الخميس، ديسمبر 10، 2009

الإنعزال وحمى الأسرلة: ردا على مقال نجوان درويش: سميح القاسم وحمى الأسرلة

سيمون عيلوطي

أثار مقال الكاتب والشاعر والمراسل الثقافي لصحيفة الأخبار اللبنانية، نجوان درويش، تحت عنوان " سميح القاسم وحمى الأسرلة"، الذي نُشر في "الأخبار اللبنانية"، وتلفَّقته العديد من المواقع الألكترونية، وكأنها عثرت على موضوع " حَكَّ لمحرِّريها على بيت جَّرَّب" ، كما يقول المثل الشعبي.

المقال لاقى الصدى والتجاوب من الكثير من الكتاب والأدباء لما طرحه من أفكار تتعلق بمشاركة الكتاب العرب الفلسطينيين في إسرائيل بمهرجانات وندوات شعرية وثقافية تنظِّّّمها مؤسسات إسرائيلية .

أرى أن هذا المقال يطرح مواقف قائمة على سوء فهم لحقيقة ما يجري على الساحة الثقافية والأدبية الإسرائيلية .

لا بدَّّّّّّّّّّّّّّّّّّ من التأكيد على أن هناك مؤسسات ثقافية يهودية إسرائيلية تمثل وتطرح مواقف ثقافية وسياسية متعاطفة ومتضامنة مع الحق الفلسطيني أكثر بكثير من بعض المؤسسات الثقافية العربية المتماثلة والمحتضنة ماليا من المؤسسة الحاكمة في إسرائيل ، إن لم تكن متصهينة وتعمل على تمييع الأدب الفلسطيني وتسطيحه، وسلخه عن جذوره وهويته وبصمته الثقافية.

لستُ هنا بصدد الدفاع عن الشاعرين سميح القاسم، وطه محمد علي الذين ذكرهما الكاتب نجوان درويش في مقاله ، كما أنني لا أقصد الدفاع عن كل أديب أو شاعر عربي يشارك في مثل هذه اللقاءات الأدبية ، خاصة وأن الردود "المدافعة" كانت تهجُّّّّّّّمية وتخوينية الأمر الذي لا يُمثل جوهر فكر كاتب المقال التَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّقدمي والطَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّلائعي ، والذي كثيرا ما رأيناه يعبِّّّّّر عنه من خلال قصائده وكتاباته المختلفة .

بعض المتهجِّمين نظروا إلى المقال على أنه مناسبة لتفريغ ما في نفوسهم "اليعقوبية" من اتهامات ومغالطات، ذهب بعضها إلى حد الإدِّعاء بأن هناك تآمرا على " رموز ثقافتنا " ممَّا أبعد الحوار عن مساره الصحيح الذي كان من المفروض " فيما أرى" أن يخدم الحوار الثقافي الذي باثرائه يمكن الوصول إلى معرفة حقيقة ما يدور على ساحة ثقافتنا المحلية .

المشاركة في مثل هذه الندوات والمهرجانات التي انتقدها الأستاذ الكاتب نجوان درويش، لا تعني بأي حال من الأحوال تأقلم الأديب المشارك فيها مع الجهة التي دعت أليها ، أو تبنِّّّّّّّّّّّيه لأفكارها ومواقفها، سواء كانت هذه الجهة الداعية متزمتة أو منفتحة، فالصهيونية في اسرائيل هي صيغة تشمل كل المجتمع الاسرائيلي من الليبراليين، والتقدميين واليساريين اليهود والقوى الداعمة للإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة، وكذلك القوى التي تنادي بالمساواة الكاملة غير المشروطة للعرب في اسرائيل .

إن إعطاء منصَّّة تتيح المجال لحرية التعبير عن الموقف الثقافي الفلسطيني أمام الآخر المختلف، وبحرية كاملة، يُفيد أكثر من المقاطعة التي تضاعف من عزلتنا، وتبقينا خارج الدائرة المؤثرة في الوسط الثقافي اليهودي ، وبهذا نكون من حيث ندري أو لا ندري قد عملنا على تهميش دورنا وطرح مواقفنا ، منفِّّّّذين بذلك ما تريده الموسسة الحاكمة .

إن إعطاء منصات هامة من هذا النوع الذي يحظى بتغطية إعلامية واسعة في الداخل والخارج ، يجعل من المشاركة أمرا إيجابيا لإيصال صوت ثقافتنا الفلسطينية الاحتجاجية على ممارسات التَّّّّّّّمييز، والاضهاد القومي، والاحتلال . وهل قراءة قصيدة لطه محمد علي، من على هذه المنابر، يتغنى فيها بالتراث الفلسطيني – كما يقول الكاتب نفسه - يُضر بالتراث الفلسطيني ، وبالثقافة الفلسطينية ، أم يفتح أبوابا لفهم شخصيتنا الثقافية ، وتمسُّّّّّّّّّكنا بأرضنا، وتراثنا، وهويتنا القومية .

أتبتت التجارب أن بعض القومجيين الذين عزلوا أنفسهم عن الآخر، وتقوقعوا داخل ذاتهم ، لم يقدِّّّّموا شيئا يخدم رؤيتهم الفكرية، والوطنية، والثقافية ، لا لمجتمعهم، ولا لايصال صوتهم للآخر، وأنا أرى بأنهم لو ساهموا باسماع أصواتهم لهذا الآخر المختلف، وأثاروا انتباهه لثقافتنا وواقعنا، لخدموا قضية شعبهم ومجتمعهم أكثر ألف مرة من الانعزال الانطوائي المميت.

لم يكن الانعزال في أي ثقافة إلا نفيا لتلك الثقافة .

إن المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة، كانت دائما تحاول أن تنفي ثقافتنا، وتعزلها وتقزِّّّّمها، وأن تأتي مؤسسات يهودية دمقراطية ، وتفتح منابرها التي نستطيع من خلالها أن نُسمع صوتنا إلى أوسع الأوساط الثقافية في العالم ، فإن هذا يُعتبر مكسبا لكل ثقافتنا ، وهزيمة لسياسة التمييز والتهميش والقهر القومي ، ومن الخطأ الجسيم اعتبار هذه المشاركات حمى الأسرلة .

سيمون عيلوطي: محرر موقع الموقد الثقافي
www.mauked.com
maukedwebmaster@netvision.net.il

ليست هناك تعليقات: