الثلاثاء، يوليو 22، 2008

مع أبي حيدر سعدي يوسف / عتاب ثقيل الوزن

د. عدنان الظاهر


كنتُ إذ قرأتُ ما كتبتَ قبل يوم أو يومين في موقع الحوار المتمدن تحت عنوان [ الشعب الأمريكي يحرر الشعب العراقي من جلاديه ] ... كنتُ على وشك أن أكتب رداً موجزاً على مقالتك هذه لكني ترددتُ أو تلكأتُ ولم أفعل . غير أنَّ مقالة الأستاذ مثنى حميد مجيد في موقع صوت العراق لهذا اليوم ، يرد فيها على مقالتك إياها ، شجعتني وأثارت الهمة فيَّ أنْ اردَ عليك وإنْ كنتُ التالي والفضل كل الفضل لمن سبقني فالسابقون أولى بالمعروف !
كيف فاتك عزيزي سعدي يوسف أنْ تعرف أسباب تعهد المرشح الأمريكي الجديد للرئاسة بجدولة إنسحاب القوات الأمريكية من العراق وإتمام هذا الإنسحاب في فترة 16 شهراً وهي معروفة للداني والقاصي وعلى رأسها خسائر أمريكا البشرية والمالية وتردي سمعتها الدولية وفشل مشروعها الإستعماري الجديد الذي أرادت منه أمريكا أن يكونَ العراقُ اللبنة الأولى في مشروع الشرق الأوسط الجديد بعد ان فشلت محاولتها الأولى في لبنان ؟ هل في تعهد السيد أوباما بالإنسحاب من العراق علاقة بتحرير الشعب العراقي من جلاديه كما تفضلتَ فكتبتَ ؟ لماذا يحرر الشعب الأمريكي الشعبَ العراقي ومتى كانت أمريكا او حكوماتها المتعاقبة على الحكم في الإدارات الأمريكية المختلفة ... متى كانت حريصة على تحرير الشعوب من حكامها الجلادين وأمامك الكثير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الكثير من هؤلاء الحكام الجلادين من أعوان وأصدقاء وصنائع أمريكا ؟ بلى ، المرشح الرئاسي أوباما حريص على تحرير شعبه الأمريكي لا الشعب العراق من هذه الورطة ـ الكارثة التي وقع المستر بوش وإدارته فيها فتردّى وتردت حكومة المحافظين الجُدد إلى الحضيض بل وإلى أسفل سافلين .
أفهم انك شديد الإعجاب بالولايات المتحدة الأمريكية وقد سبق لك وأنْ عبّرتَ عن هذا الإعجاب في قصيدة لك حملت عنوان
America, America
( كتاب قصائد ساذجة / منشورات دار المدى 1996 )
حيث كررتَ حتى بشكل يبعث الملل في نفس قارئك جملة
God save America
My home, sweet home
وحيث أكدتَ أنتَ بلسانك العربي الفصيح إعجابك بكركرات الممثلة مرلين مونرو وحبك للجينز الأمريكي والجاز وجزيرة الكنز وببغاء جون سلفر ونوافذ نيوأورلينز ومارك توين ومراكب المسسبي وكلاب إبراهام لنكولن وحقول القمح والذُرة ورائحة التبغ الفرجيني . إنْ كنتَ جاداً لا هازلاً ولا هازئاً في الإعراب عن حبك هذا لكل هذه الأمور فإن َّ موقفك من إسم أمريكا ودعوتك لربك أن يحفظ أو ينقذ أمريكا وطناً ووطناً رائعا وليس لذيذاً حسب ترجمتك إذ قلتَ ( يا رب ، إحفظ أمريكا ... موطني ، موطني اللذيذ / الصفحة 89 من كتاب قصائد ساذجة ) ... أقول : في هذه الدعوة وهذه المناجاة الربانية وجهان للتفسير محتملان : وجه حقيقي يكشف عن حبك وهوسك المبكر في حب أمريكا كما هي وبكل من وما فيها ، ووجه آخر لا يخلو من سخرية مبطنة لكني أميل للتفسير الأول إذ إنكشفتَ أخيراً أو فضحت نفسك في مقالتك موضوعة النقاش . كان غرامك بأمريكا يجري في عروقك منذ أن كنتَ في دمشق الشام وما قبل هذه الفترة . كنتَ تحلم بالغرب وأنت في صميم الشرق . كنت مغرماً بالرأسمالية حد العشق الصوفي لكنك كنت في المعسكر الإشتراكي والمناهض للرأسمالية . روحك كانت هناك لكنَّ جسدك كان هنا في الشرق. كنتَ منقسماً على نفسك وأنت تدري بحقيقة هذا الإنقسام أو الإتفصام . كنتَ تحلم بفرصة مؤاتية تأتيك من السماء السابعة لكي تخلع نفسك عما كنتَ فيه وأن تتجه صوب الغرب الرأسمالي جنة ً أخيرة ً لك . وما أن وافتك هذه الفرصة لاجئاً في لندن حتى إطـمأنت نفسك أنك غدوتَ قريباً جداً من أمريكا . وبالفعل ، ما أنْ أصبح الجواز البريطاني في جيبك حتى أصبحت زائراً دائماً لأمريكا الشمالية تتباهى مثل (( معيدي لندن )) بكثرة هذه الزيارات . أمريكا هي مثلك الأعلى وهي غاية مطامحك حيثُ إختلطت الأمور عليك حتى قبل أن تبلغ الثمانين وهي سن الخَرَف والتخريف . في إندفاعتك الساذجة هذه كشفتَ عن طبيعة نشأتك الريفية الفقيرة الأولى فبهرتك أضواء مدينة نيويورك وملاهيها وشوارعها وناطحات سحابها ودعارتها وجنونها ومخدراتها لذا حقَّ عليك ان تدافع وتمتدح وتزكي مواقف سياسية ( تكتيكية ) للمرشح الأسود(( باراك علي أوباما )) ويخدعك الوهم المضلل والقاتل أنَّ الشعب الأمريكي يحرر الشعب العراقي !! تُرى ممَ يحرره ؟ أمريكا نفسها هي الجلاد الأول والقاتل الأول والغازي والمحتل . إذا إستطاع أوباما ـ بعد وصوله البيت الأبيض ـ فلسوف يقوم بتحرير شعبه أولا وآخراً وليس العراقيين . سينقذ أمريكا من ورطة كبيرة لم تسبقها إلا كارثة الحرب الطويلة في فيتنام . إنه معني ٌّ بالدرجة الأولى والأخيرة بتحرير أمريكا من عصابة ومافيا المحافظين الجُدد وإنقاذها من مستنقع الدم والهوان والذل والخيبة .
ختام وتعليق جانبي : أتساءل فيما لو وصل أوباما البيت الأبيض رئيساً جديداً ونفذ وعده بالشروع بحسب القوات الأمريكية من العراق ... ما سيكون موقف البيادق المعروفة ممن صفقوا وروجوا وتحمّسوا ورقصوا وهزوا الأرداف والأكتاف دون حياء أو أدنى حس وطني ... لإتفاقية القواعد العسكرية والبقاء طويل الأمد على أرض العراق ؟ ما سيكون موقفهم بعد أن يسحب أوباما البساط والأرضية من تحت مؤخراتهم العريضة المعبأة لحماً ومالاً وشحماً ؟ بأي وجه سيواجهون العراق والعراقيين وأجياله القادمة ؟

ليست هناك تعليقات: