السبت، أبريل 21، 2007

فرسان الجنة

مجدي النجار

أمتشق احمد بندقيته وتلثم بالكوفية ووضع مصحف صغير في جراب جعبته وعقد العزم على الانتصار وتوكل على الله ومضى يبحث عن جنود الاحتلال في أزقة المخيم وبدا الطريق طويلا وشوارع المخيم كانت مبللة بمياه المطر وكان لوقع أقدامه على الماء قرع كقرع طبول المعركة وكان صوت الريح يردد خلفه ترانيم لم يعتدها احمد وكانت الذكريات تجول في داخلة وتزمجر بقوة لتحثه على المضي قدما فها هو صوت أصدقاؤه الشهداء يناديه من داخلة هيا يا احمد اشتقنا إليك وصوت بلادة المسلوبة يئن من اجل أن يرويه بدمائه.
وكان احمد في هذه اللحظات يشعر بكل هذا من حوله ومن داخلة وكان يتحفز للحظة الحسم وساعة الارتقاء واللقاء فهو يعلم أن رفاقه الشهداء ينتظرونه ويجهزون له الحوريات ويعلم أن اسمه سيكتب بحروف من نور على الردهات وكان كلما اقترب من الهدف يتعالى صوت أنفاسه ويزداد نبض قلبه من الحنين واللهف للقاء الأحبة.
وفجأة توقف كل شيء وغط المكان سكون رهيب فقد لاحظ احمد مجموعة للعدو تتقدم نحو المخيم وباتجاهه مباشرة فاختبأ وجهز سلاحه وانتظر حتى تكون هذه المجموعة تحت سيطرة نيرانه وعندما حان الوقت ضغط احمد زناده وترك العنان لزمجرة السلاح وعلا صوت صراخ القتلى وتلون المطر بلون دمائهم ونقلت الريح أنينهم وتوسلاتهم ولم ينفك احمد إلا عندما انتهت الذخيرة.
وعم المكان الصمت من جديد وبدا احمد يتفقد جسده ليعرف ما إذا أصابته رصاصات العدو ولكنه لم يجد شيئا وتنبه إلى أن المخيم بدا يصحو على صوت الطلقات وان بقائه في مكانة من دون ذخيرة سيكون بدون فائدة فقرر العودة وهو يشعر بان مبتغاة لم يتحقق وان لقاءه تأجل لميعاد آخر وبدت الحسرة تعلو وجهه الذي يتصبب عرقا في ليل الشتاء البارد ولكنه صبر نفسه بكلام الله عندما قال عز وجل (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله علية فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) فعرف أن الآية تخصه هو ومن مثله من الرجال الرجال في زمن تشح فيه الرجال وان لقاءه تأجل وقد قرر أن يعود مرة أخرى عندما يكون جاهزا .
وعندما وصل البيت خلع عنه ملابسه ووضع البندقية جانبا وبكى قليلا وشكر الله كثيرا وصلى ثم بدأت سرائره تهدا وبدا الاطمئنان يدب في نفسه وشعر بالانتصار في المعركة الأولى له وبدا يحلم بالمعارك الأخرى وكيف وأين ستكون لو انه كتبت له الحياة مره أخرى كما حدث.
وفي هذه الأثناء تعالت أصوات مكبرات الصوت معلنه منع التجول وبدأت مرحلة الانتقام للعدو من المخيم فأسرع احمد وأخفى البندقية والعتاد وبدأ يجهز نفسه لمعركة جديدة وهي معركة التحدي والصمود وإخفاء الأسرار والتكتم عليها.
ولم يطل الموضوع كثيرا فقد دلف العدو إلى بيته وأخرجوه للشارع ليرى أن كل جيرانه قد اقتيدوا إلى المدارس لسماع خطبة التخويف والوعيد والترهيب من العدو لمن فعل هذه الفعلة وكان احمد يبتسم في داخله ويقول لقائنا قريب وسنرى ماذا ستفعلون .
وبعد قليل من المعاناة والضرب والإهانات غادر الجميع مكان التجمع وانصرف العدو لجحوره مذئوما مدحورا وهو يلعق جراحة وكانت البسمة تعلو وجوه الرجال وهم عائدون لمنازلهم لان العدو لم يتمكن من معرفه ذابحه .
وهكذا تكون الجولة الأولى من معارك احمد قد انتهت وبدا التجهيز للمعركة الثانية حيث أن أسلوب احمد سيختلف نوعا ما هذه المرة حيث انه كان قد وجد قذيفة قديمه من مخلفات حرب العام 67 وقام احمد بتفكيكها واخذ المتفجرات منها ووضعها بعبوة جديدة وبدأ برصد تحركات العدو ومواعيده حتى أتت اللحظة الموعودة.
فقد قام احمد بزرع عبوته في طريق الدوريات الإحتلاليه وأخفى نفسه عن ناظرهم وانتظر وقد وفقه الله في هذه المرة أيضا وعاد سالما وكانت أعداد القتلى المحتلين تتزايد في مستشفياتهم ومنع التجول كان ما يزال مضروبا بشدة على أبواب وشبابيك وأزقة المخيم حتى مل العدو من محاولاته العديدة للكشف عن الفاعل.
وعاد إلى جحوره مرة أخري وهو يتخبط من الألم والمرارة ولكنه قرر أن يكتشف الفاعل بأي ثمن فبعث للمخيم رجلا تبدو عليه الملامح العربية وكان يرتدى الجلابية وقد ابتاع منزلا في الجوانب الغربية وبدأ يحيك خيوط مؤامرته الشيطانية حيث كان يتجول بالمخيم نهارا على صوره تاجر أقمشة وأشياء كانت ضرورية وكان يقرا في عيون الناس أشياء عن الشخصية فهذا مسالم وهذا ضعيف وهذا لا تبدو عليه علامات العنجهية,
وفجاه وقعت عينيه على احمد وشعر بأنه يبحث هنا عن هذه الشخصية فاحمد رجل شهم ولا يقبل الدنية وكانت تبدو عليه علامات الفروسية فقرر ذلك الملعون أن يركز الأنظار عليه ويتتبع خطاه ليل نهار وبدا عنه بالاستفسار من بيت إلى بيت ومن جار إلى جار وقد اكتملت عنده خيوط القضية فالجميع قال أن احمد هو رمزا للقضية وانه يعلمنا كيف تكون التضحية وانه يذكرنا بالأرض المنسية وانه من ذريه فلسطينيه فاستمر ذلك الشيطان مراقبة احمد ليل نهار حتى جاء اليوم الذي كان يتمناه احمد طويلا فقد خرج لإحدى معاركه وكان الملعون يقتفي أثره وعندما بدا القتال جاء له من الخلف وطعنه في ظهره طعنه غدر كانت كفيله بإنهاء أيام الانتظار والشوق إلى خير البرية.
وارتقى احمد لركب الشهداء وخلف من وراءه البندقية وفر ذلك المأفون من المكان حتى لا يكتشفه الناس وينتهي عمله في أروقه الحقد الأزلية وقد كان هناك طفل صغير يرقب كل ما حدث وقد ركض للمكان واستل البندقية وروح احمد باركته وجعلت منه قنبلة زمنيه وأوصته بان يختفي حتى يصبح في عمر يستطيع فيه أن يستخدم البندقية وغادرت الروح إلى السماء وتركت في الأرض نبته بنفسجية فكلنا احمد واحمد كان القضية .

ليست هناك تعليقات: