قراءة: زياد جيوسي
من قلب التاريخ تستخرج شريفة صورها ولوحاتها، وكعادتها تستلهم الأسطورة وتستلهم التاريخ لتحيله لنا لوحة جميلة ونص أجمل، وهنا نراها تحيل التاريخ إلى لوحة كأنها تستقر على الجدار، تتأملها فترى فيها رواسخ التاريخ وثوابته، فالتاريخ لوحة ثابتة نقلت إلينا لا تتأثر بكل المتغيرات، لا تتأثر بكل محاولات التزييف والتغيير، تأخذ التاريخ كلوحة ثابتة تصور لنا الماضي كما خطه المؤرخون، فلا تحتاج للبحث والتنقيب ومحاولة تغيير الصورة.
"تلك اللوحة عنيدة
تتصدع الجدران
تظل ثابتة
أمام الهزات
لا _ _ للميلان
مهما كان الهذيان
لن ابحث عنها
في صندوق
سفينة نابليون
أو بين نفايات القيعان"
تصوره لوحة تجسد أبطال الماضي وتصور انتصارات الفرسان، فالتاريخ كتبه دوما المنتصر ولم يكن للمهزوم دور في رسمه، فالتاريخ كما نقل إلينا تاريخ المنتصرين لا المهزومين، فالمنتصر يكتب ويروي الحكايات عن النصر ولا يتطرق لآلام الحرب والضحايا ولا لمن يتم اقتلاعهم من جذورهم وأرضهم، ولا يتحدث عن المآسي والألم، ولا يتبقى في سيوف المنتصر إلا أرقام مجردة للضحايا.
"تلك اللوحة عنيدة
تجسد ابطال
العصور الوسطى
تتحدث بلغة النصر
تتصدر ملامحها
نياشين الفرسان"
فصلاح الدين ما زال سيفه يلمع عبر صفحات التاريخ، والمظلومون مهما طال بهم الزمن ينتصرون فيضيفون أشكالا أخرى للوحة المفترضة، لوحات تروي صور مقاومة المحتل وطرده من الديار لكي تعود الفرحة لعيون المظلومين ولتبتسم من جديد جراح القتلى وتنقلب أنات الأمهات إلى فرح.. فالتاريخ إذن كما تصوره لنا شريفة لوحة سريالية تخبر العالم القادم، أن الحرب رغم قسوتها داء بما تحمله من الم وقسوة وضحايا، ولكنها في نفس الوقت دواء لمعالجة الظلم واقتلاع المستعمر، فالحرب داء ودواء، وأن التاريخ ليس خوذة الجند وسيوف المحاربين القدماء فقط، بل هو يروي قصة حضارة وتطور وانتصار للحق بين جنبني الوطن من البحر المحيط في الغرب إلى النهرين في الشرق..
"تلك اللوحة عنيدة
صور سريالية
حلم وأناة يتعثر
في درب الخذلان
تمزج بسمتها الشماء
بدمعتها المنسابة
بألوان الرمان
على نصل حسام
صلاح الدين
يتراقص اللمعان تلك اللوحة عنيدة"
ومرة أخرى تعود لتؤكد لنا من خلال استلهامها التاريخ، أن الحق سيعود لأصحابه وأن فجرا قادما لا ريب فيه، مهما قويت شوكة الرومان مستلهمة قوة الرومان الذين حكموا العالم يوما بقوة السيف وسطوة القوة، لكنهم في النهاية اندحروا وتشتتوا في صفحات التاريخ، وبقيت لوحة التاريخ معلقة أمام عيون من يريد أن يرى، تاريخا بعين إنسانية لا بعيون سيوف وحراب جند.
تخبر للعالم
أن الحرب داء ودواء
وأن التاريخ
ليس خوذة القدماء
بل هو امتداد
من البحر إلى النهرين
مهما قويت
شوكة الرومان
ستظل اللوحة
على الجدران
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق