الأحد، فبراير 21، 2010

مثقفون مغاربة ينتفضون ضد وزارة الثقافة


اختلالات المشهد الثقافي بالمغرب

عرف اليوم ما قبل الأخير من أيام معرض الكتاب بالدار البيضاء انعقاد لقاء مفتوح برواق الك.د.ش ، رتَّبَ له مجموعة من المثقفين المغاربة للحديث حول اختلالات المشهد الثقافي بالمغرب .

وهكذا افتتح هذا اللقاء شعيب حليفي بكلمة توضيحية جاء فيها أن اللقاء تم الترتيب له بشهور قبل انعقاد معرض الكتاب حيث كان الإحساس مشتركا بأن ما يقع للثقافة المغربية وللمثقفين في السنوات الأخيرة هو علامة على خلخلة الدور الاعتباري والإستراتيجي للثقافة في المجتمع .وحان الوقت –يقول شعيب – للانتفاض ضد السياسة الثقافية المتخلفة للوزارة الوصية وسلوكها التدميري والانتهازي .



بعد ذلك تناول الكلمة جمال بندحمان حيث أكد أن الثقافة اليوم تقترن بمفاهيم من قبيل (الاستثمار الثقافي )و(الصناعة الثقافية )و الاقتصاد الثقافي)والتنمية الثقافية )وهي مفاهيم تتطلب وجود رؤية واضحة وإجراءات مضبوطة وتصور شمولي يجعلها ممكنة التحقق.ولا شك أن المغرب وهو يقرر في سنة 1969 إنشاء وزارة الثقافة ، كان يعي طبيعة الأدوار المنوطة بها والوظائف التي يمكن أن تؤديها.وإذا كان هذا الوعي قد تحكمت فيه آنذاك، طبيعة الأسئلة التي كانت مطروحة ، فإنه اليوم أصبح أكثر تركيبا وتعقيدا ؛مما ضاعف من أهمية حضور الثقافي في قلب الإشكالات التي يعرفها المغرب ، والتي تعد في جزء كبير منها إشكالات ثقافية.

وانتقل جمال بندحمان بعد ذلك إلى مناقشة مهمة وزارة الثقافة، اليوم ، والمتمثلة في تدبير الشأن الثقافي وتنوعه،وليس الدفاع عن مشروع فئة أو مجموعة معينة، أوتكريس أسماء بعينها،.كما ركز على عدد من المؤشرات الكمية والنوعية التي تبين أن وزارة الثقافة التي لا تمتلك تصورا استراتيجيا،ولا تعمل على تكريس الحاجات الثقافية المجتمعية، وتتبنى مفهوما عائما للثقافة، كما قدم مجموعة من الملاحظات المبرزة لتلك الإختلالات حول النشر ومعاييره ومسألة الشفافية (الإعلان عن إلغاء جائزة المغرب دون تقديم تعليلات)، ومعايير تحديد عضوية اللجن المحكمة ...

واقترح جمال بندحمال في نهاية ورقته بعض المداخل لتجاوزهذه الاختلالات منها مدخل الشفافية التي تتطلب إطلاع المغاربة على مقومات التدبير الثقافي للوزارة ؛ومدخل الإشراك بتجاوز صيغة تعيين أعضاء اللجن إلى صيغة انتدابهم من قبل الهيآت المعنية بالشأن الثقافي، ثم المشاركة من خلال انخراط هذه الهيات في متابعة عمل وزارة الثقافة ورصد مدى التزامها بالتدبير المبني على أسس الشفافية والحكامة والموضوعية .



وفي ورقة شعيب حليفي ، تحدث عن التدبير الثقافي لوزارة الثقافة المغربية ،الذي لا يستند على قواعد تصون الأخلاق والمبادئ والقيم ، ولا تملك مرجعية قادرة على تشجيع الثراء والتنوع الثقافيين ودعم المبادرات المحققة للتواصل والحرية .وان من حق أي مواطن مغربي الاستفادة ثقافيا من خدمات وزارة الثقافة ، وبالتالي من حق المثقفين المغاربة ، بالداخل والخارج ، أن يُحسوا بوجود جهاز ثقافي رسمي حقيقي له مهام حقيقية تخدم الثقافة المغربية في كل تنوعاتها وتتعامل مع الكتاب والمبدعين كأصوات مسموعة وفاعلة ، وليس شيئا آخر تلجأ إليه.

وأضاف قائلا : إن قناعتنا تترسخ يوما بعد يوم بأن الحكومة عموما وضمنها بنيقة وزارة الثقافة تفتقر إلى سياسة ثقافية أو رؤية واضحة وتكتفي بانتهاج سياسة "العطف" على المقربين منها، من أفراد وجمعيات ممن يحمون هشاشتها مما أوجد فجوة بين ثقافات المغرب ومثقفيه من جهة وبين الوزارة الوصية .فهناك سلوكات ومؤشرات في تعاملات الوزارة مع الثقافة المغربية يطبعها التحقير والتهميش والإقصاء وتفشي الزبونية والمحسوبية والكيل بأكثر من مكيال في الأنشطة الثقافية والنشر وتشكيل اللجان والجوائز .

ووصف شعيب حليفي عمل وزارة الثقافة اليوم هو أشبه بعمل جمعية من "جمعياتهم"،لها قوانينها السرية والعلنية ولائحة المنخرطين السريين والعلنيين . والأكيد أن هذه الوزارة الجمعية غير معنية بما نقول وبما نفعل أو نكتب..فإننا نحن أيضا نؤكد على المؤكد أننا غير معنيين بما تفعله وزارة الثقافة ولا تعنينا أنشطتها ولا كل برامجها وندعو كافة إخوتنا من الكتاب المغاربة في مجموع المغرب أفرادا ومؤسسات ثقافية أن يقاطعوا هذا العبث ونبقى في قواعدنا وبإمكانياتنا نعمل ونؤسس لثقافة مغربية نبيلة تخدم قضايانا العادلة بعيدا عن التدجين الثقافي وكل الأمراض التي تولدت جرَّاء هذا العبث ، في حالة ما لم تغير الوزارة خط السير الذي تنهجه.

ووجه في ختام كلمته الدعوة إلى " إخواننا في اتحاد كتاب المغرب وفي كافة الفروع إلى القطع مع تلك الشراكة الملتبسة مع الوزارة ، والتي تجعل من مؤسسة مثل الإتحاد في صورة المستجدي والعاجز عن فعل إي شيء دون وصاية "منهم".

ورقة رشيد الإدريسي استهلَّ فيها الحديث عن طبيعة النقد بالمغرب والذي هوسلطة، لكنه في واقعنا المغربي غالبا ما يحاكي السلطة السياسية، فتنتقل إليه كل أمراض هذه الأخيرة من تكريس لأسماء بعينها دون غيرها، نقد يعتمد على القرابة السياسية، نقد يتحول أحيانا إلى ديكتاتورية تبقي على أسماء متربعة على "كرسي الإبداع" إلى أن تفارق الحياة، كرجل السياسة الذي يمكث في الحزب أو المنصب إلى آخر رمق. تبعات هذا السلوك نعرفها على مستوى السياسة، أما على مستوى الأدب فتترجم إلى تفقير للساحة الثقافية، وتسطيح للإبداع وإشاعة الإحباط الناتج عن عدم تشجيع الطاقات الواعدة ووأدها في المهد. بتعبير آخر نقول بأن النقد لدينا يتحول بفعل هذه الخصائص إلى نقد "الكبار" للـ "الكبار" أما "الصغار" فمصير الكثير منهم الوقوف في منتصف الطريق.

هذا النقد هو في أغلب الحالات، نقد تمجيدي؛ ولذلك فنادرا ما تجده يستجيب لمبدأ المفاضلة، ومحاولة التمييز بين الجيد والرديء. هذا النوع من النقد هو الذي يسهم في تكريس الظواهر السلبية في الكتابة الإبداعية. وتجاوزا لهذه الظواهر يلزم أن نمارس النقد أحيانا من خلال استعارة "الغربال"، بتعبير ميخائيل نعيمة؛ وهو أمر لا يلغي التحليل والتدقيق والتفكيك، بل قيمة الغربلة لا تظهر إلا بعد المرور بهذه المراحل.

كما تطرق رشيد إلى عدد من مظاهر التقصير في عمل وزارة الثقافة المغربية داعيا إلى المأسسة وضرورة تطوير البيئات التمكينية للثقافة المغربية ، وكل البنيات التحتية الأساسية، وضرورة دعم الكتاب بالشكل الذي يتوجه فيه الدعم إلى الكاتب عن طريق تقديم منح لكتاب ينتقون لإنجاز إبداعات وتأليف كتب نقدية وفكرية.

التدخل الأخير كان لعبد اللطيف محفوظ في موضوع النشر والتوزيع، وقد مهد لذلك بالإشارة إلى الوضع الاعتباري للكاتب الذي يبدو من وجهة نظر السلطة وحتى النخب السياسية مجرد منتج لتصورات تهم التمثلات العامة للعالم وأشكال الوجود المجرد، وليس فاعلا ومنتج أفكار من شأنها أن تساعد على رص البنيان الاجتماعي، وتخلق الأمن الثقافي الذي يعتبر سببا أساسيا في ضمان الأمن الاجتماعي. ومن ثمة يعامل الكاتب بالعطف الرخيص، الماثل تارة في وظائف صغيرة لحياة صغيرة، وتارة في جوائز هزيلة تتشكل لجنها في الغالب وفق منطق مختل لذلك تفرز من جهة كتبا فائزة لا تحظ بأي تأثير أو أثر حتى في مجالات تخصصها الدقيق، ومن جهة ثانية أضحت تخلق لدى الكتاب وهم يضحون بثمان نسخ شعور من يقبلون على صالات القمار، نظرا للمؤهلات المعرفية للجن ـ ينتخبها المزاج وأشياء أخرى ـ غالبا ما تبث في أعمال أكبر من مدركاتها، وأيضا لكون المسافة الزمنية لا تسمح حتى بقراءة تقييمية لكتاب واحد..

وانتقل بعد ذلك إلى توصيف وضع النشر والتوزيع بالمغرب مشيرا إلى أنه يجسد تتويجا للاختلالات البنيوية المرتبطة بالقطاع، وقد عالج ذلك انطلاقا من التمثيل للاختلال بالأشكال الثلاثة الممكنة، حيث ربط الشكل الأول بالتمويل الذاتي للكتاب مع الالتجاء إلى مؤسستي النشر المعروفتين سابريس وشوسبريس، علما أنهما لا يوزعان الكتاب المعرفي إلا بشروط أغلبها غير موضوعي. وفي حالة التوزيع فإن التكلفة تكون باهظة بالنسبة للمؤلف، كما أنهما تتعاملان مع الكتب بمنطق التعامل مع الصحف الشيء الذي يجعل الكتاب كأنه لم يوزع. ومن ثمة تكون المرجوعات هائلة، مع كونها في حالة مهينة، لا تصلح حتى للعرض في "الجوطيات"، وذكر محفوظ بحادث طحن شركة سابريس بدون وجه حق كتابين أثبتت طبعتيهما العربية أهميتهما المعرفية والتجارية، معتبرا ذلك الصنيع مؤشرا على الاستخفاف بالفكر والكتاب ومذكرا بالموقف السلبي لاتحاد الكتاب من الحادث، أما الشكل الثاني فيتمثل في الالتجاء إلى دور نشر معروفة أو فتية، والتي في حالة قبولها إنتاجات الكتاب، فإنها لا تسوق الكتاب إلا في أمكنة محدودة جدا وليس بكل المدن الرئيسة، وبعضها يكتفي بعرض الكتب بالمعارض العرضية التي تقام ببعض المدن.. وربط الشكل الثالث بانسداد الآفاق أمام الكاتب ويأسه من المؤسسات، وهو الشكل الأكثر حضورا خاصة بالنسبة للشباب، حيث يتحول الكاتب إلى ناشر وموزع, وهو أمر غير ممكن لذلك تظل الأعمال محدودة التداول, ولاحظ أن الأشكال الثلاثة تعكس أزمة واضحة واختلالا ملفتا، زمن أهم أسباب تدني البحث العلمي ونفور الكتاب من الكتابة، وأيضا سببا أساسيا في التجاء الكاتب المغربي إلى دور النشر العربية التي توزع له كتابه بشكل جيد وتعوضه وتقدره. لكن السلبي في هذا التوجه أن الكتاب المغربي لا يتوفر في المغرب إلا بنسبة محدودة جدا، وفي مكتبة واحدة أو مكتبتين بالرباط والبيضاء. ويشكل ذلك اختلالا لا يقل جسامة عن الاختلالات المذكورة السابقة. ثم انتقل في الأخير إلى تصور الشكل الذي تصبح معه الدولة منخرطة في دعم الكتاب وإنتاجه، وذات سياسة فعالة في تدبير الشأن الثقافي. وربطه بضرورة إحداث مؤسسة لتوزيع الكتاب المغربي تمول من قبلها وتتولى توزيعه حتى في الخارج، كما من اللازم أن تستحدث مكتبات على شاكلة المكتبة الوطنية في كل المدن المغربية وأن تزود بكل الإصدارات، وتقام بها قراءات وندوات، ملاحظا، في الأخير، أن هذا الصنيع وحده يضمن الازدهار للكتابة والقراءة، ويرتقي بالفكر والذوق الاجتماعي، ويجسد عمليا الثقافة بوصفها آلية للتنمية المستدامة..

في نهاية هذا اللقاء فُتح باب النقاش الذي شارك فيه العديد من المثقفين ومسؤولي هيآت ثقافية وطنية ومواطننين مهتمين بالشأن الثقافي،وقد خلصَ إلى ضرورة تأسيس إطار جديد ،(مرصد أو نقابة) وقد تشكلت لمتابعة هذا الموضوع لجنة تحضيرية ستعمل على الإعداد للقاء وطني والاتصال بكافة المثقفين والجمعيات والمنظمات الثقافية .

ليست هناك تعليقات: