د. حبيب بولس
أعرف جيدا أن أنا الشعراء والأدباء منفوخة قليلا وهذا شيء طبيعي في مجتمع يحترم الأدب وينزل شعراءه في أعلى المراكز الاجتماعية, وينظر إليهم كآلهة, إذ هل الأدباء بشر؟ كما صرح مرة أديبنا الكبير اسحق موسى الحسيني في مقاله المشهور. وان كنتم لا تصدقون كلامي فانظروا إلى الحاصل بين الأدباء, سيما الشعراء منهم, فما أن يصدر احدهم ديوان شعره الأول حتى يتوقع من الجميع أن يتهافتوا عليه درسا وتمحيصا, وان يولوه الاحترام والتبجيل وان يعقدوا له محافل التكريم, والشواهد على ذلك كثيرة. ولكن صاحبنا الشاعر ينسى أو يتناسى انه من غير المعقول أن يصل إلى القمة من تجربته الأولى لان طريق القمة مرصوف بالعثرات والمصاعب, وعليه أن يتحلى بالصبر كثيرا كي يكون الوصول ذا لذة ومتعة وتبرير. ولكن أخانا لا يصبر بل يريد القفز سريعا ضاربا عرض الحائط بكل اللوازم والضوابط والمستلزمات, فهو يعرف لكنه يتجاهل أن الديوان الأول مهما كانت فحولة الشاعر يلفت النظر لفترة معينة, ثم يأخذ بريقه يخبو تدريجيا ليفسح بذلك المجال لديوان آخر جديد, ولا يعقل أن تستمر الاحتفالات بصدوره على مدار عدد من السنوات.
وعلى ما يبدو يخاف شاعرنا من الجديد لأنه على يقين ربما- والمرء أدرى بنفسه- من أن هذا الجديد لن يأتي سريعا, لذلك هو يرهب أن تتوقف المسيرة ويريد لها أن تستمر كي لا تنساه المحافل الأدبية سريعا, وبسبب كل ما ذكر آنفا ينهج صاحبنا نهجا مدروسا توصيفه كالآتي:
حين يصدر ديوانه الأول يبدأ بالترويج له, وهذا حقه- فهو ديوانه الأول بعد سنوات من المعاناة, ويروح يفرض نفسه على المنصات الشعرية والندوات هنا وهناك بالتخجيل تارة وبالعلاقات الخاصة تارة أخرى. ويحبر الخبر تلو الخبر للصحف عن مشاركاته في تلك المنصات والندوات, حتى بات واحدنا من المهتمين بالأدب لا يقرا من أخبار أدبية محلية, سوى عن ندوات شارك فيها هذا الشاعر أو عن منصة ألقى من عليها قصيدة.
فمنذ أن يصدر ديوانه الأول وشاعرنا لا يهدا ولا يستكين, ولا يتحدث إلا عن شاعريته, وعن حرارة استقباله في محافل الشعر وعن إعجاب الناس به على أنواع ثقافاتهم وألوانها, وعن ذهولهم أمام هذه الموهبة, وعن دهشتهم من هذا الشعر الفذ, وعن تساؤلاتهم واستغرابهم, أين كان كل هذا مخبأ؟ وكيف يمكن أن يحرموا من هذا الدفق الرائع!! وأي ظلم هذا الذي لحق بهم طيلة سنوات كثيرة؟! فهم بحاجة إلى هذه الاشراقات والالتماعات الشعرية أكثر من حاجتهم إلى الخبز, لذلك هم عاتبون على الشاعر على هذا الشح والبخل في نقل تجربته الفريدة إليهم وفي استنهاض هممهم التي شاخت وإنارة عقولهم التي تبلدت وإثارة مشاعرهم التي تجمدت وإعادتهم إلى تراثهم الأصيل الذي عانى من الطمس والتحريف عقودا!!
فلو أنهم عرفوا هذا الشعر في الوقت المناسب لما جرى ما جرى, ولما حدثت النكبة ولا وقعت النكسة, ولا اضطروا إلى الخوض في جحيم المقلاة والى تذوق طعم الذل والانكسار والعوز والفقر وبؤس اللجوء.
انه حكمة الدهر ومفتاح أسرار الوجود ومفك طلاسم الحياة وسبر أغوار البشرية. انه العلة والمعلول في آن معا, فلو أنهم قرأوه في حينه, لو انه لم يتأخر عليهم, لما خفي عليهم ما خفي. لو عرفوا به قبلا لفضحوا أسرار اللعبة وأجهضوها في مهدها. لذلك هم عاتبون على الدهر, وعلى الناس, وعلى الشعراء, وعلى المثقفين والأدباء وعلى الشاعر طبعا أكثر من غيره, لأنهم جميعا شاركوا في هذه الجريمة. ولكنهم صمتوا على مضض, ولاكوا مرارتهم ولسان حالهم يقول: "الآن أحسن من فيما بعد", كما يقول المثل الانكليزي. فتدفقوا إلى الندوات والمنصات بجموعهم الغفيرة لينهلوا من هذا النبع الثر, من المطلة إلى ايلات, ومن عجة وعنزة إلى غزّة, والمد لا يريد له الشاعر أن يتوقف واحسبه لن يتوقف إلا مع بداية الألفية الرابعة, حيث ربما في حينه يولد عبقري آخر يطمس ما عندنا, لان عباقرة الشعر وشاعرنا منهم- كما يتخيل- لا يولدون إلا بعد عناء شديد ولماما, وربما مع إطلالة كل ألفية, ونحن شهود على ذلك, اذ لم يلمع شاعر في الألفية الثانية سوى شاعرنا الذي طمس سابقه المتنبي, ذاك الذي لمع نجمه في الألفية الأولى وهكذا دواليك.
أما المهتمون حقيقة بالأدب والشعر وعلى معرفتهم, وبعد أن يزول عنهم شلل الصدمة, وترحل الشدهة, ويغادرهم الانبهار, يحاولون بما لديهم من أدوات – وهي متواضعة – والحق يقال أمام هذه الظاهرة الفذة – استكناه هذا الشعر وفهم مغاليقه واستيعاب حرارة الاحتفاء به وسبر عبقريته وقد يعوزهم في ذلك استصراخ ربات الشعر جميعها. أما هؤلاء المهتمون فيعترفون بعد جهد واسى بأنهم قد أخفقوا. وأنا أتساءل أي زمن هذا الذي نحن فيه؟! وأي استخفاف هذا؟! ما الذي يجري؟ والى أين سنصل؟!
أسئلة كثيرة تراودني وأنا أتابع الأخبار التي تنشر أو التي ينشرها هذا الشاعر المبتدئ عن نفسه بوتيرة عاليه وبديمومة ملفته للنظر أن يقوم نفر من الكتاب بالكتابة عن ديوان شعر يصدر حديثا, خاصة إذا كانوا من أصدقاء الشاعر, تشجيعا, أمر افهمه, ولكن أن يصل الأمر إلى الحد الذي وصفته سابقا – وأنا لا أبالغ- أمر يعز علي فهمه ويستعصي على مداركي.
حين يصدر ديوان ما لشاعر ما يخوض التجربة الأولى في مضمار الأدب ويكتب عنه بعضهم بإيعاز من الشاعر مقرظين ومستعرضين , أمر مقبول. ولكن الأمر غير المقبول هو أن يشعر القارئ بان الكتابة عن الديوان كتابه مغتصبه, وان أصحابها فعلا مستكتبون , لان الكلام عن الديوان يكون عائما غائما حائرا يلتف على الحقيقة حينا, ويجانبها في آخر, الأمر الذي يشي بأنهم كتبوا ما كتبوه خجلا وتخجيلا وحرصا على علاقة أو خوفا من تقريع . ولكن شاعرنا صاحب هذا الديوان لا يفهم الحقيقة, بل يراها على العكس ويعتقد أن ما قيل عن شعره مقصر, لذلك لا يكتفي به, بل يروح يستنفر هذا وذاك , خاصة إذا كانت له علاقات مروحيه , لكتابة المزيد دون أن يبخل طبعا بنشر كل ما قيل أو كتب, وكان العالم متعطش لسماع ذلك, أو كأن مسيرة الأدب لن تكتمل إلا بذلك.
وعلى كثرة ما يقال وينشر ينتفخ صاحبنا ويصدق ويستمرىء اللعبة ويغرق فيها ويغرق معه الكثيرون, سعيا وراء الشهرة السريعة دون أن يعلم أن الشهرة على هذا الشكل غمامة صيف سرعان ما تنقشع, ولا يبقى من الشعرالا أهمه . حتى يصير الأمر عنده حالة مرضيه وظاهرة شائهة يجب اجتثاثها قبل استفحالها.
وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد, بل نراه يتطور إلى أمور لم تخطر على بالنا وما كانت في حسباننا. فصاحبنا يسعى بحكم علاقاته إلى استنفار الكتاب والأدباء والنقاد ليتدارسوا هذا الديوان ولينهالوا عليه بالفحص والتدقيق والتمحيص والغوص في مكنونه لمعرفة ما خفي منه وما اختبأ بين السطور, نظرا لأهميته فهو "المنقذ من الضلال" في هذا الزمن الرديء. وهو "الديوان العروس" و "يتيمة الدهر" فعلى هؤلاء الأدباء والنقاد المستكتبين أن يعكفوا على الديوان ليالي بطولها حتى يخرجوا منه بالنتائج التي لا يوفر ذاك الشاعر جهدا في نقلها للصحف , ولولا الحياء لأعلن أن ديوانه معجز أو أنه كتاب " مسخ كائنات أو فيد" أو " جلجامش العرب" و " فردوسهم المفقود". والذي يفاجىء حقا هو المديح الذي يكال بلا رصيد , وبلا جمله نقدية علمية واحده . فما يكتب يستدعي إلى المخيلة عددا من المريدين يحيطون بقطبهم وهم عاكفون على التقاط أقواله وكلماته خوفا من أن تضيع عليهم كلمة , أو أن تهرب منهم فكره, أو أن تفلت منهم بارقة. أي كلام هذا؟! وأي استخفاف بالأدب؟
ألا يعمل هؤلاء الكتاب الذين ينزلقون إلى عمل كهذا حسابا بأن كلامهم غير المدروس سيزيد شاعرنا انتفاخا أكثر من ورمه القائم. واحسبني أنه يصدق كل كلمة مجامله ذكرت فيروح يعاتب الكل فردا فردا وجماعات جماعات, من مؤسسات وجمعيات, ومجالس , إذ جميعهم في رأيه بعد الانتفاخ الذي أصابه لم يول ديوانه الاهتمام الكافي!
أين هم؟ كيف لم يلتفتوا إلى ديوانه كي يلحنوه ويسجلوه على الأشرطة ويخلدوه بالرسم وبالنحت وبالكتابة بماء الذهب!!؟ كيف لم يحنطوه ويحافظوا عليه ليعلق على جدران المؤسسات الرسمية والوطنية وعلى جدران المعاهد العلمية فهو تميمة وتعويذة تقي الناس شر الأيام. لذلك علينا جميعا أن نزين صدورنا وأعناقنا به, إذ منه سيتعلم الخلف شرف الأصالة, فهو ثمرة جهد من الإبداع وأعمال الفكر, كل كلمة فيه جوهرة تقطر حكمة ومنفعة فاقت حكم "لقمان" و "الحلاج" و "طاغور", كل كلمة فيه تصلح لان تكون مجلدا على الأجيال أن تدرسه كلمة كلمة, لا بل حرفا حرفا لو يعقلون, فهو ثمرة عين الأدب, ودرة العصر, وطرة الدهر, هو بيضة ديك لم يكن قبلها قبل ولن يكون بعدها بعد, إلا اللهم في الألفية المقبلة, وربما إن هذا الأمر ليس مضمونا. كيف لم يلتفت إليه النقاد والدارسون فهو أشبه بثور جُماع على الجميع من المعنيين بالأدب أن يدللوه ويعلّفوه ويسمنوه كي يحصلوا منه على مصل ليحقنوا به شرايين شعرهم وأدبهم علّه يستقيم ويزول عنه الترهل والدسم ويغادره اللغو ويرتد إليه البهاء ويستيقظ بعد سبات. وربما تأخذه هذه الفكرة فيروح يحضر لذلك ويستل من الديوان نسيلة يوزعها على المعنيين كي ينتفعوا بها وبما جاء فيها لتكون مصلا حاقنا محقونا وشاعرنا يعتب ويسال ليل نهار " هل غادر الشعراء من متردم؟!" وهل " أقفرت من أهلها ملحوب؟!!".
أي تعهر هذا؟! وكيف يمكن السكوت عنه؟! والى أين سنصل؟! وليتنا نقف عند هذا الحد, لكنا بلعناه وسكتنا. ولكن شاعرنا ولفرط ما ينافق له البعض, ولفرط ما يحيطه البعض الآخر بالتضخيم جادين في ذلك أو مازحين, يصدق نفسه ولا يعود يكتفي بالشعر, فينتقل إلى التنظير الشعري, فيدأب على نشر أخبار عن نفسه كمحاضر ومنظر, ولفرط ما ينشره عن نفسه كمشترك في هذه المحاضرة أو تلك الندوة وفي أماكن لم نسمع بها, نحسب أن نظرية شعرية أو بلاغية جديدة سوف تولد قريبا يكون هو صاحبها ستبز ما جاء به "قدامة" و "الجرجاني" و "ابن رشيق" و "ابن حزم" و "القرطاجني" من القدامى, و "تي اس اليوت" و "عزرا باوند" و "جابر عصفور" و "إحسان عباس" من المحدثين. والأنكى من ذلك أن صاحبنا بعد أن يصدق نفسه يتضايق إذا ما ذكر احد شعرائنا الكبار أمامه حتى بات الكثيرون يتجنبون ذكر "محمود درويش" و "سميح القاسم" و "الفيتوري" و "أدو نيس" وغيرهم من الكبار, خوفا من غضبه, فلا أحد يملأ عينه ويصل بشاعريته إلى مستوى شعره , ونجده يصرح دائما بأنه يتحدى الجميع وبالذات " سميح القاسم" لأنه موجود بيننا أن يتجرأ على الوقوف معه على منصة شعرية.فعبقريته لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها عنزان كما جاء في دعاية سلكوم مؤخرا.
أليس هذا انفلاتا؟! وهل يمكن السكوت؟!
ألا ترون معي أن هذه الظاهرة فعلا مقلقه خاصة اذاكنا نحترم أدبنا ونريد له ألارتقاء؟! ألا ترون معي أنه آن الأوان لنرفع أصواتنا ضد هذه الترهات والاستخفافات ؟! ألا ترون إلى أنه حان الوقت لاجتثاث مثل هذه النتوءات والشوائه من أدبنا كي يستقيم دربه ويصلب عوده. ذلك إذا كنا نحبه ونحب مصلحته؟! على رسلك أيها الشاعر المبتدئ , خفف وعلى مهلك , فدرب ألإبداع طويل شائك وما زلت في بداية الطريق ولا يمكن لك مهما روجت ومهما تشظت علاقاتك وتنوعت ومهما هددت وتوعدت أن تصل من الخطوة الأولى . إذ " رحم الله امرءا عرف قدر نفسه".
وأخيرا, هل قسوت؟ ربما, ولكن الأمر اخذ في الاستفحال ويحتاج إلى القسوة قبل أن تستفحل هذه الظاهرة المرضية وتتفشى.
ولنا مثال في ديوان شعر هو باكورة احدهم نشر قبل فترة يجسد هذه الظاهرة الشائهة وأمر مبكياتك خير من أمر مضحكاتك وبالله التوفيق.
drhbolus@yahoo.com
– ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية .
هناك تعليق واحد:
هل نحن قادرون على تحقيق انطلاقة ثقافية ؟
الصرخة المدوية التي أطلقها الناقد والمحاضر الجامعي الدكتور حبيب بولس في مقالته " ظاهرة أدبية مقلقة " المنشور على هذا الموقع ، يجب ان تلفت أنظار المبدعين والنقاد الى حقائق مؤلمة في ثقافتنا المحلية. تعيق تطور ثقافتنا وانطلاقتها. من أبرز هذه المعوقات زرع الوهم بالاكتمال الأدبي لدى المبتدئين . .
ان الثقافة ، أو الابداع الثقافي بالتحديد يحتل حيزا واسعا من تفكيرنا كمبدعين . هل واقع مجتمعنا يتماثل مع أحلامنا الابداعية ؟ وهل استطعنا كمبدعين ان نتحول الى الصوت المعبر عن واقعنا ، والمؤثر على صيرورتنا الفكرية ؟ وما هو دور النقد في دفع العملية الابداعية ورصدها؟ وكيف يتخلص نقدنا المحلي من سباته العميق ونهجه المدائحي المدمر ، والذي يزرع الوهم لدى الشباب ... وغير الشباب ؟!
للاذاعات برامج ثقافية ، للتلفزيونات أيضا برامج ثقافية ، مواقع الانترنت ملأى بالزوايا الثقافية ، وللصحافة المكتوبة توجد صفحات ثقافية ، وصدقوا أو لا تصدقوا ، حتى لصحافتنا العربية في اسرائيل توجد زوايا ثقافية ، أحيانا مع تسمية محرر ثقافي وعلى الأغلب بلا تسمية محرر ثقافي ، ورغم ذلك بالكاد يقع القارئ العاشق للأدب على ما يستحق جهد القراءة. فهل يستهجن أحد ان صحافتنا لم تعد تشد جمهور الأدباء والمثقفين ؟
تابعت في الأشهر الأخيرة نشاطات ثقافية عدة ، لم تزدني تفاؤلا بقدر ما أشعرتني بعمق أزمتنا . وعلى رأس هذه الأزمة اندماج العديدين من أصحاب القلم والرأي الثقافي والفكري ، بالتحايل الثقافي بعيدا عن النقد الثقافي ، أو ببساطة جارحة ، بالتزوير الثقافي ، متناسين أن صفة المثقف التي يلتصقون بها ،لا تكتمل بدون الاستقامة الشخصية والمصداقية الثقافية.
ان غياب المصداقية من فعلنا الثقافي له اسقاطات سلبية ، آنية وعلى المدى البعيد ، على تطور حركتنا الثقافية وجعلها حركة فكرية أجتماعية لها صوتها المسموع والمؤثر .
هل سرا أن بعض الحركات الثقافية أوصلت ممثليها لقمة القرار السياسي – الرئيس هافل ، الشاعر والمسرحي ، في التشيك مثلا ؟ وهل سرا ان موقف المثقفين من قضايا مجتمعهم وعالمهم يشكل حاجزا امام الكثير من القرارات الخرقاء لدول عديدة في العالم ؟ وهل نتجاهل ان صوت المثقف في مجتمع حضاري أقوى من البنادق في التأثير على الرأي العام؟
رؤيتي لواقع أزمة ثقافتنا العربية في اسرائيل ، بانه توجد قطيعة شبه كاملة في العلاقات بين حياتنا الثقافية والفكرية من جهة ، وبين القارئ ، والمجتمع الذي يدعي الكثيرون انهم يمثلوه في ابداعهم ونصوصهم المختلفة. وما يزيد أزمتنا غياب واسع للثقافة النقدية . ولكن من تجربتني أعرف ان مجتمعنا متعطش للصدق مهما كان مؤلما .. ومتعطش للنقد بكل مجالاته وامتداداته .
نحن مجتمع متهم أيضا انه لا يعطي للمثقفين دورا ، ومعروف ان أصحاب الأدوار وصلوا بدون وجه حق ، وفي غفلة من الزمن .
من المؤسف أن الثقافة في حياتنا لا تشكل الا بندا غير قابل للتنفيذ ، ان تكتب قصيدة جميلة ، قصيدة حب مثلا ، هذا أمر جيد ورائع ... والسؤال ، عدا جمالية اللغة والموسيقى والمشاعر ، هل أوصلت ، ايها الشاعر أو القصصي ، في حالة النص القصصي ، هل أوصلت رسالة حضارية ؟ فكرة انسانية ما ؟ تجربة حياتية تستحق جهد القراءة ؟ نقدا ما حول واقع يجب ان نتجاوزه ؟
الابداع هو فعل هادف منظم ومسؤول نحو هدف . ادوات المبدع هنا هي اللغة والفكر ، ولكن اللغة لوحدها ليست هي الهدف ، كما لاحظت في كتابات كثيرة . لا شك ان استعمال اللغة ومفرداتها ، هو فن بحد ذاته ، ويضفي على الأبداع الحقيقي جماليات خاصة تعمق قيمة الابداع وأثره.
الانسان الذي لا يملك هدفا في الحياة ، هو بنفس الوقت لا يملك مشروعا ثقافيا ، حتى لو كان استاذا في علم اللغويات.
يقتضي ان يكون للأديب أو المثقف ، مشروع حياة يرتبط بقضايا مجتمعه وعالمه. للأسف هذا ما أفتقده في الأكثرية المطلقة مما ينشر من ابداعات شعرية أو قصصية ، ومن نقد أدبي ومحاورات فكرية وثقافية. لنا تجربة غنية . حققنا انجازات ثقافية في مسيرتنا غير السهلة. ونحن قادرون على مواصلة المسيرة .. والصعود من جديد!!
(كتب هذه الكلمة : نبيل عودة)
موقع احساس عيون الكون
إرسال تعليق