الجزائر: خاص
صدرت هذا الأسبوع عن دار الحضارة للنشر والتوزيع في القاهرة الطبعة الثانية من رواية بحر الصمت لياسمينة صالح، وهي الرواية الفائزة سنة 2001 بجائزة مالك حداد التي تشرف عليها الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، وكانت الطبعة الأولى قد صدرت عن دار الآداب من نفس السنة، وتعد رواية بحر الصمت من أهم الأعمال الأدبية لياسمينة صالح، حيث ترجمت إلى الفرنسية عام 2002 ثم إلى الاسبانية سنة 2004، كما كانت إضافة أدبية جيدة للرواية النسائية الجزائرية بشهادة النقاد. ياسمينة صالح التي تصر على الإبداع بعيدا عن الأضواء هي واحدة من الروائيات الجزائريات المميزات كما جاء في دراسة للناقد التونسي "جمال الدين العرباوي" عن واقع الكتابة النسائية المغاربية (الصادر عام 2005 عن المؤسسة التونسية للنشر)، حيث ذكر أن الروائية ياسمينة صالح استطاعت أن تؤسس عالمها الأدبي بطريقتها المميزة، واستطاعت أن تدخل على الرواية النسائية المغاربية مصطلحات انقلابية لطالما كانت حكرا على الرجل عبر الغور في المواضيع السياسية الحساسة (الحرب التحريرية (بعيدا عن القداسة)/ الإرهاب (إرهاب الدولة)/ المافيا السياسية الحاكمة/ لاكامورا السياسة) بلغة آسرة وأسلوب ساحر، وإن تميزت ياسمينة صالح في تعاطيها لموضوع الثورة التحريرية في رواية بحر الصمت بكونها استطاعت أن تضع القارئ أمام واقع مغاير للشعارات المتعارف عليها، واقع تقول ياسمينة على لسان بطلها الرئيسي" الوطن يا ابنتي لا يختلف عن أمنا الغولة، إنه يعتني بكم لتكبروا، ثم يأكلكم بعدئذ دون أن يرف له جفن!"، وأضاف "العرباوي" في ذات الدراسة أن ياسمينة صالح استطاعت في سنوات قليلة أن تصبح من بين الأسماء النسائية الروائية الجديدة المميزة في الجزائر، من جهته قال الناقد المغربي الدكتور" عبد السلام فزازي" أن ياسمينة صالح تعد واحدة من أبرز الكاتبات الجزائريات تعاطيا مع اللغة السردية تعاطيا إبداعيا مبنيا على التجديد. يذكر أخيرا أن رواية بحر الصمت كانت ضمن دراسة جامعة في معهد البحوث والدراسات العربية في قسم الآداب بجامعة القاهرة السنة الماضية قامت بها "فريدة بن موسى" تحت إشراف الناقد الكبير صلاح فضل. غلاف الطبعة الثانية لرواية بحر الصمت للفنان العراقي إحسان الخطيب.
الأحد، يناير 31، 2010
بحر الصمت تحط بالقاهرة للجزائرية ياسمينة صالح
السبت، يناير 30، 2010
الوســـــيلة
محمد محمد علي جنيدي
قُمْ يا فُؤادِي وارْوِنِي خَيْرَ الرِّضَـاء
وارْجُ الْإلَهَ تَرَاحُمـاً مِـلءَ الْفَضَـاء
واعْزِمْ إلَى مَلِـكِ الْمُلُـوكِ مُهَاجِـراً
تَصْفُ لِرَبِّ الْكَوْنِ في صَمْتِ الْمَسَاء
وانْظُـرْ إلَـى آيَـاتِ رَبِّـكَ عَلَّنَـا
نَلْقَ نَسَائِـمَ عَفْـوِهِ عِنْـدَ الدُّعَـاء
وارْجُ الثَّبَـاتَ دَعَائِمـاً قَـلَّ الَّـذِي
أرْسَى قَوَاعِدَ دِينِـهِ صِـدْقَ الْـوَلاء
والْخَيْرُ أنْ يَخْتَارَ رَبِّـي، فَارْتَـضِ
إنَّ الْمَشِيئَةَ عِنْـدَهُ حُكْـمُ الْقَضَـاء
فاصْبِـرْ لِأمْـرِ اللهِ فـي أقْــدَارِهِ
تَحْظَ فَضَائِلَ وَصْلِهِ عِنْـدَ الرِّضَـاء
طَـوْقُ الْحَيَـاةِ أمَـانَـةٌ بِرِقَابِِِـنَـا
قَدْ خَابَ مَنْ أفْنَى الْحَيَاةَ عَلَى هَبَـاء
هَـلَّا لِرُوحِـي إنْ تَرَكْـتَ عَنَانَهَـا
تَسْرِي بِنَا الْعَلْيَاءُ كَوْكَبَـةَ السَّمَـاء
يَا رَبِّ إنِّـي كَـمْ وُهِمْـتُ بِرَغْبَـةٍ
وَوَهَبْتُ حُلْمِي مَـنْ تَدَانَـتْ لِلْفَنَـاء
ونَسَجْتُ دَمْعِي صَوْبَ أحْـلامٍ سُـدًى
ورَأيْتُ خَيْرَ الْذِّكْرِ في صِدْقِ الْبُكَـاء
لَوْلَاكَ أنْتَ مَـا جَـرَى دَمْـعٌ ومَـا
رُوحَاً رَأيْنَاهَا تُحَلِّقُ فـي اصْطِفَـاء
لَوْلَاكَ مـا هُـدْيَ الْجَنِيـنُ لِمَطْعَـمٍ
يا وَاهِبَ الْخَيْراتِ وَعْداً في السَّمَـاء
لَوْلَاكَ ما أبْقَيْـتَ نَجْمَـاً فـي سَمَـا
يَرْنُو إلَيْكَ مُسَبِّحـاً وعَلَـى رِضَـاء
لَـوْلَاكَ لا بَـرِأ النَّسِيـمُ ولَا شـدا
طَيْرٌ ولَا دِفءٌ رَعَانَـا فـي شِتَـاء
لَوْلَاكَ عَيْنـي مـا رَأتْ إلَّا الدُّجَـى
ولَقَدْ رَأيْنَا الْبَدْرَ يَسْـرِي بِالضِّيَـاء
يَا رَبِّ كَـمْ أوْدَعْـتَ قَلْبِـي تَوْبَـةً
وَبَصَرْتُ عَفْوَكَ في رِضَاكَ وفي الْبَلاء
وعَثَرْتُ سَيْرِي في الْحَيَـاةِ كَأنَّنِـي
أسْرِي وَحِيداً فـي مَوَاكِـبِ أقْوِيَـاء
يَا رَبِّ هَبْ لِي مِـنْ لَدُنْـكَ وَسِيلَـةً
أدْعُو بِهَـا حِيـنَ التَّألُّـمِ لِلشِّفَـاء
كَنْـزُ الْكُنُـوزِ مُحَمَّـدٌ فـي ذِكْـرِهِ
نُورُ الْوَسِيلَـةِ والْهُـدَى والإحْتِمَـاء
فَارْفِقْ بِعَبْدٍ قَدْ تَهَالَكَ فـي الْـوَرَى
ضَعْفاً وَهَمّاً قَدْ عَـلَاهُ فـي اسْتِيَـاء
يَا لَيْتَ دَمْعِـي كَـان سُقْيـاً شَافِيـاً
مَا أحْوَجَ الظَّمْأى إلَى حَبَّـاتِ مَـاء
يَـا رَبِّ إنِّـي قَـدْ أتَيْتُـكَ رَاجِيـاً
فَبِعِزِّكَ اهْـدِ تَوْبَتِـي رُكْـنَ النَّجَـاء
وإلَى الْفَقِيـرِ إلَيْـكَ فَالْـقِ بِنَظْـرَةٍ
والْعَفْوُ مِنْـكَ هَدِيَّـةٌ بَعْـدَ الشَّقَـاء
واحْفَظْ بِحُـبِّ مُحَمَّـدٍ قَلْبِـي الَّـذِي
صَلَّى عَلَيْه كَمَا أمَرْتَ وَفـي وَفَـاء
شقاوة حادّة
نعمان إسماعيل عبد القادر
قصة قصيرة
الناس لا يعرفون اسمه الحقيقي، وكلّ ما يعرفونه أن اسمه "منصور".. ينتمي إلى عائلة أُطلق عليها عائلة "الربيع". وأمّا تسميته بالمنصور فلها حكاية تعود بنا أحداثها إلى أيام صباه حين ألقى بنفسه بين ألسنة اللهب التي كانت تشتعل في بيت فيه ثلاثة أطفالٍ يصرخون ويستغيثون فاستطاع فعلاً إنقاذهم من الهلاك. وتكريمًا له فقد دُعي إلى ديوان المخترة فقلّده المختار بقلادة من نحاس كان قد أشتراها لنفسه خلال زيارته لمدينة يافا وتجواله في أسواقها، من تاجر يدعى منصورًا، ثمّ أطلق عليه اسم "منصور". واسمه الحقيقي "خالد". سمّاه والده بهذا الاسم تيمُّنًا ببطل اليرموك خالد بن الوليد كما يقول. كان أكبر أخويه سنًا وأفصح منهما لسانًا وأحفظ للجميل وأسرع إلى فعل الخير وأكثر حكمةً؛ وقد لاقى احترامًا ممن لا يعرف الاحترام. وزاد احترام الناس له خصوصًا بعد وفاة والدته. ووجد حُسن الاستقبال حتى عند الذين لا تطاوعهم أنفسهم على إكرام من لا يخصّهم. كما أن هؤلاء الذين لم يعملوا بنصيحة أحد، أصغوا إليه وعملوا بنصائحه. حضوره ملازمٌ لهيبته.. هيبته معقودة بناصية جديّته التي ورثها عن والده بعد أن رحل عن الدنيا وترك له كلّ أعباء إعالة أرملة مع ولديها الصغيرين. وجديّته هذه أكسبته الخبرة والمعرفة في آنٍ واحدٍ.
في تجارة أبيه، أخذ يعمل. وكروم الزيتون ظلّ يكترث بأمرها ويزورها باستمرار في أوقات فراغه. أمّا الأغنام فلا ينام عنها إلا إذا قدّم لها الطعام وأطعمها بيده الأعشاب الذي اعتاد على جمعها على ظهر دابته قبل عودته إلى البيت. وإذا طلع الفجر صلّاه حاضرًا ثمّ حلب الأغنام وجهّز الفطور قبل أن يستيقظ أهل البيت. آمن أن الإنسان يستطيع السكن في قلوب الناس ما دام محبًّا للناس ويمدّ لهم يد العون والمساعدة في ظلّ الظروف الصعبة التي يعيشها القرويون من أبناء هذه البلاد، لهذا فقد حرص كلّ الحرص على الإنفاق على الأسرة الصغيرة وتلبية احتياجاتها دونما تأخير. لكن الأرملة ظلّت تقذفه بتهمة التقصير وتشكوه إلى "حسن" تاجر الأغنام المعروف بغناه وكرمه، إلى أن خطبها تاجر الأغنام ذاته من والدها فتزوّجها وأُضيفت إلى حرمه. كان ذلك حين بلغ ابنها البكر "زيّان" الذي تفصله عن أخيه "زاهر" سنتان، السادسة عشرة من عمره..
كم مرّةً قدّم النصيحة لأخويه الشقيين ونهاهما عن إيذاء الناس والعبث في ممتلكاتهم، ثم تنبري أمهما قبل زواجها للدفاع عنهما فتهبّ في وجهه صائحةً فيه متّهمةً إيّاه بالغيرة منهما وبالحقد عليهما وأنّه يخطط للسيطرة على إرث والده لوحده.. كم مرّة قال له رجال من القرية إنّه لولاه ولولا معزّته على قلوبهم واحترامهم الكبير له، لنكّلوا بهما جزاءً لهما على أعمالهما الشنيعة. وكان حين يسمع هذا الكلام ينتابه الحرج وتأخذه الحيرة من حيث لا يدري، فينأى بنفسه عن الناس حفاظًا لماء وجهه بعد أن قطع عليهم العهد بمحاولة ترويضهما والعيش بين الناس بكرامةٍ واعتزازٍ كامليْن.
قال له "موسى الظاهر" ذات يوم، وهو من أبناء عمومة والده من عائلة "الربيع" أيضًا، وكان هائجًا متوعّدًا:
- يا أخي! هل تشعر أن أخويْك هذين ليسا من صُلب أبيك؟ لماذا لا تلجمهما كما يلجم الفارس فرسه وتكف شرهما عن الناس؟
- هدّئ من روعك يا رجل وأخبرني كلّ ما حصل؟
- لقد بلغ السيل الزبى.. تصوّر لقد أقدما على شنق حماري الذي تركته يرعى قرب بئر الحيّات. هذا الحمار هو بمثابة رجلي ويدي اليمنى به أقضي كل شأني.. أيّ جنس من البشر هذان المخلوقان؟ ألا يوجد في قلوبهم رحمة؟ لقد كلّفني ثمن هذا الحمار ثلاثين دينارًا حين اشتريته. وأنا لا أقبل الآن بأقلّ من مائة دينارٍ تعويضًا لي على انتهاك حرمة أرضي وعلى الضرر الذي لحق بملكي، ثم أنا أقبل بما يحكم بيننا المختار.
وصدر حكم المختار الذي عقد جلسة طارئة على أثر هذه الحادثة، على وليّ أمر المتهميْن مع حضور لفيف من وجهاء القرية، بدفع غرامة باهظةٍ قدرها مائة وعشرون دينارًا عدًّا ونقدًا، وهي ربع ما ادّخره على مدار خمس سنوات، دفعها طائعًا صاغرًا دون أن ينبس بكلمةٍ.
هذه الحادثة تركت أثرًا كبيرًا في نفس "منصور"، عاد إلى بيته وهو يحسّ أن ما كان يصبو إليه صار حلمًا وهو آخذٌ في الضياع شيئًا فشيئًا. وابنة المختار "نفيسة" التي يرنو إليها صارت بعيدة المنال. أخذته إغفاءة في النفس وجولة قصيرة في الخيال رأى خلالها المختار يطرده من بيته ويصيح فيه قائلاً: "أنت لست أهلاً للنسب.. ثم تخيّل ما نفّذه أخواه من عمل قاسٍ بحمار موسى دون رأفة أو إدراكٍ بسوء العمل.
مرّ على هذه الحادثة عشرون شهرًا وهي بالنسبة له مؤشر واضح على خطرٍ قريبٍ قد يداهمه من جديدٍ. وأي حماقة يرتكبها أحدهما قد تنعكس سلبًا عليهم جميعًا. والعُرف لا يميز الخبيث من الطيب بين أبناء البيت الواحد. لم يستطع أن يتبرأ منهما ومن شرّهما. كلّما شكاهما إليه أحدٌ تذكّر أمّهما وانشغالها بأسرتها الجديدة وأطفالها الصغار. الخطر لا يبعد عنه كثيرًا وصار يحسّ بوجوده في أفق قريب يُتَوَقَّعُ حدوثه في كل لحظةٍ. أخذ يدعو الله كلّ يومٍ في صلواته لهما الهداية وحسن الخاتمة.
كعادته كان منصورٌ منهمكًا في عمله. تناول غداءه وصلّى الظهر قبل ساعةٍ. أصواتٌ غريبةٌ وجلبة رجالٍ يصل صداها إلى مسامعه تنبعث من مكان واحدٍ.. بيوت القرية. كان يقتلع الأعشاب من تحت أشجار الزيتون ويجمعها في مكانٍ واحدٍ، فإذا برجل يأتيه إلى الكَرْمِ من ناحية البيوت من الجهة الشرقية، مناديًا إياه بصوتٍ رخيمٍ ومن بعيدٍ. نظر فعرفه من عرجته، ولكن منظره يوحي أن الأمر جلل.. هذا هو "مأمون الأعرج" سفير المختار ومساعده، لا بد أنه يحمل أخبارًا سيئةً. وصل الرجل لاهثًا وقال متمتمًا:
- المختار.. يأمرك.. بمغادرة القرية.. فورًا.. قبل أن تحلّ الكارثة بك فتكون أنت الضحيّة لثأرٍ غير متوقعٍ. انجُ بجلدك حالاً!!! أخواك "زيّان" و "زاهر" ارتكبا جريمة قتل وقد اختفيا عن الدنيا والناس غاضبون هائجون وقد أحرقوا بيتكم. إن أمسكوا بك فلن يرحموك. هيا أسرع يا رجل!!
ركب الرجل دابته وأخذ يحثّها على السير باتجاه الغرب بقلبٍ خافقٍ ونفسٍ خائفةٍ، ونظراتٍ حذرةٍ.
naamankq@yahoo.com
الجمعة، يناير 29، 2010
رجلٌ إستثنائي
فاطمة فناني
لا ترحل قبل أن تقبل عيناي
وتتمايل على نغم رموشي...
وإرتباك شفتاي
أحضني وأرقص على نبض حبي..
وفي أذناي... ردد أعذب الكلام...
دعني أعانق السماء...
وأحرك فتارة لقياك...
كإمرأة من نساء شهريار
حيث تداعب أصابعك..ثوبي الحريري
الطويل الديل...
القصير الأكمام...
فترحل بي...
تحت جناحيك كعصفور...
ينشد الدفء والآمان
فوق سحابة معطرة..
بعبير الزهر والريحان...
ونظراتك تشعل لهيبي...
وتتيه عباراتي..
بين دروب اللسان...
فأستوطن صدرك ...
و أبادلك الحنان..
بين الزنابق البيضاء...
وشقائق النعمان...
بضحكات معسولة
مقطرة من شهد حب...
تمحو غبار الترحال...
ثم نحلق كريشتين في الهواء
على أشعار درويش...
و ألحان فيروز...وأسماهان
عجيب أمرك وغريب...ياعاشقي الفنان...
عشقك جنون...إعصار... وبركان..
رجل إستثنائي...أنت يا حبيبي
لست ككل آدم
بيوصفوك يا مصري
ايمن يحيي
بيوصفوك يا مصري
قالوا عليك جدع
مش بالفتونه ولا بالدراع
ولا بضرب الودع
الطيبه والمرجله طبع فيك
ومش بسهوله من لمعان الدهب تنخدع
نيلك رواك
ولا عمر شئ يكسرك
العزه دي شيمتك
ولا حاجه بتركّعك
واللي لسانه يطولك
في ثواني راح ينقطع
بيوصفوك يا مصري قالوا عليك جدع
كتير بتتسامح لكن
حقك ولا تسيبه
تهدي وتتأني لحد ما تجيبه
في الحق صوتك عالي
ولا من خسيس تتوجع
بيوصفوك يا مصري
قالوا عليك جدع
بقلم الشاعر ايمن يحيي
القاهره 29 يناير
الخميس، يناير 28، 2010
الجدل يحتدم حول ادخال الحرف العبري لتعليم الآرامية في معلولا
تواجدت حتى يومنا هذا اللغة الآرامية التي كان يتكلم بها السيد المسيح كلغة محكية وغير مكتوبة في ثلاث بلدات سورية فقط هي معلولا وجبعدين وبخعا ، وتم افتتاح معهد لتعليم اللغة الآرامية نهاية حزيران 2007في معلولا لتعليم اللغة الآرامية والحفاظ عليها وتعزيزها قراءة و كتابة.
واليوم هناك من يعترض على اعتماد الحرف العبري ( او كما يسميه مؤيديه الآرامي المربع) في الكتاب التدريسي الخاص بالمعهد،عوضاً عن الحرف الآرامي القديم و الذي تتوفر منه نسخة قديمة وواضحة على ثوب تمثال الملك الآرامي "هديسعي" و الموجود حالياًَ في متحف دمشق الوطني.
وعلى خلفية اعتماد الحرف العبري، انتشرت الوشوم على أيدي شباب معلولا بالحرف العبري، وعلى اللافتات هناك، وعلى بعض الأماكن الأثرية و الدينية الإسلامية والمسيحية على حد سواء، كما انتشرت على الهدايا و القطع التذكارية التي تباع للسياح القادمين إلى معلولا للتعرف على تاريخ سوريا!
وتسبب استعمال الحرف العبري، أو كما يطلق عليه مشرفو المعهد بـ"الحرف الآرامي المربع"، بكثير من الجدل و الخلافات حول صحة استخدام هذا الحرف بين الأخصائيين الذين التقتهم سيريانيوز، فكيف هو الحال بالنسبة للناس البعيدين عن الاختصاص انطلاقاً من أهالي معلولا إلى العالم بأسره؟
الحرف الآرامي المربع تسمية"زوراً و بهتاناً"
والتقت سيريانيوز الدكتور محمد بهجت القبيسي- أستاذ الكنعانية والآرامية واللهجات العروبيات في عدد من الجامعات، والذي تحدث عن حقائق تاريخية ومعلومات علمية، وقال"اللغة الكنعانية و الآرامية كتبتا بذات الأحرف، و إن وددت أن أكتب الآرامية فهذا هو الخط الأصلي " مشيراً إلى الحروف على كرت قام بتزويدنا به .
وتابع قبيسي" أتحدى أن نجد الحرف العبري قبل القرن الثالث الميلادي، وهذا الحرف سميّ بالحرف الآرامي المربع زوراً و بهتاناً كي يجدوا لأنفسهم صلة بالآرامية، و دليلنا تدمر و الأنباط والتي لدينا منهما كتابات تعود للقرن الثالث، وهذه الكتابات مكتوبة بالخط التدمري والخط النبطي"
وأكد قبيسي أن "اختلاف نمط الخط لا يدل على تغير اللغة" وطالب قبيسي بأن "يأتوه بأي نقش يظهر الحرف العبري أو كما يسموه بالآرامي المربع وهو سيقرأ النقش وسيتمكن من خلاله الاستدلال إلى اللغة التي يدل عليها هذا الخط"
وكمثال على الفكرة ذكر قبيسي " اللغة التركية التي كانت تكتب بخط الجزم العربي(أي الأبجدية العربية) و في عام1929 غير أتارتوك الخط إلى الحرف اللاتيني و ذلك لم يغير من اللغة التركية أبداً، إذاً اللغة شيء و الحرف شيء آخر"
وقال قبيسي أن "الحرف العبري يعتبر حرف حديث نسبياً، و الحركات الموجودة عليه و التي تستخدم الآن في التدريس ضمن معهد تعليم الآرامية ماهي إلا من وضع أحبار اليهود في القرن العاشر الميلادي ولا علاقة لها بالآرامية، وما هي ألفاظ سيغون و حيريق وغيره؟ لا توجد باللغة الآرامية تلك الكلمات؟"
من جهته الباحث في التاريخ القديم و أستاذ في معهد الآثار الدكتور ابراهيم خلايلي، أكد ما ذكره الدكتور قبيسي من "معلومات علمية".
وتحدث لسيريانيوز عن مقال كتبه في "إحدى الصحف المحلية حول ذات الموضوع"، مما أثار اهتمام بعض الجهات التي دعت لإقامة ورشة عمل حول الحرف المعتمد في معهد تعليم الآرامية، "وكان هو أحد المشاركين في تلك الورشة الخاصة بالحرف الآرامي"، والتي أقيمت في المعهد العالي لتعليم اللغات، في 13/4/2009.
و كشف خلايلي عما حدث في الورشة التي حضرها كممثل عن مديرية الآثار و المتاحف-وزارة الثقافة "في الورشة حاولوا أن يقروا الحرف، لكني تقدمت بمداخلتي و طالبت باستخدام الحرف الآرامي القديم، هو ذات الحرف المنقوش على تمثال (هديسعي) الموجود في متحف دمشق الوطني"
وتابع خلايلي "خلال مداخلتي أكدت على موضوع الحركات التي يتم تدريسها هي حركات جديدة ولا علاقة لها بالآرامية، وهذا لقي الآذان الصاغية من قبل الموجودين في الورشة، والتي أقرت ضرورة تشكيل لجنة لاعتماد حرف آرامي مناسب، و مازلنا بالانتظار.."
وأكد خلايلي على معلومة أن "الحرف الآرامي المربع ذو الحركات و المعتمد من قبل معهد تعليم الآرامية لم يسجل حضوره على أي تمثال أو أثر في بلاد الشام في زمن المسيح أو قبله".
وقال خلايلي أنه "تابع الموضوع من خلال توجيهه كتاب إلى مديرية الآثار و المتاحف في 3/6/2009 يطالب فيه بضرورة تدخل مديرية الآثار والمتاحف في لجنة مناقشة الخط الجديد المناسب لآرامية معلولا، وذلك توخياً للدقة وإحياءً للخط الآرامي السوري القديم" واقترح "إقامة ورشة عمل ليوم واحد بخصوص الموضوع المذكور".
فيما نفت وزارة الثقافة علاقتها بمعهد تعليم اللغة الآرامية "لا من قريب أو من بعيد"، و ذلك من خلال سؤال رئيس المكتب الصحفي هناك، و مدير العلاقات الثقافية....
والتقت سيريانيوز الأستاذ جورج رزق الله-أستاذ اللغة الانكليزية في جامعة دمشق، والذي عمل على تأليف الكتاب الخاص بمعهد تعليم الآرامية في معلولا والذي قال""هذا الحرف صنع في سوريا، و هذا مؤكد في كتاب الدكتور محمد محفل لتعليم اللغة الآرامية في جامعة دمشق، و هذا الكتاب معتمد من قبل جامعة دمشق"
وعن كتاب دكتور جامعة دمشق محمد محفل، والذي يدّرس في الجامعة لتعليم اللغة الآرامية بالحرف العبري، قال القبيسي"إن الدكتور محفل درس أرامية التوراة بالحرف العبري و هذا حق، لكن أن يتم اعتماد الحرف لتدريس الآرامية فهذا خطأ علمي"
و تحدث رزق الله عن "همه" للحفاظ على اللغة الآرامية في معلولا، وعن "انقسام معلولا إلى قسمين مع و ضد الحرف الآرامي"
وأضاف "كنت أتمنى أن نكتب الآرامية باللغة العربية لكن ذلك صعب بسبب وجود أنصاف حركات لفظية لا يمكن لفظها من خلال العربية التي تعتمد الحركة الكاملة"
ولدى سؤالنا لمؤلف الكتاب عن كونه غير اختصاصي بالتاريخ وهو الوحيد الذي عمل على وضع الكتاب قال"بصراحة الكتاب كان بحاجة إلى كادر أكبر في اللغة العربية و التاريخ، لكن الذي مكنني من وضع الكتاب أني ابن المنطقة وأعرف ماهية اللغة أكثر من غيري، حتى أن الدكتور محمد محفل قال لي إنه يجب ترجمة الكتاب إلى عدد من الكتب"
وهذا ما أشار إليه خلايلي لدى تساؤله"كيف يمكن لأستاذ أدب إنكليزي أن يضع مثل هذا الكتاب الاختصاصي؟ وكيف تمت الموافقة عليه؟"
وأكد خلايلي"إن دور جورج رزق الله هو ترديد اللغة دون المعرفة العلمية للتاريخ الحقيقي لهذه اللغة، والأهم من هذا أن الذي يعرف التاريخ جيداً ومختص به هو الذي يجب أن يكون مشرفاً على وضع و تأليف مثل هذا الكتاب"
معلومات متضاربة
ولدى سؤال الدكتور محمد محفل-أستاذ في التاريخ الروماني و اليوناني ودكتور في جامعة دمشق عن الحرف العبري و اعتماده في معهد تعليم الآرامية قال المحفل "الحرف المربع قديم جداً، وبدأ يتولد في القرن الثاني قبل الميلاد، وهو مستعمل اليوم في الأراضي المحتلة"
وشدد محفل على أن هذا "الحرف هو الذي كان سائداً أيام السيد المسيح، وقد كتب السيد المسيح بهذا الخط"
واستشهد "بكتابة إنجيل متى بهذا الحرف المربع، وأكثر من 3000نقش بالحرف المربع في تدمر، وما يزيد عن 3500 نقش في الأنباط"
وقال بحدة"أنا اللجنة التي ستعيد اعتماد حرف وسأعتمد هذا الحرف ذاته، من أين سآتي بحرف آخر؟"
فيما نفى قبيسي "الصحة العلمية لمعلومات الدكتور المحفل حول الحرف العبري و قدمه" مستنداً في نفيه إلى "النقوش الموجودة على الأرض كإثباتات علمي على نفيه"
وذكر خلايلي أنه خلال ورشة العمل التي جمعته مع المحفل "سأله ما إن كان هناك أي كتابة أو نقش بالحرف العبري أو المربع كما تسموه ويعود إلى فترة السيد المسيح أو بعده أو قبله، فصمت لوهلة ثم أجابني بالنفي"
أهالي معلولا بين "صنع في سورية" ورفض الحرف "الدخيل"
ويعيش أهل معلولا بحسب بعض الذين التقيناهم "انقسام" بين من هم مع الأحرف العبرية"المربعة" وبين الأحرف الآرامية القديمة.
فالبعض مع هذا الحرف كونه قد "اعتمد من قبل معهد تعليم اللغات و وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة" و البعض الآخر يرفض هذا الحرف الدخيل و الذي أطلقوا عليه "آرامي مربع زوراً "
واشتكى الدكتور عصام فرنسيس "أحد سكان معلولا" لسيريانيوز من الحرف المربع ، وقال فرنسيس "لم أسمع بحياتي كلها بالحرف المربع، وكل ما أعرفه هو الحرف السرياني المدور، و الحرف الآرامي المثلث، أما هذا الحرف المربع فهو دخيل، و عندما وقفت بوجه جورج رزق الله و هو مؤلف الكتاب، وبوجه تعليم هذا الحرف ،اتهموني بالغيرة و أني أريد أن أتميز وغيره، حتى أنهم بدأوا بمضايقة ابني نبيل الذي كان يدرس اللغة الآرامية في المعهد، و بصراحة منعته من الحصول على الشهادة من هناك".
وعمد فرنسيس إلى عرض كتاب من تأليف والده المتوفى و الذي يوجد ضمنه الحروف الآرامية القديمة، و التي تختلف كل الاختلاف عن الحرف الآرامي المربع "العبري"، والذي يتم تدريسه اليوم.
واعترض فرنسيس على "الوشوم الموجودة على أيدي الشباب في الضيعة" و قال"تخيلي لو سافروا إلى الخارج و هم يحملون هذه الوشوم على أيديهم؟"
وتحدث عصام عن "خلافه مع ابنه نبيل، والذي يدرس اللغة الآرامية في المعهد، بسبب رغبة نبيل بوشم كلمة بالحرف الآرامي المربع(العبري) على ذراعه مثل باقي أصدقاءه";
من جهته أحد الشباب في معلولا، و الذين وشموا على أيديهم بالحرف العبري قال"هذا الحرف سوري قديم و هو لنا لكن الاسرائيليون(أي اليهود) سرقوه منا "
وقال شاب التقته سيريانيوز في معلولا"العبرية أقدم من الآرامية"!؟
فيما أخبرنا شاب آخر عن "قصة الحرف المربع كون جميع حروفه يمكن حصرها داخل المربع"!
استخدام كلمات عبرية
واشتكى جورج زعرورة(أحد أهلي معلولا) لسيريانيوز من "الكلمات العبرية التي يتم تدريسها في المعهد، رغم وجود الكلمة الأصلية بالمحكية المعلولية-أي الآرامية القديمة- متجاوزة بذلك استعمال الحرف العبري فقط و اللبس الذي يدور حوله"
وذكر زعرورة بعض تلك الكلمات"عوضاً عن كلمة فتوحو أي فتحة يستخدمون كلمة فتاح، الضمة حولام عوضاً عن ضمتا، و عوضاً عن تشبرتا أي الكسرة يقولون حيريق، كما يستخدمون حيريق و سيغول و غيره من الكلمات العبريية الأخرى " .
وقال زعرورة"فكرة ربط معلولا كمركز جذب سياحي ديني مسيحي بالعبرية له العديد من الخلفيات، وإن كانت دمشق العاصمة الأولى المسكونة فإن معلولا هي القرية الكنعانية التي لا تزال مسكونة حتى الآن"
ولدى سؤال جورج رزق الله(مؤلف الكتاب التدريسي في المعهد) عن أسباب اعتماد الأحرف ذات الحركات في التدريس و هي لم تكن موجودة من قبل قال رزق الله"في المحكية الآرامية هناك حركات صغرى و حركات كبرى أثناء اللفظ و هذا ما أردت تدعيمه، كون لا يمكن لفظها بشكل سليم إن لم ننتبه إلى أنصاف الحركات"
علماً أن "الحركات وجدت في القرن العاشر الميلادي ووضعت من قبل أحبار اليهود"كما ذكرنا سابقاً.
وزارة الثقافة "تنفي علاقتها بالمعهد"، ومعهد اللغات "ترك القرار للمختصين بعيداً عن الضجة الإعلامية"
ولدى زيارة وزارة الثقافة لمعرفة آراء المسؤولين هناك حول الجدل القائم حول الحرف المستخدم في معهد تعليم اللغة الآرامية أجابنا رئيس المكتب الصحفي هناك أن "وزارة الثقافة لا علاقة لها بالمعهد".
بينما يؤكد الكتاب الخاص بورشة العمل التي أقيمت في 9-10/4/2009 مشاركة وزارة الثقافة بالورشة من خلال مديرية الآثار و المتاحف.
و لدى توجهنا إلى معهد تعليم اللغات في جامعة دمشق و التابع لوزارة التعليم العالي، قال مدير المعهد الدكتور نواف مخلوف"تم تشكيل ورشة عمل لدراسة هذه القضية"
وأضاف" كل عضو من ورشة العمل هو أخصائي، و كل واحد منهم لديه رأي، و هذه الآراء غير متفقة و غير متباعدة في الوقت ذاته"
وأخبرنا مخلوف أنه "سيتم عقد ورشة عمل حول الحرف المستخدم في بداية الشهر الثامن" ، مؤكداً أنه "عندما استلم إدارة المعهد كانت اللجان قد اجتمعت واعتمدت الحرف وغيره"
و أضاف "برأيي يجب ترك الموضوع للمختصين في هدوء ليقرروا بعيداً عن الضجة الإعلامية"
لكن أحد سكان معلولا (ميخائيل ) اكد "ليقتنع سكان معلولا بما هو صحيح و تجتمع الآراء، فنحن بحاجة إلى رد من المختصين من وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة".
لارا علي - سيريانيوز
الأربعاء، يناير 27، 2010
إن كنت قاتلتي
صبري جابر
يا امرأة أبحتِ قتلي ولم تقتليني
وسافرت عن عينيَ
دون أن أودعك وتودعيني
وفي بحر الحب اغرقتيني...
وما حاولت ولو بنظرةٍ...
أن تنقذيني...
وانكَرتْ عيناك قلبي...
وبدمع من بحر عينيك
كخنجر فارسي مزَقت قلبي
وقطعت أوردتي وشطبتِ سنيني...
أحبك وأعشق عذابك
فإن كنت قاتلتي فما أروعَ
موتي وحبك يجري بشراييني...
وان كنت تريديني أن أحيا...
فنظرة من سهام عينيكِ
كفيلة بأن تحييني...
أو عناق كرواني يعيدُ
لي ما ضاع من سنيني
و إلا فنقسم أن نبقى في محراب
العشق أبد الدهر ساجدين.
ديوان سنديانات الحب ص 82
sabri_jaber@hotmail.com
حوار مع القاصة الكردية وزنة حامد
إبراهيم خليل
مراسل مجلة وارفين – سوريا :
استطاعت المرأة أن تتعلم وتحدث تغييراً على حياتها الخاصة
في زمن قصير استطاعت القاصة والأديبة الكوردية ,وزنة حامد أن تضع بصمتها الخاصة في خارطة الكتابة والأدب وأن تنسج من آلام البشرو المهمشين والفقراء والمشردين قصصاً لإيصال أصواتهم .
جاءت من أعماق الريف الكوردي لتحط الرحال في مدينة الحسكة .
لها ثلاثة مجموعات قصصية مطبوعة ( تداعيات من الذاكرة – صفير القطار – السجينة ) ، ورواية بعنوان (الإنسان داخل الإنسان)، حول دور المرأة كأديبة و نضالها في سبيل قضاياها كان لنا هذا الحوار :
وارفين : من هي وزنة حامد ,وكيف استطاعت خلال فترة قصيرة من عمرها الأدبي من اختراق سيطرة الرجل على الأدب و النشر في المجتمع الكوردي ..؟
وزنة حامد : في البداية اشكر مجلة وارفين على إتاحة هذه الفرصة لي للتحدث واشكر كل القائمين عليها . بالنسبة إلى سؤالك فإن وزنة حامد إنسانة سلكت طريق الكتابة واتخذت القلم سبيلاً ورفيقاً لدربها علها تجد في ذلك تحقيق حلماً بعيد المنال على ارض الواقع.أما بالنسبة للعمر الأدبي ليس بقصير، حيث كنت أميل إلى الكتابة منذ نعومة أظافري، ألا إنني تعاملت مع الإعلام الإلكتروني منذ فترة وجيزة. بالنسبة للشهرة اعتقد إن أية مادة إذا ما تستحق القراءة والجدل تجد سبيلها إلى الشهرة والاكتراث، ثم إنني لا أؤمن بالمقولة التي تسمي أدب ذكوري وأدب نسوي، أنت كأديب تحس، تتناول موضوع ثم تعالجه، تطرحه، بأسلوبك الخاص فهنا أين الفرق بين الأدب النسوي والذكوري..
وارفين : ما هي أهم القضايا التي تتناولها وزنة حامد في قصصها و لماذا اختارت القصة القصيرة لتكون سلاحها الأدبي ..؟
وزنة حامد :البشر، المهمشين، الفقراء، المشردين، كل هؤلاء يستحقون أن تتوقف وزنة حامد عند قضاياهم ثم تطرحه بقوة، اختياري للقصة لكل نوع من أنواع الأدب وظيفته المرجوة، ومن خلاله نوصل رسالة إلى الأخر، وجدت في القصة خير مرسال لإيصال صوتي إلى المعنيين.
وارفين : كيف ترين واقع المرأة السورية عموماً و المرأة الكوردية خصوصاً في الوقت الراهن مقارنة بالعهود السابقة ..؟
وزنة حامد : واقع المرأة السورية جيدة مقارنة بالعهود السابقة، فهناك نسوة استلمن وظائف ذات أهمية، ومواقع القرار، المرأة الكوردية لابد أنها تتأثر بالوضع العام في البلاد، فأكيد استفادت من هذه التجربة.
وارفين : هل استطاعت المرأة على التغلب من الصورة النمطية التي وضعتها فيها ثالوث الدين – العادات و التقاليد – الواقع السياسي ..؟
وزنة حامد : عندما تدرك المرأة دورها كأم وكزوجة، وتستطيع أن توفق بين حياتها الخاصة والعامة من المؤكد أنها ستنجح كامرأة صالحة في المجتمع، وتتغلب بذلك على كل العوائق التي تعترض سبيلها.
وارفين : أين موقع المرأة الكوردية في الأدب الكوردي ..؟و هل استحوذت قضاياها على الموقع المناسب في نتاجات الأدباء الكرد ؟
وزنة حامد : الشاعر الكوردي الكبير " جكرخوين " أشاد بدور المرأة في جميع مجالات الحياة، وطالب أيضا بتحررها من العوائق التي تقصي دورها في المجتمع، حتى أنك لا تجد أديباً كردياً إلا وتكون قضايا المرأة شريك لما يتناول يراعه من مواضيع ومعاناة وآلم.
وارفين :المرأة في زمننا الحاضراستطاعت من تجاوز أهم العقبات التي اعترضت طريقها على مر العصور ألا و هي الأمية ، لماذا لم ينعكس ذلك على واقعها الأدبي ؟ و لماذا نرى عدد الأديبات قليلا مقارنة بالرجل قياساً على حجم قضيتها ؟
وزنة حامد : في العقود التي مضت كان للرجل حصة الأسد في التعليم والقيادة طبعاً نسبةً إلى العادات والتقاليد السائدة آنذاك، أما اليوم فهناك فرق شاسع بالمقارنة بين الزمنين، واستطاعت المرأة أن تتعلم وان تقود وان تحدث تغييراً على حياتها الخاصة نتيجة الوعي، لذلك أقول ليس كل متعلم أديب وليس كل من يحمل شهادة يستطيع أن يكتب، لان الكتابة موهبة ربانية تأتي إليك من غير استئذان، وتجد نفسك مرغماً على الخوض فيها.
وارفين : هل استطاعت المرأة الأديبة من ملامسة واقعها..؟ وما هي أهم الخطوات والحلول التي تطرحها في سبيل تحررها..؟
وزنة حامد : نعم المرأة الأديبة تمكنت من ملامسة راهنها وتناولت قضايا جديرة فيما يخدم تحررها، أفصحت من خلال طرحها مواضيع حساسة (سياسية، اجتماعية، اقتصادية).
وارفين : هل ينال أدب المرأة الاهتمام الكافي من لدن النخب الثقافية و السياسية و من هم أهم المساندين والداعمين لهذا الأدب ..؟
وزنة حامد : منذ البداية قلت بإنني لا أؤمن بتسمية الأدب ذكوري أو نسوي، فالمادة عندما تعالج هموم وقضايا برؤية جريئة، وتستحق هذه المادة الجدال حولها، والوقوف على محتواها تفرض نفسها، ولا أعتقد أن هناك من يتجرأ أن لا يعطيها الاهتمام الكافي.
مرةً أخرى أقدم شكري الجزيل لمجلة وارفين .
أهم إصدارات وزنة حامد أوسي:
- مجموعة قصصية: تداعيات من الذاكرة.
- مجموعة قصصية: صفير القطار.
- مجموعة قصصية: السجينة.
رواية بعنوان (الإنسان داخل الإنسان) في طريقها الى النشر
صــفــحـة جـديـدة
هـيـثـم الـبوسـعـيـدي
* إنجذاب تفكير الإنسان بشكل دائما إلى الاحداث المأساوية يؤدي إلى توسيع دائرة الألم في حياته لأن إستمرارية الحزن على الماضي يلعب دور في قتل الإرادة وتبديد للحياة الحاضرة، فما قيمة أن يتعلق تفكير ومشاعر المرء بحدث طواه الزمن ليزيد ألمه حرقة وقلبه لذعا؟
الحزن أمر مشروع وحالة نفسية يمر بها الإنسان، أما أن نعيش الالآم الماضي بكل تفاصيله وذكرياته فهذا معناه أننا سنخسر في النهاية الماضي والحاضر ونقع ضحايا لسلسلة من الأمراض الجسدية والعلل النفسية فهل هذا بالأمر الطبيعي والعادي.
كما أن كلمات اليأس والقنوط والإحباط التي تلوح دائما في أوقات الشدة والمحن قد تكون في ذات الوقت مدخل نحو اضعاف النفوس وتقهقر القلوب عن مجموعة من المفاهيم كالعزيمة والطموح والثقة، أما من يعقل الأمور فهو من يدرك أن الظروف الصعبة هي مجرد غربال لثقته في دينه وربه ونفسه من جانب ومن جانب آخر فإن الظروف الصعبة تقوده إلى السؤال الآتي: هل هو قادر فعلا على الإنتاج والبناء والنهوض من جديد أم الاستسلام في أولى حروبه مع الحياة ؟
والأهم من كل ذلك كيف يصنع الفرد من الظرف الصعب والوجع الدفين محفز له للاستمرارية والبقاء ومواصلة المسيرة وممارسة أنشطة الحياة بشكل طبيعي لأن الاحداث المريرة على إختلاف صورها واشكالها ليست نهاية العالم ولا نهاية الحياة، كما إن ذلك الفرد ليس الوحيد الذي يعاني من ظروف صعبة واحداث مريرة فهناك من تمتلأ حياتهم بأوجاع كثيرة وأسقام عديدة، فلماذا اليأس والحيرة؟ ولماذا كثرة السهاد والحزن الطويل؟ ولماذا فتح الأبواب لوساوس وأفكار الشيطان حتى تغزو عقولنا وقلوبنا؟
وأخيرا فإن لحظات الألم وأوقات المصائب تكشف حقيقة الانسان ومدى تمسكه بقناعاته ومعتقداته كما إنها تظهر قوة أو ضعف شخصيته، فكم نفوس ضعيفة هوت أمام الظروف الحرجة لترتكب بعد ذلك الأخطاء وتصر على ممارسة المعاصي.
أما الإنسان الواعي هو من يحكم لغة العقل والتي تتمثل في فحص ما وقع بعد فترة من حدوثه ودراسة تأثيراته وكيفية الإستفادة منه بطريقة ايجابية، بحيث يمثل هذا الموقف نقطة انطلاقة للأمام ومرحلة مهمة لتخطي عقبات والالآم الماضي والسير نحو مبدأ التغيير والإصلاح من خلال فتح صفحة جديدة في الحياة لنستغل ما حدث لفهم حقيقة الحياة، ولنتذكر ما حدث لا على سبيل استرجاع صور المعاناة واحاسيس الوجع وإنما على سبيل العظة والعبرة والامتحان.*
Haitham_sulieman2020@yahoo.com
الاثنين، يناير 25، 2010
إِنكسآر صَمت يُبلله رَذآذ أَلفَقَد
ملاك ملاك
غَطرَسَة مَطَر تَطرُق نَوآفِذ سُهدِي..
إِنكسآر صَمت يُبلله رَذآذ أَلفَقَد..
فِي لَيلةٍ بآرِدَه تَتُوق لِمُعآنَقَة تَنهيدآت أَلفَجرْ ..
هُروباً مِن زَفَرآت أَليأس وَ {بعآده }
شَهقآت لآ تَفتُر تَبتَهِل لِرَب أَلسَمآءْ..
أَن تَقتَحم أَلشَمس فَجرِي بِنَشوَة أَعذَب..
غآرِقَه بِنَدى أَنفآسَه..
رَغم بَرد كآنون وَنَفثآت أَلبعآد ألحآرِقَه..
إلآ أَننِي أَستَشعُر أَلدفء مِن مُقل أَلشَمسْ ..
تُشرِق فِي سَرآدِيب رُوح أَلمَطَرْ..
تَنفِي ألآآآآه خآرِج حُدود سَكنآتِي..
تُزَلزِل بِكَيآنِي شَحِيح أَلفَرحْ أَلمُستبِد بِأَعمآقِي..
لِتَنشق أَرضِي مُنتَصِبَه بِجَبرُوت مآرِد..
يَبتَلعِ لَسعآت حُزنِي وَيُحرِر إِبتسآمَتِي مِن سُجون ألأسى..
تَتَمَرد تَضَآرِيس أَرضِي أَكثَر ..
يَمتد إِنشِقآقهآ لِتَزفُر مِن أحشآئهآ نِيرآن..
تَلتَهِم وَجَع سَنِينِي ..
وأَورآق صَفرآء دُونِت فِي سِجلآت أَلدَمع قُيودآ..
حَررت مِعصَمِي فَرحِي مِن أصفآد أَلزمَن أَلمُرْ..
رَغمَ نَفَحآت ألأَمل أَلمتغَلغِلَه فِي أَورِدَتِي..
تَنهَمِر أَمطآر أَلعُيون مآلِحَه..
تُغرِق وَجنَتِي أَلمُحمَرَه أَلماً..
إنِي أَفتَقَدَهُمْ
{ أَبِي ..أُمِي..جَدِي..حَبِيبِي}
وَيَصفَعنِي أَلحَنِين بِذِكرآهُم بِمَرآرَه..
يَقَتلِعُنِي مِن تُربَة جُنونِي..
يُلقِينِي يآسَمِينَه ذآبِلَه عَلى قآرِعَة أَلظُلمَه..
تَحتَ أَلمَطرْ وَرِيح أَلشَمآل تَعصِف بِذآكِرتِي وَمآ تَبقَى مِنهآ..!!
صَوت يَهمِسُنِي مِن أَعمآق ألأرض..
وآخِر مِن جَوف أَلسَمآءْ..!!
وَهَل سَتعتَنقِين أَلحُزن مَذهَب أَبدِي أيآ ملآك..؟!
إنه أَبرَز سِمآت أَلملآك وَكِيف لِلرُوح أَن تَكفُر بِه..؟!
يأن قَهراً..
وَجَع لآ يَستَكِينْ..
يُنآجِي أَلقَلب فِي بعدهُم عَن أَلرُوحْ..
صَـــــــــــــــــــــــــمــــــــــــــــــــــ ــــــــتْ..
مَلَكُوت نَبض ..
تَسآبِيح مَطَرْ ..
وأَيآت تَبجِيل..
تَنتَشلنِي مِن وَجع دَمعِي..
صُبح يَتَدَلَى مِن عَرآئِش أَليآسِمِين..
مُتَمَسكه بِأطرآف أَلمزن شَوقاً..
هَذيآنٌ لَذِيذ يَتَوَشَح ملآذِي ألآمِن..
هَمَسآت تَستَقِر فِي صَدر صُبحِي..
قَنآدِيل ألأَمَل تُشعُل أَلف إِبتِسآمَه فِي أَلعُيون..
وأَلفٌ أُخرى فِي أَلجُفون..
وألآفٌ مِنهآ عَلى شِفآه أَليآسَمِينْ..
رَغمَ وَجع أَلفقدْ..
وأَنِين أَلشَوقْ..
إِعشَوشبت ذِكرآهُم فِي أَحشآء أَلفؤآد إِخضِرآراً..
وَمَنحت أَلرُوح أَمآن أَحضآنهُمْ..
سَـ أَمضِي نَحو سَمآءكُمْ..
تآرِكه خَلفِي مَمرآت أَلبعد وأزقة أَلفقدْ..
لِأَغصآن أَليآسَمِين تَحتوِيهآ..
وٍَسَأعتَكِف فِي مِحرآب أَلمُزن..
أُرتِل أيآت أَلحَنِين حَتى سُطوع وَهج عَينَيه فِي أَلرُوح مِن جَدِيدْ..
وَدَعوآت لِرَب أَلسَمآء بأن يَتملكنآ بِوآسِع رَحمته..
مَختُومَه بِـ { أُحِبك }
ألمَلآكْ..
الأحد، يناير 24، 2010
نيزك الحب
يُسْرْ فوزي
يسقط نيزك الحب
من السماء
ينشق صدر الليل
تتدلى
عناقيد عشق ممطرة
تبلل شفاه الزنابق
يرتشف السوسن
قطرات الندى
يخط أريج الهوى
بيراع الحب
على معصم زهرة بنفسج
ينتعش قلب نرجسة ربيعية
ترفرف أجنحة الورد
فوق مراضب الجنان
تتعانق ألياف الشجر
تحت رقصة المطر
ينتشي أديم الأرض
و يسكب القبل المجففة
في جراره العتيقه
خيوط الصباح
تمسد ضفائرها
تتعطر من عطر ورد
إلى عطر ريحان
تقيد أشجان
وردة جورية
حبيسة القمر
تقتلع شوك الألم
و ترسم على وجنتيها
مبرقات العشق
تنفض عنها غبار الشجن
تلاعبها على تلة خضراء
يعزف فيها عبق ريح الورد
أهازيج احتفالات المطر
تحرق أغصان الهجر
و تطلق سراح البلابل
لتنشد موسيقى
ربيع الحياة
تترنح رقصة الأفعى
تتعرى أمام مرآة العشق
و تغرق بين نسيج الأقنعة
جدائل الرياحين
تتفتح بين دروب الهوى
تنثر أريجها .. دفئا
يتلاشى شوك الصبار
من رسم
خارطة الورود
على وقع هطول
حبات العشق
فى جب شريان الوجود
إلى قلبٍ لا يعرفُ الحبْ
ميمي أحمد قدري
رحلتُ اليكَ.....هربتُ الي عينيكْ
هاجرَ صقيعُ أحزاني لدفءِ أحضانكَ
رأيتُكَ.......!!! عندها أستوطنتُ بينَ ذراعيكْ
سكنتَ............وسكنتَ ألامي بشهدِ أحلامكْ
كَذَّبْتُ أنا.......... كَذَّبْتُ كلَ مَنْ كَذَّبَ حنانِكْ
شَهِدَتْ عينايَ......وشَهِدَ قلبِيَ أنَكَ بَيْنَ الرجال ......... سيدٌ
أهٍ...لا لا..........بَلْ سيدُ الرجالِ...والأسيادِ
نأيتْ........نأيتَ بعيداً لحظاتٍ.....دقائقَ...أياماً
وظهرَ جفاؤكَ............ظهرَ بِلا حدودْ
لَهَوْتَ..........تلاعبتَ ببراءتي بدونِ قِيودْ
أفقت .........وجدتَك........
تنثرُ بطريقي أشواكَ الوردْ
تزرعُ بينَ كَفَيَّ صُباراً وكافوراً
كَسَرْتَ جناحيَ المُحَلِقِ بينْ الطيورْ
طَيَرْتَ عقليَ وقيدتَ قلبيَ بحبكَ المغرورْ
**
تُهْتْ........تهتُ بينَ أحضانِكْ
وأنا أبحثُ عن ملجأٍ لي.....يحمينى مِنَ الشرورْ
تعثرتُ بقلبِكَ.............فسرتُ بدربِكَ المرسومْ
عاشقةٌ...........أنا أمتلأتْ أجواؤها بحزن بالغيومْ
حائرة ............. تائهةٌ...........خائفةٌ....تنشدُ العدلَ لِحُبِها المَكْلومْ
أستحلفكَ باللهْ ............. أستحلفك باللهِ
أنْ تتركَ حَنايا قلبيْ .........أنْ تهجرَ أحلاميْ
فِكَ وِثاقَ ذراعيكَ مِنْ حَوليْ
أستحلفكَ أنْ تُعِيْدَنيْ لِزَمَنٍ لا أجدُ فيهِ إثميْ
لزمنٍ وَلَتْ مَعَةُ براءتي
ها هي الشمسُ.. تشقُ صَدْريْ وتُطَهرني مِنْ أدران ذنبي
تَعْسَاً لِقَلْبِكَ....وطوبى لِقلبي
العوالم التخييلية والمرجعيات المتعددة في الرواية المغاربية
سعيد الراقي
في مرتيل ، المدينة الشاطئية الرابضة على ساحل البحر الأبيض المتوسط بين تطوان وطنجة وسبته ، انطلقت أشغال الملتقى الخامس للرواية المغاربية يومي 22و23 يناير 2010 وهو الحدث الثقافي الذي التأم حول محور " العوالم التخييلية وتعدد المرجعيات " بخضور أزيد من عشرين ناقدا مغربيا قاربوا 22 نصا روائيا مغاربيا من المغرب والجزائر وتونس وموريطانيا وليبيا ..وذلك على مدى يومين حافلين بأوراق نقدية عكست رؤى النقاد لهذا الإبداع ، وأيضا النقاش الذي أثرى هذه الجلسات .
· صور المرجع
افتتحت الجلسة الأولى، بعد كلمات الافتتاح التي تُليت فيها كلمات الترحيب من طرف نائب رئيس جامعة عبد المالك السعدي، ومدير المدرسة العليا بمارتيل ورئيس شعبة اللغة العربية بالمدرسة العليا للأساتذة ورئيس مختبر السرديات ، صباح يوم الجمعة 22 يناير 2010 والتي ترأسها محمد الأمين المؤدب،حيث تدخل في البداية محمد مشبال بورقة نقدية وقد حول رواية حسونة المصباحي (حكاية تونسية)، ركز فيها على كيفية صياغة هذا العمل من قبل الكاتب، مبينا أنها ارتكزت على موضوع الصراع بين قيم الحداثة وقيم التقليد، بقالب سردي أساسه الحوار بين العمل الروائي والقص الشعبي، يتخللها خطاب تواصلي حجاجي، بمنحى يروم إثبات أن الحجاج في خدمة السرد، بسعيه إلى إقناع المتلقي بالحكايتين الأساسيتين في الرواية وإمتاعه وتشويقه.
الورقة الثانية قدمها شرف الدين ماجدولين وتناولت رواية (حيوات متجاورة) لـ محمد برادة، أشار في بدايتها أن الرواية المدروسة تعيد التفكير في اللعبة السردية وفق خلفية ميتا روائية، ترسم مدارات حنين إلى لحظات بدأت تذوي مخلفة أثرها المحفور في الذاكرة والجسد، صهرتها لغة سردية مدهشة في تغلغلها إلى قرار التوترات الداخلية الملتبسة والخبيئة.
وتناولت ورقة نجيب العوفي رواية (أطياف البيت القديم) لخالد اقلعي، وقد وضعها في البداية في سياق الكتابة عن مدينة تطوان، مؤكدا أنه أقرب إلى السيرة الذاتية(سيرة المدينة وسيرة الطفولة) عبر محكيات من حارة الطفل السارد، مما جعل المكان هو سيد الرواية وبطلها، وهو ما حقق وصفا هو قوام الرواية، مع طغيان أفعال التذكر، لكون الرواية استعادة للماضي وأضوائه.
واهتمت ورقة محمد أمنصور باشتغال متخيل المدينة في رواية (زهرة الآس) و(أبنية الفراغ) لـمحمد عز الدين التازي، عبر مقارنة بين الروايتين حول تمثلهما للمكان، مؤكدا أن مدينة فاس في الأولى مؤمثلة ومؤسطرة في حين أن طنجة في الثانية تظهر مؤبلسة، الأولى جنة والثانية جحيم. مؤكدا أن المدينة في الروايتين حافز وأداة وحيلة ومجاز.
الورقة الأخيرة( أروقة التخييل و مداراته السردية)، في الجلسة الأولى ، ساهم بها محمد الزموري متناولا روايتين تونسيتين وهما (صهيل الفوات) لمحمد حيزي، و(الأرض تزهر في الخريف) لعبد الرزاق بالرجب، محللا التحولات التي يشهدها الواقع والتي فرضت تحولا في أشكال الكتابة الروائية، بمساءلة الواقع وكشف تناقضاته، وهو المنحى الذي طبع الرواية التونسية. مبرزا أن الرواية الأولى اشتغلت على بناء أسطوري في حين أن الثانية قامت على سرد مخاتل.
· الذات والوعي الروائي
الجلسة الثانية ، أدار أشغالها محمد لحرش، وكان أول متدخل فيها محمد أنقار والذي قارب رواية (خطوة في الجسد) للكاتب الجزائري حسين علام، انطلق فيها من مساءلة العنوان مميزا بين خطوتين: الأولى خارج الجسد والثانية داخله، وهي الخطوة الموفقة، وتتسم بتشريح الذات، ثم توقف عند مجموعة من الصور التي تقدمها الرواية، متناولا بالتحليل صورة المحاضر التي كان لها أثر بالغ عليه.
وقدم عبد الرحيم جيران دراسة نقدية حول رواية( كتاب الأسرار )للجزائري إبراهيم سعدي، منطلقا من مجموعة من الأسئلة حول عوالم الرواية، مؤكدا أن العالم واحد والتعدد آت من المداخل التي ننطلق منها إليه. كما طرح إشكالية المرجعية. مؤكدا أن النص الروائي يحمل مؤشرات داخلية تمكننا من تحليله وتفكيك دلالته. وبعد ذلك قدم تحليلا للرواية أبرز فيه أن واقعة الإثم هي مسوغ السرد في الرواية، فصارت الحكاية مرجعا للعالم، باعتبار أن حبكة الإثم هي شرط الرواية.
وقرأ الحبيب الدايم ربي ورقة أضاءت البناء الجمالي لرواية (بقايا من تين الجبل) للميلودي شغموم ورواية (ذاك الذي يرحل بعيدا) للتونسي أحمد السالمي، انطلاقا مما سماه مربع الحنين إلى البدايات، عبر سؤال موجه، وهو ماذا يتبقى بعد أن نخسر كل شيء؟ مشيرا إلى تقاطع الروايتين في تيمة الهجرة وأيضا على مستوى البناء اللولبي، لكن مع تباين الوعي الروائي لدى الكاتبين، إذ تنشد الأولى إلى العوالم الأسطورية في حين أن الثانية تتأسس على مرجعية واقعية نقدية.
ورقة محمد بوعزة بورقة جاءت حول رواية التونسية آمال النخيلي( ترانيم البردي القديم)، وقد انطلق في مداخلته من اعتبارها رواية حكاية بامتياز، مع وجود مفارقة وهي الانقلاب على الحكي وذلك بتفتيته إلى بؤر سردية تتزاحم وتتقاطع. فنجد اربع حكايات: حكاية كولونيالية تستلهم التاريخ المعاصر، حكاية محلية تقوم على صياغة المعيش اليومي، حكاية عجائبية تستلهم عوالم ألف ليلة وليلة، وحكاية تاريخية تؤسطر التاريخ. وهو ما يؤكد تعدد المرجعيات التخييلية.
· تفاصيل
الجلسة الثالثة ترأسها شعيب حليفي ، وافتتحها أنور المرتجي بورقة موسومة بـ الهوية الملتبسة في رواية (حلق الريح) للروائي الليبي صالح سنوسي، منطلقا من سؤال الرواية والمدينة، مؤكدا أن صالح سنوسي يكتب في إطار ما قبل المدينة، لذلك اعتمد على أشكال سردية ما قبل روائية(خصوصا السيرة الشعبية)، وبذلك تخرق الرواية قوانين الكتابة الروائية التقليدية، محتمية بالأشكال السردية ما قبل روائية.
وبورقة معنونة بـ " لماذا كل هذا الحزن؟" حاول محمد المسعودي ملامسة المرجعيات المشكلة للمتخيل في رواية( الطائر الحر) لـ هشام مشبال، مؤكدا أن الرواية تنطلق من مرجعية تخييلية واقعية نقدية ترصد تفاصيل اليومي الحزين، مع تكسير رتابة الواقعي بعدة حيل سردية. وأنهي مداخلته بالتساؤل عن سر العودة إلى الواقعية.
أما مداخلة عبد اللطيف الزكري فانصبت على رواية (محاكمة كلب) للتونسي عبد الجبار العش فقد حملت عنوان (متخيل التحولات وسلطة الذات) كاشفة على أن متخيل محاكمة كلب يهتم بإبراز تفاصيل حياة السارد (عروب الفالت) المعروف بلقب السلوقي في اقتفائه أثر الحقيقة الذاتية المثيرة:حقيقة كونه ابنا غير شرعي وهو في هذا الاقتفاء يختار مصيره في نهاية المطاف-مصير الموت.وفي سياق ذلك كله ارتهنت رواية محاكمة كلب بمرجعيات(ذاتية وعليا ومشتركة).
وفي ورقة حول روايتين ، هما :(حج الفجار) لـ موسى ولد ابنو ورواية( الغروب الخالد) للروائي التونسي حسين بنعمو تدخل الإمام العزوزي ، مؤكدا أن الرواية الأولى استلهمت التاريخ وتحدث عن كيفية رسمه تخييليا. وتحدث عن تقنيات الكتابة في الرواية الثانية وصيغ عرض المتخيل ضمن رؤى تستولدها الشخصيات من مجرى الحكاية.
· الرواية والهوية
واستأنفت واستأنف الملتقى أشغاله بالجلسة الأخيرة والتي ترأسها عبد اللطيف محفوظ، ، وعرفت قراءة ورقة عبد الفتاح الحجمري حول رواية حنة لـ محمد الباردي من تونس مؤكدا فيها أنها رواية تتأسس على تذكر صور ولحظات بهية من الطفولة البعيدة، محاولة تجاوز الالم واليأس، في بحث عن زمن يواري ويراوغ البلادة اليومية، ليخلق حكيا يأسر القارئ ويجعله يقبل على الحياة مهما كان شكلها.
وفي ورقة عن رواية (سوناتا لأشباح القدس) لـ واسيني الأعرج، وضع أحمد بوحسن الرواية في سياق الكتابة لدى واسيني ، كما أنها تندرج في إطار روايات النكبة والهولوكوست، وأخيرا ضمن رواية المرض. وأكد أنها تشتغل على عوالم الذاكرة. وفق ثلاث مرجعيات(الذات، الفن والتاريخ)مبينا أن إشكال الرواية هو الوجود الإنساني وما يهدده، بالتركيز على الذات وماذا تفعل بالمنفى؟ فالذات المنفية تقاوم نفيها عبر الإبداع بدل الحنين الساذج الذي ميز الكثير من الروايات.
وتناول محمد عز الدين التازي رواية (غابت سعاد )لـ بوشعيب الساوري، مشيرا إلى أنها تتأسس على شخصيات محدودة، وتتأسس على انغلاق الفضاء، مما جعل مجرى السرد دائريا مغلقا يعتمد على اقتصاد كبير. سرد يدور في جو الإشاعات وتلتئم حول موضوع الهجرة. وطرح سؤالا بخصوص الموضوع: هل بدأ الروائي بالموضوع أم أن الكتابة هي التي صاغت الموضوع؟. وفي الأخير تساءل عن جدوى استخدام الهوامش في الرواية.
وقدم عز الدين الشنتوف ورقة عن رواية( الإمام) لـ كمال الخمليشي، انطلق فيها من التحفظ في اعتبارها رواية تاريخية، مؤكدا أنها لا تبنى على التاريخ كمرجعية وإنما باعتباره صورة وبعد ذلك أكد أن هناك تقاطعا بين أحداث التاريخ والحلم والأسطرة، وهو ما جعل الرواية تتميز بتقاطع صور الاستغراب والدهشة، وميزه ببناء ثنائيات أهمها الاتصال والانفصال.
وتحدث خالد أقلعي عن الطريقة التي عرض بها سعيد علوش روايته (سيرك عمار)، وبين أن المتخيل السردي عنده يستند إلى عدة مرجعيات: الثقافة الشعبية، المعطيات السياسية، الانفتاح على أجناس أدبية أشكال فنية أخرى.
وكانت المداخلة الأخيرة لـعبد الحميد عقار وتناول فيها رواية منير الرقي( خدعة العصر) منطلقا من وضعها في سياقها الخاص والعام، وكيف حظيت بتلق إيجابي، مما يؤكد أنها جديرة بالقراءة، وتفتح النقاش حول المتخيل المغاربي. مؤكدا أن الرواية تنهض على فكرة أساسية وهي من تخلى عن هويته ولبس هوية أخرى فهو إلى ضياع. ثم تحدث عن خصائصها السردية وبنائها اللغوي.
عرفت كل الجلسات نقاشا حول الورقات والنصوص الروائية ضمن المحور العام للملتقى ...
السبت، يناير 23، 2010
تعلّمَ زهرةً وغرسَ وردة: إلى الشاعر الراحل سركون بولص
شوقي مسلماني
لم أصدِّقْ أنّ هذه الصورة هي للشاعر العراقي سركون بولص. إنّه متهدِّم كمَن بلغَ مِنَ العمْرِ عتيّا، وعهدي به، ومِنْ خِلال صوَر له في مواقع ألكترونيّة وصحف، ممتلئاً، عفيّاً. وأمعنتُ النظرَ بالصورة، ولأنّي لم أعرفْ مِنْ مواليد أي سنة هو سركون خمّنتُ أنّه تجاوزَ المئة حولاً، وأنّي بهذه الصورة قد ضبطتُه. ثمّ بعدَ فترة رأيتُ صورة أخرى له، والأصحّ أنْ أقول: شبحه. ثمّ علِمتُ أنّه في حرَج صحِّي. إذاً حقّاً لم يغشّني سركون بولص. ولأنّي على غير دراية بما يلمّ به، ألحقّ أقول، لم أجزمْ أنّ موعِدَ غيبتِه قد أزفّ. وقبلَ يومين مِنْ يومِ المفاجأة أخبرني الصديق الشاعر وديع سعادة أنّه سيتّصِل بسركون في ألمانيا. واتّصلَ، وحضر سركون. كان صوتُه عريض، إنّما منخور بالتعب. وردّاً على سؤال ما كان يجب أن يوجّه له قال: "لا أريد صلة بأي نظام عربي". وقصدَ السلطة في بلده على رأس قائمة القطيعة. والحقّ أقول، ورغم وجومي، لم يخطر ببالي أنِّي بعدَ يومين سأتذكر أنّها كانت المرّة الأولى أسمع فيها صوت صاحب "الوصول إلى مدينة أين" وما مِنْ أمل بسماعِه مرّة ثانية بعدَ أنْ بلغَ أخيراً مدينة "أين" ذاتها. وقلتُ للصديق وديع وقد صمتَ "الخطّ" بين أستراليا وألمانيا: "علينا البدء بالتحضير للقاء على إسم سركون وشِعرِه". لم أقلْ شيئاً آخَر. أوّل مرّة سمعتُ باسم سركون بولص كان مِنَ الشاعِر صاحب "واحِد مِنْ هؤلاء" جاد الحاج.
**
أوراقُكَ مِنْ كتاب
يأتي الأطفالُ إليه
مِنْ كلِّ أطرافِ مدينة "أين".
**
ومِنْ مسافة إلى مسافة
منذ وعيتَ أيُّها المسكوب مِنْ ضوعِ الفجر
وفي كلّ مسافة تتعلّم زهرةً وتَغرس وردة
والطريق صعود بلا نهاية
وتحتَ سماء لا ترحم
أخيراً توقّفَ الجسم
عن اللِّحاق تماماً.
**
وهذا هو البحر
وهذه هي الطيور
وهذا هو الذي يجب أنْ يعيش.
**
لا حاجة لهذه الجراح
ولا لهذه الفوضى الدامية.
**
الخرافة كثيفة
إلى حدود انعدام الرؤية
وتمزيق شبكةِ الأمان.
**
أُخِذَ القرار
كلّ هذا الموت الرهيب
وقبلَ أنْ تعي هذه التي تُحاك.
**
الأنبل أللاّ تكون حدود
الأنبل الفضاءاتُ الواحدة الأرواح الواحدة
أمم العالم الواحد.
**
لا بدّ أيُّها الجمرة تحصي
وتحمل جبلاً على ظهرك.
**
المحلّ رفيع
يستحقّ الوفاء.
**
يحلّق عالياً
يحلِّقَ عالياً
دائماً.
**
لا شكّ أنّ قلباً ينبض
لا شيء يستطيع
أنْ يمنعَ صوتاً
يُريد.
الجمعة، يناير 22، 2010
التطرف وقانون نيوتن
محمد محمد على جنيدي
يعد التعصب للرأي هو البلدوزر الذي يقوض بناء أي أمة مهما كانت صلابتها أو تقدمها فهو الدوامة التي تجتذب المتشدد إلى أسفل سافلين وباستطاعة أي مصنف أو مواطن عاقل على أي رقعة بالعالم الحكم على تقدم أو تخلف أي أمة من خلال مدى تفهم ووعي وديمقراطية أبنائها ونظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك من النظم التي ترسي وتنظم حركة الحياة فيها أو من مدى تشدد وجمود وديكتاتورية أفرادها وأنظمتها المختلفة، وعندما يُعرَّف التعصب على أنه عدم الاعتراف بآراء الآخرين فإن التشدد هو أقصى درجات التعصب لأنه بمثابة الوقود الذي يحيل عدم الاعتراف بالرأي الآخر إلى محاربة واعتقال واستباحة معتقدات وأفكار الآخرين وربما تصفيتهم لضمان الإحكام والسيطرة.
هكذا نرى إن التشدد باعتباره إلزام وقهر أصحاب الرأي الآخر بمفاهيم ومقاصد محددة يكون في غير محله أو موضعه لأنه في النهاية سيسقطنا في هاوية الهدم والتخريب والضلالة عن سواء السبيل.. ولعلنا نشهد هذا المعنى في محكم التنزيل.. حيث يقول الله تعالى ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )) (سورة المائدة/77)
ويقول سبحانه في آية أخرى((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (سورة البقرة/143)
وهكذا نرى أن الإسلام وسائر الأديان السماوية تُنفِّر أشد النفور من التعصب والغلو والتشدد.
ولكن الأجدر لنا في هذا الموضع أن نناقش ماهية الأسباب التي تنشط فيها حالات التعصب للرأي وعدم الاعتراف بالرأي الآخر وماهية الدواعي التي تدفع جماعات على تبني ( جمود الفهم ) كسياسة عامة لهم بالقدر الذي لا يسمح لهم معه برؤية مفاهيم وأراء الآخرين!!.
هنا يكمن بيت القصيد- ولعلنا نجد في قانون نيوتن الثالث الإجابة الشافية لهذه التساؤلات..
فمن المعروف أن هذا القانون لنيوتن هو أحد قوانين الحركة.. حيث يعرف منطوقة بأن (لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوي له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه يعملان في نفس الخط )
يُعني القانون أن لكل فعل قوة مقاومة لقوة الفعل.. ومن هنا- يجب علينا عدم الاستهانة بردود الأفعال والترويج لتحقير أثارها.. لأنه لولا وجود رد الفعل المنطقي لما احتاج الأمر لوجود الفعل ذاته.. هذا التدافع هو الميزان الذي أقام الله عليه الذرة والمجرة لا ينكره إلا جاهل..
إذاً بحسب قوة الفعل تنشأ قوة رد الفعل فإذا كان الفعل حاداً يأتي له رد فعلٍ حاد مساوٍ ومضاد له في مضمونه.
ولعلنا نسمع مسميات كثيرة لا حصر لها عن الجماعات المتطرفة، فهذه جماعات مناوئة للحكومة الفيدرالية، وهذه الجماعات اليمينية المتطرفة،وهذه الجماعات اليسارية المتطرفة وهذه جماعة التكفير والهجرة وهكذا.. ولكن - يبقى الأهم دائماً هو دراسة الأسباب التي أدت لوجود جماعات تتبنى العنف كوسيلة دفع ومقاومة أو لترسيخ مفاهيمها ومعتقداتها هذا ما يعنينا في هذا المقام.
فلو أنه اعتدى نظام على آخر - مثلاً - بوازع المصلحة التي يتحرك العالم في فلكها وتم هذا الاعتداء تحت أي سيناريو أو مبرر ومهما استخدم هذا النظام أو حلفائه آلتهم الإعلامية الجبارة لترسيخ مبررات الاعتداء تحت أي مسمى في كيان المعتدى عليهم أو لخداع الرأي العام لديهم فإن هذا لا يمنع أبداً من وجود رد فعل يتناسب مع حجم وكيفية الاعتداء ويظل مُفعَّلاً طالما أن الاعتداء قائماً هكذا نفهم التدافع في قانون نيوتن.
ولعلنا نفسر أيضاً من روح ومضمون هذا القانون كيف تنشأ صراعاتنا عندما تُصادر حرياتنا وكيف يُكال إلينا بمكيالين عندما نكيل بمثليهما للآخرين!
وكيف ينفجر بالون في وجوهنا عندما نضغط عليه بمنتهى القوة.. وكذلك يمكننا تفسير واقع الحكمة التي تقول ( إن الكبت يولد الانفجار )، هذا الكبت الذي إن فرض على أي أمة فلابد أن يشعل فتيل ثوراتها..
قانون نيوتن لا يجامل أحداً وهو لا يُخطأ أبداً..
إذاً من أين نبدأ لنصحح أوضاعنا!!..أعتقد بأنه للإجابة على هذا السؤال يجب أن نتعرَّف على دوافع الفاعل أولاً ثم نقوم بتقويم وتهذيب ما سوف يصدر عنه من فعل بحيث نضمن من الآخرين رد فعلٍ آمن وإلا فليس على أي معتدي أو من يُحيك المكائد للغير سوى أن يتحمل جرار مكائده
ويا لحكمة ووقار أبيات الشاعر الكبير نزار القباني وهو ينشد:
فإن من بدأ المأساة ينهيها
وإن من فتح الأبواب يغلقها
وإن من أشعل النيران يطفيها
الخميس، يناير 21، 2010
دوائر الأحزان ـ1
د. عدنان الظاهر
كلما أعود بذكرياتي للمغرب حيث زرتها أواخر شهر تشرين الثاني ـ أوائل شهر كانون الأول من عام 2009 ... للمرّة الأولى في حياتي [ وأرجو أنْ لا تكونَ الأخيرة !! ] عادت بي الذكرى الجميلة لصديقي وزميل دراستي الجامعية القديم في بغداد الدكتور علي القاسمي، المقيم منذ عقود مُعززاً مكّرَماً هناك . الرجل الكريم الذي دعاني وصديقين آخرين لزيارته في مدينة الرباط فلبينا دعوته وقام بواجبات الضيافة خير قيام . ليس الصديق القاسمي هو الشخص الوحيد الذي تلحُّ ذكراه في خاطري ، إنما وذكرى لقاءاتي بأصدقاء وصديقات مغاربة أخرين في مدينة الدار البيضاء من شواعر وروائيات وكتّاب قصّة ولكنْ ، في حلقي غُصّة ولديَّ شكوى مُستجّدة . شكواي لك عزيزي أبا حيدر القاسمي . فلقد أضفتُ لدوائر أحزانك العراقية منذ طوفان نوح وكلكامش سومر مروراً بمحرّم حرام الطف وكربلاء ومأساة الحسين حتى دمار عراقنا بالإحتلال المركّب الذي تعرف وأعرفُ ... أضفتُ إلى مجموع دوائر أحزانك دائرةً أخرى جديدة ألمانية الراية ـ عالمية الطعم والمذاق فريدة في بابها وجدتها تلتف كالحبل المَسَد [ حبل حمّالة الحطب الصحافية الحقيرة إيّاها !] حول عنقي الضعيف الواهن . دائرة من 360 درجة ولا كباقي الدوائر الدائرة في فلك حياتنا وهوروسكوب حظوظنا البائسة . أما زلتَ يا عليُّ تبحث بين أنقاض التأريخ عن حبيبتك التي لم تعطها إسماً ؟ سوف لا تجدها يا عليُّ وسوف لن تجدها . أبحثْ عن غيرها . إني أراها تماماً مثلَ عائشة صديقك البياتي (2) الذي بحثت عن قبره في دمشق ولم تكلَّ حتى وجدته (3) . هل تبحث عنها يا عليُّ حقاً ؟ أتبحثُ عنها حبيبةً أم أنك في الحق تبحث عنها زوجةً ماتت وتركتك تبحثُ حتى وجدتَ أخرى غيرها ؟ لك الحق في الزواج كما تعرفُ من أربع نساء ! موتُها خلّدكَ يا عليُّ . لستَ إذاً بحاجةٍ للبحث مثل كلكامش عن عشبة الخلود (4) . لا تبكِ عينُك ولا تغامرْ في الإبحار في محيطات الظلمات التي تجاور مسكنك في الرباط وغيرها من المدن المغربية . لا تغامرْ ولا تخاطرْ بحياتك بحثاً عن طب ودواء يُطيلان من عمرك . كان صاحبك كلكامش السومريُّ مغامراً مجنوناً أفقده موت حبيبه أنكيدو معظمَ عقله فراح سُدىً يسعى طلباً للخلود في الحياة . لا خلودَ في الحياة يا عليُّ . كلُّ مَنْ عليها فانٍ . فقدتَ حبيبتك الأولى بعد أنْ رفضتْ هيّ ركوبَ سفينة نوح فما ذنبك فيما جنت الحبيبةُ عليك وعلى نفسها ؟ هل علّمك نوحٌ فلسفة النواح { ناحَ نوحٌ ينوحُ } أم إنها الحبيبة التي خانتك وعصتْ أوامرَ سيدها نوح ؟ دعها تقترن بإبن نوح العاصي الذي آوى إلى جبلٍ عالٍ ظاناً أنَّ الموجَ العاتي سوف لن يأتيه (5) . أتى الموجُ العاتي فاكتسح سومرَ وبلاد أور إبراهيمَ ولم ينجُ من عاتي الموج هذا إلاّ خصمُ إبراهيمَ : النمرود ! قال وأنا قد نجوتُ من نار النمرود . هو نجا من ماء الطوفان لكني نجوتُ من ناره . كيف نجا نمرودُ أور من ماء طوفان نوح ؟ قال عليٌّ إسألْ نوحاً صاحبَ الفُلك العظيم ولا تسلني يا أخي . أنا أنجوتُ نفسي من لظى نيران النمرود وكفى . رحتُ في تفكيرٍ عميقٍ أقول لنفسي لكنَّ نمرودَ أور أنجبَ نمرودَ بابلَ وأرضعه ماءَ دجلةَ في بغدادَ . لنمرودَ أور خلائف في الأرض أكثرهم سوءاً وظلماً ودمويةً حكم العراق أكثر من ثلاثة عقود لينتهي حكمُهُ في التاسع من شهر نيسان عام 2003 ! غرّقَ عليٌّ ناظريه في عينيَّ وقال : وهل نجوتَ حقاً من نمرود بابلَ هذا ؟ نعم ، وكما تراني أمامك ... وإلا لما زرتك في مدينة الرباط المغربية ولما تناولنا طعام الغداء بدعوةٍ منكَ مع إثنين من الأصدقاء ولما أمضيتُ معك في بيتك هناك ليلة ولا كباقي الليالي . هزَّ عليٌّ رأسه وظل يهزّهُ حتى أخذته سِنةٌ من النوم فقمتُ دون كلمة وداع .
وأنا في طريقي إلى المجهول رحتُ أُمعنُ النظر فيما قال الناقد السوري وما أدخل من تفسيراتٍ وتعقيدات على نص القاسمي . فكّرتُ عميقاً وقلّبتُ وجوه هذا الأمر أكثر من مرةٍ فكتبتُ إليه بإختصار شديد : عزيزي الناقد السوري ، سلامٌ عليك . فهمُ نص قصة دوائر الأحزان ليس بحاجة إلى تنظيرات من قبيل الصعود الكوميدي والنزول التراجيدي وما إلى ذلك من تخريجات غير ضرورية البتّة . ليس في الأمر صعودٌ للأعلى ولا نزولٌ للأسفل إنما مسحٌ سريعٌ مختصرٌ لتأريخ العراق ، وطن القاسمي الأصل ولمّا يزلْ ، في إتجاه أفقي واحد محكوم بجبروت قوّة حركة ومسار الزمن من الماضي إلى الحاضر ، من كارثة الطوفان حتى كارثة دمار العراق المعاصرة . أراد القاسمي أنْ يقولَ فقال ما قال بأسلوب أدبي جميل بليغ ... أراد القولَ أنَّ تأريخ العراق منذ عصر الطوفان حتى اليوم هو تأريخ كوارث ومآسٍ وقتل ودماء وحروب يضيع في عنفوان أحداثها كلُّ رمزٍ وأملٍ جميل { حبيبة القاسمي في القصة } . ففي سومر موتٌ لأنكيدو وحزن صديقه كلكامش عليه ، ثم مناحة وبكاء عشتار أو عشتروت وباقي نساء سومرَ على غياب إله الخصب والنماء دمّوزي ( تموز ) مرةً كل عام . ثم سقوط مملكة بابلَ وبرجها العظيم وخراب جناتنها المعلّقة الشهيرة . ثم سقوط مملكة آشور وأخيراً مأساة الحُسين بن عليٍّ في طفوف كربلاء عام 61 للهجرة . هذا هو تأريخ العراق ، تأريخ خراب ودماء ودمار تستدعي البكاء والندب واللطم وشق الجيوب وتجريح الخدود . للدكتور فاضل الربيعي بحث طريف حاول فيه تفسير ورد ما يجري في الكثير من مدائن وقصبات العراق وسطاً وجنوباً من طقوس سنوية في العاشر من شهر محرّم إلى طقس البكاء النسائي الجماعي في سومر حزناً على غياب تموز . طقوس وشعائر اللطم والندب والبكاء الجماعي أكثر قِدَماً مما يرى الأخ الربيعي وهي جميعاً ليست سوى ردود أفعال وتعبيرات متنوعة عن الحزن أو الخوف والجزع ثم العجز أمام ما يقع أمام الناس من حوادث لا تفهمها ولا تعرف لها تفسيرات وتجهلُ مسبباتها ، مجرد ردود أفعال بشرية لا تحتاج إلى تنظيرات . نقرأ في التوراة (6) عن مناحة بنات إسرائيل السنوية على بنت يفتاح التي ضحّى بها أبوها قرباناً ونذراً نذرهُ لربه إذا ما إنتصر على العمونيين فسينحر له أول شخص يخرجُ من بيته ولسوء حظه كانت إبنته أول مَنْ خرج من بيته لإستقباله .لا أرى من جدوى في محاولة الربط بين طقوس البكاء واللطم على الحسين في العراق وبكاء ومناحات نساء سومر على تموز . البشر غير البشر والزمن غير الزمن والأسباب غير الأسباب. لم يكن السومريون من الشعوب السامية كما يقول المؤرخون ، لذا فعاداتهم وطقوسهم تختلف حتماً عن عادات وردود أفعال غيرهم من الشعوب الأخرى . العراقيون ساميون . ثم أنَّ عشتار وتموز وكلكامش هي أساطير بينما واقعة مقتل الحسين وصحبه وسبيِّ آل بيته واقعة حقيقية معروفة التفاصيل .
سمعتُ ـ يا للعجب ! ـ سمعتُ صديقي القاسمي يقول : لا يفهمُ الدرزيَّ إلاّ الدرزيٌّ . فهمتُ على الفور قصده فأضفتُ : ولا يفهمُ العراقيَّ إلاّ العراقيُّ !
هوامش
1 ـ دوائر الأحزان قصة للدكتور علي القاسمي كتب عنها ناقد سوري مقالةً طريفة منشورة في موقع النور وعلى الرابط التالي
http://www.alnoor.se/article.asp?id=66803
2 ـ عبد الوهاب البياتي / المجلد الثاني ، الطبعة الرابعة 1990 ، دار العودة ، بيروت. ذكر البياتي في هذا المجلّد من قصائده الشعرية إسم عائشة مرّاتٍ عدّة منها على سبيل المثال : قصيدة حب تحت المطر ، وقصيدة مرثية إلى عائشة في ديوان الموت في الحياة ، وقصيدة مجنون عائشة في ديوان قصائد حب على بوابات العالم السبع ، وفي غير هذه القصائد . عائشة البياتي هي رمزٌ للمرأة خالدٌ أبديٌّ يتحول لكنه لا يفنى ... شأنه شأن مادة الكون الأزلية . يراها أينما حلَّ وحيثما إرتحلَ . يراها في وجوه نساء العالم كافةً . كذلك الشأن مع حبيبة علي القاسمي .
3 ـ أوان الرحيل / مجموعة قصصية للدكتور علي القاسمي . الطبعة الأولى 2007 ، دار ميريت ، القاهرة . قصّة " البحث عن قبر الشاعر البياتي " .
4 ـ طه باقر / ملحمة كلكامش وقصص أخرى عن كلكامش والطوفان . دار المدى للثقافة والنشر ، دمشق ، الطبعة الخامسة 1986 .
5 ـ قصة الطوفان وفُلك نوح مُفصّلة في سورة هود الآيات 36 ـ 48 . [[ ... ونادى نوحٌ ابنَه وكان في مَعزِلٍ يا بُنيَّ اركبْ معنا ولا تكنْ من الكافرين . قال سآوي إلى جبلٍ يَعصِمُني من الماءِ قال لا عاصمَ اليومَ من أمرِ اللهِ إلاّ مَنْ رَحِمَ وحالَ بينهما الموجُ فكانَ من المُغرقين / 42 و 43 ]] .
6 ـ سفر القضاة / الإصحاح الحادي عشر [[ ... ونذرَ يفتاحُ نَذراً للربِّ قائلاً إنْ دفعتَ بني عمّونَ ليدي فالخارجُ الذي يخرجُ من أبوابِ بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمّون يكونُ للربِّ وأُصعِدهُ مُحرَقةً ... ثم أتى يفتاحُ إلى المِصفاةِ إلى بيتهِ وإذا بإبنته خارجة للقائه بدفوفٍ ورَقصِ وهي وحيدةٌ لم يكنْ له ابنٌ ولا إبنةٌ غيرُها ... وكان عند نهاية الشهرين أنها عادتْ إلى أبيها ففعلَ بها نَذرَهُ الذي نَذَرَ . فصارت عادةٌ في إسرائيلَ أنَّ بناتِ إسرائيلَ يذهبنَ من سنةٍ إلى سنةٍ ليَنُحنَ على بنتِ يفتاحَ الجلعاديِّ أربعةَ أيامٍ في السنة ]] .
لبنان يمنع رواية فرنسية تتهّم حزب الله باغتيال الحريري
الاخبار
بيسان طي -
«الأمن العام اللبناني منع رواية جيرار دوفيلييه Gérard de Villiers «لائحة الحريري» (La liste Hariri)، خرجت وسائل إعلامية فرنسية ـــــ ومنها صحيفة «لوفيغارو» بهذا الخبر أمس. في محاولة منها للترويج للرواية من خلال ترويج أخبار توحي بممارسات «لقمع الحرية».
هنا نلفت إلى أن دوفيلييه يروي قصة اغتيال الحريري من خلال بطل كتبه «مالكو» (أو كما يسميه الأمير النمساوي مالكو لينج)، وبناءً على «معطيات ومعلومات حصل عليها من لجنة التحقيق الدولية الخاصة بالجريمة، برئاسة ديتليف ميليس، ومن ثم سيرج براميرتس». الرواية التي تتصدر غلافها صورة فتاة مثيرة تحمل مسدساً، تحاول الإيحاء بأن حزب الله ضالع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
اختار دوفيلييه «السكة الشيعية»، وفق المصطلح الذي بات رائجاً في ألمانيا وفرنسا في محاولة منه لاتهام حزب الله بالاغتيال. واللافت للنظر أنه يروّج لمعلومات ميليس، الذي رُفعت ضده دعوى في فرنسا لاعتماده على شهود زور حاولوا تضليل التحقيق. دوفيلييه، هو صاحب منشورات Sas، وقد كتب نحو 170 كتاباً بطلها أميره «مالكو».
صحافيون فرنسيون متابعون له يقولون إن كتاباته الصحافية تفتقر إلى الدقة، وإنه يدّعي أنها تحقيقات بنيت على الاستقصاء، لكنها أشبه ما تكون بروايات بوليسية للإثارة الرخيصة فقط، يطعّمها بمعلومات يجمعها من سفارات وعملاء استخبارات يلتقيهم من وقت لآخر. وفي هذا الإطار نذكر كتابه «الحقيقة حول رهينتين» الذي تناول قصة خطف الصحافيين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شينو في العراق. فقد صدر الكتاب بعد مرور ثلاثة أيام فقط على تحرير الصحافيين (!)، وتضمنت صفحاته الـ150 أكثر من 60 خطأً، وهي ليست أخطاءً صغيرة بل معلومات معاكسة تماماً لما عاشه الصحافيان، وهو على أي حال لم يكلّمهما عن تجربتهما القاسية، بل استقى معلوماته من «عملاء» التقاهم في أيلول 2004، أي حين كان مالبرونو وشينو لا يزالان في أيدي خاطفيهم.
كتاب الرهينتين، لم يلقَ أيّ صدى، ولم يحقّق مبيعات، فهل يريد دوفيلييه أن يروّج لمنع الكتاب الجديد في لبنان لعلّه يجد طريقه إلى قرّاء يحبّون الإثارة ويكرهون العرب؟
في التجليَّاتِ تخضرُّ الأبجديَّة
عبدالله علي الأقزم
شيخٌ على يدِهِ الزهورُ تدارَستْ
معنى الحياةِ و لفظَ هذا الجدوَلِ
و على أظلِّتهِ الكواكبُ أينعتْ
شعراً و فاتحةً لأجمل ِ منزل ِ
إنِّي أراكَ قصائداً لمْ تجتمعْ
إلا على صورِ الجَمَالِ المُذهِلِ
الأبجديَّة ُ في نداكَ تفتَّحتْ
فنثرتَها عطراً بأطيبِ محفلِ
لمْ ينتخبْكَ سوى التألُّق ِ نفسِهِ
و بغيرِ أحلى الحبِّ لمْ تتشكَّلِ
سبحانَ مَنْ سوَّاكَ شعراً خالداً
و أذاعَ كلَّكَ في هوى المولى علي
و جمعْتنا مِن بين ِ ألفِ تشتتٍ
أحلى الهوى بجميعِكَ المتبتِّلِ
ربِّيتَ قافيةَ السَّماءِ حمائماً
تـُتلى بصوتِ سموِّكَ المتفضِّلِ
و الفجرُ في ألوان ِ كلِّ قداسةٍ
لمْ يكتشفكَ بغيرِ أعذبِ مَنهَلِ
و بقيتَ في لغةِ التواضع ِ مورقاً
و الحبُّ غيثُ عطائكَ المُستبسل ِ
حوَّلتَ كلَّكَ شمعةً أبديَّةً
تُثري الحياةَ بضوئِها المُتأمِّلِ
عذبُ السَّجايا كلُّ بسملةٍ هنا
صلَّتْ بنبض ِ نميركَ المتسلسلِ
ستظلُّ شيخاً للجَمَال ِ و أنتَ في
سفـْرِ التجلِّي كشفُ هذا الأجمل ِ
الأربعاء، يناير 20، 2010
جرس الكنيسه والادان
ايمن يحيي
جرس الكنيسه والادان بيرنوا في وداني
نفسي الصليب ويّا الهلال يتّحدوا من تاني
دعوة محمد والمسيح من نبع رباني
يا بلدنا لمي شملنا واتّقوي من تاني
الشرخ باين في الجدار محتاج لترميمه
وطنّا غالي ولا يوم هانسمح ابدا بتقسيمه
مسلم مسيحي ارجع لدينك واقرا في تعاليمه
العدرا والمصطفي سكنوا في وجداني
جرس الكنيسه والادان بيرنوا في وداني
طول عمرنا
والنيل بيجري في دمنّا والزرع واحد
الارض لينا كلنا والرب واحد
واللي يفرق شملنا دا قلبه جاحد
حتي اسألوا جرجس واخوه احمد وعبد الواحد
يا بلدنا لمي شملنا واتقوي من تاني
صوت الكنيسه والادان بيرنوا في وداني
شيخوخة ماركيز
ليلى البلوشي
" سأضع يدايّ على رأسي حتى لا أكبر " هكذا قذفت ابنة أختي الصغيرة والتي لا يتعدى عمرها الميلادي أربع سنوات عبارتها في وجهي ؛ اعتقدت في البدء إنها تداعبني بروحها المرحة كعادتها معي ، ولكن حين أكدت لي بامتعاض حقيقي أنها لا تريد أن تشيخ أبدا كالمرأة المسنة التي صادفتها في المشفى وهي تجر بقدميها الثقيلتين أعوامها الطويلة .. فابتكرت بفطنة طفولية طريقة لذلك هو أن تضع كل يوم يديها على رأسها كي يتوقف نموها عن الكبر .. فأعييت لحظتذ أن حديثها ليس ضربا من المزاح .. !
يبدو أن كثيرا من البشر يرعبهم الزحف الزمني ؛ لأن ذاك الزحف يترتب عليه تغييرات كاشفة كالشمس .. فالبشرة التي كانت وضاءة بالوسامة يخربشها الزمن بريشته كيفما يشاء فيحفر أخاديدا بخطوط مبعثرة .. سرعان ما تتعدى حدودها تلك الخطوط الملتوية لتشمل الجسد كله كلوحة مقلمة .. كما أن بناء الأسنان يتداعى ويسقط السين ثاء .. ويقل مستوى جودة التقاط كاميرا العينين فيختصر رؤيتنا للعالم بحدقتين زجاجيتين .. والخطوات فتتباطأ وقد يضطر أحدهم أن يستعيض عنهما بعكازين يثبتان خطوات أقدامه في الأرض وربما يعجز عن ذلك فيوكل أمره لكرسي بعجلات متحركة .. أما العقل فيتقلص حجم الدماغ وتتلون الذاكرة بلون رمادي سرعان ما يهمِّشه الزهايمر .. ويتضاءل معجمنا اللفظي فكثيرا ما نعيد الحكاية نفسها آلاف المرات دون أن يتربص بنا ضجر ما والذي بالمقابل يقتل مستمعنا ..
ولهذا كثيرين ينبذون نبذا باتا أن يلجوا هذه المرحلة فيتحايلون على الزمن كل بطريقته ، فالمرأة التي تفضحها التجاعيد تقدم وجهها في طبق لمشرط طبيب تجميلي وبعد شد وتنفيخ يهندسها وكأنها ابنة خمسة عشر عاما ، بينما الرجل عندما ترعبه فكرة تقلص وظائفه الرجولية ، فيشمر بأقصى طاقاته كي يجد علاجا ناجعا ليثبت من خلالها للجميع أنه ما يزال متمتعا بكافة قدراته ..
مرحلة الشيخوخة .. يخال للبعض أنها مرحلة الموت البطيء وكأن عزرائيل لا شغل له سوى أن يتربص عاجلا أم آجلا ليقذفه إلى بيته الأخير المطبق ضيقا وظلمة المسمى بالكفن ..
ولعمري أن الموت حين يؤمر لا يعرف الفرق بين طفل في المهد وبين كهل على حافة القبر .. !
فلماذا هذا التصور الشبحي الكارثي الذي يلاحق مرحلة طبيعية جدا يفطر عليها كل الأجيال ..؟! فنحن لم نسمع قط بجيل سرمد مرحلة الشباب بينما امتدادت السنون تعبر طريقها السوي ..
إذن مرحلة الشيخوخة هي مرحلة وزنها كوزن أي مرحلة في الهرم الحياتي .. فنحن نبدأ مشوارنا من رحم موصول بحبل السرة إلى وطأة الحياة الفسيحة صغارا نغدو منبهرين من الزهرة التي تتفتح ومن النخل الذي يشمخ علوا ومن طول عنق الزرافة ومن ضآلة حجم النملة .. هذه المرحلة المدهشة من حيواتنا سرعان ما تنتهي ، لتقلنا القافلة فتنتشلنا محطة أخرى حيث يزداد طولنا ويطرأ تغييرات بيولوجية على وظائفنا الجسدية ليشمل كلا الجنسين الذكر والأنثى ، ويزداد حجم اكتشافاتنا وتجاربنا وفي خضم الصخب الذي يستوطن أجسادنا ، نترعرع في تضخم عجائبي يمتد لنتسلق من خلالها إلى عوالمنا الخاصة شجرة بفروع متأصلة تتشعب معطاءة .. إلى أن يهدأ كل ما حولنا في سكون مرحلة جديدة تابعة ومكملة لنقص ..
مرحلة الشيخوخة هي مرحلة اكتمال .. فالهرم الحياتي لا ينتهي بمرحلتي الطفولة والشباب فقط .. والانسان الذي يشاء عمره بمشيئة من الله تعالى أن يصل إلى حد هذه المرحلة هو انسان حقق تكامله البشري على المستوى البيولوجي ..
وإذا كانت الطفولة هي أرجوحة التي تأرجحنا بمرح مندهشين من حجم العالم وعجائبه التي ينجبها لنا كل يوم ، و الشباب هو منطاد يهيم بنا إلى فضفاض الحياة ومفاجآتها ، فإن الشيخوخة هذه المرحلة الجميلة لابد أن نستعد لها بهمة ألذ ؛ لأنها امتداد حقيقي لمراحلنا الأولى ، ففي الشيخوخة نقف مفاخرين أمام الأجيال التي خلفناهم وراءنا .. وبعين رضا نرنو إلى الأعمال التي سيكملها عنا جيل آخر سرعان ما يسلم بدوره الأمانة إلى آخرين يحملون عن كاهلهم أثقالها ..
تلك المرحلة ليست مرحلة ترهل ؛ بل توهان رائع في الحب والعطاء بعد ذاك الامتداد الصاخب ، ففي هذه المرحلة علينا أن نشاكس الحياة التي طالما أغرتنا بشقاوتها ؛ وآن لذاك الكهل أن يلقنها درسا في الحكمة ولذة التأمل .. فكم التجارب كفيل أن يكسبه الكثير جدا من الروائع في فن الحب والعطاء والتجدد ..
مرحلة علينا أن ندلل فيها أنفسنا .. نتمتع بكل لحظة من لحظاتها بأساليب نتحايل فيها على عقرب الزمن لنمتطي هدوءه الذي طالما سلبت منه ذواتنا في رحلة التكوين ..
والشيخوخة الحقيقية ليست كهولة وجه وانطفاء بعض الوظائف البيولوجية بل هي حين تعجز قلوبنا عن عطاء الحب وحين تتوقف شرنقة أرواحنا عن الهيام في ملكوت الكون كفراشة .. فلطالما القلب رفراف بحب الحياة وأفقها مضرج بحمرة الروح ، فإننا سنختال في مزيج طري من عفوية الطفولة وغنج الشباب مع دلال الكهولة ..
هكذا تحصد ذاكرتي التي ما تزال طرية مفاخرة بشبابها موقفا طريفا يعود إلى ماركيز صاحب رائعة " مئة عام من العزلة " حكى يوما أنه قابل زميل دراسة في قاعة انتظار في أحد مطارات كولومبيا وكان في مثل عمره .. فبدا له أنه أكبر من سنه الحقيقي بمرتين ..
وماركيز بعينيه الثاقبتين تيقن أن سبب شيخوخته المبكرة ليست واقعا بيولوجيا بقدر ما هي مجرد إهمال من صاحبه .. ولم يكبح ماركيز نفسه حين أذعن في وجهه مؤنبا أن سوء حالته يعود لإهماله وليس من الرب وأن من حقه أن يطلق تأنيبه في وجهه ؛ لأن إهماله لا يجعله وحده يشيخ وإنما يجعل جيله كله يشيخ .. !
Lailal222@hotmail.com
القدسُ وحبيبتي و(مِحبَرَةٌ تنتَحِب)* 1
زياد جيوسي
ما زالت القدس محرمة علينا نحن أبناءها، نحن الحالمون بالحرية للقدس والوطن، فلا أمتلك إلا أن أطل عليها من التلال المطلة من بعيد، أرافق روحك معي، روحكِ التي لا تفارقني كما الوطن، أنظر من البعيد، الحزن يسدل نفسه على روحي (مثل ليل.. يطوي عباءته، ليسدل النهار)، فأهمس في أذنكِ (كلمات في رذاذ المطر)، لكنها كما أرواحنا، أنتِ.. أنا (تحلم بليل لا يعرف الانكسار)، فأنا في رحلةِ العشق والوطن (مثل ليل.. أدمن الصمت، وما.. مل الانتظار..)، وما زلت أنتظر الموج لأهمس لكِ (هاهو الموج!.. يثمل من عيون الحلم، ودموع النهار).
أيا قدس.. أناديها كما أناديكِ، فقد طال الغياب بيننا، أنتِ في ظلِ البعادِ، والقدس في ظل الأسر، لكنني أحلم باللقاء، فأنا لست من (راح يهذي، في لحظة الفراق)، وسألتقيك من جديد، كما سألتقي القدس أنا الذي سوف يأتي (حاملاً كفيه وسط جسر مترنح)، لكني أبداً لن أكون أنا من يأتي (قابضاً أوراقه، جواز سفر، تأشيرة عبور، وجسداً فارغاً إلا من الضياع.. )، فأنا الذي أقسمت أن أعود (محملاً بهاجس اللقاء..)، كي نبسم أنتِ وأنا و(نكتب أبجدية الأبد..).
أقف على تلك التلال التي تطل على القدسِ من البعيد، فقد (عادَ التتارُ بمنجنيقاتٍ)، أنظر الأقصى وهو (يحاصره الجدار) وحراب الجند، فأشعر أن جسدي تشظى (وذاب بين حجرٍ وطينٍ)؛ لكني ما زلت أؤمن أنه (سيولد نهارٌ جديدٌ على مرايا جسدها الصوفي)، رغم الاحتلال الذي أتى (على طاولة مشروخةٍ.. رمى ثوب الحضارة) و(راح يبتكر الغواية) واخترع أسطورة أرض الميعاد، فهو يعلم أن الأرض مقدسة و(لا بد من ثَمالةٍ خرافيةٍ تراوده خلف المكان)، فلا يريدها (تُخْرُج كل صباحٍ من جعبتها حزناً)، ولا يريد أن يراها (تقطف أغصان النهرِ)، ويريدها فقط أن تتغير (وتدورُ كما الرأس في الخمرِ)، كي (يغرقُ البنفسجُ بحلكته بينما الماء ينسربُ من شرفة الغياب)، فهو احتلال (خلفَ صدرهِ يخفي ما تبقى من نهار).
ما زلتِ الحب الذي يرافقني رغم أن (سنوات تعبر والليل يطوفُ الذاكرة)، فلا يمكنني إلا أن أحلم بك من البعيد و(أطوي غربتي في رائحةِ الجرح)، ولا أرى في هذا اليوم الذي يعني لي الكثير إلا (الصباح.. تتناهبه الأشباح)، وأرى أنه (لا يزال الباب موصداً والنوافذُ تُحركُ غبارها بالسكونِ)، وأراك المرأة التي (تقف خلفَ البابِ أو تتهشم أظافرها من الطرْق)، وأشعر بك الأنثى التي تكاد تتفجر من براكين مكتومة في داخلها، لا تقدر على المقاومة (وفي المساءِ تلفظُ أنفاسها)؛ فأغمض عينيّ وأناديكِ (فيباغتُني الحُلم) و(نجوب معاً شوارع المطر).
أيا قدس التي (تحتضن الأنثى وجهك)، أما زالت (الشوارع مكتظة بالمارة)، رغم السنوات التي تجري (والذاكرةُ على السبورةِ)، أغمضُ العينين وأتذكر باب الزاهرة الذي كنت أعبره طفلاً فأتخيل الآن ما (يعانيه الأصدقاءُ كل ليلٍ)، قلق وألم و(ربما موتٌ بطيءٌ)، فتلتف روحي حول البوابات المغلقة في وجهي (والرأسُ مثقلة بأنينِ السنين)، وأرى أنني من يحمل (بين كفَّي نعشاً لجمجُمةٍ وجسدٍ)، فتصر روحي أن تجول باب العامود وباب الأسباط وباب المغاربة وباب النبي داود وباب الخليل والباب الجديد، وأقف (أنتظر صباحاً آخر)، فربما يأتي الفجر ويضمني، فأضم يدكِ ليدي وأركض (لأعانقَ الهواءَ والمارةَ والنافذة)، ونسير معاً في سوق خان باب الزيت، ومنه نجول الأحياء المقدسية لعلي أتمكن من أن أعيد النقاء للبلور الثلجي الأبيض، بعد أن لوثته بقع زرقاء وسوداء، ومعك حبيبتي سأرى أن القدس (لها رائحة الأرضِ في الطين، ووجه ممزوجٌ بشمالِ الأرضِ وجنوبِ البحر).
تعالي لنحلق رغم الجندِ ورغم الأسلاك الشائكة في فضاء القدس، فأنا من (يشدني الدفءُ إلى أحضانِ طيفك) كي (أغفو بسلام)، فنصلي في الأقصى ونشعل الشموع في القيامة، وفي المسجد العمري نترحم على عُمر، فلا أحد حافظ على عهدته، ونحلم بغضبٍ ساطع آت (فيضج الحُلمُ بطفلٍ يعانق الشجر، يحتضن الأغصانَ)، فأمسك يدك لنسير في طريق الآلام كأننا (جسدٌ يترنحُ في ذاكرة المطر)، ونجتاز عقبة التقية وعقبة الخالدية، ونجول حارات السعدية والنصارى وباب حطة، وحي المغاربة الذي هدموه على رؤوس صحبه، ليقيموا لأنفسهم هياكل (على أكتاف نساءٍ نَسينَ أنوثتهُنّ)، وهم يعلمون أنه سيأتي اليوم الذي نصرخ فيه: (لنا البحرُ في زرقته ولكم السفنُ حين تشتعلُ الشواطئ).
كوني معي فهذا اليوم لي، عودي كما كنتِ (طفلة تلهو مع الرملِ، فتَكسَّر زَبَدُ البحر)، ودعيها (تتغلغلُ الأصابعُ _ الطفلةُ إلى نبضِ الحُلمِ _ البحر)، فما زالت على شفتيكِ (تنكسرُ الأحرفُ مبللة بالأرجوان)، وما زلت أرى في (وجهكِ بنفسجاً يتيه في حقولِ البيلسان)، ولا أحلم مثلهم بسلامٍ لا يأتي، فما زال هناك (ثمة من يلهثُ في الصحراءِ وراء الغبار)، ولا يريد أن يعلم أن الاحتلال كان دوماً (سارقَ الأحلام)، ولا يرى أن (العتمة تخنقُ الليلَ في مهدهِ)؛ فتعالي.. (لعلي أستحمُّ، أنامُ وأغرقُ في ثُمالةِ الأنثى التي تتقاذفها أمواجُك).
* كلّ ما هو بين أقواس للشّاعر عبد الوهاب العريض، من مجموعته الشّعريّة "مِحبرةٌ تَنتَحِب"، الصادر عن دار فراديس للنشر والتوزيع- البحرين- 2009م.
الاثنين، يناير 18، 2010
طبعك دا بيحير
ايمن يحيي
طبعك دا بيحير
ساعات القاك بحال
وساعه متغير
حنين بتبقي ساعات
واشوف في عنيك اوقات
رقه وحنيه
لكن ساعات بتكون
قاسي وساعات مجنون
وتسيبني متحير
طبعك دا بيحير
طبعك غريب وعجيب
مره بتبقي حبيب
والتانيه تنساني
لحظه بتبقي قريب
وفي مره عني تغيب
وتسيبني وحداني
وكتير انادي عليك
ولا فيه بتفكر
اوقات الاقي عنيك
م الناس بتحميني
واما باكون مجروح
من جرحي تداويني
لكن ساعات تجرحني عنيك
اكتر ما تتصور
طبعك دا بيحير
السبت، يناير 16، 2010
ملاك لوقا .. نجم التأريخ القبطي
عـادل عطيـة
adelattiaeg@yahoo.com
في مصرنا ، يتقدمنا نجم للتأريخ القبطي ؛ ليدلّ بقلمه إلى مجد أمة ، وتاريخ شعب يعيش الآن في مغارة من التعصب ، والارهاب ، والدم ، في وطنه !
هذا النجم الإنساني ، الذي مزقته القراءة ، وأوجعته الكتابة ، واضاعت من عينه الأرض والسماء على حد تعبير أنيس منصور ؛ ليطبع العناوين المؤثرة في مكتباتنا القبطية ، يقدم لنا اليوم ـ كمؤرخ ـ كتابه الثاني : " أقباط القرن العشرين " ، بعدما أثرانا بكتابه الأول : " الأقباط ـ النشأة والصراع " ؛ ليعطي لعائلته القبطية الذاكرة لكي تكون لهم وروداً في أشوك الضيق والألم ، ولتبقى أمته في ذاكرة الكون !
في كتابه : " أقباط القرن العشرين " ، يحلق مؤرخنا ملاك لوقا فوق إنزعاجه ؛ ليقول للخبثاء والمغرضين : ليس باستطاعتكم تبديد أمة أبجديتها المصرية متمسكة باصابعها ، وحنجرتها ، وثيابها ، وأن تزويراتكم لتاريخها وهباتها الكثيرة في أرضها ، ومجتمعها ، وعالمها ماهي سوى ضوضاء عارية من أي معنى !
وفي مهمته غير العادية ، ظل مثابراً ، وشهادة حق بالتعريف عنهم ، وشجاعاً ليعلن أن الأقباط رسموا اشارة ثابتة في التاريخ بقيمهم ، واعمالهم ، وابداعاتهم ولا يزالون ، وبإعتزاز يظهر للمسكونة كلها بأن في تاريخهم توجد قيامات لا يمكن مقاومتها ؛ لأنها تنبع من أعمق أعماق إيمانهم ، وانهم لقادرون دائماً على تحويل قيودهم إلى آلات عزف وطرب !
ولكن أتمنى في الطبعة القادمة لهذا الكتاب ، أن يضيف مؤرخنا ملاك لوقا ، الأسماء اللامعة من اخوتنا المسلمين الذين يشاركوننا بروح كريمة ، ومن أعماق القلب ، الاحساس بالالم ، وينزعون بذور العزلة الزائدة ، ويستنبتون في تأن وثقة زهرات المحبة والترابط ، ويضمون ايديهم لشركائهم في الوطن ؛ لتكملة دائرة استمرارية الوطن ، وبذلك يجمع مسيحيو مصر مع مسلميه في مزهرية الوطن الواحد في باقة باركها الله ، وقال : " مبـارك شـعبي مصـر " !...
النار
د. نوري الوائلي
بعد منتصف الليل حيث العيون نائمة لا تدري هل ترى ضياء الفجر ام لا , نادتني الممرضة طالبة المساعدة لان المريضة لم تعد تتنفس . فأسرعت لها فوجدتها قد فارقت الحياة عن عمر جاوز التسعين عاما. فوقفت عندها وتأملتها (جثة باردة , فاه مفتوح , عينان غائرتان) فسألتها وبعد الجواب تبللت خداي بالدموع
يا نارُ هل أمِن الردى لأنام = والعمرُ يغرزُ في الفؤاد سِهاما
هل أيقن القلبُ الشغولُ بأنّني = أصحو الصباحَ مُعافياً مقداما
يا نارُ من حولي الشباب وقد مضوا = بالنائبات ولم يروا أحلاما
ولقد رأيتُ من الزمان عجائباً = تبكي الرضيعَ وتنطقُ الأصناما
ووقفتُ عند الفجر فوق جنازةٍ = قد جاوزت في عمرها الأعواما
ماذا جنيتِ من الحياة وكم بها = عشت الدهورَ حلاوةً ووئاما
فأجابني الجسدُ المثلّجُ باكياً = لم أذكر الأفراحَ والأيّاما
كانت سويعات وقد نالتْ بها = منّي المواجعُ ذلّةً وظلاما
فترقرقت في العين دمعةُ نادمٍ = خافَ الوعيدَ وعايشَ الأوهاما
جهلٌ ولعبٌ أرتوي متفاخراً = فكأنني طفلٌ هوى الأحلاما
طفلٌ بجهلي والذنوب ضئيلها = كجبال صخر تبلغُ الأجراما
وركضتُ خلفَ لذائذٍ فعلوتها = فوجدتها بعد المنى أوهاما
قل الحياءُ فكيف مثلي يستحي = من خالق يدنو له إقداما
فنسيته ونسيت أنيّ مسلم = شهَدَ الشهادةَ موْثقا ولزاما
ياليت قلبي في المحارم صائماً = ويقولُ عند الملهيات سلاما
النارُ تأخذني بعدلك جازماً = تحوي القرارَ عدالةً وغراما
القلبُ فيها للطغات مقامع = والقعرُ يحتضنُ النّفاق زحاما
ما حال من ترك الصلاة إذا رأى = نارَ الجحيم نهايةً ومقاما
هل ينفعُ الصبرُ العصاةَ ولم يروا = في النار قطعاً للعذاب ختاما
ما حالهم وسط اللضى ونفوسهم = ترجو إذا ذكر الحميم حماما
ويقول ربّك للجحيم مسائلا =هلاّ ملئت من الجموع ركاما
فتقول ربي والحشود قوافل = زدني , فزاد وقودها أجساما
لكنّني أهفو لحلمك سيدي = فبهِ يطوف على الجّحيم سلاما
ان كان صبري للمواجع حاوياً = فأليم بعدك يلهبُ الآلاما
حالي ألاهي كالغريق مكتف = كيف النجاة وأبتغي الآثاما
من لي سواك من الذنوب مخلصاً = ويزيحُ من قلبي الجهول لثاما
هل يحرق الجسدَ السعيرُ وجبهتي = خرّت لوجهك سيدي إسلاما
أو أستباح الى العذاب ودمعتي = في النار تعلو صرخةً وندامى
لولاك ما عرف الطموحُ حبائلاً = لولاك ما ذاقَ الفؤادُ مراما
لولاك ما دخلَ الجنانَ موحدٌ = حتى وان بلغَ الكمالَ تماما
الأربعاء، يناير 13، 2010
رؤية الدم
عـادل عطيـة
adelattiaeg@yahoo.com
من الوسائل التي تستخدمها بعض الأمهات عند فطام أطفالهن ، وضع مادة حمراء كالـMicrochrome على موضع الرضاعة ، فإذا رآها الرضيع خشى من الاقتراب من ثدي أمه !
وكنت أتعجب من أن رضيعاً قد لا يتعدى السنتين من عمره ، يهاب اللون الأحمر !
ولكنه عندما يكبر ، يحاصره لون الدم من خلال : الكتابات التي سنها بعض من طواغيت التاريخ ، ومن خلال أولئك الذين امتلأت قلوبهم وعقولهم بالحقد المتعجرف على منابر الكراهية وإدعاء الحقيقة المطلقة ، والسعي إلى تثوير النفوس التي تموج بمشاعر التعصب المقيت بصيحات الجهاد الأعمى ، حتى يبدأ الدم يهدر كالشلال ، ويغرق انسانيتنا ، وتلاقينا !
أما أخطر الكل ، فهو لون الدم نفسه ، الذي يأتي إلينا عبر السينما ، وعبر الفضائيات من خلال الأفلام ، والمسلسلات ، والحوادث النازفة ؛ لأنه يضع الدم بشكل شبه يومي أما أعيننا ؛ فنتعوّد على لونه ، وعلى غزارته ، تماماً كالطبيب الذي تعوّد عليه ، وعلى صرخات الألم ، حتى نظن وهو يعمل بإبرته الطبية في جروح المصاب القطعية ، دون استخدام المخدر ، وكأنه انسان بلا قلب ! .. التعوّد الذي يفقدنا قدسيته ، ومهابته ، وقيمته ، لدرجة أن نفقد التمييز بين الواقع والتمثيل ، وهنا أتذكر الطفل الذي رأى والده مغدوراً غارقاً في دمائه ، ولكنه راح يداعب والده وكأن والده يعرض له مشهداً تمثيلياً درامياً ! .. وهكذا كما نسير على ضوء المرور الأحمر ، نسير على دماء الابرياء المسفوكة ، وكأننا لا نخالف قيمنا ، وتعاليمنا الدينية والاخلاقية المتسامية .
فهل نستفيق من غيبوبة التعوّد على رؤية الدم ، التي تقضي على انسانيتنا ، وعلى مشاعرنا الطيبة ؟!..
فكما أنه ليس كل مانعرفه نصرح به ، هكذا أيضاً ليس كل ما يحدث يعرض كاملاً على النظّار والمشاهدين ، فالحياة بانسانية اسمى من الفن ، وأثمن من السبق الصحفي !
وهكذا تنسحب مشاهد الدم من شرايين مشاعر هؤلاء الذين لديهم الاستعداد للاصابة بمرض هوس سفك الدماء ، والتمتع الوحشي بمعاناة وآلام الآخرين ، ويعود للدم مهابته ، وقدسيته ، وقيمته ، والرغبة الصادقة في الحفاظ عليه ؛ لأنه الحياة !
ما ذنب قلبي
صبري جابر
ما ذنب قلبي أجيبيني؟؟!!
يا امرأة كسرت قيود قلبي
وسكنت أوردتي واحتلت شراييني
وأسكرتني بخمر شفتيك
وأنت رشفة واحدة لم تسقيني...
أضعتني بليل شعرك
وأغرقتني في محيط خسرك
دون أن أعانقك أو تعانقيني...!!!
وفي بحر عينيك غرقت باحثا
عن أشلائي فوجدتك
مولاتي قد أعدت تكويني...!!!
أنا الهارب من جنة الله
إلى جنة عينيك
فحورائي أنت... أ أنساك
و أحيا مع حور لا تعنيني؟؟؟!
وحدك يا امرأة أحببتها تسكنيني
وان حركت رمشك
قلبت تقويم سنيني
فبحق قلب جريح...
ما ذنب قلبي أجيبيني؟؟؟!
ديوان سنديانات الحب "ص81"
سليمان جبران في كتابه الجديد: على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربية المعاصرة
نبيل عودة
يجري حول اللغة العربية حوار صاخب أحيانا ، بين العديد من المثقفين واللغويين ومختلف أصحاب الرأي . ويبدو ان هذا الحوار هو يميزالناطقين بلغة الضاد فقط ، إلا أن ذلك لا يشير الى اهمية غير عادية للغة الضاد ، بقدر ما يشير الى أزمة عميقة باتت تقلق المتعاملين مع اللغة ، وتتمثل في قصورها الفاضح في المجالات المختلفة ، وبالأساس المجالات العلمية والتقنية ، وأيضا في مجال الاستعمال الأدبي الإبداعي. وتبرز الأزمة بوزنها الكبير ، في هرب أصحاب اللغة من لغتهم الى لغات أجنبية للتعبير ، واشكاليات استيعاب الطلاب العرب للغتهم ، بل ونفورهم من اساليب تعليمها ومن التناقضات الكبيرة بين اللغة المحكية واللغة التي تسمى فصحى ، لدرجة أن تعريف الفصحى بات يشكل موضوعا للخلاف ، نتيجة دخول اساليب تعبيرية واصطلاحات وجمل متعارف عليها ، لا يمكن ان تخترق أسوار الحواجز النحوية التي وضعها سيبويه قبل مئات السنين ، في مناخ ثقافي ولغوي مختلف، وبات غريبا عن مفرداتنا وعن صياغاتنا وعن متطلباتنا اللغوية في هذا العصر الذي يشهد نقلة نوعية عاصفة في العلوم والتقنيات ، وفي اللغات واستعمالاتها. الا لغتنا العربية مسجونة داخل كهف يقف على ابوابه حراس اللغة، ظنا منهم انهم يخدمون لغتهم ، ولا يستوعبون ان حراستهم تقود لغتنا الجميلة الى الموت السريري ، أو تحولها الى لغة لا يتجاوز عدد المتحدثين فيها عدد المتحدثين اليوم باللغة الآرامية في العالم !!
هذا الموضوع شغلني منذ سنوات ليس كلغوي ، بل كمثقف وكاتب يعيش نبض اللغة التي تشكل سلاحه التعبيري ، وأداته الهامة للتواصل ، الأمر الذي وضعني بمواجهة اشكاليات لغوية تعبيرية في الحديث او الكتابة عن مواضيع تكنلوجية وعلمية وفلسفية ، لم أجد لها صيغة عربية ، ووجدت في اللغة العبرية التي اتقنها بشكل جيد ، لا يرقى الى مستوى اتقاني للعربية بالطبع ، تعابير واصطلاحات سهلة واضحة ميسرة مفهومة ، وقابلة للاستعمال، بدون تعقيدات نحوية .
شغلني أيضا سؤال ما زال مطروحا: بأي لغة عربية نكتب ؟
الفصحى القديمة أضحت لغة لا مجال لاستعمالها وفهمها من الأكثرية المطلقة لمن يعرفون أنفسهم كعرب. الفصحى الجديدة السهلة ، او لغة الصحافة كما يسميها البعض ، أيضا غير ميسرة لأوساط واسعة جدا من العرب..بسبب انتشار الأمية الهائل الذي لا يقلق حراس اللغة بقدر قلقهم على مواصلة السجن القسري للغة في زنزانة نحو وضع لمناخ لغوي لم نعد نعيشه ، ومن المستحيل ان نعود اليه.
في كتاباتي دائما اتلقى نقدا لغويا حول استعمالاتي للغة. ومحاولات تصحيح لغتي ، وانا على قناعة تامة ان تمكني من التعبير بلغتي العربية ، متطور جدا ، ليس بسبب دراستي للغة ، بل نتيجة ممارستي وتجربتي الغنية قراءة وكتابة ، وأعترفت مرات عديدة اني لا أعرف قواعد اللغة، ولا اريد ان أعرف اكثر مما اعرفه اليوم ، واذا كان لا بد من إصلاح فلغتي هي لغة معيارية حديثة ، متطورة في تعابيرها ، وسهلة الفهم لأوساط واسعة ، وتحمل من جماليات التعبير والصياغة أكثر من كل نصوص المتقعرين ، الذين لا استطيع ان افهم نصوصهم أو أهضم ثقل دم لغتهم !!
ربما أطلت في مقدمتي ، ولكني اندفعت اليها بحماس إثر قراءتي لكتاب شدني بلغته الجميلة وشروحه المنفتحة الراقية ، حول إشكاليات لغتنا العربية صادر عن مجمع اللغة العربية في حيفا ، للبروفسور سليمان جبران ، الذي كان رئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة تل أبيب ، قبل اعتزاله العمل هناك. يحمل الكتاب عنوانا دالا : "على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربية المعاصرة "، وافتتح سليمان جبران كتابه ببيتين من الشعرعن "الغيورين" على اللغة:
جاروا عليهــا زاعمين صلاحها في نبذ طارقهــا وفي تقييدهـــــا
لم يفقهوا ان اللغــات حياتهــــــا في بعث تالدها وفي ... تجديدها
وهناك مقدمة للدكتور عادل مصطفى ( باحث مصري في اللغة والعلوم والفلسفة ) يقول فيها: " العربية في أزمة ، يجفوها أهلها ، ويهجرها بنوها، ولا يكاد يتقنها سدنتها وأحبارها . ان العربية على فراش المرض ، تعاني من تضخم في القواعد والأصول ، وفقر في المصطلح ، وعجز عن مواكبة الجديد ومجاراة العصر . الداء واضح للعيان ، ولم يعد بالامكان اخفاؤه . فبئس الدواء إنكار المرض، وبئس الحل إنكار المشكلة."
مقدمة الدكتور عادل مصطفى تستعرض اشكاليات اللغة ، التي يعالجها البروفسور سليمان جبران في كتابه ، وتتطابق أفكاره تماما مع طروحات وشروح سليمان جبران ، بحيث بدا لي متحمسا للكتاب وطرحه الذي يثبت ليس فقط معرفة سليمان جبران الكاملة باصول اللغة ونحوها ، انما معرفة موسوعية نادرة بكل ما مرت به اللغة العربية من تحولات وتطوير في القرن التاسع عشر ، خاصة منذ بدأ اللبناني فارس الشدياق : "رجل النهضة الأدبية الحديثة الأول " – كما وصفه مارون عبود ، وسائر النهضويين الرواد العرب أمثال المصري رافع الطهطاوي ، جهودهم العظيمة في احياء اللغة العربية التي قتلها التتريك والتخلف السائد في الأقطار العربية والذي كان لا بد ان ينعكس سلبا على واقع اللغة العربية. وللأسف، يبدو كأن الزمن توقف ، وما زلنا نحاور من نفس المنطلقات ، وما زلنا نلوك نفس الحجج ..
قلت اني لست لغويا ، ومع ذلك قرأت بحث سليمان جبران اللغوي بشوق كبير ، أولا بسبب لغته الجميلة واسلوبه التعبيري الواضع ، وقدرته على التعامل مع الإشكاليات اللغوية المختلفة بتحليل وتفسير واستنتاج ، مبني على المعرفة الموسوعية ، وهو أمر سحرني به سليمان جبران ، لأني وجدت به أجوبة عن القضايا المطروحة امام تطور مجتمعاتنا المدنية ، فمن يظن انه بنحو لغة قديمة خاضع للمرحلة التي نشط فيها سيبويه ، يمكن بناء مجتمع مدني علمي تقني حديث هو واهم . اللغة أداة للتواصل لا بد منها للعلوم والتقنيات والثقافة والفلسفة والمجتمع ، وليس للقداسة فقط.
من المواضيع التي يطرحها الكتاب: " لغتنا العربية : لا هي عاجزة ولا معجزة، متى نؤلف نحوا حديثا للغتنا العربية ؟ ، دور الشدياق في تطوير اللغة العربية ، العامية والفصحى مرة أخرى، الترادف غنى ام ثرثرة ؟ ، تصحيح الصحيح ، تجليات التجديد والتقييد " .
تتميزلغة الكتاب بالاقتصاد في التعبير والابتعاد عن الفضفضة ، التي نواجهها في الكثير من النصوص. وكأني به الى جانب بحثه القيم يعطينا درسا ونموذجا في الصياغة الحديثة بدون فضفضة وترهل لا يضيف للمعنى شيئا ، وقناعته تقول اننا في عصر السرعة ولا يمكن الا ان نقتصد في الكلمات لنؤدي نفس المعنى.
ترددت في إيراد النماذج، لاني شعرت بأني سانقل كل الكتاب للقارئ ، وهذا غير ممكن .
وأعتقد ان انتباه معلمي اللغة العربية لهذا الكتاب ، في كل مستويات التعليم ، خاصة الثانوي والجامعي ، واستعمال المداخلات والنماذج التي يطرحا سليمان جبران ، سيحدث ردة فعل ايجابية تقرب اللغة العربية لأبناء هذه اللغة ، وتفتح امامهم آفاق لغوية جمالية تنعكس بشكل ايجابي على تقريب اللغة للطلاب العرب، وتقريب الطلاب العرب من لغتهم وقدراتها التعبيرية والجمالية ، مدركين ان الاشكاليات التي يهربون منها ، هي وليدة واقع مريض ، وليس نتيجة لغة عاجزة ومعقدة.
الكتاب : على هامش التجديد والتقليد في اللغة العربية المعاصرة
المؤلف : بروفسور سليمان جبران
اصدار : مجمع الللغة العربية – حيفا – 2009
صدر للبروفسور سليمان جبران:
- المبنى واللغة في شعر عبد الوهاب البياتي، دار الأسوار، عكا، 1998.
- كتاب الفارياق: مبناه وأسلوبه وسخريته، جامعة تل- أبيب، 1991. طبعة ثانية : دار قضايا فكرية، القاهرة، 1993.
- صلّ الفلا ، دراسة في سيرة الجواهري وشعره، جامعة حيفا، 1994. طبعة ثانية: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمان وبيروت، 2003.
- نقدات أدبية، جامعة تل أبيب، 2006. طبعة ثانية : دار الفكر، عمان، 2007.
- نظرة جديدة على الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب، جامعة حيفا، 2006. طبعة ثانية : مكتبة مدبولي، القاهرة، 2007.
- صغار لكن... ، مجموعة قصائد للصغار، حيفا، 1996.
- مقالات أخرى كثيرة في النقد الأدبي واللغة.
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com
بوح الروح 1
زياد جيّوسي
1-4
ليس من السّهل الغوص في ما تجود به روح فايز محمود؛ إذ أنّه إنسان صاحب فكر كبير وأفكار فلسفيّة ثريّة. وقد كان لي الشرف أن أعرف فايز الفيلسوف قبل ما يزيد عن ثلاثين عامًا من خلال كتابه: "الحقيقة بحث في الوجود"، هذا الكتاب الّذي اطّلعت عليه في بداية شبابي وأنا لم أبلغ العشرين من العمر، ترك في روحي أثرًا كبيرًا. وحين التقيت فايز بعدها بسنوات في ظروف غاية في الصّعوبة لي وله، وبمجرّد أن عَرّف بنفسه حتّى كنت أقول له: أأنت صاحب "الحقيقة بحث في الوجود"؟ فلمّا أجابني بالإيجاب احتضنته بشوق وتحدثت معه مطوّلاً في أفكار كتابه، فيما فهمته وفيما استعصى على فهمي، ومنذ تلك اللحظة ربطتني بفايز علاقة صداقة متينة، ورغم غياب السّنوات الطّويلة والّتي لم تجمعنا، كان لقاؤنا يحمل عبق صداقة التّاريخ وروح الإنسانيّة.
وكوني أعرف فايز الإنسان، فايز الفيلسوف، فايز الأديب، أقول: ليس من السّهل الغوص في تلافيف ذاكرته وفي معرفة مكنونات ما تجود به نفسه بسهولة، فالأدب كما الفلسفة لدى فايز يحمل فكرًا ورسالة، يحمل روحًا محلّقة بقوّة، روحًا متسامية تدلّ على تكوين فايز النّفسيّ؛ هو إنسان بسيط الرّوح والمظهر والسّلوك، لكنّ أفكاره الّتي تبدو للوهلة الأولى كبحر هادئ، سرعان وبمجرد الغوص فيها ما تهبّ رياحًا وتثور أمواجًا، فيغرق من لم يكن يجيد العوم، وينجو من أجاده ولكن بصعوبة بالغة.
وفي هذا الجزء من مجموعته الكاملة والمختصّ بأعماله الأدبيّة، ورغم اطّلاعي سابقًا عليها، إلاّ أنّي وجدت نفسي أقف بدهشة الإنسان البدائيّ حين اكتشف النّار أوّل مرّة. ففي الجزء الأوّل منها- تناول مشكلة الحب، ولكنّه أعطانا نتيجة مسبّقة من اللحظة الأولى حين يقول: مشكلة الحبّ.. العناء الإنسانيّ بدون جدوى، فهو يضعنا أمام مواجهة كبيرة، فالحب يستحيل إلى مشكلة، والعناء الإنسانيّ يكون دون جدوى، ممّا يدفع القارئ الذي صُدم من العنوان صدمة تدفعه للغوص والبحث في ثنايا مشكلة الحب، ليجد فايز قد بدأ بأغنية ناعمة تتحدّث عن الحبّ والخوف من الفراق، لينتقل بنا مباشرة إلى مدخل يبحث في طبيعة العلاقة المعقّدة بين الرجل والمرأة، من خلال الاستشهاد بالكتب المقدّسة ثمّ الفلاسفة والأدباء والشّعراء، لينتقل بنا إلى الغوص في بحر متلاطم بالحبّ، الّذي بدون جدوى بأفق فلسفيّ وصيغة أدبيّة تبحث في هذه العلاقة المعقّدة من المشاعر الإنسانيّة، علاقة يبحث عنها ويدقّق فيها ويحلّلها من خلال ما أورده العشرات من الكُتّاب والشّعراء والفلاسفة في آثارهم وكتاباتهم الّتي عبرت عمّا جال في أرواحهم عن مشكلة الحبّ، عن هذه اللعبة الإنسانيّة الكونيّة، عن هذه المشاعر بين الحرّيّة والحتميّة، عن السّعادة بين الفكر والحبّ. ويبحث في دور الفنّ في اللعبة، حتّى يصل إلى تكافؤ النّدّين ووحدة المصير، "ههنا الحبّ.. كروعة الفنّ تمامًا.. يوحد الإنسان بذاته وبجنسه من خلال الحبيب"، لينتهي بمقولة جوركي: الحبّ والجوع يحكمان العالم. وفي النّهاية لا يعطينا النتيجة لبحثه بوضوح، بل يدفعنا بقوة لأن نعود لنقطة البدء والغوص في دواخلنا وتجاربنا، وأن نضع كلّ قضايا الحبّ بكافّة أشكاله الّتي عرفناها، تحت البحث والتّمحيص والتّفكير. ففايز بفلسفته يطرح المشكلة ويناقشها، لكنّه يترك في أذهاننا ألف سؤال يحتاج منّا أن نبحث على أمل أن نصل إلى نتيجة..
وفي كتابه: "تيسير السّبول.. العربيّ الغريب"، تبرز روح فايز محمود الإنسان بوضوح منذ اللحظة الأولى، فهو يخاطب المرحوم تيسير بقوله: "إنّ من يعش هكذا حياة، ويموت هكذا موتًا، سيعذر لمن يظلّ عائشًا كلّ ما يفعله"، ومن ثمّ يبدأ بسلسلة من الدّراسات والمقالات الّتي تتناول تيسير سبول بكافّة مناحي حياته، ويستخدم فايز كالعادة أسلوبه الفلسفيّ بروح أدبيّة، وسعيه الدّائم للبحث عن الحقيقة، هذه الحقيقة الّتي تعني دومًا لدى فايز محمود البحث عن الوجود، فيبحث عن الحقيقة في كافّة مناحي شعر وحياة تيسير سبول، ويصل إلى أنّ وفاة تيسير السّبول بالطّريقة المفجعة الّتي حصلت، بقوله: "ما كان لهذا التّلاحم أن يستديم، بين الشّاعر والعالم، في دنيا حافلة بكلّ ضروب الوحشيّة.. تلك كانت أغنية أسيانه طوتها الثّواني، وما عتم الطّوفان أن قذفه بعيدًا".
ويستمرّ فايز محمود بمسيرته الأدبيّة، فنراه في "ثلاثة نقوش محجوبة" كما النّور يخترق الرّوح. ففايز هنا ينقش الرّوح عبر الحرف والنّصّ، فيجعلنا نعيش معه فلسفة أخرى لم نعتدها، فيبدأ نصّه بالسّؤال: "ما هي نقطة الانكسار المحوريّة في طبيعتنا البشريّة؟". فيبحث في الصّداقة والحبّ من خلال مخاطبة الآخر الأنثى بهمسات رقيقة وفلسفيّة بأسلوب أدبيّ عالي المستوى والرّقة، يجعلنا نشعر بأنّنا نخوض عباب بحر هادئ وجميل، لكنّه يحمل تحت الهدوء عاصفة الرّوح وعاصفة القلب.
في "صدى المنى" يواصل فايز محمود بحثه الدّائم عن الحقيقة وعن الجمال، فيخوض في مفاهيم إنسانيّة ويمازجها بهمس الرّوح عن المدينة الّتي ارتبط اسمه بها وشهدت نشأته. فيكون للمكان كما الإنسان وجود كبير في روح فايز، فهو يبحث في العديد من المشاعر الإنسانيّة كالصّداقة وارتباطها بالصّدق، فيخلص إلى خلاصة تقول: "سيبدأ تحوّل الإنسانيّة الجديدة، وبوعي غير زائف، لتحديد مصيرها المستقبليّ، حين يتنامى الصّدق وتزدهر الصداقة في عالمنا البشري الواسع أفرادًا وأممًا". ونجد فايز محمود ومن خلال بحثه في مفهوم الصّداقة ومنحها البعد الإنسانيّ الواسع، يدعنا نضع أسس عالم أجمل، عالم أشبه ما يكون بالمدينة الفاضلة، وقد يعتبر الكثيرون هذه الأفكار محض تحليق في الخيال، ولكن من يغوص فيما أفرزت روح فايز محمود من إبداعات، يكتشف أنّه يعبّر عن أفكار وروح إنسانيّة، لا بدّ في يوم ما أن تتحقّق، تحويل الحلم إلى واقع، فليس من واقع يصبح واقعًا بدون أن يسبقه الحلم، فهو يؤمن إيمانًا مطلقًا "أنّ الحلم لا يتلاشى في ضوضاء الدّنيا"، وأنّ الطّريق للإنسان تكون "انفتاحًا دائماً لتقبّل الحقيقة، وروحًا متجدّدة للصّداقة"، ويبحث في المشاعر المختلفة والإنسان وما يحياه ويواجهه حتّى الموت، وهو في فلسفته لا يخشى الموت ويخاطبه بقوله: "أيّها الموت المستتر في قلب الوجود، أسمع نبضك في روحي". ولا يترك منحى دون مناقشته بروحه الفلسفيّة وأسلوبه الأدبيّ الشّاعريّ، فهو يبحث على سبيل المثال: شهوة الحياة، وجع الرّؤيا، العطاء، الضّوء عبر الإنسان، الطّفولة.. والكثير من مناحي المشاعر والحياة، فيخوض فيها ويكتشف أسرارها والجمال.
الثلاثاء، يناير 12، 2010
وهم ممسوس
أفين إبراهيم
تنظر لنفسها في مرآة الزمن العاجل
تخاطب ضفائرها المنقوعةِ بأحلامٍ عاقر
مضى زمنٌ بعيد...
لم تعد تتنفس أنوثتها المسجونة
أي وهمٍ هذا الذي يشدها إليك...
أي فراغ يملؤها بك
تطلق جذور الذاكرة ...
لتمتص ملامحك من جديد
خمسة عشر عاماً...
تعايش الهذيان بحثاً ...
عن رحابة الجدران
الأمل كذبة ممسوسة ...
تلعق صلصال السنين الغابرة
تمارس الحب فوق قمرٍ ...
يبكي فرحة اللقاء
رائحتك قيلولة تتجول ...
جثمانها المترهل
قطرات ندى تفترش جبينها...
المعصوب ب"هبريتها" الشقية
تئن ألمًا...
تنادي...
:دثرني ياليل ...
بوحشة شاحبة
انصب لي عتمة مُرّه...
تُدرعُ غُرف روحي ...
كي أدرك أني مازلت حية
كما في كل يوم...
تلتحف الانتظار الكافر...
يرجمها بكل الاحتمالات
تخفق الأحلام...
في تجاويف الأمل
تغادر النوم بلا هودج...
ترمي عينيها خلف ...
شمس الغد
تضم ولدها...
تغني "لاوكو.....!!"
سيعود والدك يوماً..
حين ينهي خدمة العلم .
الولايات المتحدة الأمريكية
Evinabbas@hotmail.com
الاثنين، يناير 11، 2010
باعتني ـ بنقودي ـ لصديقتها: حول نصّابة كذّابة تدّعي نصف الجنون
د. عدنان الظاهر
حوار مع سلام إبراهيم [[ لمناسبة صدور روايته الجديدة : الحياة ... لحظة ]] * . تصورته فصورته كأنه هو بطل الوقائع والأحداث وليس إبراهيم السلامي ، الرجل الحقيقي الآخر .
بدأ إبنُ إبراهيم بالسؤال :
كيف يبُاع الإنسانُ بنقوده الخاصة ومَنْ يُصدّقُ ذلك ؟ ذلك ما حصل وليصدّقه مَنْ يصدقه ولينفيه من يشاءُ . نحن في زمن العجائب والغرائب والعولمة وممارسة الإرهاب الدموي والقتل والإحتلال وقمع الشعوب والأديان بإسم محاربة الإرهاب . إذا ما حصل ذلك كله فما الذي يمنع بيع الإنسان بماله الخاص ؟ علّقَ سلام الذي لا يُطيقُ صبراً : نقول في العراق
[ بصوفهِ كتّفوهُ ] أي صنعوا حبلاً من صوف الخروف ليقيدوه به إعدادا له للذبح . بالضبط، أحسنتَ يا صديق الشدائد والملمات ، وأنا كذلك ، حدث لي شيءٌ من هذا القبيل . بمالي الغالي تم بيعي رخيصاً فتداولتني أيدٍ مشبوهة تآمرت ضدي بنذالة وخسّة ووضاعة لا يمكنُ تصور فضاعتها . تصوّر يا سلام ، وجدتُ فجأةً نفسي كبضاعةً سقطت من حافلةٍ مارّة في طريق عام دون أنْ يشعرَ بما سقطَ قائدُ الحافلة . كيف تمت حياكة وتنفيذ مخطط المؤامرة الدنيئة هذه في ظرف أسبوع لا أكثر بحيث إنقلبت الأمور والمشاريع كافة ودارت في الظلام بحيث وجدتُ نفسي في اللحظة الأكثر حراجةً مخدوعاً مغلوباً على أمري في بلد غريب أراه ـ وليتني ما رأيته ـ لأول مرة . كيف إنقلبت حمائم الود والصفاء ومعسول الكلام إلى ضدها تماماً لتغدو مجرّدَ غربانَ شؤم وخبيرات عاليات التدريب والتأهيل في حياكة المؤامرات ولي أعناق الحقائق ؟ كيف تكذبُ وتشعوّذُ وتنصبُ وتسرقُ إمرأةٌ كنتُ حتى قبلَ وقتٍ قصيرٍ أحسبها نظيفةً شريفةً عفيفة اليد واللسان على درجة ما من التهذيب والتربية الشخصية والبيتية ؟ ماذا جرى للبشر في هذه الأيام ؟ هل أنشر المراسلات والتصاوير ووصولات الحوالات المصرفية أم أكتم غيضي وأصون عهودي وألتزم بما الزمتُ به
نفسي من أخلاق وحفظ أسرار الناس والسِتر حتى على من لا تستحق الستر بل ولا تقدّرُ أبعاده ومغازيه ؟ كالعادة ، سينتصرُ الإنسانُ المثاليُّ فيَّ ولأتحمل النتائج وعواقب براءة الأطفال والتمسّك بالمثاليات والثوابت الأخلاقية والثقة المطلقة بسوايَ من البشر . أكثر سلام بلهجة عميقة مَهيبة : أتقِ شرَّ مَنْ أحسنتَ إليهِ إتقِ شرَّ مَنْ أحسنتَ إليه ... كُنْ يا رجلُ حذراً مع الناس سيّما أؤلئك الذين لم تَرَهم في حياتك ولم تقابلهمْ في أيّما مناسبةٍ . كيف تثقُ بمن لا تراه وكيف تطمئنُ لما يقول والغائبُ ليس كالحاضر ؟ هززتُ رأسي موافقاً لما كان يقولُ سلامُ لكني في عين الوقت كنت غارقاً في شعور غريبٍ بالهوان بل وبالضِعة أمام نفسي وبشيء من الخجل أمام هذا الصديق المُجرِّب أكثرَ مني والأصغر سناً . وهكذا نرى أنفسنا أحياناً بجلاء أكبر ومصداقية حقيقية في حضور الأصدقاء كأنهم مرايانا ، مرايا نفوسنا تعكس وتفضح ما في دواخلنا من أمور نخشى في العادة من وضعها أمام عيوننا ونتحاشى مسّها قدر المستطاع عجزاً وتقاعساً عن ضرورات كشف النفس كما هي وممارسة نقد ذواتنا لأننا ، على ما يبدو ، نميلُ بقوة إلى رؤية أنفسنا مثاليين أتقياء أنقياء لا شائبة فينا أو علينا ... ملائكة أو كالملائكة تمشي على قدمين على سطح نسميه الأرض ... نتمنى ... نحلمُ ... نحاول ... نُريدُ ما لا نستطيع وهذه مأساة الإنسان العصري الذي يسعى لكمالٍ لا وجودَ له إلاّ في مُخيّلاتنا وإلا في التمنيات الصعبة . إنتبهتُ كأني في سياحاتي الطويلة هذه كنتُ نائماً أحلمُ وأفسّرُ وأبررُ مفتوحَ المآقي لكنني ما كنتُ أرى شيئاً . إنتبهتُ لأرى جليسي طوال الوقت مُنصتاً جامداً أمامي مُطرِقَ الرأسِ . سألته ما بك يا سلام ؟ قال جعلتني قصتك هذه أعود بذاكرتي القهقرى إلى أعوام النضال العلني والسرّي في مدينة الديوانية وإلى سنوات الحرب وما لاقيت في جبهات القتال من أهوال وإحتمالات الموت ثم حقبة إلتحاقي بحرب الأنصار الشيوعيين في جبال كردستان ... كنت معك في محنتك الصغيرة مع فتاة قد تكون فاقدة العقل فعلاً لكني وجدت هذه المحنة الشخصية الصغيرة أمراً لا أهمية له على وجه الإطلاق مقارنةً مع ما رأيتُ وما كابدتُ وما لاقيتُ من عَنَتٍ ومشقّاتٍ في المدن وفي الجبال ... ما قيمة خدعة تعرّضتَ لها في فسحة زمنية قصيرة لم تتعرض بسببها إلى أي خطر على حياتك أو سلامتك ؟ معك حقٌّ يا سلامُ . علمتك تجاربك المريرة مع الناس والزمان أشياء كثيرة لم أعرفها ولم أمرَّ بمثيلاتها . غدوتَ يا سلامُ حكيماً أكثر مني خبرة ودراية وحَنَكة . لم أقاتل فاشية البعث ونظام صدام حسين نصيراً في جبال كردستان ولم أتعرض مثلك للقصف بالأسلحة الكيميائية المحرّمة دولياً لذا تبدو مشاكل غيرك تافهة لا قيمةَ لها وإلا فضياع بعض المال ليس كضياع الحياة نفسها والمقامرة في الظلام ليست كمغامرة خوض حرب تجري نهاراً تحت الشمس وليلاً في عتمات الظلام . علّقَ سلام قائلاً : لو شاركتَ في حروب الأنصار في ذرى شواهق الجبال ومسالكها الشديدة الوعورة لهانت عليك قصتك مع فتاة كذبت عليك ونصبتك واحتالت وتواطأت مع صاحبةٍ لها واختلقت قصصاً لا صحة لها ولا مصداقية . إنسَ هذا الموضوع وانسَ صاحبته فإنها في نظري مجرد عاهرة تدّعي الشرف ومحتالة من العيار الثقيل تتوهمُ النزاهة في نفسها والعفة في جسدها (( بابة هاي وحدة شرموطة ما تسوة تفكّر بيها )) . أُصغي لمحاضرة سلام وحكمته فيها فأتذكر إدّعاءَها أنها تركت صديقاً لها لأنه راودها عن نفسها فاعتذرتْ واستعّصمتْ وتحصّنتْ وأصرّت أنْ تحتفظَ بكامل عذريتها . كان صاحبي يراقبني بعينين خبيثتي النظرات فترجم حواري الخفي ونجواي مع نفسي على الفور . تبسّم بخبثِ خبيرٍ في شؤون النساء وقال : إي نعم ، عذراء بتول ولكنَّ عذريتها في مؤخّرتها لا في مقدمتها . اللعنة عليك يا سلام ! ما تجوز من سوالفك ! شرف المرأة ليس في عذريتها فقط ، إنما في شرف اللسان وفي شرف السلوك وكيفية التعامل مع الناس . الشرف كل الشرف في أخلاق المرء ذكراً أو أنثى .
هل أسالُ صديقي عما حلَّ به في فترة إقامته شبه الجبرية في موسكو لأكثر من عام وهو يحاول الوصولَ إلى الدنمارك ؟ أم أسألهُ عن مجمل أوضاعه بعد ما حلَّ لاجئاً في هذا البلد الأسكندنافي ؟ عرضتُ عليه كلا السؤالين فقال تريّثْ ، إسألْ بعد أنْ تُنهي قراءةَ روايتي الجديدة التي أعطيتها عنوان [[ الحياة ... لحظة ]] *. إنه كتابٌ ضخم يا سلام بأكثر من 500 صفحة فمتى يتسنى لي إتمام قراءته وأوضاعي كما ترى لا أقرأ إلا القليل ولا أقرأ إلا في النهار ونهارُ الشتاءِ كما تعلمُ قصيرٌ . قالَ سأنتظرُ ، سأنتظرُ حتى حلول زمان نهارات الصيف الطويلة فصبري أطول منها . طيّب يا سلامُ ، ننتظرُ أشهرَ الصيفِ القادم ولسوف نرى ما سأكتبُ عن كتابك وما سأقولُ ولكنْ ، بيننا وبين أوائل فصل الصيف شهوراً وشهوراً وشتاءً ثم ربيعاً فماذا عسانا بها فاعلين ؟ قال فلنتحاور حول ما قرأتَ من قصص كتابي حتى يومنا هذا . فكرة جيدة يا سلام . قرأتُ القصصَ التالية : المتشردة الروسية / اليهودية الجميلة / مريم الأوكراينية / أخي الزنجي / شاعر الإيديولوجيا / الحالمون الثلاثة / جندي أمريكي وعدس عراقي . ضحك صاحبي مجلجلاً في الفضاء ضحكة هي خليط من البهجة والدهشة وبعض السخرية فسألته ما الذي أضحكه ؟ قال قد قرأتَ نصفَ قصص الكتاب وتدّعي أنك لا تقرأ إلا القليل ولا تقرأ إلا في النهارفقل لي بربك الأعلى ، كم كنتَ ستقرأ لو واظبتَ على القراءة ليلاً ونهاراً وبوتائر طبيعية ؟ أفحمني سلامُ بسؤاله لكني إستدركتُ فقلتُ يا سلامُ ، قصصك مغرية جداً وأسلوبك في السرد سلسٌ ممتع ومشوّقٌ ومادة ما تكتب مستلّة من صميم الواقع ومن تجاربك الشخصية في أعوام النشاط الشيوعي بنوعيه السري والعلني ثم ما تراكم لديك من خبرات مؤطّرة بالدم ورائحة البارود والحروب وجبهات القتال خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية حرب السنوات الثمان . السجون والمعتقلات والتعذيب والإغتصاب طفلاً ثم في دوائر الأمن والأمن العام في بغداد وغيرها ( الصفحات 99 و 405 ) . ثم هروبُك من جبهات القتال والتحاقك برفاقك الأنصار الشيوعيين في جبال كردستان وما لاقيتَ وما واجهت هناك حتى تعرّضك لضربة الأسلحة الكيميائية التي أخذتك قريباً من حالة العمى . كلها حقائق أبدعتَ في وصفها بدقّة مُقاتلٍ شريفٍ وأمانة كاتب عفيف وشجاعة رجل جريءٍ خارجيٍّ الطبع أدمن الخروج على المألوف وأدمن قولَ ما يراه حقاً وصحيحاً حتى لو خالف الكونَ بأسره . كيف لا تغريني مثل هذه الكتابات ، كيف ؟ تابعتُ كلامي فقلتُ : لكنَّ القراءة ـ مهما صعبت وتعذّرتْ ـ شيءٌ والكتابة شيءٌ آخرُ مختلفٌ . القراءةُ شيء خاص لكنَّ الكتابة أمرٌعام ، يكتبُ مّنْ يكتب إنما يكتب لسواه ، للناس جميعاً لا يكتب لنفسه . الكتابة مسؤولية كبيرة متعددة الوجوه والأهداف ، إنها مسؤولية الكاتب تجاه نفسه ومسؤوليته تجاه صاحب النص ثم مسؤوليته أمام القرّاء وأخيراً مسؤوليته العظمى أمام التأريخ . كان صاحبي يوالي هزَّ رأسه هزاتٍ خفيفة مؤيداً أقوالي وأنه يعرف حجم ومقدار مسؤوليته حين يجلس منصرفاً لكتابة قصة أو مجموعة قصصية أو رواية . إنه يُدرك حقيقة وعمق ما كنتُ أقولُ . لقد كتب سلام في مجموعته الكبيرة الأخيرة أموراً شخصية جداً تتعلق بنوع علاقته بزوجه أمِّ طفليه وكيف توتّرت هذه العلاقات وكيف وجد نفسه مشرّداً بلا مأوى هناك في الدنمارك ، بلد لجوئه وكيف غدا مدمناً على تناول الكحول ولا سيّما الفودكا ( قصة الحالمون الثلاثة ) . كان في كل ما قصَّ وما عرض من تفصيلات غاية في الخصوصية ... كان جريئاً وكان أميناً لكأنه تعلّم هذا النهجَ من جان جاك روسّو وما كشف في إعترافاته من خبايا وأسرار شخصية . كيف لا أتأثرُ ولا أتجاوبُ مع كاتب يكشف لي ما في صدره وسريرته من أسرار؟ كيف لا أجعلُ من نفسي صديقاً صدوقاً له رغمَ أني لم أرهُ ولم يَرَني ؟ وكيف لا أحرصُ على مداومة قراءة ما كتب وأنا واقعٌ تحت تأثير أصالة وصدق وجمال تعبيره عمّا فيه وعمّا عانى وما قد لاقى من عَنَت الدنيا والظروف ومن أقرب الناس إليه : قرينته وأم طفليه ؟ كيف يؤولُ إلى مثل هذا المصير مناضلٌ شيوعيٌّ كرّسَ عمرَهُ وحياته يسعى لإقامة العدل في الدنيا والمساواة بين البشر وضمان حريات التعبير والنشر والمعتقدات وتوفير السعادة لكل الناس ؟ كيف تكون نهاية هذا البطل المناضل نهاية مأساوية حزينة حيثُ يجدُ نفسَهُ عاطلاً مطروداً من جنة عدنِ بيته وعائلته لا يفارقُهُ السُكرُ حتى يخضع لجلسات علاج نفسانية بل وحتى المكوث في مشفىً خاص بمعالجة الإدمان والمدمنين على تناول الكحوليات ؟ ما كان سلامٌ الوحيد في هذا المصير ، فقد عرض علينا نموذجين لإثنين من رفاقه السابقين في تجربة الكفاح المسلّح في الجبال هما علي وأحمد ( قصة الحالمون الثلاثة ) . علي ، مُقيمٌ بالسويد ، بساق واحدة هو الآخر سكير لا يفارقه سكره . وأحمد ، مُقيمٌ في المانيا ، المهندس اللامع السابق مطرودٌ من وظيفته نصف مشلول لا يستطيعُ النطق إلا بصعوبة . ثم عرض في قصة ( الشاعر ) نموذجاً آخرَ لا يختلف كثيراً عنه هو شيركو ، الشاب الكردي من كركوك ثم عزيز في قصة ( مجد الغرفة ) . مَنْ الذي لا يتضامن مع سلام في تساؤلاته الوجودية العمق والدلالات من قبيل : " مَنْ غطّسني في يمِّ المنفى / ص 446 " و " من جعلني أعيشُ حياتي مثل وهم / نفس الصفحة " ثم إنه هو نفسه يعود كأنه قد صحا لتوه من عتمات سكرته فيجيبُ قائلاً " كنتُ لم أزلْ أعتقدُ بالإنسان في معادلة غير قابلةٍ للنقض ، هي التي أفضت بي إلى هذا المآل ، حيثُ صرتُ مُتشرِّداً في بلدٍ لا مكانَ فيه لأحلام الثورة ، فكل مشكلةٍ لها حلٌّ في نظامٍ متماسكٍ قليل الثغرات / ص 447 " . حين يكون سلام غارقاً في حوارات عميقة مع نفسه يسألُ ويُجيب يفرزُ دماغُه أو قلبُه أو عقلُهُ الباطن أفكاراً لا تختلفُ عن أفكار كبار الفلاسفة وأعجبُ كيف يصوغها ويعبّرُ عنها بدقة متناهية تثيرُ الدهشة فيا له من أديبٍ مفكّرٍعرك الدنيا وعاشها لحظةً فلحظةً وقطعها شبراً شبراً بين السهل والجبل والبر والبحر . أحد الأمثله على طفحات سلام البالغة العمق والجرأة ما قال في الصفحة 456 في معرض تفسيره لأسباب كرهه لأمريكا [ ... يُضافُ إليها شدّة إلتصاقي بالإنسان كقيمة مطلقة تهملها الإيديولوجيات رغم أنَّ أُسَّ قيامها وتكوينها عليه ... وبتعبير أدق أنها تجعلُ منه معبراً لسيادة أفكارها وما يقفُ خلفَ تلك الأفكار من مقاصد ومصالح ومنافع ] . مثل هذه القفزات الطافحة أو الطفحات القافزة ليس بالقليل في هذه الرواية الزاخرة بالأحداث والوقائع التي يقربُ بعضها من حدود الخيال العليا حتى ليصعب تصديقها . نعود لمناقشة ما وجدتُ فيما قرأتُ حتى اليوم من قصص سلام في سِفْرهِ الأخير . طلب مني أنْ أكاشفه فيما وجدتُ في قصصه من مؤاخذات ونقاط ضعف وما شابهَ ذلك . أعرفه شجاعاً ورجلاً لا يخشى النقد النزيه أو المُنزّه من الأغراض اللئيمة والأهداف المشبوهة وقد شجّعني على مكاشفته الصريحة كونه لم يكن مخموراً حدَّ السكر فمضيتُ غير هيّابٍ لما سأقول . يا سلامُ ، إنصرفَ لي بكليّته فاتحاً حدقتي عينيه جامدتين من غير رمشٍ وحركة . يا سلامُ ، كررتُ ، رأيتُ أنَّ الفصلَ الأخير في مجموعتك القصصية بعنوان ( بُمْ ) فصلٌ مُفتعلٌ غريبٌ عن جسد وموضوعات باقي القصص التي سردتها وكانت في أغلبها قد وقعت في موسكو ومدينة كييف عاصمة جمهوية أوكرايينا. بل ووقعت أحداث بعضها المتطرفة في رومانسيتها في كابينة قطار صغيرة متَّجهِ من موسكو إلى المدينة الثانية . فما الذي دعاك إلى هذا الإفتعال وإختلاق قصة إختطافك وصديقك أحمد من قبل بعض المجاهدين وأنتما في الطريق البرّي إلى بغداد ؟ بل وكانت خاتمة هذه القصة شديدة البرودة ناقصة خالية من أية قيمة أو مغزى . لم تحسن ختامها يا سلام لذا ، أرى أو أتمنى لو أنك أهملتها ولم تجعلها جزءاً ختامياً في كتابك . كان صاحبي مُصغياً بهدوءٍ وأدبٍ جمِ لما كنتُ أقولُ . قال هل أوضّح ؟ تفضّل يا سلام . بُمْ تعني صوت إنفجار ، الحياة فقاعة ، صوّرها قبل أنْ تنفجر ... كما درَجَ المصور الزنجي شاكر ميم على القول . لكنَّ هذا القول ليس لصاحبك شاكر ميم إنما هو قول معروف باللغة الإنكليزية خطّه أحدُ مصوري بغداد أواسطَ خمسينيات القرن الماضي على واجهة محله وكما يلي :
Life is a bubble, snap it before it burns
(( همس مع نفسه بصوتٍ خفيض : كيف أعرف ذلك وما وُلِدتُ إلاّ عامَ 1954 ؟ )) .
بعد فترة صمت قصيرة قال وهل عندك مؤآخذات أخرى ؟ أجلْ يا سلامُ ، لديَّ الكثير . مثلاً؟ قال سلام . لم يعجبني إسرافك في سرد تفاصيل علاقاتك ببعض الفتيات وتصوير نفسك للقارئ كأنك كازانوفا ساحر خبير في فنون الإيقاع ببنات حواء وبسرعات تفوق سرعة الصوت . ثم سرعة تجاوب الفتيات معك حتى أنك نجحتَ في مضاجعة الفتاة اليهودية وأنتما في كابينة قطار متجه نحو مدينة كييف في ظرف ليلة واحدة لا أكثر ( قصة اليهودية الجميلة ) . ثم قصة أخرى مشابهة جرت أحداثها في غرفة من حجرات أحد بيوت الطلبة في كييف إذْ تورطتَ في إغراء حبيبة طالب لبناني أعدَّ لك في حجرته مائدة طعام وشرابٍ تكريماً لك دعا لها نخبة من الطلبة العرب الدارسين في جامعة كييف ومعاهدها. سحرتها بلحاظ عينيك فتجاوبت معك ثم مارست بعد ذلك الجنس معها في تلكم الليلة عينها
( قصة مريم الأوكراينية ) . لقد خنتَ الأمانات يا سلام وجميلٌ منك أنك إعترفتَ أنك بصنيعك ذاك كنتَ نذلاً ( ... تذكّرَ كيف همس لمريم بعنوان مسكنه ، تعجّبَ لا من جرأته فحسب ، بل من نذالته وهو يحاول الإيقاع بعشيقة صاحب الدعوة / الصفحة 394 ) . ماذا تسمّي هذه الخيانة يا سلام ؟ أليست هي أسوأ وأكبر وأقبح من خيانة تلك الفتاة النصّابة الكذّابة التي باعتني ببعض نقودي لصديقتها ثم وبعد أنْ أنجزتْ صفقة بيعي شرعت بترتيب وتأليف شتى قصص الشعوذة والدجل وقلب الحقائق . كان وجهها وجه دب شديد السمرة خالٍ من أية إنفعالات تماماً كأنه قطعة خشب جففتها حرارة شموس صيف تلك البلاد الحارة . حين أضع أمامها كذبها وتورطها بالصفقة المخجلة وأكشف لها حقائق الأمور ... ما كانت تنفعلُ وما كان يبدو على ملامح وجهها أي أثرٍ لشيء إسمه الحَرَج أو الإحساس بالخجل أو الندم أو الإستعداد للإعتراف بالذنب ثم الإعتذار عمّا فعلت . بالعكس ، ظلت تكذب وتكذب وتفتعل أعذاراً مهلهلةً لا تصمد أمام أصغر حجة أو بيّنة . بإختصار شديد : أساءت هذه الخنفسانة القميئة لا لنفسها الأمّارة أصلاً بالسوء والسرقة والإحتيال حسبُ ، إنما أساءت لمجموع نساء بلدها وقدّمت لي النموذج الأكثر سوءاً والأقذر فعالاً والأحط قيمةً . عدّل سلامٌ ظهره ثم نهض مادّاً يده لمصافحتي قائلاً ببرود شديد : لا تشغلْ نفسك بها . إنها مجرد صرصور مراحيض ومجاري تصريف مياه المدن القذرة . أدار نحوي رأسه نصف إستدارة وقال : بابة هاي وحدة شرموطة ... شوف وحدة غيرها ... لا تورطْ نفسك ولا تشغلها بالصراصير . إغتنمْ أجمل الفُرص وعش للحظتك مع الجمال والجميلات فإنَّ
[[ الحياةَ... لحظة ]] .... / هذا هو عنوان رواية سلام القصصية الأخيرة الذي يذكّرني بعنوان رواية الطبيبة المغربية الرائعة " لحظات ... لا غير " .
خُلاصات
كيف يمكن تقويم سلام إبراهيم ومجمل كتاباته وخاصة مجموعته القصصية الأخيرة ؟
للمثقف والأديب وباقي الناس بعدان أساسيان هما البعد الإنساني ـ الأخلاقي ثم البعد الفكري ـ الثقافي . البعدان بالطبع متداخلان لكني أحاول أنْ أجدَ بعض الفوارق بينهما لكيما يكون القارئ الكريم على بيّتة من حقيقة وطبيعة الكاتب الأديب والقاص السيد سلام إبراهيم مناضلاً شيوعيا أوقات السلم يتعرض للإعتقال والسجن والتعذيب والإغتصاب الجنسي ثم جندياً مقاتلاَ في جبهات القتال ضد عدو خارجي حسب مفهوم ونظريات حكام العراق وعلى رأسهم صدام حسين ... وأخيراً نصيراً يحملُ السلاح في وعر الجبال وزوجه معه في وجه نظام دموي فاشي ديكتاتوري أهانه وأهان أغلب شعب العراق وأذلّهم وقتلهم بالسموم أو التعذيب وغيبهم في سجونه وأقبية مخابراته وإستخباراته السرية وفي المقابر السرية الجماعية واستباح الأعراض والحريات والممتلكات .
مَنْ هو سلام إبراهيم ؟
سأحاولُ ـ قدْرَ ما أستطيعُ ـ سبرَ أغوار سلام إبراهيم وتسليط الضوء المُنصِف عليه في شتى تجلياته وأبعاده الإنسانية والمرحلية وأطوار حياته المتنوعة الشديدة التلّون والإختلاف. أرى أنَّ البعدَ الإنساني فينا بعدٌ جوهريٌّ أصيلٌ يولدُ معنا والناس متفاوتون في عمق هذا البعد . معه أو نتيجة له ينمو ويتطور في هذا الإنسان الجانب المتمم الآخر ، الجانب أو الوجه الأخلاقي ، إذ لا من بُعدٍ أخلاقي بدون أُساسهِ وجذره وقاعدته : الكينونة والطبيعة الإنسانية في الإنسان. طبيعة سلام إبراهيم والظروف العائلية والمدرسية والإجتماعية التي أحاطت به بعد مولده ... هذه العوامل مجتمعة ساعدت على ظهور ونمو وصقل وتطور الوجهين معاً الإنساني ثم الأخلاقي . لهذه الأسباب مجتمعة مال سلام أو أماله طبعه السليقي للتنظيمات السرية الثورية للحزب الشيوعي العراقي حيث وجد فيه وفي عقيدته السياسية ـ الإقتصادية ـ الإجتماعية الأنموذج والمثال اللذين يتطابقان مع تصورات الفتى الناشئ في العدالة والحرية والإكتفاء ورَغَد العيش ويحققان طموحاته في حياة مثالية نظيفة خالية من الظلم والفقر والإستبداد . أطلق سلامُ لاحقاً على موسكو المدينة الفاضلة ، مدينة ماركس الفاضلة ، مثالاً للمدينة والنظام الذي كان يحلم بهما حتى عاصرَ وعايشَ ورأى رأيَ العين ما حلَّ بموسكو وما صار إليه مواطنو الإتحاد السوفياتي السابق زمن كورباتشوف ويلتسن . رأى نفسه في العاصمة موسكو الرأسمالية الجديدة منتكساً على رأسه معلقاً من قدمية تدور به مروحة سقفية كتلك التي كانت عناصرُ أمنِ ومخابراتِ حزبِ البعث في العراق تشدّه بإحكام فيها شكلاً واحداً من أساليب التعذيب التي كانت تمارسها تلك السلطات المغرقة في السادية والوحشية مع السجناء السياسيين المخالفين في الرأي والعقيدة لمنهج وعقيدة الحزب الحاكم .
هل إنحرف سلام عن جوهر طبيعته ، متى وكيف ولماذا ؟
إنتكس سلام في عاصمة الحلم والأمال والإشتراكية موسكو بعد إنهيار المنظومة الإشتراكية وتفكك الإتحاد السوفياتي حصن السلام والإشتراكية وأمل الفقراء والعمال والفلاحين ومحبي الحياة من بسطاء الناس وخيارهم . شاء حظ سلام العاثر أنْ يكون في موسكو عام 1990 وقد أتاها مع زوجه وطفليه تهريباً من شتى بقاع العالم [ كردستان العراق فتركيا وإيران ودمشق ] بجواز سفر سعودي مزوّر بعد أنْ خاضا تجربة أو تجارب الموت المتعددة الوجوه مقاتلين أنصاراً في جبال كردستان العراق . طارت الزوجة مع الطفلين ، في مغامرة غير معروفة النتائج ، إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاكن وبقي سلام وحيداً في موسكو ينتظر إحتمال قبوله لاجئاً ليلتحقَ هناك بعائلته الصغيرة . هنا في موسكو أمضى قرابة عامٍ ونصف منتظراً حلول المعجزة وضمان حق اللجوء للإلتحاق بعائلته . وهنا بالضبط جرت التحولات الغريبة والعجيبة في أفكار سلام وسلوكه ومجمل وجهات نظره لا سيّما تلك المتعلقة منها بالشيوعية والحزب الشيوعي وقياداته والرفاق المقاتلين الأنصار والنصيرات وتجربة الكفاح المسلّح نفسها ثم عموم مواقفه من النساء: قصة فليرمها بحجر وقصة لا تتركني وحدي ثم قصة مجد الغُرف ... على سبيل المثال . ركّزَ سلام فيها طولاً وعرضاً ، للأسف ، على الجوانب السلبية فقط في تجربته مع الحزب وفي إلتحاقه بالأنصار ولم يذكر أمراً واحداً نظيفاً إيجابياً بطولياً يرفع الهامات من تلك التي يذكرها ويؤكدها أنصارٌ مثله آخرون وهي لا شكَّ أكثر من كثيرة . ركّز سلام كثيراً وأعتمد على حكايات وروايات شاب كردي صغير من كركوك إسمه شيركو وعلى ما كانت تقصُّه عليه رفيقته جميلة إبنة قطّاع أربعين في مدينة الثورة من بغداد . ما كان سلام مشرّداً في شوارع موسكو بلا مأوى إذ وضعته لجان أو مفوضية اللاجئين في شقة مع مخصصات غير قليلة ، لكنه وجد فجأةً نفسه ضائعاً شبه يائس لا يعرف مصيره ومصير عائلته التي طارت وظلَّ بعدها وحيداً يواجه إحتمالات مجهولة ونتائج غير أكيدة . لعبت عوامل محددة بالتكافل والتضامن أخطر الأدوار في هذا الطور من حياة سلام غدا بها وجرّاءَها سكّيراً مُدمناً على تناول الفودكا الروسية والبيرة فضلاً عن أدمانِ آخرَ هو الجنس والنساء . على رأس قائمة هذه العوامل هو الشعور بالضياع ! وجد نفسه حرّاً وحيداً بعيداً عن زوجه وطفليه في مدينة كبيرة تمرُّ في أخطر أدوار تحولاتها من عهود الإشتراكية إلى عهد الرأسمالية الضاربة الأطناب والحافلة بالقفزات والمغامرات . كان ضائعاً مستعداً للتشرّد تأتيه مخصصات تكفي حتى للإسراف في تعاطي المشروبات الكحولية والإنفاق على أصدقائه العراقيين ، ولا سيما رفاق الكفاح المسلّح ، وعلى صديقاته الروسيات المتساهلات جداً في أمر الجنس . ثم كانت تحت تصرفه شقة صغيرة مجهزة بحمام ومطبخ وأثاث متواضع . هل كانت هذه هي بالضبط طبيعته الجوهرية التي وُلد بها ووُلِدتْ معه ؟ تأريخ حياته الذي عرضه بشتى الأساليب منذ طفولته وصباه وشبابه يجعلنا نميل للقول نعم . الأرضية موجودة والطبيعة فيه مستعدة . صبيٌّ وفتى متمرد مشاكس عنيد يعيش في بيت من حجرة واحدة وأكثر من عشرة أشخاص مارس التدخين والسكر والجنس ( قصة مجد الغرف ) منذ بدايات سنيِّ مراهقته الأولى ميالاً بقوة للجنس الآخر من بنات الجيران وباقي بيوت المحلة . زدْ على ذلك عاملاً آخرَ شديد الخطورة على واقع ومستقبل طفل بهذه الطبيعة ... أعني كان والده سكّيراً وعاطلاً عن العمل وكان قاسياً مع الطفل سلام. ساعدت هذه العوامل على تنشيط وبروز الكامن من طبعه الذي ظهر على السطح وساد ما أنْ تهيأت الفُرص والأجواء الملائمة فانكشفت طبيعة وسليقة سلام المتأصلة أساساً في جيناته الوراثية.
وماذا عن البعد الثاني ، الفكري ـ الثقافي لسلام ؟
قرأتُ وكتبتُ عن ثلاث روايات لسلام إبراهيم هي : رؤيا اليقين / سرير الرمل / الأرسي / وهذه الرواية الأخيرة موضوعة كتابتي اليوم . وجدت سلاماً فيها كاتباً متمكناً من صنعة القص الروائي سليم اللغة واسع الثقافة جسوراً جريئاً لا يُخفي خبراً يخصّه مهما كان كبير الحساسية . وفيما يتعلق بمجموعة اليوم الروائية ، وجدته أكثر جرأةً وأطولَ نَفَساً وباعاً وأكثر إقداماً على المزيد من كشف أمور لصيقة به وبتأريخه الشخصي البعيد منه والقريب ثم الأقرب . جرت أحداثُ أغلب قصصه هذه في موسكو لذا وجدها فُرصةً مناسبة لإستعراض ما يعرف وما قرأ من قصص وروايات وأشعار كبار الكتاب والشعراء الروس وخاصةً ديستيفسكي وتشيخوف وتولستوي وماياكوفسكي وكان جلياً تأثره الكبير بروايات الأول على مستوى الفكر ثم التصرفات والمسلك هناك في موسكو مدينة هؤلاء الكتّاب العظام . قرأ وفهم عميقاً ما كتب ديستيفسكي عن المشردين ومدمني الخمور والضائعين في خضمّ الحياة الروسية الدنيا في العهد القيصري ، بشر القيعان والعالم تحت السفلي . قرأ ذلك في السابق لكنه وجد نفسه في موسكو عام 1990 واحداً منهم لا يختلف عنهم إلا ببعض التفصيلات . أحب هؤلاء البائسين والأرواح الهائمة وأحبَّ الروائيَّ الروسي ديستيفسكي أكثر . وجد نفسه واحداً من أبطال رواياته . عاشر لفترة قصيرة إمراةً بائسة مشرّدة لا بيتَ لها ولا عائلة ، ثم عانى من أربعة من هؤلاء المشردين فاجأوه بغتةً في إحدى الليالي جاؤوه بصحبة المشرّدة تلك التي آواها واغتصبها في ذات الليلة . فكرُهُ وثقافتُهُ هنا إندمجتا مع حسّه الإنساني الأصيل فيه والعميق فكان تضامنه مع هذه الشرائح من الروس البائسين المدمنين على تناول الخمور تضامناً أخلاقياً مزدوجاً : يعطف عليهم من جهة ويرى نفسه وحاله فيهم من الجهة الثانية . وجد فيهم السلوى والعزاء والمثال . توحّدَ فكرُهُ مع طبيعته السوية الأصلية التي وُلِد فيها قبل أنْ ينحرفَ وتنحرفَ الحياةُ فيه .
ماذا بعدُ ؟ نقطة ليست في صالح سلام إبراهيم أسجّلها عليه بعد أنْ إقتنعتُ أنه يقع أحياناً ضحيةَ سطحيةِ ما يرى من ظواهر . فقد خدعه سلوك الفلسطيني القادم من إسرائيل المدعو صالح ولم يستطعْ فرز الأمور وإستخلاص النتائج . فات سلام أنَّ هذا الشخص الذي يصرف بسخاء على لياليه في البارات والمطاعم الراقية يقدّم دعاوة كبيرة لإسرائيل ، لا شكَّ مدفوعة الثمن ، بسخائه وبذخه ذاك وبما يقدّم من عروض مسلية أمام جمهور يتجاوب مع عروضه حدَّ التصفيق الحاد في كلِّ مرّةٍ يظهر مديرُ برامج العروض المسليّة والأغاني والموسيقى ويعلن أنَّ هذا { القرقوز } المُسلّي هو مواطن إسرائيلي فتضج ُّالقاعة بالتصفيق والإعجاب !! كان صالح هذا واضحاً في جفائه وسلبيته من باقي الطلبة الفلسطينيين القادمين من الضفة الغربية أو الجولان المحتل أو من بلدان الشتات [ القصة المسماة صالح
والأرملة ] .
إبتعدَ إبراهيم قليلاً عني بعد أنْ ودّعني فرفعتُ صوتي صارخاً : سلام ! أكملتُ قراءة كتابك جيّداً . سلام ! جدْ لي فتاة من صديقاتك الروسيات الكثيرات لكي أترك وأنسى تلك الكذّابة النصّابة التي أسميتها أنتَ بحق شرموطة ! لم يسمعني سلامُ فأضفتُ : بل شرموطة بنت شرموطة !
غاب عن ناظريَّ سلامُ فدخلتُ في دوّامة من التفكير العميق المشوّش متسائلاً : ماذا سيقول رفاق سلام السابقون ولا سيّما مقاتلو الجبل من الأنصار الشيوعيين لو قرأوا كتابه هذا وما فيه من نقد صريح جارح لبعضهم وتعريض ببعض القيادات ( قصة مجد الغرف الصفحة 205 ) ؟ قد يقول بعضهم عن هذا الكتاب : هّذَرٌ في هذر ! ليس فيه إلا أحاديث مخمور شاذٍ ضائع مصدوم عن الجنس والإفراط في تعاطي الفودكا !
* الحياة ... لحظة / رواية لسلام إبراهيم . الناشر : الدار المصرية اللبنانية ، القاهرة، الطبعة الأولى يناير ، كانون ثان 2010.