بقلم : نبيل عودة
الباحث والمرشد السياحي في معالم الوطن – فوزي ناصر ، في كتاب فريد وجديد
الكتاب : "على دروب الجليل "
الكاتب : فوزي ناصر حنا
اصدار دائرة الثقافة العربية - 128 صفحة من الحجم الكبير
سنة الاصدار - 2006
" على دروب الجليل " للمرشد السياحي والخبير في معالم الوطن - جغرافيته وتاريخه - فوزي ناصر ، كتاب فريد من نوعه وابوابه في الثقافة العربية ، وفي التأليف الجغرافي الذي يجمع بين التاريخ والجغرافيا والتربية والثقافة الوطنية ...
يشمل الكتاب تسعة مشاوير في منطقة الجليل ، المعروف بجمال الطبيعة ، ، يستغرق كل مشوار منها يوما كاملا ، ولكن ما يكشفه لنا فوزي ناصر في مشاويره ابعد واعمق من مجرد التجول والتمتع بجمال بلادنا ، وخاصة سحر الجليل الذي ما زال العرب يشكلون اكثرية سكانه ، وما زالت المشاريع الصهيونية تنشط في اطار ما يسمى تهويد الجليل ، وفي اطار عملية التهويد صودرت الاراضي العربية ، وبنيت عليها مستوطنات يهودية ، وحوصرت المدن والقرى العربية في محاولة لوقف امتدادها الطبيعي .. فبنيت على اراضي الناصرة العربية واراضي القرى المحيطة بها مدينة الناصرة العليا ، وبنيت على اراضي قرى الشاغور مدينة كرمئيل ، وطوقت مدينة سخنين بمعسكر للجيش ومستوطنات عدة ، بحيث اضحت مدينة بلا امكانيات تطور ..وهذا بعض من سياسات التهويد التي لم تتوقف ، وكان من نتائجها يوم الارض الخالد لمنع المزيد من المصادرة ومن تضييق الخناق على البلدات العربية ...
يكشف الكتاب ، عبر مسارات رحلاته ، مواقع القرى العربية المهجرة ، بعضها هدم وبعضها تحول الى مستوطنات يهودية ، بل ويذهب فوزي ناصر عميقا الى قلب التاريخ ليكشف لنا تاريخ العرب وكل الفاتحين الذين مروا فوق هذه الارض ، وما خلفوه من آثار . مثلا في المشوار الاول يتحدث عن " خربة هليس " الذي يعتقد انه تحريف للاسم الروماني "هيليوس " – الاله المسؤول عن نقل الشمس بمركبته الخاصة ، التي تقودها 4 خيول ، من الشرق الى الغرب ، وقد استقبله المؤمنون عند الشروق من خلال المعبد ذي الواجهة الشرقية الجميلة ، ويعتقد الباحثون ، كما يروي فوزي ، ان المبنى كان غير مسقوف كي يستقبل اشعة الشمس طوال النهار .
فوزي ناصر يتحدث ايضا عن انواع النباتات وفترة نموها مثل قرن الغزال وزنبقة الناصرة ، ويذكر الينابيع والوديان باسمائها العربية وتحولات هذه الاسماء ، بل ويتحدث عن القرى المهجرة وعدد سكانها قبل النكبة واراضيها وما حدث لاهلها وكيف هجروا وما آلت اليه بلدهم واراضيهم ولا ينسى رواية الحكايات المميزة ، مثلا في المشوار الثاني الذي يسميه المشوار حول قمة الجليل يتحدث عن بداية المشوار الذي يبدأمن مفترق كفر عنان ، يروي حكاية القرية وعدد سكانها قبل النكبة وتهجيرها ومساحة اراضيها وموقعها الجغرافي ( على الحافة الشرقية لوادي الرميلة الذي هو المجرى الاعلى للوادي المعروف باسم وادي سلامة ) ويشرح بانه بنيت على اراضي القرية بلدة كفار حنانيا اليهودية ثم يصل الى انه قرب القرية من جهة الجنوب ، على الطريق المؤدي الى المغار ، مقام تظلله شجرة مل أسماها المحليون " المباركة " ويعرف المقام بأسم " ابو حجر ازرق " ويسمسه اليهود " الراف حلفتا وأبناؤه" .... الخ .
الكتاب مزود بخرائط رسمها المؤلف وهي شديدة الوضوح وسهلة الاستعمال ، خاصة وانة سجل في فاتحة الكتاب الرموز المستعملة في الرحلات مما يسهل على الراغبين في الانطلاق لوحدهم بالاستعانة بهذا الكتاب المذهل في غناه ومعارفه الواسعة وشروحاته الجغرافية والتاريخية والثقافية والاسطورية والنباتية وما شئتم مما قد لا يخطر على بال احد .
يشمل الكتاب كما ذكرت تسعة مشاوير ، واعتقد ان اختيار هذه المشاوير يحمل رابطا هاما يكشف ليس الجمال الرائع لهذا الجزء من الوطن ، وليس الهدف التربوي والوطني من تأكيد هوية المكان وتاريخه ، انما ارتباط المكان بشخصية اصحابه وتراثهم ، وكاني بفوزي ينبه الى ضرورة البدء بالتصرف كشعب حضاري يكرس جهودا لتسجيل تاريخه المروي وحفظه من الضياع ، ونقله للأجيال الجديدة التي تجهل هذا التاريخ ، تجهل اصل الاسماء وارتباط المكان بالانسان .. وكان فوزي ناصر قد اصدر في السابق كتابا فريدا ، رائعا وهاما ، اسماه " ما وراء الاسماء " تتضمن بحثا تاريخيا وتراثيا عن اصل اسماء العديد من المواقع وتحولات هذه الاسماء عبر مراحل التاريخ ، وهناك بدون شك خيطا يربط دراسات فوزي ناصر وابحاثه مهما اختلفت وجوه هذه الابحاث واتجاهاتها ، ، وهل يمكن تجاهل اول كتبه " قاموس الوطن " الذي شمل اسماء العيون والاودية في الجليل باصلها العربي .
فوزي ناصر هو ابن للنكبة ايضا بمفهومها الشخصي والمباشر ، فهو ابن قرية اقرث الجليلية ، شقيقة قرية كفر برعم ، القريتان اللتان خرج سكانها بالاتفاق مع جيش الاحتلال الاسرائيلي لعدة ايام ، ثم منعوا من العودة ، ولم يساعد توجههم للمحكمة العليا ، التي انصفتهم ، ولكن القوانين التي سنتها الكنيست ، اعطت للحكومة صلاحيات تتجاوز فيها قرارات المحكمة العليا ، وما زال اهل اقرث وبرعم مصرون حتى اليوم على العودة ، ويورثون التمسك بحقهم المقدس الى ابنائهم .. ومعركتهم باتت تشكل معلما نضاليا لا يمكن الاستهانة به ... ، وكان الجيش قد هدم القرتين بالقصف من الجو ، ولكن كنيستي القريتين رممتا ، وتجري فيهما اليوم مراسيم الاحتفالات الدينية المختلفة ، ويدفن البراعمة والاقارثة موتاهم في مقبرتي القريتين ، ويبدو واضحا ان الارتباط بالوطن لدى فوزي ناصر ليس مجرد مسألة سياحية ومتعة نفسية ، انما التزام بالحفاظ على صلة الرحم مع ارض الوطن وصيانة التاريخ من التشويه .
المؤسف ان الكاتب والباحث فوزي ناصر يجد نفسه مقاتلا وحيدا في معركة تحتاج الى دعم وجهود مشتركة واسعة ودعما مسؤولا ، وكتبه للأسف يجب ان تتبناها المنظمات والجمعيات القادرة ، وان تخرجها بصورة اكثر ملائمة ، وان تسهل ايصالها الى كل بيت . لا افهم ما هي الوطنية ان لم تكن اولا الحفاظ على الذاكرة الجماعية لشعبنا ، وعلى عروبة المكان ، وتعميق الارتباط به ومعرفة تفاصيل الاحداث والتاريخ . وتربية الاجيال الجديدة على الوعي بمعالم الوطن وارضة والاحداث التي وقعت ...
الكتاب ممتع للقراءة ايضا ، وهذا بفضل الروح الابداعية الادبية التي يتميز فيها المؤلف ( شاعر وقصصي ) ، بل ويتحفنا بمقطوعات ادبية مختلفة ، كما في المشوار الثالث مثلا ، حين ياخذنا الى الجاعونة وصفد فيسجل ما قاله فيها الشاعر اسكندر الخوري البتجالي :
صفد وهاتيك المشاهد كلها سحر بسحر
البحيرة الزرقاء تحت قبابها مزجت بخمر
الكتاب ادخلني في حيرة ، اشعر اني مهما كتبت لن اوفي المؤلف حقه ، ولن استطيع نقل ما يساعد القارئ على تكوين فكرة عن هذا الكتاب الفريد في مضمونه وقيمته ... انه كتاب يقرأ بمتعة خاصة ، واكبر متعة هو تطبيق الرحلات بالاستعانة بالشرح الوافي الذي يقدمه الكتاب ، وتفعل مؤسساتنا خيرا اذا نظمت مشاوير على المسارات كما جاءت في مشاوير الكتاب التسعة ، وفوزي ، المرشد السياحي في معالم الوطن ، يرافق بشكل دائم مختلف المجموعات في جولات جليلية وفي مختلف اطراف الوطن .. والذين شاركوا بمشوار من مشاويره ، باتوا مدمنين ولا يفوتون فرصة في الاشتراك بالمشاوير التي يشارك فيها فوزي كمرشد سياحي .
نبيل عودة – mostkbel@netvision.net.il
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق