإختباره وأرى هل سيخدعني كما فعل معكنَّ وهل سيسرف في كيل المديح والتعبد لي وتقديم قرابين الحب وأضحيات الأعياد البابلية وهي كثيرة في هذه الأيام .
بعد فترة إستراحة قصيرة أذِنت السيدة الرئيسة لي للدفاع عن نفسي فقمت خطيباً قائلاً : حضرات القاضيات القاسيات ... عفواً ... الفاتنات ... إني رجل بريء مما وجهتنَّ لي من إتهامات ما أنزل اللهُ بها من سلطان . أنا بينكن اليوم كما كان يوسف مع زليخا زوج عزيز مصر الفرعوني . هي التي راودته عن نفسه لكنه تعفف وإستعصم فكان جزاء عفته وعصمته السجن . لا عدالة في الحياة . سيداتي القاضيات القاسيات ... عفواً ... الفاتنات الآسرات ... هل تسمحن َّ لي أنْ أستفيض قليلاً في دفاعي ؟
أجبنَ جميعاً تفضلْ . أنت يا رئيسة المحكمة وصاحبة الدعوة الأولى ... بربك وبحق هُبلَ وبعل الكنعاني الذي كنت واحدةً من المتعبدين له في سالف الدهور ... قولي أمام جميع الحضور مَن ترك مَن ومن تخلى عمّن ؟ أنا العبد لله ولعشتار ربة مدينتي بابل كنت أحبك حقاً وتعبدتُ لك حقاً وحقيقة ً وسميتك ربتي وقديستي وآلهتي المعبودة ولم أزلَّ ولم أنحرف ولم أخنك أبداً وبقيتُ مواظباً على حبي وتعبدي وإخلاصي حتى توقفتِ أنت عن مراسلتي بدون سبب ظاهر بل وبدون إنذار أو إخطار أو تبرير فما عساك تتوقعين من عبد تابع تخليتِ فجأة ً عنه وربما بعتِ نفسك لسواه من الرجال ؟ إتهمتيني بالخيانة والتقلب والكذب ولم أكن كذلك في حياتي أبداً أبداً وضميري شاهدي . كانت القاضيات القاسيات في حالة إصغاء تام وذهول مما يسمعن من دفاع حار حقيقي .
قالت عشتار بابل واصلْ دفاعك فإنك واللهِ عندي لصادق وغيرك كاذب . تشجعت أكثر ففي المحكمة مَن يعاضدني ويقف معي رغم أني أنا المتهم المعرَّض للعقوبة .
وجهت وقد تنفستُ الصُعداء خطابي للقاضية الثانية التي ما كانت لتتوقف عن إصلاح حجابها وتثبيت دبابيسه ولملمة بعض شعر رأسها ولفلفة جسدها بالملاحف والبطانيات واللحفان رغم حرارة جو المحكمة . قلت لها بالله ِ عليك سيدتي وأنت المرأة المسلمة المتدينة المؤمنة كما أراك في الصور وأسمع عنك من بعض المعارف ... أنتِ سيدتي قولي لهيئة المحكمة هل إني كذبتُ عليك في أحد الأمور وهل خنتكِ مع أخرى غيرك من النبيات والربات وذوات القدسية ؟
أفلمْ أتفانَ في حبك وعبادتك وأسرف في نحر الأكباش والخرفان والبقر والجمال بين يديك وتحت قدميك ؟ أفلمْ أقدم لك أحلى ما في الدنيا من زهور وورود ورياحين وعطور ؟ أفلم أكتب فيك وعنك ما لم يكتبه فيكِ بشرٌ قبلي ؟ أفلمْ أخزّنْ صورك الجميلة في أجهزتي أمانةً في عنقي لا يصلها حتى هواء الحياة ؟ هل أفشيتُ سراً بيننا ؟ لِمَ إذا ً كل هذه التهم الجاهزة الباطلة الظالمة توجهينها لي بدل توجيهها لنفسك وقد توقفتِ دهراً عن مراسلتي وتوقفتِ عن قولك لي (( أُحبك )) أو (( أثيري )) أو
(( أحبك أكثر مما تتصور )) أو (( أحبك أكثر مما تحبني )) فأية آلهة أنتِ تتخلين عن رعاياك القانتين المخلصين المنقطعين لتبجيلك والتسبيح والدعاء لك والطواف نهاراً وليلاً حول كعبتك التي تعرفين وحول مقدساتك الأخرى . هل في صدرك بقية من إنصاف أو ضمير ؟ علام يبقى العبد مخلصاً إذا خان الرب ُّ وإنسحبَ من عالم الربوبية تاركاً عبده حائراً قلقاً يضرب الأخماس بالأسداس ؟ أليس من حق هذا العبد في هذه الحالة أن يسعى للعثور على آلهة وربة أخرى على الأرض فإنْ لم يجدها فسيبحث عنها في السماء نسخةً طبق الأصل من كوكب الزُهرة أونجمة الصباح أو فينوس أو دايانا فالربّات متشابهات كالأرباب تماماً !!
كانت القاضية الحرباء تهز ُّ رأسها موافقة ً على كل كلمة حق نطقتُ بها صادقاً أمام هيئة المحكمة . قالت الرئيسة هل لديك ما تضيف أو هل لديك شهود إثبات ؟ قلتُ أجل ، لديَّ ثلاث شاهدات ... إنفجرت القاضياتُ ضاحكات ٍ بأعلى أصواتهن َّ ثم طلبن مني إعادة ما قلت بنبرة أعلى فكررتُ قولي إنَّ لي ثلاث شاهداتٍ من النساء المبدعات من ثلاثة بلدان مختلفة فهل تقبلن شاهدتهن َّ ؟ قلن أجلْ نقبل ولكن لماذا شاهدات دفاع بدل شهود من الرجال ؟ قلت ذلك سؤال وجيه وجوابي عليه أنكنَّ أنتنَّ مثلهن إناث وما دام بعض بنات حوّاء من خصومي فلا بدَّ من الإستعانة ببنات حواء أخريات للوقوف معي ضدكنَّ والسم لا يدفعه إلا السم كما يقول الحكماء .
أنتن ّ ثلاث وشاهداتي ثلاث . قالت عشتار أذكرْ أسماءهنَّ للمحكمة فلربما إستغنينا عن شهاداتهنَّ إذا عرفناهن َّ وهل هنَّ من المشهود لهنَّ بالموضوعية ودقة الحكم ونصاعة صفحات حياتهنَّ . الأولى ـ قلتُ ـ هي الطبيبة المغربية الروائية والشاعرة السيدة فاتحة مرشيد . الثانية هي إبنة فلسطين الروائية المبدعة دينا سليم . أما ثالثة الأثافي فهي الروائية الجزائرية المعروفة السيدة ياسمينة صالح . وقفت القاضيات معاً وبشكل عفوي إجلالا ً لهؤلاء النسوة ثم جلسن وقلنَ لا تجشمهنَّ عناء الحضور ... سيرتهن تكفي وأسماؤهنَّ تغني عن شهاداتهن َّ بحق . إنصرفْ وكفَّ عن التعبد وتقديس الربات وعشق النبيات فذلك مضيعة لوقتك ولا يجلب لك إلا الخراب ووجع الرأس والقلب . إنصرفْ وإتعظ ْ ما إستطعتَ إلى ذلك سبيلا . عبدتَ ثلاث ربّات فماذا جنيتَ من عبادتك ؟
قلتُ قبل أن أغادر قاعة المحكمة : سأجرّب حبَّ وعبادة الآلهة الأخيرة ، عشتار بابل ، فهي مني وأنا منها وهي من لحمي ودمي وأنا كذلك منها فكلانا من بابل نتشارك في ماء فراته وفي تمور نخيله وهي متواضعة جداً جداً وتميل للصمت وقلة الكلام ولا تطلب من القرابين والهدايا إلا القليل منها . لذلك كله فسوف أنصرف لها وحدها وأتفانى في حبها وتقديس مكانتها في القلب والروح حتى تمل َّ هي مني وتنصرف لغيري وعند ذاك فقط أفكر في سواها من النبيات والربّات أو أن أُحيلَ نفسي عاشقا ً عابداً على التقاعد ... قبل أوان التقاعد !!
تركت المحكمة ألوك آخر كلماتي متسائلاً : تُرى ، إذا ما تقاعدتُ وعزفتُ عن ممارسة الحب والتعبد والتقديس فما سأصنع بباقي عمري وكيف سأقضي أوقاتي والزمن نفسه ثقيل المرور بطيء الحركة ؟ ما قيمة الحياة بدون حب ووله ٍ وجنون ومغامرات للكشف عن المجهول ؟ وهل ثمّة َ من معنى وطعم للحياة دون أنثى نحبها تربطنا بالحبل السرّي بأمنا الأولى حواء الجنة التي حُرمت منها بعد أنْ عصت أمرَ ربها ومارست الجنس غير المقدس مع أبينا آدم فحلّت عليهما وعلينا اللعنة حتى يوم الدين ؟؟ نحن البشر نتاج جنس محرَّم غير مقدّس .
يا عشتار بابل ! يا حبي الأخير ! هل تتقبلين نسكي وطوافي وحبي وعبادتي لك فأنتِ مني نسباً ولحماً ودماً وأنا البابليُ منك بكل ما تعرفين من مقاييس ؟ هل تصدقين إفتراءات وتلفيقات سهام والحرباء ؟

الأحد، يوليو 27، 2008

طلب ُ لمغفره

عيسى القنصل
سامحينى ..

قد تجاوزت ُ الحدودا ..

وامتطيت ُ الشوق حرفا ً

ابتغى منك المزيـــــدا

ليس حقى ..

كائنا من كنت ُ حيــــــا

ان ارى فى معصم ٍ من معصميك القيودا ..

كنت مخنوقا بشوقى ..

كان قلبى عمق صدرى ..

كتلة ً تدعى حديـــــــــــــــــــــــــــــــــــدا

فاعتذارى عن كلامى ..

كنت مجنونا ..بحلمى

ضائعا بالدرب مظلوما وحيــــــــــــــــدا

هاربا من ظل نفســــى

غارقا فى الحزن لا ابغى الوجــــــــــودا

كل ُ شى ء كان رعبــا

ظلمة ُ سادت ..فصارت خطوتى ..

سعيا وئيـــــــــــــــــــــدا

ان قلبى نهر حب ٍ

هاجت ُ الاشواق ُ فيّـــــــــــــــــــه

حطّمت منه الـســــــــــدودا

فاعذرينى ..لكلام ٍ

جاء عفوا ً ..لم اكن ابغى الحجودا

انت من اعطى حروفى نبضها ..

بعد ان نامت عصورا ..

دون ان تعطى الجديــــــــــــــــــدا

جئت مثل النور عمقى ...

صرت ِ للدم الوريـــــــــــــــــــــــدا


اننى اهواك صمتا ..وخضوعا وسجودا

فاعذرينى ...

واقبلى عذرى قصيـــــــــــــــــــــــــدا

لماذا لا نعيـــش جميعنا مع من نحب؟

علي جبر
لماذا نحب بصمـــت ؟

ليس بمقدورنا عندما نشتـــاق أن نراهم!!!

تطرأ ظروف الزمن ..

فتغير من واقع قلوبنا ..

تجعل كلٌ منا .. ينبض بإحساس مختلف .. بمشاعر مختلفة ..

تختلط علينا من حين إلى آخر ..

تحول ركوده إلى عاصفة ..

تحمل متغيرات عــــــــــــدة ..

يصبح يــــــــومــــه .. ليـــــس لأمسه ..


ولــيـلـــه ... لــيس كـنـهـــاره ..

لماذا فقط نحصـــل على الذكـــريات ؟

لمــاذا نبوح ثم نعانـــي من فراقـــهم؟

الفــــراق شي صعـــب جداَ

صعب أن تفـــارق شخص غطاه التـــراب

والأصعب أن تفـــارق شخـــص يعيش في هذه الدنيا ولكن لا تجده أمامك

تحــب .. تبــوح .. تشتـــاق .. تنتظــر اللقـــاء

.. ثم يأتي الفـــراق .. تظل الذكريـــات ..


تخنـــقك العبرة عندمـــا تمر أجمل اللحظات أمامك

في شريط مغلق لا يمكــــنك... تحديد إطاره


عندما يرحلون!!


.فترى أثار أقدامهم.. على التراب قد بقيت فتنظر إليها

وعينيك غارقة بالدمع!

فتجد قلبك قد تتبع أثارهم دون شعور!!



ثم لا تلبث قليلا إلا وجاءت تلك الرياح لتمحي أثار أقدمهم!!

انظر هنا وهناك أرى آثار أقدام ولكني لا أجد أحد!!!!



فتصبح بالنسبة لهم ذكرى .. قد فقدت أخبارهم ودونت في داخلك ألم رحيلهم000

ما أصعب.. الفراق وأمر طعمه

رغماً عنا جميعاً في تلك اللحظة.. تنفطر القلوب تدمع العيون


لأن الصديق أو الحبيب الذي تلجأ إليه

تركك لتبدأ العيش في هذه[ الدنيا وحيداً ] مهموما

يبدأ الألم والملل والأرق يعصر قلبك ...وأنت تحاول انتشاء نفسك


من هذه المصاعب ولكن ..لا تستطيع إلا بصعوبة ...!!

آآآهُـ ما أصعب الفراق!!!

عندما تبدأ الذكريات [ تجتاح مخيلتك ] تتذكر ذاك الصديق ذاك القريب

من نفسك وروحك

والأماكن كلها تشتاق


فتتردد عليك ضحكاته وصوته وحكاياته

عندها يبدأ الحزن من جديد .!!

والسؤال متى يتوقف؟

نعم فإن لحظات الحرمـــان علينا قاسية أجدها تحرق كل ما بداخلنا


وتجعله كرمـــاد على كلمات بائسة .. بل على أحاسيس ومشاعر أشبه بالميتة ..


فلحظاتي ودونهم أسقطها من حياتي ..
بل لا أجعل لها حساب في أيامي

ويظل كل ما بداخلي جاثم على ضفاف الذكرى التي جمعتني بهم فقط ..


آه

نعم سافرولم يعلم أنه عندما

رتب حقائبهـ ووضع جواز سفرهـ

أخذ معهـ أغلى ماأملكـ في زماني

أخـــــــــــــــــــــــــــــــــذ

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛قلبي ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
؛؛؛؛؛؛؛؛؛روحي ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
؛؛؛؛؛؛؛؛؛سعادتي؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
؛؛؛؛؛؛؛؛؛كلي ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

وما زالات خطاي تسير
وتسيــــــــــــــــــــر

فرايت الجميع غادر

لأصبح بلا نفس ولا حراك

و في جمود ؛؛؛؛؛

وجسد يفتقد الروح

وإلى الآن وأنا ...أنتظر


على ضفاف الذكرى

وأختم بهذا الوجع !!!

أيهــــا الأمـــل

البـــازغ كالفجــــر الجديـــــد

وكمـــــن...

يغزل الحريـــر...

شرا يينا في القلب الممزق..


يبعـــث للشاطــئ

نسيم الأمــــان..


يرســل رسائــــل عشـــق...

لمغتـــرب...

ضـــــاق بقلبــــــه المكــــــان...

يبــث خبـــر الإفـــراج...

لسجين العمـــر...

ذلكــ الـذي طـرق كـل الأبــــواب...

... ولــم تكـــن أبــــــــــــواب... !!!

أعاقبك لأني أحبك

ليلى البلوشي
لست مع الذين يعاقبون أعداءهم ، ويتشغفون الفرص للنيل منهم بشراسة آكلي لحوم البشر مع بني جلدتهم .. ولأنه على رأي " نيتشه " : (حذار من مقاتلة عدوك الشرس ؛ لئلا تكون أشرس منه حين تتغلب عليه ) أضيفوا عليه قول شاعرنا العربي :
اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله ** فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
لذا صنعت قناعة في ذاتي أن لا أتعارك مع أعدائي مطلقا .. كيفما كانوا وأينما أضحى عتادهم مني ؛ كي لا أورِّث نفسي وحشيتهم الطاغية محتفظة حتى آخر رمق بالبراءة في داخلي .. غير أنني وبشدة مع معاقبة الذين نحبهم بصدق وعمق ؛ لأن امتدادهم عبر شراييننا الدموية الدافقة بهم كان أغور مما يمكن قياسه أو حتى تصوره بأدق مجاهر هذا القرن دقة وتقنية ..!
طافحين بأمان هناك حيث مساحات وفائنا الروحي لهم .. وعليه وجدت لذة خارقة في معاقبة إحدى صديقاتي .. اللاتي لهن منزلة شامخة في طيات روحي .. فجفاءها قدحا من الزمن ومض وجع الحزن في أيامي المتبقية دونها ، وأهمّ الصداقة الوثيقة التي كانت حبائلها ممتدة بيننا .. ولما كان يوما مشمسا من أيام يوليو أدهشني على حين فجأة رقمها .. وكانت المسافة بيني والهاتف فاصلة بحيث حاجز اهتزازاته عن مسمع أذنيّ ؛ لذا ظل رقمها يضيء بلا مجيب على شاشة هاتفي .. ولما أعياها ردي .. بَعثتْ رسالة ملفوفة كباقة برقة أنثى حديثة العهد بالصداقة شبيهة برسائل المحبين المراهقين .. وكأن بكبرياء البعد المتراخي بيننا مدّ عنادي قليلا فوق مستوى لهفتي بها ومهاتفتها فإذا بي أفسح الوقت متسعا في الرد عليها .. فهاتفت مضمخة بالفرح عوضا عنها صديقة أخرى ولما تناهى بيننا الكلام حتى شارف نهايته .. أخبرتني بأن صديقتنا المغضوب عليها هاتفتها البارحة فأنزلت عليها عتابا حارا شغف جوفها حسرة وتأنيبا عن تقصيرها في وصالنا معا .. وإذ ذاك أدركت بعد أن أخذني الإحباط مأخذه أن إلحاح اتصالها كان نتيجة ما تلقته من صفعة مؤلمة من قبضة صديقتي هذه .. ! فرقص الشيطان الرجيم في فكري .. وتلبسني مسه المجنون .. ولأن النسيان حرفة يتقنها المهملون فقط ؛ هكذا أطل عتابي في رسالة قصيرة منفوخة جمرة حنقي وإن كنت في داخلي أعلم أن نوعا من العبث ما كنت أنا فاعله .. وظل عتبي هذا يفاجئها لمدة أسبوع كامل ببهرجة الرسائل الكوابيسية التي تقض مضجع الجن قبل الإنس وتنذر الكبير قبل الصغير .. بمضامين موجعة جدا عن الفراق والخيانة وتفشي عرى الصداقة بيننا .. وغرني الشيطان الذي زين خطتي بجنهم التعذيب والتأنيب .. محتفية مع كل رسالة متفجرة بعبث أغراني بمزيد من الويل .. لكن العبث الذي تغلب عليه الجد في النهاية حرك شجوني هو أن الذين نحبهم لابد من معاقبتهم كلما تراخت مساحات النأي بيننا مهددة ؛ لأن الذي نحبه ليس من حقه أن يختار قدر النأي عنا بعد أن أغرانا بفضائله وعلقّنا بشموخ نقائه .. فبجفوته يحرم علينا مصافحة نعاته الجميلة التي طالما بهرنا بها فيه .. ولطالما طفنا حولها هائمين كالنحلة وهي تلثم عبق أريجها .. متلذذة وفرحة في آن ..
ولأن الذين نحبهم .. بهم افترشنا الدرب الصعب زهرا فواحا .. وبهم كانت أيامنا حية .. تتخللها لحظات حلوة كمذاق الكرز .. نقية ببياض أحاسيسهم الحميمة .. ولأن الذين نحبهم هم من بذروا فينا شجرة الوفاء الحقيقي .. ولذة عتب اللذيذ في زوبعة الخصام ... وهم من علمنا أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا وحيدا دون أن يشاطره أحد ما همساته ويشاغبه جنونه .. يحتفي مع أفراحه وينغص لأتراحه .. هائمين يدا بيد ونبضا بنبض .. رفيقين يعانق جبينهم شمس الصداقة الحقة وآثارهم معا على رصيف الوصال الأبدي لا يمحوه زهايمر الزمن في سرمدية الآتي..
وإذا بصديقتي يملأها العقاب خلقا جديدا في فضائل الصداقة .. وعبرة أن العهد الذي يكون بين الرفقاء ليس من حق أحد الطرفين المتعاهدين عليه مذ البدء أن يُعري شفافيته ويهتك بكارة وفائه .. وإذ ذاك عاد الود ما بيننا على ما كان بل زاد حبتي مسك ..
و شاعرنا المجهول يطوق كلينا بنظمه الشجي :
( نحن / أنا وأنت / مثل إبرتي ورق صنوبر / تجفّان / تسقطان / لكن لا تفترقان أبدا ً )

لكن ................. ، بالله عليكم .. هل لي بحل ناجع يكفني إزعاجها اليومي لي ..؟!

Lailal222@hotmail.com



متى يكف ُّ عن النعيقِ؟

د. عدنان الظاهر

من هو هذا الناعق البائس ؟ سينكشف للقارئ الكريم على الفور !
إستفزني مقال قرأته له قبل فترة ليست بعيدة في أحد المواقع حين كنتُ في بلد آخر فلم أستطع الرد أو التعليق عليه . عنوان مقاله ذاك هو ( بؤس سجال المثقفين العراقيين ) . أسس مقاله على ما كان يدور من نقاشات وشجارات حامية الوطيس بين الأطراف العراقية المختلفة في المعتقدات بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 . طبعاً كان الرجلُ هذا محقاً فيما قال بهذا الخصوص ولكن ما كان دقيقاً حيث ربط ذلك بالثورة ، لماذا ؟ لأنَّ الخلافات العميقة بين أربعة أطراف عراقية في الأقل كانت معروفة قبل الثورة وقديمة جداً .
الأطراف الأربعة هي : الشيوعيون والقوميون والبعثيون ثم الإخوان المسلمون . أتذكر جيداً كيف كانت الخلافات بين الطلبة في الكليات في العهد الملكي وخاصة في مواسم إنتخابات إتحاد الطلبة لكنها كانت تسوّى بأساليب توافقية ودية دون عراك بالأيدي . ما وجه إعتراضي على عنوان مقال الأستاذ ؟ إعتراضي عليه من باب آخر لا علاقة له بمثل هذه الخلافات بين أطراف الحركة الوطنية العراقية سواء قبل أو بعد ثورة تموز وكان هو أحد فرسانها بكثرة ما نشر وحاضر وإدعى وتهاتر . أعترض عليه في أمر تسميته لما يدور الآن من نقاشات وكتابات وكتابات مضادة في شتى مواقع الإنترنت أو على صفحات بعض الجرائد ب [ بؤس سجال المثقفين العراقيين ... ] .
هل يسمح لي أن أسأله : كيف كان شكل أو طبيعة سجالك يا سيد مع باقي رفاقك في قمة قيادة الحزب الشيوعي العراقي قبل وأثناء وبعد إنشقاقك الخطير عن الحزب ؟ أفلم يكن ذاك السجال شديد البؤس خطير النتائج ؟ هل مارست سجالاً فكريا ً ثرا ً وثرياً بعيداً عن البؤس والمهاترات ؟ أفلم تخنْ مرتين الأولى في دقك إسفيناً شديد الخطورة في يافوخ الحزب الشيوعي ؟ وكانت خيانتك الثانية في إنهيارك المشين وكشفك أسرار تنظيمك وتخليك عن الرهط الذي تبعك في مغامرتك إذ أظهرك البعثيون على شاشة التلفزيون ذليلاً بائساً خانعاً أسودَ الوجه من عارك ؟ لِمَ إذا ً لا تترك السياسة اليوم وقد سبق وأن تخليتَ أنتَ عنها وتنازلت عن شرفك الشخصي والسياسي ؟
أنصحك يا سيد أن تترك الخوض في السياسة وقد تخلفتَ كثيراً عنها وأن تنصرف للأدب والترجمة فعلمي أنَّ إختصاصك في دار المعلمين العالية هو الأدب الإنجليزي . أتدري لماذا أنصحك بالتخلي عن السياسة ؟ لأنك وكنت قد ملأتَ الدنيا في أغلب سنوات عمرك ضجيجاً تسب أمريكا والإستعمار والإمبرالية لكنك اليوم وبقدرة قادر إصطففتَ مع مجموعة المتأمركين الجُدد مُسرِفاً في عبادتك لأمريكا عرّاباً وبوقَ شؤم للإحتلال الذي تسميه تحريراً . بل وأفظع من ذلك : دفاعك الحار وتنظيرك البائس المٌشين للإحتلال الأمريكي للعراق طويل الأمد وللقواعد العسكرية الأمريكية التي تنوي أن تقيمها حكومة بوش على أرض العراق .
كيف إنقلبتَ ودرتَ حول نفسك بمقدار 180 درجة ؟ أهي بقايا تأثيرات الوظيفة التي تقلدتها ممثلاً لحكم البعث في اليونسكو ؟ لقد سامحك من سامحك على سقوطك المروّع ذاك ونسي مَن نسيَ سخامَ وجهك لكنك تأبى إلا الطفوّ على سطوح السياسة و { ماء الكروش } لتغسل بعض عارك على ما يبدو ولكن بماء غسيل قذر متعفن آسن ... ماء التطبيل والتزمير والترويج للإحتلال الأمريكي ولقواعده العسكرية . لعلمك أيها السيد : كان الشاعر المرحوم عبد الوهاب البياتي كثير الحقد عليك وكان يحتقرك ويسميك
( رأس البصل ) . كان ذلك أوائل ستينيات القرن الماضي وكنتُ حينذاك في موسكو وأظنك كذلك كنتَ هناك خلال تلكم السنين . كنتُ أدافع عنك بحرارة وكنت أفسّر تهجمات البياتي عليك بأنه يغار منك إذ صعدتَ أنتَ صعوداً خيالياً في عالم السياسة بينما ظل البياتي حتى وقتذاك كالمغمور المعزول في موسكو والمغضوب عليه كما كان هو يعتقد . ثم كنتما زملاءَ جيل واحد ٍ في دار المعلمين العالية على ما أحسب .
الآن وضُح لي أني كنتُ على خطأ في دفاعي عنك وأنَّ البياتي كان على صواب وإنه كان أدرى بك مني ومن سوايَّ . كان يعرف حقيقة معدنك وجذور الإستعداد للخيانة فيك وقد خنتَ مرتين كما بينتُ في أعلاه .
أنصحك أن تتعظ بنموذج رفيقك السابق مالك سيف إذ طلّق السياسة بعد أنْ إنهار وخان . نعم ، أمامك طريق الأدب وأنت مثقف وأديب وكاتب جيد وتتقن الإنجليزية فإنصرفْ للأدب والترجمة وتخلَ عن السياسة فلم تعدْ أنتَ تليق بها ولم تعدْ هي تليق بك .
مع إعتذاري لأنني أعترف أني من ذوي السجالات التي لا تخلو من عنف وأحسد جماعة المتأمريكين الجُدد فأعصابهم جدَّ باردة لا لأنهم مؤدبون ولكن ْ لأنَّ طبيعتهم في الأصل باردة ... شديدة البرودة ... هكذا خرجوا من بطون أمهاتهم !!

الجمعة، يوليو 25، 2008

الحُلْم

محمـد محمد علي جنيـدي

نِمْتُ يَوْماً مُسْتَرِيحاً
حَامِداً رَبِّي مَسَاءً
فَرَأيْتُ الْلَيْلَ نُوراً وَصَفَاءً
وَأنَا أعْلُو وَأعْلُو
ثُمَّ صَارَ الْكَوْنُ
في عَيْنِي اسْتِوَاءً
قُمْ بِتَصْدِيقِي صَدِيقِي
إنَّ قَوْلِي
لَيْسَ غِشّاً وَافْتِرَاءً
بَيْدَ أنِّي
لَيْسَ لِي رَكْبٌ وَمَالٌ
أوْ جَوَازٌ
أمْتَطِيهِ في رِحَالِي
هَكَذَا أمْضَيْتُ نَوْمِي
طَائِراً نَحْوَ الْمُحَالِ
أرْتَدِي حُلْمِي وَأدْنُو
مِنْ سُهُولٍ مِنْ جِبَالٍ
فَتَمَنَّيْتُ الْمَدِينَة
يَا حَبِيبِي
يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُ
مِنْ بَعِيدٍ مِنْ قَرِيبٍ
تَارِكاً هَمِّي وَحُزْنِي
حَامِلاً شَوْقاً رَطِيباً
هَا هُنَا نُورٌ وَطِيبٌ
هَا هُنَا يَحْلُو نَصِيبِي
فَارْوِ أشْوَاقِي الْحَزِينَة
ثُمَّ طِرْتُ
لَسْتُ أدْرِي
أيْنَ يَمْضِي بِي حَنِينِي
يَا رِكَابَ الْحُبِّ مَهْلاً
إنَّ شَوْقِي لَيْسَ سَهْلاً
هَذِه الْكَعْبَةُ تَدْنُو
مِنْ عُيُونِي
يَا لَسَعْيِ الذَّاكِرِينَا
وَطَوَافِ الْقَاصِدِينَا
هَا هُنَا طُهْرٌ وَمَاءٌ
وَاقْتِرَابٌ وَشِفَاءٌ
يَا رِكَابَ الْحُبِّ مَهْلا ً
إنَّ شَوْقِي لَيْسَ سَهْلاً
وَانْزِلِينِي
وَاتْرُكِينِي
لَحْظَةً أنْجُو بِدِينِي
يَنْجَلِي حُزْنُ الْلَيَالِي
وَارْتَوِي شَهْدَ الْوِصَالِ
بَيْدَ أنِّي
في ارْتِحَالِي
وَحَنِينِي وَابْتِهَالِي
كُنْتُ قَدْ أنْهَيْتُ حُلْمِي
رَاضِياً وَطَابَ نَوْمِي
مَرْحَباً
يَا شَمْسَ يَوْمِي

مع اعادة دفن رفات الشهيدة الشابة: سناء يوسف محيدلي



د.ابراهيم عباس نَتــّو
عميد سابق في جامعة البترول-السعودية


كنت قد قمتُ في ربيع 1985م بنشر الأبيات التالية عن فتاة لبنان..فتاة العروبة/ سناء يوسف محيدلي حين حدوث استشهادها الذي كان -وقتها- رائداً و مفاجئة كبرى:--ا

سناء
سما السعدُ، و اشرأبَ "السناءُ"
و استشهدتْ، و حُق لها الهناءُ

بـِنتُ المحيدل..لا سكنت لها رئة ٌ
و لا خبا لها في التاريخ انباءُ

يا بنت يوسف..بالروضات تهنئة
يا فخر (عامل) ولهاناَ و جذلانا

لما تثاقل في تعداده الرجلُ
قمتِ -الفتاة- و اشعلتينها نارا

حطـّمتِ في قِمم العـِدا عـَلماًَ
فانسالت النارُ احماماً و بركانا

و رفعتِ في رأس الوَرى عـَلماً
و كان يركله العادون ازمانا!


و لما قرأها د.غازي القصيبي منشورة في المنامة، قام بمعارضتها بالأبيات التالية:

بنت المحيدل..اجلالاً و تهنئة ً
يا فخر لبنان ولهاناً و جذلانا

لما تثاقل عن خوض الوغى رجلٌ
اشعلتها يا فتاة المجد نيرانا

رفعت فوق العلا عند السما علماً
يفجر الثأر في الأضلاع بركانا

رفعت يعرب من اوحال ذلته
و كان مزقه العدوان ازمانا.
=====

الخميس، يوليو 24، 2008

فريسة الموت

مفيد نبزو
فجع الشاعر مفيد نبزو يوم السبت الموافق 19/7/ 2008 / بوفاة صهره زوج أخته الأستاذ يوسف مخول زحلوق بحادث سير مروِّع،
وكانت وفاته صاعقةً على كل عارفيه، وعارفي أخلاقه ومثاليته، والعطاء الذي تفانى كل حياته فيه.

شربل وليلى بعيني وأسرة مجلة ليلى تتقدم من عائلة الفقيد ومن الشاعر الصديق مفيد نبزو بأحر التعازي راجين الله أن يسكنه فسيح جناته وان يلهمهم الصبر والسلوان.. ونترككم مع دمعة مفيد نبزو الشعرية:

فقدتُ بك الشمائلَ والطباعا
وطيبَ الورد منك اليوم ضاعا
رحيلٌ فجأةً، والكأسُ مرٌّ
لذلك لم تعد تكفي : وداعا
بكينا والقلوبُ بكتْ وناحتْ
ونار الحزن تزداد التياعا
فقد كنت العطاء ،وفيك نبلٌ
وعشت العمر كداً واقتناعا
أتقضي في طريق الأرض نحباً؟!
وعمرك لم تكن تشكو الصداعا
فنعم رسالةً قد كنت فيها
مع الأجيال لطفاً واتضاعا
وبئس حوادثٌ تقضي وتمضي
وأرضٌ تبلع الدنيا ابتلاعا
فريسةُ ميتةٍ؟!وتموتُ خطفاً؟!
لوحشٍ مجرمٍ يهوي سراعا؟!
فروَّعنا وزلزل كل قلبٍ
وشاب الرأسُ حزناً وارتياعا
أيا أسفي عليك أبا وسامٍ
فركنُ الصبر بعدك قد تداعى
ويا أسفي عليك أبا وسامٍ
لقد أبكيتَ في كفي اليراعا
ستلقى في النعيم اليومَ مثوى
فنمْ ، وانعمْ سلاماً واتساعا.
*المطبخ الثقافي*

نيسان ام نسيان ؟

سامي العامري
----------------
يا مَولدي
ولقد عرفتَ الآن خَطْبي
لا لستُ مجنوناً لأبكيَ فَقْدَ حُبي !
وانا قتيلُ مشاعري
فَجري وخيري والنقاءِ فصرتُ حين أذيعُها
أحيا
كمَن يحيا برعبِ !!!
والوردُ يرمشُ فيكِ عنٍ بعدٍ وقربِ !
نيسانُ ام نسيانْ ؟
ام غفوةٌ تاقتْ الى إنسانْ !؟
للصامتين وهم اذا صمتوا
فألفِ كمانْ !؟
انا حضنكَ الوهّاجُ بالعبق المسافر والنبيذْ
وبِذِكْركَ الحاني وبالأشواق والشكِّ اللذيذْ !
مَن لي بتَهْلُكةٍ كلَيلِكَ أشتهيها
وكما إزاركَ أرتديها ؟
إنْ ينكثِ الأصحابُ في العَلَنِ الوعودَ فَهُمْ كذلك دائماً
وانا لذلك مثلما قد ذبتُ فيكَ
أذوبُ فيها !
كم أشكلتْ تلك القلوبُ على مداراتٍ لعطرِ ؟
وعواصفُ اصطفَّتْ لتنفضَ كالرداء مياهَ بَحري
يامِن اذا بعدتْ فنورسةٌ
وإنْ قربتْ فزورقْ
إياكِ أعشقْ !
إياكِ أدعوا حيثُ موتي فيكِ أرفَقْ
ودعوتهم , والنارُ في غربٍ وشرقِ
نارٌ هو الحبُّ الذي في خاطري
نارٌ ,
اذا أدعوهمُ لِلَهيبها
فَلِكَي أُنيرَ فضاءَهم
أمّا انا
فَيَلذُّ ليْ في النار حَرقي !
--------------
alamiri84@yahoo.de


حوار رومانسي مع عشتار بابل

د. عدنان الظاهر

هل أزور مدينة الحلة في بابل خصيصاً لأنفذ دعوة السيدة عشتار آلهة الحب والعطاء والتناسل والجسد ؟ وما المانع ؟ الأوضاع هادئة كما يُشاع والأمن مستتب والماء الصافي جارٍ في دجلة والفرات والكهرباء لا ينقطع إلا لخمس عشرة ساعة في اليوم ! توكلْ وسافرْ فمطار النجف تحت الخدمة تديره شركة كويتية فماذا تريد أكثر من هذا يا رجل ؟ فكرت في الأمر بكل جدية وقلت لنفسي إنها قد تكون فرصة العمر الأخيرة التي أرى فيها بقية أهلي وأن أمتع ناظري برؤية مدينة الحلة ونهرها الخالد وبساتينها وشوراعها وحديقة الجبل وما كنتُ أرتاد من مقاهٍ وملاعب زمنَ الطفولة والصبا والشباب . نعم ، إنها مناسبة لا تتكرر فبادرها يا رجل ولا تكن مغفلاً عبيطاً . ثم إنَّ عشتار بابل هي التي وجهت الدعوة لك فمن يضاهيها ومن يدانيها مرتبة ً وهيبة ً وجمالاً وهي أم وربة الجميع تماماً مثل ملكات النحل ؟ قبلتُ الدعوة رسمياً فوجهت لها رسالة بالبريد الألكتروني أُعرب لها فيها عن قبولي لدعوتها ورجوتها أن تكون في إنتظاري قربَ بوابة عشتار في مدخل شارع الموكب شرطَ أنْ لا تصطحبَ معها فرقة شرف عسكرية مع طبول وأبواق كما تقتضي مراسم إستقبال كبار الضيوف . قلت لها لا [[ فائدة ]] في مثل هذه البروتوكولات التي لا أهواها أبداً . قلت لها إنما [[ الفائدة ]] كل الفائدة فيك وفي حرارة إستقبالك لي ضيفاً عزيزاً يأتيك من آخر الدنيا حاملاً لكِ البشرى الكبرى وسوف لن يكلفك مكوثي في ضيافتك إلا حفنة من التمر( المكتوم ) الجامد بنوعيه القديم المغلف بأكياس النايلون والآخر الطري من قُطاف هذا الموسم . لم تعلّق عشتار الربة أو الآلهة على شروطي وأنا أعرفها قليلة الكلام إلى حد البخل وإنها تُعطي ولا تمنُّ تمنح ولا تفصح ُ تتحرك دونما ضجة تتكلم دون صوت . هذه هي ربة الجميع وآلهة الجميع في بابل . كنتُ أعرف أنَّ في بساتينها على ضفة نهر الفرات الكثير من نخيل تمور ( المكتوم ) الفائق الجودة وكان المكتوم تمرها المفضل الذي لا تفارقه لا صيفاً ولا شتاءً .
وصلت بوابة عشتار ممتطياً صهوة جوادٍ أدهم بلجام ذهب يقوده أحد عبيد قصور عشتار فوجدتُ الربة واقفة ً في إنتظاري تحيط بها مجموعة من جواريها الحسان من كل ملة ونحلة وشعب . ما أن ترجلتُ حتى شرعن بالغناء ودق الدفوف وتناوبن الرقص ونثرن على رأسي أجمل ورود بابل
وأغرقنني بنفيس عطور فارس والصين والهند حتى كدتُ أختنق . همستُ في أُذن عشتار { رأيت فيها وجه حبيبتي } أنْ لا حاجة َ لي بكل هذه المظاهر التكريمية والضوضاء أساساً تزعجني وتكدر مزاجي وإني لا أحب من العطور إلا ذاك الذي تستعمله حبيبتي القديمة الحلاوية التي تتجدد وتتناسخ كل عام وتبدل إسمها مع كل تجدد وعملية إستنساخ . قالت مندهشة : وما إسم حبيبتك في هذا العام ؟ قلت إنما ذلك سر بل وسر الأسرار ، لا يعرفه ولا يفقه أمره إلا رب العالمين . قالت وهل رتبت لقاءً بينك وبينها ؟ قلت نعم ، قد رتبنا مثل هذا اللقاء الأسطوري الذي لا يتوقعه ولا يدرك سره حتى علماء الأنواء الجوية وسحرة بابل أحفاد الملكين هاروتَ وماروتَ والكلدانيون المختصون بقراءة الحدثان وأخبار النجوم وكبار المجوس من مستشاري ملك بابل نبوخذنصر . غمزتني بعينها بغنج ودلال إغوائيين ثم قالت : أهكذا تعز عليَّ بعض أسرارك وأنا كما تعلم مَن أنا ... أنا الربة عشتار وأنا آلهة الجنس والحب والتناسل ألا تطمح مني في أن أبارك حبك هذا وأسعى إلى أن يتحول بالزواج إلى وسيلة للتكاثر وإدامة النسل على الأرض ؟ قلت بلى ، وإني لكثير الطموح . قالت هيا إذاً أقدمْ وتزوجْ وسأكون أنا الربة شاهدة زواجك وشريكة ليلتك الأولى كما تقتضي أعراف بابل . أنا سأنجب منك قبل حبيبتك هذا هو شرط شهادتي ومنحكما بركتي وإطالة عمركما وتكثير نسلكما . لم نكد نصل قبة عرشها حتى حثتني على الكلام إذ رأتني صامتاً كثير التفكير . قالت ما بالك أغرقت نفسك في بحر الظلمات وعلام مسحة الحزن هذه طغت على وجهك ؟ لا أستطيع البوح يا ربة ، أجبتها . ما الذي يمنعك من أن تبوح ؟ قلت بعد تردد طويل : هناك موانع كثيرة تحول بيني وبين الزواج من الحبيبة . قالت هيا أفصحْ ، عددْ هذه الموانع ... هيا هيا لا تخف فأنت ما زلتَ ذلك الرجل الصريح الجريء . يا عشتار المرأة أولاً والربة ثانياً ، لا أعرف موقف أبيها من موضوع زواجها وهل أمورها لم تزل بيده أم إنها مستقلة الشخصية والقرار ؟ هل يسمح اهلها لها بمغادرة بابل للإلتحاق بحبيبها ؟ وأخيراً ماذا عن العمر يا عشتروت سومر وبابل ؟ قالت ماذا تقصد ؟ أقصد أن فارق العمر بيننا قرابة ربع قرن . أطرقت عشتار قليلاً ثم رفعت رأسها إلى الأعلى وقالت : ربع قرن من الزمن فارق مقبول بالنسبة لعمرها الحالي . إنتبهتُ وأصغيتُ أكثر لقول عشتار . قرّبتُ أذني منها وفتحت حدقتي عينيَّ أكثر فلاحظت إهتمامي بهذا الأمر . تبسّمت ، حركت رأسها للأعلى والأسفل ثم قالت : هل أُفشي لك سراً لا يعرفه في بابلَ غيري ؟ هيا هيا ولا تتأخري رجاءً ، قلتُ . إنها بلغت السابعة والأربعين من العمر !! كدت أن أطير من فرحتي الغامرة فطلبت منها أن تستدعي على عجل جوقة المغنيات والعازفات والراقصين والراقصات فأمرت على الفور . قادتني من ذراعي فتمشينا في شارع الموكب نشاوى أشباه سكارى خلف مجموعات الطرب يتوسطهم راقص الحلة القديم الشهير المدعو (( حميدي الشعّار )) وضارب الطبل (( أبو العبد )) والمغنية الغجرية (( وحيدة خليل )) وجوقة صغيرة أخرى من راقصي ومغني
(( الهجع )) و (( الحسجة )) . هذا حفل عرسك الحقيقي، قالت عشتار. كنتُ غائباً عنها تماماً . كنت أسيح وحيداً في ( الصوب الصغير ) من الحلة قريباً من شاطئ النهر لعلي أرى شبح من أهوى في حديقة منزلها أو تتمشى مثلي على ساحل النهر أو تخرج لزيارة جارتها كما قال ناظم الغزالي في بعض أغانيه (( طالعة من بيت أبوها / رايحة لبيت الجيرانْ / فات ما سلّم عليَّ / يمكن الحلو زعلانْ )) . هزتني عنيفاً عشتار من كتفي قائلةً أفقْ يا حالم ويا نائم ، أفقْ فلم يتبقَ من سواد ليلتنا إلا القليل . جهزت لك كل هذا النعيم والطرب والأبهة ومظاهر الترحيب وأنت لاهٍ بسوايَ منصرفٌ لها عني . أما وللهِ إنك لجاحد لا تعترف بالجميل ثم إنك لستَ << جنتلمان >> حيث أهملتني إمرأة ً لا أقل فتنة وسحراً عن سيدة أحلامك ... دعنا نقضي الليلة معاً في قبة عرشي ونمارس الجنس المقدس لعلي أنجب منك ولداً يشبهك وجهاً وقواماً وجاذبيةً وذكاءً . ظلت تتكلم عشتار وبقيتُ أنا سارحاً بعيداً عنها أحوم حول دار الحبيبة مردداً قول الشاعر :

مررتُ على الديارِ ديارِ ليلى
أثقبّلُ ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الديارِ شغفنَ قلبي
ولكنْ حب َّ مَن سكنَ الديارا

كانت الخبيثة عشتار تسمعني وتلتقط أفكاري وهواجسي بأجهزتها السرية اللاقطة الخاصة ... خبيرة مدربة كأي عنصر أمن أو مخابرات لا تخفى عليها خافية . فقد عرفت عمر حبيبتي الحقيقي دون أن أعرفه وكشفته لي من باب الغيرة والوقيعة لا تعاطفاً معي في محنة حبي ولا هم يحزنون .
كررت دعوتها لقضاء الليلة معها إذ ـ قالت ـ لا بدَّ من مضاجعة زائر بابل حسب نواميسنا وتقاليدنا وأوامر الملك نبوخذ نصر وربه مردوخ الكبير . تعالَ ما دمتَ في بابل ومارسْ معي الجنس المقدس فأنا الربة عشتار أنا مليكة النساء أنا مليكة خلايا نحل العسل طراً فما حاجتك للإقتران بحبيبة قلبك التي دنت كثيراً من سن اليأس ؟ فككت ذراعي من كف عشتار الفولاذي ، بصقت في وجهها ثم صفعتها صفعتين قويتين فتهاوت على أرض بابل باكية ً مولولةً تلطم وجهها وتخمشه بأظافرها وتصرخ عالياً : لم يسبني ولم يضربني قبلك بين الرجال أحد ٌ إلا جلجامش وصديقه أنكيدو في وركاء سومر. وجلجامش مثلك طردني ورفض الزواج مني وقال لي إنك قربة مثقوبة ودار بلا أبواب وجدران وموقد ليس فيه نار في الشتاء.
أخذت طريقي على شارع الحلة ـ بغداد وسط ظلام دامس أهذي مع نفسي هامساً حيناً وبصوت مسموع أحيانا أخرى . لا أعرف ماذا كنت أقول سوى شعور عميق بالحسرة والغصة أني لم أرَ حبيبتي في بابل وأنَّ من دعتني لزيارتها حاولت إغوائي وصرفي عن حبي الحقيقي الأخير ثم تطاولت فأساءت لحبيبة ربي وقلبي فكيف ومتى أعتذر للحبيب وهل من {{ فائدة }} في لقاء يجمعنا ولو في عالم الأحلام :

يا ندامايَ فؤادي عندكم ْ
ما فعلتمْ بفؤادي يا ندامى

إنْ تناءتْ دارُنا عن داركمْ
أذكروا العهدَ وزورونا مناما .

أوامر امرأة متوحشة


أشرف الخريبي
الإشارة رقم 1 من دجلة إلى دجلة 1
يتم وضع بيرقا لتميز مدفع المربد الأول..حول
بيرق أحمر على المدفع الأول... حَول علم...حَول
طاقم المدفع الأول يستعد
-حاضر يا أفندم
تسمع وقع الإقدام كأن الأرض ستنفجر وهم يصيحون في صوت واحد
آه لو تتركين شاشة الكمبيوتر وهذه الحروف الممضوغة تحت رهافة أصابعك وألمح عيونك كي لا أغار من هذا المسمى كمبيوترز ولا أستطيع أن أجمع مشاعري كي أكون متحضرا بما يكفى 11، 23، 13،
وتقولين حاضر.............
فإنما أنا رجل متوحش.. أدافع عن نزار قباني وعن امرأته الغبية في كل القصائد, أدافع عنى وعنك أمامي في هذا الليل البارد الملتحف بغربة غريبة أتمنى أن آخذك في حضني - سأفعلها الآن....
كنت مدفوسا بينهم. في السيارة البيجاسو الروسي الكبيرة شيء فشيء تخف حدة الأشياء وثلاثون رجلا يسيرون باتجاه صحراء غامضة،كان يوم الضرب النهائي. وكنت مستعدا استعدادا تاما لألقى كل ما أكلت في جوفي إلا أن أوداجه المنتفخة و سترته الكاكى اللعينة و قفاها المشدود على أخره منعا أي تسرب ولا حتى مجرد زفير طويل محبوس منذ زمن، نزلنا بسرعة وأخذ كل منا موقعه / رقم 4 جاهز، رقم 5 جاهز، رقم 6 جاهز، رقم 7
صح. بيرق أحمر على مدفع المربد الأول..صح .. حَول. الإشارة رقم 2 من فهد 1 إلى فهد 2.. الاتجاه الرئيسي للضرب .. حَول جاهز للضرب... حَول.
...............
لا... أبدا
لا أستطيع أن أُحول عيوني عندما أنظر عليك أرى وجهك الملائكي فأمعن النظر إلى العينين و الشفتين الشعر المنساب . وتنظرين إلىّ باسمة بنظرة خاطفة مليئة بالشوق كأنك تعرفين تأملي لعينيك..لكنك تسكتين.أعيد صياغة تفاصيل الحكاية معك أُذكرك بأشياء قديمة من موقع لموقع أتنقل عبر شاشة الكمبيوتر.
إشارة عاجلة من موقع قائد الكتيبة إلى رئيس العمليات – نجح العدو في اختراق مسارات النسق الأول تقوم قواتنا بعمل مناورة لاحتواء الموقف الإبلاغ فورا..حَول
من فهد 1 إلى فهد 2 هل تسمعني.. حَول
فهد 2 إلى فهد 1 أسمعك بوضوح أرسل الإشارة.. حَول
إلى السرية الأولى هل تسمعني ؟ ..أفد..حول أسمعك بقوة.. حول
صوتك الهامس في أذني يخترق مفازات الدهشة والأحلام يصب جُمار العشق في الحنايا لظى. يكتوي بحرماني منك..هكذا يا عيوني..
نجح العدو في اختراق النسق الأول مطلوب التعامل مع الهدف أَمر بضرب 8 طلقة 4 متتالية و الباقي منتظم بفاصل –20 /ث ثانية.. بلغ عن حاضر..حَول.
- الطاقم جاهز للتنفيذ... حَول ..
-حَول. جارى..حول. .
كانت تنام في حضني, وكنت مستعدا أن أبقى هكذا إلى آخر العمر, انكشفت جيبتها السمراء قليلا, وأمعنت التأمل الواثق في استدارة الفخذين, لم يكن عندي أي مانع أن أمرر كفى السمراء النحيلة فوق ذاك الربيع الهمجي المتوحش أو الذهبي المشع ضياء، فكرت كثيرا كيف ستمر أصابعي بهدوء مع حوار باسم أو كلام من أي نوع و إن كنت قد خجلت كثيرا من شكل أصابعي السمراء المحروقة من شمس الصحراء, المتشققة من حمل دانات المدافع, مليئة بما يشبه الكدمات, أمسكت بيدي دمعتين كادا أن يفرا هاربتين من زحام الحزن في العيون كانت تستغرق في نوم عميق كطفلة بريئة تشعر بالأمان. بين ساعدي
/ السرية الأولى.. انتهى من ضرب 8 طلقات, 4 متتالية. والباقي منتظمة بفاصل 20 ثانية.. حَول صح.. انتهى..حَول, الهدف تدمر بدقة... حَول من بدر إلى أحد.. هل تسمعني حَول.. أسمعك بوضوح.. حَول
-يتم انتقال تشكيل المعركة إلى منطقة النقطة م 160 نفذ الآن... حَول
-علم و جارى
رجرجة السيارة البيجاسو في الصباح الباكر أشد من الكوابيس ليلا وخروج الجنود عرايا لتدريبات الصول الذي لا ينام.
أول إشارة من عيونها أرسلتها خلف نظرة طفولية ممعنة في البراءة كنت جالسا على الكنبة الفخمة وكانت هي تستدير لتصلح من وضع جهاز التلفزيون أمامي لأشاهد المباراة، تخرج الابتسامة الحلوة من فمي قرمزي تعانق لهفتي وتردني لعصور وأزمنة الفرح، فرح التقاط الصور الأولى في مهرجان الحياة مرت أيامي. وهي تمر بيدها فوق ملامحي. تؤكد على وجودي محفورا ليس على شاشة الكمبيوتر
- فلست واحدا من مواقع الانترنت التي تَدخلين
لست أحد المعارف العامة إنما أنت عاصفة بكل المقدمات و التفاصيل
- أتمنى أن تدق أصابعك على ملامحي يوميا....
أنا أرسم صورتك ووجهك طوال الوقت أمامي على الشاشة أنا واحد من تلك الملفات على دسك مربوط بكلمة سر تعرفينها وحدك
-( ثبت مكانك يا عسكري )
كلمة سر الليل.
النجوم.
ثبت.. ثبت .
الشمس،
مكانك ثبت.
القمر،
مكانك ولا خطوة واحدة
كنت أرفع يدي خلف رأسي متأهبا للركوع على ركبتي كما أَمر, عندما تذكرت أنه قال أن كلمة سر الليل هي سحاب داكن.إلا أنه كان قد وضع فوهة البندقية الألى في ظهري تماما.
قال بصوت خافت:أنت مين قال لك تخرج من العنبر
إلا أنه ظل ممعنا في إخفاء تعاطفه مع موقفي حتى نطقت بكلمة السر, مضى إلى جواري في هدوء.
وحزن نشتكى الأيام إلى لا أحد
صفا. انتباه المدفع جاهزا والجميع على استعداد تام بعد تناول الغذاء / الطابور الساعة الثانية..
صفا .. انتباه ..استرخ
انصراف.
رقة أصابعك الإمرة ولوحة المفاتيح اللعينة والكاب اللعين والأوامر اللعينة. والسترة الكاكى الأكثر لعنة من لعنة الفراعنة، هذه أوامر وهذه أوامر
لكنى أعود إليك أمَر عمري بالصعود إلى الهاوية
راضيا أن أكون ضمن الدخول والخروج و البرامج مكتظا بشوق غريب لا نهاية له، تدريبا مستمرا على التفاصيل في قراءة وجهك لمعرفة الانحرافات لعلى أنتظر النهاية و أبقى في لون الأحلام
أختار أن أنس كوابيس القبض على عمري، و أحَكام الصمت على فمي و دموعي بعد أن تظهر أمامي في أعلى أضغط بالموس – ضغطتان سريعتان وأنا مضغوط بما يكفى كي أتناول عمري ثانية في زجاجة أخيرة أحتسيها وحدي وأفكر فيك بصدق سأجد نفسي في الطريق إليك. حاملا بيرقا أحمرا موجها ضربة قوية إلى كل شاشات الكمبيوتر ليظل حضورك مخلوطا بخطوط أيامي أتلقى إشارة من شوقي المهول تأمراني أمرا نهائيا أن أضمك إلى صدري بلا أي حذر وأجد نفسي متطهرا من ذنوبي أمامك, غافرا كل الخطايا أتمنى أن أعطى لك أمرا واحدا
( )
أجلس الآن أمام شاشة كمبيوتر أبعث له بالأوامر و هو في سرعة البرق ينفذ كل شئ, بلا أية علامات ولا مقدمات إنما هي نتائج العمر السحيق
وأنت واقفة خلفي تحملين طفلنا الأول الذي جاء حسب التعليمات والأوامر
لكنها من نوع أخر.

**



نبذة تعريفية
أشرف الخريبى


مصر
حاصل على ليسانس القانون روائي وناقد مصري عربي
عضو اتحاد الكتاب-عضو اتحاد كتاب الإنترنت
عمل صحفي بجريدة الحقيقة المصرية وجرائد أخرى. تولى مدير تحرير جريدة صوت دميا ط. نشرت له القصص والنقد في الدوريات والمجلات العربية المختلفة منها الأهرام والأخبار والجمهورية - إبداع- والثقافة الجديدة – والأدب –والقاهرة وغيرها في مصر.
عكاظ \اليوم \الجزيرة \فيصل في السعودية ودوريات أخرى ( كالمستقبل في لبنان – والشاهد القبرصية-الوحدة في المغرب الحياة وكثير من الدوريات والسلاسل المختلفة التي تصدر باللغة العربية كذلك المجلات الالكترونية في الشبكة الرقمية ، نشرت كثير من أعماله بالمنتديات الأدبية على شبكة الانترنت منها
مواقع : القصة العربية \ القصة السورية \ القصة العراقية \القصة المغربية \منتديات واتا للترجمة \ من المحيط إلى الخليج \دنيا الوطن \ إبداعات \ أفاق \الذاكرة الثقافية \ أدبيات \ أسمار \ شروق \ ثقافة بلا حدود \شظايا أدبية \ المدن \ أزاهير \بوابة العرب \صباحات \ الفوانيس \أدباء الشام \ وغيرها من المنتديات المختلفة والمنتشرة على الشبكة الرقمية
الإصدارات
التداعيات: مجموعة قصصية يناير 1999 عن دارا لوفاء للنشر
ورد الشتاء: مجموعة قصصية فبراير 2000 هيئة قصور الثقافة المصرية
السيدة الجميلة: مجموعة قصصية مارس 2006 دار كتب عربية
ذاكرة الجسد: مجموعة قصصية اكتوبر 2006 دار نانسى للطباعة والنشر
قصص الانترنت وعين النقد: جزء أول دار كتب عربية 2005
قصص الانترنت وعين النقد: جزء ثاني دار كتب عربية 2006
ضمير العالم: مقالات دار كتب عربية 2007

الأربعاء، يوليو 23، 2008

رتوش لا نهائية

د. حنان فاروق

(1)

استيقظت في الصباح على وجه الضاحك الباكي..حاولت أن تخلصهما من بعضهما البعض وتقتبس أنسبهما ليومها المتخوف من رحلته...وبدلاً من أن تختار أحدهما وتسحبه على ملامحها..تبادلاها..

(2)

الوحدة تقتلها ..لكنها لا تجد مأوى يحتويها غيرها..أقنعت كل من حولها أنها تكرهها وتخافها ليجتذبوها إلى عوالمهم..وحين مدوا أيديهم ليكسروا قضبانها..احتوتهم..

(3)

علّمت مرآة حرفها كيف تتنفس الشيب...مرايا الأخريات ممن يدرن في دوامة عمرها أصرت على أن تصبغ سنينها..حين تقابل الجميع فى مفترق الطرق..اختلطت الصور..

(4)

أخبرها البعض أنها بحاجة إلى طبيب لفك شفرة مرضها..ولأنها ذات خبرة بالشفرات ظنت أنها لا تحتاجه..عندما اشتد الألم ضغطوا عليها فذهبت إليه غير مقتنعة.. تركته دون اكتراث يتوغل في أعماقها وحين دق جرس المغادرة أصبحت شفرته..

(5)

سنوات مرت على بعضها..أخرى توقفت مكانها ...حين التفتت إليها لتعيدها إلى جدران حياتها..تصدعت..

(6)

عند باب الرحيل ..وقفت تترصد المفتاح..واعدها هناك ولم يأت..لم تستطع كسر الباب.. لكنه فعل..

(7)

أحكمت شال السنين الملوّن حول كتفها...ارتجفت ألوانه من البرد...وعندما التصقت بجسدها..كساها البياض..

(8)

طرق بابها فى جوف الليل...أصر على أن يسر لها بسره..دفعت به غاضبة إلى خارج مساحاتها..في الصباح..وجدته ملقى على بوابتها يتسول إغفاءة..

(9)

نزعها من فوق حائطه بعد أن أصاب إطارها العطب.. خلعه وألقاها في محفظته..وعندما عثر على أخرى مؤطرة بالبريق ..لم يجد الحائط..

(10)

رحَلَتْ فى اللامكان..حين عثر عليها أصر على اصطحابها..لم تسمح له..ولم ترفض.. وصلا إلى طريقها عافته نفسه..تراجع إلى بوابته..وقف ينتظر عودتها دون أن يلتفت إلى اللوحة المعلقة فوق رأسه والمكتوب عليها : (اتجاه واحد)

احرف ُ من حنان


عيسى القنصل
دائماً بالقلب ِ انـــــــــت

اينما بالكون ِ كنّــــــــــت ِ

فى سكون عمق ليــــــــل ٍ

او ضجيج ٍ وسط بيــــــت ِ

فى ذراع ٍ لحبيـــــــــــــــب ٍ

او بكاء ٍ اثر كبـــــــــــــــت ِ

بين اقران الليالــــــــــــــى

او وحيدا فوق تخـــــــــــت ِ

دائما انت ببالـــــــــــــــــــى

انتشى الذكرى بصمــــــــــت ِ

فارى عينيك وحــــــــــــــدى

يا لوهجا ً كيف ياتـــــــــــــى

انت تاريخ ُ حياتــــــــــــــــى

نجمة ُ تاتين انـــــــــــــــــــت

ينتمى حلمى اليـــــــــــــــــــك

كالثوانى عمق وقـــــــــــــــت ِ

ان عينيك لشعـــــــــــــــــــرى

مثل ازميل ٍ لنحــــــــــــــــــت

احتسى منها المعانــــــــــــــى

مثل عطر ٍ فوق نبــــــــــــــــت ِ

كلما حدّقت فيّـــــــــــــــــــــــــا

فى كلام ٍ او بصمـــــــــــــــــــتِ

اقطف ُ الانســــــــــــــــــام عمرا

تصبح ُ الافكار ُ انــــــــــــــــــــت

اننى من عمق حبّـــــــــــــــــــى

لا ارى سحرا لبنـــــــــــــــــــــت ِ

فاشترينى فى هــــــــــــــــــــواك

سوف اعطى ما طلبـــــــــــــــــت ِ

من عهود الانتمـــــــــــــــــــــــاء

بدءُ عمرى يوم موتـــــــــــــــــــى

سوى اهواها الليالــــــــــــــــــــى

ان ضحكنا او قســـــــــــــــــــــــوت ِ

دائما انت بفكـــــــــــــــــــــــــــرى

فى حديثى او بصمتــــــــــــــــــــــى

ان هذا الحب ُ سجــــــــــــــــــــــن ُ

فا نصفينى ان حكمـــــــــــــــــــــتِ

ان قلبى بيت ُ شعـــــــــــــــــــــــــــر

واعترافى ما قـــــــــــــــــــــــــــرأت

مَنْ أكُون


محمد محمد على جنيدي
يا نُجُومَ الْلَيلِ هَلْ لِي
مِنْ أنِيسٍ يَحْتَوينِي؟
يا دُمُوعَ الْفَجْرِ عُمْرِي
ضَاع مِنِّي في ظُنُونِي
مَنْ أكُونُ ؟!
مَنْ أكُونُ .. يا حَبِيبِي ؟!
هَلْ أنا حُبٌّ إلَيْكَ
قَادِمٌ مِنْ مُقْلَتَيْكَ
أمْ أنا قَلْبٌ لَدَيْكَ
غَارِقٌ في نَاظِِرِيكَ
مَنْ أكُونُ
مَنْ أكُونُ يا حَبِيبِي ؟!
كَمْ حَيَيْتُ
سَابِحاً في ذِكْرَيَاتِي
كَمْ رَشِفْتُ الْحُلْمَ
مِنْ مَاضٍ وآتِ
والْغَرَامُ الْمُسْتَكِينُ
في حَيَاتِي
ما يَزَالُ ..
ما يَزَالُ .. يا حَبِيبِِي !
يَذْكُرُ الْعَهْدَ الَّذِي
دَامَ رَبِيعاً وَظِلالا
يَأْسُرُ الْقَلْبَ الَّذِي
أضْحَى نَسِيماً وَجَمَالا
يَبْعَثُ الْمَاضِي بَرِيقا
يَنْْهَلُ الذِّكْرَى رَحِيقا
يا حَبِيبِي ..
إنَّه الْحُبُّ الْعَتِيقُ
إنُّه الْعِشْقُ الَّذِي
يَأْبَى الْفِرَاقا
إنَّه الْعُمْرُ الَّذِي
ذَابَ اشْتِياقا
كُلُّ شَيءٍ قَدْْ يَمُوتُ
قَدْ يُرَاقُ
غَيْرَ حُبِّي والْخُلُودِ
فِي عِنَاقٍ .. فِي عِنَاقِ
هَلْ عَلِمْتُمْ .. مَنْ أكَونُ؟
هَلْ أنا حَبٌّ إلِيْكَ
قَادِمٌ مِنْ مُقْلَتَيْكَ
أمْ أنا قَلْبُ لَدَيْكَ
غَارِقٌ في نَاظِرِيكَ
مَنْ أكُونُ ؟؟
مَنْ أكُونُ يا حَبِيبِي ؟!

اختيار من ديواني / واحة من الحب


صباحكم أجمل\ رام الله – عمّان والهوى


زياد جيوسي

افتتاح معرض صباحكم أجمل - رام الله

في مركز رؤى في عمان
بعدسة: محمد زياد جيوسي

هي عمّان الهوى تحتضنني من جديد، تلفني ورام الله والياسمين بدفلاها وشيحها وهواها، بالحب الذي غمرتني به منذ الطفولة، منذ رأت عيناي النور، فكانت تبادلني الهوى والعشق هي ورام الله، تركت بداخلي ما تركت عبر سنوات العمر التي مضت، منحتها الحب فبادلتني هوى بهوى، وحب بحب، فتمازج هواها مع قصة حب مع رام الله العشق والصنوبر والياسمين، فكانتا رئتي الصدر وحقائب سفر القلب، أحملهما في حلي وترحالي.
في الأمس كنت أحمل رام الله وأزرعها ياسمينا في صدر عمّان، فشدّت جذورها مع ياسمينة رؤى عمان، من خلال معرضي الأول للصور الفوتوغرافية لرام الله، بمناسبة مئوية رام الله، فكانت "وين ع رام الله" تشدو بمعمار رام الله وتراثها وجمالها، كانت رام الله تعانق عمان بصورها وروحها بمعرض تحت عنوان: صباحكم أجمل – رام الله، فتمازج الهوى، وتعانقت الحبيبتين وأرخت عمان جدائلها فوق كتفي رام الله، وكان مركز وغاليري رؤى يزهو بأحبة رام الله وعشاقها، أحبة وأصدقاء ومواطنين وكتاب وصحفيين وسفراء ومهتمين، عربا وغير عرب، جمعهم شوق لمدينة أحبها كل من عرفها، وتمنى لقائها كل من لم يراها، فانصهرت المشاعر بالحب، وظهرت الفرحة بالعيون، فرحة ممزوجة بألم أن رام الله وكما الوطن يعاني من الم الاحتلال وقسوته وبشاعته.
كان افتتاح المعرض من قِبل الدكتور جواد العناني الذي حضر مبكرا ولم يتأخر كعادة اعتدنا عليها سائدة، وبحضور بهي من أهل وأصدقاء وأحبة، وبوجود سيدة "رؤى" الرقيقة واللطيفة سعاد العيساوي، صاحبة الفكرة ومنفذتها، والصديق الغالي د. محمد سناجلة رئيس اتحادنا الذي أفخر بوجودي ودوري فيه، اتحاد كتاب الانترنت العرب، وبحضور أبنائي وأسرتي ووالدي وعشيرتي، إضافة لأصدقاء ومهتمين، وباقات زهور تتالت مباركة ومشاركة، من حضور حضروا ومن بعيدين أنابت عنهم الزهور بالحضور، وإن كانوا حاضرين في القلب طوال الوقت ولم يغادروه، وحضور متواصل عبر الهاتف لرئيسة بلدية رام الله الفاضلة جانيت ميخائيل، والصديقة الرائعة مها شحادة مديرة العلاقات العامة في البلدية، والذين كانوا على تواصل معي منذ قبل المعرض إلى لحظات كتابة مقالي هذا، فكان الافتتاح والفرح، وعرس رام الله مع عمان، وإن تراءت في عيني دمعة لغياب والدتي سيدة الكون والحب على سرير شفائها الذي ترقد عليه منذ بداية العام.
هي عمّان هنا ورام الله هناك اجتمعتا معا فتمازج الحب وعهد الوفاء، فراقصتهما رقصة الحب سويا، وروينا معا قصة عشق ربطتنا، فحق لعمان الآن أن أحملها إلى رام الله، لتكون هناك كما كانت رام الله هنا، شكر ومحبة لمدينة سكنت القلب ولم تزل، ولن تترك سكناها أبدا، فهي عمان الطفولة والشباب والهوى، وقصة عشق وأطياف متمردة تروي قصة العشق التي لن تموت.
صباحك أجمل يا عمّان الهوى، صباحك أجمل وأنا أستعيد معك الذكرى والحب والجمال، أحبك كعاشق مجنون أناني بحبه، فيغار عليك حتى من نسمات الهواء، فكيف لا يجن غِيرة إن شعر بعاشق آخر، ومثلك يُعشق، لكني ما زلت رغم البعد والزمن الذي أبعدني عنك، لا أرى في الكون من عاشق غيري ومثلي، فبادليني حبا بحب وعشقا بعشق، لننصهر معا كما كنا، فاشرب من هواك كأس الهوى، أمازجه من نداك وطلك ورضابك، من رحيق حبك ومن سهوبك وتلالك ومائك العذب، متدفقا بمشتهى الحب والهوى، وقصة عشق عبر عصور ومنذ أكثر من ألف عام مضت.
صباحك أجمل يا رام الله، وأنت تشاركيني هوى عمّان والجمال، صباحك أجمل وأنت من احتضنتني بطفولتي سنوات أربع، وفي مشيبي أحد عشر عاما متواصلة، فلم اشعر بالغربة بين حنانيك، ضممتني إلى صدرك المترع بالحب والجمال وعبق الياسمين، فكُنت وعمّان نشاركك الحب والعشق، أجول في دروبك أتنشق الياسمين المتعربش على الحيطان، أجالس تلة الماصيون وأرقب من هناك عمّان والذكرى، فكتبت نزفي الليلي وأطيافي المتمردة، في تنازع الهوى بين مدينتين، أداعب شعرك الناعم الذي يتطاير نسمات غربية على جبيني، فكنت الأجمل والجمال.
هي عمّان الهوى ورام الله الحب تعيد للذاكرة الذكرى والذكريات، فأعود من جديد لحديث الذاكرة حين غادرت عمان أول مرة إلى بيروت عبر دمشق، فبقيت أياما بدمشق التقيت بها أنسباء وأصدقاء، فشعرت بالقرب من تلك المدينة التي تجتاح الروح وتسكنها، لكني غادرت على عجل إلى بيروت، فقد كنت برفقة أصدقاء، وكانت المرة الأولى التي أغادر فيها إلى قطر آخر، فقبل ذلك كانت حياتي بين عمان ورام الله وبعض من الشهور في القدس، وحين اجتزنا الحدود السورية مع لبنان، دخلنا شتورة وتناولت أول وجبة لي هناك، وحين اكتشفت أنها شطيرة من العصافير، حتى انتابني الحزن على عصافير الدوري التي استحالت لطعام لنا، فآليت على نفسي بعدها أن لا آكل مثل هذه الوجبة مرة أخرى، فجمال العصافير وروعتها بتحليقها وزقزقتها، كما جمال الورود بالحدائق أكثر من آنية الزهور.
حين اقتربنا من بيروت بعد أن قطعت السيارة ظهر البيدر، ووصلنا إلى تلال عرمون، رأيت البحر لأول مرة في حياتي من بعيد، فشعرت بالدهشة والفرح والعشق لهذا الأزرق الممتد حتى يعانق زرقة السماء، فلم أمتلك إلا الصمت أمام مشاعر الدهشة والفرح التي سادت روحي، فلم أذكر في تلك اللحظة إلا المقيمة في حينا، فتمنيت لو كانت معي لنمارس الدهشة سويا.
بـيروت أخيرا ولأول مرة، كان الجو صيفا ودرجة الرطوبة مرتفعة، ورغم ذلك وبمجرد أن ارتحت في الفندق حتى كنت اترك صحبي لأجول وحيدا في مدينة التقيها أول مرة، كان ذلك في صيف العام ألف وتسعماية واثنان وسبعون، فلم اترك بها شارعا لم أدخله، وكان يعجبني بشكل خاص أن أجول مبكرا على شاطئ البحر، وأجلس في ساحة الشهداء في أوقات أخرى، تجولت في مصايف الجبل، ساحات بيروت ومسارحها، اشتريت العديد من الكتب والتقطت العشرات من الصور، وفي الليل كنت اذهب للروشة واجلس إلى مقعد رصيف واقرأ، فلم يكن لدي متعة أكثر من ذلك، مما سبب انفصالي عن صحبي الذين أتوا للسهر والصخب، ينامون النهار ويسهرون الليل، فبيروت مدينة صاخبة، وأنا بطبيعتي أنشد الطبيعة الهدوء، فسرعان ما غادرتها لأذهب لصيدا، وهناك وجدت نفسي وروحي والهدوء، فاكتريت بيتا في مدخل المدينة على البحر مباشرة، أصحو مع اشراقة الشمس وأخرج للشاطئ أركض مسافة جيدة، فأرى السلطعونات تخرج مفزوعة من بين الرمل عائدة للبحر حيث أمانها وموطنها، ومن ثم أنزل الماء للسباحة، فقد تعلمت السباحة في صيدا، وبقيت هناك شهرا كاملا بدون ملل، هدوء وبحر وشمس وكتب، ومن ثم غادرت إلى بيروت ليوم واحد، وشددت الرحال إلى دمشق لتبدأ قصة حب لمدينة لا تنسى أبدا، تركت في الروح ذكرى وذكريات.
صباحك أجمل يا عمّاني والهوى، أجلس لشرفتي ودالية العنب وقطوفها التي تبرعمت، يشاركني طيفي فنجان قهوتنا، ترف في فضائي حروف خمسة وشدو فيروز:
"بناديلك يا حبيبي ما بتسمعلي ندا، لا التلات القريبة بترجعلي الصدى، كأنك مع حدا ضايع بها المدى، حبيبي حبيبي مالي غيرك حدا، مالي غيرك حبيب يسأل عني سؤال، يبقى مني قريب يسأل كيف الحال، ويسمعني كلام ويغمرني بالسلام، ع صوته اغفي وأغيب على نغمات الحدى".
صباحكم أجمل.

الثلاثاء، يوليو 22، 2008

مع أبي حيدر سعدي يوسف / عتاب ثقيل الوزن

د. عدنان الظاهر


كنتُ إذ قرأتُ ما كتبتَ قبل يوم أو يومين في موقع الحوار المتمدن تحت عنوان [ الشعب الأمريكي يحرر الشعب العراقي من جلاديه ] ... كنتُ على وشك أن أكتب رداً موجزاً على مقالتك هذه لكني ترددتُ أو تلكأتُ ولم أفعل . غير أنَّ مقالة الأستاذ مثنى حميد مجيد في موقع صوت العراق لهذا اليوم ، يرد فيها على مقالتك إياها ، شجعتني وأثارت الهمة فيَّ أنْ اردَ عليك وإنْ كنتُ التالي والفضل كل الفضل لمن سبقني فالسابقون أولى بالمعروف !
كيف فاتك عزيزي سعدي يوسف أنْ تعرف أسباب تعهد المرشح الأمريكي الجديد للرئاسة بجدولة إنسحاب القوات الأمريكية من العراق وإتمام هذا الإنسحاب في فترة 16 شهراً وهي معروفة للداني والقاصي وعلى رأسها خسائر أمريكا البشرية والمالية وتردي سمعتها الدولية وفشل مشروعها الإستعماري الجديد الذي أرادت منه أمريكا أن يكونَ العراقُ اللبنة الأولى في مشروع الشرق الأوسط الجديد بعد ان فشلت محاولتها الأولى في لبنان ؟ هل في تعهد السيد أوباما بالإنسحاب من العراق علاقة بتحرير الشعب العراقي من جلاديه كما تفضلتَ فكتبتَ ؟ لماذا يحرر الشعب الأمريكي الشعبَ العراقي ومتى كانت أمريكا او حكوماتها المتعاقبة على الحكم في الإدارات الأمريكية المختلفة ... متى كانت حريصة على تحرير الشعوب من حكامها الجلادين وأمامك الكثير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الكثير من هؤلاء الحكام الجلادين من أعوان وأصدقاء وصنائع أمريكا ؟ بلى ، المرشح الرئاسي أوباما حريص على تحرير شعبه الأمريكي لا الشعب العراق من هذه الورطة ـ الكارثة التي وقع المستر بوش وإدارته فيها فتردّى وتردت حكومة المحافظين الجُدد إلى الحضيض بل وإلى أسفل سافلين .
أفهم انك شديد الإعجاب بالولايات المتحدة الأمريكية وقد سبق لك وأنْ عبّرتَ عن هذا الإعجاب في قصيدة لك حملت عنوان
America, America
( كتاب قصائد ساذجة / منشورات دار المدى 1996 )
حيث كررتَ حتى بشكل يبعث الملل في نفس قارئك جملة
God save America
My home, sweet home
وحيث أكدتَ أنتَ بلسانك العربي الفصيح إعجابك بكركرات الممثلة مرلين مونرو وحبك للجينز الأمريكي والجاز وجزيرة الكنز وببغاء جون سلفر ونوافذ نيوأورلينز ومارك توين ومراكب المسسبي وكلاب إبراهام لنكولن وحقول القمح والذُرة ورائحة التبغ الفرجيني . إنْ كنتَ جاداً لا هازلاً ولا هازئاً في الإعراب عن حبك هذا لكل هذه الأمور فإن َّ موقفك من إسم أمريكا ودعوتك لربك أن يحفظ أو ينقذ أمريكا وطناً ووطناً رائعا وليس لذيذاً حسب ترجمتك إذ قلتَ ( يا رب ، إحفظ أمريكا ... موطني ، موطني اللذيذ / الصفحة 89 من كتاب قصائد ساذجة ) ... أقول : في هذه الدعوة وهذه المناجاة الربانية وجهان للتفسير محتملان : وجه حقيقي يكشف عن حبك وهوسك المبكر في حب أمريكا كما هي وبكل من وما فيها ، ووجه آخر لا يخلو من سخرية مبطنة لكني أميل للتفسير الأول إذ إنكشفتَ أخيراً أو فضحت نفسك في مقالتك موضوعة النقاش . كان غرامك بأمريكا يجري في عروقك منذ أن كنتَ في دمشق الشام وما قبل هذه الفترة . كنتَ تحلم بالغرب وأنت في صميم الشرق . كنت مغرماً بالرأسمالية حد العشق الصوفي لكنك كنت في المعسكر الإشتراكي والمناهض للرأسمالية . روحك كانت هناك لكنَّ جسدك كان هنا في الشرق. كنتَ منقسماً على نفسك وأنت تدري بحقيقة هذا الإنقسام أو الإتفصام . كنتَ تحلم بفرصة مؤاتية تأتيك من السماء السابعة لكي تخلع نفسك عما كنتَ فيه وأن تتجه صوب الغرب الرأسمالي جنة ً أخيرة ً لك . وما أن وافتك هذه الفرصة لاجئاً في لندن حتى إطـمأنت نفسك أنك غدوتَ قريباً جداً من أمريكا . وبالفعل ، ما أنْ أصبح الجواز البريطاني في جيبك حتى أصبحت زائراً دائماً لأمريكا الشمالية تتباهى مثل (( معيدي لندن )) بكثرة هذه الزيارات . أمريكا هي مثلك الأعلى وهي غاية مطامحك حيثُ إختلطت الأمور عليك حتى قبل أن تبلغ الثمانين وهي سن الخَرَف والتخريف . في إندفاعتك الساذجة هذه كشفتَ عن طبيعة نشأتك الريفية الفقيرة الأولى فبهرتك أضواء مدينة نيويورك وملاهيها وشوارعها وناطحات سحابها ودعارتها وجنونها ومخدراتها لذا حقَّ عليك ان تدافع وتمتدح وتزكي مواقف سياسية ( تكتيكية ) للمرشح الأسود(( باراك علي أوباما )) ويخدعك الوهم المضلل والقاتل أنَّ الشعب الأمريكي يحرر الشعب العراقي !! تُرى ممَ يحرره ؟ أمريكا نفسها هي الجلاد الأول والقاتل الأول والغازي والمحتل . إذا إستطاع أوباما ـ بعد وصوله البيت الأبيض ـ فلسوف يقوم بتحرير شعبه أولا وآخراً وليس العراقيين . سينقذ أمريكا من ورطة كبيرة لم تسبقها إلا كارثة الحرب الطويلة في فيتنام . إنه معني ٌّ بالدرجة الأولى والأخيرة بتحرير أمريكا من عصابة ومافيا المحافظين الجُدد وإنقاذها من مستنقع الدم والهوان والذل والخيبة .
ختام وتعليق جانبي : أتساءل فيما لو وصل أوباما البيت الأبيض رئيساً جديداً ونفذ وعده بالشروع بحسب القوات الأمريكية من العراق ... ما سيكون موقف البيادق المعروفة ممن صفقوا وروجوا وتحمّسوا ورقصوا وهزوا الأرداف والأكتاف دون حياء أو أدنى حس وطني ... لإتفاقية القواعد العسكرية والبقاء طويل الأمد على أرض العراق ؟ ما سيكون موقفهم بعد أن يسحب أوباما البساط والأرضية من تحت مؤخراتهم العريضة المعبأة لحماً ومالاً وشحماً ؟ بأي وجه سيواجهون العراق والعراقيين وأجياله القادمة ؟

الأحد، يوليو 20، 2008

تلك نجمة عراقية / لمياء الآلوسي



فوق منضدتي الخشبية الصغيرة ، حاولت , لملمت أوراقي المبعثرة ، لم أكن اعرف أني كتبت ذلك كله وسط شعور بهذيان بهيجٍ ، هكذا يكون الإنسان عندما يتخلى عن ذاكرة الآلهة ، نبياً منعتقا من جحيم الخيال ، ويصبح نافراً بلا لجامٍ , يصبحُ غيرَ مأمون الجانب وكأنه مهرة مجنونة !
في ذلك الذوق المفروش بالعوسج ، في ظهيرة يوم عراقي مليء بالخوف والترقب ، وحيث الدخان يدخل إلى القلب ليخدر الحياة فينا , كان صوتها يصلني ، فيدفع أفكاري كأبخرة تتصاعد لتتبدَّد .
ماعدت قادرة على الإحتمال في هذه الأجواء المشحونة ، فبيوتنا التي بُنيتْ منذ عهد بعيد تتماهى فيما بينها وتتلاصق ، حتى يصبح الهمس مشتركاً والألم واحداً ، فلقد كنا نسكن في تلك المنازل المُنَضَّدة على التلال المطلة كالأثداء على ضفاف النهر ...
بيوتٍ شهدت دون إرادةٍ منها او بإرادةٍ ! صنوفَ الحكايات المخبأة والسعيدة الحزينة ، ولازالت تضمنا او نضمها لا ندري ...
بيوت شرقية صغيرة ، أسجيتها العالية تهرأت بمرور الزمن ، وأصبحت تنبئ بخجلٍ ، أنَّ هناك أسواراً بيننا بما تبقى فيها من حجارة ، لكن ما بيني وبين جارتي وابنتها ليس سوى علب الصفيح الصدئة عملنا معاً على ملئها بالطين ، وغرزنا فيها بعض النباتات المشتركة التي كنا نتناولها بحميميةٍ مع أقراص الخبز الطازجة ، كلما أوقدت تنورها الطيني ، وأوقدت معه حكاياتٍ شجية وكثيراً ما تُدعو للإستزادة لغرابتها ، لكنها لا تلبث أن تبترها فتتركني فريسةً لتذمري او لإشفاقي !
ركضتْ عبر السياج , دخلت باحة بيتها .
كانت تقف بجانب تنورها الطيني ، في تلك الباحة المكشوفة ، متشحة بالبياض ، وتتلفع بفوطة عراقية بيضاء لكن خصلات شعرها الأبيض الممزوجة ببقايا من سحب الحناء الشاحبة تهلهل متماوجة من خلف ستارها الأبيض
- أنت هنا ؟؟
همست لي وفي عينيها بريق أخافني . وضعتْ كلتا كفيها على فوهة التنور الخامد ، وأحنت رأسها وكأنها غارقة في صلاتها .
- ستة أولاد أردتهم أن يطهروني من هذه الدنيا , ذهبوا جميعاً ( صفقت بكلتا يديها وأزاحتهما عاليا ) وتركوني للوحشة , ستة أولاد مع أبيهم وهذه المسكينة .
قالتها وهي تشير إلى ابنتها الجالسة في الزاوية البعيدة منتحبة تلطم صدرها العاري .
- تتصور أني مجنونة .
إقتربت الإبنة خائفة .
- منذ أن رأت سحب الدخان
- لكنها تعرف جيداً أنَّ ذلك بسبب الإنفجارات وهذا ليس جديداً علينا .
- لقد جُنَّت هذه المرأة , جُنت , تتصور أنها نهاية الدنيا ، ويوم القيامة آتٍ دون شكٍّ .
إندفع صوتها المبحوح
- دجلة , نهرنا الجلاّب , لقد كنتِ صغيرة , ألا تذكرين ؟
بدأت تجوب المكان ثم توقفت على حافة التل العالي الباسط كفيه على كتف النهر و كأنه يوصيه ، ثم انحدرتْ بانحدار الطريق الترابي الذي عبدته أقدام من مروا عبر هذا الزمان ...
فبيتها هو الوحيد الذي أعتقته من الحواجز ، وتركت المكان مفتوحاً بينه وبين النهر .
في لحظة وجلٍ يكبلنا أنا والإبنة مشت جارتي المليئة بالحياة ، باتجاه النهر ، فأمامها بضعة أمتارٍ في أرض وعرة ...
مشينا خلفها مبقين على مسافة بيننا ، لأننا نعرف أنها عنزة جبلية لا تُقهر !
في الأفق البعيد ... إمتداد عجيب لسحب الدخان المتماوج يمتلك النهر ، فيدفعه بقوة سحرية إلى فسحة السماء فيلتهب العشب المخضل بالقطران ، ويمد رداءه على طول النهر وعرضه , يتدفق اللهب في كل مكان , ينسحب مرة معتذراً للنهر , يجرجره هواءُ تموز اللاهب فيتماوج في كل مكان متناسياً اعتذاره !
توقفنا نحن الثلاثة غير بعيد عن النهر لكنها انفلتت مندفعة إلى أحضان دجلة كما العاشقة البكر بعد أن أزاحتْ فوطتها وألقت بها على الشاطئ ، وبدأت تغرف بيديها من مائه لتسكبَهُ عليه في محاولة لإخماد نارهِ ! أية غرابة وأي عجب ومَن يطفيء النار بالنار ؟
ولكنها - وهذا هو الأغرب - تؤمن عميقاً بإمكانية ذلك .
- لقد جنت , الم أقل لك ( قالتها الابنة هامسة وسط ذهولها )
- في الصباح عندما سمعنا إنفجار أنبوب النفط , وتدفقت النيران على ضفاف دجلة ، وجدتُها تركض إلى خزانة ملابسها لترتدي الملابس التي تدخرها للحج ووجدتها تدور حول البيت , تصرخ : إنه يوم القيامة يا ناس ، وأنا لم أتطهر من ذنوبي ، ستحل علينا لعنة الرب ، حاولتُ تهدئتها لكنها لم تكن تسمعني .

تذكرتُ وأنا أتأملها أن بعض المتصوفة أجازوا أنْ يطوف الإنسان حول بيته ، بعد أن يعطره ويغتسل ويرتدي ثياباً بيضاء نظيفة ، فيكون كمَن أدَّى فريضة الحج !!
ولكن هذه المرأة ... أية طريقة صوفية تتبع !! وهي بكل هذه البساطة ؟

خرجتْ باتجاهنا وقد التصق ثوبها , الذي غدا بنياً , بما علق به من بعض العشب المحترق ، والحلفاء المتفحمة , بجسدها المختلج , وبقايا حشائش على شعرها المجدولِ خلف ظهرها ...
تربعتْ على الشاطئ كسيرةً حزينة فأحطنا بها ونحن نرى الحريق يمتد باتجاه الريح إلى الجنوب ، فيشتعل العالم حولنا ، وإذا اشتعل فسينطفئ ويُذرّى ذات يوم , ساعةٍ , هنيهةٍ ولكنَّ ما في القلوب مَن سيذرِّيه ؟
سمعتها تهمس :
- كنا نوقظ الفجر , نسابق الدنيا وننزل إلى النهر ، وخلفي أولادي الستة وأبوهم ، عبر طريقنا الوعرة , وبطوننا خاوية والماء البارد يلسعنا في كل مكان وعندما تتجمع السحب فوق الرؤوس الصارخة بالحياة ، وتنشب أظفارها فينا بزخات كحمم البراكين , يصبح وقع القطرة على جلودنا المنسوخة كأنها من صلب الشياطين ! كما الموت القاتل ، لكننا كنا نرفع ملابسنا ونتعرى فحياتنا رهنٌ بما يجود به هذا النهر الغاضب , وفي كثير من الأحيان أرفع كل ملابسي , يسترني الغبش الربيعي , وكان جسدي بضاً لم تطله الشمس ، وربما لهذا السبب لم يكنْ أحدٌَ يبالي !
فكان علي أن أغوص في وسط النهر فترطمني أمواجه ، تسحقني لكني أتشبث بالطين , بغريَنهِ كي أجمع ما جرفه رغم إحساسي بما يشبه اليقين بعضَ الأحيان أنني أصبحتُ من بين ما يجرفه ... كان يمنحنا هداياه ، فنتشبث بكل شيء حتى القشة الصغيرة ، فإن تركناها ، سيأخذها جيراننا الذين جاءوا بعدنا !
نعرف أنه خرَّبَ القرى الفقيرة البعيدة ، لكننا فقراء أيضا ، وهو يعمر بيوتنا حولاً كاملاً ...
كنت أسمع امتعاضَ الستة وشكواهم من البرد والمطر ، ومن هذا العمل الذي يسرق منهم نشوة التباهي أمام أقرانهم , بقدرة تنوري على إدخالهم المدارس ، ورغبتي في أن يطالوا الشمس ذات يوم ، ويتمكنوا من أن يسألوا السماء :
لماذا تنثر غبارها الأسود علينا وليس على أعدائها ؟ لماذا يمهر ناسنا بالألم والحزن في هذا الوقت فيتركه مُحدِّقاً كالهاوية ؟
ثم أين هم الآن ؟ تناثرت أشلاؤهم وأضحت الأرض تنحني أمام عالمهم السماوي . .
نهضت ثم عادت إلى النهر ورفعت هذه المرة فوطتها ثم ألقتها إلى النهر ..................
- لو كانوا هنا لما حدث ذلك كله .
بعد عدة أعوام رأيتها على الضفة الثانية وكان مساءاً .
كانت جالسة على بساط ، في حقلٍ يطفح من بين ثناياه عشبٌ ملونٌ لم أرد أن أصدق أنها هي لذا اكتفيت بأن أسمع بعض همسات تفوح منها
قالت للستة ومعهم البنت وهم متحلقون حولها كهالةٍ من الحبور والإصغاء : كان هذا جيلاً وحكاية ,
حكايةً ظلت تخشى أن ترى لها خاتمة , فمَن منكم سيشْرع بتدوين عنفها لتكون أغنية أنتم أنغامُها والقلوبُ التي تُصغي اليها !؟

بينَ دجـــلةَ والفــــــراق

مهدي منصور
ربما لا...
وربما يلتقي النهران في شطِّ عرب...!

غريبان..كالأمطارِ...كالكـلماتِ...
نفتّـِشُ فيـنـا عـن ملامـحِ آتِ...
غريبانِ لا منفى سوى ما يخطـُّهُ
على جَسدِ الأيـامِ جرحُ دواتي!
فقيرانِ...دمعانا خميرةُ خبـزنا...
كـَفافُ أغاني الوجدِ والصبواتِ
يرتـِّبُ لقيانا حنـينُ وعودِنا
وأعذبُ ما نتلوهُ في الصلواتِ...
حِمانا دعاءُ الأمهاتِ...عزاؤنا
حياةٌ بموتٍ بعدَ موتِ حياةِ...!
***
عدَوْتُ ولكنَّ الدروبَ تمدّدتْ
لأبْعـُدَ مهما أسرَعتْ خطواتي..!
أرودُ مقاهي الصمتِ لا خلَّ لي سوى
شجايَ وصوتِ التيهِ في طرقاتي..
كأن الخَطـايا في خطايَ توطنَّتْ
توزعُ قلبي في ضبابِ شتـاتي...
أسيرُ إلى بعضي..أسيرَ عواصفي...
ووجهُكِ يا بغداد كلُّ جهاتي...
أنا قيدُ شوقٍ من يديك, تقدّمي...
لأختصِرَ الدنـيا بقبضةِ ذاتي...
***
حَنانيكِ يا عرسَ المدائنِ في السما
ويا بُحّةَ التاريخِ في خلجاتي..
كأنَّ الذي قد قسّمَ الحزنَ لم يجدْ
سوانا...فنـلْـنا أعمقَ الطعناتِ..!
وأقتلـُها.. أنْ كنتِ في العمرِ دِجـلـةً
يساقي...ويبقى ظامئاً لفراتي...

لبنان

سعاد.. للقاصة: عدلة شداد خشيبون


زياد جيوسي

في قصتها "سعاد" لجأت القاصة عدلة خشيبون إلى الرمزية الجميلة، الرمزية التي يمكن أن ينطبق عليها وصف السهل الممتنع، من أجل إيصال الفكرة ببناء قصصي جميل وسهل، لكنه يخفي وراء رموزه الهدف، وإن أعطى المؤشرات للقارئ حتى لا يتوه في البحث، فابتعدت القاصة عن الرمزية المغرقة بالتخفي، حتى لا يضيع القارئ عن الهدف، أو أن يمل القراءة فيرمي النص جانبا.
"سعاد".. هي الإنسانية المعذبة، والحبيب هو الضمير الذي ما زال يعيش ولم يمت بعد، وحيدا في بحثه عن عالم الجمال "في حديقة غنّاء"، وحيدا يبحث عن قلب بعد ابتعاد البشر عنه " جالت بناظريها علّها تجد أنيساً ... ولكن لا حياة لمن تنادي"، تأمل بالشمس "نظرت بعينين مترقرقتين لشعاع الشمس" وبحثت في الأرض "وتأملت التراب...تُرى أيكون التراب بقايا حبّها وحياتها"، فشرعت سعاد -الإنسانية- " بتدوين ذكرياتها"، ولكن تاه منها العنوان واسم من تكتب إليه " لا عنوان لك معي...ولا أرقام هاتفك أعرف ترتيبها...وحروف اسمك مبعثرة أمامي"، ف "الضّباب سيطر على كلّ الأجواء"، و" الجوّ حالك الظلام".
الضمير يعاني " معطفي صغير لا أستطيع إدخال جسمي داخله ولونه غريب ، وليس من ألوان الموضة العصريّة" ومع هذا لا ينعدم التفاؤل "إنّه أخضر اللون"، انه طريق الآباء والأجداد، "أهدانيه جدّي رحمه الله قبل وفاته بساعة واحدة"، قلبه نقي " أبيض اللون ناصع"، يتألم من فراقه قلوب البشر " تئنُّ تتعذب بحرقة الفراق"، يعاني " تموت برداً وتحتضر حريّة"، " ولا من يراني"، ينتظر أن يفك البشر صيامهم عن الضمير " لا الكاهن يعلن انتهاء الصيام وفك المحرمات ..ولا المؤذن يعتلي المنبر ليعلن بدء الفطور وشرب الماء واكل التمر".
الضمير لا يكف عن طرق القلوب لعل الغمامة تزول ويعود البشر لضمائرهم " لبالثقة.اليمين أن ألبس معطفي وحذائي وشالي وأتزنّرَ بشريط أسود ...وأنطلق من كل أحزاني لأن في أرضنا أضعاف الحزن الذي اعتراني سأكلل نفسي بالثقة ..وأتبرج بتاج الحريّة "، والضمير هو البداية للحرية، فبدون ضمير أنت عبد ولو تخيلت أنك حر، فالضمير هو" الوطن الذي إليه تصبو كل نفس"، الضمير هو الفكرة، هو الحرية " سأجوب العالم بفكري الحر"، الضمير لا يخشى قسوة البشر فهو الموجه وهو القوي الذي لا يخشى "سوى ربّي باري الكون".
الإنسانية لن يمكن أن تموت، والضمير مهما ابعد سيبقى يتوق لها فيهتف لها: "أحبّك يا سعاد.. أحبّك يا أصيلة".