الثلاثاء، أبريل 03، 2007

طريق الجلجثة .. ألـم و رجاء


رشا ارنست ، مصر
كثيراً ما نتوقف عند كلمة الألم و معناه في حياتنا البشرية . فهل الألم بحياة الإنسان فرض ؟ و السؤال الأصعب الذي يُصيب الإنسان بالحيرة هو لماذا يسمح الله بالألم ؟ و أحياناً تكتمل الثلاثية و يكون السؤال الثالث لماذا أنا مَن يتألم ؟ يقول القديس توما الكمبيسي في كتاب " الإقتداء بالمسيح " : انه يستحيل على الإنسان أن يعيش بلا محنه ، لا بشر بلا محنه أو شدة " . و بحياتنا اليومية نُشاهد أشكال عديدة للألم ، فالألم لم يقتصر على الألم الجسدي فقط و إنما هناك أنواع للألم ( الألم الايجابي ، الألم السلبي ، الألم الوجودي ، الألم الإنساني ، الألم الفلسفي ، الألم الرومانسي ) و جميعها تصنّف تحت عنوان الألم حسب علم النفس و لا نستطيع أن نحدد ما إذا كان بينهم ألم أشد من الآخر . و لكن مفهوم الألم الذي ارغب في الحديث عنه الآن هو في مفهومه الإيجابي السير على طريق الجلجثة ، طريق الخلاص ، من أجل تحقيق إنسانية الإنسان .
و نحن الآن في زمن الصوم الأربعيني المقدس استعداداً للاحتفال بقيامة يسوع المسيح الفادي يجعلنا الصوم نُعطي لأنفسنا ليس البكاء على مَن ضحى بنفسه من أجلنا و لكن وقتاً للتعمق و الصلاة التي تمنحنا دائماً فرصة لمعرفة كم أحبنا الله و قدم لنا ابنه ذبيحة مقدسة .

ذبيحة قُدمت لنا من أكثر من ألفي عام و لكنها ذبيحة حية كل يوم على مذابحنا و بقلوبنا .
أتذكر عندما شاهدتُ فيلم الآلام المسيح لميل جبسون منذ ثلاث سنوات تقريباً أنني أصبتُ بحالة من الحزن الشديد ، ربما لستُ وحدي و إنما كل مَن شاهد الفيلم بكل تجسيده للآلام المسيح التي تحملها بداية من محاكمته كمجرم و حتى دفنه بالقبر . و لكن هذا الحزن لم يكن فقط على ما رأيناه من بشاعة التعذيب التي تعرض لها المسيح و إنما حزناً على أننا نسبب له الآلام حتى الآن .
الجلجثة طريق طويل أوله بأورشليم و آخره في قلب كل إنسان على الأرض . ضعفنا البشري يسمح كل يوم لنا و للآخرين أن نسير هذا الطريق . مِنا مَن يحمل هو الصليب و يكون مُعيناً ليسوع الناصري ، و مِنا مَن يكون بيلاطس الذي حكم بالموت و هو يعلم ببراءة متهمه خوفاً على نفسه و سلطته و كبرياؤه . و منا من يكون الجندي الذي يستلذ بإمساك السوط بيده و إنزاله مرات و مرات على أجساد حاملين الصليب المقدس .
أرى المشهد أمامي و الأكيد انه مشهد أمامنا جميعاً فلستُ وحدي مَن يرى عذابات الناس اليومية بحياتنا . فصور الألم تتجسد أمامنا بشكل مباشر أو غير مباشر في كل مكان ، إن لم نكن نحن أيضاً من المتألمين . الألم أضحى جرعة أساسية للإنسان في يومه العادي .

إما أن يكون جسديا ( كالأمراض ، الإعاقات المختلفة ) أو يكون نفسي ( الشعور بالرفض – الشعور بعدم الحب – الشعور بالضعف – الشعور بالانكسار أو الهزيمة ، انعدام الآمان ، ...... ) و هذا الألم بالتحديد ما انتشر بشكل مستفحل فينا بسبب أنانية الإنسان ( حروب ، صراعات يومية ، فقر ، جهل ، ديكتاتورية ، ...... ) و لكن مشهد طريق الجلجثة لم يكن فقط بأبطاله التي ذكرتها و إنما هناك شخصان أساسيان دائما و أبدا هما يسيران على الطريق معنا: الشخص الأول هو المخلص يسوع الذي يحمل الصليب كل يوم معنا ، يتألم فينا و بنا . يسوع المسيح الذي نغرس بأنانيتنا شوكة بجبينه كل حين .

و على الرغم من كل هذا مازال يصرخ بأعلى صوته " يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يغفلون " ..... أما زلنا لا نعلم ماذا نفعل ؟ منذ ألفي عام صلب اليهود المسيح و هو بريء . و كانوا نسبة من البشر . ما أختلف اليوم هو أن نسبة العالم التي تصلبه ارتفعت و تنوعت من كل الأرض و اختلفت معها طريقة الموت ، فالصليب لم يعد الخشب الذي عـُلق عليه من قبل ، الآن الموت مشروع بكل الطرق صواريخ ، مدافع ، نار و زيت يُسكب من اجل الموت . و الحياة ليست من حق إلا من يملك سلطة .
لا ..... ليس هذا كل العالم ما زال هناك بشر يعرفون الله ، بشر يُريدون الخلاص ، بشر عرفوا الجلجثة و فرحوا أن بآلامهم يحملون الصليب مع الفادي . فالشخص الثاني الذي تركته للنهاية هي أمنا مريم . التي قبلت و قالت " نعم ... لتكن إرادتك يا رب فيّ " قبلت الصليب و حملته مع ابنها الوحيد و جاز السيف في قلبها بموته أمام عينيها . مريم أمنا تـُذكرنا كل يوم فكما أن الألم موجود هناك أيضاً الفرح .

هناك الرجاء الذي حملته بقلبها مثلما حملت عذابها و وجعها على وحيدها . مريم العذراء التي كل يوم هي بالناصرة حتى الآن تبكي أبنها و تحمل الرجاء . عيناها تبكي حزناً و ألما و تلمع في ذات الوقت نوراً للمجد السماوي رجاء في إلهنا القائم من بين الأموات .
إن إدراك الألم بحياتنا صعوبة لا يستطيع أحد تلاشيها ، و لكن أثق أن الصلاة تُغيرُ كثيراً فينا . فهي تجعل منا أنقياء يُجددون وعدهم بحبهم للثالوث المقدس . و أثق أن مَن تحمل عنا كل عذابات الصليب و مات من أجلنا لأنه أحبنا قادراً أن يحمل معنا آلامنا . فقط نـُعطيه الفرصة ، نثق أننا قادرون على حملها و هو معنا ، نثق انه رجاؤنا المنتظر و الذي ليس بعيدا منا .
إدراكنا للألم و إحساسنا به يتوقف بدرجة كبيرة على طريقة تفكيرنا في أنفسنا و في الحياة . فإذا أردنا أن نغير من شكل و من شدة الألم لا بد لنا من تغيير عالمنا الداخلي . يجب أن نجد معنى للألم طالما لا نستطيع تلاشيه . الصلاة تـُغيّر داخلنا ، أما إيماننا بيسوع المخلص الذي يتألم معنا فهو الذي يـُعطي معنى للألم و يـُعطي معه الرجاء بالحياة الأبدية .

ليست هناك تعليقات: