الاثنين، يونيو 30، 2008

شوقي مسلماني وثلاثية الغربة



جوزف أبي ضاهر


عن جماليا

فلش شوقي مسلماني «أوراق العزلة»*. عيون كثيرة حاصرته، مدّ يده الى المشهد وأخذه على مهل، في المشهد مفردات أحلام يتقن صياغتها، فوق جسد أبيض، حتى إذا أكمل ما يريد أخذ نفسًا عميقًا: صار للنص أجنحة تحمله الى حيث يليق به.

نصه نبض المشاعر والأحاسيس، وهوية، وملامح حضوره الشعري المعبّر عنه في إشارات هي لمع برق، من يلتقطها ينوعد بمطر لؤلؤي.

التكثيف في الصور سمة أساس في هذا الكتاب (الأول)، والعبور الى المتلقي، مع شيء من الأحلام والظلال المتناثرة، كما حبيبات الندى في حديقة الصباح:

«أكمل دورة عمري/ لأفتح نافذة على البحر/ وأسابق الريح».

***

... وأعبر الى الكتاب الثاني: «حيث الذئب» يؤسس لجرح مفتوح، حفر بالصراخ والرياح وحطام المرآة بحثًا «عنها».

إنها في المدينة، في ثقب القلب، ولم ينتبه. ربما لا يريد أن ينتبه. يقف في مدار الرماد منتظرًا أشياء كثيرة صعبة، وحميميّات لا يكشف سرّها. يريدها تبقى على جناحي رحلة، مع طير وفراشة، أو في عربات النمل المحمّلة «بالمسروقات».

ملزوز الى بعضه بعضًا لهاثه. يحار القلم كيف يغادر النص ـ الجسد. يحرّض أصابعه على التقاط النار واختزالها في جمرات يرميها فوق الورق ولا تحرقه.

ما أشهى رائحة النار، يقول الجائع في مواسم البرد، حين «الشتاء يدق النوافذ بحنان ووحشية».

يعيش شوقي مسلماني في نصه بين عالمين: الأول محسوس، ويعرفه غيبًا، والثاني يصنعه من رؤاه التي تؤكد له، ولنا، أن الصراع مع الحياة يلبس وجوهًا تتلوّن وتكثر، ولا نلمح بينها وجهًا فيه أي شبه لما نريد:

«برد قارس من الخارج/ عصافير ترم الكلام في الداخل/ وسموات أخرى/ فوقنا».

***

«... ولا يدري الراوي متى يكون هو الرواية، وكيف» ممهدًا لسؤال، لكتاب ثالث:

«من نزع وجه الوردة»؟

الجواب بدّل لون الحبر: قاتمًا أكثر، وحادًا أكثر، ومختصرًا الى حد الهرب من الوقوف مكشوف الرأس.

نصه يُلمح، الى أن الانسان هو القضية، الانسان في تناقضاته، في تداخله مع الطبيعة، بكل عناصرها، وفي تجرده منها بحثًا عن «الأنا» في حرية، قد تصل الى التمرد والرفض.

نصه يفتح النوافذ أمام النور والهواء، وأمام العابرين، ولا يقفلها في وجه العتمة والحزن. يعتقد انها وجدت لتظل مفتوحة، وكأنه في ذلك يغامر في الركض المعاكس، ليتسلق شجرة المعرفة، ويقطف ما استطاع واستطاب:

«ابتعد لكي أراكِ/ اقترب لكي أفهمكِ».

***
نصوص شوقي مسلماني شدتني اليها. قرأت وقرأت، وما اكتفيت. بحثت عن نصوص غير موجودة خلف النصوص المحدّقة بي. كاد وجهي يلامس المدى.
ــــــــــــــ

* أوراق العزلة، حيث الذئب، من نزع وجه الوردة: ثلاثة كتب للشاعر اللبناني شوقي مسلماني، صدرت تباعًا في سيدني ـ استراليا حيث يعيش.


ليست هناك تعليقات: