الثلاثاء، نوفمبر 13، 2007

اسرق اسرق حتى يكتشفك الآخرون

نجوى عبد البر
مقولة نطق بها وزير ألمانى فى عهد اودلف هتلر (اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون ).
ولكننى أقولها اليوم وحسب ما آراه حولى من أحداث ( اسرق اسرق حتى يكتشفك الآخرون )
السرقة هي السرقة سواء مهما إختلفت او تنوعت تظل سرقة.
والكلمة أمانة ، شأنها شأن كافة الأمانات ،وقد أقسم بها الله سبحانه وتعالى ( نون والقلم وما يسطرون ) ولذلك حذرت كل الكتب المقدسة من تحريف الكلم او سرقتها ،، والجدير بالذكر ان الكتب السماوية ايضاً لم تسلم من التحريف والسرقة مثل التوراة والانجيل وحتى القرآن الكريم يحاولون استنساخه من جديد وبرؤية عصرية تتمشى حسب أهواء البعض.
وهناك من يدعون الثقافة و العلم ويلقبون بالأدباء و˜بار الادباء وللأسف يقدِمون على هذا الفعل المشين ... احاديث ومعلومات وقصص تتبادل فى الحقل الثقافى مؤكدة عن سرقة المقالات والنصوص.
والكارثة ان السرقة تكون غالبا من كاتب كبير له شأنه فى الحياة الثقافية و الضحية كاتب زميل له ، وهناك ايضا سرقة الأبحاث العلمية ورسائل الدكتوراه والماجستير ، حتى ان بعض الاساتذة يسرقون رسائل التلامذة ، وحتى الالحان الموسيقية لم تنجو من ذلك,,,, ايضاً لوحات المشاهيرلم تسلم من ذلك ايضاً مثل بيكاسو ودافنشى ،،،، وما فعله مارسيل دو شامب واعادته رسم الموناليزا دافنشى 1919 ،،،، وباء خطير ذلك الذى يجتاح الآن كل اوجه وأبجديات الحياة المعاصرة .
والحقيقة اننا كعرب لنا الريادة فى كل شىء حتى السرقات الادبية فقد بدأ الوعى بوجود هذا الداء المعتق العتيق منذ العصر الجاهلى وقد انتبه له البعض عندما اصدر بن طيفور 280هـ كتاب (سرقات الشعراء) خلال القرن الثالث الهجرى عن سرقات البحترى من ابى تمام ،،،، وتبعه ( السرقات )لابن المعتز 296هــ ،،،ثم بن وكيع 393هـ (المنصف فى نقدالشعر وبيان سرقات المتنبى) فأثبت سرقة المتنبى لما يقرب من خمسين شاعراً حسب قول المؤلف.*
وان إقتربنا من النثر لن نستطيع الحصر ذلك انه صعب الاكتشاف ،والتاريخ يخبرنا عن عبد الرحمن بن خلدون وتسلله لرسائل اخوان الصفا دون اشارة للمصدر .
ولكن هناك فرق أكيد بين السرقة وبين الاقتباس ،ولكن المشكلة التى يقع فيها البعض انه يقتبس دون الاشارة الى المصدر الاصلى لإقتباسه هذا، فيقترب من منحدر السرقة وان كانت المحاولة مغلفة بحسن النوايا والله أعلم بما فى الصدور .
والإقتباس ليس تزويراً ،،، فنحن أيضاً عندما نستشهد ببعض الآيات القرآنية أو الاحاديث يكون إقتباساً ولكننا نذكر اسم السورة ورقم الآية او رقم الحديث ومصدره.
ولا أرى حرجاً من أن يقوم أصحاب الفكر والأدب بإقتباس كل ما هو جيد وممكن من الأفكار لإثراء الساحة الأدبية والثقافية .
ولمَ لا؟؟ ،،،فهناك الإقتباس من الأدب الغربى وإخراجه بروح عربية شرقية ، والعكس صحيح ، والامثلة كثيرة.
ولكن ،، الاقتباس بدون اشارة الى المقتبس منه او ذكر المصدر ،، هي،،سرقة صريحة وواضحة وضوح شمس أغسطس ،، والسرقة سلوك مشين فى حد ذاته وانتهاك لأفكار الآخرين وحقوقهم الفكرية والتعدى عليهم وهو نوع من الغش منهي عنه
هناك ايضا من يحترفون بتر النصوص وصناعتها من جديد ، ولكن أعتقد ان ذلك لن يستطيع المضى قدما طويلاً ،،،لن يستطيع ذلك المختلس الابحار وتبين الصالح من الطالح فى عالم الادب والثقافة والفن وغيره.
أعتقد ان مثل ذلك النموذج من البشر لا ضمير لهم ولاحصيلة فكرية او ثقافية ، بل يجب بتر أصابعه ولا اكون عليهم متجنية او قاسية الحكم.
ومن السرقات ما هو محمود وما هو مذموم مثل التنافس تماماً ، وللسرقة الادبية فنون ايضا تحدث عنها التاريخ ولعل ابرزها (المتنبى) احد ابرز شعراء العرب ، ابرز لصوص الشعر عبر التاريخ العربى ، ولكنه كان يأتى على النص فيجاريه ولا يقترب من الفاظه وانما كان يزيد الفكرة او الصورة الشعرية جمالا فيتفوق على النص الاصلى ولذلك ادرجت سرقاته ضمن السرقات الادبية المحمودة .
ولكن ، الحسن بن يحيى الامدى ( ابو القاسم ) فى كتابه (الموازنة بين ابو تمام والبحترى ) فى بيان تمحيص ونقد كل منهما وبيان سرقات كل منهما يقول ما مفاده ان سرقات المعانى لدى الشعراء ليست بالشىء المشين او السىء كلية ولكن قد تكون من النوع المحمود .*
وهناك ايضا خيطا رفيعا بين الاقتباس وتوارد الافكار ، مثلما حدث مع (الكوميديا الالهية) للشاعر الايطالى "دانتى " ، وعندما اعتبر البعض ان ما أخذه " دانتى " عن ( رسالة الغفران ) " ابى العلاء المعرى " ما هو الا توارد أفكار ، ولكنها هى السرقة ولكنها غلفت بتوارد الافكار.
والغريب فى الامر انهم واحيانا البعض منهم يخترعون سيلاً من التبريرات لفعلتهم هذه ، وكأنهم هم الحق ، والحق ان ما يآتون به من تبريرات واسباب واهية لسرقاتهم هذه ما هو الا عذر أقبح من ذنب.
والمشين فى الموضوع ، ان معظمهم اسماء لامعة وبعضهم من فئة الكاتب الواعظ الفذ الذى يتقمص دور حامى حمى الوطن والعروبة والاخلاق واحيانا ً ممن يتجملون بالإكسسوارات الاسلامية من عباءة او لحية او بنطال قصير أو خلافه .
والمضحك أنك قد تجد النص المسروق وارد من سارق عن سارق ..الخ ، الى ان تصل الى الكاتب الاصلى بعد عمر طويل وتقصى وبحث مضنى ، فكما تورث العادات والتقاليد أصبحت السرقة تورث أيضاً.
وهناك أيضا ً من الزملاء على الساحة والمعروفة أسماءهم ، ممن يسرقون المقالات الأجنبية وترجمتها وعرضها بنصها كما أنزلت ( وشر البلية ما يضحك) ان يكون السارق علماً فى عالم الأدب والمحافل الدولية بل احيانا ًحائزا على ارفع الجوائز الدولية ، او من احدى العائلات الحاكمة ، او دكتور حامل لأرفع الشهادات العلمية ،،،، واللبيب بالاشارة يفهم.
ومن الامثلة الكثير والتى قد أشير اليها على استحياء وقد وجدتها صدفة فى موقع ينشر هذه السرقات ويرفقها بكافة الادلة وبصورة الكاتب السارق، وحقيقة كم اصبت بمزيج من خيبة الامل والألم والشفقة والنفور معا من هذه الاسماء الكبيرة اللامعة .
مقال مأخوذ عن رسام كاريكاتيرى عراقى ونسب الى الكاتب المختلس ، و كاتبة تنشر مقال عن كاتب اجنبى ومن صحيفة اجنبية وتنقل منه فقرات بالنص دون الاشارة الى الكاتب الاصلى .
صحيح ان الواقعة صححت بعد نشرها ، وقام الموقع الناشر بتصحيح الوضع ، ورد الحق الى أصحابه ، ولكن يتبقى ، ان هناك سرقة وسارق ومسروق ، ولابد من عقاب رادع .
لا ادرى حقيقة ، كيف يجرؤ كاتب كبير وله اسمه على هذا العمل المشين والمدمر لتاريخه الادبى ؟؟؟؟.
انها إختلاسات وسرقات فكرية ، هى بمثابة سرقة دم إنسان ، عصارة فكره ،وخياله الذى أودعهم حروف تنطق بما فى نفسه ويجول بخاطره ، لا يصح أبداً ، لا يصح ، لمجرد انها نشرت فى موقع او جريدة او فى اى مكان ، ان يأتى من يستولى عليها ، هكذا بجرة ماوس ، او بتقنية النسخ واللصق ، ، لا يصح.
لايصح باى شكل من الاشكال ، القيام بهذه الممارسات الغير حضارية وثقافية ،والاستهانة بجهد الغير وما يتبع ذلك من إستهانة واستخفاف بعقول القراء عندما يقدم لهم فكر مهلهل و مسروق.
أعتقد انه قد آن الآوان لكى يكون هناك نوع من التضافر والتعاون والتنسيق بين المؤسسات العلمية والفكرية والثقافية من جهة وبين الاعلام من جهة أخرى ، ومعهم مساهمة الجهود الذاتية الاهلية بكل تخصصاتها ، ووضع قانون يعمل على حماية الملكية الفكرية ووقاية مقالات ونصوص الكُتاب من السرقة.
بل والاهم من ذلك تفعيل المادة القانونية الرادعة لكل من تسول له نفسه ان ينسب لنفسه ما ليس له ، وايضا لا يجب إغفال مسئولية المواقع التى تقوم بالنشر إذ لابد وان يكون هناك ضوابط وطرق تمحيص وتدقيق فى نوعية المواد المنشورة ونوعية الكاتب الناشر ، ومدى مصداقيته لدى الموقع او الجريدة.
وأخيرا ً ،،،
اضع فتوى لجنة الأزهر في اختلاس الأفكار والنصوص ،،جاء في الفتوى: «تفيد اللجنة بأن الاقتباس بكل أنواعه من كتاب أو مجلة أو مرجع جائز شرعاً، ولا شيء فيه، بشرط أن ينسب إلى مصدره وصاحبه عند الكتابة والتسجيل، ورده إلى مصدره الأصلي. أما النقل من كتاب أو مصدر أو مجلة عند التأليف ونسبة ما كتبه الكاتب، وما نقله عن غيره إلى نفسه فهذا أمر حرمه الشرع والقانون، وهو نوع من السرقة. أما النقل للأفكار وكتابتها وتطويرها وتزويرها بأفكار أخرى وتحديثها فليس في ذلك شيء، وذلك ينطبق على سرقة الأفكار والآراء العلمية والدينية بشرط أنه عند هذا السؤال تنسب الفكرة إلى مخترعها ومبدعها، وذلك لا يشبه في حكمه شرعاً حكم سرقة الأموال والمتاع من قطع اليد وإقامة الحد، وإن كان يجوز في ذلك التقدير إذا كان الحال كما جاء بالسؤال، والله تعالى أعلم»* (توقيع رئيس اللجنة 30 يناير2003)».
فقط ,,,,,,,
يجب ان يكون هناك ميثاق شرف لأمانة الكلمة ،تتبعه أجهزة الاعلام المسموعة والمرئية والإليكترونية خاصة و يكون له من الشفافية ما يكشف أية حروف تتسم بالزيف وموشومة بالوهم.
إنهم بالفعل لصوص الكلمة ،،وبكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان مختلفة ،،، ولا جدال فى ذلك ، يسرقون الحبر ولكن يسرقون من قبله الدم والفكر والكرامة والعلم .
هذه النوعية من البشر نموذج صارخ وخير شاهد على الحقبة اللاخلاقية التى نعيش فيها بكل ما فيها من تخلف حضارى ودينى وثقافى وقبلهم إنحلال أخلاقى .
فمن القادر على حسابهم بل وردعهم ؟؟ من ؟؟؟

--------------
*
ابن وكيع هو أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد الضبي المعروف بابن وكيع التنيسي الشاعر المشهور. أصلـه من بغداد ومولده بتنيس وقد برع على أهل زمانه ولـه كتاب بين فيه سرقات أبي الطيب المتنبي سماه المنصف وكان في لسانه عجمة ويقال لـه العاطس
* الحسن الآمدي هو ،،الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي، البصري نحوي، أديب، ناقد، كاتب، شاعر. ولد بالبصرة،( 371هـ / 981م) ونشأ بها، وقدم بغداد، وأخذ عن علي بن سليمان بن الأخفش وأبي إسحاق الزجاج وأبي بكر بن دريد. من آثاره الكثيرة: المختلف والمؤتلف في أسماء الشعراء، الموازنة بين أبي تمام والبحتري ( المصدر الموسوعة العربية ).
الشرق الاوسط..>> * الفتوى من /العدد 9021

ليست هناك تعليقات: