محمد محمد على جنيدى
قَالُوا لِي سَتَحْمِلِينَها شُهُوراً مَعْدُودَةً، ولَكِنَّها مَكَثَتْ في بَطْنِي سَنواتِ عُمْرِي كُلِّه
حَاولوا طَمْأنَتِي، فَقالوا: لا تَخافِي فَإنَّ رحلةَ الحَمْلِ سَتَمُرُّ عليكِ مرورَ السَّحاب.
ولَكنَّ هَذا لم يَحْدُثْ فَكَم كانتْ الرحلةُ شاقةً وقاسِية.
أكَّدُوا لِي أنَّ ولادتَها ستكون ولادةً طبيعِيَّةً، فَتَمَزَّقَتْ فيها أحْشَائي!
ومِنْ عَجَبٍ أنَّنِى كُلَّما كُنْتُ أقرأُ لهَا طالعاً يُبهجنِي طالعُها أو أرَى لهَا حُلْماً، يُطَمْئِنُنِي عَلَيْها، ولَكنْ كَذِب المُنجمون، فَلَم تأْتِ الحياةَ مُبتَسِمَةً وسَعِيدةً كَمَا ظَنَنْتُ، وهَاهِي قَد تَبخَّرَتْ فِيها أحْلامي لأنَّها مَازالت تَفْتِكُ بَها صرخةُ الحياةِ!
تُرَى مَاذا أُسمِّيها وَهى تَرتعد؟!.
أأُسمِّيها الخَائفَةَ؟ أم الحَائرَةَ؟ أم الأفْضَل أنْ أُسمِّيها كَلِمَاتِي الحزينَة؟! أم يَكون الاسم علَى طالعِ المُسمى فأُسَمِّيها حَصَادَ الْحِرْمَان؟!،نعمْ هي (حصادُ الحرمان (
أتَساءلُ مع نَفْسِي في أمْرِها – وأُفَكِّرُ – أأفعلُ بِها كَمَا فَعَلَتْ أمُّ مُوسَى؟! ولَكِنَّنِي أتردَّدُ!! لأنَّنِي بِبساطةٍ لا أضْمَنُ أنْ يُلْقِيهَا الْيَمُّ بالشَّاطِئِ, وهُنَا تصرخُ نفسي في وجهِي قَائِلَةً: أيُّها الأحمقُ.. مَنْ هَذا الَّذِي سَوف يَسْمَحُ لَها بالإقامةِ إنْ هِيَ مَالتْ إلى الشَّاطِئِ وَهيَ لا تَملكُ جوازاً أو تأشيرةً بالمرورِ!!
فأبتلِعُ الفكرةَ تِلْوَ الفِكْرَةِ مَهموماً حَزِيناً، ولَكِنَّنِي في النهايَةِ أجِدُنِي لا أصْمُتُ ولا أقبلُ معها يأساً، ولأنَّها وحِيدَتِي وحُلْمُ عُمْرِي كُلِّه هَا أنا أفَكْرُ في أمْرِها مِنْ جَديد.
آهٍ مِنْ حَظِّكِ يا كَلِمَاتِي الحَزِينَة، كم جِئتِ إلى الدُّنيا بائِسَةً يا حَصادَ حِرْمانِي.
اللهمّ لا تُحَمِّلْنَا مَالا طاقَةَ لَنا بِه، واعْفُ عنَّا، ياربِّ أرشدني صوابي ، اللهمّ اجعلْ لِي في أمرِ وليدتي بَيِّنةً أسِيرُ عَلَيْها.
الآنَ.. الآنَ.. أخيراً وَجَدْتُها كما قَالها أرشميدس.
لا تفزعي ولا تخافي يا كلماتي الحزينَة، سَأُلْقِي بِكِ ولَكِنْ ليس في اليَمِّ - هَذِه المَرَّةُ - وإنَّمَا سَأُلْقِي بِكِ وأستودعُكِ اللهَ في الفضَاءِ في آفَاقِ السَّماءِ.
ورَبُّنا الَّذي سَوّاكِ وخَلَقَكِ أوْلَى أنْ يفعلَ بِكِ ما يشَاءُ.
أسْتَوْدِعُكِ اللهَ الِّذي لا تضيعُ ودائعُه .
كَلِماتِي الحزِينَة! عَسى ربُّنا أنْ يبعثَ لَكِ النُّورَ الحَالِمَ في أركانِ هذا الكَوْنِ المُعْتِم.
وأخِيراً وَداعاً! إلَى مُلْتَقَى مِنْ عِنْد اللهِ يا حَصَادَ حِرْمَانِي
الاثنين، يونيو 30، 2008
حَصَادُ الْحِرْمَان
شوقي مسلماني وثلاثية الغربة
جوزف أبي ضاهر
عن جماليا
فلش شوقي مسلماني «أوراق العزلة»*. عيون كثيرة حاصرته، مدّ يده الى المشهد وأخذه على مهل، في المشهد مفردات أحلام يتقن صياغتها، فوق جسد أبيض، حتى إذا أكمل ما يريد أخذ نفسًا عميقًا: صار للنص أجنحة تحمله الى حيث يليق به.
نصه نبض المشاعر والأحاسيس، وهوية، وملامح حضوره الشعري المعبّر عنه في إشارات هي لمع برق، من يلتقطها ينوعد بمطر لؤلؤي.
التكثيف في الصور سمة أساس في هذا الكتاب (الأول)، والعبور الى المتلقي، مع شيء من الأحلام والظلال المتناثرة، كما حبيبات الندى في حديقة الصباح:
«أكمل دورة عمري/ لأفتح نافذة على البحر/ وأسابق الريح».
***
... وأعبر الى الكتاب الثاني: «حيث الذئب» يؤسس لجرح مفتوح، حفر بالصراخ والرياح وحطام المرآة بحثًا «عنها».
إنها في المدينة، في ثقب القلب، ولم ينتبه. ربما لا يريد أن ينتبه. يقف في مدار الرماد منتظرًا أشياء كثيرة صعبة، وحميميّات لا يكشف سرّها. يريدها تبقى على جناحي رحلة، مع طير وفراشة، أو في عربات النمل المحمّلة «بالمسروقات».
ملزوز الى بعضه بعضًا لهاثه. يحار القلم كيف يغادر النص ـ الجسد. يحرّض أصابعه على التقاط النار واختزالها في جمرات يرميها فوق الورق ولا تحرقه.
ما أشهى رائحة النار، يقول الجائع في مواسم البرد، حين «الشتاء يدق النوافذ بحنان ووحشية».
يعيش شوقي مسلماني في نصه بين عالمين: الأول محسوس، ويعرفه غيبًا، والثاني يصنعه من رؤاه التي تؤكد له، ولنا، أن الصراع مع الحياة يلبس وجوهًا تتلوّن وتكثر، ولا نلمح بينها وجهًا فيه أي شبه لما نريد:
«برد قارس من الخارج/ عصافير ترم الكلام في الداخل/ وسموات أخرى/ فوقنا».
***
«... ولا يدري الراوي متى يكون هو الرواية، وكيف» ممهدًا لسؤال، لكتاب ثالث:
«من نزع وجه الوردة»؟
الجواب بدّل لون الحبر: قاتمًا أكثر، وحادًا أكثر، ومختصرًا الى حد الهرب من الوقوف مكشوف الرأس.
نصه يُلمح، الى أن الانسان هو القضية، الانسان في تناقضاته، في تداخله مع الطبيعة، بكل عناصرها، وفي تجرده منها بحثًا عن «الأنا» في حرية، قد تصل الى التمرد والرفض.
نصه يفتح النوافذ أمام النور والهواء، وأمام العابرين، ولا يقفلها في وجه العتمة والحزن. يعتقد انها وجدت لتظل مفتوحة، وكأنه في ذلك يغامر في الركض المعاكس، ليتسلق شجرة المعرفة، ويقطف ما استطاع واستطاب:
«ابتعد لكي أراكِ/ اقترب لكي أفهمكِ».
***
نصوص شوقي مسلماني شدتني اليها. قرأت وقرأت، وما اكتفيت. بحثت عن نصوص غير موجودة خلف النصوص المحدّقة بي. كاد وجهي يلامس المدى.
ــــــــــــــ
* أوراق العزلة، حيث الذئب، من نزع وجه الوردة: ثلاثة كتب للشاعر اللبناني شوقي مسلماني، صدرت تباعًا في سيدني ـ استراليا حيث يعيش.
الأحد، يونيو 29، 2008
الى العراق .. هذا الوطن الإسطورة
-1-
قيل ان الموت لايعشق صغار السن فلا يرافق سوى الكبيرا
وقيل احيانا يخطأ فيرمي بخطاه في قلب الصغيرا
ماباله اذا هذا الموت ونحن
اتراه فقد الذاكرة وماعاد يذكر سوى العراق رفيقا؟!
-2-
ويسألونك عن المقاومة
قل:
هي إنما من فعل عراقي..
-3-
انا لن اقف مع اولئك العابثين بالرؤوس الخاوية,والمتسلقين جثث الفقراء..
لن امسك بيدي كراسيهم المنزلقة للهاوية,ولن احمي كروشهم المتعفنة..
أنا سأقف مع هؤلاء الواقفين قرب شواهدهم,,بصمت وخوف..
سأبقى مع المغيبين اللذين يُنظر اليهم كأنهم حشرات,لامرئية حتى..
هؤلاء اللذين نمر من جانبهم كثيراً ومطولاً ولكننا حتى لانعيرهم اهتماماً إلا حين نحتاج أن يرضى الله عنا قليلاً فنتكرم عليهم بنظرة وببعض النقود,كي نأخذ عشرات الحسنات جراء فعلنا البطولي!!
أنا لن أقف الا مع المحاصرين بصمتنا,والمذبوحين بدمعنا من وراء المديات.
اولئك اللذين نشارك بقتلهم اليومي،بتبريراتنا اللامتناهية عن الغد الذي سيأتي مشرقاً لعيونهم..ولااادري كيف نخبرهم بأنهم منا ونحن منهم وانهم أشقاء الروح ونصبرهم بالغد وبأمنيات جمه,ونحن نخط على جباههم علامات الإنتظار والإحتضار,وبعد كل هذا نكتب عن صمودهم ونلق بهم في المحرقة,تاركين اياهم غرباء يعانون الوحدة والخوف،نضحك عليهم بأجمل العبارات:
"أنتم الدرع الواقي للأمة،أنتم نبراس الحرية،وانتم المرابطون"..
ونصمت!!!!
-4-
أقضم ضميري،كل يوم،كي لاأرى ولاأستمع لأي خبر..
فيزهر من جديد وتبتلع جذوره القلب،مناجياً الروح:
أن لامفر!!
-5-
أبصم على ذلك الجرح الغائر في صدر هذه الأمة،انه من صنع صمتنا..
أبصم بالعشرة،وأقسم بالغربة،بأننا شركاء في الجريمة الكبرى،
بأننا المتآمرون،وبأننا أبناء المؤتمرون في القمم البائسة الشقية!!
-6-
الى شهداء قادسية صدام
الى شهداء ام المعارك الخالدة
الى شهداء معركة الحواسم
الى كل طفل شاهد اباه يهان
الى كل ام شاهدت ابنها يحرق
الى كل عاشقة رأت حبيبها سجين
والى كل مهجر،يقتله الحنين
والى كل من يختنق بغصة البعد والفراق
لكم كلكم
شاهدة كتب عليها:
"ولاتحسبن اللذين قتلوا في سبيل العراق
العربي العظيم امواتاً، بل احياء بقلب وطنهم يرزقون"
-7-
فلتمطر..ولينطلق سرب الخيالات الى ما وراء مدن الموت والدم..
لتزهر العيون رؤىً،وانوار شتى ساعة غياب الشمس..
ليحترق القلب،بدمع الروح،وليعلو إسم الغد..
السبت، يونيو 28، 2008
ويأتي الليل
ويسألني حنين سيلْ..
أندخل مرتع الأحلام متكئين فوق الويلْ؟؟؟؟
تجوب الدمعة السكرى ..
ثنايانا..
وتغلق صوتها حيرى..
بقايانا..
على متن ارتجال الحرف نرحل في المسافاتِ..
وتمتدالأيادى البيض تبحث عن فضاءاتِ..
ومابين الخطى نمضي..
نفتش عن إجاباتِ..
صراع الصمت يحملنا..
على دوامة الواقعْ..
يخط السؤل رغم الموت صيحة عمره الجائعْ..
ومازلنا
يعض الوهم معصمنا..
يقيّده إلى الماضي..
وتذبحنا بنصل الغدر..محكمةٌ بلا قاضي..
فيصرخ جرحنا المجنون في الأعماق..(لا استسلامْ)..
وتنزف في الردى الآثامْ..
لكي نبقى..
نحاول نسج واقعنا..
من الأحلامْ..
حلم
مفيد نبزو
يا ليلةً عشتها بالحلمِ رائعةً
في جنَّة الله بين السحرِ والحورِ
نُسقى الكؤوسَ على رقصٍ على نغمٍ
من ربَّةِ الوحي، بلْ من خمرةِ النورِ
كتابُنا الوردُ آياتٌ منمَّقةٌٌ
ونفحةُ الرُّوحِ من عطرٍ ومنثورِ
والطيرُ فوقَ غصونِ النَّجمِ زقزقةٌٌ
والزهرُ فوق غصونِ السَّروِ والحورِ
يرتِّل الشعرَ عصفورٌ بأغنيةٍ
من عالمِ الروحِ لا من نسجِ عصفور
والفاتناتُ بأجسادٍ، وصفحتُها
كأنها صنعتْ من لوحِ بلُّورِ
عشيقتي ليسَ فوقَ الأرضِ يشبهها
بين الصبايا بمنظورٍ ومستورِ
عانقتها نكهةً ذابتْ بعاطفتي
ناراً، وفاحَ معَ النيران بخُّوري
تغربتْ عنْ عيوني قلتُ: والهفي
روحي رمالٌ، فيا أمطارها زوري
يا ليلةً عشتها ما كنتُ أحسبها
ضرباً من الزيفِ أو ضرباً من الزُّور
يا ليتها ليلةٌٌ أخرى تعودُ لمن
ذاقَ الحياةَ بكأسِ الظُّلمِ والجورِ.
مفيد نبزو
- المطبخ الثقافي-
*محردة*
الأيام الأخيرة في علاّج: رواية للكاتب الليبي محمد العريشية
د. عدنان الظاهر
(( الرواية مكتوبة وفق بعض الاساطير والخرافات المحلية ومن بينها الصل وهو من بين الاساطير التي تروى بأنه كبير الحجم ويلتهم الجمال والبشر وفي العادة هناك دائما من يتمكن من ترويض الصلال .
اشجار الرتم تنبت في ليبيا ولها ازهار فواحة تقتات عليها الاغنام في الربيع وله
احجام مختلفة اوراقها كأوراق اشجار الشعراية ان كنت
تعرفها
الفساد والصراع مع السلطة هو ثيمة هذا العمل وكذلك شحصية البطل القوي والشهم والمدنس ايضا كالبدري يجمع كل الصفات
دائما اقول اني ادفع شخصياتي لفعل ما لم افعله يوما واحبهم ان يقفوا قرب النافذة التي كان من الممكن ان اقف بقربها انا .
ما يهمني ان يستمتع كل من يقرا الأيام الأخيرة في علاج لانها جاءت بعد سنوات من
)). العمل في صمت والقراءة الماراثونية
هذا ما كتب الأستاذ الروائي محمد العريشية كتمهيد وتعريف بظروف روايته ودقائق عناصرها وكيف كتب ما كتب من وحي تأريخ وتقاليد وعادات أهل قرية علاّج فضلاً عن خبرته العميقة بعالم البحر وصيد الأسماك فيه بحكم قرب مكان إقامته عند سواحل البحر في شمال إفريقيا
( في ليبيا ) . تتحكم في تفاصيل هذه الرواية وتشعباتها عوالم ومؤثرات أساسية وزعها الكاتب على عدة محاور أكثرها أهمية ً :
أولاً / السحر والخرافة والأساطير والخوارق
ثانياً / صراع الناس البسطاء مع السلطة ممثلة ًً برجال الشرطة والأثرياء المستغلين الذين تخدمهم هذه الشرطة لكأنَّ ما بين الإثنين علاقة حياتية لا تنفصم ولا تتجزأ . الأثرياء المتمكنون يخلقون سلطة وشرطة ويشرعون القوانين لأجل إدامة تسلطهم وإستغلال الفقراء والضعفاء ، فالشرطة في كل زمان ومكان هي أداة تنفيذ إرادة وإدامة مصالح الأغنياء وهي وسيلة قمعهم وتكميم أفواههم وسجنهم أو قتلهم إنْ تمردوا وعصوا .
ثالثاً / البحر وصيادو الأسماك الفقراء وملاحقة الأثرياء لهم ومحاربتهم في رزقهم والشرطة هي أداتهم المنفذة الطائعة دوماً .
أولاً /
الرواية طافحة بالخوارق والأخيلة الخرافية التي برع محمد العريشية في توظيفها حتى دخلت في صميم نسيج أحداث الرواية حتى ليعجز القارئ عن معرفة كونها مجرد أساطير وخرافات بفضل قدرة الكاتب على الدمج الحيوي كأنه طبيب جراح يُدخل نسيجاً غريباً بدلاً من نسيج آخر في جسد إنسان حي بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر . عملية خياطة بلاستيكية بارعة ينفذها جراح إختصاصي خبير . غير أني وجدتُ بهذا الخصوص إستثناءً واحداً فقط وقفت عنده وسألت الكاتب عنه ... أعني ما قال عن خرافة ( صل ) يبتلع البشر رؤوساً وأجساداً ... وإعتراضي أنَّ المعروف عن الصل هو حية صغيرة ذكر شرس الطبيعة ، لذا فليس في مقدوره إزدراد البشر كما تفعل الأفاعي العملاقة المسماة لاكوندا المعروفة في أمريكا اللاتينية ( الصفحات 105 ـ 106 )
قلتُ إنَّ الرواية ملأى بقصص خرافية لم يختلقها الكاتب من عنده لكنه لا ريبَ سمعها من الناس الليبيين البسطاء من فقراء الأرياف والصيادين الزاهدين بالربح والكسب الحرام وبعض البدو . ذاكرة الكاتب قوية ونشطة وحرِكة ( ديناميّة ) مضافاً إليها قدرة خاصة به لتنشيط هذه الخرافات وبعث الروح القوية فيها أي تكبير ومضاعفة فعلها بالمبالغة المقصودة مستهدفاً خلق أقوى تأثير ممكن على حس وتصوّر وإستيعاب القارئ الذي لم يرَ ليبيا ولم يعايش سَكنة القرى والأرياف والبوادي الليبية. ثمة هدفٌ آخر لا يقل أهمية عن سابقه ألا وهو التهويل والإفراط في إخراج الأحداث بأعتى زخم فيزيائي ـ نفساني ليهز َ أعصاب القارئ ويريه ما لم يرَ في حياته . المبالغات هذه مطلوبة لتضخيم التأثير النفساني على القارئ بكافة اشكاله وطبائعه وتلوّناته . فلشدة كره الكاتب للسلطات جميعاً ونفوره من أدواتها القامعة ( الشرطة وضباط الشرطة ) جعل أحد شخصيات الرواية وإسمه البدري أن يقتل ثلة منهم وأنْ يقطع رؤوسهم ويعلقها على الأعواد ولم يتركهم هكذا ويمضي إنما يواصل عملية قتل إضافية تشفياً بمخالب السلطة وأدواتها الجرمية بحق الشعوب فيدعو أفعى صغيرة ( صل ) زيادة في تحقير الشرطة البوليس ويبالغ في تكبير حجمها وطولها 11 متراً ( الصفحات 105 ـ 106 ) ... يدعوها ويدعها تلتهم الأجساد والرؤوس أي إنها نفذت عملية قتل أخرى نفذها بدري في أحياء فجاءت الأفعى لتتم َّ العملية بإلتهام أجساد الموتى . خيال وخرافة لكنها تخدم هدفاً واضخاً في رأس الكاتب ورغبة دفينة تنطوي على الحقد المقدس على السلطات المستبدة الغاشمة التي تجثم على صدور المواطنين وتخنق أنفاسهم . محمد العريشية مناضل إجتماعي فذ كامل الإنسانية وثائر من الطبقة الأولى يحتل مكانا ً يليق به في صفوف من نعرف من ثوار عرب وعالميين .
كما بذل محمد جهداً خاصاً واضحاً ركزَّ فيه على فكرة وفلسفة إتصال الأجيال وأنْ ما نحن إلا تبَع ٌ وتتمة ٌ لآبائنا وأجدادنا ... نرثهم ، نرث أكواخهم ونرث بؤسهم ونرث شجاعتهم ونرث حتى عظامهم ونرث ما تركوا فينا من قيم وعادات وتقاليد وجيناتهم التي زرعوها فينا ونحن في أرحام الأمهات . علمونا وقد رحلوا أنْ لا نفارقهم وأن نظل َّ أوفياء لهم ولعاداتهم وما ألِفوا من تقاليد . وإنهم بدورهم لايفارقوننا فهم بنا محيطون كما الأسوارة في معصم اليد . نراهم عَياناً ونسمع كلامهم وصُراخهم ونرى ضوءا ً فيما يحملون من فوانيس ( الصفحة 21 مثلاً ). إنه الوفاء وفاء محمد لأجداده وإنشداده لهم يستمدُّ عزمه وقواه على مواجهة الحياة منهم . كيف يغيب والد ٌ عن بنيه ؟ ما معنى أنْ يموتَ الإنسان ؟ وماذا سيحلُّ به بعد الموت ؟ أسئلة محيرة جابهها الإنسان منذ أقدم العصور وما زال . هكذا يوظف الروائي محمد العريشية تراثه وأفكاره ومخيلته الخصبة ووفاءه لذويه الراحلين تخليداً لذكراهم من جهة وبعث الروح فيهم من الجهة الأخرى فهم بيننا خالدون نستلهم الصبر والقوة والإقدام منهم أمواتاً وأحياءً .
من مبالغات محمد الساخرة المضحكة إنه جعل لحية ( الهادي ) تحترق بحكها بسبابته لكي تتقد فتغدو ناراً يولّع ( البدري ) سيجارته منها . مصدر مجاني جديد للنار بلا وقود ... محمد الساخر مخترع وصاحب خيال نادر ( الصفحة 86 ) . تخفي هذه الصورة الكاريكاتورية المضحكة وراءَها لغزاً آخرَ أكثر سخرية منها . هذا اللغز يكمن في مصيبة الصبية إبنة الهادي التي كشفت ( رحمة ) الفحّامة العانس أمراً كان مستوراً ... أنَّ رجلاً دخيلاً على قريتهم دأب على إستباحة الصبية إبنة الهادي وظهر فيما بعد أن َّ هذا الوحش وإسمه ( التومي ) جاسوسٌ زرعه أحد الأثرياء الليبين بين ظهرانيهم في قرية علاّج ليجمع له ما يتداول الأهالي من أخبار وغير ذلك من الشؤون . ثم ظهر فجأة أنَّ الرجل القوي ومحرِّك أغلب وأهم أحداث الرواية ( البدري ) هو الآخر كان يغتصب الصبية وقد كشفه صديقه ( الزارعي ) في موقف ما كان البدري يتوقعه ( الصفحات 69 ـ 70 ) . دار حوار قصير بين هذين الرجلين بالشكل التالي :
الزارعي : ... ليس التومي وحده مَن يغتصب البنت المنكودة
البدري : ماذا تقول يا زارعي ؟
أشار الزارعي إلى البنت وهي ترتجف وقال :
إنها كالشاة القاصية وكل ليلة تتحلق حولها ذئاب علاّج .
البدري : لكنَّ رحمة الفحامة رأته فوقها
الزارعي : وأنا كنتُ أراك فوقها .
هذا على ما أحسب سر إستخدام الكاتب لصورة إحتراق لحية الهادي بإصبع سبابته لكي يولّع البدري بهذه النار سيجارته . الصور بالغة الدلالة عميقة التأثير ، لماذا ؟ لسببين ، الأول هو السخرية من رجل لا يقتل غاصب إبنته ثأراً لها ولا يقتلها غسلاً لعارها أي إنه ديوث قوّاد . السبب الثاني وهو الآخر ذو دلالة كبيرة ، في نظري ، تفسيره أنَّ البدري هذا كان هو الأخر من مغتصبي هذه الصبية ولقد كنى ورمز إلى هذا الفعل غير الشريف بحرق جزء ( إي نهش أو إلتهام ) جزء من بدن ( شرف ) والد الصبية المدعو الهادي . الذي يغتصب صبية كأنما يغتصب أمها وأباها . ناقص شعر اللحية كناقص الشرف الشخصي . إذا أراد بعض الناس في ريف العراق طعن شخص في شرفه تسللوا تحت جنح الظلام لمكان مبيت خيله فقصّوا جزءاً من صيوان فرسه . إشارة قوية إلى أنَّ صاحب هذا الحصان أو الفرس منقوص الشرف أو مطعون في شرفه .
ثانياً /
الصراع الصراع !!
صراع المحكوم والحاكم ، المغصوب والغاصب ، المسلوب والسالب ، المقتول والقاتل ... إنما هو صراع ضارب في القدم مذ ْ أنْ إنقسم البشر إلى فريقين فريق يعمل ويكد ُّ ويكدح وآخر يستثمر عمل مّن يعمل . أسس الذين يأكلون ولا يعملون وسائلَ وأدواتٍ لإجبار العاملين على مواصلة العمل حتى الموت عطشاً وجوعاً ومرضاً ومن ضربات الشمس وبرد الشتاء . طوروا هذه الوسائل بمرور الزمن وتغيّر الناس فأسسوا أجهزة متخصصة للمراقبة الصارمة أطلقوا عليها أسماءَ شتى كالشرطة والمحاكم والقضاء والحكومات ثم قننوا هذه المراقبة وشرّعوها بقوانين ودساتير. مهما تطورت الحياة ووسائل الإستغلال والعسف وجبروت سلطات المستغلين والمستثمرين فعبرت الحدود الوطنية والقومية وإمتد َّ سرطان توسعهم وتمدد وتضخم َّ هوسهم بالمال والسلطان ... فإن النزاع والصراع بين الفريقين المتقابلين والمتضادين يبقى أبداً في جوهره وإنْ تغيرت بعض سماته وملامحه العامة وتطورت وسائله وأشكال التعبير عنه .
ليس بعيداً هذا الكلام عن محمد العريشية وقد عاهد النفس على الوقوف بشجاعة مع الفريق المظلوم ضحية الإستغلال والتعسف . ولعل نشأته الأولى وأصول عائلته ووضعها في السلّم الإجتماعي ساعدته في أن يكتشف طريقه ونهجه الصحيح وأنْ يرى مواضع قدميه ومع مَن مِن الناس يقف ويتعاون وإلى مَن منهم ينتمي . فإذا أدرك وصمم على هذا الإنتماء وجد نفسه أو وضعها عامداً في مواجهة السلطات الحاكمة وشرطتها وأجهزتها السرية والعلنية ... الوجه المباشر الصفيق لهذه السلطات . قبل إستقلال ليبيا كان الطليان يحكمون ويستغلون ويتجبرون ويقتلون وقد قتلوا الزعيم الليبي الفذ الشهيد عمر المختار الذي ذاع صيته في عشرينيات القرن الماضي إذ قاد الثورة ضد الطليان الغاصبين المستوطنين بالقوة . لقد وقف الشاعر العراقي المرحوم معروف الرصافي مع ثورة الشعب الليبي هذه ـ كغيره من مثقفي العراق والعناصر الوطنية الواعية فيه ـ فنظم عدة قصائد يعرب فيها عن تضامنه مع ليبيا . كما أنَّ للشاعر المصري أحمد شوقي قصيدة معروفة يُرثي فيها الشهيد عمر المختار ويُشيد بالثورة وبالشعب الليبي الثائر البطل قال في مطلعها :
ركزوا رفاتكَ في الرمالِ لواءَ
تستنهضُ الوادي صباحَ مساءَ
نماذج من أشعار معروف الرصافي **
قصيدة ( إلى الحرب ) وهي قصيدة طويلة أختار منها ما يلي :
...
ألستَ تراهمْ بين مصر ٍ وتونس ٍ
أباحوا حِمى الأسلام ِ بالقتلِ والنهبِ
وما يؤخذ ُ الطليانُ بالذنبِ وحدَهمْ
ولكنْ جميعُ الغربِ يؤخدُ بالذنبِ
يعز ُّ علينا أهلَ بَرقةَ أنكمْ
تدورُ عليكمْ بالدمارِ رَحى الحربِ
أما والعُلى يا أرضَ بَرقةَ إننا
لنشرقُ من جرّاكِ بالبارد العَذبِ
ويا أهلَ بنغازي سلامٌ فقد قضتْ
صوارمُكمْ حقَّ المَواطنِ في الذبِّ
ومَن مبلغٌ عني السنوسيَّ أنهُ
يمدُّ لهذا الصدعِ منهُ يدَ الرأبِ
ويا معشرَ الطليانِ قبّحتَ معشراً
ولا كنتَ يا شعبَ المخانيثِ من شعبِ
كما أنَّ الرصافي هذا كتب قصيدتين أخريين حول ليبيا في مواجهتها للإحتلال وما قاسى شعبها من أهوال وقتل وعسف عنوانهما ( في طرابلس ) و ( رؤيايَ الصادقة ) . لم يذكر الرجل إسم عمر المختار فيما كتب ونشر من قصائد بينما ذكره أحمد شوقي في القصيدة سالفة الذكر أو أشار إليه إشارات واضحة الدلالة بل ، وربما حمل عنوان القصيدة إسم البطل الشهيد ... ليست القصيدة في حوزتي لذا لا أستطيع الجزمَ فأعتذر.
لم أشذ عن موضوعي وأنا في معرض الكلام عن الإستغلال والمستغلين وعن الظلم والظالمين ، ذاك لأنَّ الإستيطان والإستعمار هما من أقسى وأبشع أشكال الإستغلال وقد ذكر محمد العريشية الطليان بالإسم عدة مرات فقد ذكر على سبيل المثال السنيورة الإيطالية التي كانت تدير بيتاً للدعارة ثم رحلت إلى مالطة بعد أن خسر الطليانُ الحرب ( الصفحة 14 ). كما قال جملتين لهما أبلغ الدلالات فقد قال [[ قال الرجل وهو يُعطيه ظهره : الطليان قتلوا أمّي . ثم قال بعد قليل : مَن لا يبكي من أهوال الطليان يتهيأ للبكاء / الصفحة 45 ]] . تتعاون في العادة مع المحتلين فئات من المواطنين الذين يخدمونهم كجواسيسَ وخونة ثم َّ يفيدوا منهم مقابل هذه الخدمات فيكسبوا مالاً وربما يصيبوا ثراء ً . هذا النمط من البشر ما هم في الحق إلا أذلاء منبوذون أمام الأجنبي الذي يستخدمهم لكنهم كلاب نابحة وذئاب مسعورة على أشراف الناس ضحايا الإحتلال ولا سيما الأبرياء الضعاف منهم . كتب محمد على الصفحة 50 وصفاً لمشهد مواجهة بين أحد هؤلاء الخونة من خدم الطليان وصيادين فقراء إعتادوا ممارسة الصيد قربَ ميناء صغير ناءٍ لا يمكله أحد ٌ حتى جاء ذات يوم من يروم الإستحواذ بالقوة عليه :
[[ لم يمضِ عام ٌ حتى إستولى على الميناء نفسُ البدين الذي بسط نفوذه على رجل البقباق ، رجل ٌ فظ ٌّ لا يُطاق ُ يخاطبُ الليبيين بكل غطرسة وغرور و لكنه مع الطليان أذل َّ من كلب ومن بين نزواته التي لا تُحتمل كان إذا حدث وأنْ ثارت ثائرة الأمواج واضطرب البحرُ تضيق به الدنيا ويصب جامَ غضبه على الصيادين والويل ، كل الويل لمن ينظرُ إلى عينيه مباشرة ً أو لا يركض أمامه / الصفحة 50 ]] . الجديد الطريف في هذه المواجهة غير المتكافئة بين فقراء الصيادين ورجل من ( الكومبارادور ) الذين يخدمون الأجانب من جهة ويظلمون أفراد شعبهم ويمتصون ناتج جهدهم من الجهة الأخرى ... الجديد الطريف هو الربط بين هياج البحر وهياج هذا الصعلوك المستأسد على فقراء الناس وما هو في واقع الحال إلا خادم للأجنبي وكلب خاضع تابع له ذليل .
لقد كرّسَ محمد صفحات كثيرة واصفاً فيها كيف تواجه الشعوب قوات الشرطة التي تخدم الأثرياء المستغلين وأصحاب المشاريع الإستثمارية التي تطرد البائسين من أراضيهم ومن قراهم وتستولي على أو تحرق أكواخهم وما يملكون من حطام الدنيا . إنتصر البسطاء بعزيمتهم وإصرارهم على التمسك بحقوقهم الطبيعية في الحياة والكسب البسيط الشريف ... إنتصروا على فريق الشرطة بقيادة ضابط باغتَ أهل قرية علاّج بسيارة لاندروفر مدججين بالسلاح . ترجّل منها ضابط شاب وأمرهم قائلاً (( إسمعوا يا أهالي علاّج ، إنه إعتباراً من الغد أنَّ علاج ستصبحُ من ممتلكات الحكومة ، غداً بعد منتصف النهار عليكم بالرحيل الصفحة71 )). هذه هي المصادمة والمجابهة الملحمية بين الناس وقوات القمع ، بين أن يدافعوا عن حيواتهم ومصالحهم المتواضعة وأن يستسلموا للظلم والظالمين ، بين أن يظلوا أحياء رافعي الرؤوس شامخي الهمم وأنْ يرزحوا تحت أعباء الهوان وذل العيش في كنف مضطهديهم ومستغليهم. لا بدَّ من أن تنتصر إرادة الحياة وتسود الطبيعة السوية في أسوياء الناس كما عبّر عنها شكسبير في مسرحية هاملت على لسان والد هاملت القتيل إذ خاطب ولده قائلاً (( إذا كانت الطبيعة سويةً فيك فلا تسكت على حادث إغتيال أبيك )) أو أرفض القصة المزوَّرة التي إختلقها عمك لتفسير حادث موتي .
If thou hast nature in thee, bear it not.
كيف سخر محمد العريشية من الحكومة وممن أرسلتهم لإبلاغ أمر تخلية قرية علاج ؟ سخر من مجموعة الشرطة ومن ضابطهم بصور وأساليب شتى منوّعة وما إنتابهم من رعب وهلع وجبن أصابهم رغم ما يحملون من أسلحة وهم يواجهون مجموعة من رجال القرية عزلاء من السلاح الحديث . قتلوا جميعاً وفصلت رؤوسهم عن أجسادهم ثم أتاهم صل ليمحوهم من الوجود دون أن يتركوا لهم لا قبراً ولا أثرا ً ... إبتلعهم الصل فنفاهم من عالمي الأحياء والأموات فأية سخرية وظف محمد وأية نزعة ثورية في روح هذا الكاتب الإنساني المنفض جعلته يتمنى لو يستطيع أن يمحو ( يبتلع ) كل اشكال الحكومات وأدوات تسلطها وقهرها من شرطة وضباط شرطة وجيش وأسلحة . إنه لا يطيق أن يرى وجود ومنظر حكومة على وجه الأرض ولا قبوراً لقتلاها وهذا هو مصير حكام السوء وحكوماتهم وآلات قهرهم من شرطة وجندرمة وبوليس ومخبرين ومخابرات وأجهزة سرية وأخرى علنية .
ثالثا / محمد والبحر
للكاتب محمد العريشية ولع خاص بالبحر بل وغرام وهوى ، لذا فلقد نشأ معه وفيه سابحاً في مياهه مستلقياً على رمال شواطئه الممتدة مدَّ البصر أو حاملاً معدات صيد السمك على ظهر زورق صغير بسيط التركيب . أجل، صيّر البحرُ محمداً لا عابداً عاكفاً على تقديسه وإنما صيره صياداً ماهراً محترفاً ملماً بأدق دقائق الصيد ومستلزماته بل وخبيراً مختصاً بسلوك ما يصيد من سمك وردود أفعالها وكيف يراودها وكيف يخادعها وكيف يتعامل معها كما يتعامل مع مَن يهوى من النساء . هذه فلسفة محمد التي إكتسبها من حرفة الصيد وطول معاشرته للأحياء منها في عرض البحر وأعماقه . هنا أيضاً نكتشف محمداً الإنسان في جوهره وفي سلوكه حتى مع الحيوان . يعطي قارئه درساً في علم الأخلاق وفي أتكيت السلوك مع الحيوانات الجميلة المسالمة التي لا تؤذي أحداً إنما هي ضحية الأذى والعدوان وهي التي تدفع ثمن حريتها وحياتها دون أن تقترف َ ذنباً أو معصية أو جناية . سأنقل ما قال محمد في البحر فما قال يشكل لوحة فنية شعرية جميلة لا يرسمها إلا عاشقٌ عابدٌ للبحر وُلدَ بالقرب منه ونذر له نفسه . نقرأ في الصفحة 44 :
[[ ... في الصباح ، إكتشف أنه في قرية صيادين وشاهد أكواخاً أخرى من الخوص تنتشر بلا نظام . إقترب من قوارب مقلوبة بمحاذاة الصخور ، تحسس بأظافره القذرة دهانها الأزرق الباهت ، مشى فوق حبل مدفون تحت طبقة رمال وقفز حزمة مجاديف قديمة ثم جلس لبرهة فوق كومة شباك تتكوم على الرمال ونظر بإتجاه البحر ، كانت الأمواج تتكرر قبل أنْ تندفعَ نحو الشاطئ ، والقوارب تجمحُ مع التيار وقوة الرياح وتتوتر الحبال التي تشدها إلى الصخور وتصورها كما لو كانت خيلاً جامحة ]] .
نعم ، أنا هنا أمام لوحة فنية لساحل بحر ليبي رسمها فنان مقتدر لا بمعنى ( تكنيك ) الرسم وفلسفة الألوان وهندسة وتوزيع الخطوط والظلال ولكن بمعنى أنه فنان خيال قادر على التحليق في أيما فضاء وفي أيما ظرف وفي أيما مزاج بشري . إنه الكاتب ـ الفنان الذي يعرف جيداً موضوع ما يكتب وأساليب مقاربته وطرائق التعبير عنه بالشكل الذي يرضيه أولاً ويرضي قرّاءه من بعدُ . جمع محمد هنا أغلب عناصر البحر وما يمت ُّ له بصلة أو صلات . الساحل والرمل والقوارب ومجاديفها وحبال ربط القوارب إلى صخور الساحل من جهة ، وأمواج البحر وطبيعة حركتها مداً وجزراً من الجهة الخرى . لقد وضعنا أمام متقابلين لا ينفصمان : البحر ووسائل الصيد فيه . ففي البحر ما يقتات الصيادون عليه . وعلى الساحل الرملي ، والرمل من البحر ، نرى العامل الوسيط ما بين الصياد والبحر : قوارب الصيد . قوت الإنسان موجود ومتوفر بكثرة في عرض البحر ولكن للحصول عليه على الإنسان الجائع أن يوفر وسائل الوصول إليه في ماء البحر وليس على اليابسة . عليه تصنيع أو إبتياع قارب صيد وحبال لربطه على الساحل حين لا يحتاج الصياد إليه . القارب هو الوسيط بين الإنسان والبحر ... هو الوسيط بين الإنسان وسمك البحر الذي يسميه الليبيون ( حوت ) . هذا الخشب الجامد هو الذي يديم حياة البشر ويدرأ عنهم خطر الموت جوعاً . تأتي الحياة من الجماد أو بواسطته وقد قال أبو العلاء المِعرّي *** قديماً وأجاد فيما قال :
والذي حارت البريّة فيهِ
حَيوانٌ مستحدثٌ من جمادِ
وربما أشار المعري في بيته هذا إلى ما قرأ في سورة الروم من القرآن الكريم [[ يُخرِجُ الحيَّ من الميّتِ ويُخرجُ الميّتَ من الحيِّ ويُحيي الأرضَ بعد موتها وكذلك تُخرجون / الأية 19 ]] .
البدري والزارعي يصطادان السمك البحري / الصفحة 46
لوحة أخرى تتفجر بالحيوية والحركة والقدرة على الإلتحام بين الإنسان وبعض عناصر الطبيعة الأم إلتحام ود ٍّ وإلتحام صراع . لوحة تذكرني ببعض صفحات صراع الرجل الكبير في عرض البحر مع أسماك القرش في قصة ( الشيخ والبحر ) لهمنكواي . يكشف محمد العريشية في هذه اللوحة عن عميق ودقيق معارفه في عالمي البحر والصيد فيه . شخصان يتحديان البحر ووسيلة تحرّكهم فوق مياهه قاربٌ بسيط صغير . لا أنقل كل ما كنب محمد في هذه الصفحة ، 46 ، لأني أود أن أحيل القارئ الكريم إليها ليقرأها بنفسه ويتمتع بأجوائها ويشاركني إعجابي بما ورد فيها ولا سيما عنصر الحركة المتعددة الأشكال والمراتب والإتجاهات وهل الحياة إلا حركات ؟ لكنَّ الذي يستهويني في هذه الصفحة خاصة ً هو الحوار الثنائي بين هذين الصديقين البدري والزارعي أنقله بكلماته حرفياً دون التدخل فيما يُحتمل من إجتهادات لغوية :
البدري : قلْ لي يا زارعي لماذا لا تستعمل الديناميت في شاش ، هناك في الزعفران وفي مناطقَ أخرى كنتُ أسمعُ عن سهولتها في الصيد الوفير .
الزارعي : إسمع يا بدري ، أنا أصطادُ السمك بدافع شهوة في داخلي ، وأشعرُ حين أوقعها في شصّي كما لو أني أغويتُ إمرأة ً أما الديناميت فهو لجشع بعض الصيادين .
يجمع محمد في هذا الموقف بين السمكة في لحظات صيدها وبين المرأة . قصده واضح رغم كونه يحمل مقارنة طريفة لها أكثر من مغزى . مراحل إستدراج إمرأة للوقوع في حبائل أو حب رجل ثم مصيرها الأخير يشابه مصير سمكة يصطادها صياد في البحر . يُغريها بطعام تحبه ... تبتلعه فتبتلع الشص معه ... تتمنع وتدافع عن الحياة فيها ... تتألم وتتلوى دون أن تشكو وأن تتظلم ولمن تشكو ومَن يسمع شكواها ؟ تحاول الهرب في عرض البحر ولكنَّ الحديد المدبب البارد مغروس ٌ عميقا ً في فمها وربما في جوفها ... ومع شص الحديد هذا حبل يربطها بيد صيادها فاين المفر ؟ تمارس السمكة صراع موت أو حياة لتعتق نفسها من قوة أسر الحديد والحبال ... إنها تسعى لإستعادة حريتها في ماء بحرها الذي ولدت وعاشت حرة فيه ... ينهكها هذا الصراع غير المتكافئ ويهد ُّ قوتها نزف الدم فتستسلم لقوة شد ِّ الحبل حتى يسحبها الفارس اللئيم لقاربه وهي بين الحياة والموت وقد إستسلمت كما يستسلم قادة الميادين في الحروب بعد أن تنفد ذخائر جيوشهم ووقود دروعهم وعجلاتهم الحربية . .. إستسلام قادة أبطال لا إستسلام جبناء رعاديد . ما الذي أغوى كاتبنا في أن يتورط في مثل هذه المقارنة ؟ حبه للصيد أم حبه للمرأة أم لكليهما أم لا هذا ولا ذاك ؟ هل عانى محمد من مشاكل مع بنات حواء أم إنه خبير في شؤونهن َّ مثل الطلياني كازانوفا الذي لا شك َّ يعرفه محمد كما أحسب مثلما يعرف تفاصيل قصة الشيخ والبحر آنفة الذكر ؟ الطُعم ، الحاجة للغذاء لإدامة الحياة ، الإغراء ، الإستعداد للإنجذاب لما يغري ، الوقوع في الفخ ، محاولات الإفلات ، مرارة الصراع من أجل البقاء ، النهاية !! . في هذا المسلسل قد نجد القواسم المشتركة بين المرأة والسمكة والسمكة مؤنثة كالمرأة . ما زال الإنسان مشدوداً لمملكة الحيوان التي تحدّر منها .
رابعاً / الحكمة والأفكار الراقية
رغم الأجواء الخرافية والتفسيرات المغرقة في شعبيتها وفي قدمها وبالرغم من معاناة الكاتب مما يحمل في رأسه وقلبه وفوق كتفيه من عبء وهم ِّ المشاركة الحقيقية فيما يعاني بسطاء الناس فلقد بيّن أنه إنسان نقي الجوهر نادر المعدن ثاقب الفكر المتسربل بالحكمة والعمق مع منحى واضح لعالم الفلسفة فيما يفسر من ظاهرات وحوادث وما يُضيف لسرده في أبعاده الثلاثة من لمسات تأتيه إلهاماً فتغدو نصوصه صفحات ٍ من بعض كتب السماء . أمثلة على ما أقول وأعني :
[[ إسمع ْ يا بدري ، كلما تقسو الحياةُ تتحجر قلوبُ الناس وتتسلح إرادتهم للإستمرار في الحياة بجدار من أمل كذوب لا يلبث ُ أن ينقلبَ إلى لامبالاة. ذلك أنَّ قسوةَ الحياة في هذه الأنحاء تنخر القلوب وتضعفها ولهذا يكثر الخوف وتهاب الناس من الخروج عن المسار المحدد لها / الصفحة49 ]].
أمثلة أخرى / الصفحات 108 ـ 109 ، حوار آخر بين البدري وصديقه الزارعي:
[[ إنَّ الإنسانَ يتكدس في عمق أعماقه ركاماً تلوَ ركام من الظلم وإذا لم يظهر على دفعات كتنفيس يظهر بغتة ً في غير وقته لرد ِّ إعتبار سابق. إنَّ الإنسانَ يا بدري ما هو إلا إنسان قديم وردود أفعاله تجاه الظلم الذي يواجهه الآن قد تكون ُ رغبة دفينة في أعماق إنسانٍ ما ظُلمَ في وقت ما وفي مكانٍ ما ولم يتجسد رد ُّ الفعل إلا الآن على يدك أو على يد رجلٍ آخر ]].
نرى في هذا المنطق الجميل فلسفة ودايالكتيك يفسِّر لا تراكم رأس المال وفائض القيمة بل يفسِّر تراكم الغضب الكمي في نفوس المظلومين والثورة على الظلم والظالمين خلال مسيرة التأريخ . يقول الناس (( لا يضيع حق ٌ وراءه مُطالب أو مّن يطالب به )) . فإذا عجز جيل عن الثورة لأسباب خارجة عن إرادته فلسوف يأتي جيل بعده يقتص له وينتقم ممن ظلمه وقهره وسلب منه إنسانيته ولقمة عيشه وأبنائه . يتراكم غضب الناس في الخفاء كما تتراكم رؤوس الأموال في العَلن حتى تأتي لحظة الإنفجار ويأخذ كل ذي حق حقه ويعدّل التأريخ مسيرته . [[ ـ نعم ، إنَّ حلقات السلسلة الإنسانية تتماسك ، الرجلُ الذي لا يُنصفُ الآخرين في عصره يأتي رجلٌ آخر في عصر آخرَ وينالُ من القاتل اللئيم ]] .
نظرية محمد العريشية هذه تحاكي ما قال قبله الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي :
إذا الشعبُ يوما ً أرادَ الحياة َ
فلا بدَّ أنْ يستجيبَ القَدَرْ
والقدر هنا هو قوة التراكم في النفوس الأبية التي تأبى الضيم والذل والهوان .
ختاماً ، وجدتُ خير ما أختتم به قراءتي هذه لرواية " الأيام الأخيرة في علاّج " هو ما قاله صاحب الرواية على الصفحة 108 :
[[ إنَّ الحكومات بدلاً من أنْ تفتحَ أبواب الأمل أمامَ الناس تفتح أبواب السجون على مصراعيها ، إنها في ظاهر الأمر تسعى إلى صلاح الناس لكنها من الداخل تفرِّخ العنف وتنتج الظلم وما فعلته يا بدري ما كنتَ لتفعله لو أنَّ البدينَ وأمثاله كانوا بشراً . إنَّ الطمعَ والجشعَ دمّر الإنسانَ فيهم وجعلهم يُغمدون سكاكين أطماعهم في أرواق غيرهم ]] .
أحسنتَ يا محمد ... أحسنتَ .
هوامش
• * الأيام الأخيرة في علاّج / رواية لمحمد العريشية . الناشر : دار الفارابي، بيروت 2006 .
• ** ديوان معروف الرصافي . الناشر : دار العودة . بيروت 1972 .
*** ديوان سقط الزند لأبي العلاء المعري / الناشر : دار بيروت للطباعة والنشر 1980 ... قصيدة { ضجعةُ الموتِ رقدةٌ ... يُرثي فقيهاً حنفياً } .
«بوسع قلبي» قصائد وقصص قصيرة من العربية إلى البولندية
اصدارات جديدة
صدر باللغة البولندية عن دار مينياتورا في مدينة كراكوف – العاصمة الثقافية لبولندا – كتاب «بوسع قلبي – قصائد وقصص قصيرة جدا من العالم العربي». وقد أعد نصوصه وترجمها من العربية الشاعر والأكاديمي الفلسطيني د. يوسف شحادة بمشاركة داريا أرسينيتش – شورمان و دوروتا بليشنياك – شحادة.
حكاية اليكترونية
راودتني نفسي بالانتحار..
عفوا، هل قلت الانتحار، وأنا اقصد الانتشار؟!
أذاً راودتني نفسي بالانتشار، ومن اسرع انتشارا غير النشر الأليكتروني؟
فأجتهدت في البحث عن مواقع لم يصلها قلمي من قبل.. فوصلت الى موقع تسمع منه قرقعة السيوف، وتقرأ فيه شعارات تدك القصور. ويجتهد صاحب الموقع في ان يخالف المبرزين في المشهد الثقافي العربي
المعاصر. خلاف اساسه الخلاف ولا شئ غير الخلاف. او هو خلاف من حالة اضطراب نفسي، والله أعلم.
بالصدفة كان آخر مقال كتبته يعني بالشأن الثقافي بعدما اصابتني الكآبة بسبب التفكير والكتابة بالشأن الفلسطيني خصوصا والعربي عموما.. اقنعت نفسي ان تداعيات الكتابة في الثقافة ترد للروح ألقا وجوديا بعدما احسست بالروح تذوي رويدا كوردة امام الخسارة المتكررة للسياسة العربية، والتراجع المريع في عالم يتقدم... اذ بعدما استوردنا كل الصناعات من الخارج، جاء دور الزراعة لنستورد البطيخ من قبرص والفلفل من تركيا، والمسلسلات طبعا.. وكأننا كنا عطشى لدراما البيئة التركية التي لم نر فيها على أي حال نوع من "الخلوَعة" على عكس ما يتيسر في الدراما العربية.
أرسلت مقالي الى عنوان الموقع دون أناة وبحماس شديد وكأنني مقدم على فتح سيحقق لي الفوز العظيم، خاصة وان الموقع يعلن انه لكل الكتاب والادباء الشرفاء. وانا من عادتي ان أصدق ما اسمع أو اقرأ، وهذه عادة سببت لي الكثير من المتاعب إذ صدقت مرة وكنت صغيرا في المدرسة الابتدائية ان الدول العربية تعد جيوشها من اجل استرداد المسكينة أختهم فلسطين التي ابتلعها الصهاينة،ومن يومها وأنا تعبان.. تعبان لانني صدقت.
مرت أيام ومقالي لم ينشر بعدما شبع نشرا في مواقع اخرى عديدة... خلال سويعات الفراغ كنت أمر على الموقع لعلّني اعثر على مقالي الذي أحسسته قد تاه في الشبكة العنكبوتية. وخلال هذه السويعات كنت استطيع ان اقرأ بعض العناوين التي لم ألحظها من قبل. احدى هذه العناوين اليك ايها القارئ العربي، تدعوك الى مقاطعة قناة الجزيرة الفضائية وجريدة القدس العربي لأنهما بوقان اسسهما الموساد.
- يا سلام ... يا سلام!
رحت أقولها مندهشا على طريقة الطفلة "رفيف" في المسلسل التركي "سنوات الضياع".
وتذهب بي الذاكرة الى سنوات خلت كنت أقرأ فيها ان حركة حماس الاسلامية هي من صنيعة "اسرائيل"، أوجدتها في الداخل الفلسطيني(الضفة والقطاع) لمنافسة منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت في منافيها تسعى الى تمثيل كل الفلسطينيين في مفاوضات لتحقيق السلام مع "اسرائيل".
مرتبكا بيقيني... وهذا ما أراده الفيلسوف صاحب الموقع ان يربك القارئ العربي بمسلمات ترعرعت عبر التاريخ من جيل الى جيل في وجدان الامة .. ورحت افكر على النحو التالي:
اذا الجزيرة والقدس العربي واسعتا الانتشار وصاحبتا الخطاب القومي والوطني من صنيعة الموساد..فماذا يمكن القول في وسائل اعلامية عربية اخرى اسقطت باسم تجديد الخطاب حق الشهداء بالتسمية ووصفتهم بالقتلى والصرعى وكل شيئ يعني الموت الا ان لا يكونوا شهداء " أحياء عند ربهم يرزقون" حيث نعرف بوعينا كم تحمل الكلمة من معاني القدسية والطهارة. واذا الذين يموتون في سبيل دينهم وأوطانهم ليسوا بشهداء، اذا فمن هم الشهداء؟
ما عادت بي رغبة ان أرى مقالي منشورا في هذا الموقع الذي يشبه صاحبه بأضطرابه، وأخذ ينمو بداخلي احساس الندم ويؤرقني لمراسلتي له... ولكن لم اكف عن زيارة الموقع حتى وقع نظري على مقال تحت عنوان"الانحطاط العربي" بقلم صاحبنا الفذ فأخذت اقرأه مدفوعا بحب المعرفة عن ماهية هذا الانحطاط ، فلكل منا رؤيته في الانحطاط. فأذا بالكاتب المخضرم يصف المواطنين العرب فردا فردا من المحيط الى الخليج بالجهل والامية واشياء اخرى هي من خصوصيات الحمير والغربان.
-"شوفوا ازاي"...
قلتها في نفسي على الطريقة المصرية.
ويضيف بأن النهيق والنعيق اهم شجوا وغناء من صوت الشاعرين سميح القاسم ومحمود دررويش، وهما كما نعلم أهم مفخرتين فلسطينيتين في واقع الثقافة العربية.
أحسست بالدم يغلي في عروقي، في الاثناء وقع نظري على جملة تحدد عدد زوار الموقع..فهدأ دمي وأنا أقرأ ان عدد الزوار "زائر واحد".. التفت حولي فلم ار الا نفسي انا الزائر الواحد الاوحد في هذه العزلة ..هذه الغيبوبة.
هل قلت خطأ في بداية الحكاية ان نفسي تراودني على الانتحار..فذلك لم يكن خطأ وانا أروم الانتشار في الموقع الخطأ. في الموقع الذي يستجدي صاحبه الاثرياء العرب لدعم هذا الانحطاط المصاحب بالتخريف.
سعيد الشيخ/ كاتب وشاعر فلسطيني.
وصية لأبنى . كيف تختار صديقك
علــي جبر
كلنا الأباء نهتم باولادنا ونخاف عليهم الى حد الهلع وخصوصا من صديق السوء وايضا من حين لأخر ينبغى علينا ان نلفت انتباهم الى امور كثيرة فى الحياة من واقع خبراتنا لأنهم مسؤليتنا التى سوف نحاسب عليها هيا سويا نتمعن فى همس الكلمات الى ابنى وكل ابن ونتمعن جيدا فى معانيها
بنى
إذا أردت أن تكتشف صديقاً
سافر معه
ففي السفر ..ينكشف الإنسان
يذوب المظهر ..وينكشف المخبر
ولماذا سمي السفر سفراً ؟؟؟
إلا لأنه عن الأخلاق والطبائع يسفر..............
وإذا هاجمك الناس وأنت على حق
أو قذعوك بالنقد...فافرح
إنهم يقولون لك: أنت ناجح ومؤثر
فالكلب الميت...لا يُركل
ولا يُرمى ...إلا الشجر المثمر
وحينما يثق بك أحد
فإياك ثم إياك أن تغدر
سأذهب بك لعرين الأسد
وسأعلمك أن الأسد لم يصبح ملكاً للغابة
لأنه يزأر
ولكن لأنه ...عزيز النفس ...لا يقع على فريسة غيره
مهما كان جائعاً.... يتضور
لا تسرق جهد غيرك... فتتجور
سأذهب بك للحرباء
حتى تشاهد بنفسك حيلتها
فهي تلون جلدها بلون المكان
لتعلم أن في البشر مثلها نسخ .. تتكرر
وأن هناك منافقين
وهناك أناس بكل لباس تتدثر
وبدعوى الخير ...تتستر ...
اكتشفت يا بني
أن أعظم فضيلة في الحياة.. الصدق
وأن الكذب وإن نجى
فالصدق أخلق... بمن كان مثلك يا بندر
بني
وفر لنفسك بديلاً لكل شيء
استعد لأي أمر
حتى لا تتوسل لنذل ..يذل ويحقر
واستفد من كل الفرص ..
لأن الفرص التي تأتي الآن
قد لا تتكرر
لا تتشمت ولا تفرح بمصيبة غيرك
و إياك أن تسخر من شكل أحد ..
فالمرء لم يخلق نفسه
ففي سخريتك ... أنت في الحقيقة تسخر
من صنع الذي أبدع وخلق وصور
لا تفضح عيوب الناس .
فيفضحك الله في دارك ...
فالله الستير ...يحب من يستر
لا تظلم أحداً
وإذا دعتك قدرتك على ظلم الناس
فتذكر أن الله هو الأقدر
لا تحزن يابني على مافي الحياة
فما خلقنا فيها إلا لنمتحن
ونبتلى ..حتى يرانا الله ..هل نصبر ؟؟؟
لذلك ...هون عليك ...ولا تتكدر
وتأكد بأن الفرج قريب
فإذا اشتد سواد السحب ...فعما قليل ستمطر
لا تبك على الماضي ..قيكفي أنه مضى ...
فمن العبث أن نمسك نشارة الخشب .. وننشر
أنظر للغد استعد .....وشمر
كن عزيزاً ...وبنفسك افخر
فكما ترى نفسك سيراك الآخرون ..
فإياك لنفسك يوماً أن تحقر
فأنت تكبر حينما تريد أن تكبر ..
.وأنت فقط من يقرر أن يصغر
وإذا أردت إصلاح الكون برمته
سأقول لك ...لا... أرجوك
لا نريد أن نفقد الشر
تخيل أن الكون من غير غشاشين
ومن غير كذابين
كيف سيعيش الشرفاء ؟؟؟
ومن أين سنقتات ؟؟
وكيف سنكون نحن ....الأميز والأشهر
مع اطيب امنياتى لأبنائنا بالهداية والنجاح
gabr189@yahoo.com
الأربعاء، يونيو 25، 2008
125 عاماً على ولادة جبران: أديبنا ليس نيتشوياً
النهار
باسكال تابت
"ما ان عرف جبران نيتشه حتى كاد ينسى كلّ من عرفهم قبله من كبار الكتّاب والشعراء"، يقول نعيمه في كتابه "جبران خليل جبران". كان نعيمه أوّل من قال بتأثّر جبران بالفيلسوف الألماني نيتشه وأقام مقارنة بينهما، فأخذ الباحثون في ما بعد يقارنون بين فكر هذا اللبناني وفكر الفيلسوف الألماني وبخاصّة بين كتاب "النبي" لجبران و"هكذا تكلّم زرادشت" لنيتشه. وكثرت الأبحاث والآراء حول هذا الموضوع، وذهب البعض إلى القول إنّ جبران لم يفعل سوى نقل أفكار نيتشه. ما صحّة هذا الاعتقاد وما مدى تأثّر جبران بنيتشه؟ وهل هذا التأثّر يجعل جبران نيتشويّاً؟
نعلم من رسائل جبران وماري هاسكل أنّ الأديب اللبناني قرأ كتاب "هكذا تكلّم زرادشت"، كما كان يتحدّث كثيراً عنه مع ماري ويقرأان منه فصولاً. تتمحور فلسفة نيتشه على فكرة موت الله. يقول زرادشت "أنا هو زرادشت الذي لا إله له"، و"أنا هو القائل: من ذا أكثر كفراً منّي لأنعم بتعاليمه؟"، ويدعو تالياً الإنسان إلى بلوغ السوبرمان أو الإنسان المتفوّق الذي يحلّ محلّ الله في الفكر النيتشوي. إنسان نيتشه يتألّه على حساب موت الله. أمّا جبران فيؤمن بأنّ في الإنسان شيئاً من الألوهة التي يمكنه بلوغها ببلوغ ذاته الكبرى. لكنّ هذه الألوهة نفحة من الروح الكليّة. يمكن وضع التمرّد النيتشوي في إطار التمرّد على الله: "أمن الممكن أنّ هذا القدّيس المتوحّد في الغاب لم يسمع حتّى الآن بأنّ الله قد مات؟"، يتساءل زرادشت. أمّا جبران فظلّ في قلب تمرّده منبهراً بالمسيح الذي اعتبره نيتشه ضعيفاً وجباناً. يقول في "نحن وأنتم" في "العواصف": "قد صلبتم الناصري ووقفتم حوله تسخرون به وتجدّفون عليه، ولكن لمّا انقضت تلك الساعة نزل من على صليبه وسار كالجبّار يتغلّب على الأجيال بالروح والحق ويملأ الأرض بمجده وجماله." لعلّ جبران في فكرة تألّه الإنسان قد تأثّر بالمسيحيّة التي تقول بأنّ أجسادنا "هياكل للروح القدس": "كنّا في الأمس نحرق البخور أمام الأصنام وننحر الضحايا أمام الآلهة الغضوب، أمّا اليوم فصرنا لا نحرق بخوراً إلاّ لنفوسنا ولا نقدّم ذبيحة لغير ذواتنا لأنّ أعظم الآلهة وأبهاهم جمالاً قد جعل هيكله في صدورنا".
تمرُّد جبران نتيجة شعوره بالغربة في هذا العالم، التي اختبرها بالجسد وبالروح. اضطره الفقر والأحوال السياسيّة والإجتماعيّة في لبنان آنذاك إلى هجر وطنه للعيش في وطن غريب وظلّ دائم الحنين إلى أرز الرب ووادي قاديشا. وكان دائم الشعور بالغربة النفسيّة إذ ليس من يدرك خفايا نفسه ومكنوناتها: "أنا غريب في هذا العالم. أنا غريب وفي الغربة وحدة قاسية ووحشة موجعة غير أنّها تجعلني أفكّر أبداً بوطنٍ سحري لا أعرفه، وتملأ أحلامي بأشباح أرض قصيّة ما رأتها عين". وهل من عاش قسوة الغربة والتغرّب ينتظر نيتشه أو آخر ليتمرّد؟ لا! ليس تمرّد جبران من حبر وورق، ولا هو تقليد لأسلوب أو لفكر رجل أعجب به شديد الإعجاب فأضحى ببغائيّا، بل هو تمرّد من لحم ودم. خرج نيتشه في تمرّده على كلّ سياق. كفر بالمجتمع البشري ودعا الإنسان المثالي إلى الإنفصال عنه، وبشّر بصاعقة ليست سوى الإنسان المتفوّق: "ما أنا إلاّ منبئ بالصاعقة، أنا القطرة الساقطة من الفضاء، وما الصاعقة التي أبشّر بها سوى الإنسان المتفوّق". كره نيتشه الإنسان ورفض بشريّته، وتميّز بمقدرته المذهلة على الهدم. تعاليمه لا يستطيع أن يطبّقها إنسان، وهذا ما أدّى به إلى الجنون لعجزه عن التزام التعاليم التي بشّر بها بنفسه. أراد نيتشه تحقيق الكمال لكنّ طريقته كانت خاطئة منذ البداية، فهو هدّام والهدم لا يؤدّي إلاّ إلى العدم. لم يهدم جبران رغبة منه بالهدم بل بالبناء. هدم ما كان مرتكزاً على أسس غير سليمة من أجل بناء مجتمع أفضل، لا يقوم على الانتقائيّة والعنصريّة النيتشويّة بل على المساواة بين الناس: "يظنّ البعض أنّني عنيف وهدّام ولكن كيف أقوى على البناء من دون هدم؟ نحن الناس كثمار الجوز: علينا أن نكسر لننفتح. وقد يصح استخدام "ورق الزجاج" لهذه المهمّة لكن ذلك يقتضي وقتاً طويلاً واللمسات الناعمة لا توقظ الناس"، يقول لماري. جبران إنسانيّ في هدمه، لا أثر عنده للعدميّة النيتشويّة. إنّه شرقيّ، محبّ للحياة بكلّ مظاهرها، يفعل كلّ شيء من أجل التصالح معها. رفض جبران أن يرضخ الإنسان لوضعه وذلك حبّاً به وبالإنسانيّة، ولأنّه مؤمن بقدرة الإنسان على بلوغ أرقى الدرجات كما يتجلّى لنا من خلال مؤلّفاته ولوحاته. في ثورة جبران رحمة ورأفة بالآخر: "نحن نبكي لأنّنا نرى تعاسة الأرملة وشقاء اليتيم، وأنتم تضحكون لأنّكم لا ترون غير لمعان الذهب. نحن نبكي لأننا نسمع أنين الفقير وصراخ المظلوم. وأنتم تضحكون لأنّكم لا تسمعون سوى رنّة الأقداح". يثور جبران في "يا بني أمّي" على من يرفض أن يعيش الحياة في عمقها. يصرخ: "إنّي أكرهكم يا بني أمّي"، ليس لأنّه يبغض البشر في الأساس بل لأنّهم لا يدركون جودة الحياة التي هي في عمقها عطاء: "نفوسكم تتلوّى جوعاً وخبز المعرفة أوفر من حجارة الأودية، ولكنّكم لا تأكلون وقلوبكم تختلج عطشاً ومناهل الحياة تجري كالسواقي حول منازلكم فلماذا لا تشربون؟". أمّا ثورة نيتشه فشاملة عامّة لا رحمة فيها. يقول إسطفان في إحدى محاضراته: "لقد انتقى جبران بعض الإنحرافات في المجتمع وبعض التزمّت في المسيحيّة والدين، بينما هاجم نيتشه جميع القيم التقليديّة، وكلّ أخلاقيّة ممكنة، فضلاً عن الدين. كان نقد جبران، حتى حين بلغ أشدّ المرارة، نوعيّاً. أمّا نقد نيتشه فكان، حتى حيث عبّر عنه بسخرية وتهكّم، عاماً شاملاً".
إذا كان التمرّد جمع بين جبران ونيتشه، فهو يختلف غاية ونوعاً وجوهراً وعمقاً بينهما. تجدر الإشارة إلى أنّ الاثنين كانا منبهرين بالشرق وبحضارته. فالشرق لهما لغزٌ، كما لفريد هولاند داي ولماري هاسكل ولغالبية الشعراء والفنانين الذي تعرّف جبران إليهم في أميركا، وله سحر خاص به يجذبك بالسطوة التي للجمال. وكان جبران في حبّه لشرق يهدف إلى تحسينه ليكون قويّاً بروحانيّته، التي تشرّبها منذ الطفولة. أمّا نيتشه فكان أكثر انبهاراً بالوثنيّة الإغريقيّة التي جذبت أدباء القرن التاسع عشر الألمان من غوته إليه. وكان الفيلسوف الألماني هايدغر يفاخر بكون الألمان من سلالة الإغريق، وورثتهم.
هناك أمر آخر يشكّل نقطة اختلاف أساسيّة بين نيتشه وجبران هو موقفهما من المرأة. الأوّل ميزوجينيّ، ابتعد عن المرأة مقتنعاً بأنّها كائن دونيّ وشرّ محض، فهاجمها بعنف: "المرأة ليست أهلاً للصداقة، فالمرأة لا تعرف غير الحب"، و"إنّ حب المرأة ينطوي على تعسّف وعماية تجاه من لا تحب، وإذا اشتعل بالحب قلبها فإنّ أنواره معرّضة أبداً لخطف البروق في الظلام". أمّا جبران فيحبّ المرأة ويقدّرها ويجلّها وقد احتلّت مكانة مهمّة في فكره وفنّه. في كتاب "النبي" الذي يسميّه جبران "كتابي"، كانت المطرة أوّل من آمن بالمصطفى ومن سعى إليه. وهي التي سألته أن يخطب فيهم ويعطيهم من الحق الذي عنده. وعندما رفع البحّارة مرساة السفينة في نهاية الكتاب وساروا بالمصطفى نحو الشرق، وحدها المطرة ظلّت صامتة على رغم صراخ الشعب كلّه لأنّها أدركت عمق أعماق "المختار الحبيب"، وبعدما "تفرّق الشعب كلّ في سبيله"، "ظلّت وحدها واقفة على شاطئ البحر تردّد في قلبها كلمات المصطفى الأخيرة". يقول عن المرأة في "خليل الكافر": "من قلب المرأة الحسّاس تنبثق سعادة البشر، ومن عواطف نفسها الشريفة تتولّد عواطف نفوسهم.".
ارتكز الباحثون في قولهم بتأثر جبران بنيتشه على كتابه "النبي" الذي اعتبروه مرآة تعكس "هكذا تكلّم زرادشت". يقول نعيمه في هذا الإطار "لم يكن كلّه (النبي) من صوغ جبران. شكله الإجمالي مستعار من نيتشه وزرادشت فكأنّ جبران الذي تخلّص من سطوة أفكار نيتشه لم يتخلّص من سطوة أساليبه البيانيّة والفنيّة". تجدر الإشارة هنا إلى أن كتاب نعيمه نفسه "مرداد" ارتدى من حيث الأسلوب حلّة نيتشويّة تامة الملامح على رغم أنّ تعاليمه تتعارض مع إلحاد نيتشه الجذري.
وإذا كان "النبي" شبيهاً من حيث الأسلوب بـ"هكذا تكلّم زرادشت"، فهو مختلف اختلافاً جوهريّاً من حيث المضمون والروح. فالمحبّة إكليل الكتاب. إنّها الكينونة في قلب الله. لعلّ نيتشه لو قرأ هذا الكلام لجبران لاعتبره كلام إنسان ضعيف، بعيد كلّ البعد عن إنسانه المتفوّق، ينادي بالحب ليعوّض عن جبانته ووضاعة بشريّته. ألم يقل في الفصل الذي أطلق عليه اسم "محبّة القرب"، "إنّ ما أشير إليكم هو أن تنفروا من محبّة القريب لا أن تحبّوه، وذلك لتتمكّنوا من محبّة الإنسان البعيد"؟ (يقصد الإنسان المتفوّق المنتظر)، وهل في إمكان من لا يحبّ الإنسان القريب أن يحبّ البعيد؟! كم هذا غريب عن الروح الجبرانيّة القائلة: "ولكن إذا أحببت، وكان لا بدّ من أن تكون لك رغبات خاصّة بك، فلتكن هذه رغباتك: أن تذوب وتكون كجدول متدفّق يشنف آذان الليل بأنغامه (...). أن يجرحك إدراكك الحقيقي للمحبّة في حبة قلبك، وأن تنزف دماؤك وأنت راضٍ مغتبط. أن تنهض عند الفجر بقلب مجنّح خفوق، فتؤدّي واجب الشكر ملتمساً يوم محبّة آخر"، وأن تنام "والصلاة لأجل من أحببت تتردّد في قلبك وأنشودة الحمد والثناء مرتسمة على شفتيك". ويرفض نيتشه أيضاً كلام جبران عن الصلاة. وكيف يقبل بالصلاة، ولمن يصلّي من قد مات إلهه بل من قتل إلهه؟ كيف يقبل بتضرّع جبران "ربنا وإلهنا، يا ذاتنا المجنّحة، إننا بإرادتك نريد، وبرغبتك نرغب ونشتهي. بقدرتك تحوّل ليالينا، وهي لك، إلى أيّام هي لك أيضاً". وما كان نيتشه ليقبل موقف جبران من الدين المتجلّي "بكلّ ما في الحياة من الأعمال"، فالدين عنده اختراع بشريّ، اخترعه الإنسان بسبب ضعفه وخوفه ليُسقِطَ عليه جبانته بدلاً من السعي لبلوغ الإنسان المتفوّق. فالقيم التي بشّر بها جبران في "النبي" مختلفة في عمقها وجوهرها اختلافاً جذريّاً عمّا بشّر به نيتشه في "هكذا تكلّم زرادشت". والنبي في أسلوبه أكثر بساطة وشفافيّة من كتاب الفيلسوف الألماني. إنّه في أسلوبه متأثّر أيضاً، وبخاصّة، بالإنجيل، وبشكل خاص بعظات المسيح. والجدير بالذكر أنّه من المرجّح أن جبران لم يقرأ من مؤلفات نيتشه سوى "هكذا تكلّم زرادشت". ومع أنّ هذا المؤلف معتبر عالميّاً أهمّ إنتاجات نيتشه، فإنّه لا يمثّل نيتشه بكامله.
زبدة القول أنّ شخصيّة جبران غير شخصيّة نيتشه، وتبصّراته غير تبصّرات الفيلسوف الألماني. فالفكر الجبراني ليس نيتشويّاً، وإن كان جبران قد تأثّر ببعض من سبقوه أو كانوا معاصرين له.
ملكة بريطانيا تسلم سلمان رشدي وسام "الفارس" تقديراً لخدماته الأدبية
العربية نت
لندن- وكالات
سلّمت ملكة بريطانية اليزابيث الثانية الكاتب سلمان رشدي وسام "الفارس"، في مراسم أقيمت الأربعاء 25-6-2008 في قصر باكنغهام، وذلك بعد عام واحد من إعلان منحه اللقب.
وعاش رشدي، الهندي الأصل, لسنوات مختبئا بعد أن نشر في 1988 كتابه "آيات شيطانية" الذي اعتبر مسيئا للاسلام، والذي دفع مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لإصدار فتوى عام 1989 بهدر دمه، لازدرائه الإسلام.
صباحكم أجمل\ في رحاب خضوري
بعدستي
ليالي الشمال 3
عمان في القلب كانت ولم تزل، صباح الخير يا ربة عمون، صباح آخر أجمل في لقاء هو الأجمل، في لقاء القلب والروح والياسمين، لقاء الرئة الأخرى من القلب، فهنا أفتح حقائب سفر القلب، حيث اعتدت أن أحمل فيها رام الله وعمان.
حين اجتزت النهر المقدس هبت رياح حارة، كأنها تقول: أنت الآن في أخفض بقعة في العالم، لكني شعرت بها نار الحب المتراكم عبر السنين، يملئ الطرقات ويتراكم في الدروب ياسمينات وجمال وهوى، يقول لي: أنت الآن في أكبر قصة عشق وأجملها، قصة عشق تبرعمت عبر العصور، فكانت نزفي الليلي وعبق الياسمين، فأفرك بين أصابعي برعم ياسمينة، أشتم عبقه على أصابعي، أتذوق شهده، فتهيم الروح عشقا وهوى.
من رام الله الحب إلى عمان الهوى، رحلة الأحد الماضي في زيارة مفاجئة لعمان، شدني فيها الشوق لمدينة سكنت الروح، وأم ما زلت ترقد على سرير الشفاء منذ بداية العام، تقف بين يدي المولى، فهو من بيده الشفاء أو الراحة، أم لها في القلب أكثر ما يمكن أن يكون لكل الأمهات من حب، فأنا أكتب الآن بعد تعب وإرهاق نفسي أكثر مما يكون جسدي، بعد وقفة بجوار سرير الوالدة من بعد ظهر الأمس إلى ما بعد منتصف الليل، فيا الله هي بين يديك ولا أرحم منك على عبادك، وليس من أحد غير الله أتوجه إليه بالرجاء والدعاء.
أجلس إلى شرفتي الجميلة، أفتح الستائر في الصباح المبكر، أستقبل الشمس وأتأمل قطوف العنب التي بدأت تكبر على داليتي التي رعيتها منذ سنوات، فكبرت وعلت حتى وصلت الشرفة في الدور الثالث أثناء غيابي الطويل عن عمان، فوجدتها تستقبلني بجمالها وطيبها، فتعيدني وأنا أتأمل بها إلى رحلتي في شمال ضفتنا، إلى طولكرم ولقائي في الثامن من هذا الشهر بربوع جامعة فلسطين التقنية، التي عرفت عبر تاريخها باسم معهد خضوري الزراعي، لقاء ترك في الروح ما ترك من أثر، فوجدت في الطلبة قطوف العنب التي بدأت تنضج لتعطي الطيب والحلاوة، وفي الهيئة التدريسية والإدارة دالية العنب التي غذت الطلبة من نسغها، حملتها ورعتها، حتى أصبحت قطوفا بين ناضجة وبين قطوف في طريقها للنضج، فمن يزرع يحصد، وها هو حصاد خضوري يعطي ثماره عاما اثر عام.
قرابة الحادية عشر صباحا من ذلك الأحد، كنت أقف أمام بوابة الجامعة، ليفتح حراس العِلم البوابة للسيارة ، متأملا أول ما رأت عيناي، يافطات مرسومة على الجدران دعوات لكتل انتخابية للطلبة، يافطة الجامعة تعلو المدخل، تحمل اسم الجامعة وسهم يشير لليسار، واسم جامعة النجاح وسهم يشير لليمين، فاستغربت وكان هذا السؤال الأول الذي ارتسم في داخلي، ليليه أسئلة أخرى التقطت الأجوبة عليها من بين شفاه الطلبة.
ما أن وصلت لساحة المبنى الرئيس، حتى كان أبنائي الطلبة من إدارة وأعضاء منتديات خضوري يقفون بانتظاري، نزلت من السيارة ليكون لقائي الأول معهم، فأنا لم أعرف منهم سابقا إلا الشاب الجميل المتدفق حيوية رامي أبو شمعة، وهو الذي كان قد اتصل بي منذ زمن من أجل أن أكون عضو شرفي في المنتدى، أشارك به بقلمي وأتفاعل مع قضايا الطلبة ضمن حدود ابن للوطن، لنبدأ جولة ابتدأت بالمكتبة وانتهت بها، مكتبة أكاديمية يطمح المشرفون عليها أن تصبح أكثر تنوعا وحجما ونوعا وتطورا، مكتبة كان أجمل ما فيها لقاء مع الأستاذ رائد الجوهري في لقاء حميم وحوار جميل بحضور العديد من الطلاب، وحقيقة لا أمتلك إلا أن أسجل إعجابي بهذا الإنسان بما يحمله بداخله من روح جميلة وحلوة، لأكمل الجولة فنلتقي بالأستاذ عامر ياسين في شؤون الطلبة، هذا الشاب المتدفق حيوية ومرحا، وحقيقة أقف باحترام خاص أمام رائد الجوهري وعامر ياسين، فالاثنين يعانيان من إعاقة حركية، لكنهما تمكنا من إحالة هذه الإعاقات إلى دافع أكبر للعطاء، فلم يستسلموا لها، وأصبحوا شعلة من العطاء والبذل، وحقيقة لا بد أن أسجل شكري الخاص للقاء الذي جمعني بإدارة الجامعة، فلقائي مع الأساتذة: ماهر قمحاوي ووجدي الجلاد ومحمد حمايدة وعزمي صالح ورشيد الراميني ترك في داخلي أثرا كبيرا، ليتوج اللقاء بلقائي مع الأستاذ منصور الحضيري "أبو الشهداء"، والد الشهيدان علي وعامر، نائب رئيس الجامعة للأمور الأكاديمية. فهنا وجدت علاقة خاصة ومتميزة بين إدارة وطلبة، لقاء مع نخبة تربوية وأكاديمية ونضالية، لا يمكن إلا أن يحفر أثاره في الروح والقلب، فباقة من ياسمين رام الله وباقة أخرى من شيح عمان ودفلاها لكل منهم.
جولة جميلة في ربوع خضوري وحاضرتها، لم يترك الطلبة زاوية لم نتجول فيها، كانوا يشرحون ويتحدثون، استمعت منهم لطموحات جميلة ورائعة، انتماء لجامعتهم ومدينتهم، حلم بأن تتطور محافظة طولكرم لتصبح قبلة للزوار، حلم بأن تكون مدينتهم نقطة استقطاب للنشاطات الثقافية والفنية، أن تعود طولكرم كما كانت منارة مشعة بالثقافة والفن والجمال، يحلمون بمدينة نظيفة بدون مجمعات حرق القمامة على مداخلها الاثنين، شوارع مشجرة تفوح منها روائح الورود بدلا من غازات حرق القمامة، شوارع معبدة بدون حفر ولا مطبات، مدينة منظمة الشوارع والحركة والأرصفة، يحلمون بدار للسينما ومسرح ومكتبة عامة كبيرة وضخمة، أحلامهم كبيرة ومشروعة على المستوى العام للوطن الذي يحلمون بحريته والمدينة، وأحلام مختلفة على مستوى الجامعة وتوقهم للتحديث والتطور فيها، وقد أجاب أحدهم على سؤالي الأول حول وجود اسم جامعتين على المدخل قائلا بمرح لا يخلو من ألم: جامعتنا تعاني من ثلاثة احتلالات، الاحتلال الإسرائيلي باقتطاعه قسم من ارض الجامعة وإقامة مبنى الارتباط عليه، فأصبح محتلا ولم يتم إعادته، واحتلال من وزارة وسلطة الطاقة بإقامة المحولات الضخمة على جزء آخر من أرض الجامعة، واحتلال من جامعة النجاح، حيث تستولي على نصف الجامعة تقريبا لإقامة مشاريع زراعية فيها.
أنهيت زيارة دامت عدة ساعات في خضوري، ودعت الطلبة والمشرفين والإدارة، عشرات الطلبة الذين رافقوني، كنت أتمنى أن أذكرهم بالاسم هنا، لكن ضيق المجال لا يترك الإمكانية لتحقيق الرغبة، فأكتفي بتحية لهم جميعا، طلاب الجامعة وأعضاء منتديات خضوري، فقد غادرتهم وأنا أترك في رحاب الجامعة بعض من قلبي وروحي، وفي لحظات المغادرة صهلت فرس أصيلة هناك، فوقفت للحظات فقد شعرت بهذا الصهيل إشارة إلى صرخة التغيير القادمة، صهيل الحرية القادم على الوطن، صهيل المستقبل الآتي مزلزلا ليكون لنا جميعا الفرح، غادرتهم وأنا أحلم بالغد القادم، فهذه السواعد الشابة هي قوة التغيير وتمزيق سدل العتمة.
صباح آخر يمتد من رام الله إلى عمان، صباح آخر يحمل الحب والهوى والحلم والأمل، طيف يسكن القلب والروح، حروف خمسة ترف من حولي فتسكب عطر اللافندر والياسمين في روحي، تشد من أزري، فيروز رفيقة الصباحات تشدو:
" أمي يا أمي الحبيبة نفح الرياحين والورود، أين ابتسامتك الرطيبة تسمو باشراقة الوجود، ولأسم أمي الجميل لحن في القلب أحلى من النسيم، لا وجه قد لاح فيه حسن يرقى إلى وجهها الكريم، هل لي سوى حبك العظيم أحيا به الوعد بالنعيم، روحاُ بأرجائه أهيم طفلا لأحضانه أعود، أمي و هل لي سوى يديك أرجوهما منة السماء، أبوابها طوع راحتيك إن تسألها يسمع الرجاء، يا من حلا باسمها النداء يا من تسامى بها العطاء، إن رمت جوداُ من السماء، من غير نعماك لا تجود، ألقاك في نجمة الصباح، في مبسم الزنبق الرطيب، في زرقة البحر في الاقاح، أمي و في دمعة الغريب، و الشمس تدنو من الغروب، كأنها وجهك الحبيب، يا وجه أمي لا تغيب، أماه أنشودة الخلود"
صباحكم أجمل.
الثلاثاء، يونيو 24، 2008
قرب سريرها
اصلى اليوم يا قلمـــــــــــــى
لسيدتى ..
لسيدة ٍ كساها الله ُ اوسمــــــة ً
من الاخلاق والقيــــــــــــــــــمِ
فان سجدت مصلية ً
تراه الله ُ مبتسمــــــا
لطهر القلب فيها والفـــــــــــــم
اصلى علها تشفى ..
لتسمعنى ..جميل الحرف والنغــم
فطاهرة ُ .. وناعمة ُ
فمن راس ٍ الى قـــــــــــــــــــــــدم ٍ
اراها عبر قافيتى ..
قصيدا بعد ُ لم يكتب ْ
على ورق ٍ ومن قلـــــــــــــــــــــــــم ِ
كعطر الزهر بسمتها ..
تعطرنى ولو حلما ً
فما احلاه من حلـــــــــــــــــــــــــــــم ِ
اصلى قرب مضجعها ..
لربى .. موقدا كل ما فى الكون من شمع ِ
بان تنهض معافية ً
من الامراض والالم ِ
فعودى رقصة ً فيّا ..
وجودك طاهر مثل الريح فى القمـــــــــــــم
اصلى اليوم سيدتى ..
فبعدك صار قلبى غير مبتســـــــــــــــــــــم
فعودى زهرة الروض ..
حدائقنا ..غدت صخرا بلا نبــــــــــــــــــــــع ِ
فلا الازهار ُ مورقة ُ ..
ولا ورقى بمشتاق ٍ الى قلمـــــــــــــــــــــــــى
انا من غير شعرى ضائع ابدا
لغيرك لم يكن شعرى
بهذا الشوق والنغم ِ
فعودى ..بسمة الدنيا ..
اصلى من عميق القلب ..سيدتى
لبارى الكون ..والنعم ِ
با ن يشفيك ِ غاليتى ..
وتغدو الدنيا باسمة ..بلا الــــم
الاثنين، يونيو 23، 2008
جماليا.. دن الحروف
مفيد نبزو
مفيد مسوح في الأحرف الأولى:
مَنْ شاعرٌ ما عافهُ الإلهامُ
مِنْ شعرهِ تتماوجُ الأنغامُ؟!
فذٌّ، بموقعهِ الجميلِ جماليا
تتعانقُ اللوحاتُ والأقلامُ
يا مَنْ تمثَّلتَ العطاءَ رسالةً
لكَ من عروسِ الكبرياءِ سلامُ
دنُّ الحروفِ معتَّقٌ مِنْ كرمةٍ
طابتْ، وفيها خمرةٌٌ ومدامُ
ما أطيبَ الأدبَ الرفيعَ وحوله
ضوءُ النجوم لتنجلي الأوهامُ
ساهرتَ بنتَ الوردِ حتَّى أصبحتْ
وتعطَّرتْ من عطرها الأنسامُ
وعدٌ، ووعدُ العبقرية شاعرٌ
في أصغريهِ الشعرُ والأحلامُ
حارَ البيانُ، فهلْ أصوغُ قصيدةً
لجماليا، أم تُنصفُ الأيامُ؟!.
المطبخ الثقافي-
- محردة-
دماء القومية البغيضة
القومية ، هى من اعز الاشياء لدى الانسان فى أى شعب من الشعوب
وهى فضيلة تدفع المنتمى إليها إلى محاولة أن يرتقى ببلده : اقتصادياً ، وسياسياً ، وروحياً ، ودينياً
وعندما تنكر قومية من القوميات على كافة الشعوب كل قومياتهم ،
ولا تعترف إلا بنفسها فقط
فتثير الحروب والقلاقل ، وتدفع إلى ظلم الآخرين ، وسلب حقوقهم والاستيلاء على املاكهم ،
واغتيال قادتهم ، وارتكاب كل جريمة فى تحقيق المطامع التوسعية
فهى تمسى : عنصرية شيطانية اجرامية
وتاريخنا الارضى ، يئن من مثل هذه القوميات التى نادت بمثل هذه الشعارات :
" شعب الله المختار "
" خير أمة اخرجت إلى الناس "
" سمو الجنس الآرى "
**
فأنبتت زعماء خالدين فى سجل الاشرار
ولدوا حاملين لعنة الوراثة ،
وساندتهم أبواق غبية ، جعلتهم يجمحون فى كبريائهم ؛ لاجل اشباع قسوتهم
لو تخيلنا كل واحد منهم : لم يعمل شيئاً آخر فى حياته سوى كتابة اسماء ضحاياه الابرياء ، لما اتسعت حياته كلها لكى يفرغ من ذلك !
قوميات عمياء ، تأكل حتى ابناءها:
ألم يعلقوا السيد المسيح على صليب العار والموت ؛ لأنه نظر إلى ما وراء تخوم الأمة اليهودية ؟!
ألم يسق سقراط كأس الموت بحجة أنه يعمل ضد الروح القومية الوطنية ؟!
ألم توضع اسماء : طاغور ، وغاندى ، واينشتين ، ورومان رولان ، وغيرهم ، فى رأس القائمة السوداء ؛ لأنهم كانوا يشنون الحرب على الحرب ؟!
وألم يلحق بهم كل الذين تفتقت أذهانهم نوراً وخيراً ، فوضعوا على شفاة شعبهم وهم على أعتاب قبرهم : قوة غير عادية ليصلوا بإتضاع لأعدائهم ؟!
**
أن كل الذين يعانون تحت مواطىء الطائفية البغيضة ،
يتطلعون بأمل إلى بزوغ زعماء يتولون مسئولياتهم : الأخلاقية ، والاجتماعية ، والدينية ،
بروح متصوفة وثابة تطلع كالنور من وراء المشرق ، برسالة ثائرة فى نفس تضطرم بنار الغيرة ، والتضحية الفذة فى حياة مغامرة تكاد تحسبها فوق الطاقة البشرية تتحدى بصوت مدو كقصف الرعد عالماً غدا : مادياً ، بارداً ، خليعاً ، ماجناً
ويتطلعون إلى انتفاضة تاريخية للمنظمات العالمية ، تنهض بقوة وعنفوان من تحت الرغام والركام ، لتتكلم لا بصوت نبى فقط يدعو إلى حياة الحق والسلام ، بل تترجم فى قوانينها الباسلة تلك المبادئ الحية التى ما فتئت على مر السنين مصدر كل قوة فدائية فى حياة الانسانية ، وتتولى برغبة حارة مهمة شفاء الأمم
**
ولكل الذين لا يزالون يريقون الدماء باسم القومية
لا نصيحة أقدمها لهم ،
إلا ما تقدمت به سونيا للقاتل المجنون فى تحفة ديستوفسكى : " الجريمة والعقاب " :
" قم من مكانك واسرع فى هذه الساعة إلى مفترق الطرق ،
وأركع وقبّل الأرض التى دنستها بجريمتك ،
ثم انحن لزوايا العالم الأربع ،
وأصرخ أمام الملأ :
لقد أرتكبت جرماً
لقد أزهقت روحاً
وثق بأن الله سوف يعطيك حياة جديدة
هل تذهب ؟ هل تذهب ؟
فربما يفعلون يوماً مثلما فعل : " راسكولنكوف "
لقد كان قاتلاً مثلهم ، وزاهقاً للنفوس
ولكنه سمع نصيحة " سونيا " وعاد إلى نفسه !
adelattiaeg@yahoo.com
النَّبِيُّ الأشْرَف
تَبَّتْ يَدَاكَ أيَا عَدُوَ الْمُصْطَفَى
مَا ضَرَّ خَيْرَ الْخَلْقِ حِقْدُ الشَّامِتِ
وَاللهُ قَدْ أوْلاه نَصْراً وَاصْطَفَى
النَّارُ تَأْكُلُ قَلْبَ كُلِّ مُكَابِرٍ
وَنَبِيُّنا الْمَعْصُومُ بِاللهِ اكْتَفَى
لَا تَعْجَبَنَّ لِصَبْرِ مَنْ خَلَقَ الْوَرَى
فَلَسَوْفَ يَأْتِي حُكْمُ رَبِّكَ مُنْصِفَا
إنْ يُمْهِلِ الْقَهَّارُ يَوْماً ظَالِماً
لِيَعِيشَ ذُعْراً ثُمَّ يُبْعَثُ خَائِفَا
يَا سَيِّدِي حَسْبُ الْأَنَامِ شَهَادَةً
مِنْ رَبِّ هَذَا الْكَوْنِ عَنْكَ مُعَرِّفَا
لَكَ رِفْعَةُ الْأخْلاقِ مَانَزَلَ الْحَيَا
وَلَهَا الثَّنا، فَبِكُمْ تَعِيشُ تَشَرُّفَا
يَا سَيِّدِي مَا نَالَ مِنْكَ مُخَرِّبٌ
دَأبَ السِّبَابَ فَكَانَ قَلْبُه مُدْنَفَا
قُلْنَا سَلاماً لِلْجَهُولِ وَلِلَّذِي
مَا كَانَ مِنْه سِوَى الْمَسَبَّةِ وَالْجَفَا
فَمُحَمَّدٌ وَكَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ
خُلُقُ السَّمَاءِ وَنَحْنُ بِرٌّ مِنْ صَفَا
بِكَ يَا بْنَ عَبْدِ اللهِ يَنْقَشِعُ الدُّجَى
مَا عِشْتَ يَوْماً عَابِثاً وَمُعَنِّفَا
خُلُقٌ عَظِيمٌ فِي الْكِتَابِ وَمَنْ لَهُ
مِثْلُ الَّذِي أعْطَاكَ رَبُّكَ عَاطِفَا
سَمْحٌ كَرِيمٌ ذَاكَ أمْرُكَ كُلُّهُ
وَالْحَقُّ سَيْفُكَ حِينَ يَقْطَعُ عَاصِفَا
فَسَلامُ قَلْبٍ قَدْ تَسَابَقَ شَوْقُهُ
سَعْياً لِنُورِكُمُ الْبَهِيِّ فَهَلْ وَفَى ؟
وَصَلاةُ رَبِّ الْكَوْنِ خَيْرُ هَدِيَّةٍ
هُوَ يَصْطَفِيكَ بِهَا فَكُنْتَ الْأشْرَفا
اختيار من ديواني / مواكب الأنوار للنبي المختار
العجوز والفوطة.. أو فيروس نبيل عودة
( 1 )
بعض نشيطي الأحزاب في بلادنا لامعون في نقاشهم وطروحاتهم .. ولكنهم فارغون من المضمون .. ومن القدرة على الرؤية خارج المربع النهائي للفكر الحزبي المتزمت ، الذي دفنوا أنفسهم فيه أحياءا. وكثيرا ما وجدت نفسي أختار الصمت ، تلاشيا لحوار الطرشان . ان عقليتهم وردود فعلهم ، ذكرتني بحكاية العجوز الطاعن في السن الذي تزوج من صبية ناضجة مثل زهور الربيع .
بعد زواجهما بشهر واحد ، ذهب العجوز لمرشده الديني شاكيا همه .
قال : تزوجت يا سيدي من صبية تحبني وأحبها ، ومع ذلك لم أنجح بايصالها الى قمة اللذة ، فتكاثرت شكواها ، وهذا الأمر يثقل على حياتي معها ، فما العمل ؟
قال المرشد الديني بعد تفكير : عليك يا أبني باستئجار شاب يقف فوق سريركما ومعه فوطة يلوح بها حين تعاشر زوجتك .. وعندها لا بد ان يحصل ما ترجوه .
وهذا ما كان . استأجرالعجوز شابا ، ووقف الشاب يلوح فوق سرير الزوجين بفوطته . ولكن الزوجة لم تتغير حالها وازدادت شكواها ..
عاد العجوز الى مرشده الديني شاكيا باكيا حظه العاثر. طالبا حلا لمشكلتة مع زوجته الناضرة .
قال له مرشده الديني : لا تجزع ، لكل مشكلة حل . يجب ان نغير الأدوار الآن . الشاب ينام مع الزوجة في السرير ، وأنت تقف فوق رأسهما ملوحا بالفوطة.
ونفذ العجوز أوامر مرشده الديني (أو قائده السياسي ) ، وقف ملوحا الفوطة فوق رأسي الشاب وزوجته الصبية التي دبت فيها الحياة ، وبدأت تتأوه وتتلوى لذة وانبساطا .. فازداد تلويح العجوز بالفوطة توترا وهياجا. وعندما انتهى الشاب من واجبه ، نظر اليه العجوز شذرا وصرخ به : يا ابن القحبة ، أنت لم تلوح بالفوطة بشكل صحيح ، كان يجب ان تلوح مثلي .. هكذا !!
حقا .. مشكلة سياساتنا وأحزابنا ونشطائهم وكتبتهم هو شكل التلويح وليس جوهر المشكلة!!
( 2 )
في حديث اذاعي لأحد الملتصقين عنوة بالأدب ، أدلى به بمناسبة رحيل الشاعرة العراقية نازك الملائكة ، قال في تقييمه ان نازك الملائكة أسست لقصيدة النثر العربية ... كنت مستمعا للبرنامج ، فأصبت بعسر الهضم الثقافي المريع . حككت
جلدة رأسي بقوة لأنشط ذاكرتي ويقيني ، لعلي فقدت الاتجاه ... اذ كنت على يقين ان نازك الملائكة لم تكتب قصيدة نثرية واحدة ، ولكن الملتصق بالأدب ، دكتور في التاريخ ، وبدأ نشاطه " الثقافي " بعد ان تجاوز جيل التقاعد وبات لديه فراغ واسع وتخيلات ثقافية ، وانا مجرد حداد ، أعتاش من مهنتي الصعبة ، التي أعمل فيها عشر ساعات يوميا على الأقل ، عدا ساعات السفر ... فهل فاتني ما يكمل معرفتي لابداع الشاعرة نازك الملائكة؟
لا أدعي اني ملم بكل ابداعها ، ولكني على يقين انها لم تكتب حرفا واحدا غير موزون في قصائدها . حقا كتبت قصيدة التفعيلة الشبيهة من ناحية الشكل بقصيدة النثر ، ولكنها " موزونة على المسطرة " .
ومع ذلك لم أكن مستعدا لمناقشته ، وهو الناقد والشاعر والقاص والمؤرخ والذي "تعلم" مقالاته النقدية في الجامعات و"يتتلمذ" عليها ادباء المستقبل ومفكروه.. هذا على الأقل ما يدعيه ، ولكل انسان ، حرية التعبير عن الرأي وعن الحلم وعن الأوهام التي تداعب ذهنه ما دامت لا تؤذي البشر ولا الأدب والثقافة !!
ما أعاد ثقتي بمعرفتي العامة لابداع نازك الملائكة ، زميل شاعر ، أعتبره من أبرز شعراء العامية في بلادنا وأرقهم تعابيرا ، وأعني الصديق سيمون عيلوطي من الناصرة ، صاحب الموقع الثقافي المميز " الموقد ". فأنا لم أكن في الحقيقة على موعد معه ، كنت مستمعا للبرناج الاذاعي ، وبدات أتحرك على كرسيي بنوع من الحيرة وعدم الراحة على هذا الجهل الثقافي ، وتتملكني الرغبة الحادة والفورية في ايضاح ان نازك لم تكتب قصيدة النثر اطلاقا ، وانها من أبرز شعراء التفعيلة في شعرنا العربي .
ولذلك المتثاقف أقول ان شعر التفعيلة هو شعر موزون اذا كان لا يعرف ذلك ، ولكن كيف أصل لمقدم البرناج لاصلاح هذه الهرطقة الثقافية ؟
ما شفى غليلي حقا وانا في حيرتي هو مشاركة الشاعر سيمون عيلوطي في مداخلة بنفس البرناج ، انتبه من الجملة الأولى ، بشكل خاص ، لهذا الخلط وعدم القدرة على التمييز بين شعر النثر وشعر التفعيلة الذي وقع فيه الناقد القاص الشاعر الأديب .. على آخر العمر !! شارحا بوضوح ان نازك لم تكتب قصيدة نثرية اطلاقا ... وان حضرته لا يميز كما يبدو بين المنثور وشعر التفعيلة ، ولا أعرف كيف تلقى " أديبنا " هذا التوضيح بالبث الحي والمباشر .
ما يجعلني أدون هذا الموضوع ، ان " الأديب " اياه ، وفي أول مناسبة التقى فيها مع زميلي الشاعر سيمون عيلوطي ، اتهمه انه مصاب ب : " فيروس نبيل عودة " .. حقا الأمر مضحك ويبعث على السخرية ، وكان نفس " الأديب " قد تفوه امام أقرب أصدقاء لي ، من مبدعين لهم مكانتهم ، بأوصاف لا تليق أن يستعملها حتى رجال العصابات بين بعضهم . حقا تلقى الاجابات المناسبة من الجميع ، وقد فضلت تجاهل بذاءته .. والتعامل معه وكأن شيئا لم يصلني .. وحتى تجاهلت "خرابيشه النقدية التي تعلم في ارقى الجامعات العالمية "...
بالطبع أعذره، لأن حاله أشبه بحالة العجوز ، الذي طعج الثمانين، ويتقدم نحو التسعين، اذ التقى في بيت للعجزة ، بسيدة كبيرة في السن ، تلبس بنطالا ضيقا ، يظهر مفاتنها ، أو ما تبقى من مفاتنها .. اعاده الى ذكريات الشباب ، قال لها : " اليوم عيد ميلادي .." آملا بعناق وقبلة كل عام وانت بخير .. أجابته : " رائع ، انا على استعداد للمراهنة بأني أعرف كم عمرك اليوم بالضبط ." انفعل العجوز :" حقا ؟ كيف ؟" . قالت السيدة : " بسهولة .. انزل بنطالك . "
انزل العجوز بنطاله . تفحصته وقالت : " انت ابن 84 عاما ". تعجب العجوز : " كيف عرفت ؟" فأجابته :" انت نفسك أخبرتني بعمرك أمس " .
غضب هذا "الأديب" ورؤيته ان نبيل عودة أصبح " فيروسا " معديا لكل من يناقشه وينتقد آراءه أو يصوبها ، جاء بسبب رأي ثقافي عبرت عنه ، رفضت فيه تقييمه واسلوب نقده المدحي والمليء بالتطبيل والتزمير ، لعدد من الاصدارات الفجة والفارغة من الأدب ومن أي مضمون لغوي أو ثقافي أو فكري ، منتظرا العناق والقبلة.
هذا الأسلوب يعمق الغرور عند البعض ويضاعف أزمة الكتاب المحلي ، أزمة القراءة والتوزيع وتطوير حركة ثقافية مؤثرة وقادرة على الحياة والنهوض بحركتنا الأدبية .
( 3 )
لا أكتب لأني غاضب ، بل أكتب له ولآخرين لا يقلون عنه غرورا وفراغا ، من منطلق الشفقة ، ولأمنع هذا "اللون الثقافي الشتائمي " .
هناك "متشاطر" أيضا يريد ان يمتحنني بالاملاء العربي .. وهو شخص من الصعب الاقتراب منه بسبب " ... " كما كتب الأديب عطالله جبر في قصة جميلة اسمها "الرائحة" ، نشرها على موقع "الموقد" .
أكتب للمتطاولين سياسيا أيضا ، بعضهم اتهمني بأني أكسب المناصب على حساب مصائب شعبي ، هذه التهمة نشرت في اليوم الذي فصلت من عمل اعلامي في موقع بسبب آرائي السياسية ونقدي للحياة السياسية والسياسيين ومناهجهم ، ورأيي الصريح بحالتنا السياسية والثقافية ، والذين صارت اهدافهم السياسية لا تتعدي ضمان كرسي في البرلمان ( الكنيست ) . واليوم انا ، بصراحة مطلقة ... عاطل عن العمل ومسجل رسميا في مكتب العمل في الناصرة . هذا هو المنصب الوحيد الذي حصلت عليه من مواقفي السياسية والفكرية والثقافية .. ولا اتمناه لأحد !!
نبيل عودة لا ولن يبيع كرامته ووضوح رأيه واستعداده للنقاش الجاد مثل بعض المعتوهين الدخلاء على السياسة أيضا .
ان خلاف الرأي هي مساله من المفروض ان تكون طبيعية جدا ، والتعددية الثقافية والفكرية والقومية والدينية ، حق اساسي من حقوق الانسان ، في دولة اسرائيل أيضا ... ولم تستثن مواطنيها العرب من هذا الحق القانوني ، فلماذا لا نطبقه على نقاشنا ، ونتمسك به ، خاصة وانه يعطينا مساحة واسعة لنقد وفضح سياسات التمييز العنصرية للمؤسسة الاسرائيلية الحاكمة وارباكها قضائيا وسياسيا واعلاميا وثقافيا ، محليا ودوليا أيضا . هل نحن ضد حرية الرأي والحوار والنقد بلا شتائم وبلا اتهامات صبيانية معتوهة ؟ أم اننا نعمل لنستثني أنفسنا ، برفض هذه الميزة الدمقراطية الرائعة والعملية والتي لا تطوير لأي مجتمع مدني بدونها ؟ والمؤسف ان هذه المساحة الدمقراطية ، تستغل في التحريض ضد المختلفين رأيا وفكرا وهوية ثقافية أو دينية أو قومية .
أقول من المؤسف ... ولكن للحقيقة لا أسف ، انما منتهى السخرية . حلقة مفرغة من الادعاءات والمدعين التافهين . ينظرون ولا يفقهون بديهيات الحياة والمجتمع الذي ينظرون له. فكرهم من المهد الى اللحد ثابت مثل جرمق بلادنا . نعشق جرمقنا بشموخه ، نعشق اطلالته على جليلنا الأبي الأشم . نعشق أزهاره وحيواناته وأشجاره وطبيعته وهواءه وخضرته الدائمة ، التي تورق في القلب أحاسيس من الحب والجمال والعشق للوطن. ولكننا لا نعشق جمود فكرهم وترهلة ، لا نعشق تحجرهم المتواصل رغم حقائق الحياة المتغيرة بلا توقف . لا نعشق اصفرار نصوصهم وأحكامهم وضلالهم الذي يسوقوه كما تسوق البضائع الفاسدة .. بالخداع والتزييف!!
وحالهم مثل ذلك الزعيم الجديد لقبيلة من الهنود الحمر ، القاطنين في محمية طبيعية .. لم يتعلم طرق أجداده في الكشف عن الآتي .. وكان فصل الشتاء على الأبواب ، وأراد ان يعرف حال الشتاء القادم ، وهل سيكون باردا .. أم لطيفا ، ليعطي ابناء قبيلته نصائح الاستعداد للشتاء .ولكنه لعدم خبرته باساليب أبائه وأجداده في الكشف عن حال الطقس والتنبؤ بما يكون عليه الشتاء من برد ، قرر ان يدعو ابناء قبيلته الى جمع الحطب استعدادا لشتاء بارد . ومن أجل التأكد من قراراته ، اتصل بدائرة الأحوال الجوية مستفسرا عن توقعاتهم للشتاء القادم . وهل سيكون باردا ؟ قالوا انهم يتوقعون شتاء باردا . اطمأن لقراره وشجع قبيلته على جمع المزيد من الحطب.
بعد اسابيع اتصل بدائرة الأرصاد الجوية مرة أخرى ، ليطمئن على صحة قراراته . قالوا أنهم حقا يتوقعون شتاء باردا جدا جدا . وعليه أصدر قرارا بجمع أكثر ما يمكن من الحطب. وعاد يتصل بعد ايام بدائرة الأرصاد .. اذ بدا الشتاء ولا يظهر البرد الشديد ، فهل تكون كميات الحطب التي ملأت بيوت وساحات المحمية الطبيعية بلا فائدة ، وتظل متراكمة في الصيف القادم في مكانها ؟
- هل حقا انتم متأكدون ان هذا الشتاء سيكون باردا جدا ؟
- أجل باردا جدا !!
- وكيف تأكدتم من ذلك ؟
فاجابوه : لأن الهنود الحمر في المحمية يجمعون الحطب بشكل جنوني .. لذلك عرفنا اننا مقبلون على شتاء بارد جدا جدا!!
هكذا يتصرفون عندنا أيضا . يقررون بدون معرفة . لا يميزون بين الخطأ والحقيقة. يزورون ويتمادون في التضليل . يورطون شعبا كاملا بنهج خاطئ . ربما قصة الزعيم الهندي تثير الضحك ... أما قصة سياسيينا وكتبتهم التافهين ، والمصفقين والسحيجة فتثير السخرية والقلق على مصيرنا مع سياسيين يمارسون السياسة بقيم الدجل والتزييف .
ربما يفهمون السياسة من مصدر التشابه اللغوي ، من التسييس مثلا . تسييس الخيل ... ولكن هل يمكن تسييس الشعوب ؟
حقا يمكنهم تسييس زلمهم ... ولكن لا يمكن تسييس شعب وثقافة وفكراذا كانت آفاقهم لا تتجاوز التلويح بالفوطة.
فهل يكفون عن التلويح بفوطهم ؟؟
نبيل عودة – كاتب واعلامي فلسطيني – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com
الأحد، يونيو 22، 2008
الحسناء
يا حاملَ الحُسْنين كيف بحالي = أمسيتُ أزرعُ في الفلا آمالي
يا سائلي قلبي يصيحُ توجعا ً = ويهيمُ شوقا في الربى وتلال
حالي كمن للموت كان مُقيّدا ً = الحبل طودٌ والردى أقبالي
للعنكبوت غدوتُ طُعم سمومها = وشباكها كفنٌ الى أوصالي
شوقي لمن دخلت فؤاديَ غفلة = فأذاقني عجبا ً من الأهوال
حَسَنُ الملامح والمعاني حلوةٌ = والخد يرقصُ زاهيا ً كهلال
وعيونها الخُضر الحِسانُ كأنما = فيها الجمالُ متوّجا ً بجمال
يامُشبعَ العين التي لم تقتنعْ = يوما ً بألوان ٍ وحسْنَ نوال
ورأيتها الشمسَ التي من طيفها = ما عاد ليلي مُظلما ً بضلال
تمشينَ فخرا ً بالحجاب ِ تناغمي = سحرَ الحياة وقد زهى بخمال
حُسْنُ القوام مع الحجاب تلاءما = بدر ونجم قد علا بليال
يا كوكبَ الأسحار دامَ بنوره = فعلا شموسَ الظهْر دونَ زوال
وصفا بلا غزلٍ أداعبُ من لها = قلبي يدقُ كهارب ٍ برمال
ولمحتُ وهجَ ضيائهِا في مَشرق ٍ = فكأنّها فجرٌ من الأطلال
ورأيتها بدراً برفقة ِ أنجم = في ليلة ٍ فيها الدجى كجبال
تبدين للدنيا كأنك زهرةٌ = حوراءُ روح ما لها بمثال
من خلقها قد خرَّ قلبيَ ساجداً = لله من عجبي ومن إقبال
ما عادَ ينفعُ لهفتي صبرٌ ولا = روحي تجامل كبوة لوصال
الليلُ أمسى كالعصور لطوله = والحزن ُ فيه قد نمى بهزالي
فحَسَبتُ من سهري نجوما ً مالها = حدٌّ فصارَ العدُّ كالأرتال
لم يحلُ في قلبي أُناث غيرُها = فخيالها شغف الى أوصالي
وركظتُ أدفعُ ما كسبت بعالمي = لزواجها في بهجة وحلال
من نظرة ٍ دخلت حياتي والهوى = فغدوتُ مسجونا ً مع الأغلال
قد زادَ في حُسن المعاني خُلقُها = فالخلقُ إحسانٌ وحُسْنُ جدال
لا خيرَ في حُسن ٍ لأهل ظلالةٍ = فالحسنُ أخلاقٌ مع الأشكال
كثرُ الكلام بلا معان ضائع = لا خيرَ في قول ٍ بلا أفعال
لم تدخلَ القلبَ المحُاط بأسهم ٍ = إلأ سهامَ الغدر من أنذال
لكنّ قلبي قد تشبّعَ أسهما ً = مِنْ عين مَنْ خُلقتْ بلا أمثال
الله صوّرَ من جمال ٍ حُسنها = فإذا به قد فاقَ كلّ خيال
فيها الحياء مع التعفف آية = متوهّج من لونها بجلال
سُميّتُ بالصيّاد ِحين قربتها = فكأنّها في مقبضي كغزال
شربتْ من النهرين بنت بلادنا = فلذا تورّد َ خدّها بزلال
حول الضفاف قد زهت بحجابها = من صغرها وترعرعت بدلال
من عطرها فاح النسيم عذوبة = وانساب زهوا كالهوى بشمالي
وتُداعبُ الأحساسَ عند حديثها = وتُجدّدُ اللآمال كالأمصال
كالأمّ تحنو للصغير بقلبها = وتفيضُ في ودّ بلا إثقال
كالبدر عُمرا ً حين لحت خيالها = فتوسّدت روحي على زلزال
الطير في البستان صاغ نشيده = نغما يعانق صوتها بموال
إن الشبابَ الى الحياة تألـّق = وربيع عمر سائر بعجال
لكن عُمرُك كان جذو صبابة = مهما مضى لا زلت كالأطفال
ودعوت ربّي إن يمدّ بعمرها = ففراقها موتٌ بغير مطال
الله قد وضعَ المحاسنَ واهبا ً = في كلّ موجودِ مع الأفضال
يا طين منك فأُخرجت ما لا ترى = عينٌ من التكوين والأشكال
فالطينُ يحوي في منابع ِ ذاته = وهجَ الجمال ومنتهى الآجال
والله ما كان الكلامُ تغزّلاً = أو كان للأنثى مديحَ مُغالي
بل إنّه ذكر ٌ لقُدرة خالق ٍ = قد زيّنَ الأنثى بخير خصال
لا خير في دنيا وإن طالت بنا = إن لم تكن أملا لكسب منال
اما الشباب فليس عمرا ينقضي = بل إنه عزم مع الأقوال
من جاوز التسعين قد يحيا كمن = يحيا الشبابَ ببهجة ونزال
زهرةُ آخرِ الأنبـيـاء
الـفـكرُ حسـنـُكِ فاقَ الشَّرقَ و الـغـربـا
و أحرفي فـيـكِ كمْ ذا أورقـتْ حُـبـَّـا
ما عدتُ لـُبـَّـاً و لكنْ حين يطرقُني
هواكِ أملكُ مِنْ هذا الهوى الـلُّبـا
ماذا خسرتُ و أنتِ شهدُ قافيتي
و بلسمي منكِ أعطى العَالَمَ الطِّبـا
زهراءُ كلُّ عروقي منكِ قدْ نـهضتْ
أرضاً و حبـُّكِ أمسى في دمي الشَّعـبــا
صاحـبـتُ حـبـَّكِ أعطاني مودَّتـَهُ
و كلُّ أنوارِهِ صارتْ ليَ الصَّـحْـبـا
و عطرُ روحِكِ في صدري يُظلِّـلُـني
و يدفعُ الهمَّ و الأرزاءَ و الخطبـا
تقاطر َ الحبُّ رَكباً في دمي و أنــا
ما زلتُ أُنشئُ مِنْ حبِّي لكِ الرَّكـبـا
زهراءُ يا أوَّلَ الدنـيـا و آخرَهـا
أنتِ الجَمَالُ الذي لمْ يـرتـكبْ ذنـبـا
إنـِّي تـلـوتـُكِ آيـاتٍ مقدَّسةً
تـُحـاورُ العـقـلَ و الأرواحَ و الـقـلبـا
هذي حـقيـقـتـُـكِ النوراءُ أفهمُهـا
كشفَ المرايـا الذي لمْ يـستـبحْ كذبــا
خزائـنُ الفكر ِ لمْ تـُعلِنْ خسائـرَهـا
و كلُّهـا منكِ كمْ ذا حـقـَّـقـتْ كـسـبـا
لـكِ السماواتُ دُرٌّ في يديكِ و ما
أمسى بكِ الدُرُّ في مرمى العِدى نهبـا
أنتِ الـصـلاةُ بمحرابِ السماء ِ و كمْ
أهديتِ للذكرِ ذكراً مورقـاً رطـبـا
فيكِ الـتـلاواتُ لمْ تـُوقِـفْ روائِـعَهـا
على لسانِك تجري كوثـراً عذبـا
أحلى دعاء ٍ تسامى فيكِ سيِّدتي
و غـيثُ كـفـِّكِ كمْ ذا أوقفَ الجدبـَا
على خطاكِ تـتـالـتْ كلُّ ملحمةٍ
تـًعلِّمُ الماءَ و الأزهـارَ و العـُشـبـا
مَنْ لا يـراكِ هُدىً في كلِّ مـنـقـبـةٍ
على المناقـبِ أمسى يُعـلـنُ الحـربـا
و كلُّ شيءٍ نما في حبِّ فاطمةٍ
سقى السَّماواتِ مِنْ عليائِـهِ حـبـَّـا
أهلاً بمَنْ أعطتِ التأريخَ صولـتـَهـا
و أعطتِ الفكرَ ذاكَ المستوى الخصبـا
أهلاً بسيِّدةٍ سادتْ معالمُهـا
كلَّ النجوم ِ و داوى نورُهـا الـغـربـا
بنتَ النبيِّ أيـا زهراءَ كوكبـةٍ
بينَ البطولاتِ صرتِ ذلكَ الـقـُطـبــا
فـيـكِ الشجاعةُ تسمو في جواهرِهـا
و هيـبة ٌ منكِ كمْ ذا أنبتتْ رُّعـبـا
كم أزهـرتْ مـنـكِ للإسـلام ِ رايـتـُهُ
و شقَّ معناكِ أنوارَ الهُدى دربـا
إيمانـُكِ الغضُّ لمْ تـنهضْ بطولـتـُهُ
إلا ارتفاعاً كبيراً شامخاً صلبــا
كلُّ المساجدِ للرحمن ِ صرتِ لهـا
روحـاً و أشعلتِ فيها العقلَ والـقـلـبــا
و فـيـكِ حجَّتْ إلى المعبودِ نافلةٌ
و كلُّ فجر ٍ إلى عـينـيـكِ قـد لـبَّـى
و رحلة ُ الفتـح ِ في يُمناكِ قدْ ظهـرتْ
والمرتضى فيـكِ يـُثـري كونـَكِ الـرَّحـبـا
هذا ثـراؤكِ في علم ٍ و في أدبٍ
هيهاتَ يخلقُ فيكِ الجزرَ و النضبـا
لم يبدأ الغيثُ إلا حينَ خافـقِـهِ
على محبَّـتـِكِ الخضراء ِ قـدْ شـبـَّـا
تحـتـارُ فـلسفـتـي في كلِّ زاويةٍ
مِنْ أيـنَ تأتـيـكِ فكراً ممتعاً عذبـا
كيفَ الوصالُ إلى تـرتـيـل جوهرةٍ
وصـالُهـا يكشفُ الأوجاعَ و الـكـربـا
هذا حضوركِ في كلِّ الزمان ِ بـدا
فـتـحـاً تعوَّد أنْ يستسهلَ الصَّعـبـَا
أضحى البعيدُ إذا يهواكِ سيِّدتي\
ذاكَ القريبَ الذي قدْ زدْتـِهِ قـربـا
السبت، يونيو 21، 2008
مهرجاناتٌ سِريّة وخطوط ٌذات صلة
مهرجانات سِرّية !
*************
يا ثلاثينَ ربيعاً (*)
من قَوافٍ ومَشافٍ ومَنافٍ وإباءْ
انا لم أكتبْكِ كي أُصبحَ عضواً
في اتحاد الأدباءْ !
او لكي يَسألَ عني مهرجانٌ
هو أدعى للرثاءْ
انا سامٍ
وكفى باسمي سُمُوَّاً وعلاءْ
فرحُ الدنيا انا , أعماقُهُ
وعَدا ذاكَ هباءٌ في هباءْ !!
---------------
بالمِثْل
**********
أصفارٌ , أرقامٌ ,
وانا بالمِثْل غداً أَمضي
كالزهرِ الذابلْ
لكنْ ما سيُجَدِّدني أبداً
أشعاري الباقيةُ
وإنْ غَضِبَتْ بابلْ !
---------------
أوراقي
******
لو تُسقيني تِيهَ الدربِ على جرعاتٍ !
سبحانكَ ,
لكنَّ عزائي مَهما قيلْ :
أوراقي المغمورةُ بالسِّلمِ
ونوباتِ التقبيلْ !
--------------
تَيَمُّن
*****
إنْ هو إلاّ مَداري الأوَّل
وسمواتي الأخْضَل
هَتَفْتُ : أُهيبُ بهِ فأكونُ شاعِراً ,
فأكونُ شيئاً ما .
على أنَّكم سَخَرْتُم منّي
فَجَمَّعْتُ صَبواتي وخَرْبشاتي
وقَفَلْتُ مُهاجِراً
خلاصاً من اعتسافِكُم
وتَيَمُّناً بالحزانى وأبناء السبيل !
ونكايةً بالمُتَفَيقِهين
وبإحداثيّاتِ العسكرْ !
-------------
قيامة
*****
وانا أسيرُ قيامتي ,
التأريخُ يومَ يرفُّ كالتابوت حولي داعياً
فبأيِّ ميراثٍ سأُقْنِعُهُ
بأني حفنةٌ من تُربةٍ لكنما من أصلِ نايْ
وهويَّتي شِعرٌ اذا ما متُّ تعكسُهُ عيونُ سِوايْ ؟
--------------
مَزامير
******
أيها الوطن ,
يا ابنَ الشرق المسحور ,
أيّها الآمِنُ من الأمان
سأبقى أجازيكَ
ولكن ليس كما جازيتني
فَبعدما طَلَّقْتَ أحلامي ثلاثاً
سأُغَنِّيكَ , أُغَنّي أنهارَكَ ثلاثاً
فَعَليكَ بأوراقي ,
والحَذَرَ , الحَذَر
فقد تُفاجِئُكَ أفعىً نهريَّةٌ
تطلُّ برأسِها عليك
ولكنْ لا .....
فَمِثْلُكَ يا حاوي الأفاعي
لا يُغَنّي الأفاعي فَحَسْب
بل ويُقَبِّلُها كالمَزامير !
------------
ذكرياتي مع الآتي
**************
غاباتٌ تَتَسَكَّعُ في الحدائق ,
شمسٌ أنانيَّةٌ تستحوذُ
على كُلِّ حقلٍ ومُفتَرَق ,
زوارقُ تقطَعُ ( الراين ) كما السواقي
ولكنْ ......
أيُّها الراينُ
هل جرَّبتَ يوماً
فشربتَ مِن فَيضِ الفراتِ كأساً ؟
الفراتِ المُمْتَدِّ واحاتٍ مِن قَصَبٍ ,
واحاتٍ مِن تَشابُكِ ناياتٍ ؟
او هل رأيتَ قصائدي حمائمَ تحملُ بمناقيرِها نسائمَهُ ؟
حالمٌ أنا ؟
نَعَم ,
نوافذي لا تَندمِلُ !
------------
زحمة الأشواق
***********
انا مَن تمادى لا يعودْ
إلاّ ويُخفي زحمةَ الأشواقِ بالأشواقِ
والغدَ بالرعودْ
انا مَن تصفَّحَني كتابُ الشِّعر ,
أغلَقَني ونامَ بظلِّ عودْ !
-------------
أرصفة
***********
كنْ حرَّاً وجميلاً في آنْ
تكنِ الأرصفةُ الأوطانْ
ما أعجبَني ,
ما أعجبَ هذا الديوانْ !
-------------
غالباً ما
******
لا فرصةٌ كي أقلِّبَ ما قُلْتُهُ
فأُعيدَهْ .
حالمٌ , لا أُجيدُ الحديثَ
بغيرِ لسانِ القصيدهْ !
----------------
(*) تدعو هذه اللمحة – مِن بين ما تدعو - الى تنقية الإتحاد والمُمَثِّليات الثقافية الأخرى فأمرٌ طريفٌ أنْ يمثِّلَني ويتحدَّث باسمي مَن لا أعرفه ولم أنتخبه !
-----------------
كولونيا – صيف 2008
alamiri84@yahoo.de
أرض الصّفر ليوسف رزوقة: قاموس شعريّ، جديد
عرّبته عن الإسبانيّة : ناجية بوبكر/ تونس
منذ أن زجّ بنا أمبرتو إيكو في ما اصطلح عليه بالأثر المفتوح، بات بوسعنا، ونحن نقرّ ، من ثمّة، بقابليّة أيّ أثر في البوح بأكثر من تأويل، أن نقارب واقعا بعينه انطلاقا من زوايا نظر مختلفة وأن نقتحم قصرا منيفا أو غير منيف، عبر أبواب شتّى.
شيء من هذا القبيل يتجلّى مع الدّيوان الأخير للشّاعر التونسيّ المثابر يوسف رزوقة (من مواليد زردة، 1957).بل هو أكثر من ذلك، في الواقع، هو أثر في حدّ ذاته يفتح لنا، قبل انبهارنا الثابت والمتنامي والعميق لدى قراءته، طريقا تمرّ بنا عبر ألف مسلك ومسلك سرّيّ، عبر ألف درجة ودرجة صاعدة ونازلة، عبر ألف متاهة ومتاهة تفضي ولا تفضي، مبدئلّا، إلى خروج.
فالبناء ذاته يرهص، إذا جاز لنا القول، بأنّ لديوان الحال منواله الكلاسيكيّ وهو أنّه جاء عبارة عن أنطولوجيا شعريّة ذات 26 قصيدة ( مع مقدّمة وردت بمثابة مقاربة تضيء جوانب من شعره) حيث يقودنا الخيط القادح، كما نستنتج من العنوان، إلى الحدث الهائل الّذي جدّ في الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتداعياته الكبرى.
وهذا يمكن بالتّأكيد أن يمثّل نقطة انطلاق بل إنّ الشّاعر، يتمثّل في الواقع حدثا كهذا كنقطة انطلاق نحو أشياء أخرى، شتّى.
لكن أهمّيّة ما هو بصدده تتجلّى في وضع قاموس شعريّ جديد وشعرّيّة جديدة، شأنه في ذلك شأن أصوات عربيّة أخرى يأتي أدونيس على رأسها.
ومن ثمّة، تنجم شعريّة جديدة تذهب في تشكيل فرادة شاعرها انطلاقا من زمان صفر ومن فضاء صفر.
ولا نستغرب أن يكسب رزوقة مثل هذا الرّهان فتجاربه في هذا المجال كثيرة ومتنوّعة بطبعها.
يكفي أن نشير مثلا إلى تجربته مع الشّعر الفرنسيّ( يكتب بالفرنسيّة أيضا) حيث طعّمه بأوزان الخليل ، الإيقاع العربيّ بامتياز.
وبالتّالي، يتأصّل المشروع شكلا ومضمونا بل يتحفنا الشّاعر، عبر هذه الشّعريّة الجديدة، بملامح أخرى، عديدة، منها: ميتا – الشّعر، اللّعب مع وبالكلمات، إقحام معجم الإعلاميّة، استعمال النيولوجيا عبر كلمات جديدة يبتكرها هو نفسه والقائمة تطول.
على أيّة حال، عاليا وبعيدا أو ربّما بالتّوازي مع كلّ هذا، فإن القارئ الوفيّ لنهجه الموغل في كلاسيكيّته لواجد هو أيضا ضالّته في هذا الدّيوان. أعني القارئ الذي لا يني يبحث عن الشّعر العميق، المتجاوز والشّفيف وكذلك، المتوسّطيّ الأصيل، وعليه من ثمّة أن يقرأ "أرض الصّفر" لشاعرنا التّونسيّ، على خلفيّة أنّ رزوقة هو، أساسا وقبل كلّ شيء، شاعر متوسّطيّ، شاعر الأزرق والأخضر، شاعر البحر من على اليابسة. هو شاعر متوسّطيّ لا يني يلعب، وهذا، ختاما، أكثر ما يدهشنا، مع الزّمان ومع المكان، على إيقاع الأمواج، أمواج البحر الأبيض المتوسّط.
وكمثال نستحسنه، قصيدة مختزلة، مكثّفة وجميلة عنوانها تحديدا:
الأزرق الهادر
يهزأ اللاحق بالسابق
و السابق بالأسبق
و الأسبق بالقوم القدامى
لكأن الموت، هذا الموت
غير الموت، ذاك الموت
موت الكائن الهش و ما جاوره من حيوام
أو كأن الوقت، هذا الوقت
غير الوقت، ذاك الوقت
وقت الحنظل المحض و ما خالطه من صبوات
أو كأن الصوت، هذا الصوت
غير الصوت، ذاك الصوت
صوت الظالم النذل و ما حف به من هفوات
أو كأن اللون، ذاك اللون
غير اللون، هذا اللون
لون الضحكة الصفراء من خلف القناع
يهزأ الشاعر بالقارئ
و القارئ بالنص الذي بين يديه
و بنا يهزأ هذا الأزرق الهادر : بحر اللحظة الهوجاء بحر الكلمات
هوامش:
- هذا النصّ نشرته "أوراق"، مجلّة إسبانيّة، 400 صفحة، تعنى بالبحث العلميّ والدراسات حول العالم العربيّ والإسلاميّ الحديث، انظر: ص 343 من المجلّد XXIII.
(*) رزوقة، يوسف : أرض الصّفر، الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم، تونس،2005
(**) من ضمن نتاجه الشعريّ نذكر: برنامج الوردة وأزهار ثاني أوكسيد التّاريخ ، قمت بترجمتهما إلى الإسبانية في انتظار نشرهما قريبا.
- روزا مارتينث، مستعربة إسبانية وأستاذة بجامعة أوتونوما بمدريد
تنقّلت بين مصر وتونس ، اليمن، العراق، سوريا، ليبيا،إيطاليا
أعدّت رسالتها الجامعية عن صلاح عبد الصبور ثم أطروحتها عن أمل دنقل
تعنى بالأدب العربي الحديث ولها في هذا السياق كتب ودراسات، نذكر منها:
أربعة من الرابطة الأدبية: جبران، نعيمة، أبو ماضي وعريضة
العالم العربيّ قبل سنة 2000 ( بالاشتراك).
الأندلس الفينيقية لدى محمود درويش، قرطبة المقطوعة
الشعر التونسيّ الجديد: التجربة الإبداعية لدى يوسف رزوقة
شاعر، مترجم وقارئة: تجربتي مع نزار قباني
مصر في ثلاثة أبعاد
جناح الأندلس المهيض
الرؤية الكونية لدى علي أحمد سعيد ( أدونيس)
من هنا وهناك، نظرة شرقية على المدينة
أغاني مهيار الدمشقي لأدونيس (ترجمة)
الكتاب لأدونيس (ترجمة بالاشتراك مع بدرو مارتينث)
المحرر الثقافي.. مستبدا
سعيد الشيخ
لا اعتقد ان أحدا ممن يشتغل في الشأن الثقافي يفتقد الاخلاص لبناء ثقافة شاملة ميزاتها الابداع المتطور والمتقدم من شتى الافكار المنتجة لبهاء انساني يزيّن الوجود. والافكار المنتجة هذه تضم كل ميادين الكتابة من رواية وقصة وشعر ومقالة مع المحافظة على كل شرط من شروط هذه الفنون على قاعدة التجديد وضد التحجر. وكل جديد لا بد ان يقابل بعاصفة من الاسئلة قد لا تهدأ طيلة ردحا من الزمان.
هذه الرؤية للمشهد الثقافي تبدو تقليدية وساذجة ، ولكن لابد من تكرارها وتأكيدها أمام التسلل الخفي في صناعة نشر الابداع.
ولكن من يحدد قيمة المبدَع من الافكار شكلا ومضمونا؟
ان الجواب السريع والبديهي عن هذا السؤال : ان الناقد هو من يتحمل عبأ هذه المسؤولية الفضفاضة لما يفترض انه يتمتع بثقافة عالية وبما يحمل من اختصاص... ولكن برأيي ان الناقد يعاني كما يعاني بقية المبدعين من وجود الفرص في عرض افكارهم. ولتأكيد هذا الرأي فأن نظرة فاحصة على الصفحات الثقافية في الصحافة العربية سيكتشف المتفحص ندرة النقاد بين مجموع المحررين الثقافيين لهذه الصفحات، وان النقاد قد تخلوا او على الارجح قد اجبروا على التخلي عن القيام بدورهم لصالح المحرر الثقافي الذي استمد سلطة من ما يتوفر للصحافة كسلطة رابعة.
فمادة الناقد المعروضة للنشر مثلها مثل اي مادة اخرى خاضعة لتقييم وقرار المحرر الثقافي في ان تأخذ أو لا تأخذ طريقها الى النشر. والتقييم هنا ليس بالضرورة ان يجري حسب جودة المادة الادبية بمقدار تقارب او تماهي الكاتب مع المحرر الثقافي، الذي هو بالاساس كاتب أو شاعر عادي منحته الوظيفة ان يتعالى على اقرانه من المبدعين.
اذن نحن امام استبداد مطلق، وليد منطق غير ثقافي أساساً وغير اخلاقي يقوم على المصلحية والشللية المؤدية الى المنافع المشتركة وذلك على حساب العملية الابداعية وتطورها. فما بالك لو ان محررا ثقافيا امتطى ظهر صحيفة لأكثر من عشرة سنوات وربما الى عشرين سنة، ومع كل سنة ينمو ويترعرع النرجس في دواخله.
الا يصبح داخله غابة نرجس متشابكة؟
الى حد ان العصافير الصغيرة لا تستطيع الطيران في أجوائها!
حيث ستمنعها نرجسيته العالية، وستحوله الى طاغية.
وحينها ألا يستطيع فرض نوع من الخوّة على من يريد الطيران في فضائها؟
وبعد ذلك كيف لنا ان نرى ابداع سليم ومعافى من التشوهات؟
واولى هذه التشوهات هو تكريس الأسماء على أساس حزبوي وعشائري، وللأسف هو أساس لا تمضي الحياة العربية دونه، والى الآن لم تستطع الحياة العصرية الانفلات منه لصالح ثقافة شمولية تخترق الحدود.
هذا النمط من اصحاب المنطق القهري من المحررين الثقافيين موجود حقا في صحافتنا العربية وفي خاطري اسماء عديدة لا مجال لذكرها الآن وهي قد تربعت على كرسي مهنتها عمر أجيال ثقافية. ويكاد هذا النمط ان يكون هو السائد شرقا وغربا ومهاجرا... محررون متحررون من التواضع بأيديهم ما هو أقطع وأمضى من مقص الرقيب السلطوي. لديهم أدوات الكبت والخنق وارسال كل ما هو منتج من ابداع الشباب وغيرهم الى حاويات القمامة لسيادة نتاجهم واطالة أمد نجوميتهم المتكئة اساسا على وظيفتهم وليس على جودة ابداعهم. وهم مثلهم مثل اي زعامة بحاجة الى مريدين ومصفقين، وعادة ما يكون هؤلاء من اصحاب الحاجات دفع بهم استبداد المحرر الثقافي لأن يكونوا جماعة من المداهنين والمنافقين في عملية تأدية الحساب المطلوب لسيادة المحرر الثقافي لكي تمر نتاجاتهم.
ان اقسى ما يمكن ان يواجهه المبدعون هي ظاهرة دفع تكاليف طباعة نتاجاتهم على نفقتهم الخاصة، والنشر في الصحافة بلا مقابل أو احيانا الدفع بشكل معكوس. وهذه ظاهرة عربية بامتياز جعلت من المبدعين من افقر الطبقات، وهي الطبقة التي انسلخ عنها المحرر الثقافي وأخذ يستلذ في جلدها من خلال سلطته التي استمدها من وظيفته التي تضاهي سلطة الرقيب الحكومي . وأستثني قلة قليلة.
سعيد الشيخ/ كاتب وشاعر فلسطيني
الجمعة، يونيو 20، 2008
الطريق إلى أكاكوس لمحمد الهادف: الصحراء الإفريقية بعيون تونسية
تونس – يورز برس
فتنة الصحراء الافريقيــة تصوّرها لنا كاميرا تونسيّة عاشقة، هي كاميرا الفنان الفوتوغرافي محمد الهادف عبر صور موحية تعرض راهنا ، بدار الثقافة ابن رشيق بتونس العاصمة تحت عنوان «الطريق إلى أكاكوس: الصحراء الإفريقية بعيون تونسـية» . الصحراء هي الكون..هي العالم أو هي الوجود..الصحراء مكان ميتافيزيقي ولا يمكن أن يكون صالحا للإقامة...هكذا يتحدث الروائي والفيلسوف الليبي الكبير ابراهيم الكوني عن الصحراء..موطنه وموطن أجداده وآبائه من «التوارق» في الجنوب الليبي من غدامس الى غات..أدب الكوني ورواياته يشي أيضا بأن الصحراء مكان صالح للإقامة..وفتنة ملهمة للإبداع ودعوة للسفر بعين شغوف مترعة بالإعجاب والجنون..
ملحمة التوارق
"الطريق إلى أكاكوس" معرض فوتوغرافي شخصي لمحمد الهادف يتضمن حوالي 28 لوحة فوتغرافية بالألوان وبالأبيض والأسود في قياسات مختلفة..هو نتاج رحلة فوتوغرافية مشوقة بعين تونسية امتدت على مسافة فاقت 5500 كلم في أعماق الصحراء الإفريقية الكبرى على المثلث الحدودي الليبي- الجزائري- النيجري وجولة بين جبال أكاكوس الليبية التي تعتبر إحدى عجائب الطبيعة ومصنفة ضمن التراث الانساني حسب منظمة اليونسكو.كما يسافر بنا المعرض إلى بحيرات أدهان أوباري بكثبانها الفاتنة والمدن التاريخية كغدامس بعمارتها الشهيرة ومدينتها العتيقة المصنفة ضمن التراث الانساني العالمي ومدينة «غات» عاصمة التوارق بمهرجانها العريق والمكرّم للبداوة وحضارة فرسان الصحراء الى جانب مدن اخرى مثل «نالوت» و«كاباو» و«أقار» وفي المعرض صدى لفنون التوارق ونمط عيشهم..
أكاكوس العجيبة
المعرض يقتفي اثر الحياة وملحمة أبطال الصحراء في تفاصيل الحياة اليومية وفي ذرات الرمال وصخور أكاكوس الفريدة وذاكرة الصحراء المديدة فهناك تم اكتشاف أقدم مومياء محنطة لطفل يبلغ سنتين ونصف وتعود لـ 5500 سنة أي أنها أقدم من مومياء الفراعنة بألف و500 سنة وهذا يعني أسبقية سكان الصحراء في اختراع التحنيط..مومياء مون هجاج موجودة الآن في متحف السرايا الحمراء بطرابلس الليبية . كما توجد في كهوف جبال أكاكوس نقوش بدائية يعود تاريخها لأكثر من 20 الف سنة مما جعل الخبراء يطلقون عليها اسم "لغز تاسيلي الكبير".
دعوة للسفر
تجدر الإشارة بأن المعرض يضم عددا من اللوحات تم عرضها بطرابلس الليبية ضمن معرض جماعي ببادرة من رابطة الصحفيين والإعلاميين بطرابلــس وحـازت تنويه النقاد واهتمام الهيئة العامة للسياحة والصناعات التقليدية بليبيا في يناير الماضي و كان«الطريق الى اكاكوس» قد افـــتتح شهر التراث بقفصة التونسية وعرض بعديد الفضاءات المختلفة الأخرى. هذا المعرض الفوتغرافي هو الخامس لمــحمد الهادف بعد معارض فردية وجماعية سابقة خصصت لمجال الموسيقى وعالم الجاز..ويدعونا الآن للسفر إلى الصحراء الافريقية..هذه الرحلة الفوتوغرافية مشوقة جاءت كبادرة من رابطة الصحفيين والإعلاميين بطرابلس والهيأة العامة للسياحة والصناعات التقليدية بالجماهيرية الليبية ومهرجان غات السياحي الدولي لسنة 2007 ..
الخميس، يونيو 19، 2008
لا تبحث عني
(لاتبحث عني)
كانت تلك هي آخر كلماتها له وهما يقفان على حافة الحلم قبل أن تقذف بنفسها من قمته..لم يحاول أن يمد إليها يده أو يعرقل قرارها المفاجىء..