الأربعاء، يوليو 29، 2009

أتيت وحيدا / د. نوري الوائلي

د. نوري الوائلي

إلهي إلهي اليكَ الدعاء = إلهي إلهي فأنتَ الرجاء ْ
إلهي فذنبي كبيرٌ عظيم = ويطوي بنفسي دروبَ الشقاء ْ
فضاقت عليَّ وإنّي خجول = بأيِّ الوجوه ِ أنادي السّماء ْ
تُراني عصيتُ الأله َالحليم = ففاقتْ ذنوبي نجومَ الفضاء ْ
فتعساً لنفسي ونفسي شقاء = بيوم عصيتُ وقلبي جفاء ْ
فربي لطيفٌ رحيم ٌودود = حليمٌ غفورٌ سخيُّ العطاء ْ
وأني بخيلٌ يؤوسٌ عجول = فقيرٌ ظلومٌ رديفُ الفناء ْ
فمن لي إلهي ودربي عسير = وحملي ثقيلٌ وكدِّي عناء ْ
فأنتَ مُناي وأنتَ المراد = وأنتَ لروحي صفاء ُ الصفاء ْ
عطاؤك ربّي عظيمُ العطاء = قليلٌ فداه ُ بحورُ الدماء ْ
وشكري لجودك ربّي ضئيل = فجودك كونٌ يفوقُ الثناء ْ
وعشتُ الحياةَ بحفظ ِ اللّطيف = فحولي نباحٌ وخلفي عواء ْ
خجولٌ إلهي بزهو الشباب = خجولٌ وشيبي علاهُ الحَياء ْ
عجيبٌ بظلم ٍأزيدُ البناء = وأنسى لغيري يؤولُ البناء ْ
فما قيمةُ الذنبِ يومَ الحساب = لعفو ٍ يفوقُ حدودَ السّخاء ْ
فلمْ أعص ِربّي بقصد ٍ يراد = ولمْ أنو يوما تحدّي السّماء ْ
أفيقُ الصّباحَ بفضل ِالجليل = وأجري لرزقي ببحر ِ العناء ْ
أعودُ المساء َ بكتف ٍثقيل = عليه الذنوب كثقل المساء ْْ
فذنبي بجهل ٍ سقاه الجموح = ووسواسُ نفس ٍ تُجيدُ الدّهاء ْ
فيارب ِّ فارحم فؤادا أتاك = يجيبُ النداء َ وروحي فداء ْ
خجولٌ إلهي ودمعي بحار = لفضلك أنّي كزرع ٍ وماء ْ
بدونَ السؤال بدونَ الدعاء = تجودُ دواماً برغم الكفاء ْ
عتبتَ إذا قلَّ منَّا الدعاء = لأنـّا بوهم ٍ بلغنا الثراء ْ
فكلُّ الوجود ِ إليك فقير = ويبقى لعجز ٍ رهينَ القضاء ْ
إلهي فأنتَ السميعُ القريب = وأنتَ المجيبُ مغيثُ النداء ْ
لعمري فعمري يضيعُ هباء = وحلمي الكبيرُ غدا للرّثاء ْ
إلهي إذا جاء َ يومُ اللقاء = أتيتُ وحيداً وحالي بُكاء ْ
أتيتُ وحيدا ً لكون ٍ جديد = فموتي ابتداء ٌ وقبري رداء ْ
فأهلي ومالي وكلُّ الحياة = تزولُ وأمضي لدار ِ البقاء ْ
سأخسرُ نفسي وأهلي سواء = فياصبرَ نفسي ليوم ِ البلاء ْ
وداعا ًبقلب ٍ جريح ٍحزين = فلذةَ عمري وأهلَ الوفاء ْ
فيا ساعة َ العسر يوم َالرّحيل = فكوني سلاما وخيرَ ابتداء ْ
سأتركُ أهلي وضحكَ الرّضيعِ = وحلمي وداري ورحمي وراء ْ
سأمضي لرب ٍّ رحيم ٍ غفور = بذنب ٍ وجهل ٍ وسوء ِ الخفاء ْ
عزائي بأنَّ إلهي حليم = يُزيحُ الذنوبَ, سريعُ الرّضاء ْ
وفائي إليه ِ برغمَ الذنوب = يشدُّ بأزري بيومَ اللـّقاء ْ

زفة العروس ـ 3/ أنطوني ولسن

انطوني ولسن

استراليا


لم يذق عارف الطعام ولم يعرف النوم لعيونه طريقا، ولا الراحة لنفسه منذ خرجت نعيمة في تلك الحالة الجنونية بعدما اخبرها بنبأ القبض على السارق ليلة «زفة العروس».

أما شلبية فقد كانت تجلس وتُحدِّث نفسها كثيرا متسائلة عن الذي حدث لنعيمة.. انها تغيرت كثيرا، صارت قلقة غير راضية عن عملها، تحلم بالزوج والاولاد، تتكلم عن اشياء لا تفهمها شلبية. إن شلبية تحب حياة البساطة، كل همها اليومي، تنظيف المنزل واعداد الطعام. ما هو المنزل التي تنظفه فهذا ليس في فكرها ولا تحاول ان تعرف ماذا يكون عليه المنزل ومفروشاته واثاثاته. والطعام عندها هو ما يملأ «البطن»، وما تستطيع ان تشتريه بالقروش القليلة التي يكتسبها ثلاثتهم من مهنتهم هذه.

لذا كانت تجد في تمرّد نعيمة على هذه «العيشة» تبطراً لا يرضاه الله. وكثيرا ما كانت تبتعد عن نعيمة وتختلق الاعذار. عندما تبدأ الاخيرة في «التخريف» كما كان يحلو لها ان تقول عنها.

أما بعد ان خرجت نعيمة ولم تعد.. فهذا امر محيّر.. لا تعرف إن كانت نعيمة حقاً تعرف السارق النصراني هذا.. وكيف لها ان تعرفه وهما دائماً معاً لا تفارق احداهما الأخرى الا لبضع ثوان او دقائق ولا تظنُّ انها كفيلة بتكوين علاقة مع اي انسان آخر؟

وعندما يصل تفكيرها عند هذا الحدّ، كانت تهزُّ رأسها دون ان تعي وتُحدث نفسها.. لا.. لا يمكن.. انا اعرفها جيدا. انها تحبُّ عارف.. نعم على الرغم انها لم تبح لها بذلك الا انها كانت تلحظ ذلك في نظراتها الحالمة عندما كانت تنظر اليها. وعارف شقيقها ضائع.. مهنته ليست المهنة التي تسمح بتحمُّل مسؤولية زواج واولاد.. ولا يمكنه ان يعمل عملا آخر غيره.. لأنه لم يحاول ابدا ولا تظنُّ انه يصلح لمهنة غير مهنته هذه. لم تحاول شلبية ابدا الاقتراب من شقيقها عارف لتتحدَّث معه في امر نعيمة.. انه حزين.. حيران قليل الحيلة.. لا يعرف ماذا يفعل.. بل خروج نعيمة، شل حركته وتفكيره وتركه على هذه الحالة اليائسة البائسة.

وسط هذا الصمت الذي لفَّهما، وبعد غروب شمس اليوم الثاني على خروج نعيمة وبداية اسدال ستار الظلام في المساء، سمع عارف طرقا خافتا على الباب.. نظر في اتجاه الباب للحظة، ثم عاد الى حيث ما كان عليه غارقا في افكاره.. سمعت شلبية ما سمعه عارف. لم تنظر الى الباب بل نظرت الى عارف الذي بادلها النظرة في نفس اللحظة.. تلاقت عيناهما.. اخفض كل منهما رأسه.. قفزا معاً من مكانهما.. جريا صوب الباب وتجمدت اقدامهما وايديهما. لم يستطيعا الحركة.. سمعا صوتا ضعيفا خافتا وكأنه صوت آت من اغوار قبر، يطلب من عارف ان يفتح الباب..

وفي لمح البصر، فتح عارف الباب فوجد امامه نعيمة على الارض رافعة يدها ووجهها المضرَّج بالدماء تنظر اليه. انحنى عليها وحملها ودخل بها الى حيث توجد «المكتبة» فمدَّدها عليها.

تسمرّت شلبية امام الباب، وفي داخلها صرخة محمومة مكتومة ارادت ان «تلطم» و»تولول» لم تستطع.. ارادت ان تفتح فمها وتسأل نعيمة عن الذي حدث لها.. ولكنها لم تستطع. اتجهت بنظرها الى حيث ترقد نعيمة فوق «الكنبة». فطلبت نعيمة من عارف ان يقترب برأسه الى فمها لتخبره شيئا. بعدها ادار عارف رأسه وصرخ في شلبية.

- اقفلي الباب بالمفتاح وضعي «الترباس» يا بت يا شلبية وتعالي هنا بسرعة.

بعد ان فعلت شلبية ما امرها به عارف، اتجَّهت ناحية نعيمة وهي تضرب على صدرها بيدها وتقول..

- ما الذي جرى لك يا نعيمة.. من ابن الحرام الذي اعتدى عليك هذا الاعتداء.. احكي لي يا حبيبتي.. انا «برضه» اختك.

اشارت نعيمة اليها بيدها ان تسكت وأَلاَّ تتكلم.. طلب عارف من شلبية ان تجري وتحضر «بصلة» حتى تساعد نعيمة على الكلام.. حدثت ربكة بين الاثنين.. ماذا يفعل عارف ايذهب لاحضار «حلاق القرية» ليرى حالة نعيمة ويعالجها.. ام يحاول ان يوقف نزيف الدم بوضع «البن» على الجرح حتى يوقف الدم؟ واين الجرح اهو في رأسها ام في صدرها ام في ذراعيها؟.. انه يرى دما نازفا من كل مكان، وكأن المسكينة ذبيحة مقطعة.. اقترب منها عارف وسألها:

- ايه اللي عمل فيك «كده»؟

في صوت خافت هامس اجابت:

- فتح الله ابن العمدة.

سمع عارف الاسم ارتبك وبدت على وجهه الحيرة والخوف معا.

- «وليه.. وعشان ايه»؟

- لانه هو الحرامي.. «في اعياء شديد» انا شفته وهو بيسرق «الجدع» الفلاح ليلة الزفة.

- مالنا نحن وفتح الله والسارق والمسروق..

تأتي شلبية من الداخل وفي يدها «بصلة» وتقول لـ عارف:

-خد يا عارف «شممِّها البصلة».. علشان تفوق وتمسك صحتها.

-هاتي يا شلبية..

بدأ عارف وشلبية، محاولة علاج نعيمة.. لم تحتمل المسكينة رائحة «البصل» وآلمها طريقة «كيس البن» فوق جراحها.. فغابت عن الوعي.

منذ ان ترك فتح الله ورجاله كفر البلاص وهو يبحث عن نعيمة وشهدي.. جاب الكفر بنفسه اكثر من مرة.. فلم يعثر على اثر لهما.. ذهب الى النجوع والقرى المجاورة وفشل ايضا.. ارسل برجاله في كل مكان.. وعاد كل منهما خالي الوفاض.. وكأنَّ الارض قد انشقت وبلعتهما.. هكذا كان دائما يضرب كفا بكفِّ وهو يقول هذا.

غربت الشمس ولم يأكل ولم يشرب والحقد الاسود يملأ صدره والرغبة في الانتقام من نيعمة والقضاء عليها، تزداد كل دقيقة ولحظة بفشل في العثور عليها عن سابقتها. لا يفكّر انه ضربها «وفش غليله»، ولكن هذا ليس بكاف.. الملعونة رأته وهو يسرق حافظة الفلاح. غمز لها بعينه بادلته النظرة وابتسمت ابتسامة خفيفة.. فلماذا تساعد هذا الفلاح من كفر البلاص على الهرب؟

حقيقة، امرها غريب، حاول كثيرا ان يتقرَّب اليها ويداعبها واحيانا يغازلها في كثير من المناسبات.. إلاَّ انها لم تكن تعطيه اكثر من ابتسامة لاحظ فيها احيانا كثيرة نوعا من اللامبالاة.. لم تبادله لا النظرة ولا الكلمة.. الراقصة بنت الراقصة كانت ترفض وكأنها هانم.. وهو ابن العمدة ليس الا نفر من انفارها العاملين في ضيعتها.. كانت صورتها دائما امام عينيه وهو يبحث عنها.. وعندما يقف ليستريح قليلا، كانت تتجسّم واقفة متحدية شامخة امامه.. كان يصرخ في غيظ وهو يقول:

- «آه يا بت الكلب.. انت فاكره نفسك ايه.. وأنت حتة رقاصة.. غازية لا رحتي ولا جيتي.. راح اشرب من دمك لما اشوفك».

تعب الخفر من كثرة المشي وهم يبحثون عن نعيمة وشهدى. وكانو دائما يتعجبون من اصرار العمدة فتح الله على احضارهما اليه مهما كلفهم الأمر. وكانت تساؤلاتهم تدور حول هذا الاصرار، وبخاصة نعيمة.. يعرفون عنه انه «صاحب مزاج». فاسق.. سارق.. يتاجر بكل ما هو ممنوع.. ليس فيه صفة واحدة من صفات ابيه العمدة.. بل على العكس تماما.. يتحلَّي العمدة بالصفات الحميدة الطيبة.. ويخاف الله ولم يظلم احداً ولم يأخذ مالا حراما او رشوة.. والادهى من كل هذا انه يكره الاجرام والمجرمين.. فماذا يا ترى سيفعل عند عودته من المركز؟.. خوفهم لم يكن على هروب السارق.. لاَّنهم متأكدون من براءته.. لانهم كثيرا ما رأوا باعينهم العمدة فتح الله وهو «يندس» في مثل هذه المناسبات ويسرق محفظة احد الفلاحين.. ولا يستطيع احد منهم ان يفتح فمه.. ويعرفون ايضا ان الخفير حمدان الذي قبض على السارق، واحد من رجاله واتباع. يأتمرون بأمره ويطيعونه طاعة عمياء ويخشون بأسه وسطوته وغلاظة يده وسلاطة لسانه، بل إنَّ حمدان هذا، هو ذراعه الأيمن في ترويج المخدَّرات بين ابناء الفلاحين في الكفور والنجوع وقرى المركز..

ولكن ماذا يفعلون؟.. كل منهم وراءه «كوم لحم» من زوجة وأم او أب عاجز عن العمل.. وقد وجدوا في هذه الوظيفة «الميرى» مرتباً ثابتا يتقاضونه كل اول شهر مع «حسنة من هنا أو من هنا».

الى جانب السلطة والهيبة بين الفلاحين..

لم يحتمل عارف ان يرى نعيمة مطروحة امامه لا تستطيع الحركة «مقطوعة النفس» حاول ان يفعل شيئا لإعادتها من غيبوبتها فلم يستطع. خرج مسرعا واحضر «حلاق القرية» والذي يطلقون عليه «الدكتور حلاق الصحة».. هو رجل خبير بالاسعافات الاولية يعالج الفلاحين اما عن طريق الحقن او العقاقير التي يعطيها لهم دون الرجوع الى اي طبيب.. وعلى رأي المثل «خد من عبدالله واتكل على الله»..

وما أن رأى نعيمة حتى شهق وقال:

الحلاق: ماذا جرى للمسكينة.. يبدو انها نزفت دما كثيرا.. لا بد من نقلها الى الوحدة الصحية، وفي اقرب وقت..

عارف: الا يمكنك عمل شيء؟..

الحلاق: سأحاول حقنها حتى تفيق من غيبوبتها واضمدِّ جراحها ثم نعمل على نقلها..

(يتبع)

الثلاثاء، يوليو 28، 2009

العفيف تختتم أيام الشاعر الفُتيح بحفل تكريمي وفني



أختتم عصر أمس الثلاثاء على قاعة مؤسسة العفيف فعاليات أيام الشاعر الكبير محمد عبدالباري الفتيح والذي نظمتها المؤسسة خلال ثلاثة أيام تحت شعار:"الشاعر مشقر بالسحابة"..وفي الحفل الذي حضره جمهور الشاعر ووعدد من الأدباء والكتاب اليمنيين..ألقى الدكتور.أحمد سالم القاضي نائب وزير الثقافة كلمة الوزارة مهنئاً المؤسسة بهذا التكريم لشاعر كبير وصاحب تجربة شعرية رائعة، معتبراً هذا التكريم دليلاً على قدرة المؤسسة على إنعاش الحركة الثقافية وتكريم الهامات والقامات الأدبية والفنية..مهنئاً في ختام كلمته الشاعر المبدع بهذا التكريم. من جانبه ألقى الأستاذ.عبدالباري طاهر رئيس المكتب التنفيذي لمؤسسة العفيف كلمة أعتبر فيها تكريم الفتيح تكريماً لإنسان حرث بكلمته المغناة والثائرة في آن الوجدان والضمائر والأفئدة" مضيفاً " على مدى نصف قرن حمل الشاعر القلم بيده وعمر بالأخرى ليجمع من البناء المادي والمعنوي"..كما ألقت الشاعرة.هدى أبلان الأمين العام لإتحاد الأدباء والكتاب كلمة الإتحاد قائلةً "نحتفي اليوم برمز ثقافي ووطني وانساني كبير، شيخ الكلمة النابضة بالحياة المتدفقة بالأمل، الناثر روائح الحب في كل اتجاه. شاكرةً مؤسسة العفيف سلسلة احتفائها لرموزنا وروادنا على حد قولها. الشاعر.محمد عبدالوهاب الشيباني كان قد قرأ ورقة قال بأن الفتيح يلتقط قصائده من قلب الحياة لتتشقر بها أيام البسطاء. بعد ذلك تم منح الشاعر الكبير درع المؤسسة وشهادة الإستحقاق بموجب قرار رئيس المؤسسة رئيس مجلس الأمناء تقديراً لريادته الشعرية كأحد رواد الشعر العامي في اليمن، إلى جانب نضاله الوطني بالكلمة الثائرة والمعبرة..منحه درع المؤسسة وشهادة الاستحقاق الأستاذ.عبدالباري طاهر رئيس المكتب التنفيذي للمؤسسة، ونائب وزير الثقافة،والأمين العام لإتحاد الأدباء والكتاب. بعد ذلك عبر الفتيح عن تقديره لمؤسسة نفضت الغبار عن وجهه كما قال، قارئاً بعض قصائده التي مثلت مرحلة شعرية ونضالية مهمة.الفنان.جابر علي أحمد غنى في الحفل أغنية "كذا فليعشقوا وإلا على الدنيا السلام" من كلمات الشاعر الفتيح، والتي كان قد غناها جابر في ثمانينات القرن الماضي.

أيام الفتيح التي أختتم فعالياتها مساء أمس. كانت قد بدأت عصر الأحد الماضي بندوة تناول فيها المشاركون ملامح التفرد الإبداعي لدى الشاعر الفتيح، بينما أقيم عصر الاثنين أمسية فنية أحياها الفنان الكبير.عبدالباسط عبسي بمجموعة من أغانيه العاطفية الجميلة..أغلبها من كلمات الشاعر المحتفى به.

من جانبٍ آخر وتواصلاً لفعاليات برنامج المؤسسة الثقافي لهذا العام يقام عصر الثلاثاء القادم محاضرة للباحث الموسيقي جابر علي أحمد بعنوان:" أهمية التوثيق الموسيقي في البحث العلمي".

--
أحمد عبدالرحمن الشرعبي
- مسئول البرامج والأنشطة الثقافية بمؤسسة العفيف الثقافية
سيار:734147191

حَمْزَةُ..سَيِّد ُ الشُّهَدَاء/ محمد جنيدي

محمد محمد علي جنيدي


أسَدُ الإلَهِ ومَنْ سِوَاكَ أحَمْزَةُ
رَمْزُ الشَّهَادَةِ والْمُرُوءَةِ والْفِدا

ما إنْ ذَكَرْتُكَ حِينَ قَتْلِكَ مَرّةً
إلَّا وصَوْتُ الْحَقِّ صَاحَ مُنَدِّدا

الْجَهْلُ يَعْمَى حِينَ يَرْفَعُ قَرْنَهُ
ولَرُبَّ ثَوْرٍ إنْ تَعَلَّمَ قَلَّدا

بِأَعَزِّ فِتْيَانِ الْقَبِيلَةِ مَثَّلُوا
بِئْسَ الْخِيَانَةُ والْمَهَانَةُ لِلْعِدا

فَبَكَى عَلَيْكَ الْمُصْطَفَى والْقَوْمُ حَتْ
تَى صَارَ ذَاكَ الْيَوْمُ يَوْماً مُجْهِدا

لَوْلا الشَّهَادَةُ وابْتِغَاءُ ثَوَابِهَا
عَنْدَ الإلَهِ لَكَانَ ثَأراً لِلْمَدَى

بِالْغَدْرِ نَالُوا مِنْكَ خِزْيَ مُرَادِهِم
فأصَبْتَ حُبّاً عَبْقَرِيّاً خَالِدا

صَلَّى عَليْكَ الْمُصْطَفَى كَمْ مَرَّةٍ
أُحُدُ الشَّهَادَةِ كَيْفَ يَنْسَى الْمَشْهَدا

إنَّ الَّذِي أجْرَى دِمَاكَ فَإنَّهُ
أجْرَى لِهَذا الدِّينِ مِسْكاً سَرْمَدا

يا سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ فِي أوْطَانِنا
سَقَمٌ شَدِيدٌ كَمْ أمَاتَ وأقْعَدا

قَدْ أشْعَلَ الأعْدَاءُ فِينَا فُرْقَةً
وبِأرْضِنا سَلُّوا سُيُوفاً لِلرَّدَى

لَكِنَّ قَلْبِي بِالإرَادَةِ لَمْ يَمُتْ
فأنا بِرُوحِكَ لَمْ أكُنْ مُتَردِّدا

رُوحُ التَّحَدِّي دِرْعُ كُلِّ مُوَحِّدٍ
وكَرَامَةُ الأوْطَانِ أَوْلَى تُفْتَدَى

من يريد استعادة زوج مثل هذا؟/ نبيل عودة

نبيل عودة

وصلت مدام نديم برفقة صديقتها الى محطة الشرطة ، قلقة ومضطربة وتكاد الدموع تتدفق من عينيها .. ولولا صديقتها المخلصة التي تتأبط ذراعها وتمسح عرقها وتهمس لها مطمئنة : " سنجده .. ستجده الشرطة .. لا تقلقي " ، لسقطت على الأرض مغشيا عليها.
كانت متوترة للغاية .. وفورا توجهت للشرطي المناوب :
- زوجي ضاع .. خرج ولم يعد.. اريد أن تجدوه لي .. اذا لم يتناول دواءه اليومي قد يموت !!
وفورا أدخلت الى غرفة ضابط مسؤول.
- ارتاحي يا سيدتي ، واهدأي .. انا سأعالج الموضوع .
- الموضوع لا يحتاج الى علاج .. اريد ان تجدوا زوجي .. خرج صباحا ولم يعد .. ليس من عادته .. انه مريض .. ويجب ان يتناول دواءه والا.. آه ..يا ويلي ..
- حسنا سيدتي اطمئني .. لا داعي للقلق .. هذه وظيفتنا أن نجد المفقودين ..عليك ان تعطينا بعض التفاصيل ..
- زوجي ضائع وانتم تريدون تفاصيل .. تفاصيل مفاصيل .. من يهتم للتفاصيل .. اريد ان تجدوا زوجي وكفى .
وحاولت صديقتها ان تهدئ من روعها ..
- مدام نديم يا صديقتي .. أنت مضطربة .. الضابط يريد وصفا للسيد نديم حتى يجدوه ..
وقال الضابط بفراغ صبر :
- اهدأي ياسيدتي .. ساجلب لك كوب ماء .. خذي راحتك ..
وقدم لها الضابط كوب ماء بارد . فأفرغته دفعة واحدة . قال :
- اطمئني .. سنجدة .. بالطبع نحتاج منك الى معلومات حول عاداته وشكله و..
قاطعته :
- أقول لك زوجي ضائع وانت تقول لي معلومات .. ؟
وجففت دموعها ..
- ما اسمه يا سيدتي ؟
- نديم .. السيد نديم .
- صفيه لنا ..
نظرت مدام نديم بوجه الضابط ، فكرت ، وانتعشت قليلا، وبان بعض الهدوء على محياها
- زوجي طويل القامة ..
قاطعتها صديقتها :
- مدام نديم .. يا صديقتي ..
اشارت اليها بيدها بحركة غاضبة ترفض المقاطعة :
- يا صاحبتي .. أنا أعرف زوجي أفضل منك ..
احمرت وجنتي صاحبتها ، وصمتت .. ولكن في وجهها بان عدم الإرتياح .
- زوجي طويل القامة ..
قالت بحيوية وارتياح وكأنها لم تكن قلقة مضطربة قبل لحظات . وتابعت:
- طوله .. أظن حوالي مترين .. اليس كذلك يا صديقتي ..؟
الصديقة تبدو مصدومة وغير مصدقة ما تسمع .. وتمتمت بما يفهم ان الوصف صحيح .
- جسمه رياضي .. أسود الشعر .. قوي العضلات ..اسمه نديم .. نسكن قرب العين الفوقا.
- قلت انه مريض ... وقد يموت.. وهذه صفات لرجل قوي لا يعرف المرض..
- أجل أجل .. يتناول دواء يوميا.. بسب رشح خفيف ألم به .
- أي لا يوجد خطر الموت .. حسنا .. متى خرج ، وما هي عاداته اليومية ؟
- كان يجب ان يعود ظهرا .. ليس من عادته أن يفوت وجبة الغداء ظهرا . وها نحن في المساء ولم يعد .
بانت الحيرة على وجه الضابط .. خاصة وان الصديقة بدت مرتبكة وشيئا ما يجعلها أكثر اضطرابا من مدام نديم . القى قلمه على المنضدة ، تأمل مدام نديم ، تأمل صاحبتها .. هز رأسه بعدم استيعاب .. وسأل :
- ولكنك تصفين انسانا مسؤولا وعاقلا وغير مريض ، ربما انشغل مع بعض أصدقائه ..
- أصدقاء .. لا أصدقاء لزوجي .
بانت الحيرة على وجه الضابط .. وسأل بعدم اهتمام :
- ماذا كان يرتدي ؟
- بنطالا رماديا ، حذاءا رياضيا وقميصا أزرق اللون ..
حاولت الصديقة أن تقول شيئا ، فأشارت لها مدام نديم ان تصمت . قال الضابط بملل:
- اعطني رقم تلفونك .. ونأمل خيرا .. هل تحملين صورة له ؟
- وتريدون صورة له .. هل صار مشهورا مثل مايكل دوغلاس ؟ لا أحمل صورته معي ..
- سأرسل شرطيا لأخذ صورة له .. الصورة تساعدنا على ايجاده بسرعة.
- لا أعرف أين صوره .. لا أعرف ..
- عودي الى البيت .. وابحثي عن صورة .. سيحضر شرطي لأخذ الصورة .
قالها بطريقة توحي ان المقابلة انتهت . أعطتة رقم تلفون المنزل ، وغادرتا مبني الشرطة .. وهي تردد :
- جدوه بسرعة .. لا أريد ان يتعرض لمكروه .
خارج مبني الشرطة نطقت الصديقة ببعض الحيرة والعتاب:
- تفاصيل زوجك ليست صحيحة .. كيف سيجدونه ؟
- هل تعرفين زوجي أكثر مني؟
- يا صديقتي ، ماذا جرى لك .. زوجك طوله متر ونصف وأقرع ، وله كرش ضخمة ، ومصاب بمرض النسيان ، ولا رياضي ولا بطيخ .. يدب على عصا ويسير بصعوبة ؟
نظرت مدام نديم باستهجان لصاحبتها وقالت بحزم :
- ومن يريد استرجاع زوج مثل هذا ؟!

نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

مَطَبُّ الفضيلة

سامي العامري
--------
فصل من كتاب (*)
--------

ليس عندي ما أخفيهِ
ما أنا إلاّ فضيحةٌ مُتوارثةٌ
ولن تنفع حوّاءَ أو آدم ورقةُ توتٍ
حتى ولا غابةُ توت !
---------
كان مستغرقاً في الإصغاء لموسيقىً شرقية تراثية يتصادح فيها العود والطبلة عندما دخل شقته المُطلِّةَ على نهر دجلة الذابل الآمل ! صديقُهُ القديم الذي يسكن معه منذ إسبوع بعد أن قام بزيارة لبغداد مدينتهِ لأول مرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقودٍ قادماً من منفاه البارد , واليوم يدخل شقة صديقه راجعاً من زحام بغداد وحزن شوارعها وهو يتأفف ثم جلس قبالته وفيما كان صديقُهُ الموظف العاطل منذ شهور يسكب من زجاجة العَرَق القوي على مهلٍ في كأسه وكان الوقت مساءً , سمع صاحبَهُ النحَّاتَ يقول : حقيقة أعجبُ من لامبالاتك وقدرتك على الإحتمال فها أنت سادرٌ في نعناعياتك وتتفاوحُ كحديقة !
فردَّ الموظف بانكسارٍ : تمنيتك الآن أن تطرق أبواب قلبي فلن يستقبلك بابتسامةٍ إلاّ الجرح ! ولكن ما جدوى أن أشكو ؟
قال النحات : أعرف قلبك يا صديقي وأمّا أنا فقد حلمتُ الليلة الماضية حلماً مبهماً لا أدريه ولكن أدري أنه كان مخيفاً , وهذا الحلم تكرر عدة مرات خلال الليلتين السابقتين ,
أتعرف أنني أفكر أحياناً فأسأل نفسي : ماذا لو أُعفِيَ الإنسانُ من متاعب البحث عن نظيرٍ له ؟
لماذا كُتِبَ عليه أن يبحث ويقلق ويشقى من أجل العثور على حبيبٍ او شريك حياةٍ يحبُّهُ ويفهمه ؟
وهذه القوة المذهلة التي صنعت الكون بكل عظمته وإعجازه ألمْ يكن بإمكانها أن تجعل الإنسان الفرد مكتفياً بذاته دون حاجة لأحدٍ لا سيما في الحب ؟
أيْ أن يعشق نفسَهُ وانتهى !
السؤال منطقي كما ترى ............
إنهما صديقان تعارفا في الغربة غير أن الموظف لم يُطِق الحياة في المنفى فعاد في أول فرصة الى بغداد ليسكن فيها مؤقتاً فأمه وزوجته وأطفاله يعيشون في مدينة أخرى وظلَّ على تواصل مع صديقهِ النحات الذي لم يعد له أهلٌ أو أخوة وأخوات في بغداد فهم إمّا مثله يقطنون المنافي أو ماتوا ولم يودعهم وقد جاء لبغداد كذلك للبقاء إسبوعين وربما لفترة أقصر أو أطول لإتمام معاملة ولمعانقة مرابع الطفولة والصبا وزيارة بعض الأماكن والمعارض مع صديقهِ
ثم ليعود من حيث أتى ...
لم يُخفِ شعورَه بالخيبة من حال بغداد ودوائر مؤسساتها وساستها وقبل كل هذا طريقةِ تفكير الكثير من ناسها , وعيهمِ الحضاريِّ والثقافي , آهٍ لهذا الجيل الذي يعيش في كنفها , هكذا تأوَّه
إذْ كان يعرف أن الأجيال السابقة لم تكن هكذا أبداً وخاصة في ستينيات القرن الماضي وبداية سبعينياته ... أيريدون لبغداد أن تصبح عُشّاً لا تفقِّس فيه إلاّ بيوضُ الغبار ؟
أنت يا بغداد التي وهبتِني سرَّ سعادتي الأولى فإذا متُّ حزناً عليك فستحزنين عليَّ دون شكٍّ ولكنْ هؤلاء الذين لم يكترثوا لحياتي - وأكثرهم غرباء عنك - أيُعقل أن يكترثوا لمماتي !؟
لذا لن أموت بسببك !
هذا ما قاله بعد أيام من وصوله .
أعاد على صديقهِ جملته السابقة نفسها : أيْ أن يعشق نفسَهُ وانتهى !
ثم قال : إدراكي هنا في محلِّهِ , أليس صحيحاً ؟
وأضاف : وقد عبَّرتُ عن ذلك في عدة أعمال نحتية وجسَّدتُها على شكل كُتلٍ وأجسام منفردة توحي تقاطيع أعضاء الجسم فيها بالحيوية والإستغناء !
هنا علَّقَ الموظف والعاشق للكتب والموسيقى والعاطل منذ شهور : فكرةٌ تُغري بالتأمل !
ولكن ماذا عن استمرار الجنس البشري ؟
أجاب : أنا قلتُ لك إن القوة الخالقة والخارقة التي خلقتْ ما لا يمكن للإنسان أن يصدِّقه رغم أنه يراه ويلمسه , لن يصعب عليها حلٌّ فهي لديها ما لا ينتهي من الإمكانات والوسائل , أية وسيلة , كأنْ يتمَّ التكاثر عُذرياً أو ذاتياً كما يحصل لدى البكتيريا والحيوان وحيد الخلية !
قال له الموظف : أعتقد أن هذا هو حلمك والذي تريد أن توحي لي بأنه رؤيا كتلك التي تباغت أصحاب القدرات الروحية الكبيرة ولكن هناك يا سيدي حلقة مفقودة في سلسلة معرفتك وحكمتك ,
كنْ واسعاً , كنْ حاذقاً , إنك تجهل او تتجاهل أنّ ما يجعل الحب الحقيقي عميقاً ومقدساً هو متاعب الوصول اليه .
فردَّ النحات بطريقة لا تخلو من دهشة وهو يضع كفَّهُ تحت حنكهِ :
فعلاً أنك بريءٌ حَد الكآبة !
أنا لا أريد سوى راحة البال , ولأكُنْ أكثرَ صراحةً : أريد عالماً خلواً من الحب !
قال له : وكيف توصلتَ الى هذه القناعة ؟
ردَّ بشيء من التوتر : إمرأة استدرجتني بلباقة الى حُبِّها فصدَّقتُ وفتحتُ لها كل خزائني الروحية .
فقال له زميله الموظف : أتصوَّرُ أن حالك هذه كحال شاعرنا الذي يقول :

أبكي الذين أذاقوني مودَّتهم
حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا !! (1)

---------------

أجاب النحات بانفعال : كلا , ففي هذا البيت عتابٌ رقيق بل هو إلى الغَزَل أقرب أمّا أمري فهو كحالِ مَن قال :
وأنتِ بما قربتِني واصطفيتِني
خلاءٌ وقد باعدتِني بُعْدَ مُذنِبِ
وما الحبُّ إلاّ صبوةٌ ثم دَنوةٌ
فإنْ لم يكنْ كانَ الهوى رَوغَ ثعلبِ (2)

لذا فبعد عام من أحاديث الصفاء أعقبناه بلقاءٍ مجنون احترقنا سويةً بهِ وفيهِ ثم إذا بها تهجر , تتوارى ...
لقد زرعتْ في نفسي مشاعر لم أكن أعرفها من قبل , مشاعرَ قريبة من الكراهية ! والآن قلْ لي هل بإمكان الحب أن ينتهي الى كره ؟
أجاب الموظف برزانة : بحدود معرفتي , نعم ! ولكنْ كرهٌ من نوع آخر , وهو خارج اختصاص التحليلات النفسية التي أطربت الكثيرين !
لقد آمن الكثيرون بمدرسة فرويد مثلاً ولكن ربما ليس هناك واحد منهم فكَّر مثلي بأن يُخضِعَ فرويد نفسه الى التحليل النفسي ! أي أن يتصور نفسه طبيباً ومِن مرضاه عالم النفس فرويد وليس في هذا غرور أو ادعاء .
والكراهية قد تعبِّر عن نفسها مثلاً بطريقة الإفراط في ممارسة الجنس مع مَن تكره , تماماً كما يُعطّل الحبُّ العميق الرغبةَ بالممارسة الجنسية لفترةٍ طويلة مع مَن تحب .
فعقَّب زميله النحات : أرجوك , لا تتطرق الى الجنس والدونيات !
فردَّ صاحبه الموظف معاتباً أو مُعنِّفاً بعضَ الشيء بالقول : إن الممارسة الجنسية والتي تلوح غليظة بل ومَسْخَرةً ,
نجد أنَّ بإمكانها أنْ تتحول الى فعل شِعريٍّ فَذٍّ تكون أنت فيه على تماسٍّ رهيفٍ مع جوهر الكون بحيث أنك عندما تصل الذروة وتصلها شريكتُك يكون الله في الرَّحِم بتعبير أحد المتصوفة ,
فهنا لا يرشدك عقلك المألوف فهو يذوب أو يتلاشى في عقلٍ كوني لا تعرفه ولكنه مع ذلك يرشدك وكل ما بمقدورك أن تفعله هو الإستسلام له
وهذا الإستسلام إنما هو الوحيد الذي لا يحمل معنى الضعف أو الهزيمة .
هنا سأل النحات باهتمام : كيف ؟
أجاب الموظف : لا أريد أن أتعبك ولكن هناك مقولة فلسفية :
( لا توجدُ قطيعةٌ بين العقلين الغريزي والمكتسَب ، فالعقلُ المكتسَب هو نتاجٌ للغريزي ، بل لا ينفكُّ عنه ، وقد ينفكُّ العقل الغريزي عن العقل المُكتسَب ، فيكونَ صاحبُهُ مسلوبَ الفضائل ) (3)
إحتارَ النحات بماذا يجيب واكتفى بأن تنهَّدَ !
فردَّ صديقه الموظف على تنهُّدِهِ بالقول : نعم , إنها آه ! وأضاف : قبل أن أنسى أريد أن أسألك : هل أنت هنا للزيارة أم لتكملة ما بدأناه هناك من جدل بيزنطي !؟
فابتسم النحات وهو يقول : هاتِ سيجارةً هات .
أعطاه الموظف واحدة ولنفسه واحدة وأشعلهما وبعد أن سحبَ نَفَساً ونفثهُ قال :
دخان سيجارتينا المتصاعد هذا ليته يتكاثف فينزل مطراً إنْ لم أقل خمراً ! :


يجنحُ للخمرة نوعٌ من أنواع بني الإنسانْ
حتى يتسامى كالحيوانْ !
فوق لوائحهِ , فوقَ فضائحهِ
فوقَ الكفر وفوق الإيمانْ !

------------

وسأل بشكل مفاجيء : بالمناسبة ما الحكمة في تحريم الخمر ؟
قال : سؤالك ملغوم ! ورغم ذلك أجيب : لستُ متيقناً ولكن واضحٌ أنَّهم يقولون مَن يتناولها يفقد زمام عقلهِ .
هنا علَّقَ الموظف على كلام صاحبه بتوترٍ : وأين هي عقولنا التي نخشى فقدانَها !؟
فلو كانت لنا عقول سويَّةًٌ لما وصلنا الى هذا الدرك من الضِّعة والتخلف ,
ثم إن المجتمعات التي أنت تعيش في وسطها , هذه المجتمعات الغربية وغير الغربية لِمَ لمْ تفقد زمام عقولها ؟
فرغم أنَّ الخمر شائعة بينهم كالماء فها هم يذهلون البَشَرَ بعلومهم وصناعاتهم وتقنياتهم وآدابهم وفنونهم .
هنا حكَّ النحات صدغَه وضحك فقال : أعتقد أنك مُحِقٌّ ! فللخمر محاسنها أيضاً , فهي مثلاً أعطتْ الغرب بودلير وأعطتنا أبا نؤاس ولثغته السكرى ونوافيرَ الأندلس وطيورها التي تستحم بالنبيذ ! وكان بودي أن أشاركك كأساً فأجعلَ مزاجي نميراً لولا ضرورة نهوضي مبكراً بنشاطٍ نوعاً ما ولكن قبل أن أذهب لسريري دَعني أروِ لك حكاية على وقع موسيقاك التي بدأت تحفِّز وتحثُّ الروح !
فحين كان عمري تسعة عشر عاماً كنتُ طالباً مُجِدَّاً وأثناء تحضيري لامتحانات البكلوريا جاءت الى بيتنا أم أحد زملائي وأبناء منطقتي وكان ابنها هذا عابثاً نزِقاً , جاءت أمهُ ترجوني أن أطالع مع ابنها لعلَّه ينجح فقلتُ لها بخجلٍ :
ممنون يا خالة !
وهكذا رحتُ أمضي في بيتهم ساعتين كل يوم أطالع معه وفي أحد الأيام جاءت أختُهُ المتزوجة لزيارتهم حاملةً إبنها الذي لم يكن يتجاوز عمره عدة شهور فوضعتْهُ عند دخولها في غرفة الضيوف قريباً من طاولتنا وذهبتْ الى أمها
غير أن هذا الطفل بدأ بالصراخ ولم ينقطع عنه فجاءت أمه فألقمته المَصّاصة ذات الحَلَمة الإصطناعية فهدأ قليلاً ثم عاد للصراخ ثانية فجاءت أمه مرة أخرى ثم أعطته زجاجة الرِّضاعة فصمتَ عدةَ دقائق وعاد للبكاء !
فرجعت أمه وهي تعتذر لنا قائلة : وجدتُ الحل .
مضت دقائق معدودة فعادتْ فأعطته زجاجة الرضاعة مرة أخرى ورحنا نراقب الطفل وهو يغفو بكل وداعة , وحين سألتُها كيف حصل هذا ؟
أجابت : وضعتُ له مع الحليب بضع قطراتٍ من الويسكي !
فالأب – والذي كان محامياً متقاعداً – كان بيته لا يخلو من هذا المشروب .
نعم , راقبنا الطفل وهو يخدر قليلاً قليلاً ثم ينام بسلام !!
وبهذا الحل استطعنا إكمال الدرس .
عَدَّلَ الموظف من جلسته قائلاً : رائع , وهذا يعني أنك عرفتَ الفضيلة والإحسان وفعل الخير منذ الصغر .
فردَّ عليه صديقُهُ النحات بالقول : ليته كان فِعْلَ خيرٍ ففي ذلك الزمن كان كلُّ شيءٍ يسير بالمقلوب فقد نجح زميلي في الإمتحانات النهائية وبعد عدة شهور أصبح ضابطاً في الحرس الجمهوري وأصبحتُ أنا مُطارَداً ومُتخفِّياً عن عيون الأمن !!

غابَ القمرْ
فحَمَلْتُ أشيائي لاخطوَ في شِعابٍ
ما أضاءَ شِعابَها غيرُ الخَطَرْ
حتى عَبَرْ
لكنْ الى أينَ العبورْ ؟
بالأمس كان السجنُ قَيئاً
جَنْبَ حجرةِ آمِرِ الماخورْ !
قُلْ للجنوبِ
أكانت الصحراءُ في حَفلٍ ؟
فَإنَّ ذِئابَها رَفَلَتْ
إذِ اجتَزْتُ الرمالَ الطوطميَّةَ
في مَسارٍ كالمَجامِرْ
يا نهرَ مِلْحٍ فوقَ نَبعكَ والمَصَبِّ
قد انحنى ظمَأي قَناطِرْ
وحمِلتُ لونَ الماءْ
غَيبوبةً , إغْماءْ
وتَعَثُّراً في التيهْ
حتى إذا ما لاح دجلةُ عمْتُ فيهْ
حَذَرَ ( الكِلابِ )
فطافَ مُبْتَعِداً قصيدٌ أقْتَنيهْ !
----------------------------------------
(*) فصل من كتاب قصصي نثري شعري بعنوان : النهرُ الأول قبل الميلاد .
(1) العباس بن الأحنف .
(2) بشار بن برد
(3) أبو الحسن الماوردي فقيه وقاضي قضاة عاش في نهاية العصر العباسي .


كولونيا
alamiri84@yahoo.de

الاثنين، يوليو 27، 2009

شوقي مسلماني: التجريد هو وسيلة كي يصل الصوت



بمناسبة صدور مجموعة (مَنْ نزع وجه الوردة)?
حاوره سليمان الفهد:


يقول الشاعر شوقي مسلماني بمناسبة صدور مجموعته الشعريّة الجديدة أنّه لا يستسيغ الشعر الذي لا فقدان فيه، وأنّ كلّ شعر فيه من سيرة الشاعر وتجربته. وأنّ غياب السيرة عن القصيدة يحيلها إلى كلمات لا تتعدّى الشفاه، وأنّ الشاعر الشاعر كما يعبّر عن ذاته يعبّر عن غيره ولو كان هذا الغير شجرة ومن خلال تمثّل الشجرة بأفراحها وأحزانها التي هي في المآل الأخير أفراح وأحزان الشاعر ذاته، ويقول أنّ الإحالات التاريخيّة في الشعر حركة صعبة ومحفوفة بالمخاطر، وهو يُفضّل القصيدة التي تحيل أكثر ما تحيل إلى ذاتها. وهنا الحوار:


* قبل أن ندخل الى أجواء مجموعتك الشعريّة الجديدة هل تعرّفنا أكثر عنك؟.
*** إذا تسأل من أنا في الظاهر؟ أنا لبناني من جنوب لبنان ومن بلدة كونين الحدوديّة، وفي كونين، وفي غرفة من البيت حضرتُ إلى هذه الدنيا في سنة 1957. هاجرتُ بعد حرب السنتين إلى مصر فألمانيا فأستراليا ولا أزال في أستراليا. صدرت لي مجموعات شعريّة: "أوراق العزلة"، "حيث الذئب" و"مَنْ نزع وجه الوردة"؟ تُرجم كلّ من الأوّل والثاني إلى اللغة الأنكليزيّة بفضل الدكتور رغيد النحّاس والأديب الراحل نويل عبد الأحد. أنشرُ في إيلاف السعوديّة والنهار البيروتيّة والقدس العربي اللندنيّة وغيرها من الصحف والمدوّنات العربيّة.

* من "أوراق العزلة» وحتى "مَنْ نزع وجه الوردة؟" مروراً بديوانك "حيث الذئب" ثمة فقدان. هل يستطيع الشعر أن يشكل بديلا؟ هل يمكن أن يعيد ما فُقِد؟.
*** الفقدان يبدأ منذ الولادة، يقال عن حقّ أنّ الموت يبدأ من لحظة الولادة، وأي فقدان مثل فقدان الحياة، إنّما هذا لا يمنعنا من التعبير عن أشكال الفقدان الأخرى، والهجرة إلى أوطان أخرى طلباً لحياة أخرى ولو مرغماً ولا حاجة للتفصيل باعتبار أنّ الإرغام كثير هي بحدّ ذاتها فقدان وفقدان عظيم، ولا شيء يعوّض عن الوطن الأمّ مهما بلغ المرء في الكونيّة، وخسارة الأصدقاء بسبب الموت أو بسبب التيه والإفتراق وما شابه هي فقدان، وأن تشعر بالعزلة التي لا بداية لأنواعها ولا نهاية أيضاً فقدان، وشبح كلّ ذلك يخيّم على ما أكتب، والحقيقة تُقال أنّي من هذه الناحية واقعي وأعرف أنّي نتاج هذه البيئة، ولا أخفيك إيماني بأنّ شعراً من دون فقدان قلّما أستسيغه.

* تبدأ مجموعتك الأخيرة "مَن نزعَ وجه الوردة؟" بتماه مع سيرة لتدخل في تقاطع معها، ما الذي دفعك الى هذا المنحى؟.
*** كلّ شعر وكلّ فن هو سيرة ذاتيّة على نحو أو آخر: سيرة ذاتيّة في الحبّ، وسيرة ذاتيّة في الغضب، وسيرة ذاتيّة في العقل، وسيرة ذاتيّة في الألم، وسيرة ذاتيّة في الذكرى، وسيرة ذاتيّة في ما تشاء، وبالتالي فإنّ التقاطع والتماهي تحصيل حاصل. وأنا بالمناسبة أؤيّد القول أنّ أجمل الشعر هو أصدقه لا أكذبه من حيث عمق المشاعر لا من حيث صور التعبير وأشكالها. ومرّة ثانية فإنّ الشعر الذي ليس هو إبن السيرة هو شعر لا يتعدّى الشفاه، وهو زبَد، والزبَد لا يمكث.

* هل يكتب الشاعر غيره؟.
*** يمكن للشاعر أن يكتب عن أي كان، حتى يمكنه أن يكتب بالنيابة عن شجرة من خلال تمثّل ربيع الشجرة وزهوّ الشجرة أو تمثّل خريف الشجرة أو انكسار الشجرة وحزن الشجرة بمعنى أنّ الشاعر عندما يكتب غيره إنّما يفعل ذلك للتعبير عن ذاته الأخرى. من هنا التلاوين في الأشعار. والشاعر مثلما هو ذاته هو الآخر لأنّه ليس معزولاً في جزيرة كحال حي بن يقظان التي استوحاها الغرب وهو يكتب القصص ويصنع الأفلام. أنا عندما أقرأ شعراً لا يحاكيني ولا يُخاطبني ولا يسأل عنّي أقول: سلاماً.

* ثمة غياب كثير للمكان والزمان في شعرك. ما الذي يعنيه لك المكان والزمان؟.
*** كثيرون لاحظوا أنّه يندر المكان والزمان في ما أكتب، إنّما أحد لم يأخذ ذلك عليّ، والسبب هو معرفتهم أنّهما مفقودان ظاهراً فيما هما حاضران باطناً، أنا أؤمن بقوّة أنّ ظلال مكان أو ظلال زمان هي في كلّ مكان وزمان، ومن هنا فإنّ التجريد مرّات وسيلة لكي يصل الصوت ـ الحالات التي ترسمها القصيدة ـ الكلمات التي تصرّح بها، ولكلّ شخص في هذا الكون المتعدّد والواحد في الوقت ذاته بالنهاية أسلوب وقبل الأسلوب توجد تجربه.

* لا إحالات تاريخيّة أو تراثيّة في "من نزع وجه الورد"؟ ولا في المجموعتين السابقتين هل في الإحالات ضرر؟.
*** لا أستطيع أن أخوض في موضوع الإحالات في الشعر، لكن أجزم أن الإكثار منها فيه خطر، قد لا أقول بجديد على اعتبار أنّ الزائد كالناقص، وهناك شعراء عُرِفوا باسم الإحالات. وإذا احتكمنا إلى المتعة التي يولّدها الفن، فإنّ الإحالات قد تلجم المتعة لانشغال المتلقّي بالبحث في التاريخ أو في التراث للوقوف على أبعاد النداء. وشخصيّاً أفضّل الفنّ الذي يُحيل إلى ذاته أي إلى عالمه الخاصّ ورموزه الخاصّة، الفنّ الكوني ومنه الشعر الكوني الحديث ينظر بعين الرضى إلى هذا المنحى.

****************


من قصائد الديوان
1 ـ جراد
إنّه الجراد
يترصّدُني
وشجرةٌ تبكي ملاكَها.

2 ـ على الحافّة
عنكبوت تحوكُ الشراكَ على الحافّة

موتى يسحبونَ الأحياءَ
مِنْ أرجلِهم.

3 ـ باب
هناك
في الصحراء
رعاةٌ يضيّعون قطعانَهم
ويضيعون

في الأحشاء حيث خطى
مشاها أوّلون كانوا أحياء حقّا

اللغطُ
أسماء

بين الصوتِ والصوتِ
صراخ

تعالَ
ادخلْ بي.

4 ـ الحفلة
جمجمة تضحك
في صحراء.

5 ـ الرصاصة لا تزال في رأسي
للحائط وجْهةٌ ثانية وثالثة
وعليه نعلّقُ الساعةَ أو اللوحة أو مفاتيح البيت

الليل له وجْهةٌ ثانية وثالثة
ووقتٌ محدّد
الليلُ الآن يبدأُ مع الفجر

الحربُ مكتظّةٌ بالحرب
والخراب

نصوِّب بعصفور يغرّد
لا بعصفور في القفص
نصوِّب بقوس قزح

دفترُ الرسم له وجْهةٌ محدّدة
وهي أن تحبَّ أكثر
دفترُ الرسم لا يحقِّرُ الدائرة
دفترُ الرسم مستطيلات ومكعّبات

علامةُ التعجّب يقين
أمّا الفكرة فلها وجْهةٌ ثانية وثالثة
للفأس أكثر من فكرة
مثل السكّين والرصاصة والقلم

السمكة لها وجْهتُها الخاصّة
للنسيان وجْهةٌ ثانية وثالثة
البحر له وجهةٌ ثانية وثالثة
وفيه سمكةُ القِرش
كالرملِ حيثُ العقرب

الحرف له وجهةٌ ثانية وثالثة
الطيرُ لا يَسقطُ من الشجرة
الطيرُ يُسقَطُ من صوته
السمكة لا تغرقُ في البحر
السمكة تُغرَّقُ في البحر

الخبرُ العاري عن الصحّة
الرصاصة التي لا تزال في رأسِي.

6 ـ الوهم
للتمويه
ظلٌّ مِنْ ضربةِ شمس.

7 ـ طريق معاكس
أحبُّ جبلاً
فأقع في الوادي

أفتحُ ذراعيَّ
فيلقاني السيل

أسألهُ الغرقَ
فتُمسِكُنِي يَدٌ

ألعنُها
فتتشبَّثُ بي.

8 ـ الجهة السابعة
للرحيل أسباب
والفضائح من تلك النتائج
يدي ولسانيَ عليك
رمادٌ وعينيَ وقلبيَ عليك
أوراقُ الجهةِ السابعة
البئرُ التي تصرخ، الكلُّ
الكلُّ عليك

أنا ما ترى وما لا ترى
أراكَ في الشارع
أراكَ نائماً

كلّي قدّامك
كلّي وراءك
كلّي على يمينك، على يسارك
فوقك، تحتك
وكلّك.

9 ـ رأسٌ كفيف
الشمس تضيء غزالةَ الطريق
النار تُطفِئُ لهيبَ اليباس
عينٌ ضيّعتْ أختَها ليستْ عينَاً
القبر حجارةٌ كثيرةٌ
ورأسٌ واحدٌ كفيف
في علبةِ الليل.

10 ـ غابة
كذلك الغابة
فيها يموتُ العشب

هكذا الغابة.

11 ـ معاً
الركضُ سباقٌ
مع الخطأ.

12 ـ ظنون
تقف على ثغرة
فترميكَ ثغرة
تقولُ حسناً
فلا يردُّ صدى

أهروبٌ، وعلامةٌ في المكوث؟
أمكوثٌ، وعلامةٌ في الهروب؟

تقف ولا تقف
ترمي ولا ترمي
تقول ولا تقول
إلاّ ظنّاً.

13 ـ ميْت آخر
المنارة
يدُ بحرٍ غريق.

14 ـ باب مغلق
النارُ امرأةٌ جريح
العتمةُ عينُ فقيه.

15 ـ فراق
نلقى يومَنَا
دائماً
بوجهٍ آخر.

16 ـ لهم جميعاً
لليل قمر
للصحراء عين
شمس
مسافة للحجر.

17 ـ الطاقة
واحد فقط من كلِّ مليون قال:
لن يمرّوا. قال: من هنا سيعبرُ النمل
والنملُ فقط

قالَ: للطاقةِ طاقة. نموتُ
إذا نموتُ مرّتين

مدنٌ كلُّها مدن
ومدنٌ سراب.
Shawki1@optusnet.com.au


الأحد، يوليو 26، 2009

العفيف تفتتح أسبوع الفتيح بندوة فكرية


عصر الاثنين أمسية فنية لعبد الباسط عبسي

تواصلاً لفعاليات البرنامج الزمني لأسبوع الشاعر الفتيح يقام في الرابعة والنصف من عصر الإثنين 27/7/2009م. أمسية فنية يحييها الفنان الكبير عبد الباسط عبسي بمجموعة من أغاني الفتيح.. هذا وكان مؤسسة العفيف الثقافية وبحضور جماهيري كبير قد افتتحت فعاليات أسبوع الشاعر الكبير محمد عبدالباري الفتيح والذي تنظمه مؤسسة العفيف الثقافية تحت شعار:"الشاعر مشقر بالسحابة" خلال الفترة 26-27 يوليو 2009م بندوة أقامتها عصر الأحد شارك فيها الدكتور.سلطان الصريمي، والأستاذ.عبدالباري طاهر، والأستاذ.محمد عبدالوكيل جازم، والأستاذ.صادق غانم..تعرض خلالها المشاركون لتجربة الفتيح الإبداعية والنضالي..حيث تحدث الدكتور.الصريمي عن صديق عمره وأستاذه كما قال واصفاً إياه بالشاعر الكبير والإنسان الرائع..متطرقاً لملامح الإبداع لدى الفتيح الذي كان أول من قدمه للفنان عبدالباسط عبسي، فقد تكونت حياته من مزيج حياتي إنساني عظيم..كما تحدث الأستاذ.عبدالباري طاهر عن شاعرية الأستاذ الفتيح التي نبعت من أفراح الناس وأتراحهم ينتزع صورته الشعرية من أحلام خير أمة، يقول طاهر:"يقوص الفتيح في وجع البسطاء. ويستبطن الهواجس والأماني.يمتح من بئر المزاج الشعبي..ويتعمق في التراث الإبداعي ذي الحذور البشرية العميقة..كما تحدث الكاتب.محمد عبدالوكيل عن "شعر التغيير في مجموعة مشقر بالسحابة"، وكما شارك أيضاً الكاتب.صادق غانم بورقة كشفت عن مراحل النضال المبكرة لدى الفتيح والتي بدأها في عدن حين كان يدرس وتسبب بفصل أستاذ الرياضيات حينها.

هذا وقد حضر الفعالية السفير اللبناني غسان أبي عكر وعدد من الأدباء والكتاب والمثقفين وجماهير الشاعر.

أحمد عبدالرحمن الشرعبي
مسؤول البرامج والأنشطة الثقافية

بين حلم مادبا وحقيقة هيوستن

عيسى القنصل
منذ اسبوعين وانا اتجول فى شوارع مادبا . واطرق الابواب على الجيران والاصحاب اطلب شيئا لا زلت اشتهيه واحبه من هناك . وقفت فى اعلى منحدر شارع حارتنا ورايت بيت ( الخزوز ) وطلبت كاس ماء من يد الطبيب عماد فرحب بى واسقانى وانحدرت الى اسفل الشارع حيث زرت بيت المومنه الصابرة (امل الضباعين ) ام هيثم وقبلت يدها اطلب منها ان تصلى لاجلى هذا اليوم قليلا

وشعرت بابرة الممرضة وهى تسحب الدم منى وانا ملقى هنا فى احدى غرف المستشفى لكننى ل لم اشعر فى الالم لاننى رايت ام هيثم تحضر لى كاس ماء باردة مع ابتسامة الشجاعة والصبر ..

مشيت فى شارع الشهيد نوريس اليعقوب يا الهى من تحس بلاختناق فى هذه الشاره زحمة فوق العادة وسيارات صغيره على كل جانب من جوانب الطريق ..ورايت نفسى ادخل بيت ( ام شوقى السلايطة ) لتحكى لى برقة صوتها بعض الحكايا عن امى رحمها الله ..لا زلت اذكر حين دخلنا بيتهم لاول مرة طالبين يد ابنتهم الى صديق العمر والطفولع عماد ..

وقبل ان اجلس فى صالون بيتهم المطل على ضوضاء الشارع التجارى شعرت بصوت ممرضه تطلب منى ان افتح فمى لقياس الحرارة وشعرت بها تلف ذراعى لمعرفة ضغط الدم فى جسدى

اعرف انهم فى اهتمام دائم بى ولكن اتركونى اتجول فى مدينتى قليلا

ذهبت الى كنسية اللاتين جلست لوحدى على كرسى الصلاة وتذكرت طفولتى فى مدارس اللاتين بين قدسية الاب جورج سابا وصرامة التعليم من الاستاذ فواد العلامات رحمهم الله .. كانت طفوله فقر وبساطة ولعب فى تراب الحارة والركض من (صيرة الى صيرة ) .. وقبل ان اجلس فى بهو المدرسة القديمة جاءت ممرضة لتاخذ المزيد من معى لمعرفة كم خسرت من دماء اثر النزيف الحاد الذى احضرنى الى هنا

نزلت من ساحة الكنيسة ورايت مركز الشرطة القديم لعله من اقدم مبانى مادبا وبجانبه بيت خالتى المرحومه ام هانى الفرح اواه ما اطيب هذه الانسانية المقدسه والتى رغم مركزها الاجتماعى والمالى لم تتخلى ابدا عن ارتباطها بنا وعطفها على امى والتى كانت تعانى طوال عمرها من مرض فى عيونها لم يعد احد يسكن فى هذه القلعة الاثرية سوى طفل من اطفالها فقد بنى كل من ابنائها بيتا له وتزوج وارتحل ..واثناء نزولى من ذلك الدرج الحجرى القديم سمعت صوت اذان المسجد يدعو الناس الى الصلاة فعرجت الة منطقه المسجد اراقب الايمان كيف يتطور وينمو وكيف فى لحظة واحده يقف الشارى والمشرى والغنى والفقير والجاهل والمتعلم امام يدى الله يطلب الرحمة

لا ادرى هل انتهت الصلاة ام لا حيث دخل غرفتى الجراح فى وجهها الباسم وكانت فى الغرفة ابنتى وابنى عصام واعلن لنا فى كل بساطة وهدؤ انه نتيجة الفحوصات اننى مصاب فى داء السرطان فى الامعاء وبدأ يشرح لنا كيف سيجرى العمليه وانه سوف يحدد لى الاثنين القادم موعدى للدخول الى امعائى وطرد هذا المحتل المتدخل فى جسدى انا

الرعب الانسانى فى نطق هذا المرض يجعلك تتحول من عاصفة امل الى زوبعة خوف ولمجرد ان تتصور انك ملقى على طاولة العمليات بلا قدرة حتى للصلاة بالرحمة ولا طلب ان تلمس يد زوجتك للمرة الاخيره تجعلك تعود للايمان

ورايتنى والدكتور لا يزال يشرح لاطفالى ما الذى سيحدث ومتى ازور قبر امى فى مقبرة اللاتين القديمة اطلب منه ان يسامحنى ان اخطئت فى حقه او حق اخوتى وزحفت على ركبتى من هناك الى قبر امى فى المقبرة الجديده لاطلب منها شمعة باسمى امام مذبح العذارء لشفائى وجفلت حين سمعت صوت امى لا تخف يا ابو عصام ان العذراء ستحميك

لا ادرى متى الطبيب الغرفة ولكننى حين عدت من زيارة مقبرة ابى وامى شعرت فى انهاك جسدى وتعب لكنه ليس خوفا ..

لا ادرى ما هو اليوم وما هو التاريخ لكننى ارى غرفتى مليئة بالاصدقاء من هنا هيوستن ورايت الدمعة الصامته فى عيون ام عصام زوجتى والدهشه المرتسمة على وجهى ابنى والخوف المتراكض على وجه وعيون ابنتى ايفيث

سمعت صرير عجلات نقالة المرضى تنقلنى من غرفتى الى غرفة العمليات وقالوا شد من عزيمتك فساره حفيدتك الاولى قادمة مع ابنتك نسرين لرويتك ...

لمدة اربع او خمس ساعات كنت بعيدا عن كل شى حتى الحلم والخيال ومحاولة التذكر كلها تنتهى حين تضع الممرضة فى يديك هذا الدواء الى ينقلك من احساسك بما حولك الى دنيا بعيده عن كل ما واقعى ومملوس ولا ادرى من رايت اول وجه بعد العمليه او اول صوت لكننى اعلم ان اهلى هنا فى هيوستن واهلى فى مادبا كانوا معى

حين يرجعك المك وخوفك من مجريات الحياه المتلاحقك الى نقطة واحد ه وانتماء واحد ..حين ترجعك الحقيقة من عالم الصراع والركض وراء لقمة العيش الى صورة واحده وحقيقة واحده تحس بها ترى لحظتها انك لا زلت تعيش ماضيك وتعيش بلدك

اردت ان اعود للتجوال فى شارع العشاق والذى اطلقت انا عليه هذا اللقب قبا اربعين عاما وان ازور ساحة البلديه لاشتم رائحة الكنافة واسمع قهقهة صديق العمر والحياة عماد كرادشة وان اذهب لزيارة بيت اختى ام مهند او بيت اختى الضلحكة دوما ام راكان لكن اقدامى واذرعى مقيده بحبال وانابيب لادويه كثيرة وكلما دخلت الى شارع ذكرة ترجعنى ممرضة من ممرضات هذا المستشفى الامريكى الى واقع الالم فى ابرة ووخزة ولا ادلاة كم ابرة اخترقت جسدى منذ دخولى المستشفى الى الان

فاعذرينى يا مادبا ان لم اتجول فى شوارعك كلها او لم كل كل الاحبه هناك ولكننى حين اعود اريد ان اشرب كاس شاى فى بيت من بيوت العلامات او اتناول لقمة هريسه مع ابن من ابناء الطوال لكننى الان انا فى الم فى جنبى ولا استطيع السير كثيرا فسوف اعود الى فراشى

السبت، يوليو 25، 2009

ندوة لمناقشة ديوان: قبل الليل بشارع

تقيم اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين الجلسة النقدية لمجلة الشعر بمقر نقابة الصحفيين المصريين قاعة طه حسين لمناقشة الديوان الرابع للشاعر إيهاب خليفة " قبل الليل بشارع" " الصادر مؤخرا عن "إيزيس" للنشر والتوزيع. وذلك " يوم الأحد الموافق 26 يوليو الجاري، في تمام السابعة مساء. يناقش الديوان الناقد: ود. أحمد الصغير،وحاتم الجوهوى يدير الندوة الناقد عمر شهريار.

وخليفة صدر له من قبل: "المساء يستريح على الطاولة"، و"طائر مصاب بالإنفلونزا"، "أكثر مرحا مما تظن".

fares khedr
www.fareskhedr.netfirms.com
0127341893

هل من شخص أخر

سيد ماجد مجدلاوي

قارض الشعر شخص مؤمن بالله والملائكة والجن والعفاريت ولا يقبل الخروج عن النص إطلاقا. يعرف أصول الإيمان ، ويحفظ غيبا نصوص الدين والصلوات ، بل وقرض بعضها على بحور الخليل التي يبحر فيها بخفة ومهنية. ولولا زلة صغيرة في سجله الرباني، لعدوه مع الصالحين والمعتمدين.
كان يقف للمصلين بالمرصاد منبها عن الخطأ السائد في حركات الوضوء، ماذا نغسل أولا، وكيف وماذا يجب أن يقول المؤمن... وأضحى حجة في موضوعه ومرجعا موسوعيا متحركا.
لولا زلته، العائق الذي يلاحقه منذ شبابه الباكر لارتفعت أسهمه. الشيطان ضلله فقفز على حمارة . الحمارة هربت مذعورة مما أغضب صاحبها ، فصاح به :
- ركبتها .. صحتين . لكن اربطها أولا يا ابن الناس .. من سيركض وراءها الآن ؟
حقا ربنا غفور رحيم، كتب قصائد على أوزان الخليل بن أحمد إلى الله ليمسح له زلته. حمل تعاويذ من شيوخ أجلاء لتخليصه مما علق فيه ... وبات يذكر اسم الله ألاف المرات في نهاره وليله ويقال انه يصرخ باسم الله حتى في نومه.. وماذا يعمل أكثر ؟ لا يصدقه أحد . قصة الحمارة ركبته وكأنها ولدت معه من المهد ، وسترافقه إلى لحده . ربنا يغفر أما خليقته فلا تغفر. مضت ثلاث عقود على الحادث .. وربما أكثر . هو نسي الحادث ، ولكن سهرات البلد ترويها وتزيد عليها وكأنها هيل للقهوة السادة التي تدور فناجينها على المتسامرين .
عندما أنشئوا ناديا ثقافيا في البلدة ، دعوه ليلقي من قرضه في أمسية الافتتاح . أقيمت منصة في الهواء الطلق ليتسع الاحتفال لجميع أهل البلد .لم يبق رجل أو امرأة أو رضيع أو بهيمة لم تحضر للساحة لتحتفل بمناسبة تحدث كل نصف قرن في بلدة مثل بلده.
في الليلة الموعودة ظهر قارض القريض أنيقا، مما يشكل بحد ذاته إعجازا اجتماعيا. كان يرتدي بنطلونا رماديا مكويا في الناصرة عند "مكوجي " مهني ، وكلفه ستة شواكل كاملة ، وقميصا اشتراه من محلات عمر المختار ، حريريا أبيض اللون ، فبدا مثل البرغوث بصحن اللبن .
قبل أن يحين دوره ، وقعت عيناه على صاحب الحمارة الذي جاء راكبا حمارته ليستمع وتستمع هي أيضا لمن كان قراضة وصار قارضا . كان ينظر إليه ويبتسم . حاول تجاهله ، ولكنه يقترب بوقاحة من المنصة ، أجهده العرق البارد .. وقفز مغادرا المنصة بحجة ارتباطه بموعد سابق هام كاد ينساه ، وقد يعود متأخرا ...
ولكن الجمهور ضج بالضحك ...
في اليوم التالي قرر الصيام والصلاة لرب العالمين من الصبح حتى الليل، وحثه على شطب زلته من يوم الحساب في الآخرة ، ومن ذاكرة أهل البلد وشل ألسنتهم الطويلة.
في اليوم الذي بعده ، قرر أن يواصل الخلوة ، ولكن بجولة في الطبيعة التي خلقها أعظم الخالقين .
دب بحذاء جبلي نمرة 48 في السهول والوديان والهضاب وهو يذكر اسم الله منغما على بحور الخليل التي يعتبر نفسه سيدها بلا منازع .ربما لهذا السبب لم يعد الشعراء في بلادي يكتبون إلا الشعر المنثور .... وإذا تعدوا على بحور القارض يغرقون بأمواجها وحواماتها .
عندما لم تعد قدماه تقويان على حمله قرر الجلوس على حافة بئر ما زال قائما في وسط قرية مهدومة ومهجرة .
فتحة البئر غير مغطاة لسبب لا يدريه ، وكل ما هنالك تحذير من الاقتراب وخطر السقوط . ولكن الله قوى عزمه وثقته فجلس يستعيد طاقته ليواصل خلوته ودعواته .. ويبدو أن الإرهاق كان شديدا ، وهبت عليه نسمات فيها بروده .. ولا يعرف كيف غاب في غفوة .
وفجأة فقد توازنه .. فارتطم رأسه بحافة البئر ، ولم يجد ما يتشبث به ليمنع سقوطه ، فهوى داخل البئر وهو يصرخ بأعلى صوته :" رحمتك يا رب " فإذا الرحمة لا تتأخر فيتعثر في سقوطه بجذع بارز على عمق عشرين مترا أو أكثر داخل البئر ، مما منع ارتطامه بالقاع ، والتحطم أو الغرق ..
قبض على الجذع بقوة ذراعيه ، وبدأ يصرخ لرحمة أخرى من الله تخرجه من هذا المأزق .. وبنفس الوقت ينادي لعل عابر سبيل يسمعه فيمد، بمعونة الله .. حبلا يصعد به إلى خارج البئر. كان واثقا أن الله لا يخذل المؤمنين ..
- عونك يا رب .. أنقذ عبدك المؤمن في محنته .
ويصيح يائسا مرعوبا من أن يحدث ما هو أسوأ فلا يحمله الجذع أو لا تصمد قبضتيه فيهوى إلى القاع. واعترته فكرة أرعبته أن يكون ما يحدث له أمر رباني لنقله من الحياة الفانية إلى جنة الخلد . طرد الفكرة من رأسه وعاد يصرخ :
- يوجد أحد فوق ؟ أنا سقطت داخل البئر . أنقذ عبدك المؤمن يا الله ..
نظر إلى أعلى فلم ير إلا فتحة البئر وعبرها قطعة من السماء الزرقاء .
وفجأة يرعد صوتا يهز الأرض وضوء شديد يبهر عينيه:
- إنا ربك موجود هنا ، اترك جذع الشجرة وسوف أنقذك.
القارض مؤمن .. ويعرف اعجازات الرب الكثيرة .. وما سمعه سيكون إعجازا حقا.. ولكنه فكر بعقله .. إن ترك الجذع دون أن يمسك بما يساعده على الخروج ، سوف يجعله يسقط بالتأكيد .
ولكن الصوت حقيقة مؤكدة .. فكر .. وصاح بأعلى صوته مصرا على التشبث بالجذع :
- هل يوجد شخص آخر فوق ؟!

• قاص فلسطيني من مجدل غزة ، يقيم في اللد مؤقتا.
saidmajdalawi@gmail.com

الجمعة، يوليو 24، 2009

الأديبة المغربية أسماء غريب تفوز في إيطاليا بالجائزة العالمية للشعر


أحمد الدمناتي

المغرب

أعلنت اللجنة الإيطالية المنسقة للمهرجان الشعري العالمي "جزيرة الأبيات" بمدينة "ساسّري" فوز الشاعرة المغربية أسماء غريب بجائزة المهرجان عن قصيدتها "سلطعون النسك" و قد كان إلى جانب الشاعرة فائزتان أخريتان و هما الإيطالية : "ماريكلا مورغانو " و الإنجليزية "دانييلا رايموندي". باقي المشاركين كانوا من مختلف دول العالم, إذ كانت حاضرة إيران و اليابان و البرازيل و المانيا و دول أخرى عديدة .
و الأديبة أسماء غريب من بين أوائل النساء العربيات اللائي تخرجن من جامعة الدراسات والأبحاث بمدينة إقامتها بميزة حسن جدا مع مرتبة الشرف الأولى (شعبة اللغات والآداب الأجنبية والدراسات الشرقية الإسلامية) و هي ذاتها الجامعة التي حصلت منها بتفوق ومع مرتبة الشرف على شهادة الماجستير الدولي الخاص بدراسات حول البلدان العربية و الإفريقية. و هي الآن متفرغة لأبحاثها الأكاديمية الأخرى و لمجلتها الأدبية الإلكترونية "نوستالجيا" التي أسستها و تشرف اليوم على إدارتها و هي قبل هذا كانت لها العديد من النشاطات الثقافية تدور كلها حول التعريف بقدرات وكفاءات المرأة العربية المسلمة وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي يحملها الغرب عنها وعن الإسلام وذلك من خلال عملها كمسؤولة عن القسم العربي بمجلة نصف السماء الإيطالية: سابقا ومجلة الفوانيس الإيطالية حاليا: أي من المدة الفاصلة بين 2003 إلى 2007 .
ـ سهرت حديثا على ترجمة الجزء العربي الخاص بكتاب "حكايات الهواء، التراب، الماء و النار" الذي صدر مؤخرا عن دار النشر الإيطالية روبتّينو.
ـ ترجمت للعديد من الأدباء الإيطاليين وخاصة للأقلام النسائية المعاصرة، و ترجمت أيضا لأقلام عربية هامة من اللغة العربية إلى الإيطالية.
ـ صدر لها العديد من الكتب الرقمية و المقالات والتحاليل والدراسات الأدبية في العديد من المواقع العربية والأجنبية..
ـ عضوة وكاتبة في الموقع الإيطالي الأدبي: "النساء الجميلات"
ـ عضوة شرف بالمركز المتوسطي للأبحاث و الدراسات بطنجة
ـ صدر ت لها بالمغرب مجموعة قصصية بعنوان "خرج ولم يعد".
ـ مسؤولة عن الركن الإيطالي لجمعية عتيدة للترجمة و حوار الحضارات
شاركت في:
ـ أنطولوجيا الشعر العربي التي أعدها مؤخرا الشاعر والروائي منير مزيد بقصيدتها: شمعدان النجم
ـ أنطولوجيا القصة المغربية القصيرة التي أعدها الكاتب والقاص سعيد بوكرامي بقصتها: وجهان وامرأة واحدة.
ـ ترجمت لها العديد من الأعمال إلى اللغات: الإنجليزية، الفرنسية والرومانية ثم الإيطالية.

آخر أعمالها:
ـ دراسات: قاموس نساء صقليات باللغة الإيطالية (ساهمت فيه بدراستها حول الأديبة الصقلية الراحلة آنيي ميسسينا والتي كانت تصدر كتبها في مصر باسم جميلة غالي) و قد صدر عن دار النشر الإيطالية إيمانويله روميو.
ـ ترجمة: مدار الكلمات للأديبة السورية مريم نجمة (ديوان شعري) من اللغة العربية إلى اللغة الإيطالية.
ـ ترجمة: مدائن يسكنها البحر (ديوان شعري) للشاعر و الدكتور المغربي محمد نجيب زغلول.
ـ دراسات: العبودية والرق بين الماضي والحاضر عن جامعة الدراسات / قسم الدراسات التاريخية باللغة الإيطالية.
ـ ترجمة: الضفة المعاكسة للشاعر الإيطالي فابيانو ألبورغيتّي ستصدر قريبا (ديوان شعري يتحدث عن تجربة وويلات و محن الهجرة السرية إلى إيطاليا)
ـ ترجمة الموقع العربي عتيدة إلى اللغة الإيطالية:
ـ ترجمة مجموعة قصصية تحمل عنوان "تحت سماء دافئة" للكاتب والمترجم التونسي إبراهيم درغوثي.
ـ ترجمة مجموعة قصصية بعنوان "فجر العصافير الطليقة" للكاتب و الصحفي الفلسطيني نضال حمد.
ـ تنقيح الترجمة الإيطالية للكتاب التاريخي: "الإسلام ـ تاريخ عالمي- لكاتبه باللغة الاسبانية، الأستاذ المصري المحاضر بجامعة مدريد، جمال عبد الكريم والصادر في إيطاليا عن دار النشر أباديسّا.
ـ مجموعتها الشعرية الجديدة و التي تحمل عنوان: "بدونك" و الصادرة عن دار النشر الإيطالية كليبسيدرا.

شاعر وناقد من المغرب
Demnati_ahmed@yahoo.fr
للتواصل البريدي العادي على العنوان التالي
20 زنقة أبي علي اليوسي/ العرائش 92000/المغرب
rue abi ali elyousi n 20 LARACHE 92000
Maroc

شاعرات من العالم العربي


أحمد الدمناتي

المبدعات الشاعرات من مختلف جغرافيات العالم.

هذه دعوة مفتوحة لكن في الوطن العربي كما في المهاجر الأوربية والأمريكية.
تحية مسكونة بغواية الكتابة وحرائق الإبداع
المرجو التفضل بالمشاركة ،ولكم كل المحبة والشكر سلفا.

ملف خاص
س1 :هل يمكن تذكر ملامح طفولتك الشعرية الأولى وعناقك الأول مع بهاء الكلمة !؟
س2 :كيف تنظرون إلى القصيدة النسائية بالعالم العربي داخل خريطة الشعر العالمي !؟
س3: ولادة قصيدة, انتصار على خراب وخواء العالم, أم مصالحة مؤقتة مع انكسارات الذات !؟
س4 :كيف ينظر النقد العربي إلى القصيدة التي تكتبها امرأة !؟
س5 :في الشعر متسع للجنون والدهشة, أيكفي هذا الجنس الإبداعي لشغب التمرد وفرح البوح وشطحات الذاكرة في انفتاحها على العالم !؟
س6 :القصيدة خائنة المواعيد بامتياز ومتمردة على أدبيات اللقاءات الروتينية, ما هو الوقت الجميل للقبض على دهشة القصيدة وحرائقها الباذخة !؟
ملحوظة هامة
-ترسل الإجابات على الحوار بطريقة سؤال/ جواب إلى :
الشاعر والناقد : أحمد الدمناتي
شارع علال بن عبد الله. زنقة أبي علي اليوسي. رقم 20 . العرائش 92000 . المغرب.
-أو على البريد الالكتروني : E- mail :
Demnati_Ahmed@yahoo.fr


- أن تكون الحوارات مكتوبة بخط واضح أو مرقونة بطريقة سؤال/جواب
ومرفقة بصورة شخصية وسيرة إبداعية للشاعرة.
ترسل صورة الشاعرة والإصدارات إن كانت موجودة مصورة عبر البريد الإلكتروني.
تنشر هذه الحوارات في الصحافة الثقافية المغربية والعربية،وتجمع في كتاب لاحقا.

الخميس، يوليو 23، 2009

تُرْهِبُ المَعْنَى وَتَغْتَالُ اللغَة في طُفولتها


أحمد الدمناتي
إلى الصديق الشاعر حسن نجمي تضامنا مع قصيدته وطيبوبته أيضا.
-1-
أن تَجْرحَ الشاعر في كرامته وقصيدته ولغته ،مثلما تَجْرَحُ غِبطة غيمةٍ ذاهبة لسفر سري مع فراشة،أو تُهدد نورسا يستضيف شيخ
همنغواي بمحبة نادرة على أريكة مقهى في مساء خريفي.
-2-
عندما تمنع شاعرا من السفر لتمثيل بلده،فإنك تُرهب المعنى وتسعى بكل سُلطك الرمزية والواقعية لتتمرد على كل القيم والأدبيات والسلوكيات السوية،وتظلم حضارة الإبداع.تغتال اللغة في طفولتها السعيدة،وتحتال على القانون لتجهض سيرة كل طفل في بطن الكلمات يحلم بأن يكون شاعرا في المستقبل.
-3-
أن تمنع شارا من السفر،معناه انك تُحرضه على رمي جواز سفره في دولبه،ويستدعي القصيدة لعشاء ليلي أنيق ليكفر عن خطاياه الجميلة مع كبرياء شخصيتها.
-4-
أن تمنع شاعرا من السفر،معناه أنك تفترس الأبجدية،وتدمي رائحة الورد في بهو الغياب لعاشقة تنتظره في حديقة "الهايد بارك"،وتقتل حُلما استثنائيا في خيال كائن إبداعي آمن منذ البدء بقيمة القصيدة في مناهضة الظلم والعدوان والاستبداد.
-5-
أن تمنع شاعرا من السفر، معناه أنك تُساهم في قتل قبيلة من القصائد كانت تستعد لمهاجمة مجموعة من الشعراء الأنيقين على دقات "بيغ بان"بِتُهمة عدم صلاحية جواز سفرهم من وإلى المعنى.
-6-
أن تمنع شاعرا من السفر،معناه أنك تضرب في العمق الوضع الاعتباري للشاعر مُحباً للحياة،وصديقا للكائنات، وحارس العالم من الخراب والانهيار.
-7-
أن تمنع شاعرا من السفر،معناه أنك تَخُونُ سؤال الحب والكتابة والتجربة،وتُمارس دعاية الترهيب لكل قصيدة تسعى لمصافحة ثقافة الآخر المفتوحة على أبدية الإنسانية المشتركة،وعلى كونية الكتابة كحق لكل كائن ينتفض ضد هشاشة العولمة التي تسحق الإنسان.

في محرابِ أمير ِ النحل

عبدالله علي الأقزم

أميرَ النحل ِ

كمْ تهواكَ أجزائي

فخذهـا

للمناجاة ِ

و خذها

دُرَّةً بيضاءَ

تسطعُ

بالتـِّلاواتِ

و خذها

في ربيع ِ النور ِ

بدءاً

لانطلاقاتي

بمعنى نـبـلِـكَ

الفيَّاض ِ

قدْ أيقظتَ

أوقـاتـي

بسرِّ جمالِكَ

الأخاذِ

قدْ غرِقتْ

كتـابـاتـي

بحبـِّكِ

يا أبا الحسنين ِ

قدْ أنشأتُ

أشرعتي

و مرساتي

بحبِّكَ

يا أبا الحسنين ِ

دربي منكَ

ألـَّفني

رواياتِ

سأجعلُ

حبَّكَ الأحلى

على صدري

يُشعشعُ

بالحضاراتِ

سأجعلُهُ

معي بدراً

معي أحداً

سأخلقُ

مِنْ معانيهِ

عباراتي

سأرسمُهُ

معي ظلاً

يُظلِّـلُـنـي

قراءاتِ

أحـبـُّكَ

يا أبا الأحرارِ

حرِّرنـي

مِنَ الشهواتِ

مِنْ نار ِ الغواياتِ

أحبّـُكَ

في طريق اللهِ

في جوِّ مِنَ التـقـوى

غياثـاً

للـعـبـاداتِ

أحبُّكَ

في دليل ِ النُّور ِ

في آدابِ أنهار ٍ

تـُحوِّلُني

افتتاحاتِ

رأيتـُكَ

في صلاة ِ الليل ِ

معراجاً

لبسملةٍ

و قائمة َ ابتهالاتِ

رأيـتـُكَ

دائماً بطلاً

تسلسلَ بالفتوحاتِ

رأيـتـُكَ

في سباق ِ النور ِ

أتعبتَ

المسافاتِ

و كمْ حطَّمتَ

أصناماً

و كمْ أحييتَ

في الموتى

الإراداتِ

وليدَ الكعبةِ الغراء ِ

يا وجهَ البشاراتِ

قرأتـُكَ

فوق مشكاتي

شهابـاً

يصنعُ الأمجادَ

يسطعُ بالمروءاتِ

و كلُّكَ سيِّدي

فتحٌ

تلوَّنَ بالنجاحاتِ

و سيـفـُـكَ

ما انحنى أبداً

و لو يبقى

بسلسلةِ انكساراتِ

و كلُّ ضلوعِكَ

النوراء ِ قدْ أمستْ

إلى الإسلام ِ

راياتِ

أيا أعلامَ منقبةٍ

أيا محرابَ أدعيةٍ

أيا تفسيرَ كوكبةٍ

أيا مجموعَ أسئلةٍ

شروحُكَ

في تراجِمِهـا

تتالتْ

بالإجاباتِ

أبا الإقدام ِ

في علم ٍ

و في أدبٍ

جهاتـُكَ

في سراج ِ الحبِّ

قد صنعتْ

فضاءاتي

و بينَ جمالِكَ القدسيِّ

قد أحيتْ

مسرَّاتي

و وجـهُـكَ سيِّدي

يحكي

لنا التبيانَ

و العرفانَ

و الإيمانَ

و المستقبلَ الآتي

و وجهُكَ

في اكتمال ِ الدين ِ

قد أمسى

و قد أضحى

لأحلى الحبِّ

مرآتي

ألا خذني

إلى آفاق ِ ملحمةٍ

يُعَايشُ ذاتـُهـا

ذاتـي

أميرَ النحل ِ

قد سافرتَ في الدنيا

بطولاتٍ مقدَّسة ً

و في الأخرى

فتوحـاً

في سماواتِ

ستسكنُ

فيكَ خاطرتي

ستـُبدعُ فيكَ

أبياتي

سيبقى

اسمُ حيدرةٍ

يُسافرُ

في مساماتي

سيبقى

اسمُهُ زمناً

تنفـَّسَ بالكمالاتِ

عليٌّ

في انتصار ِ الفجر ِ

قد أضحى

لنا أفقَ

اكتشافاتِ

عليٌّ ذاكَ

ماضينا

و ذاكَ جديدُنا

الآتي

عليٌّ

حبـُّهُ عسلٌ

صداهُ

وردةٌ سطعتْ

و فاضتْ

بالبطولاتِ

عليٌّ

قولُهُ فعلٌ

تـفـتـَّحَ بالكراماتِ

1عليٌّ

في مبادئـِهِ

تشكَّلَ كلُّ ما فيهِ

انتصاراتِ

عليٌّ

وجهة ٌ أولى

لأفواج ِ الإشاداتِ

هوَ الحبلُ

الذي يُنجي

عبادَ اللهِ

مِنْ موج ِ التعاساتِ

و مَنْ عاداهُ

عنْ علم ٍ

و عنْ جهل ٍ

سيُدركُ

أنَّ جوهرَهُ

تضخـَّمَ بالنفاياتِ

و مَنْ والاهُ

عن وعي ٍ

سيجعلُ

كلَّ ما فيهِ

طريقاً للسماواتِ

بحبِّ المرتضى

انفتحتْ

حروفُ الدين ِ و الدنيا

بطولاتِ

أجراسُ داروين

شوقي مسلماني
كانت السفينةُ تمضي
ورأى جزُراً

كان يخطّ في دفتر
من سجلّ الحياة
ما لم يُخطّ

خمس سنوات تختصر خمسة مليارات من السنين
قُرِعتْ أجراسٌ: أيّها العالَم إنّك تتغيّر
الثابت هو إنّك تتغيّر
الثابت هو أنّ التغيُّر ثابت

جذْعٌ، أفنانٌ، غصون
أزهار، ثمار
شجرةُ عيد ميلاد

ومزيد من الملح على جرح

خمس سنوات
وهو يتمعّن بالأجنحة والزواحف
والأسنان والأنياب والهوام
والزهور والأشجار
ويخطّ في دفتر من سجلّ الحياة الكبير ـ القديم
تفاصيل دقيقة بأحرف كبيرة

التولّد الذاتي
النشوء، التطوّر، الشمس
الغذاء، الإتّصال ـ الإنفصال
الأصلح، الخيبة، الأمل

خمس سنوات ..
ويسجّل مِنَ السجلّ الأكبر في الدفتر

وفي الأسابيع الأخيرة من الرحلة
على متن "بيغل"
التي تمخر عباب الفضاء
انهمر ضوءُ لنظرة عميقة، بليغة، كريمة
مختلفة تماماً.
Shawki1@optusnet.com.au

الأربعاء، يوليو 22، 2009

ياشيــخ

مريم الراوي
إستل قلمه من محبره الدم.. تقدم الصفوف، شهر الكلمات رصاصاً بوجه النازحين، المتعبين.. اولئك الذين قتلوا غدراً وعلانية بلا رحمة.. اولئك الذين أشفقنا عليهم بخيمة، وبكوب ماء وخبز قديم.. بقبح خائن، وخبث مرتزق عميل، لبس العقال وعلت جثته العباءة المخملية..أزاح الكافيار من على شفتيه المثقله بالخمر والكذب.. وصاح بجمع الخانعيين" لم نستطع أن نتواصل بالشكل الصحيح معهم"!!" لم نزل في خطوتنا الأولى،ولم نبادرهم المودة والترحاب كما يجب"!!!!!
من المؤكد إنه لايوجد معنى لعلامات التعجب هنا.. لكنها لم توضع إعتباطاً مني، بل كانت سيفاً ذا نصل تعلوه الشمس، تلفحه الرياح بلا هوادة، لكنه أبداً لم يصدأ..وبقي يغرز فكرته جمراً على رؤوس المطأطئين والصامتين.. فأخبروني الآن،كيف لنا أن نعجب بـ هذا "الغاندي" الجديد، وهو يمزق بسكاكين حروفه ماتبقى من وطن حزين؟! كيف مرت سحابه كلامه دون أن تثير زوبعة، حتى وإن كانت بسيطة في أرجاء هذه الأمة؟! فقط لنضحك على من تفتحت جراحهم تحت أنقاض بيوتهم ولم يعودوا ليودعوا النور ولو لدقيقة أخرى، كما غاب آخرين يشابهونهم على منصات المشانق، معلقي الأحلام ونصل السياف ينحر الأعناق الممتدة الى حدود الوطن المذبوح..
آآه أيها الصامتون، لم يكتب عليكم الركوع للجلاد، فلِم تغطى عيونكم بأعلام الغريب، ولم تعودا تبصروا سوى ناطحات رؤوس الصغار؟! أيها الصامتون الواقفون على حدود المنفى، إقتربوا، لاتبكوا عند مشارف النهار، لازال بالإمكان أن تهاجروا الحزن الى الغد، اليوم الى الفرح.. أيها المشاهدون المذبحة، لستم كراماً بعد الآن، إن لم ترسموا برمشكم الخنادق.. أيها الحاملون القضية، هذه قضيتكم في جعب السلاطين والملوك والشيوخ وبيد الراقصات والغانيات، وأصحاب المتاجر الفخمة، وتحت أقدام الشعوب العربية..
أيها الحالمون بالغد، وبأرض عربية، تأريخنا تأريخكم محض مؤامرات والأعيب بإسم الفقراء والجوعى، ومن خلف الأبواب ينتفخ جيب الحاكم بالدنانير الذهبية!! ياأيها الحاملون للقلم ولمشكاة الكلمة، من منكم كان نبيه غسان؟! ومن إتبع حنظلة منكم ولم يكن للقاتل دمية خشبية؟!
أيها الملتحون بالنفاق والكذب، إحلقوا شواربكم لغزكم بات مفضوحاً، فقد سقطت الأعجمية من موازين الإنسانية..أبعدوا كروشكم عن وجوه جوعنا، أغربوا بقصوركم عن شرفات أزقتنا، أزيحوا شعاراتكم عن جدران بيوتنا.. أنتم.. أنتم، أيها الراكعون لغير وجه الوطن، من فرش لكم البساط لتركعوا؟! أيها الظلال الواقفة خلف السلاطين، لم البكاء على القضية؟! وأنتم من عبدتم الشوارع لتمر جنازير الدبابات كضفائر طفلة تحلم بالحرية..
أنتم أيها الخانعون، الصامتون، الخائفون، الحالمون بلا حلم، أنتم أيها الأغلبية، من خنتم البندقية.. ياشعب قهوته من " ستارباكس" ومثلجاته من " باسكن روبنز" لايمكن له إلا أن تكون منه ياشيخنا ، فكيف أعتب عليك؟! فــ عذراً ياشيخ العرب، وياملك القلوب.. كنت خير رسول لنا، وسط جماهير العيون الزرقاء الأجنبية.. والعذر موصول لتلك المدللة، والتي بقدرة شعوبنا أصبحنا بلا إستثناء الـ "بيبي ستر" لها.. فعذراً ، لازلنا نتعلم منكم أبجديات الديمقراطية والحرية!!!!

زفة العروس -2

انطوني ولسن
استراليا

كانت شلبية تفكر في مصير نعيمة حين تذكّرت فجأة «المعلم» الذي ابدى اهتماما ملحوظا بها، فازداد همُّها وبدأت تبكي حظها العاثر معه، وخروج نعيمة بهذا الشكل المجنون الغريب.

نعم، نعيمة كانت تصرفاتها مؤخرا غير عادية، كانت متمردة لا تريد ان تستمر في عملها كراقصة في القرية. كرهت هذه الحياة وكرهت عيون الرجال التي تكاد تخترق ملابسها لتعريها في شهوة جائعة. ولم تخلُ نظرات النسوة من غيرة حاقدة حاسدة، فهي اجمل من اي فتاة او امرأة اخرى.. قوام ميّاس ووجه مليح وشباب وحيوية تفتقر الكثيرات اليها.

وصلت نعيمة الى دار العمدة وهي تلهث. سألت عن العمدة فقالوا لها انه في المركز وسيعود غدا. سألت عن ابنه، فأجابوها ايضا انه خارج المنزل ولا احد يعرف متى سيعود. فما كان منها إلا ان قالت لهم:

نعمية: واين الحرامي؟

الخفير: في الحجز.. ولماذا تسألين؟

نعيمة: لقد رأيت الحرامي.. واريد أن اتأكد ان كان هو.

الخفير: حقا؟!.. رأيت الحرامي؟!

نعيمة: نعم.. نعم رأيته.

الخفير: اذا كنت قد رأيته.. فلماذا تريدين ان تريه الآن؟

نعيمة: اريد فقط ان اتأكد أنه نفس الشخص..

الخفير: «ودي ح تفرق حاجه»؟

نعيمة: «جرى ايه يا شيخ الخفر».. «انا حُرمه.. خايف من ايه»؟

الخفير: «يبرم شواربه».. «انا لا خايف ولا حاجه».

نعيمة: «طب خليني أطل عليه»

يحتار الخفير وينظر اليها بإعجاب ويسألها ان تتبعه الى داخل الدار، فتسير خلفه الى ان يصلا الى غرفة صغيرة خارج الدار محاطة بسور صغير يفصل الدار عن مزارع الذرة. ورأت خفيرين واقفين امام الغرفة بسلاحهما للحراسة.

نعيمة: ياه.. يبدو انه مجرم خطير!!

الخفير: هذه اوامر العمدة فتح الله.

نعيمة: هل لي ان اراه؟

الخفير: يا نعمية.. «بلاش» اللي في دماغك..»

نعيمة: «والنبي.. والنبي علشان خاطري».

ينظر الخفير الى الخفيرين الاخرين ويطلب منهما فتح الباب واحضار المتهم، يخرج المتهم وهو شارد في حالة ذهول.. تدور نعيمة حوله وتدفعه بطريقة عفوية ناحية السور.. يتحرّك الفتى دون ان يعرف ما الذي يفعله او تفعله نعيمة.. ينظر الخفر الثلاثة اليهما وهم في عجب من أمر نعيمة. انها تحاور الفتى بجسدها وكأنها ترقص.. تنظر اليهم وتبتسم.. ولا احد يعرف ماذا في رأسها.

اقتربت نعيمة والفتى من السور.. وفجأة صرخت فيه وقالت:

نعيمة: اقفز واجرِ بسرعة..

قفز الفتى وتبعته نعيمة في سرعة خاطفة.. اختفى الاثنان داخل عيدان الذرة، وكالبرق، كانا يجريان وتبعهما الخفر الثلاثة وهم يطلقون العبارات النارية.. ولم يوقفهما شيء.

***

وصل شهدي ونعيمة الى كفر البلاص وهما في حالة من التعب والارهاق. فقد ظلاَّ يجريان الى ان خرجا بعيدا عن دار العمدة ودائرة القرية.. وعلى الطريق الزراعية بدأت خطواتهما تتباطأ. نظر اليها وكانت المرة الاولى التي يرى وجهها. عندما كانت تُزفُّ العروس، لم يلتفت اليها او الى الزفة. بل كان في طريقه الى الكفر بعد ان انهى عمل اليوم في مزرعة الحاج وهدان. ومع ذلك وجد نفسه فجأة مقبوضا عليه ومتهما بسرقة محفظة من احد المزارعين وموضوعا في الحجز لحين عودة العمدة من المركز. والآن الى جواره امرأة. سمع الخفر ينادون عليها باسم نعيمة، جازفت بنفسها وحياتها لانقاذه.. امرأة جميلة وتبدو بريئة على الرغم انه سمعهم ايضا يقولون عنها نعيمة الراقصة.

أما هي فقد تطلّعت الى وجهه واحتارت ماذا تقول له، لا بد انها قرأت ما يدور في خاطره من تعريض نفسها للمخاطر من اجل انقاذه، وهي التي لا تعرف عنه شيئا. هدأت خطواتهما اكثر فأكثر، ولكنه تذكر فجأة انهما مطاردان. لا بد وان الخفر سيلحقون بهما الى الكفر. لذا اسرع الخطى مرة اخرى واخذ يجري واشار اليها ان تتبعه.. ففعلت.

وفي داخل أزقة الكفر، بدأ يرقب الطريق ويسير في حذر وطلب منها ان تسير خلفه حتى لا يلحظ احد انها معه. وصل الى حيث يقطن.. دقَّ باب البيت ففتحت له زوجته وما أن رأته حتى صرخت وولولت.. طلب منها ان تسكت وتخفض صوتها فما كان منها ان قالت له:

- غائب منذ أمس دون ان نعرف عنك شيئا.. وتأتي الآن ومعك امرأة ولا تريدني أن اصرخ واولول واجعل اهل الكفر يرونك وانت هكذا؟

ما ان انهت زوجته قولها، حتى بدا على مرمى النظر عدد من الخفر ومعهم فتح الله ابن العمدة.. وحين رأتهم نعيمة صرخت فيه:

نعيمة: انهم قادمون نحونا.. هيّا بنا وإلا قتلونا.

جرى الاثنان مرة اخرى وزوجة شهدى لا تعرف ماذا تقول او ماذا تفعل.. رأهما الخفر وفتح الله، فجروا وراءهما مارين امام بيت شهدى.

***

سقطت نعيمة من الاعياء والتعب، التفت شهدى خلفه قرآها على الأرض. توقف لحظة.. ثم عاد اليها.. نظرت اليه وقالت:

نعيمة: اهرب انت.. اجرى.. لا تخاف علي..

شهدى: لا.. انهضي لنهرب معا.

لم تستطع النهوض، فأنحنى على الأرض وحملها فوق «كتفه» واخذ يركض، وكان من البديهي ان يلحق بهما فتح الله ابن العمدة والخفر الذين معه. انهال فتح الله على نعيمة بالضرب والركل والسب. وأما الخفر، فامسكوا شهدى، ودارت معركة بينه وبينهم، انضم اليه اهل الكفر الذين تعاطفوا مع ابن كفرهم دون ان يسألوا عن شيء آخر.

من يرى فتح الله وهو يضرب نعيمة هذا الضرب المبرح، يظن ان ثأراً بينهما، وأنه يريد ان ينتقم منها لشيء هم يجهلونه، لم يهتم بالسارق بل كان جلُّ همِّه ضرب نعيمة دون رحمة.

امسك بعض من الشباب بفتح الله محاولين ابعاده عن نعيمة.. فجُنَّ جنونه وأخذ يضربهم ويسبهم، وساعد آخرون نعيمة على الهرب بعيدا عنه. كما استطاع شهدي ان يجري بعيدا دون ان يلحق به احد.

فقد فتح الله السيطرة على نفسه، واخذ يضرب الخفر ويسبهم ويتوعدهم بفصلهم من العمل وهدد اهل الكفر متوعدا بتربيتهم وحبسهم جميعا، لانهم ساعدوا على تهريب مجرم مقبوض عليه في قضية سرقة، كذلك مساعدة شريكته وعشيقته «الراقصة نعيمة، والتي يعرف الناس جميعا سمعتها السيئة واخلاقها الفاسدة، واقسم لهم وتوعدهم وادار ظهره عائدا من حيث أتى.

توجّه كل من كان موجودا في كفر البلاص الى منزل شهدي لمعرفة حقيقة ما يحدث. رأى الناس زوجة شهدي وهي تصرخ و»تلطم» وحولها أقاربها يحاولون تهدئتها، سألها احد رجال الكفر الذين سمعوا العمدة فتح الله وهو يتوعد شهدي ونعيمة:

- يا ست ام اسحق، ما الذي حدث .. سمعنا العمدة فتح الله يتحدث عن «ابا اسحق» وراقصة اسمها نعيمة !؟

اجابته زوجة شهدي والأعياء بادٍ عليها..

لا اعرف.. فوجئت به يطرق الباب ومعه تلك المرأة!.. تدخَّل في الحديث رجل آخر فقال:

هذا فجر ما بعده فجر.. شهدي يأتي الى منزله وبصحبة امرأة يقولون عنها انها راقصة..

يتساءل ثالث:

- ولكن يا ست «أم اسحق» اليس من المفروض انه في عمله في مزارع الحاج وهدان؟

وهنا يتدخّل والد شهدي المقدس زكي ويقول:

- يا ناس ارحمونا.. «علشان خاطر المسيح سيبونا في حالنا دا شهدي غايب عن البيت من امبارح».

تدور همهمة بين الناس وتساءلات حول غياب شهدي عن المنزل ويسأل احدهم مؤكدا:

- تقول يا مقدس انو غائب عن المنزل «من مبارح»؟

يرد عليه والد شهدي المقدس زكي:

-»ايوه من امبارح» يا مقدس غطاس..

تصرخ زوجة شهدي في الناس وتقول لهم:

- يا ناس «سيبونا في حالنا»..

يقترب منها المقدس غطاس وهو يقول لها:

- «لا يا بنتي.. احنا عيلة واحدة لازم نعرف الحكاية».

دخل من دخل الى دار شهدى.. وغادر المكان من غادر، وهدأت زوجة شهدي، وأخذ المقدس زكي والد شهدي يقصُ عليهم ويخبر الجميع أن شهدي كان غائبا عن الدار منذ الأمس. لم يعد من عمله كالمعتاد. وانهم سهروا الليل في انتظار عودته. واحتار الجميع لانهم لا يعرفون ماذا يفعلون. وقد فاجأ زوجته بحضوره ومعه هذه المرأة، وبعد ذلك مطاردة العمدة فتح الله والخفر لهما بهذه الصورة.

وقد علق البعض على الطريقة الوحشية التي كان يضرب بها فتح الله المرأة المسكينة التي كانت تحتمل ركلات قدمه وتصرخ في صمت والدم ينزف من أنفها وفمها بغزارة نتيجة صفعات يده «الثقيلة».

ايقن الجميع أن في الأمر شيئا غامضا تعرفه نعيمة فقط. لذا يطاردها فتح الله ورجاله ويضربها بهذه الطريقة.. «اللا آدمية».. اما عن شهدي، فقد اكدت زوجته امام الجميع، انها اخطأت في حقه عندما اتهمته اتهاما باطلا مع هذه المرأة.

نهض بعض من الشبان عاقدين العزم على الذهاب والبحث عن شهدي ونعيمة وحمايتهما قبل ان يوقع بهما فتح الله الاذى اكثر من ذلك. وقد عرف بعضا منهم من تكون نعيمة وأين تعيش مع عارف الطبال وزميلتها الراقصة شلبية.

(يتبع)

صباحكم أجمل/ همسات بغداد 2


زياد جيّوسي

أغادر رام الله العشق والجمال في الثّاني من تمّوز لهذا العام، متّجهًا إلى عمّان الهوى، يجاذبني العشق بين رئتيّ القلب الّتي يفصل بينهما نهر مقدّس. أجول شوارع رام الله صبيحة سفري رغم حرارة الجوّ، أتنسّم عبق ياسمينها وهواها، أركب السّيّارة باتجاه استراحة مدينة أريحا لركوب الحافلة باتّجاه عمّان، يتمزّق صدري من امتداد المستوطنات الّتي تستولي على أراضينا المقدّسة، في ظلّ صمت دوليّ مريب وعجز عربيّ، تمزّق فلسطينيّ لا تلوح له في الأفق حلول.. أصل الاستراحة وآخذ رقم صعودي للحافلة، أستغل وقت الانتظار بقراءة (عين هاجر) للمرّة الثّانية للكاتبة المغربيّة رجاء الطّالبي، وديوان شعر (فراشة أم ضوء) للشّاعرة الفلسطينيّة رانيا ارشيد.. أسجّل العديد من الملاحظات وأواصل القراءة في رحلة الشّوق والمتاعب، الّتي استمرّت ثماني ساعات متواصلة- منذ لحظة مغادرتي رام الله حتى وصولي إلى عمّان في المساء. ألتقي شقيقي الأكبر وسيم ومجموعة من أصدقائي وزملائه الضّبّاط في المعبر الفلسطينيّ بعد غياب شهرين، يلومونني لإصراري على أن أنتظر في الاستراحة بدل المجيء للمعبر مباشرة لاختصار الوقت، فأبتسم وأقول: أفضّل الاستراحة كيّ لا آخذ دور من سبقني من أبناء شعبي، وأستغلّ الوقت بالإحساس بمعاناة المواطنين الّذي لا يحملون بطاقات الشّخصيّات المهمّة، ولا يحصلون على تنسيق لتسهيل مرورهم من قوّات الاحتلال، وأستفيد من الوقت بالقراءة وتسجيل الملاحظات.

بمجرّد أن تطلّ السّيّارة باتجّاه عمّان، ينتابني دومًا شعور غريب بالفرح. فعمّان، الّتي شهدت بعض طفولتي وشبابي، مدينة تسكن القلب وتتجذّر به يومًا إثر يوم، لكنّ رام الله تأبى أن تفارقني في عمّان أيضًا. عمّان تشهد صيفًا حافلاً بالنّشاطات الأدبيّة والفنّيّة، ورغم ضيق الوقت كان يتاح لي متابعة بعض هذه النّشاطات، فحضرت معرض عمّان (إن حكت) في مركز الحسين الثّقافيّ، ومسرحيّة متميّزة بالإخراج والدّمج بين أشكال الفنون- تحمل اسم (ليننغرادكا) أنتجها وأشرف عليها فنّيًّا: عبد السلام قبيلات. وفي مركز رؤى للفنون أتيح لي حضور معرض للفنانة هيلدا الحياري. وبعده وفي مركز رؤى أيضا، شاهدت معرضًا فوتوغرافيًّا متميّزَا للفنّانة فرح حوراني بعنوان (جاذبيّة غير مصقولة) سيكون لي معه مقال خاص، لأكمل بعده إلى حدائق الحسين لحضور سهرة أغنيات عمّانيّة مع أصدقائي من آل حتر الكرام. وحملت لي رام الله إلى عمّان أمسية أدبيّة في مقرّ رابطة الكتّاب الأردنيّين، استمعت إلى أحلام بشارات وصفاء عمير وأماني الجنيدي وغيرهن، بينما جمعتني أمسية شعريّة جميلة في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيّين بالكاتبة والشّاعرة الصّديقة مها أبو عين الّتي لم ألتقيها منذ عشر سنوات حين غادرتْ رام الله الى الاسكندريّة، من أجل استكمال دراستها والحصول على الدّكتوراة.. كان لقاء أصدقاء قدامى فرحت به، واحتفينا بها- أنا وزوجتي- في جلسة أحاديث وذكريات حتّى وقت متأخّر في مكان جميل بهمسات مساء عمّان، لنودّعها وهي تستعدّ للعودة إلى الوطن في الصّباح القادم.

لقاء عمّان هذا العام مختلف تمامًا، فقد احتفلت بزفاف ابني المهندس مصطفى، الأكبر في الذّكور مع محبوبته هلا ظاظا، هي فرحة كبيرة بعد أن حرمني الاحتلال من حضور زفاف ابنتي الوحيدة ذؤابة قبل عامين في عمّان. واكتملت فرحتي بصدور كتابي (فضاءات قزح) الّذي تكرّمت وزارة الثّقافة في الأردن الجميل بدعم طباعته، وتولّت طباعته والإشراف على توزيعه دار فضاءات في عمّان، وقدّمه الرّوائيّان والنّاقدان المعروفان- الأخوان أحمد أبو صبيح وعوّاد علي في حفل الاستقبال الّذي أقيم في رابطة الكتّاب في عمّان، بحضور جميل لأحبّة وأصدقاء. وحقيقة ومن قلبي قدّمت وأقدّم الشّكر لكلّ من كان لهم دور في اصدار هذا الكتاب: طيفي الجميل الّذي لا يفارقني وأسرتي الجميلة وشقيقتي وأشقّائي، أحبتي؛ الشّاعر محمّد حلمي الرّيشة للجهود الّتي بذلها في التّدقيق والمراجعة، الكاتبة والشّاعرة منى ظاهر لجهودها الّتي لا تنسى معي، أصدقائي وأصدقاء الصّومعة في رام الله- د. هاني الحروب وعبد السّلام العطاري الّذين لم يتوقّفوا من سنوات عن الحديث عن ضرورة إصدار الكتاب الّذي تولّى تقديمه توأم روحي د. هاني الحروب.

في لحظات الفرح تستعيد روحي ذكريات همسات بغداد في أوائل سبعينات القرن الماضي، فما أن استقرّت روحي في الدّراسة، حتّى وضعت نصب عينيّ برنامج لمعرفة المكان بتفاصيله. فبدأت التّجوال شبه اليوميّ في بغداد وخاصة في الأوقات المناسبة من حيث الجو. فبغداد مدينة كنت أرى فيها الفصول الأربعة في اليوم أحيانًا. تجوّلت في كافّة شوارعها، لم أترك مكانًا يمكنني الوصول إليه ولم أزره، كان يشدّني شارع أبو النّوّاس كثيرًا بوقوعه على ضفاف دجلة، كانت التّماثيل والنّصب في ذلك الشّارع متميزة، إضافة إلى حدائقه الممتدّة على الشّاطئ، لم أترك ميدانًا من ميادين بغداد وفي داخله عتب عليّ، وكانت سهولة توفّر الحافلات العامّة ودقّة حركتها تساعدني كثيرًا في التّجوال. فوضعت لكلّ منطقة أيامًا محدّدة تتناسب مع برنامج دراستي لزيارتها.. في بداية دراستي سكنت في شارع الجمهوريّة الواصل بين ساحة الجمهوريّة حتّى ساحة التّحرير متوازيًا مع شارع الرّشيد، سكنت بالقرب من ساحة الرّصافي الصّغيرة والّتي يزيّنها تمثال الشّاعر الرّصافي، ثمّ انتقلت بعدها إلى السّكن في حيّ راغبة خاتون. أتاح لي هذا الحيّ معرفة أحياء الكاظميّة والأعظميّة بتفاصيلها، وكنت أتمتّع بالسّير في حيّ الأعظميّة وخاصّة بجوار دجلة مرورًا على جسر الأئمّة باتّجاه حيّ الكاظميّة والتّجوال في أحيائه القديمة، ولقاء أصدقائي على شارع المحيط حيث النّهر وغابات النّخيل. كانت الوزيريّة من أجمل الأحياء، ارتبطنا بها كون كُليّتنا فيها إضافة لتجمّعات الاتحّادات الطّلابيّة. ثمّ انتقلت إلى حيّ شعبيّ معروف باسم كمب الأرمن، والبعض يسمّيه كمب الجيلاني، فعرفت أحياء جديدة وساحات وشوارع جديدة. فمن شارع الكفاح الى شارع النّضال فساحة الأندلس، وساحة علي بابا وساحة الفردوس وميدان الجنديّ المجهول وغيرها الكثير. في تلك المرحلة كانت كافّة مباني بغداد تعتمد الامتداد الأفقيّ، وكانت البنايات المرتفعة قليلة، وكانت شوارعها متّسعة ومشجّرة بجمال متميّز، لم تكن هناك جسور ولا أنفاق على تقاطعات الشّوارع وبين الأحياء، وفي فترتنا افتتح نفق ساحة التّحرير فكان في أذهان النّاس حدث له أهمّيّة. والجسور كانت الوحيدة الّتي تصل بين ضفّتيّ النّهر وبين أحياء الكرخ والرّصافة فقط. وقد تميّز في تلك الفترة الجسر المعلّق الّذي مثّل تحفة فنّيّة وهندسيّة مغايرة. وسيكون لهذه الذّكريات بعض همسات قادمة.

صباح عمّاني لطيف وجميل، فنجان قهوتي السّندسيّ وطيفي الجميل، رام الله ترافقني كما عمّان وبغداد، نستمع معًا الى شدو فيروز: (يا جبل الـ بعيد خلفك حبايبنا، بتموج مثل العيد وهمّك متعّبنا، اشتقنا عالمواعيد، بكينا وتعذّبنا، يا جبل الـ بعيد قول لحبايبنا، بعدوا الحبايب بيْعدوا الحبايب على جبل عالي بيْعدوا والقلب دايب).

صباحكم أجمل.

الثلاثاء، يوليو 21، 2009

أين نذهب منك؟

محمد محمد علي جنيدي

نعم أين نذهب منك، ونحن نقسو على الفقراء، ألا يكفي ما هم فيه! أين نفر منك ونحن نقتل الأبرياء، ونعتدي بغير حق على ما ليس لنا.

نعربد وتمهلنا، نعذب وتصبر علينا، نخاف الأقوياء وأنت الرقيب على جميع خلقك، نفتك بالضعفاء وهم في ذمتك

سبحانك – نعود أليك بغير إنذار باختيارك وحدك، كما أوجدتنا بفضل كرمك وحدك فما راعينا حقك وما أدينا شكر فضلك وما كنا لك من عبادك التائبين وما تركنا خلقك في شؤونهم سالمين

سبحانك – حينما نخاف الفقر نعتدي ، وحينما نخاف الظلم ننافق.

تغدق علينا بالنعم فنحرقها حرقاً فلا نطعم بها جائع ولا نغني بها سائل- بل نقوى – فتطول أيادينا الضعفاء وتسول لنا أنفسنا ظلم الأبرياء فلا نكترث بآهة جريح ولا نبالي بصرخة بريء ولا تردعنا دعوة المظلوم وهي أعظم في علمك من حياة الناس جميعاً.

لا إله إلا أنت – أين نذهب منك، وما جئنا فوق الأرض إلا ونحن إلى أسفلها عائدون.

سنتركها ونترك فوقها كل ما جمعنا وسنعود إلى أسفلها صاغرين خاضعين لمشيئتك يا الله.

ليست النهاية بعد

عـادل عطيـة
adelattiaeg@yahoo.com

إذا لم يكن التقاعد نهاية الحياة ، فانه ليس بداية الموت !

فلماذا نجلس مستكينين كأفعى على كرسي ،

ونستمتع بلذة الكسل ،

ونغدو جزءاً من الجمود ،

فنقتل فينا الحياة ونحن شاخصون ؟!

هل لأن المستقبل في نظرنا الموهوم لم يعد موجوداً ؟!..

أم لأننا صدقنا شعورنا المزيّف أن : " قوتنا للابتكار" قد فارقتنا ؟!..

ان سن الستين لايمكن ان يكون سن الاعتزال ؛

لأنه يحمل حكمة الحياة ،

وحياة الحكمة ،

التي اكتسبناها في قمة أيامنا ،

مع انها يجب أن تكون من أهم بداياتها !

لذلك لابد من الالتزام مجدداً بالعيش ،

ملتجئين إلى ما لايموت فينا : الروح الخالدة الخلاقة !

الروح التي تعمل منذ الازل في الحياة ،

وتجعلها أكثرغنى مما نتصور ،

وحافلة بكل جديد متجدد !

لماذا نحرم أنفسنا من التقاط الكرة التي قذفناها في طفولتنا ،

عندما كنا نلعب في الحديقة ،

والتي انتظرناها طويلاً ،

وهي تعود إلى الأرض ،

حاملة لنا مالم يتحقق من أحلامنا وطموحاتنا ؟!..

لماذا نكف عن العمل مادمنا قادرين عليه ؛

فنخسر التعبير الاسمى عن تأكيد الذات أخلاقياً ،

ونحرم المجتمع بأكمله من الاستفادة من الخبرة والنضج والحكمة ،

التي نهدرها دونما تفكير ،

ومن التجارب التي نبددها هباء منثوراً ؟!..

" ان المرء الذي لا يكون منشغلاً بولادته ، يكون منشغلاً بموته " ..

كلمات ، قالها المغني والمؤلف : " بوب دايلان " ؛

وهي جديرة بأن تكون دستوراً في حياتنا التي يجب أن نتمسك بها ! ...

الذئبُ

د. عدنان الظاهر
ذئبٌ شاميٌّ ـ حلاّويٌّ مُزدوج النشأة والخلقة والولاء . ذئبٌ لكنه في إهاب أسدٍ ، أسد بابل . وأسدٌ في طبيعة ذئب شاميٍّ . إذا صال في حومات الوغى الأدبية فصولات أسود . وإذا كرَّ وتراجعَ فدهاءُ ذئاب البراري والفلوات . إذا مدحَ فمديح المتنبي في سيف الدولة الحمداني . وإذا ذمَّ فذمُّ المتنبي في كافور مصرَ الإخشيدي . ما هذه الإزدواجية في هذا الذيب البشري ؟ أهو بشرٌ ـ ذئبٌ أم ذئبٌ ـ إنسانٌ وما الفرق بينهما ؟ حيّرني أمرُهُ فقلتُ بل سأستنجد بأخينا الزاهد أبي الزاهدين الرابض أسداً بابلياً حقيقياً هناك ما بين القاسم والحلة . لم يبارحهما إذْ إدلهمّت الخطوبُ وسادت الظلمةُ وحلت أعوام الجوع والحصار . بقي هناك صامداً صَمَداً في وسط سواد الناس . قلتُ إنه يعرف ـ كما أعرفُ ـ الذئب هذا بلونيه الأبيض والأسود بل ، وربما يعرفه أفضل مني بحكم علاقات القربى والمصاهرة وما شابه ذلك . قال إنه مثلي محتار في لغز هذا الذيب الشامي / الحلاوي الذي يشرب ماء دجلةَ كما يعبُّ من ماء الفرات . قَدَمٌ هنا وقدمٌ هناك فمن ذا الذي يستطيعُ أنْ يظفرَ منه بشئٍ ذي بال ؟ جلده مصفّحٌ مدرّعٌ مُعفَّصٌ مُدبّغٌ لا يخترقه الرصاص ولون شعره دائم التبدّل بين اللونين الأبيض والأسود بحسب الأجواء والمواسم وحرارة الشمس . فهو شديد البياض صيفاً لأنَّ اللون الأبيض يعكسُ ولا يمتص الحرارة . وهو حالك السواد شتاءً لأنَّ اللونَ الأسود يمتص الحرارة ولا يسرّبها إلى ما تحته . عجيبٌ أمرك يا ذيبُ ! من أية طينة جبلك أبواك وهما بشران وليسا ذئبين ؟ كان الذئبُ ـ كشأنه أبداً ـ على الخط ، يتسمّعُ ويُصغي ويلتقط ولا تفوته فائتةٌ . قال بصوتٍ منخفضٍ قد ظلمتماني يا رجال . أنا كما قد تعلمان ذئبٌ بالإسم فقط ، لا تجمعني والذئاب جامعة ولا من صلة قرابة بيننا . ثم إننا مختلفان في كل شأنٍ وأمر . إهابي إهابُ إنسانٍ سويٍّ وكذلك أسناني التي شرعت تتساقط وقد جاوزتُ الخمسين . أنا بشرٌ قد أمدح كالمتنبي وقد أذمُّ . أمدحُ من يستحق مديحي بدون مقابل وأذمُّ الحقيق بذمي ولا أقبض من خصومه كما يفعلُ بعض الشعراء والكتاب اليوم وفي سالف العهود . هزَّ الزاهدُ حتى بملبسهِ رأسَهُ مؤكّداً صحة بيان الذئب ودفاعه عن نفسه . لا يأتيه الباطلُ لا من قدّامٍ ولا من دُبُرٍ ... قالَ . ثم أشار لي أنْ أبينَ وجهة نظري في دفاع الذئب عن نفسه . قلتُ : أعرف حق المعرفة نزاهة هذا الذئب البشري وعفة منبته ويده وذيله ، لكني على يقين من الطبع الثنائي المزدَوَج الأصيل فيه . فهو الأبيضُ الناصع / الأسودُ المبالغ في حلكته . وهو الظاهر في العيان / المُبطّن في الخفاء . تراه حيناً { أفندياً } على آخر طراز . وتراه أحياناً قروياً بعباءة الجنوب وعقال ويشماغ أهل الجَنوب . هل هذا ذئبٌ أم غضبٌ مركّبٌ وليس مزدوج التشكيل ؟ تنهّدَ أبو زاهد والأمير بين زاهدي بابل المبلبلة منذ ما قبل حمورابي بقرون وقرون . تنهّدَّ ثم قال بصعوبة بالغة مرتجزاً قولاً شعبياً يعرفه العراقيون [[ يا ذيبْ ليشْ تْعَويْ // حالكْ مثلْ حاليْ ]] . أضحكني يا أبا زاهد رجزك هذا . إي ، أضحكني وأيم الحق حتى كاد يُبكيني . شعرت لحظتها أنَّ قائله كان قد تلطّفَ فشملني بالمقصود من هذا الكلام البليغ . هل حالُك يا أميرَ ذئاب الشامية وحلة بابل فعلاً مثل حالي وحال أخينا كثير التزهد ؟ إحتج الذيبُ بعنف نافياً ذلك جملةً وتفصيلاً . هددنا بضربنا بعقاله الصلد المفتول لفّاً وبرماً شديداً كأنه حبلٌ من مَسَدٍ ... كعادة قرويي الفرات الأوسط حين يشجرُ بينهم عراكٌ أو خصامٌ ولا يحملون في أواسطهم أو على مناكبهم أسلحة نارية أو أسلحة حديد كالخناجر مثلاً. ويا ما رأيتُ في طفولتي الكثير من أمثال هذه المشاجرات التي تسيل الدماءُ جرّاها بغزارة . ما رأيك يا أبا زاهد بعد هذا التهديد الكثير الجديّة وحالنا كما تعرف ضعيف لا نقوى على مشاجرة ولا حتى نستطيعُ الدفاع عن النفس ؟ قال إنه وربي لذئبٌ أطلسُ عسّالٌ كما جاء في وصف الشاعر المدّاحُ البحتري لذئبٍ دنا من خيمته ليلاً في بعض صحارى العرب العاربة . وما قال الشاعر في هذا الذئب قبلُ وبعدُ ؟ أخذ أبو زاهد يحدو بنبرة الشاعر الشعبي صاحب عبيد الحلي الجميلة ، وهو مؤلف وملحن الأغنية التي طبّقت شُهرّتها الآفاق {{ يا عزيز الروحْ // يا بعد عيني // شنهو ذنبي وياكْ // ما تحاكيني }} . قال أبو زاهد مُنشداً بعض أبيات البحتري في الذئب الصحراوي وليس الذئب الحلاوي ـ الشاماوي :
وأطلسَ ملءِ العينِ يحملُ زَورَهُ
وأضلاعُهُ من جانبيهِ شوىً نهدُ
لهُ ذَنبٌ مثلُ الرِشاءِ يجُرُّهُ
ومتنٌ كمتنِ القوسِ أعوجُ مُنأدُّ
طواهُ الطوى حتى استمرَّ مَريرُهُ
فما فيهِ إلاّ العظمُ والروحُ والجلدُ
يُقضقضُ عُصْلاً في أسرّتها الردى
كقضقضةِ المقرورِ أرعدهُ البردُ
سما لي وبي من شدّة الجوعِ ما بهِ
ببيداءَ لم تُعرفْ بها عيشةٌ رَغْدُ
كلانا بها ذئبٌ يُحدِّثُ نفسَهُ
بصاحبهِ والجَدُ يُتعسهُ الجَدُّ
عوى ثم أعقى فارتجزتُ فهجتُهُ
فأقبلَ مثلَ البرقِ يتبعُهُ الرعدُ
...
قلتُ واصلْ إنشادك أبا زاهد . قال كفى . أتعبني حالُ هذا الذئب وأشجاني . أحسستُ بشئٍ من التعاطف معه بل وبعض العطف عليه . إنه حيوان جائع من حقه أنْ يسدَّ رمقه ببُلغة طعامٍ فإنْ لم يقدمها له البشرُ وجدها فيهم طعاماً حلالاً طرياً ذاكي الدم . حمحمَ وغمغم الذيب الشامي الغُلامي ففهمتُ أنه يعترض على إفادة أبي زاهد . قلْ يا ذيبُ وكفَّ عن العواء . قال إني أجدُ نفسي في تعارض مطلق مع بيان أخي أبي زاهد ! كيف ، أوضحْ ، قلت له . قال أفلم أكن جائعاً حين صادفتني الطفلة الحلاوية ليلى في الغابة وهي في طريقها لزيارة جدتها العجوز ؟ قلتُ بلى ، قد كنتَ . قال لكني أحجمتُ ولم أفترسها . صدقتَ يا أيها الذيبُ البابلي ، لم تفترسْ ليلى . لكنك يا أيها الذيبُ الشهمُ الشجاعُ لم تقاتل خالها وجبنت عن مصارعته ومنازلته فأهوى على رأسك بفأسه الحادة القاتلة فخررتَ صريعاً دون قتال ! قال بإمتعاضٍ شديد : كنتُ أحسبك أكبرَ وأكثرَ حزماً وفهماً لأمري . كيف يا ذيب الذئاب ، وضّحْ رجاءً . نكّسَ رأسه ومسح دموع عينيه بحافة يشماغه . رفع رأسه ثم قال : لم أستطعْ مجابهةَ خال ليلى وبأسَ فأسه لا عجزاً ولا جبناً ولا تقاعساً عن حقي بالدفاع عن النفس . أصختُ وأصاخَ أبو زاهد السمع . قال : لقد إستخدم الجبان اللئيمُ ليلى درعاً بشرياً يعزله عني ويحميه مني، تماماً كما فعلَ صدام حسين يوماً من أجساد بعض الأسرى والمحتجزين الأجانب. أصابني إذّاك شللٌ تامٌ فلم أتحركْ ولم أهاجم فأقعيتُ على مؤخرتي كأي ثعلب أو كلب أجرب جبان . كان تصوري للموقف أنًّ هذا الخال سوف يتوقف عن رعونته ويقدّر شهامتي وإنسانية موقفي فينسحب دون قتال لكنه ركبَ رأسه وقد رآني بما كنتُ عليه من وضع مستسلم غير هجومي فأهوى على يافوخي بحاد نصل فأسه وأرداني قتيلاً ولكنْ قرباناً وفداءً لليلى عزيزتي . صفقنا طويلاً لهذا الذيب الطيب النادر والغريب الطبع .
مرّت فترةُ صمتٍ طويلة دخّن فيها ذيبُ الذئاب القتيل دفاعاً عن حياة ليلاه ... دخّن الكثير من سجائر اللف والمزبّن حتى توقف ( زنادهُ ) عن أنْ يوري . تلفّتَ يمنةً ويسرة فلم يجد من يسعفه . ما كان أبو زاهد من مدخني السجائر ولم أكنْ أبداً . نهضَ الذئبُ نافضاً ذيلَ عباءته الشامية من نوع { البِشِتْ } السميك فرجوته أن يتريثَ ولا ينصرف عنّا . قال ما خطبكَ وقد بلغتَ بي حالة مأساتي ومكرمتي بشهامتي التي لا يذكرها أحدٌ بكلمة خير ؟ قلتُ بل لديَّ لك سؤال . جلس على مضضٍ وقال هيا قل واختصرْ . يا ذيبُ ، أزاح عباءته عن كتفيه وعدّل من وضعية يشماغه ، فاسترسلتُ قائلاً : هل تجد فرقاً بين ظرف مقتلك ومقتل ذئب الشاعر البحتري ؟ قال بالطبع . الفرق كبير جداً . كيف ؟ البحتري رجلٌ قتل حيواناً جائعاً مشرّداً يطوي البراري والفلوات بحثاً عن طعام يسدُّ به رمقه . قتله دفاعاً عن نفسه ثم إشتواه طعاماً شهيّا لأنه كان مثل ضحيته في حالة جوع شديد .
سما لي وبي من شدّةِ الجوعِ ما بهِ
ببيداءَ لم تُعرفْ بها عيشةٌ رغدُ
كلانا بها ذئبٌ يحدِّثُ نفسَه بصاحبه ...
أستشهدَ ذئبُ البحتري في معركة غير متكافئة أصلاً . كان الشاعر مسلّحاً بأدوات الموت من نبال حديد وأقواس ورماح وسيوف وما كان الذئبُ مسلّحاً إلا بوسائل بدائية هي أسنانه ومخالبه وإنها ليست من الحديد . أما أنا يا صاحبي فأمري غير أمر هذا الذئب . لم أدخلْ في معركة مع خال ليلى إنما إرتضيتُ لنفسي الموتَ ضماناً لسلامة حياة الصبية ليلى . نعم ، كلانا ضحية ولكنا قضينا بأسباب ودوافع وظروف مختلفة . ذاك كان أشجع مني إذْ قاتل دفاعاً عن نفسه ومصالحه في أن يجد شيئاً يأكله ليُديمَ حياته . أما أنا فأفضلُ وأشرف منه لأني ضحيّت بحياتي وقبلتُ الموت لكي لا أتسبب في أذيّة صبيّة بريئة . تأهبَ ثانيةً للنهوض فأشرتُ لأبي زاهد أنْ يقولَ كلمة أخيرة . تردد أبو زاهد قبل أن يسألَ ممازحاً الذئبَ الشهمَ والقديسَ المُضحّي : يا أيها المسيحُ بين ذئاب البشر / قل لنا رجاءً ، إنْ كنتَ فعلاً كما ذكرتَ أنقذتَ حياة ليلى بموتك ، فكيف سوّلتْ لك نفسك إفتراس يوسفَ إبن يعقوب في بعض براري بلاد كنعان ؟ وضع عباءته على كتفيه وهمَّ بالمغادرة قائلاً : معاذَ الله ! إنه ربي أكرمَ مثوايَ فكيف أفترسُ من أكرمني وآواني ؟ ثم ، كيف تقولُ هذا الكلام وأنت تعرفُ أنَّ يوسفَ حيٌّ إبتاعه عزيزُ مصرَ وتعرفُ حكايته الدرامية مع السيدة زُليخا قرينة العزيز العاقر التي راودته عن نفسهِ فهمّت به وهمَّ بها لولا ان رآى برهانَ ربّهِ فقال [[ معاذَ اللهِ ، إنه ربّي أكرمَ مثوايَ ]] . قالَ أفلمْ أقلْ للتوِّ مثلَ هذا القول ؟ صدقتَ يا ذيبُ ، صدقتَ يا ذياب مهدي آل غلام .

الاثنين، يوليو 20، 2009

حفل توقيع (فضاءات قزح) لزياد جيوسي


تقيم دار فضاءات للنشر والتوزيع بالتعاون مع رابطة الكتاب الاردنيين حفل توقيع كتاب فضاءات قزح للكاتب والاعلامي زياد جيوسي

وذلك عند الساعة السابعة مساء من يوم الثلاثاء 21/7/2009 في رابطة الكتاب الاردنيين

يتضمن الحفل قراءة للروائي والناقد أحمد أبو صبيح

ويدير الحفل الناقد والروائي عواد علي

"فضاءت قزح" للكاتب زياد جيوسي عن دار فضاءات للنشر والتوزيع-الأردن

عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الأردن صدر كتاب"فضاءات قزح" للكاتب والأعلامي زياد جيوسي حيث جاء الكتاب في 404 صفحات من القطع المتوسط وقد صمم غلافه الفنان نضال جمهور.

وفي مقدمة الكتاب يقول الدكتور هاني الحروب :

(لا أريد أن أخوض في تحليل تلك الفضاءات المذهلة والممتعة حتى أترك للقارئ خيال إبحاره وبدون حصره وفق جماليات محددة، والشيء الوحيد الذي لا بد من قوله هو إن هذه الأبواب اجتمعت معابدها على عزف الهم الوطني والبعد الإنساني بسماته المحلية والإقليمية والعالمية.

وعليه، نستطيعُ أن نشمَّ رائحةَ المكانِ والزمانِ والأشياءِ ونثرياتها النفّاذةِ والحارّةِ، بل إننا في أحيان كثيرةٍ نوَدُّ لو نُربّتُ فوق ظهرِ الكلماتِ، عَلّنا َنتَحسَّس مَلمسَها الغَضّ، وإيقاعَها السهلِ، ففهمُ زياد العميقُ لواقعِ الحالِ قرينُ فهم كليّ للظاهرتين الحضاريةِ والإبداعية، ما ينطوي ذلكَ على وعيٍ حادّ بجدليةِ العلاقةِ بين الظاهرتين للفعلِ في زحزحةِ الواقعِ والنفاذِ في الأشياءِ واضطرامِ الأحداثِ أو نصوصها، لإبرازها في صورةٍ لافتةٍ، على قاعدةِ ذلكَ طرح زياد كلّ أسئلةِ الوجود الجوهرية من حبّ وعدلٍ وحريةٍ ورثاءٍ وخيرٍ وشرٍ وجمال.. استطاع معالجتها من خلال فضاءاته الملونة بريشة الأدب وصوت الشعر المنحوت والمُغَنى بتعبيرات الممثل أمام عدسة التصوير والتكوين، حيثُ الزمانُ والمكانُ تتبلورُ فاعليتُهما في علاقةِ كليهما بالآخر، فَنَدخُلُ في مزيج من وقائع التاريخ ونوازحِ الروحِ في بوحٍ حميمٍ لدواخلِ النفسِ، عندها يذوبُ الحسيّ في المجّردِ، ويختلطُ الشخصيُّ الحميمُ بالعامِ الشائعِ، وَكَأنّهُ الخيطُ الرفيعُ الذي يربطُ بينَ فضاءاتِ تلك الفنون التي يُبحرُ فيها زياد وعمقِ الرُّوح، لإيقاظِ الحرية والنورِ المتجسدةِ في جَسَدِ تلك الفنون لتشكيلِ حالةٍ من الصيّرورةِ الثقافيةِ والفنيةِ، تتقاطعُ فيها وتمتزجُ أنماطٌ شتّى من الوجودِ والمعرفةِ.

هذا زياد الأديبُ والناقدُ والإنسانُ الأصيلُ والسنديانة الشامخة في حياتنا الثقافيةِ والاجتماعيةِ، ظاهرةٌ فريدةٌ وتجربةٌ رائدةٌ على صعيدِ الحياةِ والإبداعِ، حيثُ يُلمسُ فيها عطشٌ مقدسٌ إلى كلّ ما هو رفيعٌ وعميقٌ وإنسانيٌ من عطاءاتِ الفنّ والفلسفةِ والأدبِ، وإيمانٌ راسخٌ بالأخوّةِ والعدالةِ الحقيقيةِ بينَ البشر.

إنَ قدرةَ الحسّ المرهفِ على اجتيازِ واختراق القيودِ والعقباتِ العاتيةِ بعد تفاعُلٍ حارٍّ وذكيّ في محطاتٍ شعوريةٍ من قِبلِ أديبٍ وناقدٍ خصب العواطفِ والتفكيرِ والعطاءِ والتعبيرِ، والتي تَرَكَتْ نَغَماتَ مشاعِره على طبيعتها رقة وصدقاً حاراً، مؤكدةً على انتصار إرادة زياد، فَرغمَ معاناتهِ الجمّةِ، إلا أنهُ بقَيَ ماضياً دوماً في ثقةٍ رائعةٍ نحو أهدافهِ الواضحةِ.

فيا صاحبي.. ما زالت عجينة الواجب والعمل التي جبلتنا، تسكنُ زفراتنا، وتشعلُ فينا شرارة المثابرة والتمرد، فنمطر دوماً داخل الدائرة وخصب الذاكرة، وترسم صباحنا بأجمل صوره وأبهى طلاّته كغيم يُمطرنا عشقاً يُكَحّلُ العيون على طولِ المدى، وأملاً ووعداً يُبشرنا بجمالية وجودة فضاءات قزح.

وأخيراً يا توأمي لا يسعني إلا أن أهنّئ نفسي بك.. بسيّد الحُلمِ الجامحِ واشتعالِ الحُبَّ.)

الكتاب تناول الابداع بكافة مجالاته من سينما، مسرح، فنون، موسيقى، أدبيات حيث شملت العناوين التالية:

سينما: السينما الفلسطينية.. صراع ضد الأمواج، بثينة كنعان خوري.. "مغارة ماريا"، لينا بخاري.. "فيض"، وفاء جميل.. أربعة أفلام، نجوى نجار.. "أغنية ياسمين"، علياء أرصغلي.. "حبل الغسيل"، ناهد عواد.. "خمس دقائق عن بيتي"،

مسرح: "الممر".. مسرح أم جنون؟!،"عشرون دقيقة"، موسم مسرح المضطهدين،"العشاء الأخير في فلسطين"،"ابن خلدون" ينهض من سباته

فنون: دينا غزال.. خزف وجداريات، منذر جوابرة.. "بقاء"، بشار الحروب.. "أفق" و"شرقيات"، جواد إبراهيم.. إبداع جديد، إبراهيم العبدلي.. بين بغداد وعمان والقدس، لمى حواراني.. قصيدة من معدن وحجر، سمر حزبون.. إبداع العدسة والجسد،"رؤى".. تجسيد الحلم والرؤى، زهور تتبرعم في طيرة رام الله، ياسمينات على صدر الوطن

موسيقى: باسل زايد.. "تراب".. تجربة متميزة، باسل زايد.. "هذا ليل" و"آدم"، سامر طوطح.. "شهداء بلا مأوى"،"يلالان"،"يلالان".. تحلق من جديد،"سراب".. محطات في الذاكرة، مهرجان رام الله الثاني للرقص المعاصر،"نوار"،

أدبيات: هاني الحروب.. "ترانيم لأميرة السراب"، زياد خداش.. "خذيني إلى موتي"، نبال شمس.. "ريتا"، سناء لهب.. "نزف ليلي"، صبيحة شبر.. "لائحة الاتهام تطول"، راوية بربارة.. "ملح وشرر وحب"، ناصر الريماوي.. "صباح ممطر.. يوم قاحل"، عدلة شداد خشيبون.. "سعاد"، منى ظاهر.. "خميل كسلها الصباحي"، عبد السلام العطاري.. "احصدوا خرائبي"، الإنسان في نصوص جيهان قلعي، كوثر الزين.. "شاهد على العصر الحجري"، إيمان عرابي.. ثلاثة نصوص، سوزان بولص زعرور.. "لعصافيري أغني"، ماجدولين رفاعي. "رجل الوقت المستباح"، شريفة علوي.. أربعة نصوص، دينا الشهوان.. "جاء الذي كان قد جاء"، صونيا خضر.. "خيبة"، نورية العبيدي.. "مع إنك غير عادي"

انه كتاب غني باضاءاته لتجارب عديدة وغنية استحقت ان يقف الكاتب عندها.

مودتي
مدير دار فضاءات للنشر والتزيع
جهاد ابو حشيش
0096264650885
00962777911431

الأحد، يوليو 19، 2009

القراءة ....أقوى الأسلحة

هيثم البوسعيدي

القراءة هي السبيل نحو الإيمان والعلم والمعرفة، بها نفتح الأبواب المغلقة ونتحدى الجهل والقمع والإستبداد، وبفعلها الجميل نحول الأفكار الراكدة في العقول إلى أفعال مفيدة وسلوكيات نافعة يستفيد منها المواطن والوطن والمجتمع والأمة بحيث يتحول الخيال والحلم بفعل آثار القراءة إلى حقيقة ثابتة وواقع ملموس.

ولو تصفحنا التاريخ بمختلف مراحله سنجد أن الطغاة وأهل الظلام هم من حاربوا القراءة الهادفة وحاولوا أشاعة الجهل والفوضى في صفوف الناس وبذلوا قصار جهدهم لاحتكار الحقيقة، وعززوا تلك الحروب بأختلاق ممارسات عدة كانت تهدف بالأساس لاقتلاع حب القراءة ووأد روحها من نفوس الناس كحرق الكتب وتشويه صورة العلماء وتغييب المفكرين في غياهب السجون وإهمال طرق التدريس الصحيحة وإشغال المجتمع بقضايا السحر والشعوذة وأسباب اللهو والمجون، والأنكى من ذلك اختراع بعض الممارسات الدينية الشاذة وصناعة صور مزيفة للدين والحياة حتى تتناسب مع مخطاطتهم الخبيثة وأهدافهم التدميرية، لأن القراءة الواعية كانت عبر التاريخ بمثابة مصدر تهديد قوي لكل من يريد إذلال البشر وحجر عثرة في طريق كل ماضوي ودكتاتوري يسعى لتسيير البشر نحو أوهامه الذاتية ومصالحه الشخصية وثقافته الأحادية.

وما الحالة التي تعيشها اليوم الأمة من تردي وانحطاط وانكسار إلا لعدة أسباب من ضمنها تراجع نسب القراءة بين مختلف الشرائح والتي أكدتها كثير من الدراسات والأبحاث على الرغم من توافر كمية هائلة من المعلومات وتعدد مصادر ومشارب القراءة، حتى أصبح التوصيف المناسب لهذه الظاهرة التي أصابت روح الإنسان العربي في الصميم " بمفهوم موت القراءة "، والتي حدثت نتيجة عدة عوامل من ضمنها سوء تعامل الأسرة مع مفهوم القراءة وخلو المناهج التعليمية من الطرق المحببة للقراءة وتخاذل الدول عن الإهتمام بالقراءة وإهمال إبداعات المفكريين وإنجازات المثقفين بالإضافة إلى ظهور عصر القنوات الفضائية بما تقدمه من برنامج ثقافية ومواد ترفيهية، مع الأخذ بعين الإعتبار بعض القضايا الهامة مثل ضيق الظروف المعيشية وتهافت الناس بشكل كبير في هذا الزمان نحو صور وأشكال اللهو والتسلية والترفيه.

والحل رغم صعوبة تحقيقه يكمن في بذل جهود كبيرة من أجل غرس حب القراءة في عقلية الطفل والمراهق والطالب ، وهذا الحل يعتبر مسؤولية شاملة ومهمة صعبة تتحملها جميع الأطراف فليس سهلا تحويل النظرة السلبية للقراءة في الوقت الحاضر إلى نظرة إيجابية، بحيث تصبح بمرور الأيام عبارة عن متعة ولذة ورغبة عكس ما هو سائد اليوم بأنها مصدر للملل والكآبة ومضيعة للوقت.

أخيرا فالقراءة هي أولى الطرق نحو النجاح والإبداع وبناء الاوطان، وهي المحفز الأول نحو الفكاك من عقم العقول وتحجر القلوب وقيود المتطرفين على أختلاف مشاربهم، والمرشد نحو تلافي الأخطاء المرتكبة والمآسي المتكررة عبر التاريخ فردية أكانت أم جماعية.

وحتى تكون القراءة أقوى الأسلحة في حياتنا لابد أن نقرأ أفرادا وجماعات مئات الكتب ونتصفح عشرات المجلات ونقضي مئات الساعات في عملية المطالعة بشقيها الورقي والرقمي، عندئذ سيتكاثر أعداد المنظمين لحزب القراء في كل بلد عربي وسيتمهد الطريق نحو ثورة فكرية شاملة لتزول أسباب الإنحطاط ودواعي التخلف وسنحطم كافة القيود بل سنعود مثل ما كنا سابقا " أمة أقرأ "التي تقدس الورق والقلم والفكر.