الخميس، فبراير 25، 2010

قصـــة : الخــــــــــائـــــنــــــة

أنطوني ولسن

أستراليا


أنا متزوج.. زوجتي جميلة..كلها انوثة.. أحببتها منذ وقعت عيني عليها.. تقدمت لطلب يدها..وافقت الاسرة، تزوجتها وصرت أسعد انسان في الوجود.

هل السعادة تدوم؟!

لا أعرف، ظننت انها تدوم.. تمنيت الا يكون اليوم اربعة وعشرين ساعة، بل أطول بكثير، حتى استمتع بحياتي مع زوجتي الى لا انقضاء.

مرّ عام، اثنان، ثلاثة.. لا شيء يعكر علينا صفو السعادة والحياة. لم افكر ابدا في الاولاد. لا اريد آخر يشاركني حبى لزوجتي ولا تريد هي بدورها أحدا يشاركها حبها لي، ومع ذلك، بدأت اسرتها تتدخل في الاشياء الحميمة.

في الأول نصائح.. لا تأخذي حبوب منع الحمل، ما هو سبب عدم الانجاب؟ هل استشرتما الطبيب، وأشياء أخرى، انا في غنى عن ذكرها.

اخذوها دون استشارتي الى الأطباء، وجدوا ان لاعيب يمنعها من الحمل.. لم تفاتحني في الأمر. لم تشعرني بذهابها الى اي مكان، حسب مفهوم الزوجين المتحابين الوفيين. لم يجرؤ احد ان يلمح اليّ بشيء.

مرّت أعوام ثلاثة، بدأ التغير على زوجتي، بدأت تسألني:

- الا تتمنى ان يكون لدينا طفل، يؤنس وحدتنا ويملأ علينا البيت؟

لم أمانع.. لم أعترض، رغم حبي لزوجتي ونفوري من اي شريك يقاسمني الحب.

كم ضحكت عندما تحدّثت معي في هذا الشأن، فقلت لها:

- الليلة تحملين تسعة اشهر، وتلدين.

تجّهم وجهها. لم تنطق بحرف يثير مخاوفي. سألتها بلهفة:

- أليست رغبتك؟ اذن لماذا هذا الاكتئاب؟!

ترقرقت الدموع في عينيها، ونهضت الى النافذة..

- يبدو انك غير فاهم.. انا اريد ان أكون اما..

- تكونين أما؟.. ما الذي يمنع هذا!.. كل امرأة هي أم..

- إسمع يا صفوت..

«إسمع يا صفوت».. رنّت رنين قذيفة أطلقت من سهم أصاب أذني. لا استطيع السماع يا سناء، لا أستطيع. اعادت الكلام مرة ومرتين وأنا أطرش.. أطرش .. لماذا يا ربي؟ سعيد أنا في حياتي، لا أشعر بفراغ!! انها صالحة للأمومة.. وأنا للأبَّوة ليس العيب من أحد.

لم أذق طعم النوم، لا تلك الليلة ولا الليالي التي تلت، صرت عصبياً، لا احتمل رؤية الاطفال. لا استطيع التركيز على شيء. أهملت عملي. لا شيء يحتل تفكيري سوى الوهم لعدم صلاحيتي للبنين. أقوم بواجبي الجنسي ببراعة الرجل، فلماذا لا أكون صالحاً؟! هل العيب منها؟! لا أطلعتني على النتائج الطبية التي أجريت لها. طلبت مني أن استشير الأطباء ربما يشرق في ليلتنا قمر.. ربما العلم والطب طلعا علينا بالجديد.

اقتنعت بضرورة الذهاب الى اخصائي. عرضت نفسي عليه. اجرى لي الفحوص بكل دقة وشمول. ثم قال لي:

- النتيجة غدا يا صاح.

وزاد عذابي. لم اعد أُطيق عملي. لم أعد أحب بيتي .. ماذا لو ظهرت النتيجة وعكس المراد، والعيب مني؟ كيف اواجه زوجتي؟ كيف اواجه الحياة؟ ماذا لو طلبت مني الطلاق؟ وهذا حقها علي؟ لا طلاق عندنا إلا لعلة الزنا.. الا لعلة العجز عن الانجاب. هذا ماافهم عن الطلاق.

مرَّ أسبوع، وأنا على هذه الحال.

ذات صباح شعرت بكسل وتراخ، لم أذهب الى العمل. زوجتي في المطبخ وأنا في الفراش. دقَّ جرس الهاتف. رفعت السماعة، رفعت زوجتي في المطبخ السماعة الثانية.. لم تشعر بأنني على الطرف الآخر سمعت صوت رجل. بعد صباح الخير سمعتها تقول له «أنا في المنزل، لم أذهب الى العمل ، وزوجي لم يذهب الى العمل اليوم» رد عليها.

- سأتصل بك.

اسودت الدنيا في وجهي. لم أعد ارى.

ظلام، ظلام.. زوجتي على علاقة برجل آخر؟ ماذا أفعل؟ أنهض من فراشي وأقتلها؟! إني احبها.. هل هو عجزي عن الانجاب، جعلها تتعرف برجل آخر؟

مستحيل.. أنا أعرفها جيداً ليست من هذا الصنف من النساء.. يا إلهي ماذا أفعل؟!!

ما زالت حيث هي.. ومازلت في عذابي حيث أنا..

واتخذت القرار. قمت من فراشي.. ارتديت ملابسي.. خرجت خفية على رؤوس أصابعي..

استأجرت غرفة باحدى اللوكاندات بحي «كلوت بك» كان بامكاني الذهاب الى أحسن فنادق القاهرة.. انا غني..كل ما كان يدور في ذهني، أنني انسان وضيع حقير لا استحق الغنى الذي انا فيه، لا استحق الحياة.

وحدي، لا أفيق إلا لأسكر ..السيجارة مؤنسي .. الكأس سميري .. لا أفيق الا لأسكر من جديد.. انتابتني حالة من الهستيريا الصامته، أفكر وأفكر.. لا شيء غير هذا الضياع.. ساكن ساكت. لا ابارح غرفتي.. لا أغير ملابسي، حتى شك في صاحب اللوكنده، وفراشها.. لم أهتم بهما.. لم أكن أشعر بما يدور حولي.. غبت عن الواقع، خارج الزمن.

ذات مساء، جاءني الفرَّاش يسألني عن حالي. أخذ يلقي النكتة تلو الأخرى وهو يقهقه. وأنا فاغر فمي، لا أعي شيئاً مما يقول. ولما ييئس مني، قال كلمته الأخيرة:

- سعادة البيك.. كفاك سجنا.. مهما كانت ظروفك، أخرج الى الدنيا.. أخرج لربما حلّ الله عقدتك..

- يا جاهل.. كيف يحلّ الله عقدتي.. وانا زوج لإمرأة خائنة؟!! إمرأة أحببتها من كل قلبي، وخانتني لشيء لست ادريه.

ومع ذلك خرجت أترنَّح، أتسكَّع في جوار كلوت بك، اذ بي اجدني امام كنيسة الحي الوضيع، حي البغاء والاجرام. عجبت.. كيف؟ من المستحيل وجود كنيسة في هذا المكان.!

وقفت فترة، متأملا الكنيسة في ذهول، وزادتني ذهول، الاضاءة في الداخل، وسمعت صوت ترانيم التسابيح والصلاة..

تساءلت ان كان اليوم، هو الأحد.. أعرف ان الكنيسة تفتح للقداس عند الصباح.. لكنه المساء.. آه اني سكران.. اليوم ليس الأحد.

مرّ علي قوم في طريقهم الى الكنيسة. هممت أسأل أحدهم، لكني تراجعت. لا أعرف كيف أبدو.. خشيت من رائحة الخمر التي تفوح من فمي.

استدرت مكاني، شعرت بشيء يجذبني الى هذا الرجل، شيء جعلني أفيق من سكري.. لحيته البيضاء، جلبابه الابيض، وجهه الضاحك، عيناه المشعتَّان بالمحبة والصفاء، يداه الممدودتان الي كيديّ صديق بعد طول غياب..

صافحني بحرارة مرحباً وسألني:

- لديك وقت؟

لم أجبه، لا قيمة للوقت عندي.. استمرّ في الحديث.

- تعال، اسمع كلمة الرب، صلِّ معنا صلاة العشية يا بني.

صلاة العشية؟! اليوم ليس الاحد. والكنيسة تفتح أبوابها مساء للصلاة، لسماع كلمة الرب. اين هو الرب؟ لماذا اختارني انا دون الآخرين، لأمرّ بهذه التجربة!؟

ظهرت أمامي صورة «سناء» لم استطع النظر اليها.. وضعت يدي فوق عيني، حتى لا اراها.. إنّ من أحبها تخونني.. يتصل بها عشيقها اثناء غيابي عن البيت.. وقد يأتي اليها في البيت..!

شعر الرجل بما انا فيه، فأمسك بذراعي وشجعني على الدخول معه. لا افهم ما يدور حولي. أنا مسيحي. لكني لم أدخل الكنيسة الا يوم زواجي وفي بعض المناسبات، لا اعرف الطقوس..

وقف الكاهن يلقي عظته. لم أفهم شيئاً، لكن التقطت اذني هذه الآية.. «وخفاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع..»

ما هذا؟! الله لا يريد ان يرى وجوهنا ولا يستمع الينا؟! خطايانا تحجب وجهه عنا فلا يسمعنا؟ّ خطايانا.. خطايانا؟!!

أنا انسان لا اله. لم استطع النظر الى صورة «سناء» التي تمثلت لعيني وأنا عند الباب.

أحبها أحبها، لكنها خائنة.. لا تستحق حبي، لم أحتمل استحضار وجهها فأغمضت عيني بيدي وغبت عن الوجود.

افقت من غيبوبتي على صوت الكاهن وهو يقول ضمن عظته:

«ان كانت خطاياكم حمراء كالقرمز، تبيضّ كالثلج...»

الله لا يحب الخطأة، انا لاأحب هذه الخائنة. الخيانة خطيئة. أستغفر الله، من أكون أنا حتى أُقارن نفسي بالله؟ الرب يطلب منا أن نتحاجي معه. نلجأ اليه نطلب منه العفو، وليغفر لنا.. «ان كانت حمراء كالقرمز تبيض كالثلج».

سامحني يا الهي، أنا لا استطيع أن افعل هذا، لو تحاجَّت معي «سناء» أغفر لها. أنت الاله الرحيم، أما انا، فإنسان لا يستطيع أن يغفر. خلقتنا وأنت عارف ضعفنا. تزوجتها ولم يخطر ببالي أنها تخونني. مستحيل.. أعطيتها حبي، قلبي، مالي، شبابي.. وتخونني؟..

لا.. لا.. هذا كثير، لو رأيتها لقتلتها.. لشربت دمها.. لغسلت العار الذي لطخ سمعتي.

غافلٍ عن نفسي، لم ادرِ ان الكاهن قد انهى عظته، لم أتبين ان الصلاة قد انتهت، ولم ار المصلين وهم على أهبة الخروج..

رفعت عيني، رأيت الرجل المسن واقفاً بوقار كأنه يحترم ما يدور في خلدي من هواجس، واغرورقت عيناي بالدموع، أمسكت بتلابيب جلبابه.. صرخت قائلاً:

- لماذا يا رب تضعني في هذه التجربة؟.. لماذا؟

ربت على رأسي بحنان ولم يتكلم حتى هدأت أعصابي وأرتحت..

بدأ يحدثني في الدين حديثاً عذباً، لم اسمعه من قبل، لم يسألني عما بي. عندما هدأ غلياني، سألني بأدب إن كنت لا أمانع في الذهاب معه الى منزله.

لم أقل شيئا، أمسك بذراعي ونهضت متكئا عليه.. وخرجنا معاً..

قصصت عليه قصتي، لم أُخف شيئاً عنه. استمع الي بإمعان. لم يُعلق على شيء، نهض وأحضر الكتاب المقدس واخذ يقرأ الاصحاح الثالث عشر من رسالة بولس الرسول الاولى الى أهل كورنثوس.

يتحدث عن المحبة. وأنا أحبها.. لكن الاصحاح، لم يتحدث عن الخيانةّ إنها خائنة.. فماذا يفيد حبي لخائنة؟!

انتهى من قراءته، طلب ان نصليِّ معاً، لم اسمع، لم ار في حياتي انساناً يصلي هكذا. صلاته من نوع غريب.. يصلي الى الله لا يتضرع بخوف بل بثقة التقي غير القادر، الى القادر العظيم، وصلاته صلاة الواثق بالاستجابة للدعاء.

أ إلى هذا الحد ايمانك يا رجل ؟ لم أفكر في خيانة زوجتي. لم أشعر بتأثير الخمر علي. كنت مُصغياً الى كل كلمة خرجت ليس من فمه بل ومن قلبه معاً.. هذا القلب الملئ بالايمان الذي لا يشوبه شر..

أنهى صلاته، نظر اليّ، طلب مني الاتصال بزوجتي إنها لا شك قلقة عليّ. لم أعترض.. لم أتردد.. لم أفكر في خيانتها لي، حلَّ سلام في قلبي..

نهضت الى الهاتف، اتصلت بها.. وكم كانت لهفتها إليّ!

عدت الى المنزل تلك الليلة.. أخبرتني بكل شيء. صارحتني بأنها أتصلت بالطبيب وطلبت منه الا يخبرني بنتيجة الفحوص لئلا يجرح شعوري. أفهمتني أنني بحاجة الى عملية جراحية بسيطة، بعدها أصير انسانا عاديا، زوجاً وأباً..

تمت المعجزة.. صار عندنا ثلاثة أولاد وابنة. تضاعف حبي لزوجتي. ولم يكن الاطفال يوما سبباً في الابتعاد عني والاهتمام بهم. بل كنا جميعاً نشترك في حب واحد.. حبي لها.. وحبها لي..

(تمت)

ليست هناك تعليقات: