زاهي وهبي
الحياة
عودة وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عن قرارها إتلاف كتاب «قول يا طير...»، لا تعني عودة الأمور الى نصابها، لأن العودة لم تأتِ من قناعة تبدلت لدى من اتخذ القرار، بل جاءت تحت وطأة الصدمة التي أحدثها القرار الأهبل، في الوجدان الشعبي الفلسطيني، وتحت ضغط الاحتجاجات التي عبّر عنها المثقفون الفلسطينيون، وفي مقدمهم الشاعر محمود درويش، رفضاً لـ «محاكم التفتيش» المُقيمة في العقول والنفوس»، قبل القرارات والنصوص.
الأهم من العودة عن قرار الإتلاف والمنع، العودة عن «العقل» الرجعي الذي يكشف مدى التدهور الفكري والثقافي لدى أصحابه، إذ أن مجرد التفكير بمنع كتاب، أي كتاب، يُحيلنا مجدداً على المغول والنازيين والفاشيين، فكيف إذا كان هذا الكتاب من أمهات الكتب الفلسطينية، يُدرَّس في واحدة من أعرق جامعات العالم، هي جامعة هارفرد، وحائزاً على جوائز عالمية، ومترجماً الى خمس لغات. ولكن كما يبدو، صاحب القرار لا يُجيد أياً من هذه اللغات، فضلاً عن جهله بلغة الكتاب الأم، لأنه لو كان يعرفها لأدرك تلقائياً أنه بمنع كتاب «قول يا طير...» إنما يمنع برهاناً إبداعياً متميزاً من براهين إثبات الهوية الفلسطينية التي تواجه كل يوم محاولة جديدة لطمسها، أو لسرقتها مثلما يفعل الاسرائيليون حين ينسبون لأنفسهم أموراً هي من صميم التراث والفولكلور الفلسطينيين، وهذا ليس مستغرباً على لصوص التاريخ والجغرافيا. لكن المستغرب أن يبادر بعض أصحاب الهوية الحقيقية، الى نكران علامة فارقة من علامات هويتهم التاريخية والإبداعية. فإذا كانوا يدرون ما يفعلون فتلك مصيبة، وإذا كانوا لا يدرون (وهم في مواقع الأمر والنهي) فالمصيبة أعظم!
مصيبة المصائب التي كلها فوائد لأعدائنا وللمتربصين بنا شراً، بل الطامة الكبرى هي هذا «العقل» التكفيري والإلغائي الذي يحاول التحكم بكل مناحي حياتنا، ويسعى الى الحجر على عقولنا، ويقول لنا كفوا عن التفكير، إننا نفكر نيابة عنكم. الأنكى أن هذا «العقل» يخدم إسرائيل ومن يقف وراءها، فيما هو يرفع راية مواجهتها أو يُشبّه له أنه يرفعها، غير مدرك (أو مدركاً، الله أعلم) أن من أول مستلزمات المواجهة معها إعلاء شأن كل ما هو مشع في تراثنا ووجداننا، ومنه بالتأكيد كتاب «قول يا طير...».
ولو كان للطير أن يقول لقال ما لا تتسع له الصفحات عن أحوال البلاد والعباد، وعن النكبات المتلاحقة التي تحلُّ بنا، لا بسبب قوة أعدائنا وغطرستهم فحسب، بل كذلك بفعل كيفية تعاملنا مع أنفسنا ومع ذاتنا الجماعية، مع حاضرنا ومستقبلنا، ومع ماضينا الذي لا يرى بعضهم فيه إلا السيف، ويتعامى عن كل أدواته الحضارية الأخرى، وعلى رأسها الكلمة الأشد وقعاً من ضربة السيف.
قول يا طير... ومَن منا لم يقل يا طير يا طاير ويطلب منه أن يخبّر البشاير، ويسلّم على الأهل والأحبة والخلان. ومَن منا لم يتمنَ ذات لحظة، أو ذات ضائقة، لو كان طيراً يرفرف تحت زرقة السماء ويحلق في فضاء الحرية؟ ومَن مِن أبناء فلسطين خصوصاً، لم يحمّل الطيور المسافرة نحو الأرض المحتلة، كل أشواقه وحنينه الى الوطن السليب؟
حسناً فعلت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالعودة عن قرارها، لكن الأهم عودة الحياة الى نصابها في بلاد العرب قاطبة، وهذا لن يحصل إلا بانكفاء «العقل» التكفيري الإلغائي الذي جرّب أن يذبح الطير – الكتاب بسكينه، وهو يخيّرنا بين القبول بمنطقه أو القول: يا يطير دخلك خذنا معك.
عودة وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عن قرارها إتلاف كتاب «قول يا طير...»، لا تعني عودة الأمور الى نصابها، لأن العودة لم تأتِ من قناعة تبدلت لدى من اتخذ القرار، بل جاءت تحت وطأة الصدمة التي أحدثها القرار الأهبل، في الوجدان الشعبي الفلسطيني، وتحت ضغط الاحتجاجات التي عبّر عنها المثقفون الفلسطينيون، وفي مقدمهم الشاعر محمود درويش، رفضاً لـ «محاكم التفتيش» المُقيمة في العقول والنفوس»، قبل القرارات والنصوص.
الأهم من العودة عن قرار الإتلاف والمنع، العودة عن «العقل» الرجعي الذي يكشف مدى التدهور الفكري والثقافي لدى أصحابه، إذ أن مجرد التفكير بمنع كتاب، أي كتاب، يُحيلنا مجدداً على المغول والنازيين والفاشيين، فكيف إذا كان هذا الكتاب من أمهات الكتب الفلسطينية، يُدرَّس في واحدة من أعرق جامعات العالم، هي جامعة هارفرد، وحائزاً على جوائز عالمية، ومترجماً الى خمس لغات. ولكن كما يبدو، صاحب القرار لا يُجيد أياً من هذه اللغات، فضلاً عن جهله بلغة الكتاب الأم، لأنه لو كان يعرفها لأدرك تلقائياً أنه بمنع كتاب «قول يا طير...» إنما يمنع برهاناً إبداعياً متميزاً من براهين إثبات الهوية الفلسطينية التي تواجه كل يوم محاولة جديدة لطمسها، أو لسرقتها مثلما يفعل الاسرائيليون حين ينسبون لأنفسهم أموراً هي من صميم التراث والفولكلور الفلسطينيين، وهذا ليس مستغرباً على لصوص التاريخ والجغرافيا. لكن المستغرب أن يبادر بعض أصحاب الهوية الحقيقية، الى نكران علامة فارقة من علامات هويتهم التاريخية والإبداعية. فإذا كانوا يدرون ما يفعلون فتلك مصيبة، وإذا كانوا لا يدرون (وهم في مواقع الأمر والنهي) فالمصيبة أعظم!
مصيبة المصائب التي كلها فوائد لأعدائنا وللمتربصين بنا شراً، بل الطامة الكبرى هي هذا «العقل» التكفيري والإلغائي الذي يحاول التحكم بكل مناحي حياتنا، ويسعى الى الحجر على عقولنا، ويقول لنا كفوا عن التفكير، إننا نفكر نيابة عنكم. الأنكى أن هذا «العقل» يخدم إسرائيل ومن يقف وراءها، فيما هو يرفع راية مواجهتها أو يُشبّه له أنه يرفعها، غير مدرك (أو مدركاً، الله أعلم) أن من أول مستلزمات المواجهة معها إعلاء شأن كل ما هو مشع في تراثنا ووجداننا، ومنه بالتأكيد كتاب «قول يا طير...».
ولو كان للطير أن يقول لقال ما لا تتسع له الصفحات عن أحوال البلاد والعباد، وعن النكبات المتلاحقة التي تحلُّ بنا، لا بسبب قوة أعدائنا وغطرستهم فحسب، بل كذلك بفعل كيفية تعاملنا مع أنفسنا ومع ذاتنا الجماعية، مع حاضرنا ومستقبلنا، ومع ماضينا الذي لا يرى بعضهم فيه إلا السيف، ويتعامى عن كل أدواته الحضارية الأخرى، وعلى رأسها الكلمة الأشد وقعاً من ضربة السيف.
قول يا طير... ومَن منا لم يقل يا طير يا طاير ويطلب منه أن يخبّر البشاير، ويسلّم على الأهل والأحبة والخلان. ومَن منا لم يتمنَ ذات لحظة، أو ذات ضائقة، لو كان طيراً يرفرف تحت زرقة السماء ويحلق في فضاء الحرية؟ ومَن مِن أبناء فلسطين خصوصاً، لم يحمّل الطيور المسافرة نحو الأرض المحتلة، كل أشواقه وحنينه الى الوطن السليب؟
حسناً فعلت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالعودة عن قرارها، لكن الأهم عودة الحياة الى نصابها في بلاد العرب قاطبة، وهذا لن يحصل إلا بانكفاء «العقل» التكفيري الإلغائي الذي جرّب أن يذبح الطير – الكتاب بسكينه، وهو يخيّرنا بين القبول بمنطقه أو القول: يا يطير دخلك خذنا معك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق