الاثنين، مايو 18، 2009

وقائع ثلاثة أيام في الملتقى الثاني للرواية المصرية المغربية

الرواية وأسئلة التخييل والمجتمع
الدار البيضاء – شفشاون

حول الرواية المصرية والمغربية التأم جمع من النقاد والباحثين المغاربة ، وخلال ثلاثة أيام من تنظيم مختبر السرديات بالدار البيضاء ومندوبية وزارة الثقافة بشفشاون ،حيث عرفت مقاربة (14) نصا روائيا مصريا بالدار البيضاء خلال يومي 14و15 ماي 2009 فيما تمت مدارسة (8)روايات مغربية يوم 16ماي بمدينة شفشاون .

وقد افتتح شعيب حليفي هذا الملتقى الثاني للرواية المصرية المغربية بالكلمة التالية :

· الكلمة التقديمية لشعيب حليفي

أود في البداية أن أشكر كل النقاد والباحثين الذي لبوا دعوتنا وساهموا في إنجاح هذا الملتقى الثاني للرواية المغربية المصرية سواء بحضورهم الفعلي أو بمراسلتهم لنا بعد تعذر مجيئهم لأسباب قاهرة .

كما لا تفوتني الفرصة لتقديم التحية إلى د/محمد برادة ود/ جابر عصفور اللذين كانا وراء التأسيس الفعلي لفكرة ملتقى الرواية المصرية المغربية منذ 1996 ، إلى جانب نخبة ممن شكلوا عماد الملتقيات السابقة . ونحن اليوم هنا لمواصلة هذا السبيل من أجل استمرارية الحوار الثقافي .

كيف يتم التقاط دورات الحياة بكل آفاقها الرحبة، والمتغيرات التي تغمرها بكل حمولاتها من تاريخ ووقائع وأشتات أحلام؟.

والرواية ،اليوم ، تفكر بشكل أجلى وأكثر جرأة وصدقا من باقي الخطابات ، خصوصا حينما تتأهبُ للحكي عن الذات والآخر،لأنها تحسن الإنصات وتجرؤ على البوح والدفاع عن قلعة الخيال المتاحة للجميع. كأنها تستفز الحنين الراقد في أحشاء رماد لا تذروه رياح..لأنه سماد التخييل ، وأعتقد أن الرواية هي رماد كل الثورات المغدورة والتي تلاشت وتحولت إلى تخييل روائي ، لذلك فإن أمة بدون خيال أو تخييل تستحق أن يضعوا حولها سياجا من حديد . ونحن أمة لا نملك غيره بديلا عن أصواتها التي فقدناها أو تلك التي ضاعت منا وسط خطابات مفتونة بالكذب والوهم .

لا يمكن أن تكون الكتابة التي تنجز داخل جغرافية واحدة معزولة عن كل العناصر المشكلة لهذه الجغرافية من عوامل لا محدودة تساهم في بناء أي نص أو خطاب ، بدءا من ثقافة الكاتب وأسلوبه في صوغ التعبير عن رؤاه ولغته وتأويلاته ، ثم السياقات والأنساق وكل العناصر المنفلتة .لأن الروائي صانع بالدرجة الأولى بأساليب وأدوات فنية وتقنيات تحول كل ما يلتقطه من خامات أو رماد إلى أشكال ذات دلالات حية ومتفاعلة تمر عبر قناة التخييل وكل" اللعب البلاغي" الذي يعتمده الروائي في ورشته الخاصة.

الرواية ،بهذا المعنى، تخييل يعود إلى الواقع ليلاعبه ويصارعه ، إنها مثل العلم ،تجر عناصرها ، الحقيقية أو الوهمية، إلى مختبرها لتحولها إلى خلق آخر قابل للإنباء وحمل أصوات الراوي الظاهرة والباطنة ، الأصيلة والمزيفة عبر روابط بلاغية ونوافذ تضيء بالسخرية والنقد معاني بينة وخفية .

قدرة التخييل الروائي في النص المصري، الذي نجلس حول بعض نماذجه للمدارسة والتفكير، أنه يتجدد باستمرار وهو يفرك اليومي ويحاوره بفنية متجددة ليصنع منه لؤلؤا شديد الأثر في النفس انطلاقا من صورة الريف الرائقة بلغة حكاء ماهر هو يوسف أبورية .أو التماس استيلاد صور الواقع من الأسطورة داخل قرية صغيرة في إبداع سعد القرش أو استحضار الأسطورة والحكاية الشعبية لنقض البطولة كما عند محمد العشري .أما الروائية أمينة زيدان فإنها تختار العودة إلى أرشيف منسي لمدن الهامش ،لتكتب ضد المرحلة الراكدة وتحفر في الوعي والهوية في مواجهة زحف الاختلال العالي وقد أصبح مألوفا وثابتا.

وكما ترتبط الرواية المصرية بروحها الحية الطموحة ، المتوثبة العطشى، فإنها متصلة في رحابة السرد باستشراف المحتمل ومصارعة نروده، كما هو الحال مع وحيد الطويلة ، أما سعيد مكاوي فيواصل تجدير أسئلته الجمالية بقلق فني واجتهاد ملموس وهو يلاعب الخيال بين طبقات المعاني.

أليس التخييل الروائي هو جوهر الحياة وديمومتها ؟أليس هو لون الفجر والانفراج والبحث عن نهار جديد بتجريب آخر والحفر في الدلالات عن بوح ممكن بصيغة جديدة وتمثلات تعبر عن رغبة في القول وهو ما نلمسه بخصوصيات كل تجربة عند خليل الجيزاوي وطارق إمام ومصطفى ذكري ومنى برنس وسيد عبد الخالق وفؤاد قنديل وهويدا صالح ونائل الطوخي .

أربعة عشر نصا روائيا تضيء جزءا من التجربة الروائية المصرية ونحن لا نبث فيها سوى عن تعبيرات التخييل وتطلعاته .

· وقائع اليوم الأول

في بداية جلسة المداخلات تناول عبد الرحيم مؤدن موضوعا بعنوان (حكاية قرية في حجم العالم في رواية أول النهار لسعد القرش ) وهي رواية تدور، يقول الباحث، حول قرية تنهض من العدم بعد أن اجتاحها النيل‘ وغادرها أهلها إلى مكان بعيد ‘ سموه "أوزير".وتبدأ الحكاية‘ من جديد‘ حكاية الموت والحياة‘الوجود والعدم.

وما حدث لقرية "ماركيز" في مائة عام من العزلة‘ حدث ‘أيضا‘ لقرية "أوزير"مع الفارق الاجتماعي والتاريخي..

قرية منعزلة عن العالم‘ ومنتمية إليه في أن واحد.عزلة الطين‘ وانفتاح الماء(النهر) على الخير والشر‘المقيم والمهاجر‘ الغريب والعشيرة‘الغاصب(الفرنسى) والمقاوم للاحتلال ..

قرية بناها اثنا عشر فردا، بعدد شهور السنة‘ فتحولت إلى أسطورة تجاوزت كل السنوات،وتعاقبت عليها سلالة (عمران)، عبر ثنائيات الحب والحقد‘ الحرية والعبودية‘القوة والضعف‘ الجسد والروح...

رواية نهرية،تتعاقب عليها الأجيال،وهي تصارع قدرها الذي تداخلت فيه لحظات المتعة بلحظات اليأس‘وتشتعل فيه المأساة في لحظات الانتصار‘ وتزرع بذرة الأمل في لحظات الموت ،أوالغياب.

أول النهار في هذه القرية قد يكون أول الخليقة‘ قبل أن يكون ولادة يوم جديد، بعد أن تحولت القرية إلى أسطورة واقعية،أو واقع أسطوري.

و حول ( الوعي والهوية في رواية (نبيذ أحمر ) لأمينة زيدان) اعتبر يوسف بلقايد أن الرواية فرصة لإبراز عناصر جديدة وداعمة في الكتابة الروائية بمصر والتي تحتاج إلى مقاربات أكثر جرأة ونوعية .

وهذه الرواية وفية للأسلوب العام للسرد المصري المحتفي بالحكاية وهي تنمو عبر أربعة فصول وعقود لتضيء وعي وجسد وأحلام "سوزي محمد جلال "، بدءا من الزمن الستيني ، رفقة عائلتها وأصدقائها وأعدائها ، وحول مدينة(السويس) التي عاشت الهزيمة والمقاومة بعد حرب يونيو 67 وحرب أكتوبر 73 من القرن الماضي ، حتى أن السويس المدينة وسوزي الشخصية المحورية صارتا إشكالا جديرا بالتحول إلى صور رمزية .

في الفصول الثلاثة الموالية ، تنكشف دائرة الأزمات وتتسع دون أن يجد العقل أو المشاعر حلولا للتساؤلات المركبة التي يفرزها الواقع اليومي لامرأة تريد أن تعيش حياة سلمية ، متحررة من كل الزيف المتنامي .

أما الأمر الثاني الذي يميز هذه الرواية ، فهو ليس فقط كامنا فيما أكدت عليه عدد من القراءات النقدية ، بالقول إنها (تتميز بالقدرة على الانطلاق من أرضية التنوع والتعدد في الأصوات إذ تسعى الذات الوطنية إلى التحرر من عدوان الذوات الأجنبية ، ويتوازى هذا السعي العام مع سعي خاص للتحرر الذاتي ) .

الرواية ذات بعد جمالي شديد الشفافية يجعل من فضاء السويس بأرضها وتاريخها ورجالاتها ونسائها مكانا رمزيا وجسرا ساخنا لتمرير أرشيف شخصي متخيل لذات هي الأخرى رمزية تمثل وعيا يصارع أرشيفات أخرى وينتقدها دون أن يقول بأنه غير زائف أو لا ينتج زيفا آخر .

والرواية تحوي بداخلها روايات تختار دمجها ضمن جنس السيرة ، سيرة المدينة والمرحلة والأسرة والذات والآخر ، وعبر كل هذا سيرة النكسات والانحدار السريع ، مقابل الانتصار الوحيد للوعي بالكتابة والبحث باعتبارهما مجالا للتحرر والتطهر.

الرواية في عمقها الدلالي بحث في بديهيات ومسلمات وفي كيفيات نقضها ثم إيجاد بديل نسبي قاربته الكاتبة بوعي تجريبي، باعتمادها البعد الجمالي للتخييل، انطلاقا من لغة انسيابية متوالدة وسط صور مبتكرة تبتعد عن التقليد ، وترصد في بساطة ومرونة كل التحولات ذات العلاقة بالصراع والهوية .

كما تنبني الرواية على الحب والكراهية ، الوعي الثوري والوعي الزائف وبحث عن الأرشيف المنسي في علاقات حاسمة بين يهوذا والمسيح ، بين أندريا جورجاني وأسعد ، بين عاطف وعصام ، بين كل هؤلاء وسوزي ...ثم تنتصر الكتابة على هشاشة الصمت والتاريخ والذاكرة المثقوبة ؛تنتصر على الإنكار القاسي والإهمال لمعالم الطريق وكل ما كان من الممكن أن يصنع الجمال، لأن الفرق في الرواية بين (الحقيقي والمعلن شاسع إلى حد الاغتراب)ص7.

وتروم المداخلة التي قدمها ليديم ناصر بعنوان (حينما يصبح القتل شعرا و تصبح الرسائل حياة قراءة نقدية في روايتي هدوء القتلة لطارق إمام و الرسائل لمصطفى ذكرى) مقاربة متنين سردين لكاتبين مصريين بتجربتين متباينتين، انطلاقا من محاولة استشعار الأبعاد و المحددات الكامنة وراء تحريك الآلة السردية عبر مجموعة من الميكانيزمات و الأدوات الإجرائية المسيِّرة للحكي في تجاه اللاحكي. كما أن هذه المداخلة ستحاول القبض على المشترك النصي بين الروايتين اعتمادا على تيمة الحقيقة و الخيال مستحضرين بذلك تخييل الحقيقة في المدونة السردية للروائيين، و الكيفية التي تناولا بها هذه الآلية الابستيمية.

هدوء القتلة لطارق إمام، بوصفها نصا روائيا يحتفي بالموت والقتل داخل المدينة الضيقة/الشاسعة،حيث يتم تخييل فعل القتل باعتباره حقيقة فيزيقية إلى مقام الفن و الخيال باعتباره فعلا راقيا يوازي كتابة الشعر، ومن ثمة تنجلي قناعة الروائي للربط بين القتل و الشعر وتحديد أوجه التقاطع الممكنة و المحتملة.

كل هذا الزخم الروائي يقوده البطل/ القاتل/الشاعر، الذي يبدع فعل الشعر باليد اليسرى ويبدع فعل القتل باليد اليمنى، ويحرص على وشم إبداعاته اليمينية على جسده المترهل و المنهك بعاديات الزمان، لكنه مع ذلك يحرص على أن يكون نظيفا.

هذا البطل العجائبي بطبيعته المخصوصة التي تحتمل كل التناقضات التي تعيش في تساكن ووئام حينا، وفي تنافر وخصام أحيانا أخرى، وذلك انطلاقا من حمولة ميتافيزيقية تخيليه هائلة تمكنه من الانتقال عبر الشروط الزمكانية من خلال مونولوجاته مع نفسه القائمة و المتخيلة، ومع باقي الموجودات و الكائنات التي لا تشترط فعل التفكر والتعقل.

الرسائل لمصطفى ذكرى، متن سردي تراسلي من خالد إلى مريم حاول من خلاله الروائي و القاص و السيناريست مصطفى ذكرى مقارعة النمط التجريبي من زاوية مخصوصة عزَّ مطلبها بين مختلف المتون السردية المتعارف عليها، ولعل تعدد انشغالات الكاتب جعلت منجزه السردي يمتح من أجناس سردية مختلفة أضفت عليه نوع من"الهجنة السردية"، انطلاقا من حمولة حكائية يفرض فيها الحوار الداخلي سلطته مهيمنا على باقي الآليات و الأدوات الإجرائية السردية. مع الاعتناء الدقيق برسم أدق التفاصيل غن شخوصه.

المداخلة الموالية لمحمد خفيفي (الحكاية والدلالة في رواية خيال ساخن لمحمد العشري)والتي اعتبر فيها الرواية تجربة إبداعية لا تعلن القطيعة مع انجازات الروائي السابقة، غير أنها تفتح للقراءة أفقا ثريا نستطيع من خلاله الكشف عن توجه جديد في مسار التجريب الروائي المرتهن لاستحضار الأسطورة والحكاية الشعبية.

لم يعتد الخيال أن يقرن في اللغة العربية بصفة ساخن، بانتقاء هذه الصفة يتحول العنوان إلى استعارة كبرى تتجسد صورها على امتداد النص الروائي من خلال انزياح عن الواقع تعطى فيه مساحات لتمظهرات العجيب. فالرواية تشيد متنها الحكائي انطلاقا من هذا التقابل بين الواقعي و العجائبي، وهو ما يجعل السرد لا يعرف وتيرة الاستقرار...

بين الإهداء والمفتتح وعناوين الفصول الأربعة ينهض معجم وجداني دال لا يمكن إغفاله في تشكيل العوالم المحيطة بتكون النص وسيرورته. فتيمة الحب بين جمانة وابن ساهر سند حكائي متوهج ببحث الذات عن نصفها الثاني داخل منظومة يتحول فيها الكون إلى نسق منتظم متناغم مع كل المخلوقات التي تتعايش فيه.

تيمة الحب في الرواية مقرونة بفعل بطولي حققه ساهر حينما صرع "السلعوة" وأنقذ عائلة محاصرة بالخوف من الهلاك ،فعل يمتد لمساءلة مفهوم البطولة ودلالاتها الرمزية في واقع أصبحت فيه منعدمة....

إدريس الخضراوي في ورقته (أسئلة السرد العربي الجديد :تغريدة البجعة لسعيد مكاوي نموذجا) قدم دراسة من محورين ، الاول كان فرشا نظريا بصدد النقد والمعرفة والرواية أما الثاني فقد حلل الرواية باعتبارها علاجا فهي تحتفي بالكثير من الإشارات التي تصلها بالواقع الاجتماعي العربي في فترة السبعينات. لكنّ الكاتب وهو يُبئّرُ التخييل على هذه المرحلة لا يتقصّد معنى التاريخ: أي التذكير بفترة ما من تاريخ مصر بهدف التعبّر أو الاستفادة أو غيرها من القيم الثقافية التي تتحصّل للمرء من خلال التذكّر.

وقدم عبد الله قدوري بحثا في موضوع (خصائص الحكي و مقومات البنية السردية في رواية " إني أحدثك لترى " لمنى برنس) مقاربا إياها باعتبارها تجربة جديدة في مجال الكتابة الروائية النسائية العربية ، إنها رواية حب تحكي قصة فتاة أبت إلا أن تمارس حرية الفكر و الجسد في متعة غير مألوفة لم نعهدها لدى بطلات الروائيات العربيات ، فهي فتاة عاشقة و ليست معشوقة ، لا تقاوم الرذيلة بعدما وقعت في حب الرجل ، و قررت أن تعيش معه حبا خالصا يخلو من كل الأهداف و الأغراض ، كما أنها لم تقتصر في ممارسة الجنس على رجل واحد من جنسية واحدة و ثقافة واحدة ، و لكنها أطلقت العنان لنفسها لتعبر عن قوتها و عنادها دون قيود .

إن أهم ما يميز هذا العمل الروائي هو أنه يشكل حالة استثنائية في النصوص السردية التي شكلت من الحب و العشق و الجنس موضوعا لها ، و ذلك بموجب جرأة الكاتبة في الوصف و الحكي و التمرد على كل أشكال الرقابة الذاتية والمجتمعية ، و على كل أشكال التقاليد و المقومات الأخلاقية السائدة في المجتمعات العربية الشرقية ، و بذلك اعتبرت هذه الرواية نموذجا من نماذج المسكوت عنه في الخطاب الروائي العربي .

إن السمة المفارقة لهذا العمل الروائي تتمثل في كونه قد تمكن من جعل السرد أقرب إلى الكلام و الحوارات اليومية العادية زاهدا في التقنيات السردية المعروفة و المتداولة ، بمعنى أن الكاتبة كانت تسعى إلى تأسيس تجريب روائي يختلف كل الاختلاف عن البناء التقليدي للرواية ، لتجعل من هذه الأخيرة نوعا من المغامرة الفنية التي تتجاوز السقوط في فخ الرتابة ، باعتبار روايتها تندرج في إطار رواية المشاعر و ليست رواية الأحداث أو الشخصيات ، إنها على حد تعبيرها نوع من المقامرة و العربدة في الكتابة تشبه المقامرة و العربدة في الحب ، و لكن بجرأة أشد .

وفي مداخلته التي تحمل عنوان "شيء من الكلام في "مواقيت الصمت" حاول المصطفى ابن الرضي أن يبرز الحالات التي تتفاعل داخل هذا النص من خلال الوقوف عند بعض عتباته متمثلة في العنوان الذي انتهى من خلال تحليله إلى أنه يمارس نوعا من التحرش بقارئه وأنه يدل على عكس ما يريد تبليغه للقارئ أي "مواقيت الكلام" .

كما وقف عند امتزاج السرد الحكائي في الرواية بالأسطورة وبعض المأثورات والموروثات الشعبية التي أضفت على الحكي طابع الغرائبية والعجائبية، كما أسهمت بالإضافة إلى عناصر أخرى في تعقيد الشخصيات التي أقامت علاقات فيما بينها، يطبعها التركيب والإلمام بالدقائق والتفاصيل.

· وقائع اليوم الثاني
وفي مداخلة بعنوان (الحكاية والمشتل السردي في رواية أحمر خفيف )لوحيد الطويلة ، اعتبر عبد الرحمان غانمي أن الرواية تتميز ببنائها الحكائي الذي يرتكز على مستويات عديدة ، من خلالها تطل الرواية على أحداث وفضاءات وشخصيات تضج بالحركة النافرة للمتخيل ، ولغات ظلال الأشياء والأصوات المنزعجة مما حولها والمزعجة لما حولها .وهكذا تندفع الرواية بأكثر من محرك ( آلية سردية أو لغوية أو وصفية أو حدثية.. ) صوب أكثر من جهة واتجاه ، وبدينامية تكسر كل محركاتها وأدواتها ، وأوعيتها و"مساميرها" ، لتعيد تركيبها إلى لغة متنوعة تمكنت من صهر اللهجة المصرية بلكنتها ومرجعيتها الثقافية ، في قنوات السرد واللغة العربية الفصحى ، بكل ما تحمله من توليفات ونثريات شعرية في الرواية .وما قد تحيل إليه عبر التماهي والسخرية الممزوجة بالجرح (الذاتي والتاريخي )مما يضع مصر في مهب الريح وسط نظام سياسي وفي مرحلة تاريخية عويصة .كل هذا يتأتى عبر أساسيات: شعرية البناء الحكائي ولعبة الإيحاء السردي ودينامية تمنع الحكاية.

الورقة النقدية الثانية قدمها سعيد غصان المعنونة ب ( كلام الراوي في رواية صمت الطواحين ليوسف أبو رية )حيث اعتبر الباحث أن الكاتب يعيد الحكي إلى القرية مرة أخرى والى وظيفته الممتعة متتبعا سيرة قرى نائية وسيرة عائلة الحاج أبو المعاطي ، كبير الطحانين ،بعد تحول لافت من وضعية إلى أخرى يدير فيها الطواحين كما يدير حياته وحياة غيره ، مما يعكس صورة حافة بالإبداع للتحولات والصراعات والأهواء في المجتمع المصري ورغبة أبو المعاطي في امتلاك كل شيء ، بدءا من الطواحين المرتبطة بحركة دائرية متكررة وهدير مستمر وأيضا بأسباب العيش من تمر وأرز.وقد جاء تملكه لها بما يشبه الغصب ، كذلك تملكه لشهدة بعدما كانت زوجة لغيره ، ومراودته لشاهيناز زوجته ابنه فرج .

وقد عمل يوسف أبو رية على رسم الصراع بشكل فني حكائي ملئ بالرموز والتأويلات ، مستعينا بالحلم المعبر عن الشدة والفرج ، وأيضا بالسرد المكثف والمتعاقب ، والذي يعطي في كل صفحة جزءا متمما لصورة التسلط والتحول عبر الشخصيات في استعمالها لكل الوسائل المباحة وغير المباحة للوصول إلى أهدافها .

ويمكن رؤية هذه الرواية من خلال بعض العناصر البارزة التالية :

- نمو الشخصيات بشكل طبيعي ، يصورها في أوج قوتها واستبدادها ، ثم انحدارها وهزيمتها وتلاشيها .

- الوعي بالصراع غير المتكافئ ، وسلطة الإزاحة والفصل من أجل التملك.

- عنف التحولات المجتمعية وفشل التعاقدات المبنية على المصالح الشخصية – الاقتصادية والمرتبطة بالوصاية ، شأن فرج وزوجته شاهيناز.

- رمزية الطواحين والتي شلت فكر وحركة (فرج)، وانتهت إلى الكساد ، كما انتهى هو إلى شلل لم تعد له معه حركة .وفي صورة دالة جعلوا له صوت الطواحين قريبا من سمعه ليعيش بها كأنها الوهم الذي اعتقد أنه سيحيى به.

المداخلة الثالثة شارك بها سالم الفائدة بعنوان (لعله شيء من الواقع والقاهرة : قراءة في رواية "كل أبناء الرب " لسيد عبد الخالق ) معتبرا أن الرواية تأتي كقطرة ماء جديدة تضاف إلى نهر السرد و التخييل العربيين ٬في ظل شرط تاريخي موسوم٬ ومناخ ثقافي يتميز بالانفتاح وتعدد الخطابات٬حول واقع اجتماعي مريض،واقع يتجه بالإنسان العربي نحو الموت والضياع و التخلف والكبت ، واقع خلف إنسانا تائها ومرتابا ومغتربا في مجتمع التناقضات الاجتماعية ٬والصراعات الفكرية والدينية التي صارت تمزق جسد الفرد والمجتمع .

رواية" كل أبناء الرب "، رواية حاول قلمها أن يتحد ث ولو بهمس عن مصرأم الحضارات التي صارت تبحث عن حضارة، عن القاهرة عن الموت الذي سيختطف صاحب الرواية نفسه فيما بعد عن فقدان القيم التي تم تعد كما كانت ،عن كثير من مظاهر التحول الاجتماعي والثقافي في مصر,إلى جانب كل هذا ينتبه العالم الروائي لسيد عبد الخالق في إشارات موجزة إلى المسيحية وأقباط مصر ، لقد حاولت الرواية أن تنير جزء معتما من واقع القاهرة لأبنائها.

ضمن هذه الحدود الروائية العامة لهذا العمل الأدبي كان لزاما على هذه القراءة أن تطرح بعض الأسئلة التي يبدو طرحها مهما٬ بل ضروريا في ظل واقع الأزمة الثقافية التي يعيشها العالم العربي .

وختم الباحث ورقته بالتساؤل :هل استطاع الكاتب أن يرسم صورة معبرة عن الواقع المصري؟ كيف قدم الروائي هذا الواقع في عمله الروائي ؟ و منه هل الروائي العربي يفكر في الشكل الفني قبل ممارسة طقس الكتابة الروائية؟ ألا يمكن القول إن هذه الرواية تقدم صورة عن واقع الرواية العربية بشكل عام ؟

بوشعيب الساوري في مداخلته المعنونة ب "تخييل الأزمة في رواية قبلة الحياة" انطلق من إبراز خصوصية الكتابة الروائية لدى فؤاد قنديل والتي تتأطر في الاشتغال على الواقع وتشخيص إشكالاته من زاوية الواقعية السحرية. مؤكدا أن رواية قبلة الحياة لا تشذ عن هذه الخصوصية إذ تجعل الواقع المصري بانكساراته وتراجعاته أساسا لتخييلها الروائي من منظور مبطن وهو أن الواقع أغرب من الخيال، محاولة تشخيص الأزمة المصرية بتخييلها من داخلها وتركها تشخص نفسها بنفسها عبر حكاياتها.

وقد تناول الرواية من خلال عدة نقط منها التناوب السردي بين الشخصيات في نقل أحداث الرواية عبر اختيار سردي متمثل في تناوب السرد بين ندى ورؤوف الشخصيتين المحوريتين. وحتى وإن أفلت منهما السرد فإنه ينصب على واحد من أسرتيهما أو من يمت بصلة من قريب أو من بعيد إلى واحد منهما، بهدف إبراز عوائق هذا الحب وأسباب تعثره، وأيضا رغبة من الروائي في تسليط الضوء والإحاطة بكل ما يحدث الآن في مصر من تحولات كارثية، كما تؤكد الرواية طبعا ، وقد منح ذلك الرواية تعددا سرديا.

يتم تشخيص الأزمة انطلاقا من سير الشخصيات فأنى توجهت تجد الأزمة في طريقها في الأماكن في وجوه الشخصيات في المواقف في الانفعالات في السلوكات، وهو ما فرض حضورا قويا للمشاهد الحوارية بغية تحليل الأزمة وإبراز مكامن الخلل. وقد كان ذلك فرصة لتسريب كثير من الأشكال الحكائية كالحكاية اليومية المفارقة، النكتة، النص التاريخي، الكتابات الرحلية والحلم، بحضور نبرة حالمة. كما فرضت تعددا في الخطابات واللغات. وفي ارتباط بالحلم قام بوشعيب الساوري بتحليل عنوان الرواية العنوان قبلة الحياة مؤكدا أن كلمة قبلة تحيل على الرغبة والإرادة، والحياة، ليس المقصود بها الحياة الطبيعية وإنما العيش الكريم، بتجاوز الواقع المنحط والصمت المطبق والأزمة المنتشرة في كل مكان وإرادة المستقبل.

وانتهى إلى أن الرومانيسك يتأسس في رواية قبلة الحياة على تشخيص الأزمة والتقاط اليومي بتناقضاته ومفارقاته الغريبة والمدهشة. وذلك ما جعله يقدم لنا رواية مليئة بزخم الحياة المعاصرة بأسئلتها وتحولاتها وتناقضاتها. وصورة قاتمة عن الأحوال السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. لكنها تبقي على الأمل قائما والتغيير ممكنا، إذا ما شخصنا مكامن الخلل، وتمردنا على كل مصادر الأزمة.

وحول رواية "عمرة الدار " لهويدا صالح ،بحثت سعاد مسكين عن شعرية الواقع والمتخيل الشعبي من خلال كيفية كتابة الرواية انطلاقا من قوالب جديدة تجعل من الخيال أداة لتشكيل الواقع . ومن خلال هذا ناقشت الباحثة ثلاثة محكيات للحفر في صور الشخصيات قبل الانتقال إلى الحديث عن المتخيل الشعبي في الرواية وتجلياته .

وقد خلصت سعاد مسكين في نهاية بحثها إلى الاستنتاجات التالية:

- عملت الرواية على تأسيس قول روائي جديد ذو سياق إبداعي مفتوح على التداول التراثي القديم والذي يبتعد عن جماليات النمط الواقعي في الكتابة.

- سعت الرواية إلى جعل القدسي مستمرا وحاضرا إلى جانب الواقعي فخلقت بذلك تجسيدا حيًّا لحياته خارج زمانه الأصلي .

- إن مزاوجة الروائية بين الواقعي الحقيقي والغرائبية السحرية يأتي عبر عنوان الرواية الذي من مدلولاته انه صفة لصيقة بالمنزل الكبير؛ويرتبط بمكرمات أهل "الفرن" وعنايتهم بأهل المنزل الكبير.

- على الرغم من اتخاذ الرواية نمط رواية " الجيل" أو الرواية "النهرية" فإن النفس السيري بنوعيه الذاتي والشعبي يطفو على سطح الكتابة.
وتدخلت أسماء هاشم في موضوع "معادلة الفراغ في رواية بابل برج العالم لنائل الطوخي حيث أبرزت علاقة العنوان بحلم البطل في تحقيق( مشروع ألف) لتغيير ملامح العالم ، والذي صيغ في شكل حلم طويل يمتد ولا ينقطع .وقد حللت الباحثة الحلم باعتباره وسيلة للانعتاق والحرية وهو ما عبر عنه الكاتب بأسلوب تخييلي يلوذ باللغة والدلالات المجازية. كما اعتبرت أنه مع قاموس ألف تأخذ الرواية طابعا مأساويا وتقارب في مستوى آخر أزمة العالم التي عجلت بالخراب .

· وقائع اليوم الثالث بشفشاون

وتواصلت أشغال الملتقى الثاني للرواية المصرية المغربية بمدينة شفشاون( وهي مدينة توجد بشمال المغرب مثل قصيدة شعرية عذبة تحرسها ثلاثة جبال شامخة :باب داورزة، تيورتا، وتيسملال..بالإضافة إلى طيبوبة أهلها ودماثة أخلاقهم ) وذلك بانعقاد المحور الخاص بالرواية المغربية ، حيث افتتح اللقاء الافتتاحي عبد الحميد عقار( رئيس اتحاد كتاب المغرب ) ، وتناول الكلمة كل من شرف الدين ماجدولين وشعيب حليفي وقد أجمعا على أهمية البحث في التخييل من خلال هذا الملتقى الذي أصبح محطة سنوية لقياس التطور الروائي والنقدي .

· الكلمة التقديمية لشرف الدين ماجدولين

تمثل الندوة الراهنة، لحظة أخرى في مسار طموح نقدي، يتغيا رصد تحولات المشهد الروائي المغربي المصري، في تعدده، وانفتاحه وتباين مشاربه، صحيح أننا حين فكرنا مع الإخوة في مختبر السرديات في تنظيم ملتقى أول عن الرواية المغربية المصرية، بعنوان "الرواية وتقاطعات المتخيل" كان القصد في البداية هو الاحتفاء بنصوص مبدعين من أجيال مختلفة، ممن ساهموا في صياغة التعدد الروائي في الوطن العربي اليوم، ورفده برؤى وتشكيلات بنائية، ووقائع، عمقت احتمالات حداثته، لكن مع نضوج الفكرة في الذهن، اتضح أن بإمكان الملتقى أن يتحول إلى محطة لاستقراء نقدي يكون محصلة لاشتغال تطبيقي مقارن، لا يكتفي بتكرار المستنسخات النظرية، وإنما ينخرط في مساءلة المنجز وتقييمه، سعيا إلى استكناه أثره الثقافي العام.

من هذا المنطلق إذن انبثقت فكرة "مدارج التخييل" من حيث هي تفريع إشكالي لسؤال الملتقى الأول عن: "تقاطعات المتخيل"، فلما أن للرواية مساراتها المشرعة على التعدد المفتوح، فإن تراكم القراءات ما فتأ أن ولد لدينا احساسا واضحا بكون التخاييل الروائية اليوم تشكل مدارج تفسر تفاوت النظر إلى الواقعي والمتخيل بين التجارب والاختيارات، وتدعم قيم النسبية والاختلاف، بحيث يجوز اليوم إذا استعملنا اللغة التراثية أن نتحدث عن طبقات الروائيين، مثلما تحدث القدماء عن طبقات الشعراء والنحاة والمحدثين، وهي الطبقات التي تستدعي التفسير والتبيين والتأويل، على نحو تتداخل فيه قيم البناء التخييلي بلغة التكوين الفني، وأفكار الشخصيات، وتقاسيم الأمكنة ومشاهد الواقع المتحول..

من هنا نعتقد أن المقاصد الأساسية للندوة الحالية يمكن اختصارها في نقطتين أساسيتين:

1- النقطة الأولى تتصل بالتخييل الروائي بما هو مولّد لصيغ التمثيل؛ حيث توجد دوما في حقل الجماليات الروائية مشكلة أسلوبية على قدر كبير من التعقيد؛ تتجلى في سعي الروائي إلى مجاوزة الصيغ التمثيلية المأثورة للوقائع والمواقف والأفكار، وإلى تشكيل نظام صوري تتجانس داخله الدوال الروائية في تشخيص المعنى، وفي الإحالة على نسق منسجم من الإدراك الذهني، والارتباط بمستوى خاص من الاستبطان التخييلي. لذلك كانت النصوص المفردة معنية بكشف موقعها من مدارج التخييل المخصوصة لسياق النوع الروائي، في الآن ذاته الذي تستمر في ابتداع فعاليات وظيفية جديدة للقيم البيانية للنثر، وتوسيع آفاق الأداء الجمالي لصيغ المشابهة والمجاورة. والمفترض أنه لم يعد عسيرا على ناقد الرواية وقارئها أن يميزا بين مدارج تخييلية روائية عديدة، مناط الاختلاف بينها مرتبط بطبيعة المبنى المجازي، وبأفق الرؤية إلى مقامات الواقعي. وأضحى بوسع القارئ، اليوم، أن يميز بين مسارات نوعية للكتابة الروائية، وأن يصنف نسيجها التصويري انطلاقا من كشف الأصول الحسية والتجريدية لتشغيل اللغة، والإصغاء لسريان نظام القول العام داخل مقتضيات أسلوب النوع وتشخصه المفرد؛ فينتهي إلى تصنيفات من قبيل: "تخييل ذاتي"، "تخييل انشطاري"، "تخييل شذري"... و غيرها من التسميات التي تروم وسم آلية الاستبدال المجازي، بالقدر عينه الذي تعين فيه مبنى الإدراك، وأفق المحاكاة.

2-أما النقطة الثانية التي نفترض أن الندوة تستثيرها فتتعلق بماهية التخييل ذاته، بالمعنى الذي يقربنا من أسرار التفاعل بين طاقة الروائي في تمثيل الأبعاد والمواقف والأفكار الإنسانية، وبصيرة المتلقي في إكساب العوالم المفتوحة للسرد نسغا افتراضيا قابلا للتأويل المتعدد، هو نتاج لخبرات القارئ الشخصية، وهو المعنى الذي يجعل مدارج التخييل تفتح إمكانية لا تضاهى لـ "تذويت" العالم وحدس المستقبل، بعيدا عن الأنماط والقوالب الجاهزة. فسحر الرواية في قدرتها على الامتناع عن تمثيل نموذج ناجز، وعبقريتها في تشخيص ذاكرة منـزاحة، تحتمل الإضافات والتحويرات، التي تسبغ على الوقائع بعد الفكرة الجديرة بالتأمل.

تلك كانت بعض المقاصد النقدية للندوة، آملين أن يكون في التئام الحلقة الثانية لهذا الملتقى حافزا لنا في المندوبية الإقليمية للثقافة بشفشاون ومختبر السرديات، للاستمرار في البحث عن مقومات انتظامه، لعله يفرز مع التواتر والإنجاز قيما وأسئلة وتحليلات تغني مشهدنا النقدي.
***

في جلسة المداخلات والتي ترأسها الروائي محمد عز الدين التازي استهلّ عبد الفتاح الحجمري عرضه ببسط بعض مميزات الكتابة الروائية عند أحمد المديني من زاوية شغفه باللعب على الملتبس والمبهج والحكاية الملغزة التي تنشئ عوالم الغريب والعجيب بغير انفصال عن الواقع. وتتميز رواية " هموم بطة " بخلاف ما سبق للمديني إبداعه من أدب روائي بكونها قصة تحولت إلى رواية ؛ فالفصل الأول من الرواية ( صباح الخير يا بطة ) هو ذاته إحدى قصص مجموعة " خريف ... وقصص أخرى " بنفس عنوان الرواية ( هموم بطة ). نحن إذن يلاحظ الحجمري أننا أمام رواية نواتها قصة : فما هو الشيء الذي يمكن أن تقوله رواية نواتها قصة؟ هل هي تتمة لها ؟ أم أن الأمر يتعلق بلعب أليغوري استهوى الكاتب من القصة إلى الرواية ذهابا وإيابا وشغلته تفاصيل مناورة حدثية وحكائية بطلتها البطة تاتا ؟

بعد وصفه للنص وتقديم الحكاية ركز عبد الفتاح الحجمري استنتاجاته في الملاحظات التالية:

- ما معنى كتابة رواية اليوم من خلال الحكاية على لسان الحيوانات؟ فهذا تقليد أدبي إنساني شائع في كل الثقافات ، يقرب الحكاية من الخرافة الحكمية ، ومن " الفابولا" التي تضفي على الحيوانات صفات إنسانية .

- هاجس السرد في رواية " هموم بطة" مليء بالمفاجآت. والمفاجأة ليست إحساسا بل هي تقنية حكائية يهدف من خلالها أحمد المديني تشخيص أحداث تستعيد في الظاهر أجواء من اليومي والمألوف، لكنها تدرجها ضمن الخيال المغرق في العجائبي.

- هاجس السرد في الرواية خلق المفاجأة التي تكون مصحوبة بالهزلي والمضحك، صور عديدة من الحكاية تدلّ على ذلك، وتجعل تجربة البطة في الرواية قائمة على التأمل والمكابدة... فالبطة تاتا طيلة فصول الرواية تريد أن تنسى أنها بطة، وهي في الآن ذاته تعاند لكي تحوز على صفات يعجز عنها الإنسان.

- هاجس السرد في الرواية " وصف حاضر لا يعد بأي أمل" ، لذلك يحضر الترميز والتجريد في الرواية ليغدوان أكثر عمقا من الواقع. للتجريد ملمح واقعي. من هنا يمكن النظر إلى الواقعية في النص من اعتبارين : عدم فصل مضمون الرواية عن شكلها؛ ودفاعها من زاوية ثانية عن هذه الفكرة:" لا يمكن أن يظل الأدب الروائي متصلا بمصدر كائن ورقي متخيل".

- هاجس السرد في رواية " هموم بطة" التقاط الوضع المفارق في الأحاسيس والأفعال، لتعلق هذا الوضع بمعنى " المضاعفة" في الكينونة، وتعلقها بصورتي التنكر والتماهي.

مداخلة عبد اللطيف محفوظ تحت عنوان "بناء الفكرة الإيديولوجية في رواية حيوات متجاورة" والتي قدم لها بفرش نظري عن مفهوم الإيديولوجيا كما صاغه مجموعة من الفلاسفة مركزا على تصوري بول ريكور وإجلتون بوصفهما يقدمان تصورا يتلاءم مع الإيديولوجيا في الأدب، وقد ركز على المعاني الثلاثة للإيديولوجيا بوصفها تشويها للغة الحياة التي ترفد التصورات المحايثة والمتعالية المتحكمة بالسنن الاجتماعية، ثم بوصفها فكا للترميز، ثم بوصفها إدماجا. بعد ذلك انتقل إلى وصف حدود تحقق هذه المراقي في النص الروائي موضحا كيف يتم تدريج آثارها عبر مراحل بناء النص الروائي. ثم انتقل بعد ذلك إلى تحليل رواية "حيوات متجاورة" التي اعتبر خطابات شخصيتها الأساسية تدخل في إطار التشويه المضاد لمعاني لغة الحياة الناظمة لسلوكات الجماعة الاجتماعية المؤشر عليها من قبل العالم الممكن للرواية وكشف ذلك عن طريق إظهار تقنيات التنكر التي تتمثل في تعالق الخفي والمعلن، الظاهر والباطن، ومن خلال التشويه المعلن المتمظهر عبر النزعة التبريرية التي تدثر بها الشخصيات نزوعاتها الشادة ومعتبرا ذلك تشخيصا مزدوجا للعالم الخارجي المؤشر عليه من قبل الرواية وأيضا تشخيصا للعالم الداخلي للشخصيات.

وقد اعتبر التشويه بوصفه استراتيجية أساسية في كتابة حيوات متجاورة مٍٍِؤظرا أيضا لفعل الكتابة أيضا وإمكانات تعبير الأجناس الأدبية على الأفكار المحايثة لبنائها. وقد دلل على ذلك بالتحويل الموجود داخل الرواية للفكر من تحييك روائي إلى سيناريو، موضحا أن عودة محمد برادة إلى إدماج لعبة وتقنيات الكتابة في الرواية يعود بالأساس إلى إرغامات التعبير عن التشويه وانتهى بتحليل العنوان بوصفه تشويها للتجاور وقيمه التي تؤمن بها المجموعة الاجتماعية المؤثر عليها من قبل العالم الممكن للنص.

وقرأ رشيد برهون رواية (مخالب المتعة )لفتيحة مورشيد، باحثا عن النص الموؤود في نص يحكي عن موضوعة البغاء الذكوري أو تيمة الجنس من رؤية أخرى من خلال نوع من الجرأة المحتشمة ولغة بسيطة وسلسة فيها وصف ومسحة من السخرية .

وتوقف رشيد عند نص موعود به لم تصل الروائية إلى كتابته رغم ما يستبطنه السرد في رواية مخالب المتعة .

وقدم شعيب حليفي مداخلة حول روايتين مغربيتين ، حلم بين جبلين لمحمد غرناط وموسم الكرامة لعقى النماري بعنوان (سرود الدائرة ومحيطها )، حيث قدم تحليلات في تشكل الدلالة ضمن شكل روائي تحكمه سرود دائرية ليقدم في نهاية ورقته خلاصات تجيب عن سؤال ما الذي يجمع بين روايتين صدرتا في نفس السنة لكاتبين مغربيين ؟

وتحدث شعيب حليفي عن ثلاث ملاحظات رغم اختلاف الأسلوب والرؤية ، تؤطر الروايتين :

- وجود وعي قصصي في كتابة الروايتين مع اختيار شكل اللوحات التي تعتمد تجزيء الحكاية والعبور بها من خلال سرود متناوبة بين الماضي والحاضر.

- اختيار تقنية الدائرة وخارج الدائرة ثم أسلوب الإظهار والإخفاء.

- الإعلاء من شأن الشخصية المحورية ،وجعلها منزهة تسبح في المثالية في مواجهة الآخرين الذين يحيون في أخطاء الدنيا .

ففي موسم الكرامة يتم تصوير عباس بالشخص العصامي الذي لا يخطئ ،ورغم حداثة سنه فهو يفكر بطريقة مثالية.

أما في رواية "حلم بين جبلين " فإن الراوي الذي يملك زمام الحكي فإنه يجعل من الحب ملاذه الأخير ووسيلته لممارسة الفن والكتابة والحياة، أما غيره من عائلته أو من محيط حبيبته ميرة فجميعهم متورطون في الظلم والكراهية والعبث .

واختتم شرف الدين ماجدولين هذه الجلسة بمداخلة حول رواية زاوية العميان انطلاقا من مفهومي العمى والتخييل، متحدثا في البداية عن تجربة الروائي والقاص حسن رياض منذ نصه الأول "أوراق عبرية"، قبل أن ينتقل إلى الحديث عن تجربة الجيل الجديد من الروائيين المغاربة ، حيث هيمن الإحساس بالأزمة الاجتماعية، وأسندت أدوار البطولة لشخصيات القاع، بالتزامن مع صعود موضوعات البطالة والهجرة السرية، والفساد السياسي والإداري، وتجارة المخدرات والشذوذ وغيرها... وهو ما يتجسد في رواية زاوية العميان عير شخصيات الشحادين، والمجاذيب، وفضاءات الأضرحة، والزوايا، التي تنتسج بينها صلات تخييلية عبر مرتكز "العمى" الذي تثرى وظائفه عبر طبقات النص، وشخصياته وفضاءاته ونسيجه الكلامي، وطاقته المجازية، ليخلص الناقد ماجدولين إلى كون الرواية تمثل في سياقها المغربي تجربة لافتة في تصويرها لعاهة العمى بما هو ملمح إنساني ينطوي على عمق تخييلي خصيب. قبل أن يشير باقتضاب إلى بعض الاختلالات النصية المتصلة بطبيعة الامتداد النصي، وملامح بعض الشخصيات وكذا اللغة التي لم تخل حسب تحليله من هنات وسقطات كثيرة.

ليست هناك تعليقات: