الاثنين، مارس 05، 2007

الجزائر،عاصمة الثقافة العربية في "ليالي الشعر العربي":



تونس والسعوديّة في "ليلة الكلام العالي"

الجزائر- حسّان الباهي

في رحاب المكتبة الوطنيّة الجزائريّة،هذا الفضاءالعمرانيّ المهيب وغير المسبوق عمرانيا في عموم إفريقيّا،غصّت قاعة الشاعر محمّد الأخضر السّائحي، الأسبوع الماضي، بجمهور غفير فاجأ الشعراء الضيوف القادمين من تونس والسّعودية ضمن " ليالي الشّعر العربي" في دورتها الثّانية وهي ليال مبرمجة بالمناسبة على مدار السّنة، بمعدّل ليلة ختام كلّ شهر، يدعى إليها نخبة من الشعراء العرب ، احتفاء بالجزائر عاصمة عربيّة للثّقافة .هذه المرّة وبعد المرور العمانيّ في مطلع العام الجديد عبر سيف الرحبي ونظرائه ، دعيت تونس ممثّلة في شعرائها يوسف رزوقة، أولاد أحمد ويسرى فراوس في حين مثّل السعوديّة كلّ من هدى الدغفق، عادل خميس الزهراني وريم الفهد إلى جانب الجزائر بشعرائها المقتدرين حمري بحري، عبد الرزاق بوكبة، سليمان جوادي، حكيم ميلود، رشيدة خوازم وإبراهيم صديقي.بعد أداء النشيد الرّسميّ لكل من الجزائر والسعودية وتونس، تلا الدّكتور أمين الزاوي، مدير عام المكتبة الوطنية (وهو كاتب روائيّ لافت، صدرت له مؤخّر عن فايار بالفرنسية رواية "وليمة الأكاذيب") كلمة جاء فيها:
الشعراء و الغاوون.. و "الشعراء يتبعهم الغاوون"
هذه ليلة أخرى
ليلة للكلام العالي ،
شرفة جزائرية للكلام العالي كلامكم
"لسان الفتى نصف و نصف فؤاده"
و الشاعر كلام ،
و الشاعر قلب ،
كلام من فراشات
و قلب من خفقات
لسان الفتى نصف و نصف فؤاده" "
الشعر افتضاح الجمال ،
بل فضيحته البهية
الشعر صلاة الصلوات جميعها ،
متراس ضدّ ثقافة الكراهية ،
تناغم الأرواح
لمّ الأطراف ،
من جزيرة العرب
إلى عرب الغرب
هذه ليلة أخرى
" و.....لسان الفتى نصف و نصف فؤاده"
و كان القدامى يشبهون العالم
العربي بطير الطاووس
ذيله المغرب العربي
و الباقي أمصاره الأخرى
تونس
تونس الشابي
تونس الطاهر الحداد
تونس علي الدوعاجي
بلاد محمود المسعدي
تونسنا..شعرنا
السعودية بلاد الصلاة
بلاد الرسول الأعظم
بلاد بها نزل الكلم العظيم ،
بلاد امتدادها في القلب
في كل قلب
بلاد جغرافيتها تتعدى جغرافيتها
لأنها دخلت الرموز منذ آلاف السنين
بلاد بلاضفاف
لأنها الضفاف ..ضفاف الروح
و هي أيضا بلاد الكعبة من زمن المعلقات ..و قبله
إذا كانت تونس ، في مخيالنا العربي
قد ارتبطت منذ الخمسينات بالحداثة ، و حقوق المرأة كنموذج فريد في العالم الثالث ،
فالسعودية الجديدة انزياح هادئ نحو الحداثة ،
تخرج السعودية يوما بعد يوم
بنسائها و رجالها و مؤسساتها من الصورة "التقليدية" التي في رؤوسنا
إلى صورة أخرى ،
إلى شاطئ آخر ،
نتمعن المشهد العربي
على كل الجغرافيات و التضاريس
نفتش عن "العربي" كظاهرة
تخدعنا كل شيء
و لا تخدعنا الثقافة
و لا يخدعنا الشعر سيدها
ما بقي يجمعنا و نجتمع له و عليه سوى الثقافة
و الشعر.. و العربية التي تحميها و تحمينا
لذا إذا ما أردنا أن نحافظ
على "العرب" كظاهرة
علينا أن نحافظ على الثقافة
و على "الشعر" سلطان الكلام
و قبل هذا و ذاك على العربية
الليلة يطل الشعراء
على الجمال من شرفة جزائرية ،
الليلة يطل الشعراء من شرفة
الكلام المباح ،
على الكلام المباح
هذه ليلة خير من ألف ليلة
تجمع الشعراء فيها
و فيها يتنزل الحب
ليلتكم ليلتنا
فأهلا بكم
و أهلا بكم
و" لسان الفتى نصف و نصف قؤاده".

هدى الدغفق:
الظل إلى أعلى


هدى الدغفق ، شاعرة سعودية أصدرت "الظل إلى أعلى" و " لهفة جديدة" وهي كما تقدم نفسها "ليست سوى امرأة تأكل النوايا.. تتوضأ بالأحلام الخجلى.. ترشف العسل.. تزهر الأبناء.. ستذبل لا يحنو عليها سوى أرض تلملمها حفرتها السوداء.. هكذا"
بهذه الكلمات طرحت الشاعرة مشاعرها، وخلجات نفسها كامرأة.. كأي امرأة تدب على وجه الأرض.. وتحتمي داخل حيطانها واسوارها المغلفة بستار تملؤه الخشية أحياناً.. وتهزه الريح الغاضبة أحياناً.. ونحن الجنس الخشن، كما يرى ناقد من الخليج، لن نترك لأوجاعها وحدها التفرد.. نحن معها شركاء في اكل الزوايا. وفي خجل الأحلام ووجلها.. وفي ارتشاف العسل الحلو والمر. وفي الذبول دون حنو.. أما الأرض فإنها لا تفرق بين ذكر وأنثى وهي تلملم اجساد الأموات الأحياء، والأحياء الأموات داخل حفرها الصامتة المغلفة بالوحشة.. بماذا تحدثت عن خصوصية سمائها كامرأة؟! وبأية مرآة عكست ملامحها المنظورة والمستترة من خلال رؤيتها؟
أحيانا
أبكي هذا القمر المتسلق غرفتنا
ما ذنب عقاربه تضيء؟
أُسلمه الوحدة كل مساء
يسلمني عينه العاشقة
حس أنثوي لا نقدر نحن الرجال على رسمه.. دموع فراق.. لا عودة فيه.. ووعد وفاء ممن تبقى برعاية من لم يمت، الصورة وجدانية.. ومعبرة.. ومختصرة المساحة
شاعرتنا الدغفق استهوتها هذه المرة اقتحام الغابات.. وراحت ترقب العصفور الطائر والغصن الطائر وجذع الشجرة داعية ظلالها الاسترخاء والتدفق واغراق الأرصفة
شلالكِ سيطفئ موقد الشمس
أهدابي ستشتعل قناديل
بهجتها حفيفك
يرقص في طمأنينة الليل
مرة تحتفي بالنهار.. وأخرى مغايرة تتعشق الليل وترقص في طمأنينة على صمت سكونه

حمري بحري :
هوى الجزائر


الشاعر الجزائري حمري بحري الذي عرفناه في سبعينات القرن الماضي بمجموعته الشعرية اللافتة
" ما ذنب المسمار يا خشبة؟"، يعود بعد طول غياب يقدّر بالسنوات إلى جمهوره في أول إطلالة له بقصائد مكثّفة وموحية قوبلت باستحسان الحضور وكانت قصيدته " مديح رياس البحر" بمثابة الصرخة الحانية والعاتية في آن في وجه الواقع والمكان:لم أكن أعرف يا جزائر أنك هواي
وأنك النشيد الوحيد في دمي وأنا الناي
الحياة بهية والأصدقاء ينبتون في حديقة الروح
ويفتحون باب بيتي لقصائدهم...............ما المكان
إلا أنت يا جزائر
ما النساء الجميلات إلا أنت يا جزائر
من أعطاك هذا الاسم الجميل؟ليختم بالتالي:
لم يبق لي من الوقت ما يكفي
لأصنع أرجوحة لأحلامي
وهذا السنونو يبني أعشاشه في سقف أيامي
وتطير في أفق
لم تعد عيناي تقوى على قبض مداه

يوسف رزوقة: الذئب في العبارة

أمّا الشاعر التّونسي يوسف رزوقة ذو التجربة الشعرية الزاخرة في أكثر من لغة فقد كان حضوره لافتا بحيث قوطع مرارا بالهتاف وهو ينشد قصيدته " الذئب في العبارة" ولعل ما استوقف الحضور مقطع شعري يقول فيه:ولا تاء في طاعتي
لأؤنّث شكلي
وأجعلني زوجة لي لينشد بعدها قصيدته الثانية " محاولة لمحو الجبل" وقد أهداها بالمناسبة إلى الكاتبة الجزائرية الحاضرة بالمناسبة زهور ونيسي وإلى كل الزهور التي تحاول نسف الجبل، تقول قصيدته: الشائك، السلس الذي يسري من امرأة الي رجل وعبرهما الي روح القصيدة: اصله امرأة ومنها يأخذ المعني استدارته ومسلكه الي .. رأس الجبل بسلاسة امرأة تصندق سرها في بئر يوسف ـ مؤسف تاريخ اخوته! انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تمد جناحها لحبيبها النائي، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تقسم نفسها بمعدل امرأة لكل مدينة وكفي! انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تطري ثديها لرضيعها الباكي، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تهرب بين نهديها رسائل جارها المجرور من حرمانه الدامي الي غدها، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تقشر نفسها لعريسها الملقي علي دمه، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة لوت يدها يد طولي فطال جحيم لحظتها وما بكت، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تجر حكاية امرأة هوت من حيث لا تدري، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تقي امرأة هوت رجلا من امرأتين كافرتين بالرجل ، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تعوض بالأذي ما فاتها وبحنظل الذكري، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تعرض قلبها لقذيفة اقوي، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تعامت عن هتاف المعجبين وأعجبت برفيقها الاعمي، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تجرب كعبها العالي وقد أدمي سعادتها.. وربلة ساقها اليسري، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تكاد تطير من هذيانها لتحط في يد (ه)، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تباعد بين ساقيها لغاية ان تمر بواخر التاريخ تحتهما، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تسلسل نسلها ـ ناس الحواس ـ بحبها الطاغي، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تجمع شعبها في عمرها الباقي، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تسوس قبيلة عظمي بخاتمها، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تفك بلحظها الحاني سلاسلها، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تكلم او تبوس جنينها/المسحوق في سمحاقه، وكأنه اضحي، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تمد لسانها للعالم البشع، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تبخر وسط حمام النساء بهاءها ليطير من شفة، الي امرأة الي امرأة الي امرأة، الي مرآتها من ثم، في صحراء غرفتها، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة أنامت كل سكان الخريطة وارتمت في حضن يقظتها تراقص نقطة استفهامها الكبري، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تمر الي طبيعتها مباشرة ولا تقوي علي تأجيل شهوتها الي غدها، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة يسيل لعابها بمجرد اللعب/المحاولة، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تقطع ـ وهي ساهمة ـ اصابعها، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تري ما لا يراه اللاهثون وراءها، والنصر للأنثي، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تطالع سفر ماضيها وراهنها وآتيها، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة تروض قمة الجبل، انسفي هذا الجبل بسلاسة امرأة.. اغيظي اجمل امرأة.. حكت فتهاوت امرأة قبالتها! حكت فترملت اخري واسقط في يدي متعهد الحفلات: حاميها/حراميها، انسفي هذا الجبل بشراسة الرجل الذي سواك ايتها القصيدة: خير أنثي! واختفي بين السطور اريه ما معني العناق وما مدي ولع السؤال بشيئه وأريه صندوق الذخائر والمشاعر والمصائر والسرائر والبشائر والخسائر والدوائر والصغائر والكبائر وانسفي هذا الجبل ما القصد أيتها الفراشة من مصادرة الوجود بأسره؟ ما القصد من ذر الرحيق علي الحريق؟ وحقن هرمون الانوثة في تلافيف الجبال؟ وما علاقة آكلي لحم القصيدة ـ ان غدا او بعد عنقودين من عنب الزمان ـبشاعرـ هو صائد الاصداف ـيدعوهم الي.. بيت القصيد وهم هنا كوليمة البيداء والاطلال والمنفي انسفي هذا الجبل.. فاذا تأكسدت القصيدةـ وهي تهوي من علي الجبل ـ انسفيها وانسفي من ثم قائلها الذي ما خان، أيتها الفراشة وانسفي رأس الجبل

أولاد أحمد: في الرجوع إلى الحياة
التونسي محمّد الصغير أولاد أحمد أنشد من جهته قصائد استحسنها الحضور خصوصا قصيدته " لا تنس دورك في الرجوع إلى الحياة" وفيها يقول:
هذا أنا
أمشي مع الشعراء دون حراسة
في المهرجان مسلحا بمترجم
لكأنّ شعري وهو ظلّي واقف
ليس التدرج في صعود السلم
والمهرجان عبارة عن مطعم
يأتي الكتابة بالملاعق والفم
أمشي
وأحيانا أطير
لأنني أهوى السقوط
مع الحمام
على دمي
لينشد تاليا قصيدته الشهيرة " أحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد".
يسرى فراوس
حمّى القصائد


يسرى فراوس سجلت هي الأخرى حضورها اللافت في هذه المناسبة حيث قرأت قصائد لها مشبعة بالحلم وبتداعيات الواقع ومن مناخات عالمها الشعري قصيدة" حملت البحر زمني" وفيها تقول:
فيما يرى النائمُ أرى
دمًا أصفرَ ينزُّ من شقوق السّماء
نجومًا في غير أفلاكها تدورُ
على أعقاب قمر تشظَّى تَدورُ
أرى
رؤوسًا تتأرجحُ بين غيمتين
والعمائمُ مثلُ الشّهُب تتلاقفُها الرّؤوسُ
ثم تهوي على الجثث المبتورة
و تلفُّها بردًا و سهامًا
أرى
بحرًا أحْمر قانيا
تجرّهُ سفينَة عرجاء
أدفنُ في السرير جُمْجُمَتي علَّني لا أرى
ينتفضُ جسمي محمومًا
كَتَنّور يلهجُ بغمغمات الموتى إذ يسّاءَلون
من المقبلُ علينا
أفكُّ شفرةَ عيني علَّني أبصرُ غيرَ هذي الخيالات
فوقي ترقصُ العمائمُ و يَزوغُ خلفها بصري
عبثًا
تُريدُ يَدي أن تُمسكَها
عبثاً أُسْدلُ ستائري
لا يدي طالتْها ولا بصري أهملَها على حافّة العمى

إيقاع الحياة

السعودي عادل خميس الزهراني تلا قصائده بعمودية عالية وقرأ " دردشة عند قبر عربي" و فنجان في زوبعة" في حين قرأت ريم الفهد قصائد منفجرة لغة وروحا تعكس الاعتمال الحداثيّ في ما تكتب.جهة الجزائر، تناوب على القراءات كل من إبراهيم صديقي في قصائد عمودية آسرة وعبد الرزاق بوكبة في قصائد نثرية،موحية وسليمان جوادي في أشعاره المدوزنة على بحور الخليل و حكيم ميلود في قصائده ذات النسغ الشعريّ الجليّ ورشيدة خوازم في قصيدتها الجميلة على بحر الوافر.
حتّى الشاعر الموريتاني أبو شجة كان له حضور عموديّ ، في التّسلّل وقبل الأوان، على خلفية أن الشعر الموريتاني برمج مع نظيره اللبناني للشهر القادم.
بتأطير من الشاعرة ربيعة جلطي ومعاونيها ، استمر اللقاء بتواتر شعريّ ممنهج بين شعراء السعودية وتونس والجزائر لم يزده الطراز العربي الذي اتخذته منصة الشعراء إلا جمالا وأصالة وقد أضفت أعلام البلدان الممثلة في هذه التظاهرة والمرفرفة بين أعمدة المكان المهيب إلى جانب حضور وجوه من السلك الديبلوماسي العربي بعدا جماليا ووطنيا يعكس مدى عنفوان الكلمة في زمن لم يعد يحفل بالكلمة.

ليست هناك تعليقات: