عـادل عطيـة
adelattiaeg@yahoo.com
من الوسائل التي تستخدمها بعض الأمهات عند فطام أطفالهن ، وضع مادة حمراء كالـMicrochrome على موضع الرضاعة ، فإذا رآها الرضيع خشى من الاقتراب من ثدي أمه !
وكنت أتعجب من أن رضيعاً قد لا يتعدى السنتين من عمره ، يهاب اللون الأحمر !
ولكنه عندما يكبر ، يحاصره لون الدم من خلال : الكتابات التي سنها بعض من طواغيت التاريخ ، ومن خلال أولئك الذين امتلأت قلوبهم وعقولهم بالحقد المتعجرف على منابر الكراهية وإدعاء الحقيقة المطلقة ، والسعي إلى تثوير النفوس التي تموج بمشاعر التعصب المقيت بصيحات الجهاد الأعمى ، حتى يبدأ الدم يهدر كالشلال ، ويغرق انسانيتنا ، وتلاقينا !
أما أخطر الكل ، فهو لون الدم نفسه ، الذي يأتي إلينا عبر السينما ، وعبر الفضائيات من خلال الأفلام ، والمسلسلات ، والحوادث النازفة ؛ لأنه يضع الدم بشكل شبه يومي أما أعيننا ؛ فنتعوّد على لونه ، وعلى غزارته ، تماماً كالطبيب الذي تعوّد عليه ، وعلى صرخات الألم ، حتى نظن وهو يعمل بإبرته الطبية في جروح المصاب القطعية ، دون استخدام المخدر ، وكأنه انسان بلا قلب ! .. التعوّد الذي يفقدنا قدسيته ، ومهابته ، وقيمته ، لدرجة أن نفقد التمييز بين الواقع والتمثيل ، وهنا أتذكر الطفل الذي رأى والده مغدوراً غارقاً في دمائه ، ولكنه راح يداعب والده وكأن والده يعرض له مشهداً تمثيلياً درامياً ! .. وهكذا كما نسير على ضوء المرور الأحمر ، نسير على دماء الابرياء المسفوكة ، وكأننا لا نخالف قيمنا ، وتعاليمنا الدينية والاخلاقية المتسامية .
فهل نستفيق من غيبوبة التعوّد على رؤية الدم ، التي تقضي على انسانيتنا ، وعلى مشاعرنا الطيبة ؟!..
فكما أنه ليس كل مانعرفه نصرح به ، هكذا أيضاً ليس كل ما يحدث يعرض كاملاً على النظّار والمشاهدين ، فالحياة بانسانية اسمى من الفن ، وأثمن من السبق الصحفي !
وهكذا تنسحب مشاهد الدم من شرايين مشاعر هؤلاء الذين لديهم الاستعداد للاصابة بمرض هوس سفك الدماء ، والتمتع الوحشي بمعاناة وآلام الآخرين ، ويعود للدم مهابته ، وقدسيته ، وقيمته ، والرغبة الصادقة في الحفاظ عليه ؛ لأنه الحياة !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق