الاثنين، سبتمبر 07، 2009

صوت وصدى: قراءة في ديوان (صوت بلا صدى)

قراءة: د. وليد جاسم الزبيدي
لم تحركني أو تهيج مشاعري دواوين الشاعر سعيد الزبيدي الأولى،ولم تجعلني أمسك القلم لأكتب عنه وعنها،مثلما أفعل الآن،في ديوانه الأخير (صوت بلا صدى)، الصادر عن دار كنوز للمعرفة العلمية في الأردن، من القطع المتوسط، وبـ(86) صفحة،باخراج وتصميم جميل، وقد حمل الغلاف الأخير للديوان صورة الشاعر مع شاعر العرب الأكبر الجواهري العظيم، التي التقطت في 22 شباط 1980م، في زيارة الأخير لجامعة الموصل وقصيدته العصماء فيها (أم الربيعين يامن فقت ثالثها..).
أختطّ الشاعرُ لنفسه منهجاً خاصّا به، تبنى مشاعره واحاسيسه، ليخرج من جلباب الأكاديمي، ودرس النحو الذي يسطر قوالبا ومنحى بؤدي الى الجمود والركود في بعض الأحيان، وهكذا وجد في الشعر الساحة الرحيبة لملاقحة الوجدان والعواطف بعقلية النحوي الذي احتكم بدرس سيبويه والمخزومي.
لقد كان الصوت القادم ، صوت غربة وحزن وحنين، الى كل ذكرى وصديق وبقايا مدينة، وبقايا زمن يحمل عطر اقرانه وعشقه. كان صوت المطارات والقطارات وكل وسائل النقل الحديثة، كان صوت البحر، وصوت هديل الحمام، وصوت السفارات، ورجال الجوازات والكمارك، صوت من يسخر ومن يمزح، ومن ينكأ جرحا..
تبنّى الشاعر في منهجه في كتابة واخراج دواوينه، الإفتتاح بالتقديم، فكانت مقدمة الدكتور عبد العزيز المقالح، من اليمن الشقيق، في ديوانه( وأرى العمر يضيىء)، حيث كانت نفحة الأمل من الدكتور المقالح في تغيير كلمة( بحترق) التي وضعها الشاعرنفسه في العنوان( وأرى العمر يحترق)، فكان للمقالح وجهة نظر وفلسفة تختلف عن فلسفة الشاعر فأشار بأن يكون العنوان هكذا، وبعدها كانت مقدمة الدكتور علي عباس علوان،(الناقد العراقي المعروف)، في ديوانه ( أفق يمتد)، ومقدمة الدكتور محمد المدني، من مصر الشقيقة، في ديوانه (على رصيف الغربة)، وفي ديوانه الأخير كانت مقدمة الدكتور ثابت الآلوسي، أستاذ التقد والأكاديمي العراقي المعروف.
ضمّ الديوان (صوت لا صدى)، أربعين نصّاً، توزّع بين القصيدة العمودية المزخرفة ببحور الخليل، وقصيدة التفعيلة الحرة المعطرة بأنفاس السياب والملائكة. فكانت (13) قصيدة عمودية، و( 27) قصيدة تفعيلة. لقد سمغت قديما من أصدقاء الشاعر، ان سعيدا هو شاعر مناسبة، أو شاعر قصيدة المناسبة، ممن كانوا يتابعون ويقرأون شعره، واليوم يكرّرها الدكتور ثابت الآلوسي، حيث يشير الى أن معظم القصائد هي قصائد مناسبة. وأردت الوقوف عند هذه النقطة، قد تكون لدى البعض انها (سُبّة)، وأريد أن أسأل، لا أدري هل أن قصيدة المناسبة هي سبة أو شنار، أو هي عيبٌ من عيوب الشعر العربي؟؟، فلو تصفّحنا الشعر العربي قديمه وحديثة، هل تجد قصيدةً بلا مناسبة، بل أن أشهر قلائد العرب من الشعر هي قصائد المناسبة، في موقعة أو نصر أو تنصيب، أو ولادة، أو رئاء، أو....!!!
فالشاعرُ احساس ومشاعر، وهو مرآة تعكس البيئة، مرآة لكل اختلاف وانقسام، وائتلاف، ونحن نعلمُ ، أن العرب ، هم قوم المناسبات، وأرضنا وبحرنا وسماؤنا، مشحونة جميعها بالمناسبات، وما من شعب اهتم بتاريخه واحداثه ومناسباته مثل الشعب العربي.
ولكن لنتأمل مناسبات الشاعر، فهي ليست مناسبات وطنية أو قومية أو دينية، ...، كالتي يحتفي بها الجميع، فمناسبات الشاعر هي مناسبات : الغربة، والرحيل، والدموع، ورنّة هاتف، مناسباتٌ تفوح بعطر الماضي على ايقاع ( قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍومنزلِ..) نحو حاضرٍ يمتزجُ بلوعةٍ فيصدح( أزح عن صدركَ الزّبدا..)...
نجد في قصائد الديوان نسيجا والوانا، كل نص يختلف وجهةً وعطرا عن سابقه، بالرغم مما تلاحظه من تاريخ كتابة النص حيث يصر الشاعر على كتابة تأريخ القصيدة، فتجد قصائد عدة في تواريخ متقاربة، لكنها مختلفة في الصور والبحور والفن، وهذه تسجل للشاعر، فشعراء كثيرون، حينما يكتبون قصائد في فترات وأيام متقاربة لا يستطيعون ان يتخلصوا من البحر الذي كُتبت فيه القصيدة بل يكرروا بعض الألفاظ والمفردات وأحيانا الصور..وهكذا نجد في الديوان نغمات وأنّات مختلفة تصل حد النواح، أنه ناي يعزف في ليل الغربة، ينتظر رجوع الصّدى.
والآن نتصفحُ الديوان فنقرأ:
1- أخا النّقد: (ص: 13): وهي قصيدة عمودية، تشم رائحة النحو فيها، ويكاد فيها أن يصالح بين النحو والشعر والنقد.وأعتقد أنها مغازلة للناقد صاحب مقدمة الديوان.
2- يده يد: (ص: 15): وهي من شعر التفعيلة، مهداة الى د. محمود السليمي.
3- الصّدمة: (ص:19): وهي في الشعر العمودي، في رثاء د. علاّل الغازي، من المغرب الشقيق، وتحيلك هذه القصيدة الى روحية المتنبي في قصيدته ( كفى بك داءاً ان ترى الموت شافيا..).
4- وعي الصّدمة: (ص: 19): وهي في أربعينية الدكتور علاّل، حيث تلتقي غربته بغربة المرثي، الغربة والموت وجهان لعملة واحدة لدى الشاعر. فالرثاء للموتى هو رثاء المغترب ورثاء الغربة.
5- شوط الدّم: (ص: 22): وهي من الشعر الحر، من وحي تفجير شارع المتنبي، حيث يستحضر الشاعر رموزالمتنبي وأدواته، ويشخصنها، ويستحضر روح فاتك، حيث يأت فاتك مجددا( فاتك الجديد) ليقتل المتنبي مرة أخرى!!
6- نهي: (ص: 24): من الشعر الحر، وهي وجدانية معبرة عن الأيام الخوالي.
7- أدرْ حديثك: (ص: 26): قصيدة عمودية، وفيها من الحنين الأندلسي، حيث حنين شعراء الأندلس العرب الى الصحراء والأطلال، فهو يحن للنخلة والجيران، والخان، والمقاهي، والنهر، حنين للزمان والمكان .
8- كالنيل صورته: (ص:27): قصيدة عمودية، مهداة الى ابن النيل، د. محمد ابراهيم المدني، تشع أملاً وأضافت لها القافية وحرف الروي فيها جمالا في حرف النون.
9- قد أتقن القراءة: (ص: 29): من الشعر الحر:وهي قصيدة استعراض حافظة وذاكرة الشاعر وما تعلمه وأتقنه في لعبةالحرف واللغة فكأنه يحفر في صخر.
10-حديث أمّي: (ص:31) : قصيدة عمودية، وفيها صوت الجواهري الكبير، وأصداء قصيدته: ( فداء لمثواك من مضجعِ..) في رئاء الإمام الحسين –عليه السلام-، وفي القصيدة صور قرآنية، من سورة يوسف.
11-ذلك الجسر: (ص: 33)، من الشعر الحر، مهداة الى جسر الصرافية، حيث محطات الذكرى والشباب ومسير العشاق وحاضر نازف بالدم لهذا الجسر الذي يمثّل ذاكرة الناس.
12- الفرحة الكبرى: (ص: 35): مهداة الى مجهول، وفيها صوت الجواهري، والنبرة الجواهرية.
13-بائع العطر: (ص: 37): من الشعر العمودي، وهي نفثات محزون.
14- هل: (ص: 38): من الشعر الحر، وفيها الصوت الرصاص والموت.
15- بائع الجواز: (ص:40): من الشعر الحر، وهي قصيدة افلتزام زالوطن وصورة الإنتماء.
16-أزح: (ص: 41): من الشعر العمودي، وفيها عطر الشاعر الكبير الجواهري، في قصيدته( أزح عن صدرك الزّبدا..).
17- قلم الرّصاص: (ص: 42 ):من الشعر الحر، وفيها الحنين الى الطفولة وعشق قلم الرصاص الذي يعني الحنين الى أولى الخطى في رسم الحرف.
18-هل تبكي المدن: (ص: 44)وهي من الشعر الحر، مهداة الى المدينة التي ضمّدت جراحه (مسقط)، فقد كان في الشعر العباسي فن وغرض رثاء المدن، التي تدمرها الحروب، أما الشاعر في قصيدته هذه يؤسس لمدن معافاة.
19-الأربعاء الأسود: (ص: 46): وهي من الشعر الحر،وهي مهداة الى سامراء في التفجير الثاني للقبة.
20-الموجة الأخيرة: (ص: 48): من الشعر الحر، في وداع الشاعرة نازك الملائكة، وقد استحضر دواوينها وأول قصيدة عُدّت من الشعر الحر( الكوليرا)، ورادتها في الشعر الحر.
21-مهر الكلمة: (ص: 50): من الشعر الحر، مهداة الى الشاعر الشعبي العراقي رحيم المالكي، وهي رثائية.
22-الكوكب الحادي عشر: (ص: 52): وهي من الشعر الحر، ونلاحظ عمق تأثير سورة يوسف في ذات الشعر، وربطت مدلولاتها في صوره، وهي حال من تعبير الرؤيا، وما فعله أخوة يوسف بأخيهم، وهي مهداة الى المنتخب العراقي في فوزه ببطولة كأس آسيا.
23- عصر العولمة: (ص: 53):من الشعر الحر، هجوم ونقد لعصر العولمة ولكل السلبيات التي جاءت بها العولمة للمجتمعات، وفيها همز ولمز.تعكس وتنعكس، وتتقعر وتتحودب، الصورةُ، بعدسات مختلفة متباينة الرؤى.
24-رفيق الكلمة: (ص: 55): من الشعر الحر، مهداة للمبدع الرحبي.
25- أقبل العيد: (ص: 56):من الشعر الحر،ومنها صورة المتنبي، وصوته، في قصيدته المعروفة(عيد بأة حال عدت ياعيد"وصورة كافور حيث استخدم مفردة (كويفير) للتصغير والتحقيرواستخدم صيغة الجمع (الكوافير) حيث لم يكن كافور واحد في العالم بل تعدّدت (الكوافير) وتعدّدت المسميات والدكتاتوريات، والظلاميون.
26- هل ليلةٌ أخرى: (ص: 58): من الشعر الحر، مهداة الى العام 2008م، وفيها أمل وصور لوفيقة والسياب وشهريار وشهرزاد ونبوءة يوسف.
27-اتصال هاتفي : (ص: 60): من الشعر الحر، مهداة الى كل من يتابع أخبار حارته بالهاتف.
28- اتصال آخر: (ص :62): من الشعر الحر، يوميات ووجدانيات.
29-السور الأخير: (ص: 64): من الشعر الحر.ألم الغربة حيث يتخذ من جواز السفر رمزا وسورا ..
30- الجمرة الحانية: (ص: 66) من الشعر الحر مهداة للشاعر عدنان الصائغ.
31-مُدّ لنا يدا: (ص: 68): من الشعر الحر، وه مهداة الى الشاعر محمود البريكان، وفيها صوت الجواهري،(ذئبٌ ترصّدني..)، وفيها صور بصرية وشخصيات مثل الفراهيدي وواصل بن عطاء والموانيىء..
32- مهراً لعينيك: (ص: 70): من الشعر العمودي. مهداة الى الدكتور محمود السليمي.
33- صوت بلا صدى: (ص: 72):من الشعر الحر ، وجاء منها عنوان الديوان، وفيها صور قرآنية( لا تخلع نعليك..)،ووصف لحاله ومعاناته وإشارة الى عمره( وورائي الستون العجلى تجري..)..
34-وجه: (ص: 74): من الشعر الحر.
35- هدية ميلاد: (ص: 76): من الشعر العمودي، وهي مهداة الى ابنتيه نور وهدى بمناسبة عيد الميلاد.
36-من أرج البردة: (ص: 77): من الشعر العمودي، مهداة الى المولد النبوي الشريف.
37- لو كان .. ما كان: ( ص: 79): من الشعر الحر: وهي في ذكرى 942003 صورة لواقع العراق الجديد، وأسئلة للعرب.
38- من عام 2008 إلى العام 2009: (ص: 81) من الشعر العمودي، ..
39- بعض صيت: (ص: 83) من الشعر الحر، وهو بعض من ألإرث الذي خلّفه لولده.
40- مفردات كربلائية: (ص: 85) : من الشعر الحر وهي طقوس الحزن العراقي في أيام عاشوراء كربلاء..
في قصائد الديوان التي استعرضناها سريعا، يظهر صوت الشاعر، والتزامه بحرفية، النحوي، بقوة اللفظ، وجفاف في المعنى، في بعض القصائد العمودية، وهي قصائد منبر تعتمد الصوت والإلقاء ومدى تلقيها في أذن المتلقي. أما قصائد التفعيلة فينطلق فيها الشاعرُ في بث الروح والصور المختلفة، عبر أوزان وبحور وقواف تتلون بألوان الموقف والمناسبة.
لقد جاء هذا الديوان مخلتفا نوعا وفكرا وفناً ، فقد جاء (صوتٌ) وله ( صدى) في أرض بلاده وفي قلوب قارئيه ومحبيه...!!

ليست هناك تعليقات: