الاثنين، يوليو 07، 2008

نبيل عودة: النضال السياسي والبرلماني والقانوني سيظل المعلم البارز لنضال عرب إسرائيل

قال الكاتب والمحلل السياسي نبيل عودة إن سياسة القهر والتمييز التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية تجاه عرب إسرائيل هي التي تدفع بعض الشبان العرب إلى القيام باعتداءات كتلك التي قام بها حسام دويات في هجوم الجرافة. إلا أنه أكد في حوار خاص مع "آفاق" أن النضال السياسي والبرلماني والشعبي والقانوني سيظل هو المعلم البارز في نضال العرب في إسرائيل.
وأشار عودة وهو من عرب إسرائيل إلى أن المنظمات التي تحاول ان تدفع المواطنين العرب في اسرائيل الى تنفيذ عمليات هجومية لا تخدم النضال العربي داخل اسرائيل. وقال إن بعضها يمكن أن يخدم مشاريع ايرانية ومشاريع غريبة عن المصالح القومية للشعب الفلسطيني .
وانتقد عودة عمليات إطلاق الصواريخ من غزة على اسرائيل وقال بأنها "على الرغم مما تسببه من حالات ارباك وغضب، الا انها تلعب لمصلحة اسرائيل سياسيا ودوليا، وتعطيها تغطية ممتازة لقمعها وتدميرها للبنى التحتية والحياة اليومية لشعبنا الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
وفيما يلي نص الحوار:
هناك تحول جديد شهدناه في الآونة الأخيرة بخصوص هوية منفذي الهجمات داخل المدن الإسرائيلية، والجديد في الأمر أنهم من المواطنين العرب داخل إسرائيل، بتفسيرك لماذا يقوم عرب إسرائيل بتنفيذ مثل هذه الهجمات ؟؟؟
ليس صحيحا هذا القول. منفذ عملية القدس هو مواطن فلسطيني من القدس المحتلة، وادعاء جهة تسمي نفسها حركة تحرير الجليل، المسؤولية عن الحادث لم تثبت ... وكان أقرباء منفذ العملية قد قالوا أنهم تفاجئوا وان ابنهم معروف بتعاطيه للمخدرات ولا ينتمي لأي تنظيم .
ومع ذلك الواقع العربي داخل إسرائيل يعاني من سياسات التمييز والاضطهاد القومي، والتي تتمثل بشح الميزانيات وأزمة البطالة الواسعة بالمقارنة مع الوسط اليهودي، وغياب آفاق المستقبل امام الشباب، وخاصة طلاب الثانويات والأكاديميين، وصلت الى حد الانفجار الواسع في اكتوبر 2000.
ومع ذلك لم يتغير النهج السلطوي، مما يجعل براكين الغضب تزداد. ولكن يجب الحذر من التفكير الذي يرى بالواقع العربي الفلسطيني داخل اسرائيل شبيها بواقع الفلسطينيين تحت الاحتلال، وان ما يحركهم يتماثل تماما مع محركات مقاومة الاحتلال ...
هل تعتقد أن منظمات وأحزاب معادية لدولة إسرائيل استطاعت أن تجند بعض عرب إسرائيل لصالحها من خلال عمليات التجسس وتنفيذ عمليات هجومية داخل المدن الإسرائيلية ؟؟؟
ربما، ولكنها ظاهرة هامشية جدا، وحتى اليوم لم تتشكل ظاهرة مقلقة للسلطة الاسرائيلية من هذا النوع، ولا ارى ان ذلك سيقود الى ظاهرة مشابهة لمقاومة الاحتلال على نسق ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967، المنظمات التي تحاول ان تدفع المواطنين العرب في اسرائيل الى تنفيذ عمليات هجومية هي للأسف الشديد، لا تخدم النضال العربي داخل اسرائيل، وهو نضال هام جدا من أجل مستقبل شعبنا الفلسطيني أيضا في التحرر ... ربما بعضها يخدم مشاريع ايرانية ومشاريع غريبة عن المصالح القومية للشعب الفلسطيني .
انتفاضة الحجارة فتحت أبواب الأمل لدولة فلسطينية، ولا أرى بانتفاضة السلاح والانقلابات الدموية و"تحرير" غزة من الفلسطينيين الا نكسة الحقت الضرر بالمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، واوقعت المآسي بالواقع الفلسطيني كله .. وبالمطالب العادلة لشعبنا الفلسطيني.
إن من يتوهم انه يمكن النضال المسلح في ظل حصار اسرائيلي كامل وحصار عربي خانق أكثر، ورفض دولي لهذا الشكل من النضال الدموي ضد المدنيين، عبر نسف الشرعية الفلسطينية بالسلاح، هو بصراحة مطلقة يقود شعبنا الى كارثة جديدة، والى ضياع جديد .
السؤال ليس ما هو مشروع في مقاومة الاحتلال .. انما ما هو صادق في أنظار العالم أيضا، وما الذي يجند الدعم والتأييد للمطالب الفلسطينية المشروعة. ان قادة السلطة الوطنية الفلسطينية واعون لهذه الظاهرة، ولكن فوضى السلاح تقود الى فوضى فلسطينية تضر بالشعب الفلسطيني أكثر مما تؤذي الاحتلال، وما زلت عند رايي ان صواريخ القسام التي تطلق على اسرائيل، رغم ما تسببه من حالات ارباك وغضب، الا انها تلعب لمصلحة اسرائيل سياسيا ودوليا، وتعطيها تغطية ممتازة لقمعها وتدميرها للبنى التحتية والحياة اليومية لشعبنا الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، ولاستمرار تنكرها للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني عبر تفهم دولي لهذا الموقف الكولنيالي، وعسكريا، صواريخ القسام ، لا تتجاوز كونها العابا نارية مع اسرائيل. وهذا للأسف هو الواقع السائد اليوم .
بتصورك أن سياسة هدم بيوت منفذوا الاعتداءات داخل المدن الإسرائيلية من المواطنين العرب وسحب الجنسية الإسرائيلية منهم ستساعد على تقليص مثل هذه الاعتداءات في المستقبل ؟؟؟
عندما يؤمن انسان ما بطريق ونهج، لا توقفه الجنسية ولا هدم البيت .. ولكني أكرر ان تنفيذ عمليات من مواطنين عرب يحملون الجنسية الاسرائيلية، هي هامشية جدا ولا أتوقع ان يتغير الوضع .. ولكن هذا لا يعني عدم الاحتجاج السياسي والاستسلام للواقع داخل المجتمع العربي في اسرائيل، ولما يجري من قمع ضد شعبنا الفلسطيني. بل أتوقع اذا لم تجر تغييرات في سياسة السلطة، ازدياد حدة العلاقات بين المواطنين العرب والسلطة وربما فصل جديد من التصادم قد يكون أعنف من اكتوبر 2000 ... ولكن بأي حال ليس نسخة لما يجري في مناطق السلطة الفلسطينية .
هناك بعض الأصوات داخل المجتمع الإسرائيلي تنظر إلى الوسط العربي في إسرائيل على انه كيان معادي ويشكل خطر حقيقي على الدولة الإسرائيلية ، ما تعليقك ؟؟؟
أجل قوى فاشية ويمينية من نوع العنصري أفيغدور ليبرمان، وهذه ليست ظاهرة جديدة بل هي قائمة ومتواصلة منذ أقيمت دولة اسرائيل، وكان نهجا رسميا للسلطة بعد النكبة مباشرة، ولكن نضال العرب في اسرائيل الشرس والصعب والبطولي، قاد الى تغييرات جذرية.
لا اقول ان الواقع بات مطمئنا وورديا. نحن بحاجة الى صحوة دائمة، والى طرح سياسي قادر على تجنيد أوساط دمقراطية يهودية ضد العنصرية والفاشية في المجتمع اليهودي. للأسف لا أرى ان القيادات العربية اليوم قادرة على مثل هذا الطرح.
ويجب ان لا ننسى ان كل انجازاتنا داخل اسرائيل تمت بتجنيد قوى عقلانية يهودية. مثلا الغاء الحكم العسكري (1965) ما كان يتيسر لو لم ننجح بتجنيد قوى يهودية، والمضحك ان النواب العرب من حزب مباي وقتها (حزب بن غوريون) صوتوا الى جانب ابقاء الحكم العسكري "لأنه لصالح المواطنين العرب" حسب تبريرهم !!. كذلك الغاء التمييز في مخصصات الأطفال العرب ومساواتها مع مخصصات الأطفال اليهود (1992)، جرى بتجنيد واسع لأعضاء كنيست يهود أيضا.
وما زلت على قناعة ان نضالنا من أجل المساواة ومن أجل دعم حلم شعبنا الفلسطيني بالتحرر وبناء دولته المستقلة، يعتمد على صحة سياساتنا أيضا، وقدرتنا على اختراق الشارع اليهودي واقناع قوى عقلانية ودمقراطية يهودية بعدالة مطالبنا.
وأقول لمن يسخر من هذا الموقف، ان 300 مليون عربي لم ينجحوا باقناع اسرائيل (خمسة مليون يهودي) بقبول خطتهم للسلام والتي تعطي اسرائيل معظم مطالبها. وكل ترليونات الدولارات المتدفقة على دول النفط العربية، ومصادر النفط الذي بات قوة استراتيجية عالمية مخيفة لمن يملكه، لم تحرك شيئا بالموقف السياسي، ولم توظف أصلا ... وهو اشارة للضعف والخذلان والتفكك العربي .. وليس لقوة اسرائيل وأمريكا.
ويؤذيني ان نرمي همومنا على الاستعمار وكأننا مجرد حشرات لا قيمة لها. في ظل هذا الواقع الكئيب ، لن تقودنا عملية القدس او صواريخ القسام والانقلابات الدموية الا الى المزيد من القمع والجرائم الاحتلالية، وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني .
ما هو موقف القيادات العربية داخل إسرائيل تجاه هذه الاعتداءات والتي تقع من مواطنين عرب وتستهدف مدنيين إسرائيليين ؟؟؟
المواقف الرسمية المعلنة تدين الاعتداءات على المدنيين، وطبعا تحمل استمرار الاحتلال المسؤولية عن هذه الحالات .

باعتقادك وقوع مثل هذه الاعتداءات في المستقبل سوف تؤثر على المواطن العربي الإسرائيلي، وسلوك الحكومة الإسرائيلية تجاه الوسط العربي ؟؟؟
لا أرى ان العرب في اسرائيل ذاهبون نحو الصدام، النضال السياسي البرلماني والشعبي والقانوني سيظل هو المعلم البارز في نضال العرب في اسرائيل. وقد أثبت هذا النضال جدواه ...
في الوقت الذي يرتكب فيه مواطنون عرب إسرائيليون اعتداءات داخل مدن إسرائيلية، نجد أن بعض المواطنين العرب الإسرائيليين يدفعون حياتهم لحماية دولة إسرائيل، باعتقادك ما هو السبب وراء هذا التناقض في الفكر والسلوك داخل المجتمع العربي في إسرائيل ؟؟؟
لا ارى تناقضا كالذي تظنوه. نجحت اسرائيل، حتى قبل اقامة الدولة بتجنيد أوساط عربية للقتال الى جانبها (مفاجأة ؟؟) راجعوا الكتابان الهامان، "عرب طيبون" (ترجم للعربية) و"جيش الظلال" (بالعبرية وسمعت انه يترجم للعربية) للباحث الاسرائيلي من الجامعة العبرية د.هيلل كوهن، حيث يكشف مدى تعاون العرب مع الحركة الصهيونية، في بيع الاراضي وفي التعاون وخدمة مخططات الصهيونية، سياسيا واعلاميا واقتصاديا وعسكريا، قبل اقامة الدولة، لدرجة ان البعض يقيم الدور العربي في انتصار الصهيونية عام 1948 بالدور الحاسم.
لم أقرأ في حياتي أصعب من هذين الكتابين، وخاصة "جيش الظلال". وما اراه اليوم، رغم انه غير مقبول على العقل، الا انه نقطة في بحر التاريخ المأساوي لشعبنا. وحتى اثناء حرب 1948 ووصول الجيوش العربية، تشير كل الوثائق ان الجيوش العربية التي جاءت "تنقذ" الشعب الفلسطيني هي التي سلمت فلسطين، اذ انها امتنعت تماما وبشكل مطلق عن الدخول للمناطق التي حددت للدولة العبرية حسب قرار التقسيم (1947) للأمم المتحدة.
ومعروفة لدى ابناء الجيل الذي عاش تفاصيل النكبة قصص "ماكو أوامر" وعدم دعم المقاتلين الفلسطينيين في مواجهة الجيش اليهودي (ما جرى في الفولة – العفولة اليوم)، رغم وجود الجيش العراقي (مدينة جنين) مثلا على مسافة كيلومترات معدودة من ساحات القتال غير المتكافئ بين الفلسطينيين المسلحين ببنادق واسلحة خفيفة وبين الجيش اليهودي المسلح بافضل التجهيزات العسكرية والفرق المدربة .
ومن القصص الجديدة التي سمعتها ان قرية الصفصاف (سفسوفة اليوم – بلدة يهودية) المحاذية لجبل الجرمق (ميرون) لم يتيسر احتلالها الا بعد توارد مسلحين عرب من التلال المحيطة بالبلدة الصامدة، التي ردت كل الهجمات عليها، مما أوهم السكان انها قوى لدعم صمودهم، وكانوا من المجندين العرب في الجيش الصهيوني، الذين سهلوا احتلال البلدة وتنفيذ جريمة تطهير عرقي بالسكان ذهب ضحيتها أكثر من 60 مواطنا .. وتشريد الآخرين الى لبنان ..
بالطبع هناك ظاهرة تمرد واسعة لدى الأجيال الشابة، ولكني لا أرى، تغييرا جذريا حتى الآن !!


نص لقاء أجراه موقع آفاق ( واشنطن ) مع نبيل عودة
www.aafaq.org

ليست هناك تعليقات: