الثلاثاء، ديسمبر 22، 2009

أذواق سيئة وأذواق جيدة

نبيل عودة


كان ممدوح صديقاً وفياً لفارس، ولولا لسانه الذي لا يستريح، لكان من أفضل خلق الله، وأطيبهم سيرة واستقامة، على الأقل حسب تقييم زوجة صديقه فارس.

حقاً، لا يوجد في تصرفاته وسيرة حياته، ما يدل على ضلال أو غدر او جحد او بخل، بل صديق صدوق، ومعدنه الأصيل يبرز دائماً وقت الضيق، حيث تجده جاهزاً لتقديم كل مساعدة ممكنة، خاصة لصديق العمر فارس...

بين ممدوح وفارس علاقات صداقة لا يشوبها شائب منذ أيام الدراسة الابتدائية، تواصلت في الثانوية، ولكن تقاطعت طرقهما بعد الثانوية، ولم تنقطع صلاتهما... وتطورت مع الأيام الى علاقات عائلية أشبه بالعلاقات بين الأخوة. والحق يقال ان ممدوح لا يتردد في دعم صديقه فارس، تماماً كما ان فارس لا يتردد في مد يد العون... بل وفرض المساعدة أحياناً.

ولكن زوجة فارس تشعر أحياناً بالضيق من لسان ممدوح الطويل.. اذ لا يتردد في نقد "ذوقها السيِّء" حسب قوله.. ويمدح زوجها فارس بأنه صاحب "ذوق رفيع وراق".. اما ما يقصده تحديداً بهذا الكلام، فبقي دفيناً في صدره يرفض الإفصاح عنه. وعبثاً رجته زوجة فارس ان يشرح أين بالضبط قلة ذوقها، وما الخطأ الذي ارتكبته لتصحح نفسها؟ وهل قصرت مع أعز الأصحاب وأقربهم لها ولزوجها؟!

حتى زوجة ممدوح، التي تنبهت لطول لسان زوجها، كانت تحثه دائماً ان يكف عن مزاحه الثقيل.. وتقول له: "ان زوجة صديقك فارس أكثر النساء ذوقاً، وانت أبشع الرجال ذوقاً. زوجي وأعرفك.. قليل الذوق". فيضحك وكأن أحدا ما يدغدغه، ويقول: "أعترف ان ذوقي فظيع في سوئه". ولكنك يا زوجة صديقي فارس، انظري لزوجك ما أرقى ذوقه؟.

لا احد يعرف ما هو الشيء الذي يجعله يكرر ثرثرته عن الأذواق.. مثيراً الحنق، وبعض المرارة، خاصة لدى زوجة فارس، ولكنها تعرف انه مجرد ثرثار لا يعني ما يقول، ولا يعرف أحد سبباً لاستمراره بهذا اللغو... ودائماً يتبع فذلكاته بمديح زوجة صاحبه، التي يرى ان صاحبه أبدع في خيارها.. جمالاً وأخلاقاً وكرماً وتحملاً حتى لصديقة فارس المضروب في مخه!!

- يا صديق زوجي، لا تفتأ كلما التقينا تنتقد ذوقي..

أجابها:

- وأمدح ذوق زوجك.

- صحيح، كيف يكون ذوقي سيئاً وذوقه جيداً وانت تمدح أخلاقنا وكرمنا وتقول اننا نموذج للبيت الجيد، والعلاقات الزوجية الصحيحة؟ اين سقط ذوقي في هذه المعادلات التي أوجعت رأسي بها؟...

- خذيني على قد عقلي... أقسم بالله العظيم ان ما أقوله هو لصالحك وليس لصالح زوجك؟

- ما هذا لغز؟ الا تتهمني بقلة الذوق..؟

- لا تفسري كلامي بحرفيته.. قليل من التفكير ستكتشفين ما وراء كلامي؟ انظري للمعادلة الثانية، انا وزوجتي، انا قليل ذوق، وهي صاحبة ذوق ممتاز.

- ما زلت لا أفهمك..

- انا وانت نلتقي في قلة الذوق. وزوجك وزوجتي يلتقيان في الذوق الجيد.

- فهمك يستعصي على عقلي..

- وعلى عقل زوجتي أيضا.

هذا الثرثار صديق ممتاز.. وكما يقول المثل "حك المعدن تعرف أصالته" لا يمكن نسيان وقفته معها ومع زوجها في أيام الشدة والضيق، خاصة بعد شرائهما بيتهما الجيد، فانبرى ليدعمهما بالمال ويمنعهما من التورط بديون البنوك وفوائدها وإجبارهما على قبول قرضٍ منه بدون فوائد، بإصراره انه لا خطة لديه لاستعمال هذا المال في الوقت الحاضر، وسيشعر بالعار إن هو لم يقف بجانب صديق عمره في محنته ويمنعه من التورط بديون، وهو يملك "الأموال النائمة في البنك" على حد قوله.

في أمسية ربيعية اجتمع شمل العائلتين، على عشاء أعدته زوجة ممدوح.

- زوجتي ذوقها جيد في كل شيء حتى في الطبيخ.

- بدأنا مرة أخرى؟

- هل من الخطأ أن أعترف بذوق زوجتي؟.. وأيضا بذوق زوجك الممتاز؟

ضحكت زوجة فارس وهي تطبخ برأسها خطة لجعل ممدوح يفصح عن قصة الأذواق التي أوجع رأسها بها. قالت:

- لن يدخل طعامكم فمي هذه الليلة، قبل ان تفصح عن قصة الأذواق...

- أعتذر وأسحب كلامي

- غير مقبول.. سبق السيف العذل.

- اسمعي يا زوجة صديقي، ويا صاحبي فارس وانت الأخرى يا زوجتي صاحبة الذوق الجيد، هذه القصة.

كان أحد زعماء الخوارج شاعراً معروفاً، اسمه عمران بن قحطان. دخل على امرأته وقد تزينت، وكانت امرأة جميلة، وكان عمران هذا قصيراً قبيحاً، فقال لها: "الله ما أجملك، شكراً لك يا الله على هذا الجمال" ردت عليه: "أبشر فاني وإياك في الجنة". سألها: "وأين علمت هذا؟". قالت: "ربنا منحك زوجة مثلي رائعة الجمال فشكرت الله لما منحك، وأعطاني الله زوجا مثلك قبيح المنظر، فصبرت على ما أعطاني، ألا تعلم يا عمران ان الشاكر والصابر لهما الجنة؟".

ويبدو ان الصورة بدأت تتضح.. ولكن يجب ان تجبره على الإفصاح.

- وما علاقة ذلك بذوقي وذوق زوجي؟

- علاقة هامة جداً.. الحياة أذواق.. هناك أذواق جيدة وهناك أذواق سيئة..

- أفصح او لا يدخل طعامكم الى فمي.

وقال فارس ضاحكاً:

- زوجتي معها حق، أفصح عن قصدك.. وخلِّصنا!

- أمري لله يا زوجة صاحبي.. ذوق زوجتي جيد فاختارتني لاني جميل الرجولة ومتحدث لبق طويل اللسان.. وذوقي سيء فاخترتها رغم بشاعتها..

وقاطعه صوت زوجته:

- مهري يهريك.. ما أوقحك..

- وانت يا زوجة صديقي ذوقك سيء مثل ذوقي، فاخترت صاحبي رغم بشاعته، بربك ألا يشبه عمران؟ اما هو فذوقه رائع، اختارك أنت يا أجمل النساء شكلاً وعقلاً!!.

نبيل عودة – كاتب، ناقد واعلامي- الناصرة

Nabiloudeh@gmail.com

ليست هناك تعليقات: