جميل صباحك الندي يا رام الله، جميلة هذه اللحظات التي تسبق الفجر، حيث الصمت المطبق على المدينة، بانتظار شروق أولى تباشير الفجر، هذه اللحظات التي أعتدت أن أنتظرها بحب وتعبد، فتبدأ العصافير والحمائم حركتها القوية معلنة بزوغ الشمس وبدء الحياة، فتحط على نافذتي لتلتقط ما أكون تركته لها من بعض الطعام قبل نومي أو حين صحوي المبكر قبلها، جميل هو صباحك يا رام الله كما هو جميل مساؤك، جميلة أنت أيتها المدينة التي تتجلى كأجمل أنثى، أو أيتها الأنثى التي تتجلى كأجمل مدينة، جميلة أنت رغم كل البثور التي يحاول البعض نثرها على وجهك الجميل، لكن وجهك يبقى الأجمل والأنصع بين الوجوه، وتبقين عروس المدائن والجمال.
جميلة أنت بجوك الندي ذو النسمات الباردة في هذا الصباح، كما كان في الأمسيات التي سبقت، رغم تأخر موسم الأمطار وبعض من حرارة في الأيام السابقة، فمنذ الأمطار التي سقطت بكميات قليلة لم تعاود الهطول، تلك "الشتوة" التي اعتدنا أن نسميها "شتوة الزيتون"، أو "شتوة الصليب"، فهي الأمطار التي تغسل الزيتون قبل قطافه، ويقول أبناء الأرض: الزيتون يعطي زيتاً أطيب بعد هذه الشتوة.
منذ سنوات ومنذ بدأت أكتب نصي "صباحكم أجمل"، والذي كان شبه يومي ليستقر في النهاية على صباحات الأربعاء، لم أتخلف يوماً من أيام الأربعاء عن الكتابة إلا الأسبوع الماضي، حين اختطف قلمي الم الأضراس القاتل، ولم يرحمني إلا الله و تلك الطبيبة الرائعة التي تعمل بضمير مهني عالٍ، بعد أن كنت سأقع بين يدي الجراحين ومباضع الجراحة التي أكرهها، مما خفف الألم وأعاد لي بعض من الراحة بانتظار إكمال العلاج، ورغم كل ذلك واصلت ممارسة العشق لأمسيات رام الله الفنية والثقافية، فقد ارتفعت وتيرة العروض والفعاليات في هذا الشهر، فمن معرض فني في مبنى المحكمة العثمانية، إلى انطلاق مهرجان شاشات لسينما المرأة في رام الله إضافة لبيت لحم والقدس ونابلس، مروراً بمؤتمر لمناقشة أدب الطفل في قاعة متنـزه البيرة توأم رام الله السيامي، والذي آمل أن لا تدفن توصياته في الأدراج كما اعتدنا في مؤتمرات شبيهة، فالطفل هو مستقبل الوطن، والكثير من أوراق العمل التي قدمت في المؤتمر تستحق الاهتمام، كما اتيح لي حضور أمسية موسيقية بعنوان "مجاز" للثلاثي الرائع الإخوة جبران في قصر الثقافة، حيث تجلى الثلاثي بموسيقى العود الرائعة مع ضابط الإيقاع المميز يوسف حبيش، وأمسية تحت عنوان "يا فلسطين علي صوتك"، في الساحة الخارجية للنادي الأرثوذكسي حيث تجلت ريم بنا وجميل السائح والعديد من الفنانين، وصولاً لمعرض تشكيلي جميل مساء الأمس للفنان جواد إبراهيم في مؤسسة عبد المحسن القطان، مستخدماً فيه تقنية جديدة حيث قام بالرسم مستخدماً الجير والتراب والنيلة الزرقاء على الخشب، فكأنه يعيدنا من الأرض والى الأرض، فمواده التي استخدمها ارتبطت بحياة الناس في بلادنا.
هذه الفعاليات المكثفة والتي ما زالت مستمرة بعروض أخرى قادمة، أثارت في ذهن العديد من أبناء الجامعة التقنية في طولكرم، والتي كانت معروفة باسم "معهد خضوري الزراعي"، والذي له الفضل بتخريج الآلاف من الطلبة قبل أن يتحول لاحقاً إلى جامعة، أثارت السؤال: لماذا رام الله فقط وبشكل أساسي تحظى على الخدمات والرعاية والفن؟ وأين نصيب المحافظات الأخرى؟ فهذه الأسئلة بدأت تصب عندي منذ بدأت بدعوة كريمة من إدارة منتدى الجامعة، بالكتابة في صفحة فلسطينيات، وإعداد صفحة شبه يومية عن يوميات الفن في فلسطين، مما دفع العديد من الطلبة للتساؤل والمطالبة، فما بين رسائل بريدية إلى اتصالات هاتفية، كلها تدور حول نفس المحور، فهناك الكثيرون ممن لديهم المواهب ولا يجدون رعاية ولا اهتماماً، وهناك تعطش للثقافة والفن عبرت عنه هذه الاتصالات، وهذا حق لهم ومن المفترض أن تصحوا المؤسسات الرسمية والأهلية، وتتذكر أن الوطن ليس رام الله فقط، بغض النظر عن عشقي الخاص لرام الله، ولا أمتلك لمن يسائلون من أبناء محافظة طولكرم، إلا أن أدعوهم أن يبادروا ليشكلوا الأنوية للنشاطات الثقافية، وأن أكتب عن معاناتهم، فأنا لا أمتلك القرار ولا السلطة، ولا أمتلك إلا روحي المحلقة بفضاء حب الوطن وقلمي، فهل هناك من يسمع ويفكر؟
صباح آخر يثير في الذاكرة التداعيات والرغبة بالكتابة عن ذاكرة الطفولة، لكني أترك ذلك لمرات قادمة، عائداً من جولتي الصباحية التي تبدأ فيها الحياة بالنسبة لي، كما تعيد لي مسيرة الأمسيات في هدأة مساءات رام الله التوازن بعد نهار متنوع التأثيرات كنهار الأمس ومساؤه، أعود وأنا أتأمل الأوراق الذهبية المتساقطة من الأشجار فكأنها ابنة للخريف ذهبية اللون والروح، أشعر بها وهي تتطاير مع نسمات الهواء الذي يحمل عبق المتوسط السليب، طفلة مشاكسة تداعبني بحب وود، فأستذكر طيفي البعيد القريب، آه يا طيفي الشقي الحلو كم أشتاق للقاؤك أنت، وأن أمتع روحي بأحاديثك ورؤية جمال روحك..
أعود لصومعتي أحتسي القهوة مع حبات من الشيكولاتة الرائعة التي أعشقها، وفيروز وشدوها:
نحن والقمر جيران، بيته خلف تلالنا بيطلع من قبالنا، بيسمع الألحان، عارف مواعيدنا وتارك بقرميدنا أجمل الألحان، ويا ما سهرنا معه بليل الهنا مع النهدات، يا ما على مطلعة شرحنا الهوى ضوى وحكايات، لما طل وزارنا على قناطر دارنا، رشرش المرجان..
صباحكم أجمل.
جميلة أنت بجوك الندي ذو النسمات الباردة في هذا الصباح، كما كان في الأمسيات التي سبقت، رغم تأخر موسم الأمطار وبعض من حرارة في الأيام السابقة، فمنذ الأمطار التي سقطت بكميات قليلة لم تعاود الهطول، تلك "الشتوة" التي اعتدنا أن نسميها "شتوة الزيتون"، أو "شتوة الصليب"، فهي الأمطار التي تغسل الزيتون قبل قطافه، ويقول أبناء الأرض: الزيتون يعطي زيتاً أطيب بعد هذه الشتوة.
منذ سنوات ومنذ بدأت أكتب نصي "صباحكم أجمل"، والذي كان شبه يومي ليستقر في النهاية على صباحات الأربعاء، لم أتخلف يوماً من أيام الأربعاء عن الكتابة إلا الأسبوع الماضي، حين اختطف قلمي الم الأضراس القاتل، ولم يرحمني إلا الله و تلك الطبيبة الرائعة التي تعمل بضمير مهني عالٍ، بعد أن كنت سأقع بين يدي الجراحين ومباضع الجراحة التي أكرهها، مما خفف الألم وأعاد لي بعض من الراحة بانتظار إكمال العلاج، ورغم كل ذلك واصلت ممارسة العشق لأمسيات رام الله الفنية والثقافية، فقد ارتفعت وتيرة العروض والفعاليات في هذا الشهر، فمن معرض فني في مبنى المحكمة العثمانية، إلى انطلاق مهرجان شاشات لسينما المرأة في رام الله إضافة لبيت لحم والقدس ونابلس، مروراً بمؤتمر لمناقشة أدب الطفل في قاعة متنـزه البيرة توأم رام الله السيامي، والذي آمل أن لا تدفن توصياته في الأدراج كما اعتدنا في مؤتمرات شبيهة، فالطفل هو مستقبل الوطن، والكثير من أوراق العمل التي قدمت في المؤتمر تستحق الاهتمام، كما اتيح لي حضور أمسية موسيقية بعنوان "مجاز" للثلاثي الرائع الإخوة جبران في قصر الثقافة، حيث تجلى الثلاثي بموسيقى العود الرائعة مع ضابط الإيقاع المميز يوسف حبيش، وأمسية تحت عنوان "يا فلسطين علي صوتك"، في الساحة الخارجية للنادي الأرثوذكسي حيث تجلت ريم بنا وجميل السائح والعديد من الفنانين، وصولاً لمعرض تشكيلي جميل مساء الأمس للفنان جواد إبراهيم في مؤسسة عبد المحسن القطان، مستخدماً فيه تقنية جديدة حيث قام بالرسم مستخدماً الجير والتراب والنيلة الزرقاء على الخشب، فكأنه يعيدنا من الأرض والى الأرض، فمواده التي استخدمها ارتبطت بحياة الناس في بلادنا.
هذه الفعاليات المكثفة والتي ما زالت مستمرة بعروض أخرى قادمة، أثارت في ذهن العديد من أبناء الجامعة التقنية في طولكرم، والتي كانت معروفة باسم "معهد خضوري الزراعي"، والذي له الفضل بتخريج الآلاف من الطلبة قبل أن يتحول لاحقاً إلى جامعة، أثارت السؤال: لماذا رام الله فقط وبشكل أساسي تحظى على الخدمات والرعاية والفن؟ وأين نصيب المحافظات الأخرى؟ فهذه الأسئلة بدأت تصب عندي منذ بدأت بدعوة كريمة من إدارة منتدى الجامعة، بالكتابة في صفحة فلسطينيات، وإعداد صفحة شبه يومية عن يوميات الفن في فلسطين، مما دفع العديد من الطلبة للتساؤل والمطالبة، فما بين رسائل بريدية إلى اتصالات هاتفية، كلها تدور حول نفس المحور، فهناك الكثيرون ممن لديهم المواهب ولا يجدون رعاية ولا اهتماماً، وهناك تعطش للثقافة والفن عبرت عنه هذه الاتصالات، وهذا حق لهم ومن المفترض أن تصحوا المؤسسات الرسمية والأهلية، وتتذكر أن الوطن ليس رام الله فقط، بغض النظر عن عشقي الخاص لرام الله، ولا أمتلك لمن يسائلون من أبناء محافظة طولكرم، إلا أن أدعوهم أن يبادروا ليشكلوا الأنوية للنشاطات الثقافية، وأن أكتب عن معاناتهم، فأنا لا أمتلك القرار ولا السلطة، ولا أمتلك إلا روحي المحلقة بفضاء حب الوطن وقلمي، فهل هناك من يسمع ويفكر؟
صباح آخر يثير في الذاكرة التداعيات والرغبة بالكتابة عن ذاكرة الطفولة، لكني أترك ذلك لمرات قادمة، عائداً من جولتي الصباحية التي تبدأ فيها الحياة بالنسبة لي، كما تعيد لي مسيرة الأمسيات في هدأة مساءات رام الله التوازن بعد نهار متنوع التأثيرات كنهار الأمس ومساؤه، أعود وأنا أتأمل الأوراق الذهبية المتساقطة من الأشجار فكأنها ابنة للخريف ذهبية اللون والروح، أشعر بها وهي تتطاير مع نسمات الهواء الذي يحمل عبق المتوسط السليب، طفلة مشاكسة تداعبني بحب وود، فأستذكر طيفي البعيد القريب، آه يا طيفي الشقي الحلو كم أشتاق للقاؤك أنت، وأن أمتع روحي بأحاديثك ورؤية جمال روحك..
أعود لصومعتي أحتسي القهوة مع حبات من الشيكولاتة الرائعة التي أعشقها، وفيروز وشدوها:
نحن والقمر جيران، بيته خلف تلالنا بيطلع من قبالنا، بيسمع الألحان، عارف مواعيدنا وتارك بقرميدنا أجمل الألحان، ويا ما سهرنا معه بليل الهنا مع النهدات، يا ما على مطلعة شرحنا الهوى ضوى وحكايات، لما طل وزارنا على قناطر دارنا، رشرش المرجان..
صباحكم أجمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق