الاثنين، ديسمبر 28، 2009

الشرابُ

د. نوري الوائلي


أفنيتُ عمري في رباكِ رحالا = وطرحتُ فكري في علاكِ سؤالا
أبحرتُ في سرٍ بجوفكِ غامض = فوجدتهُ للضامئين زلالا
وجمعتُ من كلّ العلوم لأرتوي = ممّا ملكتِ نوادراً وخصالا
وطرقتُ أبواباً لكنْهكِ باحِثاً = فنزعتُ منها عنّوةً أقفالا
وعبرتُ وادي المهلكاتِ لأقتفي = درراً تصوغُ من الرحيقِ جمالا
فوجدتها حبُلى وبطناً مثقلاً = بعوالمٍ قد أوزعت أفضالا
ودخلت فجّ بطونها فرأيتهُ = بحراً يفيضُ زُمرداً وشمالا
الله قد أوحى لتصنعَ ما حوى = للعالمين طبابةً ونهالا
فإذا الشرابُ من البطون شفائه = قد فاقَ كلّ طبابةٍ أفعالا
بين الزهور تناغمت رقصاتُها = فكأنّها حورٌ تفيحُ دلالا
أوحى أليها ان تسيرِ وترتقي = ما يعرشون وتستقلُّ جبالا
ثم الكريمُ أثابها من جوده = ثمراً تعانقه الصباحَ سجالا
تحيا لأيّام كأنّ عطائها = كعطاء من عاش السنين نزالا
عمرٌ يغابطه الزمانُ لأنّه = يزدادُ فوق مثيله أنْزالا
فوق المناحل والزهور تلألأت = ككواكبٍ تفضي السماءَ جلالا
عجباً لأجنحة بديعٌ خلقها = والرأسُ يحملُ للعيان نجالا
صوت الرفيف كأنّه معزوفةٌ = وجميلةٌ قد أرقصت خلخالا
فبطونها تحوي لكلّ وجيعة = لوناً يزيحُ عن العليل ثقالا
عسلٌ بألوان يثيرُ ظلاله = غددَ اللعاب حلاوةً وخيالا
عسلٌ يغابطه الجمالُ كأنّه = يستلُ من عبق الجمال كمالا
عسلٌ تلملمه بكلّ طراوة = نحلٌ تغازلها الزهورُ وصالا
عسلٌ يشافي والشفاءُ بأذنه = يهبُ الشفاءَ لمن يشاء عجالا
يشفي السقام صغيرها وكبيرها = يشفي الخبيثَ بأذنه وسعالا
لسعاتها تشفي بوغز وابل= قد فككت لمفاصلٍ اغلالا
الشمع يشفي للمريض مواجعا= والصمغ يجلي علة وهزالا
وقوائم حملت حبوبَ لقائح = فتضيفها للشافيات فعالا
وتجودُ للملكات خيرَ غذائها = فيزيح من جوف العليل عضالا
مرحى لمالكة تفوق بزهوها = بلقيسَ مُلكا والرشيدَ رجالا
يا نحلة الخيرات يا لونا به = تزدان كل حديقة اطلالا
يا نحلة الخيرات يا طبّاً له = أهل المواجع أرتموا اقبالا
يا نحلة البركات يا أمّ الشفى = منك الشرابُ يرمّمُ الأوصالا
تجرين في سبل كأنّك آية = بين الزهور وتزهرين تلالا
تجرين في ذلل كأنك للضحى = شمسٌ تزيحُ عن الضياء سدالا
ياليتني أدنو لنحل ضامئاً = وأذوقُ منه بالرضى مِثقالا
فيه الشفاءُ كأنّ جسمي بعده = للصاعدات , ولن يهاب مُحالا
هل تسعف الأبياتُ وصفَ مشاعر = من مغرم يدنو لها اجلالا
وسجدتُ مذهولاً لخالق نحلة = قد أوجدَ الأفعالَ والأشكالا
عجبي لمن قراء القصيدة واغتنى = عن سجدةٍ متوارياً مختالا
أهلُ العقول لنحلة إن قاربوا = لله خرّوا سُجداً أوجالا
يا خير معجزة وآية خالق = ملئ الوجودَ معاجزاً وتعالى


ليست هناك تعليقات: