تواجدت حتى يومنا هذا اللغة الآرامية التي كان يتكلم بها السيد المسيح كلغة محكية وغير مكتوبة في ثلاث بلدات سورية فقط هي معلولا وجبعدين وبخعا ، وتم افتتاح معهد لتعليم اللغة الآرامية نهاية حزيران 2007في معلولا لتعليم اللغة الآرامية والحفاظ عليها وتعزيزها قراءة و كتابة.
واليوم هناك من يعترض على اعتماد الحرف العبري ( او كما يسميه مؤيديه الآرامي المربع) في الكتاب التدريسي الخاص بالمعهد،عوضاً عن الحرف الآرامي القديم و الذي تتوفر منه نسخة قديمة وواضحة على ثوب تمثال الملك الآرامي "هديسعي" و الموجود حالياًَ في متحف دمشق الوطني.
وعلى خلفية اعتماد الحرف العبري، انتشرت الوشوم على أيدي شباب معلولا بالحرف العبري، وعلى اللافتات هناك، وعلى بعض الأماكن الأثرية و الدينية الإسلامية والمسيحية على حد سواء، كما انتشرت على الهدايا و القطع التذكارية التي تباع للسياح القادمين إلى معلولا للتعرف على تاريخ سوريا!
وتسبب استعمال الحرف العبري، أو كما يطلق عليه مشرفو المعهد بـ"الحرف الآرامي المربع"، بكثير من الجدل و الخلافات حول صحة استخدام هذا الحرف بين الأخصائيين الذين التقتهم سيريانيوز، فكيف هو الحال بالنسبة للناس البعيدين عن الاختصاص انطلاقاً من أهالي معلولا إلى العالم بأسره؟
الحرف الآرامي المربع تسمية"زوراً و بهتاناً"
والتقت سيريانيوز الدكتور محمد بهجت القبيسي- أستاذ الكنعانية والآرامية واللهجات العروبيات في عدد من الجامعات، والذي تحدث عن حقائق تاريخية ومعلومات علمية، وقال"اللغة الكنعانية و الآرامية كتبتا بذات الأحرف، و إن وددت أن أكتب الآرامية فهذا هو الخط الأصلي " مشيراً إلى الحروف على كرت قام بتزويدنا به .
وتابع قبيسي" أتحدى أن نجد الحرف العبري قبل القرن الثالث الميلادي، وهذا الحرف سميّ بالحرف الآرامي المربع زوراً و بهتاناً كي يجدوا لأنفسهم صلة بالآرامية، و دليلنا تدمر و الأنباط والتي لدينا منهما كتابات تعود للقرن الثالث، وهذه الكتابات مكتوبة بالخط التدمري والخط النبطي"
وأكد قبيسي أن "اختلاف نمط الخط لا يدل على تغير اللغة" وطالب قبيسي بأن "يأتوه بأي نقش يظهر الحرف العبري أو كما يسموه بالآرامي المربع وهو سيقرأ النقش وسيتمكن من خلاله الاستدلال إلى اللغة التي يدل عليها هذا الخط"
وكمثال على الفكرة ذكر قبيسي " اللغة التركية التي كانت تكتب بخط الجزم العربي(أي الأبجدية العربية) و في عام1929 غير أتارتوك الخط إلى الحرف اللاتيني و ذلك لم يغير من اللغة التركية أبداً، إذاً اللغة شيء و الحرف شيء آخر"
وقال قبيسي أن "الحرف العبري يعتبر حرف حديث نسبياً، و الحركات الموجودة عليه و التي تستخدم الآن في التدريس ضمن معهد تعليم الآرامية ماهي إلا من وضع أحبار اليهود في القرن العاشر الميلادي ولا علاقة لها بالآرامية، وما هي ألفاظ سيغون و حيريق وغيره؟ لا توجد باللغة الآرامية تلك الكلمات؟"
من جهته الباحث في التاريخ القديم و أستاذ في معهد الآثار الدكتور ابراهيم خلايلي، أكد ما ذكره الدكتور قبيسي من "معلومات علمية".
وتحدث لسيريانيوز عن مقال كتبه في "إحدى الصحف المحلية حول ذات الموضوع"، مما أثار اهتمام بعض الجهات التي دعت لإقامة ورشة عمل حول الحرف المعتمد في معهد تعليم الآرامية، "وكان هو أحد المشاركين في تلك الورشة الخاصة بالحرف الآرامي"، والتي أقيمت في المعهد العالي لتعليم اللغات، في 13/4/2009.
و كشف خلايلي عما حدث في الورشة التي حضرها كممثل عن مديرية الآثار و المتاحف-وزارة الثقافة "في الورشة حاولوا أن يقروا الحرف، لكني تقدمت بمداخلتي و طالبت باستخدام الحرف الآرامي القديم، هو ذات الحرف المنقوش على تمثال (هديسعي) الموجود في متحف دمشق الوطني"
وتابع خلايلي "خلال مداخلتي أكدت على موضوع الحركات التي يتم تدريسها هي حركات جديدة ولا علاقة لها بالآرامية، وهذا لقي الآذان الصاغية من قبل الموجودين في الورشة، والتي أقرت ضرورة تشكيل لجنة لاعتماد حرف آرامي مناسب، و مازلنا بالانتظار.."
وأكد خلايلي على معلومة أن "الحرف الآرامي المربع ذو الحركات و المعتمد من قبل معهد تعليم الآرامية لم يسجل حضوره على أي تمثال أو أثر في بلاد الشام في زمن المسيح أو قبله".
وقال خلايلي أنه "تابع الموضوع من خلال توجيهه كتاب إلى مديرية الآثار و المتاحف في 3/6/2009 يطالب فيه بضرورة تدخل مديرية الآثار والمتاحف في لجنة مناقشة الخط الجديد المناسب لآرامية معلولا، وذلك توخياً للدقة وإحياءً للخط الآرامي السوري القديم" واقترح "إقامة ورشة عمل ليوم واحد بخصوص الموضوع المذكور".
فيما نفت وزارة الثقافة علاقتها بمعهد تعليم اللغة الآرامية "لا من قريب أو من بعيد"، و ذلك من خلال سؤال رئيس المكتب الصحفي هناك، و مدير العلاقات الثقافية....
والتقت سيريانيوز الأستاذ جورج رزق الله-أستاذ اللغة الانكليزية في جامعة دمشق، والذي عمل على تأليف الكتاب الخاص بمعهد تعليم الآرامية في معلولا والذي قال""هذا الحرف صنع في سوريا، و هذا مؤكد في كتاب الدكتور محمد محفل لتعليم اللغة الآرامية في جامعة دمشق، و هذا الكتاب معتمد من قبل جامعة دمشق"
وعن كتاب دكتور جامعة دمشق محمد محفل، والذي يدّرس في الجامعة لتعليم اللغة الآرامية بالحرف العبري، قال القبيسي"إن الدكتور محفل درس أرامية التوراة بالحرف العبري و هذا حق، لكن أن يتم اعتماد الحرف لتدريس الآرامية فهذا خطأ علمي"
و تحدث رزق الله عن "همه" للحفاظ على اللغة الآرامية في معلولا، وعن "انقسام معلولا إلى قسمين مع و ضد الحرف الآرامي"
وأضاف "كنت أتمنى أن نكتب الآرامية باللغة العربية لكن ذلك صعب بسبب وجود أنصاف حركات لفظية لا يمكن لفظها من خلال العربية التي تعتمد الحركة الكاملة"
ولدى سؤالنا لمؤلف الكتاب عن كونه غير اختصاصي بالتاريخ وهو الوحيد الذي عمل على وضع الكتاب قال"بصراحة الكتاب كان بحاجة إلى كادر أكبر في اللغة العربية و التاريخ، لكن الذي مكنني من وضع الكتاب أني ابن المنطقة وأعرف ماهية اللغة أكثر من غيري، حتى أن الدكتور محمد محفل قال لي إنه يجب ترجمة الكتاب إلى عدد من الكتب"
وهذا ما أشار إليه خلايلي لدى تساؤله"كيف يمكن لأستاذ أدب إنكليزي أن يضع مثل هذا الكتاب الاختصاصي؟ وكيف تمت الموافقة عليه؟"
وأكد خلايلي"إن دور جورج رزق الله هو ترديد اللغة دون المعرفة العلمية للتاريخ الحقيقي لهذه اللغة، والأهم من هذا أن الذي يعرف التاريخ جيداً ومختص به هو الذي يجب أن يكون مشرفاً على وضع و تأليف مثل هذا الكتاب"
معلومات متضاربة
ولدى سؤال الدكتور محمد محفل-أستاذ في التاريخ الروماني و اليوناني ودكتور في جامعة دمشق عن الحرف العبري و اعتماده في معهد تعليم الآرامية قال المحفل "الحرف المربع قديم جداً، وبدأ يتولد في القرن الثاني قبل الميلاد، وهو مستعمل اليوم في الأراضي المحتلة"
وشدد محفل على أن هذا "الحرف هو الذي كان سائداً أيام السيد المسيح، وقد كتب السيد المسيح بهذا الخط"
واستشهد "بكتابة إنجيل متى بهذا الحرف المربع، وأكثر من 3000نقش بالحرف المربع في تدمر، وما يزيد عن 3500 نقش في الأنباط"
وقال بحدة"أنا اللجنة التي ستعيد اعتماد حرف وسأعتمد هذا الحرف ذاته، من أين سآتي بحرف آخر؟"
فيما نفى قبيسي "الصحة العلمية لمعلومات الدكتور المحفل حول الحرف العبري و قدمه" مستنداً في نفيه إلى "النقوش الموجودة على الأرض كإثباتات علمي على نفيه"
وذكر خلايلي أنه خلال ورشة العمل التي جمعته مع المحفل "سأله ما إن كان هناك أي كتابة أو نقش بالحرف العبري أو المربع كما تسموه ويعود إلى فترة السيد المسيح أو بعده أو قبله، فصمت لوهلة ثم أجابني بالنفي"
أهالي معلولا بين "صنع في سورية" ورفض الحرف "الدخيل"
ويعيش أهل معلولا بحسب بعض الذين التقيناهم "انقسام" بين من هم مع الأحرف العبرية"المربعة" وبين الأحرف الآرامية القديمة.
فالبعض مع هذا الحرف كونه قد "اعتمد من قبل معهد تعليم اللغات و وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة" و البعض الآخر يرفض هذا الحرف الدخيل و الذي أطلقوا عليه "آرامي مربع زوراً "
واشتكى الدكتور عصام فرنسيس "أحد سكان معلولا" لسيريانيوز من الحرف المربع ، وقال فرنسيس "لم أسمع بحياتي كلها بالحرف المربع، وكل ما أعرفه هو الحرف السرياني المدور، و الحرف الآرامي المثلث، أما هذا الحرف المربع فهو دخيل، و عندما وقفت بوجه جورج رزق الله و هو مؤلف الكتاب، وبوجه تعليم هذا الحرف ،اتهموني بالغيرة و أني أريد أن أتميز وغيره، حتى أنهم بدأوا بمضايقة ابني نبيل الذي كان يدرس اللغة الآرامية في المعهد، و بصراحة منعته من الحصول على الشهادة من هناك".
وعمد فرنسيس إلى عرض كتاب من تأليف والده المتوفى و الذي يوجد ضمنه الحروف الآرامية القديمة، و التي تختلف كل الاختلاف عن الحرف الآرامي المربع "العبري"، والذي يتم تدريسه اليوم.
واعترض فرنسيس على "الوشوم الموجودة على أيدي الشباب في الضيعة" و قال"تخيلي لو سافروا إلى الخارج و هم يحملون هذه الوشوم على أيديهم؟"
وتحدث عصام عن "خلافه مع ابنه نبيل، والذي يدرس اللغة الآرامية في المعهد، بسبب رغبة نبيل بوشم كلمة بالحرف الآرامي المربع(العبري) على ذراعه مثل باقي أصدقاءه";
من جهته أحد الشباب في معلولا، و الذين وشموا على أيديهم بالحرف العبري قال"هذا الحرف سوري قديم و هو لنا لكن الاسرائيليون(أي اليهود) سرقوه منا "
وقال شاب التقته سيريانيوز في معلولا"العبرية أقدم من الآرامية"!؟
فيما أخبرنا شاب آخر عن "قصة الحرف المربع كون جميع حروفه يمكن حصرها داخل المربع"!
استخدام كلمات عبرية
واشتكى جورج زعرورة(أحد أهلي معلولا) لسيريانيوز من "الكلمات العبرية التي يتم تدريسها في المعهد، رغم وجود الكلمة الأصلية بالمحكية المعلولية-أي الآرامية القديمة- متجاوزة بذلك استعمال الحرف العبري فقط و اللبس الذي يدور حوله"
وذكر زعرورة بعض تلك الكلمات"عوضاً عن كلمة فتوحو أي فتحة يستخدمون كلمة فتاح، الضمة حولام عوضاً عن ضمتا، و عوضاً عن تشبرتا أي الكسرة يقولون حيريق، كما يستخدمون حيريق و سيغول و غيره من الكلمات العبريية الأخرى " .
وقال زعرورة"فكرة ربط معلولا كمركز جذب سياحي ديني مسيحي بالعبرية له العديد من الخلفيات، وإن كانت دمشق العاصمة الأولى المسكونة فإن معلولا هي القرية الكنعانية التي لا تزال مسكونة حتى الآن"
ولدى سؤال جورج رزق الله(مؤلف الكتاب التدريسي في المعهد) عن أسباب اعتماد الأحرف ذات الحركات في التدريس و هي لم تكن موجودة من قبل قال رزق الله"في المحكية الآرامية هناك حركات صغرى و حركات كبرى أثناء اللفظ و هذا ما أردت تدعيمه، كون لا يمكن لفظها بشكل سليم إن لم ننتبه إلى أنصاف الحركات"
علماً أن "الحركات وجدت في القرن العاشر الميلادي ووضعت من قبل أحبار اليهود"كما ذكرنا سابقاً.
وزارة الثقافة "تنفي علاقتها بالمعهد"، ومعهد اللغات "ترك القرار للمختصين بعيداً عن الضجة الإعلامية"
ولدى زيارة وزارة الثقافة لمعرفة آراء المسؤولين هناك حول الجدل القائم حول الحرف المستخدم في معهد تعليم اللغة الآرامية أجابنا رئيس المكتب الصحفي هناك أن "وزارة الثقافة لا علاقة لها بالمعهد".
بينما يؤكد الكتاب الخاص بورشة العمل التي أقيمت في 9-10/4/2009 مشاركة وزارة الثقافة بالورشة من خلال مديرية الآثار و المتاحف.
و لدى توجهنا إلى معهد تعليم اللغات في جامعة دمشق و التابع لوزارة التعليم العالي، قال مدير المعهد الدكتور نواف مخلوف"تم تشكيل ورشة عمل لدراسة هذه القضية"
وأضاف" كل عضو من ورشة العمل هو أخصائي، و كل واحد منهم لديه رأي، و هذه الآراء غير متفقة و غير متباعدة في الوقت ذاته"
وأخبرنا مخلوف أنه "سيتم عقد ورشة عمل حول الحرف المستخدم في بداية الشهر الثامن" ، مؤكداً أنه "عندما استلم إدارة المعهد كانت اللجان قد اجتمعت واعتمدت الحرف وغيره"
و أضاف "برأيي يجب ترك الموضوع للمختصين في هدوء ليقرروا بعيداً عن الضجة الإعلامية"
لكن أحد سكان معلولا (ميخائيل ) اكد "ليقتنع سكان معلولا بما هو صحيح و تجتمع الآراء، فنحن بحاجة إلى رد من المختصين من وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة".
لارا علي - سيريانيوز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق