الثلاثاء، يونيو 19، 2007

صباحكم أجمل \ آآآهات على صدر الوطن


زياد جيوسي
رام الله لم تصحو بعد من نومها، فما زالت تضع عباءة الليل على كتفيها، في الرابعة صباحا الكل نيام إلا من قصد بيوت الله ليعبدوه فيها، صحوت مبكرا قليلا عن موعدي المعتاد كل صباح، لعله تأثير الشفاء من المرض الذي طرحني الفراش منذ مساء الجمعة الماضية، فأشعل في كافة أرجاء جسدي نارا مشتعلة، فحرمت من الطعام المعتاد ومن مواصلة العالم ومن أجمل ما أقوم فيه، المشي في شوارع رام الله في الصباح والمساء، مترنما بقصة عشق تربطني برام الله والياسمين وطيفي البعيد القريب الذي ترافقني روحه دوما، كانت أياما عصيبة على المستويين الصحي والوطني، وقد أصر صديقي الطبيب أن ألمي ناتج عن حجم القهر والضغط النفسي الذي ينتابني، وأوصاني بالابتعاد عن المثيرات العصبية والنفسية، فماذا أقول لك يا طبيبي والوطن يتمزق ؟؟؟..
بقيت طريح الفراش لم أخرج من بوابة صومعتي حتى مساء الأمس، حين زارني صديقي الشاعر عبد السلام العطاري وخرجت معه والتقينا صديقنا الشاعر مراد السوداني، في جلسة مشاركة ألم الوطن في مقهى صغير مع كوب من العصير.
يحضرني في هذا الصباح الناعم اسم مطرب شعبي اشتهر بعد هزيمة حزيران اسمه محمد العزبي، كان له أغنية شهيرة تبدأ بموال كلمة آآآآه، فيكررها مرات وهو يغني " الأوله آه والثانية آه والثالثة آه"، وأشعر أن الآهات تندفع كبركان من روحي، فآه واحدة لا تكفي..
آآآه أولى ..يا صديقي نصر أبو شاور وأنت ترتقي إلى السماء على مذبح الفتنة والجنون في غزة، تعود صورتك إلى الذاكرة ونحن لم نلتقي منذ العودة للوطن بقامتك النحيفة وابتسامتك الحلوة، فاسترجع في الذاكرة تلك الجميلة الممشوقة القد في عمان حين كانت تذكر اسمك بوله ومحبة، كانت تسميك زين الشباب وزين الفرسان وهي تبث أمامي عشقها المكتوم لك، فكانت تجد في بث آهاتها أمامي متنفسا وفي شخصي من يحفظ السر وهي تسأل عن أخبارك، ترى ماذا سأقول لها لو التقينا يوما وسألتني عنك ؟؟؟
هل سأقول لها أن أحد أشجع الفرسان في الدفاع عن بيروت في الاجتياح قبل ربع قرن قد ترجل أخيرا عن فرسه بيد أبناء شعبه ؟؟ أم أحدثها عن خروجك مع قوات جيش التحرير الفلسطيني من الأردن إلى بيروت للدفاع عن الوطن والقضية وأنت تقود محورا بشجاعة وشراسة الفارس المؤمن في مواجهة عشرات الدبابات الإسرائيلية فتمنع الاختراق في محورك مع الشباب الشجاع المقاتل، وها أنت تترجل برصاصات تمزق جسدك من فتية غيبت عقولهم وأصبحوا وقودا لتحقيق مصالح فصائلية مزقت الوطن، أكبرهم لم يكن مولودا حين كنت تقاتل من أجل شرف وطنهم وأمهاتهم، رحمك الله يا صديقي وأنت تترجل بعد أن فَشلت منذ أكثر من ستة شهور كل محاولات نقلك من غزة للضفة رغم كل المحاولات، فالعدو لم ينسى تاريخك ورجولتك وشجاعتك وأنت تقاتلهم بوجه مكشوف، ونسيها فتية غيبوا عن الوعي فقتلوك وهم يرتدون الأقنعة، ها أنت تترجل شهيدا وأرى دموع القهر في عيون أخي الأقرب لروحي والذي لم يبكي يوما وكان يعيب عليّ عاطفتي، ها أنت تمضي وحيدا غريبا بعيدا عن أسرتك وأحبائك..فطوبى للغرباء.
آآآه ثانية...لآلاف الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن فلسطين من أنحاء بلاد العرب، ففي حرب النكبة وما تلاها سقط الشهداء تلو الشهداء من فلسطين ومصر والسودان والمغرب العربي، وتخليدا لذكراهم أقيم نصب الجندي المجهول في شارع عمر المختار في قطاع غزة، هذا الرمز الذي بادرت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى تدميره حين احتلال القطاع في عام النكسة، وأعيد بناءه بقرار من الشهيد الرئيس أبو عمار حين عودته للوطن، ليقوم الفتية المقنعون بتدميره من جديد وجره بشماتة في شوارع غزة، فهل هكذا نحترم ذكرى الشهداء الذين أتوا من البعيد ليستشهدوا دفاعا عن وطننا وهكذا نجزيهم ؟؟ أم ظن هؤلاء الذين يخفون وجوهم بالأقنعة السوداء، أنهم قد فتحوا مكة وقرروا أن نصب الجندي المجهول هو من أصنام الجاهلية كأصنام هُبل واللات والعزى، فقرروا تطهير الكعبة الجديدة من الرجس والأصنام ؟؟
آآآه ثالثة...أبو عمار مهما اختلفنا أو اقتربنا منه في حياته أو مماته، كان وسيبقى رمزا لن يموت في ذاكرة الشعب الفلسطيني، وها هم المغيبون عن الوعي يبادرون لاجتياح بيته ونهب ذكرياته التي هي ملك الشعب الفلسطيني، كما كان أبو عمار ذاكرة الشعب ورمزه فهل هكذا يكافئ الشهيد والرمز الذي قضى عمره مقاتلا مناضلا حتى استشهد غيلة وغدرا وهو يرفض التنازل عن القدس والوطن ؟؟؟
آآآه رابعة...على وطن أصبح ثلاثة أقسام وسلطة أصبحت سلطتين ودماء سالت على مذبح الجهل والتعصب والفصائلية، بينما الأعداء يجولون ويصولون ويعربدون، فقبل قليل نقلت الأخبار استشهاد شابين في منطقة جنين على أيدي العدو وقواته، بينما نحن ما زلنا نقاوح ونكافح حول شرعية ذلك الطرف أم غيره، ...أيها السادة المغيبون إن الشرعية الوحيدة هي شرعية الوطن والزيتون والحب...وما عدا ذلك فكما قلتها مرارا وتكرارا ..أخذتم حصتكم من دمنا فارحلوا..
وآه وألف آه لا تكفي لتصوير الجريمة البشعة والفتنة السوداء، "ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح"، فقد زاد الألم وباعدوا بيننا وبين الفرح الذي ننتظر، أعود من جولة قصيرة في شوارع المدينة الهادئة متأبطا صحيفتي الصباحية، أضم روح طيفي التي لا تفارقني وأحتسي كوب الشاي الأخضر بالنعناع، وعصافير الدوري والحمائم تحط على نافذتي أستمع مع طيفي ومعها لشدو فيروز..
فيكن تنسوا صور حبايبكن، فيكن تنسوا لون الورد بورق رسايلكن، فيكن تنسوا خبز الكلام أسامي الأيام والمجد إلي الكن، لكن شو ما صار لا تنسوا وطنكم ..جبيني ولا مرة حني، شعبي ذهبي وفرحي وغضبي، بترك صوتي وما بترك وطني..
صباحكم أجمل..

ليست هناك تعليقات: