الجمعة، أغسطس 31، 2007

أنا أذكى واحدٌ في الكون!

سعيد علم الدين
أنا أذكى واحدٌ في الكون!
وبصوتٍ من شدةِ السُّعالِ الديكي مقحوح
ومن كثرةِ الاستعمالِ الثرثري مبحوح
وعلى الروابي بلا مردود
لصاحبهِ مشلوح
..
وبلسانٍ غريب ذي جنوح
منفلتٍ من اللياقةِ والقيود
وتهجمٍ عدائيٍ سخيفٍ حقود
ومن صلابة ووحدة وصمود
أحرار 14 آذار محسود
..
وبعنقٍ منتفخٍ متشنجٍ مشدود
ووجهٍ أحمقٍ معقَّدٍ نمرود
يكاد يفقع كالبارود
في وجه كل من لا يرضى به خلفا للحود
..
وبرأسٍ شاردٍ كالفرسِ الجموح
يبشرُ بالحرب الأهلية ويجود
..
وبفمٍ يقول ولا يدري ما يقول
فيخلطُ الوصايةَ بالحمص بالفول
وإن تحدث عن السيادةِ والقرار الحر
فإلى الوراء يا شعب لبنان در!
..
ويسيل كلامه القبيح
كالقيحِ من الدمَّلِ المستمر
فيهذي يمينا يخبطُ شمالا
يتقلب على جنبيه ويروح
حسب هبوب الريح
أو أوامر ولاية الفقيه
وإلى البعيد البعيد
عن مبادئ الديمقراطية يتيه
..
هو حقا انسانٌ مشلول
في أنانيته سحيقا يصول
وبداء العظمة مريضا يجول
ولتحقيق مصالحه على حساب الوطن
خرج عن المعقول
وفي الحصول على كرسي الرئاسةِ طَموح
برنامجه الرئاسي الفريد
لا يحتاج إلى توضيح:
فمن هنا كلمةٌ من غاز
تشتعلُ دون صب كاز
ومن هناك جملةٌ بلا ألغاز
يفهمها الشعب العوني الممتاز
بالطبع دون "طق حنك" وكثرة شروح
..
وهكذا بصدرٍ للانقلاب مشروح
ولمختلف مؤامرات 8 آذار مفتوح
ولقلبٍ بهوى المحور اللاهي مجروح
ولفؤادٍ بحب نصر الله وبشار مقروح
وكجنرال وحيد زمانه لبناني
دمر المدن ودك المباني
كسر القرميد
واحتل السطوح
وكقائد برتقالي ليموني
أين منه هنيبعل والاسكندر المقدوني
مخططٌ عسكري
مفكرٌ عبقري
شجاعٌ شمشوني
وكتسونامي جماهيري مليوني
وبعقلٍ ملتهبٍ ذكي
وقف ميشال عون البهي
أمام وفد شعبي
من قرى كسروان ـ الفتوح
وقال: " أعتقد أن من يستغبي الناس يكون هو الغبي".
أو الأصح أراد القول
أنا القائد ميشال عون
أنا أذكى واحد في الكون
بالحرب دوخت شارون
وبالسياسة أفلاطون
ولو طلع من قبره نابليون
ل اعترف إني مجنون
**

الخميس، أغسطس 30، 2007

ذُبابةُ فرعون


سامي العامري


مقالة في إشكالية مصطلح الأجيال الشعرية وقضايا أخرى

ليس من طبعي الهجاء او أن أصل بالقصيدة الى مستوىً بحيث أجعلُها أداةً للكشفِ بطريقة مباشرةٍ عمّا أعتقده زيفاً ولكني ربما لم أجد طريقة أخرى يفهمها البعض ومنهم الشاعر فاضل العزاوي غير هذه اللغة رغم ( تجاوزهم ) لها .
ومن بين ما هدفتُ اليه كذلك هو التذكير بأنَّ البحور العربية لا يمكن أن تتهاوى او تُزال بجرَّة قلمٍ من أناسٍ لا يدركون أسرارَها العميقة تماماً ولا يفقهون بالتالي أسرار اللغة العربية , وبالمناسبة , آخر قصيدة قرأتُها للعزاوي كانتْ موزونة ! ولا أدري أين هي فلسفتهم السابقة التي فَلقونا بها ! وممّا زاد من ثقتي بذلك أنَّ العديد من الشعراء والمثقفين من سبعة مواقع علَّقَ على قصيدتي تلك وأغلبهم كان يعاتبني وجُلُّ عتابهم كان يدور حول محورٍ واحدٍ وهو أنه ما كان عليَّ أن أَعرضَ قصائدي على شاعرٍ ما , أيِّ شاعرٍ حتى ولو كان المتنبي , والمبدع الحقيقي هو مَن يكتب للتأريخ .
وهم مُحِقّون دون شكٍّ ولكنْ لا أحدَ ينكر أنَّ الحلَّ والربط في أمور النشر كثيراً ما كانا بيد العزاوي وبعض أصحابهِ من خلال عملهم في تحرير العديد من المجلات الأدبية وقتذاك وبودّي لو أستطعتُ غلقَ هذا الموضوع بالأمس قبل اليوم ! وسأفعل ولكن هذا لن يتمَّ من غير أن أوضِّحَ أمراً أراه مهمَّاً وعلى صلةٍ بهذه الموضوع ألا وهو مصطلح الأجيال فما يُقلقُ الكثيرَ من شعراء اليوم او المحسوبين على الشعر ليس الإبداعَ وإنما كيفية العثور على سبيلٍ للإنتساب الى الشعراء الرُوّاد وكأنها تميمةٌ تحفظ حامليها من مخاطر السقوط في مهاوي النسيان ومن هنا كان الإقتتال المُخْجِل بين العديد من القبائل وظهرتْ بشكلٍ لافتٍ للنظر ( أنطولوجياتٌ ) كثيرة للشعر العراقي والعربي تدعوك الى التهكُّم من شدَّة تباينها بل وتناقضها وإلصاقِ أشباحٍ لا تملك حتى أُولى مستلزمات الكتابة الشعرية كالإحاطة بالعروض والتمكُّن من اللغة والنحو وقبل هذا وبعدهِ تنمُّ عن انعدام الموهبة , والأكثر إستغراباً أنّ العديد من واضعي هذه الأنطولوجيات هم ليسوا بشعراءَ أصلاً ومع هذا تطلُّ عليك أسماءُهم من داخل هذه الإضمامة الجهنمية وتُتَرجَم نماذجُ من ( أشعارهم ) الى اللغات الأخرى بل وبعضهم يكتبون بلُغاتٍ أجنبيةٍ ما يظنونه شعراً بينما هم لا يعرفون كتابة الشعر بلغتهم الأُمّ !
فأية إساءةٍ تُقدَّم الى الشعر العربي ووجههِ الناصع حينما تُقدَّمُ هذه التفاهة الى القاريء الأجنبي من خلال حشدٍ من الإمَّعات باعتبارها خلاصةً للشعر العربي الحديث ولكن مع ذلك من المؤكَّد أن المستقبل سيكشف هذه الضحالة فلا تنعكس نتائجُها إلاّ على مَن حاول تعميم هذه الضحالة وهذه السهولة وهذا التجنّي , وواحدٌ من أسطعِ الأدِّلةِ على هذا التجنّي أنّ أغلب واضعيْ ما يُسمّى بالأنطولوجيات هذه يعرفني إنْ لم تكنْ معرفةً عن قربٍ فعلى الأقل قرأ لي وانا الذي نشرتُ أوَّل قصيدة لي في مجلة خليجية عام 1980 وكانت هذه المجلة تصل العراق ولم أعد أتذكَّرُ إسمها ولكنها لا تخرج عن هذين الإسمين إمّا الظفرة او اليقظة وكان من شعراء ذلك العدد إبراهيم زيدان , أتذكَّرُ اسمه وقصيدته جيداً , أقول : رغم أنهم يعلمون بأني أنشر وإنْ كان بشكلٍ ليس جادّاً نوعاً ما منذ 15 عاماً ويعلمون بأنَّ لديَّ من الأعوام في المُغترَبات ما يسيلُ لهُ لُعابُ التماسيح ! – كما عبَّرتُ في إحدى قصائدي النثرية الأخيرة - إلاّ أنهم لم يدرجوا اسمي ,
لماذا ؟
لأنَّ ذِكْرَ اسمي لا ينفعهم في شيء فهل بعد هذا أملٌ بمصداقيةٍ او نزاهة ؟
وطبعاً لستُ الوحيد فهناك العشرات من الأسماء التي تَمَّ تجاهلُها , ولكنْ الأكيد أنَّ الشاعر ذا الموهبةِ الحقيقيةِ والكبيرَ الروح والممتليءَ بالوطنية والحسِّ الإنساني الصادق لن يحتاج الى انطولوجيا عبد القادر الجنابي وغيرهِ كاعترافٍ بهِ
او بتعبير أدقِّ : إنَّ الشاعر الحقيقي يرفض أن ( يُبَوَّب ) أضِفْ الى ذلك أنَّ هؤلاء منذ البدء كانت لهم منابرهم الصحفية المقتصرة على مجموعة لا تتبدَّل ولا تتحوَّل إلاّ بقدر ما يتطلَّبه المزاج .
وعودةً الى مصطلح الأجيال أقول :
في الميثولوجيا الشعبية هناك حكايةٌ او حادثة طريفة تُنسَب الى فرعون وبعضهم ينسبها الى الإسكندر الكبير , تقول الحكاية أنّ فرعون على جبروتهِ قتَلَتْهُ بعوضةٌ او ذبابة إذْ أنها دخلتْ أذنَهُ فَحُشِرَتْ هناك فلم يستطع هو ولا أطبّاءُه ولا سَحَرَتُهُ إخراجَها فكان طنينُها المتواصل في رأسهِ يمنعهُ من الإستقرار في مكانٍ واحدٍ وفي الختام طلَبَ من أتباعهِ أنْ يستمروا في الضرب على رأسهِ بقبضاتهم وأحياناً بالعصيِّ وغيرها ! ففي تلك الحالة فقط كان يحسُّ بالهدوء والراحة !
ولكنْ رغم ذلك لم ينفعهُ هذا العلاج طويلاً فمات , والقاتل ذُبابة !
وواضحٌ أنَّ في هذه الحكاية دعوة الى عدم الإغترار والتعالي ولكني وجدتُ فيها مغزىً آخرَ إذْ أنَّ البحث غير المنقطع عن ( شُرْكةٍ ) مع أصحاب الحداثة الأوائل كانَ وما يزالُ يطنُّ في آذانِ العديدين من الذين جاءوا مباشرة بعد جيل السياب فأمامي كتابان يتحدَّثان
عن الدور ( الريادي ) لمؤِّلِفَي الكتابيَن ناهيكَ عن مقالاتهما السابقة في بعض المجلات وشبكة الإنترنيت وبما أنهما وجدا أنَّ حُجَجَهُما ليست كافية فقد بدأت هجماتهما على السياب واتهامهما قصائدَهُ بالركاكة والسذاجة والثرثرة الخ ...
وبعيداً عن قيمة قصائد هذا الشاعر من الوجهة الفنية و( الفكرية ) ولكن ماذا يريدون أن يقولوا لنا بمحاولتهم النيَلَ من هذا الشاعر او إدِّعائِهم مشاركتَهُ الريادة ؟! بل وأكثر من هذا أنهم حينما اكتشفوا أنَّ السياب ونازك وغيرهما باتوا حقيقة تأريخية حُدِّدتْ أبعادُها عمدوا الى مصطلح الأجيال فصرنا نسمع بشعراء ستينيين وآخرين سبعينيين وغيرهم ثمانيين وهكذا , بينما واقعُ الحال يقول : إنَّ هذه التسميات وهمية وبائسة قد تنفع مَن يريد أنْ يطَّلع على الراهن الشعري اليوم أمّا من حيث قيمتها المستقبلية فلا أعتقد أنَّ أحداً بعد الف عامٍ – هذا إذا بقينا على قيد الحياة فعلاً كشعبٍ عربيٍّ ودولٍ لها ملامحُ محدَّدةٌ على خارطة العالم السياسية والحضارية – أقول : لا أعتقدُ , مهما تخيَّلتُ أنَّ أحداً سيجلس بعد الف عامٍ ويقول : أحبُّ أن أقرأ لشاعرٍ ستّيني او سبعيني !
ولكننا نرى أنَّ جيلنا الحالي عاش ويعيش مرحلة انتقالية حاسمة في تأريخ التطور البشري وعلى الكثير من الصُّعَد العلمي منها والسياسي والثقافي بمعناه العام , ومن المفاصل ذات الأهمية او الدلالة التأريخية في هذه المرحلة مثلاً انهيار الإتحاد السوفيتي السابق والسيطرة على العالم اليكترونياً وغيرهما وأمّا عراقياً ونوعاً ما عربياً وإقليمياً فظهور نظام صدّام وحروبهِ الداخليةِ والخارجية ومن ثمّ شَنقهِ لاحقاً , كلُّ هذه الأحداث وسواها جاءتْ مؤطَّرةً زمنيّاً بدخول العالم قرناً جديداً بل وأكثر من هذا انتقالهُ من الفيِّةٍ الى أخرى . وعليه فالعالَم اذا أراد أن يُخلِّدَ عظماءَهُ من هذا العصر أدباءَ وعلماءَ ومفكِّرين - والعظماء قلائلُ دائماً - فقد يقول عن أحدهم : هذا عالِم مخضرم وهذا شاعر مخضرم وهكذا ولا يقول : سبعيني او ثمانيني !
وبناءاً على هذا , أين تقف حكاية الأجيال الشعرية اليوم ؟ إنها بلا ريبٍ خداعٌ
لذا فمِن المُستحسَن التخلُّصُ من هذا الطنين فالطِّبابةُ قد تطوَّرتْ كثيراً في عصرنا هذا بحيث لا يصعب عليها إخراج هذه الذبابة بمهارةٍ وبالتالي لا يحتاج مَن دخلَتْ أذنَهُ الى الضرب بالعصيِّ !
ومن مظاهر هذا الطنين أيضاً أنّ الجيل الستيني ينظر بغطرسة الى الجيل السبعيني ونفس الأمر مع السبعيني في نظره الى الجيل الثمانيني ! ولذا فعندما قرأَ فاضل العزاوي قصيدتي عنه أبى أنْ يردَّ عليها في الصحف او الإنترنيت ليدافعَ عن نفسهِ او على الأقلّ يبرِّر ما أوضحتُه عنهُ , وإنما اكتفى بإرسال سطرٍ واحدٍ لي في رسالةِ إيميل , يقول فيه بصيغة الإستفهام الإنكاري: وهل أرسلتَ الى مجلتنا قصائدك فأهملناها ؟ أبعثْها لي وسترى .
ومسألة التعالي هذه لا تخصُّ العزاوي وحدَهُ فهنا مثالٌ قريب آخر فقد نَشَرَ د. كاظم حبيب في عدة مواقع قصيدةَ الشاعر يحيى السماوي الجميلة في ردِّهِ على قصيدة لعبد الرزاق عبد الواحد وعلَّق عليها ولكنهُ لم يُشِرْ الى قصيدتي وهي ردٌّ أيضاً على عبد الرزاق حول نفس الموضوع ولمّا كتبتُ ردَّاً ونشرْتُه في عدة مواقع طالباً منه توضيحاً لم يوضِّحْ الملابسات بعدة سطور ينشرُها وإنما مثل العزاوي يعتبرني من جيل أكثر حداثة ! لذا فهو بعث لي برسالةِ إيميل قائلاً بأنه لم يسبقْ له أنْ اطَّلَعَ على قصيدتي , في حين بادرَ د. عدنان الظاهر فَنَشَرَ انطلاقاً من أمانتهِ العلمية توضيحاً أشكرُهُ عليه كثيراً تبيَّنَ لي من خلالهِ أنه قد حلَّ هذا الإشكال , والأديب الناقد الظاهر , وهو الأكاديمي , أوسع إطِّلاعاً من الإثنين على التراث الأدبي العربي وأكبر منهما سِنَّاً كما أحسب .
والآن وقد أصبحتْ تقنية الإنترنيت في متناول الكثير من البشر وأصبح المؤلِّف مؤلِّفاً وناشراً في ذات الوقت , عليّ أن أنوِّه الى أنَّ الإمكانات الكبيرة التي يقدِّمها الإنترنيت
هي من جانبٍ ثانٍ نقمةٌ على الكثيرين من مُحَرِّري المجلات المطبوعة التي تعنى بالشعر والأدب والتي بعضها لا يزال يصدر وإلاّ فكيف بإمكانهم التلاعبُ بأعصاب الكاتب بعد اليوم ؟


كولونيا

الأربعاء، أغسطس 29، 2007

نصائح للتغلب على الإحباط


علي جبر

إذا أصابك التوتر ووصل بك إلى حد الاستسلام والشعور بالعجز والرغبة في الانطواء فمعنى ذلك أن الإحباط قد تملكك‏.

وعليك عدم الاستسلام لهذا الإحباط الذي يعد من أخطر المشاكل التي يتعرض لها الإنسان بصورة مستمرة في حياته اليومية‏.‏

فالإحباط يؤثر تأثيرا سلبيا علي سلوكياتنا فهر يعوق تقدمنا في مسيرة الحياة ويجعل الشاب يبدو كهلا مكبلا بالهموم عاجزا عن الإنجاز,‏ وهي حالة شعورية تطرأ علي الشخص حين يتعرض لضغوط اجتماعية أو نفسية لا يستطيع مواجهتها‏؛ فتؤدي إلى التوتر ثم الاستسلام والشعور بالعجز‏، فحين يتعرض الإنسان ـ علي سبيل المثال ـ إلى مناوشات بالطريق ثم اختلافات في العمل ثم مشاحنات أسرية‏..‏ كل ذلك يدفع به إلى الانطواء والشعور بالإحباط، وللتغلب على هذا الشعور الذي قد يؤدي إلى الاكتئاب ننصح بالآتي‏:


1

‏ ـ اتباع طريقة التنفيس أو التهدئة الذاتية بأخذ شهيق عميق وزفير بطيء‏.

‏‏2

‏ ـ تفريغ المشاكل بالفضفضة مع صديق أو إنسان مقرب‏.

‏‏3

‏ ـ البكاء إذا أحس الإنسان بالرغبة في ذلك دون مكابرة‏.

‏‏4

‏ ـ الخروج إلى الأماكن العامة المفتوحة‏

.‏‏5

‏ ـ تدريب النفس على استيعاب المشاكل اليومية‏، باسترجاع التجارب المشابهة التي مرت به وتغلب عليها فيثق في قدرته على تخطي الأزمة‏

.‏‏6

‏ ـ تبسيط الضغوط النفسية‏، والثقة بأن أي مشكلة لها حل حتى وإن كان في وقت لاحق‏

.‏‏7

‏ ـ ممارسة الهوايات‏؛ لأنها تنقل الشخص إلى حالة مزاجية أكثر سعادة‏.

‏‏8

‏ ـ أن يترك الإنسان التفكير في مشاكله ويحاول إسعاد الآخرين,‏ فيجد سعادته الغائبة وليس الإحباط‏.

‏‏9‏

ـ تذكر أن دوام الحال من المحال والثقة بأن الوقت كفيل بإنهاء هذه الحالة‏.

‏‏10

‏ ـ الاهتمام بالغذاء‏، والحرص على تناول البروتينات الحيوانية والنباتية وعسل النحل والقرفة‏، لأن ما تحتويه هذه الأغذية من أحماض أمينية يعتبر مضادات طبيعية للإحباط‏.

غامضون مثل كوكب بعيد

سعيد الشيخ


شريدون،
يغتسلون بالفلسفة ورذاذ السماء
يفقأون دمامل الرصيف
في مقهى قريب.

قساة،
هائمون في صحراء
حضرة العدم
يسجدون
لقطرة حنان.

ينامون على زند ليل
كما لو مخدة لفظها زلزال
منذورون للاشتعالات
ما بين رحيل ورحيل
خارج الوقت،
يركبون الملح على الكبريت
يتفسّخ عطر الكوكب
تبقى الخرائب
غيوما مجرّحة بالعويل
تمطر نفيا /
هي فلسفة الشريد.

لا يمونون على وقت
طاعنون
في النرجس
للهباء والانتظار.

حينما العزلة،
هل يتذكرون..
كأن اسماكا
عزفت نايات الاعماق، وانصهرت
كأن هواء
إنسلّ في الرغبة، يؤججها
كأن شيخوخة
تهفو ولا تندم.

غامضون،
مثل كوكب بعيد
ان القصيدة تفهمهم
والحديقة
ورد يفضح الشرود.


كاتب وشاعر فلسطيني

الثلاثاء، أغسطس 28، 2007

صباحكم أجمل \ قمر و "دوثان"


زياد جيوسي

صباح الخير يا رام الله، صباح الخير يا وطن، أطلقها من نافذتي في هذا الصباح المبكر، فمنذ صباح الأحد الماضي لم أتمكن من مغادرة صومعتي، ومعانقة ياسمين ودروب رام الله في الصباح الباكر أو في الأمسيات، وما حرمني هو عارض صحي بسيط عبارة عن تورم مؤلم في ساقي، لكنه حرمني متعة السير وتنشق الياسمين، وإن أتيح لي مساء الأمس أثناء مراجعتي للطبيب بسيارة أحد الأصدقاء، أن أقوم بجولة قصيرة في بعض شوارع رام الله وبيتونيا، بعد أن طلبت من صديقي أن يتجول بي قليلاً، فقد كنت أشعر باختناق وضغط نفسي، فليس من عادتي أن لا أتجول في الدروب والشوارع، حيث أجد روحي في جولتي الصباحية، والمدينة تنـزع عن كاهلها عباءة الليل وعتمته، حين أتنشق الهواء البكر القادم محملاً بعبق بحر يافا، وأتحدث مع بعض الذين يحتلون الزوايا مع "البسطات" ليلتقطوا بعضاً من الرزق، فمن بائع الصحف اليومية عند إشارة متنـزه رام الله الضوئية، الذي عادة ما أجده يرتل القرآن الكريم بصوت شجي، يجبرني على الجلوس مقابله على حافة سور المتنـزه للاستماع إليه، إلى أبو محمود وهو يأخذ زاويته "المرخصة" ليبيع الخروب والسوس والتمر هندي صيفاً، والسحلب الساخن شتاءً، إلى أبو عماد وهو يستفتح نهاره برائحة الفلافل التي تسيل اللعاب، إلى عيسى الذي يقرر كل يوم أن يبيع شيئاً مختلفاً، فمرة ينادي على اللوز بموسم اللوز الأخضر، ومرة على الجرانك الحامضة بموسمها، وأحيانا بطاقات الجوال أو الصحف، وغيرها مما يخطر بباله من وسائل لتحصيل الرزق، إلى تلك الفلاحة العجوز التي تأتي باكراً بثوبها المطرز وتأخذ زاوية ثابتة، لتبيع النعناع والميرامية والبقدونس، ولا أعرف من أي قرية تصل للمدينة، تنادي بصوت يحمل أثار جمال وإن لم يخلو من تعب، تقول لكل من يمر من أمامها: "تفضل يَمّا كله بلدي قاطفته لسه طازة من الحاكوره"، وغيرهم الكثير من الباعة والبسطاء الذين أتجاذب معهم أطراف الحديث تارة، ورد السلام تارة أخرى، فأحاديثهم هي نبض الشارع الحقيقي، الذي لا يدركه الحكام ولا القادة ولا المسئولين، وكيف لهم أن يعرفوه وهم لا يعرفون الفجر المبكر، ولا يسيرون في الشوارع على أقدامهم، فسياراتهم حين تَمر تنهب الأرض بعجلاتها، وبنادق الحراس تحجب حتى نور الشمس عنهم.
جولة المساء بالسيارة في شوارع بيتونيا ومن ثم رام الله، ومروري من جوار مدرسة بيتونيا التي احتضنتني صغيراً، أثارت بداخلي الكثير من الذكريات اللطيفة، فلم تترك مدرسة من أثر وذكريات في ذاكرتي مثل هذه المدرسة، رغم أني تنقلت ما بين ضفتي النهر بحكم التنقل الدائم لوالدي ما بين سبعة مدارس حكومية، إلا أن مدرسة بيتونيا غرب رام الله كان لها التأثير الأكبر في حياتي، وحفر المدرسون العظام فيها ذكراهم في تلافيف الذاكرة، وبقيت ذكراها عطرة لم تفارقني أبداً.
ربما الجهود الكبيرة التي بذلها المدرسون معنا تركت هذا الأثر، إضافة للطبيعة الخلابة للبلدة التي رسمت بروحي عشق الطبيعة والجمال، وطيبة أهل البلدة وكرمهم الكبير ومعشرهم الجميل، إضافة لسبب آخر ربما كان له دوره أيضاً، فهي المدرسة الوحيدة التي جمعتني وأخي الأكبر مني وأخي الأصغر مني ثلاث سنوات متتالية، تركت في الذاكرة من ذكريات جميلة ورائعة الشيء الكثير.
يوم السبت الماضي كنا نحتفل على مسرح قصر الثقافة، بالمتفوقين من طلبة رام الله في الثانوية العامة، كانت مبادرة جميلة لبلدية رام الله، وقد شرفتني البلدية أن أتولى عرافة الحفل، وما بين فقرات الحفل أوردت العديد من الفقرات مما كتبته عن رام الله، مستذكرا بيتونيا ومدرستها، مستعينا بفقرة نثرية وقصيدة رائعة، كتبتها الشاعرة المغربية "مليكة صراري" عن رام الله، وهي التي لم تعرف رام الله إلا عبر ما تقرأه وتسمعه، كما كتبت لغزة والقدس وبغداد وغيرها، فتثير في روحي الإعجاب والتقدير، لهؤلاء الكتاب والشعراء بمغربنا العربي الكبير، بتقسيماته السياسية المتعددة، ومدى ارتباطهم بقضايا الهم العربي، وقضية فلسطين والهم القومي، وقد أتاح لنا عالم الشبكة العنكبوتية الهائل، أن نحتك ونتواصل مع العشرات منهم، وأن نقرأ لهم ونتتبع ما يكتبونه وهم يحملون قضية فلسطين والهم القومي على أكتافهم، فقبل ذلك لم نكن نعرف إلا القلة منهم ممن تصلنا كتبهم المطبوعة، أو من تداولت الصحافة الثقافية والمجلات أخبارهم، بعكس الكم الكبير الذي عرفناه من كتاب وشعراء مصر العروبة والسودان والشرق العربي، والعديد منهم ربطتنا صداقة طيبة عبر هذه الشبكة، كالأحبة والأصدقاء محمد معتصم، ومحمد عماري، وحسن المودن، وزكية العلال، ومليكة صراري، ومراد العمدوني، و غيرهم الكثير، مما لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً، وإن كانوا من خلال ما قرأت لهم والتواصل بيننا قد سكنوا القلب والذاكرة.
هذه الأيام التي تعبت بها لم أتمكن من السير في دروب رام الله، وفي نفس الوقت حرمت من الجلوس كثيراً أمام حاسوبي، فلم يتح لي التواصل المعتاد مع الأصدقاء والرد على رسائلهم، ولا إنجاز بعض من الكتابات والقراءات التي بدأت بها، فقد كنت أضطر معظم الوقت أن أكون في السرير، مما أتاح لي الفرصة أيضاً لتكثيف القراءة، ولعل الأجمل هو زيارة صديقي الشاعر عبد السلام العطاري، وتقديمه لي هدية ثمينة حقاً، وهي ديوانه الشعري البكر "دوثان"، ولعل ما شدني للقراءة والتعمق في هذه القصائد إضافة لجماليتها، أنني وبحكم صداقتنا ولقائنا شبه اليومي، كنت أعايش ولادة واشراقة الومضة الأولى لإبداع العطاري، واستمع إليه وهو يلقي قصائده على مسامعنا في رحاب صومعتي، بطريقته المتميزة بالإلقاء وصوته الجميل، وما يلي هذا من محاورات ومناقشات جميلة، فأتذكر صوته وهو يلقي علينا بعض مما ضمه الديوان لاحقاً، أستذكر منه هذا المقطع الجميل:
هذي رائحتُك يا وطني،
بنكهة البَنَّ الطازج
والبرتقالِ الأسيرِ
برائحة السَّرَّيسِ
بسخونةِ الشايِ المُعَشّقِ بأوراقِ المريَميّة.
صباحك أجمل يا وطني، والجرح ما زال ينـزف، وخاصرة الوطن تنـزف، والشهداء والجرحى يتساقطون، فمنهم برصاص الاحتلال ومنهم برصاصنا، فما كان ترفضه حماس وهي في المعارضة، أصبحت تمارسه بعد استيلائها على غزة، ولعل الأسوأ هو استخدام الرصاص، وقمع الإعلام والرأي الآخر، وقد أتيح لي المشاركة مع الإعلاميين والصحفيين منذ أيام، في اعتصام رمزي على دوار المنارة احتجاجاً، فالممارسات التي وقفنا ضدها طويلاً، ووقفنا وتضامنا مع حماس حين تعرضت لها، ها هي تمارسها بشكل أسوء بكثير، مما يزيد من حجم الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، ويكرس تقسيما بالقوة لا يستفيد منه سوى الاحتلال، في الوقت الذي يمارس الاحتلال عربدته من قتل واعتقال ومصادرة أراضٍ، ويُلوّحَ "بوش" بحرب جديدة سنكون بفُرقتنا ضحية من أولى ضحاياها، فالعدو الصهيوني هو المستفيد الأول من هذه الحروب، في الوقت الذي يتلهى العالم بأن زوجة الرئيس المنتخب لتركيا، ترتدي الحجاب على رأسها، وكأن هذه القطعة الصغيرة من القماش، هي من تهدد السلم العالمي، وتهدد بزيادة اتساع ثقب الأوزون ومخاطر الاحتباس الحراري، وزيادة الأمراض والحروب وانتشارها، فعجبي لهذا العالم الذي لا يمتلك إلا عيناً واحدة ينظر من خلالها..
صباح آخر وحلم بفجر جديد، أمل باللقاء وحروف خمسة، وكوب من الشاي الأخضر بالنعناع وروح طيفي ترف في فضاء صومعتي، وشدو فيروز وهي تغني:
اسهر بعد اسهر تا يحرز المشوار كتار هن زوار شوي وبفلوا
وعنا عنا الحلا كله وعنا القمر بالدار ورد وحكي وأشعار
راح افتح أبوابي وانده على أصحابي أقلهم قمرنا زار وتثلج الدنيا أخبار.

صباحكم أجمل.
رام الله المحتلة

جمل رائعه ومعانيها ضائعه

علي جبر


إذا سجدت فأخبره بأمرك سرا ..

فإنه يعلم السر وأخفى ..

ولا تسمع من بجوارك ..

لإن للمحبة أسرار ..

وابعث رسائل وقت السحر ..

مدادها الدمع وقراطيسها الخدود وبريدها القبول !!

لا تهتم بالغـد ..

فأنت لا تعرف ماذا سيقع لك اليوم !

تريد أن تقول الحقيقة للآخرين ..

قلها لنفسك أولاً !

ما أقسانا على أخطاء غيرنا ..

وأرأفنا بأخطائنا !

كثيرون يؤمنون بالحقيقة ..

وقليلون ينطقون بها !

إننا لا نصنع المعاناة ..

ولكن المعاناة تصنعنا !

لن تستمتع بالسعادة ..

إلا إذا تقاسمتها مع الآخرين !!

إذا خـدعـك مرة فهو مجرم ..

وإذا خـدعـك مرتين فأنت مغفل !!

أسـعـد القلوب ..

التي تنبض لله ثم للآخرين !

لا الفقر ولا الغنى يضمنان السعادة

بالحــب لا نعـقـل ..

وبالعـقـل لا نحــب!
**

القصة القصيرة في متنها التشكيلي


امجد نجم الزيدي

استنطاق العمق السردي للّّّّّّّوحة

هناك الكثير من الفنانين من يستعين بالكتابة في رسوماته ومنهم من يجعل لرسوماته دورا ساندا للكتابة بالاستفادة من بنية البياض لورقة النص الكتابي، حيث يعتبر هذا البياض جزءا مكملا ومتمما للنص في الطروحات القدية الحديثة كما في الرسومات التي ترافق النصوص الابداعية، وقد ظهرت هذه الرسومات قديما –كما في رسومات الواسطي لمقامات الحريري- اي ان هناك علاقة تواشج بين النص الكتابي وبخاصة الادبي والرسم، لذلك فقد توظف الكتابة في الرسم او من جانب اخرممكن ان يوظف الرسم في النصوص الادبية ليس من خلال استخدام الخطوط والألوان وانما من خلال استيحاء الرسم من النص الادبي، كما في القصائد التي تكتب عن الاعمال الفنية، والتي قد اورد الكثير منها الدكتور عبد الغفار مكاوي في كتابه القيم(قصيدة وصورة)*، فكلاهما – اي الكتابة الادبية والرسم- تعتمدان على اعمال الابداع واجتراح عوالم جمالية بالاعتماد على الامكانيات الايحائية لكلا الفنين بوسائلهما واشتراطات ادواتهما الابداعية المختلفة، تقول (سوزان لانجر) لايمكن" ان نغفل الثمار التي جناها الادب والفن التشكيلي من التجاوب الروحي والعملي بينهما، ولا شك في اننا مهما ميزنا الفنون بعضها عن بعض وابرزنا الفروق البنيوية التي تجعلها تعبر عن عوالم مختلفة بوسائل مختلفة فأن الوظيفة الرمزية واحدة في كل انواع التعبير الفني"**.
ان علاقة التوازي والتداخل بين الفنون الابداعية تعطي النص قواما اشكاليا بتمازج بنيتين متضاربتين في ادواتهما وتقنية عمل كل منهما، اذ ان توظيف اللوحة التشكيلية داخل النص الادبي وبخاصة القصصي يأخذ في اكثر الاحيان مداه معتمدا على الية الوصف والدخول في حوار مكاشفة ومقارنة واستنطاق للوحة التشكيلية، اذ ان النص القصصي سيمثل اللوحة بما تحمله من ايحائية واشارات تشترك بها مع النص، اذ ستؤثر تأثيرا مباشرا في تنقلات القاص داخل نصه، ان حجم تأثير اللوحة يكون من خلال توزيع الكتل اللونية والخطوط وعلاقتها بدلالة اللوحة بالمقابل مع النص وارتباطه بتلك الدلالة.
نص( اللوحة) للقاص وجدان عبد العزيز، المنشور في جريدة طريق الشعب العدد(209)، تعامل مع اللوحة التشكيلية بأشتراطاتها، حيث قام ببناء نصه على حوار متقابل بين اللوحة وثيمة النص من خلال عقد مقارنة بين متنيهما المختلفين والمتمايزين، فمتن اللوحة يظهر ك/خطوط مستقيمة..متوازية..متعامدة..متقاطعة، تشكل ضلالا من الزرقة المتقرحة على كفبه/ ، بينما يظهر المتن الاخر للنص/الوجوه الغريبة ذوات السحنة السمراء وخطوط غير بائنة من التعب تميل نحو الوان البرونز والرصاصي/، حيث يقوم القاص باستكشاف مجاهيل اللوحة من خلال اعادة قراءتها وباسقاطها على الثيمة بتحري خطوط الظلام والضوء وتجسدهما داخل النص/القلوب المرتجفة في لجة خطوط الظلمة/، وعلاقتها الحوارية ببنية الخطاب التي تجمع كلا المتنين، حيث اصبح السرد عبارة عن منلوج داخلي تردده اللوحة، باعطاءخطوطها والوانها ذلك العمق السردي/كل هذه الاشياء قد تخلق حالات اضافية عن روحه المعلقة بين متاهات الظنون وبحر المسافات التي لا تشكلها اي انواع من الخطوط المتوازية او المتعامدة/ ، والمقترن بالحاجة التي ادتها اللوحة داخل النص ومدى انسجامها وتوحدها مع الثيمة /نحو الخطوط المستقيمة تلك التي توصلني الى حدود والوان الطيف الشمسي لأجعل من الابيض لباسي المحبب(...) بيد ان الخطوط تتوازى وتتعامد وتتقاطع وحينما تكون هكذا، تبدأ حدود الرؤيا تضيع منه/.
قام القاص (وجدان عبد العزيز) بالتقاط العلاقات الدلالية والاشارية التي مكنته من توظيف اللوحة داخل نصه ، وتقدير مدى ارتباطها بالثيمة، حيث ان زاوية نظره للوحة كشفت مقدرته على قراءتها وتأويلها وسردنتها، بما يتلائم مع نصه واتجاه الرؤية فيه ، فحساسية التلقي التي تلقى بها القاص اللوحة انعكست في تعامله مع النص من خلال اعادته لبناء المعطيات الايحائية للوحة بصورة ادت الى اعادة بنائها سرديا من وجهة نظر جديدة استفادت من خلفيتها السسيودينية.
تتعامل اللوحة التشكيلية مع الالوان والخطوط كخطاب دلالي يحمل بين طياته الاثر الجمالي، وتتعامل الكتابة الابداعية ومنها القصصية بالكلمات ليست بصيغتها الشكلية طبعا، وانما بدلالتها وقيمتها داخل الجملة التي تخضع الى لاشتراطات اللغة الادبية، ان اضاءة ثريا النص ( اللوحة) لمدخل النص ترينا انه افتتح بالمبتنى الشكلي واللوني للوحة /خطوط مستقيمة.. متوازية.. متعامدة.. متقاطعة تشكل ظلالا من الزرقة المتقرحة على كفيه/، وهذ المدخل يرمينا في لجة اضطراب العلاقة الدلالية الموتورة ما بين تلك الخطوط المتوازية والمتعامدة وبين/ الجسد المسجى / الذي يمثل البؤرة التي تتجمع وتنطلق وتنطلق منها الخطوط والالوان وايحاءية اللوحة واشارتها، لتصبح كل العلاقات التي يوجدها النص بينه وبين اللوحة وتركزها على / الجسد المسجى / جسرا تعبر عليه دلالة الالم المتقابلة ما بين اللوحة وارتباطها بآلام السيد المسيح وبين الالام التي يبثها النص / ابنتي تتلوى من ألم حاد / وهاتين الصورتين تنمزجان في صورة واحدة او لوحة واحدة يجسدها النص عندما تتداخل الالوان والخطوط وارتباطاتها السالفة بمركز اللوحة وهو / الجسد المسجى / = / السيد المسيح / مع اختلاج افكار ( انا النص) وقلقه وظنونه /اختلاج افكاره حينما تتلاطم والساعات الاخيرة من الليل / ، /القلق المتزايد من صعودها والجسد معا /، محاولا التخلص من هذا الاضطراب باللجوء الى الوان اللوحة وخطوطها وايحائيتها / يا يسوع المسيح خذ بيدي / ، بيد انه يغرق في لجة / الخطوط المتوازية والمتعامدة / وتقوده ظنونه الى المقابلة بين حالته وخوفه من فقدان ابنته واللوحة التي تصور السيد المسيح وصعود روحه الى السماء / ان القلق المتزايد عن صعودها والجسد معا، خلقت هوة سحيقة في علياء فردوسه/ .
اراد نص(اللوحة) من خلال حركية ( انا النص ) واضطراب افكاره ان يعكس ايحائية اللوحة، واقامة بنية تشكيلية تصويرية مقابلة لها، حيث رسم القاص خطوطا واشكالا ووزع كتلا لونية، من خلال استخدامه للوصف كفرشاة يلون بها ثغرات خطابه القصصي المتماهي مع اللوحة التشكيلية / اثواب رثة وأرجل شبه حافية، تبتلع هذه الاشكال ذهنيته ليكون الجوع شهية لعينه تحترق في مسافاتها رغبات عديدة تتقلطع في كثير منها مع خطوط الرحمة والحب /.
ان القاص وجدان عبد العزيز قد سار في سياقات متقاربة ابداعيا، متعارضة من حيث الخامات المستخدمة، باندماج جنسين ابداعيين متغايرين –هما جنس القصة القصيرة والفن التشكيلي الممثل بالرسم- حيث اشتغل القاص بادواته السردية في منطقة التشكيل وانتج لوحة مقابلة للوحة التي استوحاها نصه باثا فيها لغته القصصية التي استنفذت اللون وانعكاساته والخطوط وتشكيلاتها ، الضوء والظلام وتجسيدهما للعمق الانساني في اللوحة والنص.


*قصيدة وصورة- د. عبد الغفار مكاوي ، سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب ، الكويت 1987
**نفس المصدر ، ص20

استراتيجية ادارة الأزمات والكوارث


علي جبر
وبعد إن رسخ الأنسان حياتة ونظم وجودة على الأرض وتطورت اساليب معيشتة وتعقدت وتشابكت وزاد حجم طموحاتة في الحياة تضاعفت وتعقدت معها حجم مشاكلة أيضا ولأزم ذلك أيضا تطور في فكرة وفى طريقتة للتعامل مع هذة المشاكل والازمات ورويداا..رويدا ظهرت كيانات الدول وتحسنت أوجة الحياة وتقدمت وتطورت ..فتعقدت اساليبها وتشابكات علأقتها أكثر فاكثر وصاحب ذلك ايضا تطور وتعقد وتنوع الأزامات التي اصبحت تذداد نمو واتساع مزيد من التعقد والتشابك والتداخل ..ولم يعد الأفراد فقط هم محوارها بل اصبحت الأزامات تطال الدول والمجتمعات والكيانات بل تطال العالم باسرة ولأتفرق بين ارجائة فلم تعد الأزمات تمس الفرد وحدة وانما اصبحت تشكل تهديدا مباشرللمجتمعات والدول واصبح من سماتها انها تخلق حالة يختلط الحابل فيها بالنابل وتضيع فيها مصداقية ثوابت راسخة لدى الافراد ويخشى معها من فقد السيطرة على الموقف وتهدد المتعرض لهذة الحالة لأخطار وعواقب وخيمة قد تصل لحد التدمير وهكذا استمرت وتيرة الحياة .. بنجحاتها وتقدمها وتطورها وبازماتها أيضا(( وكان التعامل مع هذة الأزمات يتم بطرق تعتمد على العديد من الأساليب والمقومات والخبرات وليس من بينها مناهج علمية مدروسة ومخططة لكيفية التعامل مع الأزمات))
حتى قبل إن تشتعل نيرانيها.. وكم شهد تاريخ البشر من اثار مهولة لأزمات لم يحسن التعامل معها .. ووادها .
**. وفى عام 1963 وقعت احداث خليج الخنازير وكادت هذة الأزمة إن تسبب في حرب دولية ثالثة في اقل من 20 عام على انتهاء الحرب العالمية الثانية ولكن من نوع جديد وباسلحة دمار تهدد الكيان البشرى كله عندما هددت الأسلحة والصواريخ الزرية
للأتحاد السوفيتى السابق والتى تركزت في كوبا ,
الأمن القومى الأمريكى وفى غضون تلك الأزمة اصدر وزير الدفاع الأمريكى وقتها روبرت ماكنمار
(( تعليقا كان بمثابة ميلأد لعلم جديد .. ومنهج جديد في التعامل مع الأزمات .. حيث علق على احداث الأزمة حيث بانة إن لأوان لأن تقوم السياسة الأمريكيية على اسس ثابتة من دراسات تتوقع الاحداث وتسابقها لا إن تكتفى بان تنتظرها .. وان تقوم .. الأسستراتيجية الامريكية على رسم سيناريوهات للمتوقع وتقدير مسبق للاحداث حتى لا تفاجا بها وتخضع لما تفرضة عليها ..
* ومن ثم كانت اللبنات الأولى لعلم ادارة اِِِِِِلأزمات ..

وتلت ذلك حقبة من الدهر .... زاد فيها حجم ومدى تاثير الأزمات وعلى مستويات متعددة لتشمل الفرد, والمجتمع, والكيانات والدول حتى للعالم باسرة وقداستوحشت في تشابكها وتتابعها وحدة تاثيراتها ونتيجة لذلك,
لم يعد التعامل مع الأزمات امر وقتيا وليد لحظتها ولأيجدى من منطلق اِِِلأنفعال العاطفى المشحون بالتوتر .. والقلق والخوف الدائم .. من اثار الضغط الذى تحدثة والرعب من انفلأت نتائجها وشدة اثارها .
((. بل أصبح الأمر يحتاج الى التعامل مع الأزمة من واقع يقوم على سلوك ومنهج فيهما من الرشد والعقلأنية قدرا .. وحيزا علمييا مدروسا .))
*. واصبح التعامل العلمى مع الأزمة يقتضى رصد موشرات حدوس الأزمة ومتتابعتها ومعرفة حقيقتها والعمل على احباطها واتقاء نتائجها ودراسة اسبابها ووضع الحلول الكفيلة بعدم تكرارها .. وشيئا فشيئا اصبح علم دراسة الأزمة اليوم قاسما مشتركا فى كافة جوانب الحياة .... واصاب التطور العلمى أيضا.. علم ادارة الأزمة فلم تعد مهامه قاصرة على وضع الأساس العلمى لممعالجة اثار الأزمات فقط بل امتدت ابحاثة لتشمل ...
العمل على عدم بروز نتتائج الأزمات اصلأ من البداية .. سواء من خلأل الألمام بتوازنات القوى المحركة لها ورصد حركتها واتجاهاتها والتنبوء بخطواتها المستقبلية وتوقعها والتكيف مع التغيرات التي تحدثها أو تحريك الثوابت وقوى الفعل ورد الفعل في كافة المجالأت انسانية أو سياسية اواقتصادية أو عسكرية لمنع حدوث ازمات واتقاء اثارها اولأ ثم الحدمن هذة الأثار اذ ما وقعت الأزمة.
ثانيا
والعمل بعد ذلك على وضع ضوابط لعدم تكرارها مستقبليا .. فقد شمل تطور هذا العلم ليصبح علما متصلأ بكافة العلوم الأنساسية الأخرى ياخذ منها ويضيف اليها وان كانت لة ملأمحة المستقبلية واصبح يهدف لا لحل المشكلة التي يعرض لها ((بل عليها إن يتنباء بها اصلأ)) ثم يضع نصب عينية اسس تلأفى الازمات مسقبلأ واصبح المنهج العلمى في التعامل مع الأزمات يستلزم إن تتم من خلأل ثلأثة مراحل متتالية تعمل معا لتحقيق هدف واحد في النهاية الأمر هو
منع حدوث الأزمة وتفريغها من حدثها وتلأفى حدوث تداعياتها وحرمنها من تحقيق نتائجها وهذة المراحل هى /
أ‌- اجراءات ما قبل وقوع الأزمة /


هو ما يعرف باجراءات المنع المسبق من خلأل اجراءات الوقاية والأستشعار بالأزمة والتنبؤ بها والأنزار المبكر لقرب وقوعها حتى يمكن تلأفيها

ب/اجراءات المواجهة والتعامل مع الأزمة

في حالة اذا خرجت الأزمة للحيز الخارجى وبداءت تحدث تفاعلاتها وذلك للحد من اثارها ةوتضييق نطاقها .

ج – اجراءات ما بعد الأزمة
من خلال دراسة ماذا حدث ؟ ولماذا حدث ؟ ووضع ما يكفل عدم تكرارها أو حدوث ازمات متشابهة
وعند تناولنا لأستراتجية ادارة الأزمات والكوارث سوف نتعرض لها من خلال الموضوعات ألاتية
الموضوع الأول
مدلول الأزمة ومفهومها وكيفية استكشافها
الموضوع الثانى
التخطيط والأستعداد لمواجهة الأزمة
الموضوع الثالث
اسلوب التعامل مع ألأزمة عند وقوعها .
وللحديث بقية إن شاء الله في العدد القادم عزيزى القارئى تابعنا في العدد القادم لنكمل سويا الموضوع .
لا شك إن وضع استراتيجية الادارة الازمات , والتعامل معها ,يستلزم اولا تحديد ما هي ؟ وما هو مفهومها ومدلولها؟ والتفرقة بينها وبين بعض المواقف القريبة منها والتي تتشابة معها في بعض مظاهرها وتختلف معها في جوهرها, وكيفية الاستكششاف المبكر لللازمات.وكذالك يجب تناول كيفية تحقيق الهدف من هذه الأستراتيجية وهو الوقاية من الأزامات قبل وقوعها واذاكانت الوقاية من الأزامات لم تعد من قبيل الأعمال القائمة على التخبط والأرتجالية بل اصبحت منظومة علمية متكاملةتقوم على 1/مجموعة علوم ودراسات تهدف لوضع تخطيط منهجى للوقاية بلمنع والحد المسبق من الأزامات 2/ مجموعة التجارب المختلفة التي تعرف بالخبرة المجهزة اوما يعرف بالتجربة المجهزة حيث يتم الأستفادة من الأنجازات ذات القيمة وخاصة في مجال الأستراتيجة والعمليات الجوهرية لمواجهة الأزامات والتعامل معها في الوقاية من الزامات اخرى محتملة واسسترجاعها ووضعها امام العاملين للأستفادة منها وهو مايوجب علينا الأشارة ببايجاز لهم العلوم والمناهج التي تساعد في ذلك مثل علم ادارة الأهتمام 2/ علم ادارة المخاطر 3/ علم ادارة التغير 4/علم ادارة الولويات 5/اساليب التنبو بالأزمة والأنزار المبكر بها ومن هنا فاننا سوف نعرض في هذا الفصل الأتى 1/ مفهوم الأزمة ومدلولها 2/دورة حياة الأزمة 3/ اصناف الأزامات 4/ عناصر واطراف الأزمة 5/ اسباب الأزمة 6/ الوقاية من الأزامات اشارات الأنزار المبكر اولأ / مفهوم الأزمة الأزمة في ابسط معانيها هى خلل يوثر تاثيرا حيويا ويهدد المتعرض لة سوا كان فردا أو كيانا أو دول لحالة من الشتات والضياع يهدد الثوابت التي يفرم عليها وتهدد المتعرض لهذة الحالة لأخطار وعواقب وخيمة قد تصل لحد التدمير والأزمة حالة عصيبة مفزعة,مولمة, تضخط على الأعصاب تشل الفكر وتحجب الرويا تتضارب فيها عوامل متعارضة تتداعى فيها الأحداث وتتلأحق وتتشابك فيها الأسباب بالنتائج ويخشى من فقد السيطرة على المواقف ومع ذلك فان هناك اتجاة ظهرا موخرا يوسع من مفهوم الأزمة ويعتبر إن الأزمة هى هى خلل يخرج على الوضع المعتاد للأمور وايد ما كانت درجة الخطر التي يمكن إن يسبها ولعل هذا الأتجاة كان يحاول من خلأل طرحة للمفهوم الواسع للأزمة ليشمل اى خلل مهما كان حجم ضررة يترتب علية بسرعة التحرك لضمان عدم تفاقمة وبالتالي اجهاض اى خلل في مهدة دون انتظار لحدوث ازمة في مفهومها المحدد الأاننا نعتقد إن نبل المقاصد وسمو الأهداف لأيكفى لأن يكون مبرر للتوسع في تعريف الأزمة على هذا النحو وعلى أنة في جميع الأحوال فانة الأزمة تخلق موقفا لة الخصائصالأتية 1/المفاجاة المركبة والعنيفة عند انفجار احداثها 2/ التعقيد والتشابك والتداخل بين عناصرها واسبابها ونتائجها والقوى المويد والمعارضة لها 3/ نقص المعلومات الشديد وعدم وضوح الرويا وهو الأمر الذى ييودى الى حالة من الأرباك وعدم القدرة على اتخاز القرار 4/ سيادة حالة من الخوف تصل لحد الرعب من المجهولالذى قد تتحرك الية الأزمة 5/تزايد احتمالأت امتداد خطر الأزمة من الحاضر للمستقبل 6/حيوية عنصر الزمن خاصة وان الوقت المتاح للتعامل مع الأزمة يكون محدود وعنصرا ضاغطا في اسلوب مواجهاتها والتعمل معها 7/ الحاج الماسة للتدخل السريع الصائب الذى لأيحتمل هى خطا قد يودى لخلق ازمة جديدة اششد واصعب 8/الأزمة تكشف عن تراكم مجموعة من التاثيرات السابقة التي لم يتم تقديرها جيدا للتعامل معها كخطر محتمل يوشك على وقوع على وقوع ..... الأزمة وبعض المواقف المشابهة .. وقد يخلط البعض بين مفهوم الأزمة وبين بعض المواقف الأخرى التي قد تتفق معها في إنها جميعها تسبب حالة عصيبة ومقلقة الأانها تختلف عنها على النحو الأتى
1/المشكلة
.. المشكلة هى باعث رئيسى يسبب حالة غير مرغوب فيها قد تكون يببا لأزمة وتحتاج المشكلة لجهد منظم للوصول اليها والتعامل معها إما الأزمة فانها موقف حاد شديد الصعوبة والتعقيد وغير معروف أو محسوب النتائج ويحتاك لسرعة فائقة في اللتعامل معة فكل ازمة في حد ذاتها مشكلة ولكن كل مشكلة ليست ازمة
2- الحادث
الحادث هو شى فجائى غير متوقع تم بشكل سريع وانقضى اثرة فور اتمامة ولا تكون لة صفة الدوام بعدة حدوثة وتتلاشى اثارة مع تلاشى الحلدث
3-الصراع
الصراع هو موقف تصادمى قد تكون لة صفة الاستمرار ولكن لا يمكن بالغ الخطورة أو الحد ويكون محدد الابعاد والاتجاهات والاطراف إما الازمة فهى نوع من التصارع واليضاد في المصالح لايعرف ابعادها واتجاهاتها وتطوراتها وليس لها صفة الاستمرارية
4-الخلاف
إما الخلاف فهو معارضة وتصادم وعدم تطابق سواة في الشكل أو في الموضوع أو في الظروف ولا يمثل ازمة في ذاتة وانما قد يكون باعثا على نشوها
5-الكارثة
والكارثة هى حادثة هى حادثة تودى لتدمير وخسائر فادحة في الموارد البشرية والمالية أو كلايهما معا
ويعرف البعض الكارثة بانها كل حادثة تستوفى المعاير الخمسة
التالية
1- إن يترتب على الحادث مقتل أو اصابة 10 اشخاص كحد ادنى وينطبقى هذا الشرط على مجرد اصابة 10 اشخاص دون وقوع قتلى
2- إن ينتج عن الحادث خسائر مادية تقدر بما قيمتة مبلغ 250 الف جنية مصرى حتى وان لم يسفر عن قتلى أو مصابين
3- إن يترتب على الحادث اهتمام اعلامى يعبر عن نفسة في قيام الصحافة ووسائل الاعلام الاخرى بمتابعتة لاكثر من يومين
4- هن يطرحالحادث للنقاش في المجالس النيابية أو احد لجانها باى من اشكال النقاش مثل السوال أو الاستجواب أو طلب احاطة
5- هن يرتبط الحادث بوقائع وصدامات عنف وشغب سواء لاسباب سياسية أو ديانية وبغض النظر عن حجمة ومستوى الخسائر الادية وعدد القتلى والجرحى وقد تكون اسباب الكارثة اسباب طبيعية كا لزلزال أو لاسباب بشرية أو اسباب فنية مثل انفجار غلاية مياة الازمة وان تلاقت في اثارها مع الكارثة الا انها قد تكون احد نتائج هذه الكارثة وقد اكدت نتائج الدراسات التي اجريت في مجال اسباب الكوارث والازامات على إن 86%من الكوارث والازمات ترجع لاسباب الخطا البشرى 25% يكون من مسببات طبيعية كفيضانات أو سيول وزلازل واعاصير 7%ترجع لاسباب فنية
وتهتم كثر من الدولوالجهات بدراسة الاخطاءالبشرة المسببة للحوادث والكوارث والازامات وتوليهااهتماما بالغا لمواجة الاخطار والخسائر الضخمة والعواقب الوخيمة لاثارها في المجتمع ومحاولة الحد منها ومنعها
اتجاة تايلاند للحد من تاثير الاخطاء البشرية في الازامات والكوارث
ومن ابرز التجارب لدراسة مدى تاثير الاخطاء البشرية في الازامات والكوارث ومحاولة الحد من هذه التاثيرات التجربة التايلاندية في هذا الشان والتى كانت على نحو الاتى
فنظرا لارتفاع حجم الخسائر البشرية والمادية الناتجة عن الاخطاء البشرية في حوادث السيارات واعمال النقل انشات حكومة تايلاند فى 1993مركذا باسم مركز الرقابة الاقليمى لاصابات النقل بهدف
1- دراسة الاخطاء البشرية والمتكررة التي ينجم عنها حوادث طرق
2- فحص حوادث الطرق لمراجعة اخطاء السائقين ورعونتهم اؤلا باول
3- دراسة وتحديد الاثار الاجتماعية والاقتصادية والانسانية لهذة الحوادث
4- انشاء قاعدة بيانات لقييم الجودة في خدمات النقل
5- تحدد الفاقد المحقق على المستوى الاقليمى في حوادث النقل
6- اتخاذ الاجرائت الكفيلة بالسيطرة على حوادث الطرق ومنع الاصابات
7- دراسة افضل السبل للسيطرة على الاخطاء البشرية المسببة للحوادث
8- مراقبة اصابة حوادث النقل
ويباشر المركز مسئولياتة من خلال خمس مقار في المستشفيات الكبرى الاول منها في مدينة بانكو العاصمة والاربعة الاخرى موزعة على الاقاليم في تايلاند
الموشرات الايرانية حول الكوارث الطبيعية
وقد خلصت الدراسات الايرانية حول الكوارث الطبيعية والتى عرضت في موتمر مرصد الكوارث البينية الذى عقد في ايران في اكتوبر 2000 الى تقرير النتائج الاتية
1-تتعرض ايران سنويا الى ما يقرب من 200 الى 250 هزة ارضية صغيرة تقدر بحوالى 3 دراجات على مقياس سلم رختر
2-تتجاوز الخسائر البشرية نتيجة الزلازل في ايران ما يزيد عن 1500 قتيل سنويا
3- تتجاوز الخسائر المادية نتيجة هذه الزلازال 400 مليون دولار سنويا

وسوف نتعرض للعديد من المواقف العالمية التي تمثل فكرة استباق الحدث .


الاثنين، أغسطس 27، 2007

دار اخرى


حسن عبدالرزاق
دروب
منهارا طرق الباب الريفية.
هي الاخرى ، كما القرية قبل ذلك ، لم يجد لها منزلا في ذاكرته . فدار اهله التي غادرها منذ ربع قرن كانت من طين وقصب ، لكن الصبي الذي استعان به ، جزم بان هذا الطابوق هو بديل الطين ، وان الذين بداخلها هم اهله.
طرق براحة مبسوطة مثلما كان يفعل عند عودته من المدرسة سابقا .. وانتظر. وفي فترة الانتظار تلك عاد مشهد الرجال الثلاثة الملثمين وهم يوقفون سيارة الاجرة في الطريق الزراعي ويسلبون منه حقائبه الاربع وكل دولاراته ، عاد للمرة الخامسة كسوط من لهب يجلد عاطفته ، رغم انه لم يحصل الا قبل ساعة واحدة تقريبا.
ثمة مرارة ولوم وندم وسخط واستغراب وخيبة تتكالب على اعصابه وروحه وتقصي عن فؤاده الى الابد وجه هذه القرية الذي التصق بوجوه كل ايام غربته الطويلة.
فاللصوص الذين هربوا في طريق ترابي وسط البيداء ، قاموا بتسليبه بلا اية حدود للرجولة ، خصوصا ذلك الشاب الطويل ،الملثم كالمحاربين الصحراويين ،الذي اصر على تسليبه بطغيان حقير:
(اخرس. هات ما لديك بصمت. لا اريد ان اسمع منك أي كلام. ساقتلك ان تفوهت باية كلمة . لاعلاقة لي بهويتك)
وعبارات اخرى اثقل منها ، جعلته يرى عالم افلام العصابات مجسدا امامه بكل تفاصيله.
فتح الباب بعد طرقات متتالية تصاعد من رنينها نفاد الصبر. فتحته امراة شابة ذات ملامح خالية من خجل القرويات وممتلئة بصلافة قريبة من العهر. واندهشت وهي ترى رجلا صريح الترف يقف امام الباب فسالته بنبرة زاجرة:
- ماذا تريد؟
لكن الامراة العجوز التي هرعت مسرعة خلفها ، شهقت بعد تفرس قصير، ثم هتفت بكل لوعة الامومة (( ابني)) .
عندها تحولت الدار الى صندوق ضاج ، تتردد فيه تلك الكلمة بتواتر استمر لااكثر من دقيقة.لم يشم وهو يدخل الباحة المفتوحة على سماء القرية رائحة صباه ، ولاعطر الريف الذي طغى على عطور اوربا ، فالدار صورة اخرى لاتشبه صورة السياج القصبي وكوخيه الطينيين .
انه يرى الان صورة سياج عال وفي داخله غرفتان من الطابوق مطليتان بصبغ اخضر غامق ينم عن ذائقة تحاول التخلص عبثا من قرويتها وتتحول الى المدينة.هنا تقافز هو واخته الكبرى في طفولته الحافية. وهنا كبر على جوع ووحدة بعد ان ماتت اخته الوحيدة بالسحايا الدماغية . وهنا فرح بكل عواطف الريفي وهو يجد امه تلد اخا له بعد عقم ضرب ذكورة ابيه لمدة عشرة اعوام.
هنا في هذه الارض حصل كل ذلك ، لكنه لم يكن بين الطابوق ، وانما بين تلك البساطة الطينية ، وبجوار الاب الفلاح الذي وصله خبر موته في البريدقبل احد عشر عاما.كان منهارا وهو ينقّل ذاكرته بين امسه ولحظته الراهنة ، وراسه فاقدا لتوازنه كمن تلقى ضربة قاسية ، فالرجال الثلاثة لم يتركوا في محفظته سوى جواز السفر ، واطولهم قامة كاد ان يمزقه لولا تشبثه الشديد به .سحبته امه بعد دموع واشتياقات وقبل وصلوات الى الغرفة الشمال ، لكن ذاكرته سحبته الى اليمين حيث مكان الكوخ الذي نام فيه ليالي طفولته الى جانب الاب العفيف.كان محتاجا لابيه في تلك الساعة العلقمية وانتفى احتياجه لكل من في القرية حتى امه التي مابرحت تغمره بالقبلات والاسئلة اللهفى.جذبته العجوز الى غرفتها ثانية حين وجدته يمضي صوب الغرفة الاخرى مجذوبا برائحة ابيه.
قالت له وهي تريده ان يكون ملكا لها وحدها في تلك الاثناء :- تلك غرفة اخيك الصغير وهذه غرفتي.
واردفت مذكرة :
- كان عمره خمس سنوات حين سافرت وهو الان رجل وهذه زوجته.
وواصلت سحبها لذراعه مصرة على ان يحل في غرفتها ، غير ان رائحة الوالد التي تصاعدت من تراب الماضي طغت على كل الروائح الاخرى واستمرت بجذبه الى حيث البراءة والعفة.
دخل الغرفة باحثا عن صورة امسه الطاهر في فضائها ، وكان محتاجا اليها جدا في خضم ذلك الانهيار ، غير انه احس بطوفان هائل من الدهشة يجتاحه فجاة ويسمره في مكانه ، حين وجد حقائبه الاربع ملقاة هناك ، والشاب الطويل واقف بارتباك الى جانبها وفي لسانه شلل طاريء ، وعلى وجهه تترادف تعابير لاحصر لها .

قرويات حبيب بولس بين الحنين والجذور


نبيل عودة

حتى لا تضيع ذاكرة شعبنا الجماعية

الكتاب : قرويات ( نوستالجيا / حنين )
المؤلف : الدكتور حبيب بولس *

" المفارقات بين واقعنا وبين ماضينا" هذا ما يتجلى للوهلة الاولى امام قارىء كتاب "قرويات" للدكتور حبيب بولس .
لكن الابحار مع نص "قرويات" يكشف لنا نوسطالجيا غير عادية عايشها حبيب بولس في قروياته ، مسجلاً تفاصيل بدأت تختفي من اجواء قرانا ومدننا العربية ، من علاقاتنا وممارساتنا اليومية ، من شوارعنا وبيوتنا ، من العابنا وتسالينا ، ومن وسائل تنقلنا ، من مدارسنا ، من معلمينا، من افراحنا واتراحنا ، من مفاهيمنا السياسية ووطنيتنا ، من مواسمنا وسهراتنا ، من أعيادنا وعقائدنا الدينية ، من ثقافتنا وفنوننا ونضالاتنا .
التغيير الذي يرصده حبيب كان اعمق من الشكل ، لدرجة انه شكل لنا مضامين جديدة ، افكاراً جديدة ، رؤية سياسية جديدة ، ثقافة جديدة ، اطعمة جديدة ، بل ولغة جديدة ايضاً في مفهوم معين . كأني به يرصد التاريخ والعوامل "التاريخية" والثقافية التي غيرت مسقط رأسة ، قريته الجليلية "كفرياسيف" بشكل خاص وغيرت واقع بلداتنا كلها بشكل عام وغيرتنا نحن ( الناس ) في الحساب الأخير .
الى حد ما تذكرني "قرويات " حبيب بولس بكتاب للروائي السعودي عبد الرحمن منيف عن مدينة "عمان" .. حيث يعود بذاكرته الى عمان في سنوات العشرين من القرن الماضي ليعيد تشكيلها . حبيب في قروياته يرسم "لوحة نثرية " ان صح هذا التعبير ، لقرية علم من قرانا ، كانت علماً سياسياً وعلماً ثقافياً ، وهو بذلك يضيف لها بعداً جديداً ، علماً تراثياً اصيلاً ، وربما يريد ان يقول لنا ان هذه الاصالة التي عرفتها كفر ياسيف ، هي اصالة دائمة لا تنتهي ، انما تتحول وتنطلق نحو اصالات جديدة دوماً . حبيب في قروياته يريد ان يقول لكل واحد منا ان في داخله اصالة حقيقية ، يجب ان يخرجها من داخله ويورثها لأبنائه . وهذا بالضبط ما يفعله حبيب بولس ، وهو بالطبع يختار ابنه ، ليورثه اصالة اجداده وأصالة قريته ، وأصالة شعبه .. يختار ابنه ليورثه أهم ما يملكه الانسان في حياته ، ذاكرته الخصبة .. وليملأه بالكرامة وعزة النفس ، مقدما نموذجاً شخصياً ،استفزازيا لكل واحد منا ، ولكنه استفزاز طيب وانساني ، يحثنا بسياقه على الكشف عن جذورنا الاصيلة ، عن نقاوتنا ، عن قيمنا المغروزة بأعماقنا الانسانية ، عنى جوهرنا الطيب الذي كان العنصر الحاسم في صيانة شخصيتنا الوطنية والانسانية امام ما يجري في مجتمعنا من ردة حضارية ، وتعصبات قبلية وسياسية ودينية حمقاء ، هذه هي المفارقة الاخرى التي يصدمنا بها حبيب في كشفه عن جوهر اللؤلؤة المكنونة كفر ياسيف ، بصفتها نموذجا وطريقا وتاريخا .
هذا النص الادبي يتجاوز الكتابة التسجيلية التاريخية ، ويقترب من النص الثقافي الحكائي ، البطل فيه هي قرية كفر ياسيف واهلها ، والهدف حفظ الذاكرة الجماعية لكفرياسيف ، ولعلها الخطوة الاولى لبدء حفظ ذاكرة شعبنا الجماعية في كل اماكن تواجده .
"البطل"الآخر في هذا النص هو الرواي نفسه ، وكأني به يعود الى الايام الخوالي ، ليتقمص شخصية الراوي التي عرفتها قرانا وسهراتنا ايام زمان ، وليجعل من هذه الشخصية ذاكرة للزمن ايضاً ، يستعين بها الراوي- الكاتب لينقل للأجيال الجديدة ، ابنه في المفهوم الضيق ، وابناء كفر ياسيف ، وكل ابناء شعبنا من الاجيال الناشئة في المفهوم الواسع ، اصالة الماضي واصالة الانسان ، واصالة الشعب وليس فقط الحنين الذاتي (النوسطالجيا ) . ربما هي نوستالجيا فعلا ، ولكنها نوستالجيا لابناء جيلنا الذي حان الوقت ليسجلوا ذاكرتهم حفظا من الضياع .
حبيب اختار اسلوباً جيداً ليروي لنا روعة الماضي ، عبر المقارنة الدائمة مع الواقع اليوم ، وذلك ليعمق، ليس روعة الماضي فحسب ، بل روعة الانسان الذي اجتاز المأساة الوطنية وصمد ، وواجه القمع القومي بأبشع أشكاله ، ولم يفقد بوصلته الانسانية .. وبدأ يبني نفسه من جديد وينطلق الى آفاق رحبة من العلوم والثقافة والتطور والصمود .
في قروياته نكتشف حبيب بولس الآخر ، حبيب الحالم ، نصاً ولغة ، فنراه يقترب من لغة القص في سرده ، ليتغلب على السرد التوثيقي والتاريخي ، ونراه يستطرد في اعطاء النماذج والحكايات ليجعل قروياته اكثر قرباً للرواية والدهشة الروائية وعناصر التشويق الحكائية ، وليس مجرد تسجيلا توثيقيا للذاكرة . واقول بلا وجل : هي حقاً رواية من نوعع جديد بطلتها قرية بناسها وأحداثها.
قد لا يوافقني بعض الزملاء على تصنيفي لقرويات حبيب بولس ضمن النصوص الروائية ، قد يكونوا صادقين شكليا ، وأقول شكليا ، اذا التزمنا المفاهيم المتعارف عليها في التعريفات الأدبية . ولكن من يملك الحق في جعل التعريفات قانونا ، وهل يعترف الابداع بقوننة جنونه ؟
والأمر الأساسي ، هل من قيمة للتصنيف الادبي ؟ وهل يضيف التصنيف لقيمة العمل ؟ الا يكفي الكاتب ، انه اعطى للقارىء نصاً لا يفارقه بعد طي الصفحة الاخيرة ؟
حبيب في قروياته ، اعطانا عملاً توفرت فيه العديد من المركبات الناجحة ، اللغة اولاً ، الفكرة ثانياً ، والاسلوب . كتاب "قرويات" يسد فراغاً كبيراً بمضمونه المميز ، وهو ليس مجرد نوسطالجيا (حنين) بل كشف عن ثراء شعبنا واصالته وعمق جذوره في هذه الارض الطيبة . ولعل قرويات يكون فاتحة لتسجيل التاريخ الشفهي ، والتراث الشعبي المتوارث شفهيا ، وسجل نضالنا الأسطوري الذي يملأ صفحات ، اذا ما سجلت ستشكل ثروة اجتماعية سياسية ثقافية ، عن بقايا شعب ، لم يفقد ثقته بنفسه ، واجه المستحيل وانتصر .. واجه الضياع وبنى ذاته من جديد ، ليقف اليوم في مرتبة متقدمة بين الشعوب ، فخورا معتزا متفائلا ..


الدكتور حبيب بولس – ناقد أدبي بارز في الثقافة العربية في اسرائيل ، اصدر العديد من المؤلفات النقدية ، من أبرزها انطولوجيا " القصة العربية الفلسطينية المحلية القصيرة "

نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

في بحر المهازل يغرقُ أميرُ الشعراء


عبدالله علي الأقزم

حينما تقولُ المهازلُ كلمتَها يموتُ الشعرُ و ينطفئُ الشعراء حيناً من الزمن

و تستمرُّ مهازلُ لجنة التحكيم في مسابقة

أمير ِ الشعراء ؟

سألني بعضُ طلابي : يا أستاذ نريد أن تشارك في مسابقة

شاعر المليون لترفع رأس مدينتنا عالياً ؟

قلتُ لهم : لن أشارك . سألوني لماذا ؟ قلتُ لهم :

لديَّ مجموعة ملاحظات . قالوا: لي ما هي ؟ قلتُ :لهم :

المسابقة تجاريَّة هدفها شفط جيوب الجماهير بطريقة مشروعة

فأنا لا أرضى أن يُعطى للجمهور نسبة عالية في التصويت لاختيار شاعر المليون

فهل الجمهور بمختلف شرائحه الثقافيَّة و الفكريَّة

كلُّه شعراء ؟ أمن أجل عيون المال أُعطي للجمهور هذه النسبة العالية؟

و متى كان تقييم الشعر بالتصويت ؟

نأتي الآن إلى مهازل التحكيم في مسابقة أمير الشعراء

من خلال جلسة تلفزيونيَّة استمرَّت خمسَ ساعات و أنا أراقب أداء لجنة

التحكيم و أستمع إلى قصائد الشعراء رأيتُ العجَبَ العُجاب ؟

الملاحظة الأولى كلُّ أعضاء لجنة التحكيم لا ينتمون للشعر و ليسوا

بشعراء و أهل الشعر أدرى بما فيه و أهل مكَّة أدرى بشعابها ؟

الملاحظة الثانية الشهادات العلميَّة الرفيعة (لوحدها) لا تكفي لتقييم الشعر

الملاحظة الثالثة لم يُعجبني من لجنة التحكيم إلا شخصٌ واحدٌ فقط و هو منَ

الإمارات فهذا الرجل مقتدرٌ لم أره يستهزئ بشعر شاعر ٍ أبداً ؟

الملاحظة الثالثة لأول مرَّة أرى أنَّ المزاج الشخصي يلعب دوراً كبيراً

في تقييم مسابقة ضخمة كهذه المسابقة. فشاعرٌ ضخمٌ كجاسم الصحيح

ضخمٌ في شعره و جماهريَّته يتناولُ شعرَهُ أحدُهم بأنَّ شعركَ الصوفي

غير مكتمل النضج فهو غير مجاز تركَ كلَّ المساحات الرائعة في

القصيدة و ركَّز على نقطة واحدة قد تكون من بنات أوهامه فأخرجه

من الإجازة.

الملاحظة الرابعة السخريَّة و الاستهزاء التي طاولت الكثير من الشعراء

أحدهم يقول لشاعر بعد الانتهاء من قصيدته من الأفضل أن تشتغل في

الهلال الأحمر و آخر يقول لشاعر آخر سحبتُ منكَ وكالة الشعر

و أحدهم يقول لشاعر ٍ صاحب قصيدة فكاهيَّة ممتلئة بذكر الحيوانات:

إن شاء الله تأتينا في السنة القادمة راكباً على حصان

.................ألخ كم مِن شاعر ٍ قتلتْه كلمة

بعضُ الشعراء خرجوا من المسابقة و دموعهم في أعينهم و جمرات الألم تحرق

مشاعرهم المرهفة

و تستمرُّ المهازل التحكيميَّة تحت

سمع و نظر العالم العربي و المهتمِّين بالشعر العربي ؟

أنا لستُ ضدَّ المسابقة كمسابقة و لا ضدَّ اللقب كلقب فهو لقبٌ مغري جدَّاً

و لكن ضدَّ المتاجرة باسم تشجيع الشعراء

و لا أستطيع أن أتخيَّل شاعراً من خلال ثلاث أو أربع قصائد يحصل على لقب أمير الشعراء

فأمير الشعراء أحمد شوقي لم يحصل على هذا اللقب إلا بعد

أن غمر الأدب بروائعه و نتاجه الأدبي المتميِّز عبر مشوار ٍ طويل ٍ من الإبداع

و التألُّق أُعطي هذا اللقب و هو جدير به من خلال تقييم ٍ شامل ٍ لكلِّ أعماله

و منجزاته و عطاءاته و مِن حقِّ الصحافة المصريَّة أن تعترض على هذه النقطة

بالتحديد أقصد بكيفيِّة التقييم و لستُ معها في قولها: إنَّ اللقب محجوز للشاعر الكبير

أحمد شوقي.

إلى متى ستستمرُّ هذه المهازل التحكميَّة تحت سمع و نظر العالَم العربي ؟

الأحد، أغسطس 26، 2007

الماغوط.. أسطورة الصحرا




مفيد نبزو


وآه يا ماغوط يا أسطورة الصحرا
يامعتَّق الكلمات بخوابي الزمان
من فاطمة ومن مريم العدرا
في معك من حزن السما ألوان
فارس كنت ع صهوة خيالك
ما في حدا بهالليل بيطالك
وبكل ساحة في إلك ميدان
ع دروب غيرك تزرع قناديل
بالوقت نفس الوقت تتشَّلع
وبكل عتمة يشقشقوا مناديل
وبعدك ع هاك الدرب تتسكَّع
لمين بدك تزرع حروفك؟؟!
ولمين بدك تشرح ظروفك
لا تقول إنك صحوة الوجدان
ولاتقول إنك شاعر الحرمان
قول ضلك قول يا ماغوط:
يا حسرتي ويا لوعتي
ويا مصيبتي
لما الأرض غابة،
وتأنَّست فيها الوحوش توحَّش الإنسان
وآه يا ماغوط لو بتموت
من شعرك بتحرق خيوط العنكبوت
تا يحترق ويموت
وما يضل عندو بيوت
أنت وسنية* جروح
عم تنزف عتب
أنت وسنية بروح
مع كوخ القصب
يا ناي ضلَّك نوح رجَّفت القصب
وآه يا ماغوط يا منجم الألماس
يا صوت الدهب
يا عاصفة وزلزال يا جنون اللهب
يا ثورة البركان فجَّرها الغضب
مين غيرك مين قلي مين
شرد البوم وطفَّش الغربان
وعلَّقت ع صدر الوطن نيشان
وكتبت للتاريخ أسطورة
شفت الشمس طلعت من سطورا
وصحيت عروس الجان
ووقفت ع شط البحر قبطان
هاج البحر
عليت مواجو للسما
والواقفين كتار
يا ريت لو فيهن يردوا العاصفة،
ويا ريت فيهن يوقفوا الطوفان
*سنية: الشاعرة سنية صالح زوجة الشاعر محمد الماغوط

السبت، أغسطس 25، 2007

الـفولاذيـَّة

عبدالله علي الأقزم

يـا جـدتـاهُ أيـا تـأريـخ َ آهـاتـي

يـا ذبـحـة َ الهـمِّ في نـثـري و أبـيـاتـي

يا وصـلـة َ الجرح ِ في أشلاءِ مدمعتي

و مـنـفـسَ الـغـدِ بـالـمـاضـيِّ و الآتـي

يا نـسمة َ الـصَّبـرِ مِنْ أمِّ البـنـيـنَ أتـتْ

و مـا عـلـيـكِ سـوى أحـلـى الـتـلاواتِ

حولي الأساطـيـرُ مِـنْ مغـزاكِ هـاطلـةٌ

و فـيـكِ فـضـَّـتْ لـنـا بعضَ الحـكـايـاتِ

كـم ذا تـلـقَّـيـتِ مِـنْ أسيافِ عـاصفـةٍ

غـيثَ الـرزايـا عـلى سيـل ِ ابـتـلاءاتِ

كـنـتِ الحـسـيـنَ على أمواج ِ محـنـتـِـهِ
و كـانَ صـبــرُكِ مِـنْ كـحـل ِ المروءاتِ

أمَّـاهُ فـيـكِ تـتـالـى صـوتُ فـاطمـةٍ

يـرنُّ كـالـمـوج ِ فـي بـحـرِ الـعـبـاداتِ

كـم ذا ركضتُ لأسـقى مِـنْ يـديكِ و في

سـقـيـاكِ عـيـدي و أحـلامـي و جـنَّـاتـي

غـذَّيـتِ صدريَ بالأحضان ِ فانـسحـقـتْ

عـلـى رحـيـلـكِ أشـكـالُ الـمـسَّـراتِ

عـلـيـكِ دارتْ وجـوهُ الـطـفِّ فـاتـَّحـدتْ

عـلـيـكِ ثـانـيـة ً كـلُّ الـمـصـيـبـاتِ

صبـرتِ يا زهرة َ الـدِّيـن ِ الحـنـيف على

فـتـكِ الـلـيـالي و كـبـريـتِ الشَّـقـاواتِ

ربـَّيـتِ جيـلاً مِـنْ الفولاذِ قـد خـرجـوا
و فـيـكِ قـد دخـلـوا في خـيـرِ مـشـكـاةِ

هـذا مـريـضٌ و ذاكَ الآنَ مُـمُـتـَحـنٌ

و ذاكَ يُـخـبَـزُ فـوق العـالـم ِ الـعـاتــي

و تـلـكَ بـالـورم ِ الـمطـبـوخ ِ في وجـع ٍ

و هـذهِ ضـمـنَ أرقـام ِ الـوفـيَّـاتِ

و أنـتِ مـا بـيـن أكـفـان ٍ و نـائـحـةٍ

أقـوى الـتـَّـصدي عـلى أقوى انصداعاتِ

مَـنْ أنتِ ؟ أنتِ مِـنَ الإعـصـارِ قـوَّتـُـهُ

مـنـكِ الـرَّواسـي وجـوهٌ للإراداتِ

مَـنْ أنـتِ؟ أنـتِ جراحاتٌ و قـد جَمعتْ

مِـنْ دفتر ِ الناس ِ آلافَ الـجـراحـاتِ

جـرحُ الـعـوالـم ِ فيـكِ الآن ثورتـُـهُ

و فـيـكِ تـسـبحُ أحـزانُ الـمـجـرَّاتِ

كـلُّ الـضـحـايا خلايـاكِ التـي بُـعِـثــَتْ

عـلـى الـتـَّـمـزُّق ِ مـرَّاتٍ و مـرَّاتِ

دخـلـتُ بـيـتـَـكِ و الأوجـاع ُ تـبـلـعـُنـي

و خـلـفَ ظـهـركِ أكـوامُ الـخـسـوفـاتِ

مـشيـتُ في غـرفِ الذكرى إذِ انـفـتحـتْ

أمامَ عـيـنـيَّ أبـوابُ الـعـذابـاتِ

هـنـا جـلـوسُـكِ بـالآهـاتِ مُتــَّـقِـدٌ

هـنـا سـعـالـكِ فـي فـرن ِ الـنـِّهـاياتِ

الـبـبـغـاءُ هـنـا كـونـي بـحـضـرتـِـهـا

تـُـرمَـى إذا غِـبـتِ عـنـهـا بـاخـتـنـاقـاتِ

في حامض ِ الهـمِّ يـا أمَّـاهُ رأسُـكِ في

مـطـارق ِ الآه ِ مـبـلـولٌ بـأنـَّـاتِ

هـذا أنـيـنــُـكِ زلـزالٌ يُـشـطِّـرُنـي

نـصـفـيـْـن ِ بـيـنـهـمـا جـاءتْ بـكـاءاتي

كـلُّ الـجـهـاتِ بـكـاءاتٌ تـحـمِّـصُـني

و وجـهـُـكِ الـنـُّورُ مـفـروشٌ على ذاتـي

هـنـا هـواكِ سـمـاواتٌ أُضَـاعِـفُهـا

فـي كـلِّ ثـانـيـةٍ زادتْ سـمـاواتـي

مـازالَ حـبـُّكِ دكَّـانـأً لأوردتـي

و فـتـحـُـهُ لـم يـزلْ خـيـرَ الـفـتـوحـاتِ

أطـلـقـتُ حـبـَّـكِ أقـمـاراً تـبـثُّ إلـى

الـعـالـم ِ الـحـرِّ شـيـئـاً مِـنْ مُعـانـاتـي
عـولـمـتُ نـعـيــكِ يـا أمَّـاهُ فـاضَّـجـعـي

على ضلـوعي و عـيشي في مـنـاجـاتـي

عـيشي معي بـيـن حـضن ٍ لاهـبٍ مدداً

مِنَ الـهـيـام ِ و كـوني فـي حـراراتـي

الجمعة، أغسطس 24، 2007

قراءة في نص (الستون) للقاص محمد خضير


أمجد نجم الزيدي

يندفع نص(الستون) للقاص المبدع محمد خضير من خلال بوابة تقع عند مفترق طرق حيث تنتصب الستون كمرموز إلى نهاية مرحلة تقف خلفها مرحلة أخرى غامضة، غموض المصير الذي تؤل إليه الساعة المتوقفة في نص (الستون)، دائما تكون الستون بداية أو نهاية أو بيوت استوطنها الوجود الملغز، تحاول أن تصلها الرسائل لفك طوالعها وتشفيراتها المرتبطة بالتاريخ الألفي/أخربش أحلامهم وأشيعهم حتى المنزل الستين من منازل البريد اللانهائي، أتهجى اسم المنزل من فرجة الميزان، وقرني الجدي, وفكي السرطان/، وتظهرمن خلال الزمنية التي توجدها العلاقة الفريدة بين شجرة الجميزة والمقهى المقابل من دائرة البريد وساعتها، إذ إن الزمنية التي يقودنا إليها العنوان منذ البدء وهي (الستون) تربط بين مرموزات النص بعلاقة تنافذية ، إذ تنفذ كل واحدة منها من خلال الأخرى داخل هذه الزمنية / جرس الدراجة المرنان يحت أوراق الجميزة في ظهيرة شباط الباردة، وفئران الساعة تقرض طوالعي المكتوبة على الاصفرار الفاقع للأوراق المتساقطة ، خربشة أيامي المتعرجة سنواتي الستون، أطاح بها جرس الدراجة المصلصل، فيما اسفح يومي على تخت المقهى بمواجهة الساعة العمومية لدائرة البريد/،/ أني رجل الستين أوجه رسالتي إلى رجل الستين الذي سيحتل مكاني على تخت المقهى أمام دائرة البريد/.
إن نص (الستون) يأخذ منحى استكشافي، أو هو غيب يحاول أن يتجسد في أوراق الحظ، أو يتمثل تلك الدائرة الكونية المتجاوزة والتي تصور دائرية الزمن، وهو الذي تظهره الستون كمرتكز أو بؤرة زمنية تقف عند حدودها المتغيرات، إذ تبدأ بعدها مرحلة غامضة، لا يمكن أن يستوعبها الحس السكوني، حيث يأخذ النص تلك الحركية التي تستمر وتمضي في دائرية يلظمها ايضا ايقاع واحد هو نفس البؤرة التي جمعت كل مقتنيات النص من مكان وحدث وشخصيات، وتمثلات الصورة التي يرسمها القاص تقف ظلا خفيفا ضبابيا خلف تشكلات الذات ل(انا النص) ورغم كل هذه الملابسات التي ينثرها النص، تقف (الستون) النص/ الزمن نافذة تربط كل المفردات المتجسدة او المختفية في النص، المختفية خلف اقنعة تضمرفعل التماهي الدلالي بين البؤرة وهي (الستون) وارتباطها السكوني الاول مع المقهى وشجرة الجميزة/تضلل الجميزة تخوت المقهى الامامية، وتريق الشمس لعابها الصافي على ورقاتها الخضر الزاهية(...) ورقات الاعوام الستين/،/أفي اليوم الذي غرست الجميزة في موقعها امام دائرة البريد، قبل ستين عاما/، والثاني الحركي المرتبط بالرسائل وساعي البريد/أراسلهم من موقعي الى جانب الرقعة الضليلة /،/قرأ هؤلاء السعاة نبأ رحلتهم الأخيرة الى ما وراء الالفية الثالثة، غابوا في الضباب/،/تجتاز عربة البريد السريعة منازل اخرى في بلاد الوحدة الضبابية/، والدوران في فلك اللامتوقع والغيبي الذي يحمله سعاة البريد، واكدته الساعة المتوقفة في منتصف النهار الفاصلة بين الصباح والمساء وارتباطها بالستين الفاصلة بين الوجود والغيب/توقفت تروسها عن الحركة في منتصف النهار (...) في الوقت المضبوط الذي كف عنده قلب الساعتي عن الخفقان/،/ قبل دقائق قليلة من انتصاف النهار، قرأ الساعاتي خربشة طالعه في صحيفة الصباح، فأمتطى عربته واجتاز بوابة المنزل الستين/، فالنص الذي يقدم تلك الرؤية الافقية للزمن من خلال السنوات الستين الممتدة/قبل ستين عاما؟/ يوقف جريانه الزمني عند هذه النقطة ليبدأ فعل اللازمن الذي يحاول النص صده/ارسلت الى رجل ستيني طالعه قبل دقائق من موافاة اجله/، ولكن يبقى فعل الغيب الملغز هو المسيطر على المتن الاخر، ما وراء نقطة الستين الفاصلة/ في اي نهار سيدور ظل الجميزة وينجرف الى بالوعة المقهى رنين قطعة النقود فوق طبق القهوجي النحاسي، فيبتلع الحوت اسمي في جوفه الصامت/.
نص(الستون) للقاص محمد خضير، يحاول الربط بين متنين متغايرين؛ الاول واضح يعتمد على الايقاع التنافذي بين(انا النص ) والمحيط كما اسلفنا، والمتن الاخر غامض ضبابي يفتح (انا النص) اليه الابواب من خلال الابراج والطالع، ويظهر ايضا من خلال التناص مع القصص الديني، بالربط بين شجرة الجميزة وشجرة المنتهى في الاسراء والمعراج/فئران الساعة تقرض طوالعي المكتوبة على الاصفرار الفاقع للاوراق المتساقطة/، وايضا الارتباط الغير مباشر بين ساعي البريد وملك الموت المرسل من الله سبحانه وتعالى برسالة الموت، التي تنقل الانسان من متن الوجود الى متن الغيب. وما يربط بين هذين المتنين المتغايرين هو مفردة العنوان(الستون) البوابة التي تفصل بينهما بين الوجود والغيب/الحياة والموت، /اخربش احلامهم واشيعهم حتى المنزل الستين من منازل البريد اللانهائية/.
النص من حيث البناء السردي، يقوم على سرد ذاتي يدمج بين افعال الاستذكار والوصف والتقرير /انا محرر باب الابراج في صحيفة محلية/ ويأخذ النص بالانثيال بين هذه الافعال السردية بسرد منلوجي، ولكن مايوقفها هو الكلام المباشر في /اعود الى ساعي البريد/، وهذا حسب رأيي قطع او اخلال في اسلوب السرد الذي انتهجه القاص منذ البدء، ويبدوا ان القاص قد نسي في هذا الموقع بالتحديد، بأنه قد قدم لنا صورة ساعي البريد المنعكسة وليست الاصلية، فساعي البريد لم يظهر بصورته الحقيقية الظاهرية السطحية، أو كصوت مشارك في بناء النص ، وانما ظهر كصورة منعكسة مرتبطة بدلالات جردت ساعي البريد من خصوصيته الوجودية الى خصوصية اخرى مرتبطة بدلالة الفعل الرمزي، وليس الفعل الوجودي الواقعي، ولكن البناء السردي بعيدا عن هذا ، لم يكن سردا تقليديا محايدا وانما عزز قطبي النص وهما الوجود/ الغيب، فمع الاول كان سردا ذاتيا استخدم الوصف، ليعزز سكونية الفعل الوجودي المترقب/أنا رجل اسفح يومي على تخت المقهى الامامي، اتشمس بعيدا عن ظل الجميزة الوارف، مواجها دائرة البريد، ساعة الدائرة الكبيرة تشير الى الثانية بعد فوات الظهر، موعد عودة ساعي البريد الى الدائرة/، اما في القطب الاخر ؛ فقد اخذ السرد بالتماهي باللازمني، محاولا تعميق الضبابية والتلغيز المرتبط بفعل الغيب/انغمس الساعي، وامثاله من الساعين بين الالفيات، في الاحواض الدافئة، ومددوا سيقانهم على حافات الاحواض، في الضباب، وفي يد كل واحد منهم صحيفة بلاستيكية يطالع فيها طوالع اعوامه الستون/..

المبدعة سارة السهيل فى ساقية الصاوى


القاهرة متابعة اشرف عزت
تصوير احمد العربي
احتضنت ساقية الصاوي أخيرا بالقاهرة ندوة أدب الطفل الفلسطيني في ضوء مناقشة أحدث قصص الأديبة العراقية سارة طالب السهيل المعنونة بـ اللؤلؤ والأرض والتي كتبتها خصيصا للطفل الفلسطيني لتؤكد من خلالها حق العودة المشروع للفلسطينيين. حضرها وشارك في فعالتها السفير محمد صبيح الأمين المساعد لجامعة الدول العربية ورئيس قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة بالقاهرة وكاتب الأطفال أحمد زحام مدير عام الثقافة بالقاهرة بهيئة قصور الثقافة, والكاتب الشاعر مصطفي الضمراني, والكاتب شريف الشوباشي.
وقد أشاد النقاد والكتاب بهذه القصة وأكدوا أنها تخاطب الطفل بلغة سهلة تعتمد علي الخيال اللازمة لعالم الطفولة كما تغرس مجموعة من القيم اللازمة للتنشئة الاجتماعية السوية وأهمها ان الحق لايضيع وان تماسك أفراد الأسرة وترابطهم من خلال تمسكهم بالعمل لبناء الوطن هو أهم قيمة في الصمود والامل في المستقبل. وامام هذه القيم طالب المشاركون في الندوة بضرورة تحويل هذه القصة الي عمل درامي يعرض علي الشاشات الفضائية.
في تقديمه للندوة قال مديرها محمود قاسم, ان كاتبتنا جمعت بين هويتين, كما جمعت في لقائنا مجموعة من الشخصيات المتميزة جاءوا لهذه الكاتبة المتميزة سارة طالب السهيل, فلنستهل ندوتنا بكلمة منها.
وقد عبرت سارة في كلمتها عن فخرها بصمود الطفل الفلسطيني وعن احتفائها بيوم الطفل الفلسطيني, وقالت ان هذه الندوة تكتسب أهمية خاصة لأنها تعقد في ظل مناسبة عزيزة وغالية علي قلوبنا جميعا في العالم العربي, ألا وهي مناسبة الاحتفال بيوم الطفل الفلسطيني, سواء كان الطفل الشهيد أو المنفي أو في المخيمات, أو الطفل المرابط علي أرض الأجداد رغم ما يشاهده يوميا من دماء ذويه واصفة هذه الجرائم في حق الطفولة الفلسطينية بأنها مثل فاضح لاتفاقية جنيف الرابعة وهيئة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية.
كما أكدت حق الطفل الفلسطيي, في التمتع بحقه في حياه آمنة مساواة باقي أطفال العالم وأن ينعم بطفولة كريمة. وقالت مثلي مثل كل الأدباء العرب من المحيط إلي الخليج أهيب بكل هيئات المجتمع الدولي مثل منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة والمفوض العام لحقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية و اليونيسيف الدولية للقيام بدورهم في إنقاذ الطفل الفلسطيني, وحمايته من عمليات القتل. وهوالنداء الذي أتوجه به أيضا لحماية الطفل العراقي الذي يدفع ثمن الطائفية وأعباء الاحتلال دون ذنب اقترفه مثلما دفع الشهيد محمد الدرة ثمن الغدر الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني الصامد

الأربعاء، أغسطس 22، 2007

قَومي بأيزيديَّةٍ هاموا

سامي العامري
alamiri60@yahoo.de

قَومي بأيزيديَّةٍ هاموا
حتى وإنْ لم يَقضِ إسلامُ !
لم يَقضِ لكنْ للهوى سُنَنٌ
فوقَ الذي قد سَنَّ لُوَّامُ
لا تخشي عِشْقَ النورِ في كَنَفي
فَكِلاكُما للقلبِ إلهامُ
ودَعي لِبَعضِهِمُ العتابَ فَهُمْ
أهلٌ ودامَ الشُّكرُ ما داموا !
فَلَقَد يُزالُ الآنَ من حَزَني
ما لم تُزِلْ – من قبلُ – أعوامُ
والحُزنُ صُنْوُ طفولتي ولَهُ
في النفْسِ أختامٌ وأختامُ
وتَطَلَّعَتْ لِمَسيرِكُمْ حَدَقي
وتَطَلَّعَتْ في القلبِ أنسامُ
وَجْدٌ انا لا ينثَني وَهَناً
والوجدُ ليس الجُرحَ يَلتامُ
او إنهُ جرحٌ ولا عَجَبٌ
أنْ للجروحِ كذاكَ أحكامُ
الكارهونَ هديلَ فاخِتةٍ
نَقَلَتْهُ سِنجارٌ وآرامُ
هُمْ آخرُ التُّعساءِ لا مُهَجٌ
تُرجى وكُلُّ زمانِهِم خامُ
ويُغيظُهم أنّا سواسيةٌ
وعلى الجميعِ الحُبُّ قَوّامُ !
يا انتِ يا سمراءُ لستُ انا
مَن يَغتَني والقومُ نُيّامُ
كلا ولا دِيني ولا شِيَمي
أنْ أبخسَ النُّظَراءَ ما راموا
راموا المحبةَ والسلامَ عُرَىً
ولَهُمْ بها ماضٍ وأقلامُ
إنّا وإنْ كُنّا أُلِي فِرَقٍ
رَحِمٌ لنا , والناسُ أرحامُ
لا بَونَ , إنْ بُنّا فيجْمَعُنا
حامٌ اذا ما شئتِ او سامُ !
**

بعض أبيات هذه القصيدة تستلهم أحداثاً قريبة العهد جَرَتْ في العراق .

**************
كولونيا

صباحكم أجمل / ظلم وظلام


زياد جيوسي
صباحك أجمل يا وطني، صباحك أجمل يا رام الله، صباحك أجمل في هذا الصباح الناعم والنسمات الرقيقة العابرة من بحر يافا وبيارات يافا، بدايات النور وأشعة الشمس في الأرجاء، هدوء المدينة وهي تنـزع سُدل الليل عن كتفيها، رائحة الياسمين والورود وهي تعبق في الأجواء كلما مررت بحديقة منـزلية أهتم أهلها بها، أجول بالشوارع القريبة من صومعتي، فأنا أشعر ببعض إرهاق منذ نهار الأمس، لذا اخترت أن أسير في شارع قريب فأصل إلى دوار الشباب ومن هناك التف إلى شارع المكتبة، حيث الأشجار على طوال الشارع، إضافة لذكريات الطفولة فيه، أمر من أمام المكتبة العامة القديمة، والتي أنشأت قبل "50" عاما من الآن، وحيث ستبدأ احتفالات يوبيلها الذهبي بعد أيام، فتعود ذاكرتي إلى بداية ستينات القرن الماضي، حين كنت أزور المكتبة وأقرأ فيها، ودوما أشعر بهذه المكتبة أنموذجا يمثل انتماء المواطن لمدينته، فقد تأسست بجهود المواطن خليل أبو ريا الذي كان بفترتها مديرا للكلية الوطنية، وتبرع بقطعة الأرض التي بنيت عليها المكتبة، ومن ثم توجه للولايات المتحدة لجمع التبرعات من أبناء رام الله المغتربين، فكانت مكتبة رام الله، زهرة سقيت بماء المحبة والانتماء، تطورت بجهود البلدية والمخلصين من أبناء المدينة والمنتمين إليها، فكبرنا نحن وكبرت المكتبة حتى أصبحت تحتوي في إحصاء حديث على "45000" كتاب وأقسام متعددة، كبرنا في العمر لكن المكتبة بقيت شابة رغم أنها كبرت معنا، متمنيا أن تبقى وتكبر وتكبر وتبقى شابة لا تشيخ، حتى يكون لها فضل على أحفادنا كما كان لها فضل علينا، وأن تبقى منارة منيـرة بالعلم والثقافة ومثال طيب لانتماء المواطن إلى وطنه ومدينته، متمنيا أن تعم المكتبات كل قرية ومدينة، فنحن نعاني من عزوف كبير للأطفال عن القراءة والمطالعة بشكل عام، وليس كما كان بطفولتنا حين كانت المطالعة الخارجية جزءً من المنهاج الدراسي، يفرد لها حصة كل أسبوع ليقوم الطلبة بتلخيص الكتب التي اختاروها من مكتبة المدرسة، فكل أسبوع كان مطلوباً من كل طالب أن يستعير كتاباً، وعليه أن يكون مستعداً للحديث عنه أمام الطلبة، فأذكر بالخير أساتذتي العظام بتلك الفترة، الأستاذ خالد الأسمر رحمه الله مدرس العربية، والذي لا أنسى تأثيره على شخصيتي، وأستاذي الفاضل عزمي الخواجا، الذي كان أميناً لمكتبة المدرسة إضافة لمهماته الأخرى، أطال الله بعمره وحفظه.
أجول في مدينة رام الله في هذا الصباح الباكر، ورغم نورالفجرالذي بدأ يعم المدينة، إلا أني اشعر بالأسى والألم إلى ما آلت إليه الأحوال في غزة، غزة الصمود التي تمنى رابين أن يبتلعها البحر، غزة المقاومة عبر التاريخ لكل جحافل الغزاة، غزة التي قال أتباع سيدنا موسى عليه السلام عنها، كما ورد في الآية الكريمة: (قالوا يا موسى إن فيها قوم جبارين)، (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون)، غزة التي كانت ولم تزل بشعبها درة فلسطين، مقاومة بكل صلابة وقوة، غزة هاشم التي دفن فيها جد رسولنا الكريم، غزة الآن تغرق في الظلم والظلام.
يا أصحاب السياسة والقرار.. كم اكره الممارسات التي تمارسونها، فتكرس غزة منفصلة عن الضفة، فغزة التي صمدت ظُلمت من أبنائها، فقد جُعلت مركز الصراع بين القوتين الأساسيتين فيها، وحين قامت قوة في دابر ليل بالاستيلاء على غزة بقوة السلاح، في ظاهرة لم تشهدها الساحة الفلسطينية من قبل، مخلفة مئات القتلى والجرحى، وفُرض اللون الواحد على غزة، وبدأت نشوة خمر "النصر" على الإخوة تدور في الرؤوس، فكَرست حكومة عُينت من الرئيس وأُقيلت منه نفسها حكومة في غزة، وبدأت عملية المناكفة السياسية لأي قرار من الحكومة الجديدة، والتي عُينت أيضا بمرسوم رئاسي، فتعطل العمل في المؤسسات والوزارات والأجهزة الأمنية، ودفع المواطن الثمن من صحته واستقراره وأمنه، ووقع بين حجري الرحى بين حكومتين، السجال بينهما يأخذ مداه، والكل ينسى أنه تحت الاحتلال، في عملية صراع المستفيد الوحيد منها الاحتلال.
وها هي غزة تغرق في الظلام بعد توقف الأوربيين دفع فاتورة الوقود، فنحن قد رهنّا كل شيء فينا ولنا لصالح الدول المانحة، ولصالح دولة العدو والاحتلال، وجرى الحديث عن بعض المسائل التي تتعلق بالجباية، فتمت عملية القطع والتوقف عن الدفع، فعم الظُلم والظلام غزة، وبدأ المواطن يدفع الثمن كالعادة، فالمواطن كالواقع بين المطرقة والسندان، لا يمتلك حولا ولا قوة.
حين فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية، تم فرض حصار ظالم على الشعب الفلسطيني بأكمله، فتحملنا وقلت آنذاك "علينا الصمود بوجه الحصار، فكلنا في شِعب أبو طالب"، رغم أني لم ألحظ مسئول من الطرفين تأثر بالحصار، ولم أكن أرى إلا وجوهاً تتورد وكروش تزداد انتفاخاً، والمواطن يدفع الثمن، ترى هل فكر من دبروا الاستيلاء على غزة بقوة السلاح في تداعيات ذلك على حياة المواطن؟ فها هي الكهرباء تخضع للحسابات السياسية والمناكفات الداخلية، ورغم الخبر الذي بُث أمس عن اتفاقٍ لحل هذا الموضوع، صرحت به الحكومة من رام الله باتفاق مع الأوربيين، إلا أن ذلك سيـبقي المواطن تحت رحمة أي طارئ قادم، وها أنا أتلقى عشرات الاتصالات من أصدقاء مواطنين لا علاقة لهم بأي من القوتين، يشكون فيها ضيق العيش وانتشار القمامة في الشوارع بسبب إضراب عمال البلديات، ومن تعطل مصالحهم بسبب وقف العمل في الوزارات والمؤسسات الحكومية، ويشكون الأمرين من إغلاق المعبر اليتيم في وجه الحركة، وفقدان الكثير من الاحتياجات وارتفاع الأسعار.
أتمنى أن يعود الاحتكام للعقل ومصلحة الوطن والمواطن، وأن تنتهي هذه الأزمة التي تعصف بنا جميعا، في الوقت الذي يلهو الاحتلال بالقتل والتدمير، فخلال أربع وعشرين ساعة كانت حصيلة الشهداء تتجاوز اثنا عشر شهيداً، والقيادات السياسية متلهية بتبادل الاتهامات والتحريض على بعضها، بينما الأقصى الذي مرت ذكرى حرقه بالأمس على يد يهودي حاقد، مرت بالأمس والأقصى يعاني، والقدس تعاني، فما زالت الجهود التي تبذل ووسائل توفير دعم الصمود لأهل القدس القابضين على مدينتهم، كالقابض على جمرة من نار متعثرة وأقل بكثير من المطلوب، ويا حبذا لو أن الصراع على مقاعد الحكم المنخورة بسوس الاحتلال، يتوجه من أجل القدس والوطن، فلعل الأجيال القادمة تذكركم ببعض الخير.
إن تمسك كل طرف بمواقفه سيغلق باب الحوار للأبد، في الوقت الذي نتحاور فيه مع الجميع باستثناء أنفسنا، وكل تأخذه العزة بالإثم فليس على استعداد للتنازل عن مواقفه ولو بحد أدنى، والكل يصر على موقفه على طريقة المثل " عنـزة ولو طارت".
صباح آخر وحلم يتجدد، الدرب ما زال طويلا، ورحلة النضال مستمرة جيل اثر جيل، ووسائل النضال تتطور وتتغير وتتعثر حيناً وتنجح حيناً، ولكن الفجر الذي نحلم لا بد آت، فشعبنا الذي يناضل منذ بدايات القرن الماضي في مواجهة العدو، والذي يتمسك بالأرض والحقوق، لا بد أن ينـتصر...سيستمر النضال، فآه يا وطني، وآآآه يا نضال..
هديل الحمائم وزقزقة العصافير على نافذتي، عبق الريحان والنعناع والقرنفل البلدي، وفنجان قهوة مع طيفي البعيد القريب، أشتاقك بقوة وحب، فما زلت أنت أنا كلانا، فنجان قهوتنا ولفافة التبغ، وفيروز تشدو لنا وللحب والأمل والفجر القادم:
سنرجعُ يوما إلى حيِّنا
ونغرقُ في دافئاتِ المُنى
سنرجع مهما يمرُّ الزمانُ
وتنأى المسافاتُ ما بيننا
صباحكم أجمل.

الأحد، أغسطس 19، 2007

مـــــــــسارب الـــجمر



رياض الشرايطي
تونس

بــــــــــــــــداية الـــكلام :

يا حامل الأقداح،

أرمي أقداحك،،

و عِـــدْ جثّتي بالرّدى،،

و النّــبات على شرفة البلاد،،

قرنفلا و مـــــاء...

********

أسيّج رحيل القلب المفجوع بعقوق قاتلتي،،

المعلّقة بين الصّنم المجبول بحمّى الشّوارع السّريعة..

و بـــــــــــــــيني،،،

كي أغنّي،،

و أتطهّر بعَبَر العيون المتروكة،

على مصطبة المساء القديم ،،

و أغيب في شرودها ،،

أذرع سدرتها المحبوكة

بضــفّة يمام برّ عتيق،،

أسألـــه كأس التّــــلاشي بين الفكرة و الفيافي،

بين غوره المحموم و عِــــرْق فارغ من النّيض ،،،

يـــــــــــسمّــــــــيه،،

بكلّ ما أشتقّ من تكسّر زجاج دم الأوطان،،،،

النّابعة من مقلة ناحبة على زند الذّاكرة ،

المفقودة في طيّ عناوين الخطاطيف،

المغلولةالمنحورة على عنبات التأبين،،

و يَعدُّه بالخبل و الشّطح الأخرسالمهموم على ضفّتي بلد العشق ،

الحزين،،،

ندفة الدّم المسكونة بصبايا الشّفق مقفلة،

على طنين مدارات الرّوح،،

هاربة من أفول الشّمس على خدّ لوحيّ،

يستظلّ بجماجم الـــقبّرات ،،

من هبوب الشّمال ،

و قـــــيض الجنــــــوب،،

تذرف على جبين الرّيح زهرتـــين :

جمرة أشتهاء كفيف،،

و خيط من ليل يشكّ كلّ النّجو

مقلادة تعرّش في لحمها حمامة،،

تـــطير الحمامة،،

من بدء حشرجة بكارات الآفــــــاق،

و تبدأ السّؤال عن عينيها ،،

و واحات الضّـــوء المسمول بالسّفر إلـــيها ،،،

و عن قيام القتيل بين جناحيها،،،

و فراشات القيامة الموؤودة تحت شفريها،،،

و عـــــــــــــــــــــنها ،،،،

و هي القمر المشروخ الحلم،،،

حين يستتبّ بي،،،

و هي هذه الأرض المرمية على خشبة اللّه،

منـــــعوقة بكمدي،،،

و هي إنفلاق الفلق،،

عند نهاراتي الموحشة ،،،،،

وهـــــــــــــي خمري،،

و حبيبتي السرّية ،

المطعونة بالإتّــجاه المقفر بـــــي،،،

شيخ تمائم نوء سكون الأصحاب ،،،

المتربّص بــــي،،

سكرات بلح بلادي الغائرةـ فـــي،،،

المحمولة على جدث عقيق الصـــحراء،

الرّاحلة في ســـعف النّخل القاصر ،

نحوي،،

و هـــي أنشطار الدّقائق الـــكسلى ،،،

على باحة الصّدر ،،،

و الصّدر نهر من شاحب الأماني ،،

ضلعان أو نبضان منه يكفيان لسدم ما بقي منّي مصلوبا

على حطام النّـــــــــــــ=D

كما تفكر صحراء

سعيد الشيخ

المصابيح انسحبت من السهرة
دون إعتذار
قمر ضئيل على حريرك
زغب يلمع باتقان ساحر
ضحكتك معلقة على المساء
نامت عصافير الخجل
القمر ووجنتاك
اكتمال الشرفة ونبض الرخام.

اللحظة،
أعرف لذاذة الالم
كم توغل جارحة
في حديقة ثيابك.

الشال الابيض
حارق فوق جمر الرعشات
هذا القماش سيخاصم الكلام
والكلام شفاف على ارتباك
سيبصر المشهد داخله
حينما ترمش عيون المشتهاة.

هذه فطنة ليل
اصابعك
حديقة تتثاءب
واصابعي اولا
وهي تنقب الرماد
عن جمر يحلم بالتفاح.

بإسمك
افرفط الظلام
تلاوة العاشق
في حضرة الحبيبة
أشد هيبة من صوت قديس

حتى يمر الليل الحارق
احصي شعرك المنفوش.

في عمق الالم،
حينما اضطراب حياة
لا انساك
افكر:
كما تفكر صحراء.

كل المعاني لا تكفي
كأني كي اقول: احبك
يلزمني فسيح من روح السماوات
عميق من غياهب القيعان.
لا اضع صعوبة على شروط البهاء
ربما قبلة،
احفظها في برواز ذاكرتي
تكفي، كي تهمي روحي
سابحة في دنيا عصافيرك
زقزقات توقظ العشب اليابس
واصرخ بملْ الكواكب
وبلاغة النجوم
كي بعينيك اضئ
وشفتيك نبع العسل.

اذا الليل فتق وطأته
كنا نحن فسيح البروق
صياغة السهر
ضجيج الحدائق
نذهب الى آخر الهتاف
نسبّح بمجد الحبق.

سأنتابك،
كلما هلّ قمر
وهاجرك النعاس
سأنتابك،
كلما انكسر في روحك
زجاج الالتباس.


سعيد الشيخ
شاعر وكاتب فلسطيني مقيم في السويد

الجمعة، أغسطس 17، 2007

ما هي الأنسنية؟

د. حازم خيري

"
في موعد النصر متسع للجميع"
إيمي سيزير




الإنسان Human Being وتر مشدود على الهاوية الفاصلة بين لانهايتين : الوجود المطلق ، والعدم المطلق . ولذا كان وجوده نسيجا من كلا النقيضين ، على تفاوت في نصيب كليهما منه ، وفقا للحظات الزمنية ، بكل ما تنطوي عليه من إمكانيات ، تترجح بين المد والجزر ، في تيار المصير المتوثب للروح . لكن مهما يكن من كم هذا التفاوت وكيفيته ، فالينبوع الدافق الثري للوجود الحي هو دائما الإنسان ، والإنسان فحسب ، وان نسي هو أو تناسى هذا الأصل ، فانشق على نفسه وفرض عنصرا من عناصره الوجودية على الآخر ، حتى يجعل الصلة بينهما صلة التابع والمتبوع . بيد أنه سرعان ما يرتد ، في لحظة أخرى تالية ، إلى الينبوع الأصيل للوجود الحي ، أعني إلى نفسه يستمد منها معايير التقويم ، ومن ثم يبدأ لحظة جديدة ، لها في التطور الحضاري داخل الحضارة الواحدة مركز الصدارة . وهذا العود المحوري إلى الوجود الذاتي الأصيل هو ما يسمى في التاريخ العام باسم "النزعة الإنسانية Humanism".

ويعتمد الكاتب في كتابه الماثل مصطلح "الأنسنية" للدلالة على النزعة الإنسانية المشار إليها سلفا ، والقائلة بأن الإنسان هو أعلى قيمة في الوجود ، تمييزا لها عن "الإنسانيات" باعتبارها مادة الدراسة الجامعية التي تعنى باللغات والفنون والآداب والتاريخ ، أو بمعنى أكثر حصرا باعتبارها دراسة المؤلفات الكلاسيكية الإغريقية والرومانية . وكذلك تمييزا لتلك النزعة عن "الإنسانوية" التي تستخدم للدلالة على الميل أو النزوع إلى الإنسانية أو ادعائها . ويعود الفضل في نحت مصطلح الأنسنية ( كمرادف للمصطلح الغربي Humanism ) للأستاذ فواز طرابلسي ، في إطار ترجمته لآخر مؤلفات الراحل إدوارد سعيد ، وهو كتاب " الأنسنية والنقد الديمقراطي Humanism and Democratic Criticism " ، فقد اقتضت الترجمة الوافية نحت مصطلح عربي يستوعب المضامين الفكرية التي أودعها سعيد كتابه الأخير ، والتي تبرز تطوره الفكري والأدبي وقد تأوج في التزامه النهج الأنسني.

نشأة مصطلح "الأنسنية" :

قد يكون مفيدا ، ونحن بصدد التأريخ لنشأة مصطلح "الأنسنية" ، تذكر قول الدكتور محمود رجب بأن الكلمات ، شأنها شأن الأشخاص والشعوب ، لا تنشأ في فراغ ولا تهبط من السماء ، وإنما تنشأ في قلب المجتمع البشري ، وتتكون معانيها من خلال معاناة الإنسان لمشكلات تاريخية حية . وكذلك قوله أن الكلمات الفنية التي نسميها بالمصطلحات ، وخاصة في الفلسفة ، لا تختلف كثيرا من حيث نشأتها في المجتمع عن غيرها من الكلمات ، بل إنها لتبدأ ، في أغلبها كلمات عادية في لغة الحياة اليومية ، أو ألفاظا عابرة في مؤلفات بعض المفكرين ، حتى إذا ما جاء أحدهم وتوقف وقفة طويلة عند واحدة منها ورأى أنها أكثر تعبيرا من غيرها عن مشكلة أو مشكلات بعينها يكابدها وتشغل تفكيره ، فحينئذ ، وحينئذ فقط ، تأخذ هذه الكلمة ، وعلى يديه ، دلالات ومعاني محددة ، وتكتسب ملامح وأبعاد متميزة . ومن ثم يبدأ النظر إليها على أنها كلمة فنية أي مصطلح . بيد أنه بخروج المصطلح من مجاله الخاص ، وانتشاره سواء في مجالات أخرى متخصصة أو في الحياة العامة ، فانه لا يلبث أن تلحق به معاني هامشية ربما أسدلت على معانيه الأصلية أستارا من اللبس وسوء الفهم . وهو ما يلقي على عاتق الباحثين مهمة التمييز بين ما هو أساسي وما هو غير أساسي في معانيه.

ولعل مصطلح "الأنسنية Humanism" أن يكون واحدا من أكثر مصطلحات الفلسفة المعاصرة تجسيدا لهذه الحقيقة الخاصة بنشأة المصطلحات وتطورها وانتشارها . فمن الصعب علينا فهم دلالته حق الفهم ، بمعزل عن المشكلات الإنسانية والظروف التاريخية التي مرت بعصور من استخدموه من مفكرين وفلاسفة ، وهو ما يحتم علينا تتبع البدايات الأولى لاستخدامه . فقد أطلق هذا المصطلح ، أول ما أطلق ، للدلالة على الحركة الفكرية التي يمثلها المفكرون الأنسنيون Humanists في عصر النهضة ، من أمثال الشاعر الإيطالي الكبير فرنشسكو بتراركه Francesco Petrarca ورفاقه. وهي حركة أوضح سماتها السعي إلى الإعلاء من سلطان العقل ، ومقاومة السلطة والجمود ، وسبيل أنصارها التمرد علي قيود القرون الوسطى وتحطيمها.

ويظل اقتراح المفكر المصري إسماعيل مظهر باعتماد النشورية ، وليس الأنسنية ، ترجمة للمصطلح الغربي Humanism ، وكذلك اقتراحه اعتماد النشورى ، وليس الأنسني ، ترجمة للمصطلح الغربي Humanist ، الأكثر تعبيرا عن مضمون تلك الحركة الفكرية المشار إليها سلفا . فالنشورية من النشور بمعنى البعث ، وبالتالي هي الأكثر تعبيرا عما قصد إليه المصطلح الغربي من إحياء الآداب القديمة وبعث الإنسان من رقاد القرون المظلمة.

والحركة الأنسنية أو النشورية في مطلع عصر النهضة ، شأنها في ذلك شأن أي ثورة ثقافية أخرى ، أعادت تقييم الأوضاع السائدة في العصر الوسيط ، ثم لم تلبث أن تحدت المعنى الذي خلعه على الوجود زعماء اللاهوت في ذلك العصر . وكانت الشرارة الأولى في الثورة نهوض جماعة من المفكرين الأنسنيين أو النشوريين ، أعلنت تفسيرا للحياة يتفق مع المفاهيم الآدمية والإنسانية . وبطبيعة الحال جاء ذلك الإعلان على استحياء أول الأمر ، غير أنه لم يلبث أن أضحى أكثر جرأة فيما بعد . إذ مضت تلك الجماعة الأنسنية قدما في تحدي الازدراء الذي نظر به رجال الدين في العصر الوسيط إلى عالمنا ، وأكدت جزما أن الأرض مقام جميل طيب ، وأن الوجود الإنساني هبة ثمينة للغاية ، وأنه ليس أمرا عرضيا وبغيضا كما يروج لذلك تجار الآلام . ولما كان للقدامى نفس الوضع ، فان الأنسنيين التجئوا لدعم منطقهم الجريء إلى نفوذ الإغريق واللاتين ، ومن ثم اتخذت الحركة الأنسنية من زاوية تلك الحاجة شكل إحياء التراث القديم . ويمكن اعتبار أولئك الأنسنيين الثائرين ، ابتداء من بتراركه ، جماعة من المجددين ، اتصفوا بالإدراك والتبصر ، ونجحوا على تردد بعضهم في سحق قيود القرون الوسطى، صارخة عقولهم قبل ألسنتهم: " أيتها الحرية .. إننا نعشقك ".

على هذا النحو انطلقت الحركة الأنسنية قوية فاتحة ، وساعد على ذلك اختراع آلة الطباعة ، رغم استقبال الأنسنيين لهذا الحدث ببرود يماثل برود استقبالهم لحدث آخر لا يقل أهمية ، وهو الاستكشافات الجغرافية . فليس ثمة شك في أن الأنسنيين الثائرين ، كانوا أبعد عن أن يبتهجوا باختراع الطباعة ! بل انهم عادوها في البداية ! ولدينا مثل واضح على ذلك ، ضربه لنا فسبزيانو دابستيتشي Vespasiano da Bisticci ، وهو أحد ذوي الأفكار النبيلة في القرن الخامس عشر . فمع أن فسبزيانو مات في عام 1498 فقط ، أي في وقت كان فن الطباعة قد بلغ فيه درجة طيبة من التقدم ، نراه وقد ظل يتوجس من الطباعة إلى نهاية عمره . ليس ذلك فحسب ، فقد ذكر فسبزيانو أن واحدا من حماته ونصرائه ، وهو الدوق أوربينو Urbino ، كان يخجل أن يمتلك كتابا مطبوعا . والحق أن هذا الموقف أصبح مستحيلا في القرن التالي ، لأن الأنسنيين رأوا أن آلة الطباعة لم تعد عدوتهم ، فبفضلها راحت كتبهم تنتشر في كل الأوساط بسرعة البرق . لأنه إذا كان نسخ الكتاب قبل اختراع آلة الطباعة يستغرق أسابيع عديدة أو شهورا ، فان طباعته وبمئات النسخ بعد اختراعها أضحت تتم بين عشية وضحاها.

وفضلا عما أسداه اختراع آلة الطباعة للحركة الأنسنية من عون ، عمد الأمراء الإيطاليون بدورهم لدعم الأنسنيين ماديا ومعنويا . بل وحموهم كذلك من ضغط الكنيسة والعامة ! وذلك لأسباب يخرج ذكرها عن نطاق اهتمام الكتاب الماثل، الأمر الذي ساهم بقوة في دعم الحركة الأنسنية في عصر النهضة ، إذ لم يكن أولئك المدعومين سوى الطليعة الثورية للحركة . ففي مدينة فلورنسا التي أنجبت أشهر الرسامين والفنانين ، وبفضل مساعدة الأمراء ، راح المفكر الأنسني مارسيليو فيشينو Marsilio Ficino يترجم أعمال أفلاطون وتلامذته . وكذلك تشكلت أول أكاديمية علمية في مدينة فلورنسا ، هاجر إليها كبار علماء بيزنطة بعد سقوط القسطنطينية على يد محمد الفاتح . وللأسف تعصبت الأكاديمية لفكر أفلاطون إلى حد أنها منعت تدريس فكر أرسطو الذي دخل إلى إيطاليا عن طريق الفلاسفة العرب ، كابن سينا وابن رشد . ومن إيطاليا انتشرت الحركة الأنسنية في ألمانيا وهولندا ، ومنهما إلى فرنسا . وعندما عارض رجال الدين دخول مؤلفات الفلاسفة المسلمين ، بحجة أنها آتية من جهة أعداء المسيحية ، قال لهم الأنسنيون الثائرون : " هذا الفكر يشكل جزءا لا يتجزأ من التراث الإنساني ، ونحن بحاجة إليه ، وسوف نأخذ به ونستفيد منه ، أيا تكن الجهة التي جاء منها ! ".

التعاريف الفلسفية للأنسنية :

حقيقة أن المفكر الأنسني في عصر النهضة لم يكن رجلا محيطا بما كتب القدماء ، مستمدا وحيه منهم فحسب ، بل كان رجلا قد فتن بالقدماء فتونا جعله يقلدهم في حياتهم ويحاكيهم في قناعتهم ، ويقتدي بهم في لغتهم وتفكيرهم . ولا جرم أن حركة كهذه متى أوغل فيها أصحابها إلى أقصى حدودها المنطقية ، كانت خليقة أن تتجه إلى النيل من رجال الدين المسيحي بحدة وقوة . وهو ما ساعد منذ ذلك الحين على شيوع القول بالتعارض بين الحركة الأنسنية والعقيدة المسيحية في مؤلفات الأنسنيين وكتاباتهم . بيد أن الاستعمال الفلسفي لمصطلح "الأنسنية" يتصف بالحداثة النسبية ، ولو أنه برزت خلاله اتجاهات فلسفية عديدة ودقيقة في تعريف المصطلح ، التقت جميعها على تثمين الإنسان بوصفه أعلى قيمة في الوجود ، غير أنها تفاوتت في إيمانها بقدرته منفردا على تجاوز آلامه وبلوغ طموحاته ، تحدوها في ذلك مؤثرات عديدة لا مجال لذكرها أو حتى التنويه عنها . و يورد الكاتب فيما يلي رصدا موجزا ووافيا نسبيا ـ من وجهة نظره ـ لأهم وأبرز الاتجاهات الفلسفية في تعريف مصطلح " الأنسنية " :

[1] تعريف شيلر F.C.S.Schiller :
الأنسنية عند الفيلسوف الإنجليزي فرديناند شيلر هي أبسط وجهات النظر الفلسفية ، وقوامها هو إدراك الإنسان أن المشكلة الفلسفية تخص كائنات بشرية ، تبذل غاية جهدها لتفهم عالم التجربة الإنسانية ، وزادها في ذلك أدوات الفكر البشري وملكاته . وطبقا لما أورده الفيلسوف شيلر في كتابه "دراسات في المذهب الإنساني Studies in Humanism " ، لا خلاف بين الأنسنية وبين آراء الناس فيما تواضعوا عليه من أمور الواقع ، فهي لا تنكر ما اصطلح الجمهور على وصفه بصفة " العالم الخارجي " . إنها تكن احتراما بالغا عميقا للقيمة البراجماتية للتصورات التي تدر بالفعل أفضل مما تدر تصورات الميتافيزيقا التي تحتقرها وتريد أن تبطلها . ولكنها تصر على أن "العالم الخارجي" الذي يقول به أنصار الواقعية لا يزال يعتمد على التجربة الإنسانية ، بيد أنهاـ يقصد الأنسنيةـ قد تتجزأ فتضيف أن معطيات التجربة الإنسانية لم تستعمل استعمالا تاما في بناء عالم خارجي واقعي.

[2] تعريف أورده دي روجمون Denis de Rougemont :
من تعريفات الأنسنية المهمة أيضا ذلك التعريف الذي يرى أن الإنسان ينبغي عليه من الناحية الأخلاقية أن يقصر اهتمامه على ما يدخل في النطاق الإنساني من صفات وفضائل وأعمال . وبهذا الصدد يقول الكاتب السويسري دى روجمون في كتابه "سياسة الشخصية Politique de la Personne" ، المنشور عام 1934 ، ما نصه: " إن المذهب الإنساني ـ يقصد الأنسنية ـ يدل على نظرة عامة عن الحياة ( السياسية ، والاقتصادية ، والخلقية ) ، تدور على الاعتقاد بأن خلاص الإنسان يتحقق بالجهد الإنساني وحده . وهو اعتقاد مخالف كل المخالفة للعقيدة المسيحية التي تذهب إلى أن خلاص الإنسان يتحقق بفضل من الله وحده ومن الإيمان " .

[3] تعريف جاك ماريتان Jacques Maritain :
دأب الفيلسوف الفرنسي جاك ماريتان على التأكيد ، في كتاباته العديدة ، على موقف الفيلسوف المسيحي من الأنسنية ، وذلك باعتباره أحد أعلام التوماوية الجديدة ، ومن ذلك كتابه "الأنسنية المتكاملةIntegral Humanism" ، المنشور عام 1936 . فقد عرف ماريتان هذا الموقف بأنه ذلك الذي يحاول أن يجعل الإنسان أنسنيا حقا ، وأن يظهرنا نحن البشر على عظمته الأصيلة حين يجعله مساهما في كل ما يمكن أن يوفر ثراءه في الطبيعة وفي التاريخ . انه الموقف الذي يطلب إلى الإنسان أن ينمي الإمكانيات المنطوية فيه ، وأن يذكي قواه المبتدعة وحياة العقل ، ويسعى إلى أن يجعل من قوى العالم الفيزيقي أدوات وذرائع لحريته.

[4] تعريف سارتر J.P.Sartre :
في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، شاع استعمال مصطلح "الأنسنية" في أوروبا وأمريكا شيوعا حمل الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر على وضع كتاب مهم حول طبيعة العلاقة بين الوجودية والأنسنية . فالأنسنية من وجهة نظر الفيلسوف الوجودي سارتر ترى أن الإنسان هو على الدوام خارج نفسه ، ومتى جعل نفسه مشروعا ومتى أضاع نفسه خارج نفسه ، استطاع أن يجعل نفسه موجودا . ومن جهة أخرى إنما يستطيع الإنسان أن يكون موجودا حين يسعى إلى أغراض متعالية ، أي تتجاوزه . ولما كان الإنسان هو هذا التجاوز ، ولما كان لا يتناول الموضوعات إلا بالقياس إلى هذا التجاوز ، فهو حينئذ في لب التجاوز نفسه . وليس هنالك من عالم إلا العالم الإنساني ، عالم الذاتية الإنسانية . فالوجودية ـ والكلام لجان بول سارتر ـ أنسنية ، لأنها تذكر الإنسان بأنه ليس هنالك من تشريع إلا نفسه ، وأن الإنسان ، حين يبحث خارج نفسه عن غرض هو تحرر معين وتحقق خاص ، إنما يحقق نفسه إنسانا.

محاولات صياغة أنسنية عالمية :

يعد الرواج العظيم الذي لقيه مصطلح "الأنسنية" مسئولا بشكل أو بآخر عن زيادة الاختلاف في معانيه عند مستعمليه من أصحاب الاتجاهات الفلسفية المختلفة ، فضلا عن كونه مسئولا كذلك عن كثرة الاختلاط حول المصطلح ، ليس في أذهان العامة فحسب ، و إنما لدى كثير من الكتاب والمؤلفين أيضا . وهو ما حدا ببعض الفلاسفة والمفكرين المأخوذين بما للأنسنية من رونق وجاذبية لبذل جهود حثيثة في صياغة خصائص بعينها لما اصطلحوا على اعتباره "أنسنية عالميةWorld Humanism" ، اعتقدوا في تجاوزها للاختلافات والتناقضات الواردة في التعاريف المختلفة للأنسنية ، إلى جانب اعتقادهم في تمييزها للفلسفة الأنسنية عما عداها من فلسفات . وفيما يلي عرضا موجزا لأهم المحاولات المبذولة في هذا الصدد :
[1] محاولة لامونت Corliss Lamont :
أورد الفيلسوف الأمريكي كورليس لامونت في كتابه ذائع الصيت "الفلسفة الأنسنية The Philosophy of Humanism" ، عشر خصائص ، اعتبرها تجسيدا للأنسنية في أكثر أشكالها الحديثة قبولا . وأكد لامونت على ما تتيحه تلك الخصائص للأنسني من مزية نعت الأنسنية بما يحلو له من صفات ، فله أن يطلق عليها الأنسنية العلمية أو العلمانية أو الطبيعية أو الديمقراطية ، وذلك حسبما يتراءى له . فطبقا للفيلسوف الأمريكي ، تحتفظ الأنسنية في ظل النعوت المختلفة بوجهة نظرها القائلة بأن البشر لا يملكون سوى حياة واحدة ، لزاما عليهم أن ينفقوها ، كلها أو معظمها على الأقل ، في سلام دائم وإبداع متواصل . على أن يستندوا في ذلك إلى طاقاتهم الإنسانية الإبداعية ، لا إلى قوة خارجية أو عالية على الكون . على أية حال ، أوجز الأمريكي لامونت رؤيته للأنسنية العالمية في امتلاكها للخصائص التالية:
1) اعتقادها في الميتافيزيقيا الطبيعية ، أو بعبارة أخرى اتخاذها موقفا تجاه الكون يعتبر كل أشكال ما فوق الطبيعة أساطير ، وينظر للطبيعة على أنها جملة الموجود ، فضلا عن إدراكه لها كنظام للمادة والطاقة دائم التغير ، يعيش مستقلا عن أي عقل أو وعي .
2) اعتقادها ، مستندة في ذلك إلى القوانين والحقائق العلمية ، في كون الجنس البشري نتاجا تطوريا للطبيعة ، وجزءا منها في الوقت ذاته . وكذلك اعتقادها في الارتباط الوثيق بين العقل ووظائف المخ ، علاوة على اعتقادها الراسخ في وحدة الجسد والشخصية ، وهو ما يعني ـ من وجهة نظر لامونت ـ القول باستحالة حدوث بعث للوعي بعد الموت .
3) اعتقادها ، انطلاقا من إيمانها العظيم بالجنس البشري ، في امتلاك البشر الإمكانية والقدرة على حل مشكلاتهم ، عبر اعتمادهم الأساسي على العقل والمناهج العلمية المطبقة بشجاعة لخدمة رؤية بعينها .
4) اعتقادها ، وذلك على خلاف نظريات الجبر أو القضاء والقدر أو القدر السابق ، أن البشر ، رغم كونهم محكومين بالماضي ، يملكون حرية حقيقية للاختيار والفعل الخلاق ، وأنهم ، رغم خضوعهم لقيود موضوعية بعينها ، يملكون القدرة على صياغة مصائرهم .
5) اعتقادها في مواثيق الشرف والأخلاقيات التي تشكل الأرضية لكل القيم الإنسانية السارية في الخبرات والعلاقات الحياتية على كوكب الأرض ، والتي تحفظ على الإنسان أهدافه العليا الماثلة في السعادة والحرية والتقدم الاقتصادي والثقافي والأخلاقي ، بغض النظر عن الأمة أو العنصر أو الديانة التي ينتمي إليها هذا الإنسان .
6) اعتقادها أن الفرد يحقق الحياة الطيبة عبر ما يحدثه من تناغم بين تلبية المطالب الشخصية والتطور الذاتي المستمر وبين العمل المهم والنشاطات الأخرى التي تساهم في تحقيق الرفاهية للمجتمع .
7) اعتقادها في إمكانية الوصول لأبعد مدى ممكن في تطوير الفن والوعي بالجمال ، بما في ذلك استحسان جمال الطبيعة وإدراك جلالها ، على أمل أن تصبح الخبرات الاستاطيقية (الخاصة بعلم الجمال ) واقعا سائدا في الحياة .
8) اعتقادها في البرامج الاجتماعية بعيدة المدى ، الرامية لإحلال الديمقراطية والسلام ومستويات المعيشة المرتفعة في شتى أنحاء المعمورة ، والمستندة في ذلك إلى نظم اقتصادية منتعشة على الصعيدين الوطني والدولي .
9) اعتقادها في الإعمال الاجتماعي الكامل للعقل والمناهج العلمية ، وكذا اعتقادها في التدابير الديمقراطية والحكم البرلماني ، الكافل لحرية التعبير والحريات المدنية ، في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية .
10) اعتقادها ، متمشية في ذلك مع المناهج العلمية ، في حتمية الطرح السرمدي للتساؤلات حول الافتراضات والقناعات الأساسية ، بما في ذلك الافتراضات والقناعات المرتبطة بالأنسنية ذاتها . لكونها ليست دوجما Dogma (حكما لا يقبل الشك) ، وإنما فلسفة متطورة ، منفتحة على تذوق الخبرات والاكتشافات الجديدة والاستدلالات الأكثر دقة .
[2] محاولة الاتحاد الأنسني والأخلاقي الدولي IHEU :
وافق الآباء المؤسسون للاتحاد الأنسني والأخلاقي الدولي International Humanist and Ethical Union ، في مؤتمرهم الأول بهولندا عام 1952 ، على ما اعتبروه بيانا بالمبادئ الأساسية للأنسنية العالمية . غير أن المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي ، والمنعقد بهولندا عام 2002 ، أي بعد مرور خمسين عاما على انعقاد المؤتمر الأول ، تعهد بالتحديث بيان المؤتمر الأول ، المعروف باسم "إعلان أمستردام Amsterdam Declaration" ، واعتبره تعريفا رسميا لخصائص الأنسنية الحديثة ، تمييزا لها عن غيرها من الفلسفات . وعليه أضحى " إعلان أمستردام معروفا باسم "إعلان أمستردام 2002 Amsterdam Declaration 2002 " ، و أضحت المبادئ الواردة به والتالي عرضها تجسيدا فعليا لرؤية الاتحاد الدولي لخصائص الأنسنية العالمية:
1) الأنسنية أخلاقية ، فهي تؤكد قيمة وكرامة واستقلالية الفرد ، علاوة على تأكيدها لحقه في التمتع بأكبر قدر ممكن من الحرية ، بما لا يتعارض مع حقوق الآخرين . فالأنسنيون يهتمون بالبشر كافة ، بما في ذلك الأجيال القادمة ، ويؤمنون بأن الأخلاق جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية ، وأنها تقوم على التفاهم مع الآخرين والاهتمام بهم ، ولا تتطلب قوة خارجية لفرضها .
2) الأنسنية عقلانية ، فهي ترمى للتوظيف الخلاق وليس الهدام للعلم . فالأنسنيون يعتقدون في أن حل مشاكل العالم سبيله الفكر والفعل البشريين وليس تدخل القوى العالية عن الكون . والأنسنية تدافع عن الأخذ بالمناهج العلمية في حل المشكلات الإنسانية ، بما لا يتعارض مع القيم الإنسانية ذاتها ، فهي التي تساعد الإنسان على تحديد الغايات التي يعد العلم وسيلة لبلوغها .
3) الأنسنية تساند الديمقراطية وحقوق الإنسان ، فهدفها بلوغ الكائن البشري أقصى قدر ممكن من التطور . إنها تعتبر الديمقراطية والتنمية البشرية حقا طبيعيا لذلك الكائن . فطبقا للأنسنية ، تهيمن المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان على العلاقات الإنسانية ، فلا يترك قرار الأخذ بهما أو تركهما للحكومات والأنظمة ، أيا كانت طبيعتها ، لكونهما حقا إنسانيا .
4) الأنسنية تصر على ضرورة تناغم الحريات الشخصية مع المسئولية الاجتماعية . أو بعبارة أخرى ، تؤكد الأنسنية على ضرورة بناء عالم يكون فيه الشخص الحر مسئولا أمام المجتمع ، كما أنها تعترف باعتماد الإنسان على الطبيعة وكذا تعترف بمسئوليته تجاهها . والأنسنية ليست دوجماطيقية ، فهي لا تفرض عقيدة بعينها على الأنسنيين ، وتطالب بحق الإنسان في التعليم الحر .
5) الأنسنية تؤكد على إيمانها بعدم مشروعية إجبار الإنسان على اعتناق ديانة بعينها ، وكذا عدم مشروعية السعي لفرض الاعتناق القسري لبعض الديانات الرئيسية في العالم على الآخرين ، استنادا لكونها صالحة لكل زمان ومكان . فالأنسنية تعترف بحق الإنسان في التدبر والتقييم والاختيار الحر لعقيدته ، أيا كانت تللك العقيدة .
6) الأنسنية تثمن الخيال والإبداع الفني ، وتعترف بدور الفنون والآداب في تطوير الملكات الخلاقة . فهي تؤمن بارتباط الفنون على اختلافها وتنوعها بما يحرزه الإنسان من تطور وتقدم في مناحي الحياة المختلفة .
7) الأنسنية تعد موقفا حياتيا يرمى لتمكين صاحبه من تحقيق أقصى قدر ممكن من الآمال والطموحات ، فضلا عن تزويد الأنسنية معتنقيها بالأدوات الأخلاقية والعقلانية اللازمة للتعاطي الكفء مع الحياة ، في كل زمان ومكان .

والآن ، أما وقد عرضنا محاولتي لامونت والاتحاد الأنسني والأخلاقي الدولي لصياغة أنسنية عالمية ، تتميز عما عداها من فلسفات ، وتتجاوز خصائصها الاختلافات الواردة في التعاريف الفلسفية المتعددة للأنسنية ، يتبقى لنا أن نشير لوجود قدر غير قليل من التشابه الجوهري بين المحاولتين . فكلتاهما تؤكدان على ارتباط الأنسنية بتثمين العقل البشري ، وتريان في المواثيق الأخلاقية رافدا مهما لها . إضافة إلى تأكيد المحاولتين على ارتباط الأنسنية بالتناغم بين الحريات الشخصية و المسئوليات الاجتماعية ، وكذا ارتباطها بالاحترام الكامل للمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان . و تظل المحاولتان المذكورتان ، والمحاولات الأخرى المماثلة ، دليلا حيا على عمق وجدية الرغبة الإنسانية في صياغة أنسنية عالمية ، تصبح الأرض في ظلها مقاما جميلا طيبا .

النهج الأنسني المنشود :

أراني بت قانعا ، بعد تجوالي وقارئي الكريم في أروقة الأنسنية ، أنها نهج يحترم الإنسان وينزله المنزلة اللائقة به ، فجوهرها ـ طبقا للمتعارف عليه ـ هو التعريف بالإنسان كأعلى قيمة في الوجود ، وهدفها هو التمحيص النقدي للأشياء بما هي نتاج للعمل البشري وللطاقات البشرية ، تحسبا لسوء القراءة وسوء التأويل البشريين للماضي الجمعي كما للحاضر الجمعي . ففي رحاب الأنسنية لا يوجد سوء تأويل لا يمكن مراجعته وتحسينه وقلبه رأسا على عقب ، و لا يوجد كذلك تاريخ لا يمكن استعادته ، إلى حد ما ، وفهمه بشغف بكل ما فيه من عذابات وإنجازات . وبعبارة أخرى ، تنسف الأنسنية جذريا الأطروحة القائلة بان تبجيل ما هو تراثي أو إتباعي يتعارض حتما مع التجديد المستمر للمعطيات المعاصرة . وإذا اتخذنا التاريخ كمثال ، نجد أن الأنسنيين يرونه مسارا غير محسوم ، قيد التكوين ، لا يزال مفتوحا على حضور الناشئ والمتمرد وغير المستكشف وغير المقدر حق قدره وما يطرحه من تحديات . كما أنهم يرون أن الإنسان هو صانع التاريخ ، ومن ثم فهو قادر على اكتناهه عقليا ، وفق المبدأ القائل بأننا كبشر ندرك فقط ما نحن صانعوه ، أو بالأحرى ، نراه من وجهة نظر الإنسان الصانع ، فأن تعرف شيئا ما يعني أن تعرف الكيفية التي بها صنع ذلك الشيء.

وطبقا لإدوارد سعيد ، ليست الأنسنية طريقة لتدعيم وتأكيد ما قد عرفناه وأحسسناه دوما ، وإنما هي وسيلة تساؤل وإقلاق وإعادة صياغة للكثير مما يقدم لنا اليوم على أنه يقينات مسلمة ، معلبة ، مغلقة على النقاش ، ومشفرة على نحو غير نقدي ، بما فيها تلك الموجودة فيما اصطلح على كونه آراء وأعمال خالدة يجري تغليفها برقائق المحرمات الثقافية . فثمة صعوبة في القول بان عالمنا الفكري والثقافي كناية عن مجموعة بسيطة وبديهية من خطابات الخبراء ، فالأرجح انه تنافر مضطرب من المدونات غير المحسومة . ولكل حضارة أن تلبي روحها هذا النهج الأنسني المنشود . ولهذا علينا أن نلتمسه في الحضارات المختلفة ، فخصائصه العامة تكاد تكون واحدة بين جميع الحضارات:

[1] الخاصية الأولى : معيار التقويم هو الإنسان
أول ما تمتاز به الأنسنية هي أنها تبدأ فتؤكد أن معيار التقويم هو الإنسان ، عبر ما يمليه حسه الإنساني من قوانين ، وهو قول يجب أن يفهم في سياقه الأنسني الحقيقي ، لا بالمعنى المبتذل والفاسد الذي يضاف إليه عادة عند تجار الآلام ، فهم يدعون أنه لا أنسنية بدون وضع الإنسان في مقابل الإله ، ناسين أو متناسين أن الإنسان ـ في أكثر الآراء شيوعا ـ هو وجه الإله على الأرض وأنه ما انتقل من دور البربرية والوحشية إلى دور التحضر والمدنية إلا عن طريق القوانين . بيد أن هذه القوانين ليست قوانين مفروضة من الخارج ، وإلا لكان في ذلك قضاء مبرما على الفردية ، إنما هذه القوانين ـ كما أسلفنا ـ هي ما يمليه الحس الإنساني العام . ففيها إذن تتمثل الفردية ، من ناحية ، على أساس أن العقل الإنساني هو الذي يشرعها أو أن الناس هم الذين شرعوها ، ومن ناحية أخرى يتمثل فيها شئ من كبح جماح الفردية ، لأن هذه القوانين يجب أن يخضع لها الجميع . وبعبارة أخرى ، لا يعد القول بكون معيار التقويم هو الإنسان تأليها للإنسان ، فليس في الأنسنية تأليه لإنسان وإعجاب به وحماس له إلى حد جعله الكائن الأوحد والسيد المطلق. وإنما فيها الانتصار لذلك الكائن النبيل والحيلولة دون سعي تجار الآلام لاسترقاقه وتصييره دابة تعلف في زريبة الآخر، وأقصد بالآخر هنا كل من يعمد لتعمية الذات، أيا كانت هويتها أو انتمائها، عن الأنسنية.

[2] الخاصية الثانية : الإشادة بالعقل ورد التطور إلى ثورته الدائمة
ذكرنا آنفا أن أول ما تمتاز به الأنسنية هي أنها تبدأ فتؤكد أن معيار التقويم هو الإنسان ، والسؤال الذي يطرح نفسه .. كيف للإنسان أن يضطلع بتلك المهمة الشاقة والعسيرة ؟! لعمري انه العقل .. ذلك القبس الإلهي ـ طبقا لهيجل Hegel ـ الذي يسكن أجساد البشر ! إن ثورته الدائمة سبيلهم المتاح لتطوير الحياة وإدراك الحقيقة. أقول الحقيقة ولا أقول الحقيقة المطلقة ، فهي محجوبة وهيهات للعقل البشري أن يدركها وان تصور خلاف ذلك ، إذ أن الإنسان لا يملك حيالها سوى أن يرخي جفنه ويركن إلى هذا الجانب أو ذاك . لذا ، تصر الأنسنية على أن تضع موضع الاعتبار كل ما في العقول الفردية من خصب وثراء وثورة بدلا من محاولة ضغطها جميعا في طراز واحد من "العقل" يقال عنه أنه واحد لا يتغير . والأنسنية كذلك تحسب حسابا للثروة النفسية لكل عقل إنساني ، وتعنى بوفرة اهتماماته وعواطفه ونزعاته ومطامحه . ولا شك أنها بعنايتها هذه تضحي بكثير من البساطة المضللة التي تبدو في الصيغ المجردة ، ولكنها تقدر وتوضح جمعا غفيرا مما أغفله الناس فيما مضى ونظروا إليه على أنه وقائع غير مفهومة .. على أية حال ، تظل الإشادة بالعقل ورد تطور حياة الإنسان إلى ثورته الدائمة إحدى الخصائص المهمة للأنسنية. وثورة العقل تعني أنه لم يعد قوة محافظة، تعمل على كبت أي تمرد على الأوضاع القائمة، وتدعو إلى الاحتفاظ بكل الثقافات السائدة، وتحارب كل ميل جذري إلى التغيير. حتى أن الأنسني مطالب بأن يضمر عداء أبديا لكل صورة من صور الطغيان أو السيطرة على عقل الإنسان، ليتسنى لنا معشر البشر ردع تجار الآلام وحرمانهم من المتاجرة بآلامنا .

[3] الخاصية الثالثة : تثمين الطبيعة والتعاطي المتحضر معها
مادمنا قد استخلصنا مكانة الإنسان في الأنسنية ، بجعلها إياه معيار التقويم وإشادتها بعقله ورد التطور إلى ثورته الدائمة، فقد بقي علينا أن نقوم بحركة مد وعود إلى الخارج ، لا لكي يفنى فيه الإنسان من جديد ، بل ليؤكد نفسه فيه ويفرضها عليه . والإنسان في هذا الاتجاه إلى الطبيعة يخضع لعامل غزو الذات للموضوع بفرضها قيمها عليه واستخدامه كأداة لتحقيق إمكانياتها ، بوصفه عالم أدوات . ومن هنا كانت الخاصية الثالثة للأنسنية هي تثمين الطبيعة والتعاطي معها بتحضر ورقي . غير أنه علينا أن نفهم جيدا الفارق بين هذا الاحترام الأنسني للطبيعة ، وبين عبادة الطبيعة عند الشعوب البدائية . فتثمين الأنسني للطبيعة وتعاطيه المتحضر والراقي معها إنما ينبع من اعتقاده الراسخ بكونها منحة سخية ، فضلا عن كونها ضرورة ملحة لإدامة الوجود الإنساني ، أما الشعوب البدائية فتذهب في تعاطيها مع الطبيعة إلى تأليهها ، رهبة وخوفا من جبروتها ، وشتان ما بين الأمرين .

[4] الخاصية الرابعة : القول بأن التقدم إنما يتم بالإنسان نفسه
رغم وجاهة القول بأنه لا يمكن التقدم بالإنسان حتى يصل إلى درجة الكمال وحتى تختفي الآثام والآلام من وجه الأرض ، إلا أنه يناط بالأنسني الاعتقاد بأنه يمكن للإنسان أن يتقدم كثيرا ، وأن ذلك إنما يتم بالإنسان نفسه وقواه الخاصة ، لا بقوة خارجية أو عالية على الكون ، ففي هذا أكبر تأكيد لجانب العقل والنشاط والتحقيق الخارجي في الذات الإنسانية . وليس ثمة تعارض كما قد يبدو للوهلة الأولى ، فإثابة المجتهد على اجتهاده سنة كونية ، حق علينا ـ معشر البشر ـ الانصياع لها . غير أن تجار الآلام ، وما أكثرهم في كل زمان ومكان ، يحلو لهم محاجة القول بقدرة الإنسان على إحراز التقدم استنادا لقواه الخاصة ، عبر المزايدة على تلك السنة الكونية ، وذلك بزعمهم أن التقدم إنما يتم حتما بقوة خارجية وليس بقوى الإنسان الخاصة ، وهو أمر تعوزه الصحة ويتعارض مع المنطق السليم . إذ أن الإنسان ـ كما أسلفنا ـ هو في أكثر الآراء شيوعا وجه الإله على الأرض ، منحه خالقه قبسا إلهيا هو العقل ، كي يضرب به في مجاهل الحياة ، ويحفظ به عليه وجوده . وأراني لا أتجاوز الحقيقة حين أقرر بضمير مطمئن أن حاكمية الإنسان لا تعدو في جوهرها كونها التزاما صارما بما يطلق عليه الحاكمية الإلهية . فنحن معشر البشر محكومون حكما غير مباشر عبر عقولنا التي منحنا إياها ، والتي لولاها لهلكنا أو على الأقل ظللنا نضرب في مجاهل الحياة على غير هدى .

[5] الخاصية الخامسة : تأكيد النزعة الحسية الجمالية
إن العقل الذي تشيد الأنسنية به وترد التطور إلى ثورته الدائمة ليس ذلك العقل الجاف المجرد التفكير الذي يشبه آلة تنتج تصورات شاحبة غادرتها الحياة ، مثل العقل الاسكلائي التائه في بيداء الديالكتيك الأجوف والأقيسة العقيمة، بل هو الوعي الكامل للذات الإنسانية في مواجهتها للموضوعات الخارجية ، وهو لهذا يواكب العاطفة ولا يعاديها ، ويتكئ على الحس العيني الحي . ولهذا تمتاز تلك النزعة بخاصية خامسة هي النزعة الحسية الجمالية التي تميل إلى الرجوع إلى العاطفة واستلهامها إدراك الوجود في بعض أنحائه . واغلب الظن أن الحديث عن هذه الخاصية لا يتحمل مزيد من التفسير والشرح ، وإلا كنا ندفع أبوابا مفتوحة على مصاريعها .

وفى الختام ، يطيب لي أن أؤكد أننا معشر الأنسنيين المتوثبين في هذه المنطقة المضطربة من العالم ، منوط بنا الاسترشاد بالخصائص المذكورة سلفا لإيجاد نهج أنسني جديد ، كنا ولا نزال حيارى في معرفة الطريق إليه ، نلتقي عبره بالأنسنيين في شتى بقاع المعمورة . فالحق الذي لا مراء فيه أنه ليس سوى الأنسنية من نهج واعد ومبشر ، يناط به الاستحواذ على المكانة اللائقة به في المستقبل ، داخل عالمنا العربي وخارجه . بيد أن الشفافية تقتضي من الكاتب لفت الانتباه إلى الأسلاك الشائكة والألغام المزروعة على جانبي الطريق ، فتجار الآلام في سلوكهم تجاه الأنسنيين ليس يحدوهم سوى الحقد الأسود ، بوصفهم ـ أقصد الأنسنيين ـ التهديد الحقيقي لتجارتهم القذرة ، وكذا بوصفهم البديل الوحيد المؤهل لإقامة مملكة السلام على الأرض ، وكيف لا ؟! و إيمان الأنسنيين المتأجج بالرفقة الإنسانية الصحيحة ليس يبزه في عذوبته سوى كلمات صوفية ناجى بها جبران خليل جبران أخيه الإنسان قائلا: " ( أيها الإنسان ) أنت أخي .. وأنت مماثلي لأننا سجينا جسدين جبلا من طينة واحدة . وأنت رفيقي على طريق الحياة ومسعفي في إدراك كنه الحقيقة المستترة وراء الغيوم . أنت إنسان وقد أحببتك وأحبك يا أخي " . ألا ما أعذبها من كلمات وما أرقها من مناجاة !!

قارئي العزيز ، أراني ما ذكرت الرفقة الإنسانية الصحيحة إلا لأقطع الطريق على تجار الآلام في زعمهم الباطل باستحالة النهج الأنسني ، فتلك الرفقة تسمح لكل عقيدة من العقائد باتخاذ موقفها ومنبرها في هيكل الوجود الجميل ، شريطة ألا يدعى أنصار هذه العقيدة أو تلك امتلاك الحقيقة المطلقة ، فأقصى ما يطمح إليه الإنسان إزاء تلك الحقيقة المطلقة هو إعمال عقله في نشدانها ، لا امتلاكها . وكيف لا ؟! و البائن أنه قد حيل بينه وبين إدراكها بحجاب كثيف وصلد ليس يمزقه سوى الموت . وعليه فلا يحق له فرض رأيه إزاءها على رفاقه في رحلة الحياة ، وكل ما يملكه إزاءها هو الوثوق بما يفضي إليه به قلبه .

* الفصل الأول من كتاب الدكتور حازم خيري ، الصادر في القاهرة مؤخرا (يوليو 2007)، عن دار سطور للنشر. وقد تم حذف هوامش الفصل الواردة في الكتاب المذكور حرصا على عدم شغل مساحة كبيرة عند النشر الإليكتروني.

نبذة عن الكاتب :
الكاتب حاصل على دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية ـ جامعة القاهرة ، ومن أعماله المنشورة :
(1) آلام العالم العربي ، نشر المؤلف ، عام 2005
(2) الاغتراب الثقافي للذات العربية ، دار العالم الثالث ، عام ‏2006‏‏
(3) الآخر في مواجهة الذات العربية ، دار مصر المحروسة ، عام 2007
(4) الإنسان هو الحل، إصدارات سطور، عام 2007


غلاف الكتاب:
توجد صورة لغلاف الكتاب على الموقع التالي: