زياد جيوسي
كان صباحا جديدا من صباحيات أواخر آذار بدايات لربيع جديد، رذاذ من الأمطار يتساقط ناعما من سماء رام الله، كان زمان رام الله يخط سفرا جديدا في رواية الوجد والموت، كان الندى يتألق حياة على هدبي سريدا، كانت عيناك الحنونة حائرة عندما صحوت من نومك فزعة، على انطلاقات النار وسقوط القذائف بكثافة الأمطار، فالاجتياح قد بدأ وقوات الغزو تجتاح المدينة الآمنة، فتنشر الموت في سمائها، وتغلق دروبها وأزقتها بالمباني المدمرة، وتعتم نهارها الجديد بالدخان والحرائق...
في ذلك الصباح من يوم الجمعة، التاسع والعشرين من آذار لعام ألفين واثنين، صحوت يا سريدا من حلم جميل كنت فيه ملاكا للحب، تحفك ملائكة من نور تزرع سوسنات الربيع في شعرك، وتزين منديلك بنجمات تقطفها من السماء، تتعمد بالندى المنثور على أهدابك، تفرش لك الياسمين في دربك، تغني لك أغنيات فل وسوسن، تبحر بك في بحر مياهه من نور، أمواجه عشق مخضب برائحة الوطن..
في ذلك الصباح تحطم قوس قزح على أبواب المدينة وهجرت العصافير سماءها، فلم تزر نافذتك لتلقي عليك تحية الصباح، وانكسفت الشمس وراء الغيوم والدخان فلم تورد وجنتيك بنور الذهب، وتبخر عطر الرياحين والأزهار من حديقتك فلم يتبق هناك إلا رائحة الدخان والحرائق، فقفزت من سريرك على أصوات الدبابات العملاقة تجتاح المدينة، وآليات تزرع الموت والدمار، قذائف تخترق الجدران فتدمر المنازل وتقتل الحياة، اطلاقات تحصد كل شيء فتحيل المدينة الجميلة إلى خرائب وأطلال...
كان ربيعك الثالث والعشرون داميا ذلك الصباح، ولم يكن يوم الجمعة ذاك كما منيت نفسك يوما للتمتع بالراحة مع قليل من دفء أشعة الشمس تتسلل من نافذتك، من بين غيوم تنقشع أحيانا، وقليلا من عطر ياسمين متضمخ برائحة البحر القادمة من الغرب، من خلف التلال القريبة، لم يكن كما تمنيت وأنت التي لم تعرف إلا ألم الاحتلال وقهر الحواجز، وخنق الروح في منع التجول..
كان صباحك داميا والحيرة ترتسم في عينيك أمام حجم الهجمة الجديدة، كان هناك ألف سؤال وسؤال يرتسم على شفاه الصمت، ألم يجثم على الصدور، عزلة عن العالم تحت القذائف والنيران تزيد من الألم، فلا نور ولا كهرباء وهواجس تجتاح الصدور، ترى ما أخبارالأحبة الآن ؟؟ ما أخبار الأهل والأصدقاء والجيران الجنب ؟؟ كيف السبيل للاطمئنان والهمسة محرومة من التحليق في سماء المدينة من كثافة النيران...
سؤال يليه سؤال يتبعه ألف سؤال...وأرواح الشهداء تتتالى سربا بعد سرب في سماء المدينة، أنات الجرحى وتأوهاتهم تملأ الأزقة لا تجد من مغيث، فالدمار والموت سيد الموقف والنيران تصطاد كل من يحاول الحركة، وسؤال ما زال يتردد على شفاهك يا سريدا....ما يمكننا أن نفعل ؟
آه يا سريدا..كنت رغم الموت والدمار تفكرين بالحياة، تحلمين بعصافير وزهور، أطفال ملائكة، فجر أجمل لمدينة تعشقينها، سارت أصابعك في مفارق شعرك، وابتسامة حب وأمل وحياة ترتسم على شفتيك..
في تلك اللحظات أحاطتك الملائكة أضاءت بداخلك النور، امتلأت غرفتك بتغريد الطيور، عزفت موسيقى الرحيل، كان ثرى الوطن العاشق الوحيد يفتح لك ذراعيه لاحتضانك.. في تلك اللحظة المشبعة بالحب ورائحة الوطن، اخترقت تلك الرصاصة الغادرة صدرك لتعلن زفافك بعرس الشهادة فأنساب شلال دمك مسك وعنبر، وأغمضت عينيك الدعجاء على آخر مشهد في الوطن فصمتت أغاريد الطيور، وعزفت الملائكة ترانيم المحبة وضمك ثرى الوطن بين ذراعيه عروسا له تزفها الملائكة في عرس الشهادة..
آه يا سريدا... لقد أحببت الوطن وعشقتيه، أحبك فعانقتيه زرعت الدفء في قلبه، فتوج رأسك بإكليل من الحب وهامتك الجميلة بزهور من العشق، وزفك إليه بمواكب من الملائكة وتغاريد الطيور، وغمرك سوسنا وياسمينا وشقائق نعمان، وحنى كفيك بترابه المتضمخ بعرق الأجداد وزيت الزيتون...
آه يا سريدا...ستبقى ذكراك في قلوب الذين أحبوك وكل من عايشوك، ستبقين عطرا مشبعا برائحة الزيتون واللوز الأخضر، سو سنة لا تجف، قطرات ندى تخو ضر القلوب...
وان تألمنا لفراقك فما يخفف الوطأة على الصدور المتعبة، انك لم تغادري إلا لمحبوبك الوطن بثوب زفاف متضمخ بدم الشهادة، فقد عشقتيه فأحبك وأنتظر تيه فلبى نداء ك، فأخذك من بيننا لزواج أبدي غنت به الملائكة، وقادته بمواكب من نور الشمس وضياء القمر، يزهر لنا من ذكراك ياسمينا وسوا سن...
أما نحن....فيزورنا طيفك دوما حبا وعشقا، شذا متضمخا برائحة ربيع آخر، نحلم كما حلمت بنهار أجمل، وطن أحلى، شعب بلا قيود، بعيدا عن خرائب الموت وجنون العاصفة...
رام الله \ فلسطين
29\3\2004
* في ذكرى استشهاد عروس فلسطين سريدا أبو غربية.
كان صباحا جديدا من صباحيات أواخر آذار بدايات لربيع جديد، رذاذ من الأمطار يتساقط ناعما من سماء رام الله، كان زمان رام الله يخط سفرا جديدا في رواية الوجد والموت، كان الندى يتألق حياة على هدبي سريدا، كانت عيناك الحنونة حائرة عندما صحوت من نومك فزعة، على انطلاقات النار وسقوط القذائف بكثافة الأمطار، فالاجتياح قد بدأ وقوات الغزو تجتاح المدينة الآمنة، فتنشر الموت في سمائها، وتغلق دروبها وأزقتها بالمباني المدمرة، وتعتم نهارها الجديد بالدخان والحرائق...
في ذلك الصباح من يوم الجمعة، التاسع والعشرين من آذار لعام ألفين واثنين، صحوت يا سريدا من حلم جميل كنت فيه ملاكا للحب، تحفك ملائكة من نور تزرع سوسنات الربيع في شعرك، وتزين منديلك بنجمات تقطفها من السماء، تتعمد بالندى المنثور على أهدابك، تفرش لك الياسمين في دربك، تغني لك أغنيات فل وسوسن، تبحر بك في بحر مياهه من نور، أمواجه عشق مخضب برائحة الوطن..
في ذلك الصباح تحطم قوس قزح على أبواب المدينة وهجرت العصافير سماءها، فلم تزر نافذتك لتلقي عليك تحية الصباح، وانكسفت الشمس وراء الغيوم والدخان فلم تورد وجنتيك بنور الذهب، وتبخر عطر الرياحين والأزهار من حديقتك فلم يتبق هناك إلا رائحة الدخان والحرائق، فقفزت من سريرك على أصوات الدبابات العملاقة تجتاح المدينة، وآليات تزرع الموت والدمار، قذائف تخترق الجدران فتدمر المنازل وتقتل الحياة، اطلاقات تحصد كل شيء فتحيل المدينة الجميلة إلى خرائب وأطلال...
كان ربيعك الثالث والعشرون داميا ذلك الصباح، ولم يكن يوم الجمعة ذاك كما منيت نفسك يوما للتمتع بالراحة مع قليل من دفء أشعة الشمس تتسلل من نافذتك، من بين غيوم تنقشع أحيانا، وقليلا من عطر ياسمين متضمخ برائحة البحر القادمة من الغرب، من خلف التلال القريبة، لم يكن كما تمنيت وأنت التي لم تعرف إلا ألم الاحتلال وقهر الحواجز، وخنق الروح في منع التجول..
كان صباحك داميا والحيرة ترتسم في عينيك أمام حجم الهجمة الجديدة، كان هناك ألف سؤال وسؤال يرتسم على شفاه الصمت، ألم يجثم على الصدور، عزلة عن العالم تحت القذائف والنيران تزيد من الألم، فلا نور ولا كهرباء وهواجس تجتاح الصدور، ترى ما أخبارالأحبة الآن ؟؟ ما أخبار الأهل والأصدقاء والجيران الجنب ؟؟ كيف السبيل للاطمئنان والهمسة محرومة من التحليق في سماء المدينة من كثافة النيران...
سؤال يليه سؤال يتبعه ألف سؤال...وأرواح الشهداء تتتالى سربا بعد سرب في سماء المدينة، أنات الجرحى وتأوهاتهم تملأ الأزقة لا تجد من مغيث، فالدمار والموت سيد الموقف والنيران تصطاد كل من يحاول الحركة، وسؤال ما زال يتردد على شفاهك يا سريدا....ما يمكننا أن نفعل ؟
آه يا سريدا..كنت رغم الموت والدمار تفكرين بالحياة، تحلمين بعصافير وزهور، أطفال ملائكة، فجر أجمل لمدينة تعشقينها، سارت أصابعك في مفارق شعرك، وابتسامة حب وأمل وحياة ترتسم على شفتيك..
في تلك اللحظات أحاطتك الملائكة أضاءت بداخلك النور، امتلأت غرفتك بتغريد الطيور، عزفت موسيقى الرحيل، كان ثرى الوطن العاشق الوحيد يفتح لك ذراعيه لاحتضانك.. في تلك اللحظة المشبعة بالحب ورائحة الوطن، اخترقت تلك الرصاصة الغادرة صدرك لتعلن زفافك بعرس الشهادة فأنساب شلال دمك مسك وعنبر، وأغمضت عينيك الدعجاء على آخر مشهد في الوطن فصمتت أغاريد الطيور، وعزفت الملائكة ترانيم المحبة وضمك ثرى الوطن بين ذراعيه عروسا له تزفها الملائكة في عرس الشهادة..
آه يا سريدا... لقد أحببت الوطن وعشقتيه، أحبك فعانقتيه زرعت الدفء في قلبه، فتوج رأسك بإكليل من الحب وهامتك الجميلة بزهور من العشق، وزفك إليه بمواكب من الملائكة وتغاريد الطيور، وغمرك سوسنا وياسمينا وشقائق نعمان، وحنى كفيك بترابه المتضمخ بعرق الأجداد وزيت الزيتون...
آه يا سريدا...ستبقى ذكراك في قلوب الذين أحبوك وكل من عايشوك، ستبقين عطرا مشبعا برائحة الزيتون واللوز الأخضر، سو سنة لا تجف، قطرات ندى تخو ضر القلوب...
وان تألمنا لفراقك فما يخفف الوطأة على الصدور المتعبة، انك لم تغادري إلا لمحبوبك الوطن بثوب زفاف متضمخ بدم الشهادة، فقد عشقتيه فأحبك وأنتظر تيه فلبى نداء ك، فأخذك من بيننا لزواج أبدي غنت به الملائكة، وقادته بمواكب من نور الشمس وضياء القمر، يزهر لنا من ذكراك ياسمينا وسوا سن...
أما نحن....فيزورنا طيفك دوما حبا وعشقا، شذا متضمخا برائحة ربيع آخر، نحلم كما حلمت بنهار أجمل، وطن أحلى، شعب بلا قيود، بعيدا عن خرائب الموت وجنون العاصفة...
رام الله \ فلسطين
29\3\2004
* في ذكرى استشهاد عروس فلسطين سريدا أبو غربية.
هناك تعليق واحد:
ابكينى يا سيدى ,,, وجعلتنى ارتحل اليك دامع القلب والاعصاب والخواطر .. لقد خانتك امتك وخانتك عروبتك وخانتك كل هتافات النخوة الكاذبه التى نسمعها من حناجر القادة والزعماء العرب .. فكم من شهيد وكم من شهيده فما اعظم مصابكم وما اقسى قلوب الظالمين .. وحين نرى اخوتنا فى الضفة والقطاع فى صراع وقتل لبعضهم البعض نشعر فى اسى اعظم وخسارة انسانية اكبر عيسى القنصل هيوستن تكساس
إرسال تعليق