د. عدنان الظاهر
( 1940 ـ 1950 )
السيد مصطفى الخليل
من هو مصطفى الخليل ؟ هو السيد مصطفى علي الخليل والد كل من نزار وعامر وقصي ولؤي والكريمات الثلاث نجلاء كبراهنَّ ثم أُسامة فمأرب . ستبقى ذكرى هذا الرجل المتميز والنادر خالدة لا تنفصل عن تأريح ناحية ( قضاء ) المحاويل والذين عاصروه من أهاليها منذ أواخر ثلاثينيات القرن الماضي حتى قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 حيث أضطرته مستجدات الثورة إلى تصفية أعماله هناك والإقامة مع عائلته في بغداد.
لأبي نزار أقارب في القصبة القريبة من المحاويل والمسماة ( ألبو مصطفى ) تقعُ على ضفاف نهر الفرات / فرع الحلة . كانت لأبي نزار في وسط المسافة تقريباً بين هذه القصبة والمحاويل أرض زراعية خصبة ليست مترامية الأطراف تستقي ماءها من شط المحاويل المتفرع من نهر الفرات . وحين تشح مياه النهر صيفاً وينخفض مستوى الماء فهناك ماكنة لسحب الماء خاصة بمزرعة أبي نزار يقوم على تشغيلها عاملٌ مختص .
قلت قبل قليل سوف لا ولن ينسى أهل المحاويل هذا الرجل الفذ المترفع عن الدنايا العفيف اليد واللسان الكريم الرحيم والمتواضع بكبرياء الرجل الذي يعرف قدرَ نفسه بحسبه ونسبه وأخلاقه وما أنجب من بناتٍ وأولاد لا بما كان يملك من أراض ٍ زراعية . كان هو نفسه مَن يتسوق في الصباحات الباكرة فيقصد علوة المخضرات ثم يتجه نحو محل ( حسيّن القصاب ) حيث حصته اليومية منه فخذ خروف إذا كان وحيداً ونصف خروف كامل إذا كان بعض أولاده وبناته معه يقضون بعض الوقت في المحاويل . كان يخرج للتسوق صباحا ً بقامته المديدة بدشداشة بيضاء وعباءة خفيفة والسدارة لا تفارق رأسه. كان يجلس في بعض مقاهي المحاويل ولا سيما مقهى شريكه فيها السيد مجيد المِحِمد ( أبو حميد وشهيد الذي توفيَ للأسف مبكرا ً) مع باقي مرتاديها من فلاحي القرى والأرياف المجاورة وكانت له في هذه المقهى نركيلة خاصة لا يمسها أحد ٌ غير أبي نزار . أما ليلاً صيفاً فكان يرتاد نادي المعلمين بدشداشته البيضاء والعباءة والسدارة مع مسدس لا يفارقه ليلاً . كان يلعب الطاولي في الأغلب مع صديقه وجاره في السكن السيد أحمد عباس ( أبو شهاب ) مدير مدرسة المحاويل الإبتدائية لفترة طويلة قبل أن ينتقل إلى الحلة . كان هو الغالب في اللعب في الكثير من الأحيان إذْ كان أبو نزار لعيبا ً ماهراً لا يُجارى .
ألحقَ أبو نزار بالجزء الخلفي من بيته ( طولة ) جمع فيها عدداً من الخيول كان يشارك في بعضها في مباريات الخيول في بغداد ( الريسز ) في حين كان يستخدم البعض الآخر منها وسيلة ً نقل لتفقد مزرعته . إختفت مجموعة الخيول إذ ْ إبتاع أبو نزار سيارة حمراء اللون أمريكية الصنع من نوع ( ميركوري ) كان أول سائق لها هو السيد ( صاحب ) الشقيق الأصغر للحلاق أبي كريم العم إبراهيم المطيري . كان ذلك صيف عام 1949 .
كانت المحاويل تزهو وترتدي حلة أعياد حين يأتي في الصيف بعض أولاد أبي نزار وبناته ولا سيما أُسامة ومأرب . لا تغادر البنات الدارَ أبداً لكنَّ الآولاد يغادرون بالطبع ، فنزار الكبير كان سيد لعبة الآزنيف أما عامر فكان إذا زار المحاويل يزورها ومعه مجموعة كتب إذا كان مكملاً في بعض دروسه في كلية الحقوق . أما الآخر قصي فكان مولعاً بالسباحة والرياضة وكان معروفاً بحسن خلقته . كان في خدمة أبي نزار رجل وإمرأة ، أما الرجل فهو حبيب أبو مظهر والمرأة هي الخالة ريمة أم خليل الذي درس فأصبح معلماً فيما بعد وغادر مع أمه المحاويل .
من مكارم السيد مصطفى علي الخليل أنه تنازل عام 1945 عن بيته الجميل بحديقته الغناء العامرة بأجود أنواع النخيل وساباط العنب الكبير وقدمها مجاناً لتكونَ أول مدرسة للبنات في المحاويل . فله فضل تعليم وتثقيف بنات المحاويل وكانت الست البغدادية ( فتحية ) أول مديرة لهذه المدرسة . للسيد مصطفى مكرمة أخرى سابقة إذْ تنازل عام 1942 عن بيته ليسكنه مأمور مركز شرطة المحاويل الجديد السيد شفيق فهمي والد أصدقائنا دكتور عدنان الزبيدي والضابط الطيّار خالد الزبيدي .
لم يمارس أبو نزار السياسة أبداً لكنه ساهم عام 1948 بنشاط في حملة إنتخاب عبد الوهاب مرجان [ أو آخر غيره ] نائباً عن منطقة المحاويل إذ قام بجمع وتحشيد السراكيل وأغنياء الفلاحين وأعيانهم في المقاهي وأنفق على حضورهم من جيبه الخاص ودارت عليهم كؤوس القهوة من دلة السيد ( عودة ) وربما السجائر .
باع أبو نزار مقاطعته وأملاكه في المحاويل ثم إبتاع أو بنى بيتاً في كرادة مريم في طريق القصر الجمهوري ليس شامخ العمارة ولكن خلفه حديقة واسعة جداً .
مقتطفات من خصوصيات كريماته وأولاده : أكمل نزار وعامر كلية الحقوق لكنهما لم يزاولا مهنة المحاماة على حد علمي . أما قصيّ فكان في ثانوية الكرخ مولعاً بالرياضة ولعل صديقه معلم الرياضة السيد ( يوسف الباز ) هو من أدخله في هذا العالم . كان في العهد الملكي من بين مشاهير الرياضيين في العراق في لعبتي كرة الطائرة والسلة . أكمل ثانوية الكرخ فدخل كلية الهندسة وتخرج مهندساً مدنياً وعمل مهندسا ً في معرض بغداد الدولي . ليس لدي َّ معلومات عن صغير القوم وآخرهم السيد لؤي حبيب ومدلل أبيه السيد مصطفى . أما البنات فأكبرهنَّ المصون الأخت ( نجلاء ) تأتي بعدها ( أسامة ) ، درست في كلية الآداب وتزوجت أحد أساتذتها لا يحضرني إسمه . أما ( مأربْ ) فهي الأخرى درست في كلية الآداب وخطبها صديق أخيها قصي ّ مدرس الرياضة ( يوسف الباز ) لكنها إعتذرت منه .
للسيد مصطفى أخ ٌ أصغر منه كان يوماً في العهد الملكي مديرَ شرطة بغداد إسمه ( جليل ) ، وأظن أنَّ جليل َ هذا هو مَن مكّن أخاه الكبير عام 1957 من الحصول على رقم صغير لسيارتهم الأمريكية الجديدة من نوع
( بلايموث) : رقم 32 بغداد .
ما دمتُ أحلّق مسحوراً في فضاء هذه العائلة الكريمة فلا بدَّ من التعريج على صديق العمر أخي الأروع السيد هشام حسن ذياب . هشام هو إبن شقيقة سيدنا مصطفى الخليل وقد أخذ منه الكثير : بياض الوجه وخضرة العيون ومتانة الجسم والعفة والإستقامة قبل هذا وذاك . زار هشام النبيل ربيع عام 1950 الحلة في سفرة مدرسية لطلبة ثانوية أو إعدادية الكرخ فكنا نلتقي يومياً وإلتقطنا مع مجموعة من زملائه العديد من الصور ظلت في حوزتي حتى عام 1978 إذ ْ ضاع الكثير من حاجياتي وكتبي ومقتنياتي وخاصة ً زمن الحرب العراقية ـ الإيرانية الطويلة . كنتُ وقد أكملتُ الخامس الإعدادي وكلما أتيتُ بغدادَ من الحلة لإتمام مستلزمات دخول الكلية وكانت معقدة متشعبة ... كنت في كل مرة أزوره في بيتهم في منطقة الجعيفر ( السوق الجديد ) من كرخ بغداد ومن هناك نتمشى قاطعين شارع الرشيد حتى الباب الشرقي حيث مقهاه المفضلة ومجلته المفضلة روز اليوسف . مراتٍ كثيرة كان يدعوني لمشاهدة بعض الأفلام الأجنبية الجيدة فقد شاهدنا مرة فيلما أمريكياً بطله لورنس أوليفيه وكان هشام معجباً بهذا الممثل . وشاهدنا معاً فيلماً آخر [ من الآنَ وإلى الأبد ] من أبطاله فرانك سيناترا ومنتغمري كلفت . كما لا أنسى أني قبل تلك الفترة أمضيتُ معه ضيفاً في بيتهم ليلة ً كاملة . أتذكر لحظة أنْ دخل والده الحجرة المخصصة لهشام وكنا جالسين فيها أني تسمّرتُ وأصابتني حالة من الشلل الكلي فلم أقف إحتراماً للرجل ولم أستطع السلام عليه وكان ذاك موقفاً مخجلاً لي لا أنساه أبداً . دعاني بعد رجوعي للعراق عام 1970 لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم الراقية ثم زارني صيف عام 1971 في بيتي في شارع فلسطين وكان بصحبته أحد أصدقائه من أساتذة كلية الزراعة . كما زارني مرة ً أخرى حاملاً لي بسيارته الألمانية الخاصة كمية ً كبيرة ً من تمور نخيل بيته التابع لكلية الزراعة . كان ولده ( علي ) يومذاك في عامه الثاني وزوجه سيدة من الكرادة الشرقية في بغداد . في إحدى زياراته لكلية العلوم / جامعة بغداد في الأعظمية عرّفني على إبنة عمه وقال إنها زوج الزميل الدكتور عبد الحكيم الراوي فكانت تلك مفاجأة كبيرة . باشر حينذاك دراسته للماجستير أو كان يحاول ؟ لا أتذكر جيداً . أما زلتَ عزيزي هِشام تشتري بين حين وآخر بقرةً وتربيها في مزرعتكم الخاصة في منطقة اليوسفية كما كان دأبك في السابق مُذ ْ أنْ كنتَ ما زلتَ طالباً في كلية الزراعة ؟
أين أنتم الآن يا أصدقاؤنا الأعزاء ؟ ماذا حلَّ بكم في العراق خلال مسلسل إنتقالاته السياسية وما جرى على أرضه من قفزات وتغيرات عنيفة وإنتم الناس الطيبون المسالمون الأخيار ؟ سلامٌ عليكم أهلنا وأحباءنا آل السيد مصطفى الخليل وآل ذياب في الصباح وفي المساء كنتم خيرَخلف لأشرف سَلف .
الرحمة لك يا والد الجميع ، الرحمة للرجل الجليل السيد مصطفى علي الخليل . ذكراك لا يمحوها الزمن .
**
الأستاذ أحمد عباس ومدرسة المحاويل الإبتدائية للبنين
كتبتُ مقالتين عن المحاويل ولكنْ العزيز الدكتور وليد جاسم عبُيس الزبيدي يُطالبني بكتابة المزيد ... فما حيلتي وأين المفرُّ من مقترحات هذا الزبيدي الذي يلاحقني براً وبحراً ليلاً ونهاراً تحت المطر وتحت أشعة شموس المحاويل الحارقة ؟ فمن أين وكيف أبدأ جولتي والموضوع متعدد ومتشعب الجوانب والحديث ذو شجون وشجون ففيه ذكريات الطفولة والصبا وأعوام الدراسة في المدرسة الإبتدائية التي كانت المدرسة الوحيدة في ناحية المحاويل في تلكم العهود ؟ فهل ، تُرى ، أبدأ حديثي عن شخصية مدير هذه المدرسة لأعوام وأعوام وما أسدى للمحاويل وأهلها من خدمات جُلّى مديراً ومربياً ومعلماً قديراً ذا خُلق رفيع عالٍ ؟ إنه السيد أحمد عباس أبو شهاب وسلمى وبتول وثاقب أصغرهم . لا أعرف في أية مدينة عراقية نشأ أبو شهاب وترعرع ولا كيف وأين درس وأخذ علومه الغزيرة ولا سيما اللغة العربية وآدابها ثم علوم الدين فقد كان الرجلُ موسوعة متحركة منوّعة المشارب وله الفضل في تعلقي باللغة العربية وحب الشعر ولا سيما أشعار أبي الطيب المتنبي حيث دأب أبو شهاب على إخراجي أمام طلبة المدرسة صبيحة كل يوم خميس في ساعة تحية العلم لأقرأ بعض أشعار المتنبي وخاصةً قصيدة [ ذو العقل يشقى في النعيمِ بعقله // وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعمُ ] . ما كان إختياره لي لأقوم بهذه المهمة بسبب قوة ومتانة علاقاتنا العائلية ولا لأنني كنتُ الخطيب المفوّه بين باقي الطلاب ولكن ... لأنني كنتُ أرتدي السترة والبنطرون خلافاً للكثرة الكاثرة من باقي التلاميذ .
جاء الأستاذ السيد أحمد عباس إلى المحاويل عام 1941/ 1942 مع كامل بناته وأبنائه ولا أدري أين خدم ودرّس قبل ذلك . سكن أول بيت يملكه العم السيد يوسف السيد عبد الرحمن الحديثي وهناك كنتُ ألعب مع شهاب وبتول ( كنا نسميها بتلةْ ) وسلمى وكانت عائلتانا تتزاوران بإستمرار وكانت لبتول خاصةً علاقات قوية جداً بشقيقتيَّ سليمة ونجاة . وبفضل وذكاء الأستاذ السيد أحمد عباس أدخل المدرسة في صلب حياة أهالي المحاويل ودخل هو نفسه في علاقات حميمة مع هؤلاء الأهالي الصغير منهم والكبير ، الفقير والثري فغدا جزءاً حيوياً من هذه البلدة التي يربط الطريق المار بها لواء الحلة بالعاصمة بغداد والمكتظة ببساتين النخيل والكروم والتين والمشمش يغذيها جدولٌ يتفرع من نهر فرات الحلة . أتذكر مناسبة وفاة زميلي وصديقي شهيد مجيد المحِمَدْ ( شقيق حميد وهويدي ) إذْ أقام مديرنا مجلس فاتحة في فناء المدرسة حضره أهالي المحاويل وإفتتحه الأستاذ محمد جواد الدهيمي بقراءة آياتٍ من القرآن الكريم بصوته الشجي وترتيله الرائع . كان شهيد ناحلاً شديد شحوب الوجه مرتعش الكفين وما كنا نفهم السبب . تركت وفاته في نفسي جرحاً عميقاً فقد كان أحد أقرب أصدقائي فضلاً عن وداعته ووفائه وطيب تربيته وكنت أزوره في بيتهم وهناك تأخذنا شقيقته الوحيدة الأخت الرائعة إلى بستانهم الملحق بدارهم حيث النخيل وأشجار الحمضيات لنلعبَ ونمرح ونقطف ما نشاء ولم يدرْ في خلد أحدٍ يومذاك أنَّ الموتَ سيخطف منّا هذا الطفل الوديع شهيد . كان ذلك في العام الدراسي 1944 / 1945 وكنا حينذاك في الصف الرابع الإبتدائي الذي كان يشغلُ المركز الوسط في بناية المدرسة مقابل مدخلَ وباب المدرسة الواسع والوحيد . بعد ذلك بعام واحد سعى مديرنا وبهمّة ومساعدة آخرين أذكر منهم أخاهُ غير الشقيق الأستاذ لطفي سلمان لإخراج وتمثيل مسرحية وبالفعل أُخرجت المسرحية أو التمثيلية ذات مساء وكان مسرحها الطارمة المقابلة لغرفة المدير وباقي المعلمين فهي مشتركة بينهم . أتذكر جيداً وقد كنتُ أحد أفراد جوقة الإنشاد نغني كلماتٍ من تأليف أستاذ بغدادي إسمه فتح الله عنوانها [ الفلوس ] يقول فيها [ بالفلوس تصبح آمر / محامي كبير لو تاجر ] . ساهم بالتمثيل الأستاذ لطفي نفسه إذْ لعبَ دور صبيٍّ يرشقه الأطفال بالحجارة فجاء يبكي واضعاً كفه على عينه اليمنى . كما لعب شاب بغدادي دور إمرأة بعد أن حلق شاربيه وإرتدى ملابس النساء مع جرغد على رأسه . كان هذا شقيق زميلنا سعدي فيضي الرويشدي. أخرج التمثيلية رجل بغدادي ومثّل دوراً فيها وكانت معه إبنته لعله كان الأستاذ خليل شوقي وإبنته مَيْ ؟! لا أدري . كان فاهم السيد كامل السيد عبد الرحمن مسؤول إسدال ورفع الستارة عن المسرح . توسط الحضور في الصف الأول مدير الناحية السيد مهدي هاشم الكاظمي والد هيفاء وخال الصديق يومذاك عدنان الموسوي الذي أصبح طبيباً فيما بعد والتقينا مرةً أواسط سبعينيات القرن الماضي في نادي نقابة الكيميائيين العراقيين في المنصور لكنه لم يتذكرني . والطريف أو من غرائب الصدف أنْ يحضر هذه التمثيلية أحد أثرياء كربلاء كان في طريقه بسيارته الخاصة إلى بغداد وكان معه طفل جميل صعد المسرح وغنّى بأجمل صوت أغنية لفريد الأطرش [[ يا داخلي أرضنا // إتمهلوا شويّة // لا تقطفوا وردنا // أشواكو قوية // الورد شارب دمي // جيت أطلب بثاري // اللي جرح مهجتي // ما يجرح إيديةْ ... ]] حفظتها على الفور وصحح الطفل لي بعض ما كتبتُ من هذه الأغنية ومنذ تلك المناسبة وجدتُ نفسي متعلقاً بصوت فريد الأطرش . هكذا هي الحياة . هذه بعض مآثر هذا المربي الفذ والمدير المحنك ووالد جميع تلاميذه السيد أحمد عباس .
السفرات المدرسية
لم يغفل مديرُنا أهمية السفرات المدرسية فكان يوليها الإهتمام الذي تستحق وكان لولبُ وقائد هذه السفرات أخاهُ الأستاذ السيد لطفي سلمان الذي أشاع في المدرسة جواً فنياً ورياضياً غير مسبوقين فشجع الرسم وعلّق اللوحات بل وجبلَ بيديه تمثالاً من الجبس لأبي العلاء المِعرّي . كان يدرّبنا على لعبة الكرة الطائرة أيام كانت الكرات مفقودة أو نادرة وكان يأخذنا إلى ساحة شاسعة قريباُ من المدرسة الريفية يخططها ويرسم عليها معالم ملعب لكرة قدم يساعده في ذلك شاب محاويلي شهم إسمه محمد حسن المنصور. أعود لحديث السفرات المدرسية فأتذكر منها سفرة إلى مدينة الحلة حيث أخذنا الأستاذ لطفي إلى بعض معامل المدينة كمعمل الثلج ومعمل محمد الناصر لإنتاج المشروبات الغازية ( مشروب السيفون ) وأحد معامل الطحين وبعض أماكن نسيج اليشماغ ثم قضينا شطراً من نهارٍ آخر في آثار بابل وكان دليلنا المرحوم إبراهيم إبن عبدُكة . وكانت السفرة الثانية إلى مدينة الديوانية وكان قائدها كذلك الأستاذ لطفي . وسفرة أخرى إلى مضارب ألبو علوان مشياً على الأقدام فاعترضنا مسطح مائي ألزم مديرنا السيد أحمد أن { يمتطي ظهر } السيد مظهر إبن حبيب ليعبر به هذا المسطح وكانت نكتة ضحك منها ولها الجميع . وسفرة أخرى طال الحديث عنها فقد تأخر يوم تنفيذها وكان مديرنا السيد أحمد قد جمع من المشاركين بالسفرة أجور نقلنا بالحافلة ( باص خشبي يملكه إبن المحاويل السائق المخضرم السيد كرحات الحمد أبو غازي ) من المحاويل إلى مضارب ومضيف الشيوخ من آل عمران الزنبوري موسى وعيسى عمران الزنبوري . أتذكر الغداء الذي جهزه آل الزنبوري لنا : رز مع مرقة باقلاء خضراء إذ كان الموسم ربيعاً . وكان هناك السيد عبد الجبار عبيد السلطاني معلماً في المدرسة أو مديراً لها. السفرة الأخرى كانت إلى سدة الهندية وكان معنا كذلك أستاذنا إبن المحاويل محمد جواد الدهيمي .
في زمن أبي شهاب جرت ربما لأول مرة عملية تثبيت أسماء وأعمار التلاميذ لكل تلميذ صفحته الخاصة مع صورة شمسية له قام بإلتقاطها لنا مصور جاءنا من الحلة بالإتفاق مع مديرنا السيد أحمد عباس . من نكات السيد أحمد أنه كان في ساعة إعلان نتائج الإمتحانات النهائية يوزع الشهادات علينا واقفاً في فناء المدرسة عالي القامة وفوق رأسه السدارة التي لم تفارق رأسه أبداً وأذكر جيداً أنه حين جاء دور زميلنا عبد الله منير ( وكان طالباً ضعيفاً غير مُجدٍّ ) قال له أبو شهاب [[ عبد الله منير ... زارب ، بدل راسب ، ثم واصل كلامه : طيّح الله حظك ... سلّمْ لي على أبوك ]] . بعدها ترك عبد الله منير المدرسة جملةً وتفصيلاً وهو شقيق كظّوم منير وعمه مُغير .
كانت مقاطعة وأراضي آل عيسى الزنبوري تُسمّى الجيشيات على ما أحسب وكانت لهذه العائلة علاقات قوية جداً بالسفارة البريطانية في بغداد في العهد الملكي حيث كان السفير
[ كورنوأليس ] يزورهم في الشتاء والربيع لصيد الدرّاج وكان موسى وعيسى يستقبلان الضيف السامي وأفراد حاشيته أمام مركز شرطة المحاويل . كنا الأطفال نتجمهر معجبين بهذا الرجل الأجنبي الطويل القامة الجميل الوجه وهو يرطن العربية ويتبسط مع الجميع صغاراً وكباراً وكانت ترافقه دوماً سيارتان خضراوان . الغريب أنَّ مدير ناحية المحاويل ومأمور مركز شرطتها ما كانا من بين المستقبلين أبداً . كان موكب السفير يعود أدراجه إلى بغداد في الأماسي المبكرة مع أعداد هائلة من طير الدرّاج مكدّسة ومشدودة إلى ظهور السيارات .
كانت علاقات مدير مدرستنا السيد أحمد السيد عباس علاقات ودية مع باقي أعضاء هيئة التدريس خلا إستثناءً واحداً تسرّبتْ أخبارُه شحيحةً عن وجود خلاف بينه وبين المربي اللأمع الأستاذ نعمة عباس الزبيدي وهو من أهالي قصبة الصباغية أو الإمام التابعتين لناحية المحاويل يومذاك ( 1947 / 1948 ) . قيل في حينه إنَّ الخلاف أساساً شبَّ بين الزبيدي والأستاذ لطفي سلمان ولا أحد يعرف الأسباب أو حقيقة الأمر سوى أنَّ الأستاذ الزبيدي رغب في الإنتقال إلى مسقط رأسه للتدريس هناك . كان نعمة عباس مثالاً في التفاني في مهنة التعليم وشعلةً من الذكاء والمواهب المتعددة وكان مرشحاً لبعثة حكومية للدراسة في أمريكا لكنه طلب تأجيلها مراراً حتى أُستبدلت أخيراً بأخرى للدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت فرفض هذا العرض الأخير وصبر وصبر حتى واتته الفرصة بعد ثورة الر ابع عشر من تموز 1958 للدراسة في إجازة دراسية لدراسة اللغة الإنكليزية وأدبها في كلية التربية فغدونا زملاء أنا في السنة الأخيرة / كيمياء / وهو في السنة الأولى / أدب ولغة إنكليزية ، وكانت بينه وبين زميله الحلاوي الأستاذ السيد موسى الأعرجي منافسة قوية حول إنتزاع المرتبة الأولى بين باقي زملائهم فكانت للأعرجي وجاء الزبيدي بعده الثاني.
عودة لأستاذنا لطفي سلمان : إلتحق بأسرة التعليم عام 1944 / 1945 ولا أعرف أين درّس قبل ذلك وهل خدم في مدن عراقية أخرى أم لا ؟ لكني كنتُ على صغر سني ألاحظ سعة ودقة ما لديه من معلومات عن بعض أهوار العراق وقاطنيها وتقاليدهم وعاداتهم وطبيعة مجتمعهم وكثرة ما يعرف من الفاظهم المتداولة هناك في مناطقهم . جاء المحاويلَ وكان طبيعياً أنْ يسكن بيت أخيه أبي شهاب مدير مدرستنا وظلَّ معه في بيته ما دام يخدم معلماً في مدرسة المحاويل حتى بعد زواجه من فتاة من ألبو مصطفى وكنتُ وشهاب من بين النسوة الزفّافّات اللواتي أتين بالعروسة إلى المحاويل من هناك . كانت سفرة إصطحاب العروس بحافلة أبي غازي السيد كرحات الحَمَد الخشبية الكبيرة وكنتُ وشهاب في الخانة الخلفية للباص التي كنا نسميها خانة الشواذي . كان قبل زواجه خاصةً مضرب المثل في التفاني والإخلاص لأخيه السيد أحمد عباس . إستطاع السيد لطفي من إجتياز بكالوريا الخامس الأدبي كطالب خارجي ثم حذا حذوه الأستاذان فاضل خضر الحديثي ومحمد جواد الدهيمي لكنهم جميعاً لم يواصلوا الدراسة الأعلى في الكليات العراقية.
عرفت في أوقات متباينة أنَّ للسيد أحمد عباس أقارب في قضاء الهندية ( طويريج ) منهم الطبيب فتّاح ثم في الحلة الصديق الحلاوي المربّي عبد المنعم إبراهيم . كما كنا نعرف أنَّ له قريبة بغدادية هي السيدة أم قرداش كانت تزورهم دوماً في المحاويل ثم عرفتُ بعد ثورة تموز أنَّ لها ولداً تاجر سيارات في بغداد هو السيد قرداش .
بنات وأولاد السيد أحمد عباس : إبنته الكبرى هي سلمى كانت تدرس معي في الصف الثالث أو الرابع وكنا نشترك في رحلة أو منضدة واحدة وكانت تغدق عليَّ بما تأتي به من بيتهم من مأكولات وفاكهة لكي أبقى شريكها في منضدة الدراسة ، وكنتُ أبتزّها بخبث إذْ أهددها أني ساترك مكاني ليشغله سوايَّ من التلاميذ فكانت المسكينة تتوسل وتزيد من حصصي مما حملت من طعام حرصاً منها على أنْ أبقى معها جارَ وشريكَ منضدتها . تركت المدرسة بعد ذلك وتزوجت من موظف حلاوي خدم في المحاويل هو السيد هاشم خليل شقيق المربي المعروف الأستاذ قاسم خليل . أما شقيقتها بتول فلم تدخل المدرسة أبداً ولا أعرف سبب ذلك. تزوجت هي الأخرى مبكراً من رجل من أهالي ألبو مصطفى هو السيد ظافر . وماذا عن الولدين شهاب وأصغر الجميع ثاقب ؟ لم يحالفهما نجاح كبير في دراستهما فتعثرا ثم إنخرطا في وظائف متواضعة أجهل تفاصيلها .
إنتقل الأخوان السيدان أحمد ولطفي من المحاويل إلى الحلة ثم إنقطعت أخبارهما عني وكان عهدي بهما حتى صيف عام 1962 حيث غادرتُ الحلة لمواصلة الدراسة خارج العراق .
معلمو مدرسة المحاويل الإبتدائية
حتى عام 1948 ... لم يدرِّس في هذه المدرسة أحدٌ من أهالي المحاويل إلا الأستاذ محمد جواد الدهيمي ، أبو عقيل ، أما الباقون فكانوا معلمين وافدين على المحاويل من مدن عراقية أخرى كثيرة . مكث بعضهم في المحاويل طويلاً منهم المدير السيد أحمد السيد عباس وأخوه لأمّه لطفي سلمان ثم الأستاذ فاضل خضر الحديثي . في حين لم يمكث الآخرون إلا قليلاً عاماً واحداً بل وحتى بعض عام . أتذكّرُ من بين الذين درّسوني هناك من المعلمين الوافدين نعمة عباس الزبيدي ( من الصباغية / الإمام ) وعبد الزهرة رشيد الهجوِّلْ ( من الحلة ) ومحمد مطلك الهنداوي ( من سدة الهندية ) وعلي أحمد الهندي
( الحلة ) وعبد الأمير محمد ( الحلة ) وعبد الأمير كاظم الحمداني ( من المسيب ) . كما درّس فيها عام 1947 / 1948 معلمان مستخدمان من يهود الحلة هما عزت يوسف كركوكلي وفيكتور .../ كما جاءها من بغداد رجلُ دين معمم بقيَ عاماً واحداً إسمه السيد حميد الخضّار .
لا أدري متى تأسست هذه المدرسة ولا الذين درّسوا فيها في ثلاثينيات القرن الماضي . كانت فيها غرفٌ ست ثم غرفة المدير يشاركه فيها معلمو المدرسة . على جانبي مدخلها الرئيس حديقة كبيرة على جهة اليسار وساحة للألعاب الرياضية من الجهة الأخرى وكانت مسيّجة من واجهتها الأمامية بسياج من قضبان حديد عالية مدببة الرؤوس خُضَر اللون ومن جانبها الغربي بحائط من الطين الطوف. كما أنها كانت تشغل موقعاً في طرف المدينة على طريق المحاويل ـ بغداد يقابلها بيت كبير جيد البناء لعائلة حلاوية الأصل رئيسها العم علي الفلوجي ثم ولده عباس أبو سعدي وله ولدان آخران هما المربي السيد خزعل الفلوجي ثم أصغرهم مجيد الذي ترك الدراسة وانصرف لمساعدة أبيه في إدارة دكانه الصغير المجاور لدكان شقيقه عباس الطريف اللطيف . خلف المدرسة طريق ترابي تأتي بعده بستان نخيل تمتدَّ حتى سكة حديد المحاويل ـ بغداد . كذلك كان خلف دار آل الفلوجي طريق ترابي تقع خلفه بستان فاكهة وخضروات متعهدها وفالحها وجانيها الأخ عبد الأمير جواد الدهيمي شقيق مربينا ومعلمنا الأستاذ محمد جواد الدهيمي . كان لهما شقيق أصغرهم سنا إسمه
( وحيد ) توفي مُبكّراً طفلاً وبشكل مفاجئ .
من فرّاشي مدرسة المحاويل الإبتدائية للبنين السادة ( جَبُرْ ... كان المحاويليون يسمونه جُغُم ولا أدري لماذا ؟ ) ثم عيّن المديرُ السيد أحمد عباس بعد ذلك معه ( حسن ) الذي كان قبل ذلك ولسنين طويلة يعمل سائسَ خيولِ شرطة مركز شرطة المحاويل . زوجة حسن هي السيدة ( جمالةْ ) ... بحرف الجيم تحته ثلاث نقاط أي الصوت
CH
أما زوجة جُغُم ( جبر ) فهي السيدة ( عذيّةْ الكرعةْ ) .
( عُبيد الطبيب )
إنه عُبيد الطائي ، أبو الصديق مهدي ، رجلٌ بسيط لا يقرأ ولا يكتب لكنه كان رجلاً متعددَ الجوانب متنوّع المواهب والمهارات ذا ذكاء حاد وإباء . وكان أباً لأبنائه مثالياً بعيدَ النظر مواكباً لتطورات زمانه مثالياً واعياً لمقتضياتها مدركاً لتشعبات بداياتها ومساراتها وخواتمها.
مهدي عُبيد الطبيب :
كرّس العم النبيل جهده وطاقاته وقليل مدخوله لتربية ولده الوحيد مهدي وعديد بناته . أكمل مهدي المدرسة الإبتدائية في المحاويل ربما عام 1945 فأرسله أبوه العم عُبيد الطبيب إلى الحلة ليكمل في مدارسها المتوسطة والثانوية فأتمَّ دراساته هناك على أكمل وجه دون أنْ يتأخرَ أو يرسبَ في أحد صفوف مرحلتي الدراسة المتوسطة والثانوية وكان هذا أمراً نادراً في ذلك الزمان . مارس مهنة التعليم الإبتدائي مباشرةً بعد نيله شهادة بكالوريا الخامس العلمي إذْ خدمَ أول أمره معلماً في إحدى مدارس ريف لواء الناصرية ( محافظة ذي قار ). وكنتُ أسمعه في عطلة ذلك العام الصيفية يردد أسمَ أحد مشاهير وأثرياء هذه الناحية أو القرية من مربي الجاموس إسمه [ طاهر الخليوي ] . بعد فترة تدريس دخل كلية العلوم في بغداد { وكانت تُسمّى يومذاك كلية العلوم والآداب } عام 1957 / فرع علوم الحياة أو البايولوجي . زرته مرةً أو مرتين هناك . أكمل دراسته في هذه الكلية وإنقطعت أخباره عني. أتذكر طفلاً من أقرب أصدقاء مهدي زمان طفولته إسمه ( عطا عبد الواحد ) وهو من عائلة حلاوية الأصل كان والده يُدير إحدى مقاهي المحاويل وبعد وفاته أخذ عطا مكان والده وأدار المقهى رغم شدة ضعف بصره .
بنات العم عُبيد الطبيب :
لم يتأخرْ العم عبيد يومَ تأسست في ناحية المحاويل أول مدرسة إبتدائية للبنات في عام 1945 ، لم يتأخرْعن تسجيل بناته في هذه المدرسة ودرجن في دراستهنَّ فيها وأكمل بعضهنَّ دراستهنَّ الأعلى في مدارس الحلة ليتخرجنَّ معلماتٍ وربما تمَّ تعيينهنَّ معلماتٍ في مدينة المحاويل ذاتها . أطلق العم على وليدة جديدة له إسم ( كمّة ) فما أصلُ هذا الإسم الغريب على العربية ؟ أصله إنكليزي ... نعم إنكليزي ، فقد أسس الجيش البريطاني صيف عام 1942 شمال المحاويل معسكراً حربياً عُرفَ بإسم الكامب
The Camp
فأخذ عمّنا عبيد هذا الإسم وعرّبه بمهارة وأطلقه إسماً لوليدته الجديدة ، تخليداً لذكرى مناسبة غريبة على أهل البلد إذْ يرون معسكراً للمستعمر البريطاني قريباً من مدينتهم . أصبح هذا المعسكر بعد جلاء الإنكليز عنه مدرسةً تحمل إسم ( المدرسة الريفية في المحاويل ) التي لم تدمْ طويلاً حيث أغلقتها الحكومة لأسباب سياسية أسوةً بكلية الملك فيصل . ثم كانت يوماً مقراً لسكنى عوائل فلسطينية أُجبرتْ على ترك فلسطين عام 1948 خلال فترة الحرب العربية الإسرائلية المعروفة . أتذكّرُ جيداً كيف نشط سوق المحاويل وإنتعش إقتصادها نتيجة لوجود هذا المعسكّر وحاجاته الكثيرة لمتعهدين يجهزونه بالخضُرة واللحوم وأيدٍ عاملة للبناء وغير ذلك . لم يختلط الجنود الإنكليز بأهالي المحاويل لكنْ كان للهنود من العسكر حضور في المدينة ومقاهيها يدخّنون النركيلة ويقددمون للأطفال بعض حصصهم التموينية وخاصةً معلّبات الفاكهة كالمشمش والخوخ وبعض النقود . لقد تعلّم بعض المحاويليين الكثير من الكلمات الهندية فصاروا يتحادثون مع الجنود الهنود فإتضحت حقيقة كانت قبل ذلك غائبة وهي أنَّ هؤلاء الهنود كانوا من المسلمين ( مسلمان ) . أتذكّرُ جيداً أنَّ المرحوم كظّوم منير كان قد أتقن هذه اللغة وصار يتكلمها بطلاقة تُثير العجب . كما عرفنا أنَّ في هذا الجيش قومياتٍ منوّعة أخرى كالسيك والهندوس والكُركة وعرفنا أنَّ لكل من هؤلاء طريقته الخاصة في الذبح . كان بعض الهنود خاصةً يأتي شاطئ النهر لغسيل ملابسهم وحين ينتهون من المهمة يقدمون باقي الصابون الذي كان يومها نادراً لمن إلتفَّ حولهم من الصبية والصبيات . كما كان الناس حينذاك بحاجة ماسّة للشخّاط وما كانوا يبخلون مقابل كأس ماء أو قطعة خبز حار من التنور .
وماذا عن الرجل نفسه ومَن هو ؟
العم عبيد في الأصل من مدينة الحلة لكنه تركها ليعملَ في المحاويل مساعداً للموظف الصحّي في مستوصف المحاويل . لم يكن يومذاك طبيبٌ في هذا المستوصف إنما مجرد موظف صحّي . أتذكّر أوائل أربعينيات القرن الماضي ( 1941 ـ 1942 ) موظفاً صحياً من أهالي الحلة هو السيد محمد علي بهيْة . جاء بعده موظف صحي أشقر الشعر أزرق العينين هو السيد سُليمان وكان المحاويليون يكنّونه بأبي داوود . كان إنساناً رائعاً على درجة عالية من الخًلق والإنسانية وكان لا يدّخرُ وسعاً في خدمة مرضاه من أهالي المحاويل وما جاورها من قرى وأرياف ومزارع ليلاً ونهاراً إذْ إستأجر دار السيدة العجوز أم كامل وأقام فيها بعد أنْ سطا لصٌّ ليلاً على داره السابق وسرق كل ما فيه بما في ذلك ملابسه الشخصية وكان حادثاً حرجاً ودقيقاً بالنسبة لهذا الرجل المثالي . وماذا عن العم أبي مهدي؟
بدأ حياته الوظيفية في هذا المستوصف بداية متواضعة كمستخدم يعرفه الناس بإسم ( مُضمّد ... عبيد المُضمّد ) . لكنه سَرعانَ ما أتقن أسرار المهنة الطبية وعرف أسماء الأدوية الطبية والعقاقير وبرع في معالجة الجروح وزرق الإبر بل حتى تجبير كسور العظام . كان ذكياً بارعاَ بالفطرة فصقلته ممارسته هذه المهنة الطبية وطوّرت مواهبه وإستعداداته الكامنة فيه . رغم كل نجاحاته وأولاده في الحياة ظلَّ الرجلُ على تواضعه وحبه الناس وإسداء الجميل لهم . أتذكر البيوت التي إستأجرها واحداً واحداً حيث كنتُ أزور الصديق مهدي فضلاً عن متانة علاقات أهلي بعائلة العم عبيد والزيارات المتبادلة وخاصة الخالة أم مهدي والأخت الكبيرة غنيّة . ثم شمّر العم أبو مهدي عن ساعديه فقرر الإستقلال ببيته الخاص فإبتنى بمجهوده الشخصي ومساعدة باقي أفراد عائلته بيتاً من الطين كبيراً واسعاً على قطعة أرض مهجورة ليست بعيدة عن مركز المدينة . تناولتُ مرّةً في هذا البيت مع الصديق مهدي وضيفه ( من ألبو علوان ) الصديق محمد جاسم ظاهر الدليمي تشريب الطماطة مع خبز التنّور الحار من بركات يديّ الخالة أم مهدي وكانت وجبةً لا أنساها لتفرّدها مذاقاً وإعداداً .
فراسة وبُعدُ نظرِ العم عبيد أبو مهدي
غرق في يوم صيفي حار طفلٌ جاء يزور عمّه محمد العيفان في المحاويل فأخذه مهدي محمد العيفان للسباحة والتبرد في نهر المحاويل كدأب بقية أطفال وشباب المحاويل صيفاً.
عاد مهدي العيفان إلى أهله راكضاً باكياً صارخاً : غرق إبن عمّي فلان ...تجمهرت الناس جازعةً على صفاف النهر في إنتظار أنْ تطفو جثة الطفل لإنتشالها ومواراتها التراب . لم تطفُ الجثة فيئست الناس . أتذكّرُ جيداً اللحظات التي جاءَ العمُ عبيد فيها من بيته هادئاً ماسكاً في يده ( سِبيل سيجارته ) ثمَّ قال بنبرة واثقة : أنا أعرف مكان جثة الغريق . أنا سأنتشلها . ذُهلَ الحضورُ . خلع ما عليه من ملابس ورمى نفسه في أعمق بقعة في النهر ، تقع بعد الجسر ، مُقابلةٍ لبيت مدير الناحية من جهة وللمستوصف من الناحية الأخرى تظللها شجرة متشابكة الأغصان وارفة الظلال تتسلقها للتبرد أنواعٌ شتّى من الأفاعي . لم يغب العمُّ طويلاً إذْ خرج بعد فترة قصيرة محتضناً جسدَ الطفل الغريق !! كيف عرف بدقةٍ متناهيةٍ المكانَ الذي إستقرّت فيه جثة الغريق ؟ بخبرته وشدّة ملاحظته وقدرته على الإستنباط خمّنَ أنَّ جسداً أثقلَ من الماء لا بدَّ وأنْ يرسو في زاوية محددة تقع في محيط دوّارات مائية تُسمّى سوّيرات ... معرّبة ومحوّرة من الإنكليزية
Swirl
حسب مبدأ قوة الطرد المركزي دون أنْ يقرأ الرجلُ فيزياء أو كيمياء .
وكان هو لا غيره يرعى حديقة المستوصف الواسعة الأطراف زرعاً وسقياً وتحسيناً وكانت له عيناً يقظةً خاصةً على شجرات تفاحٍ أربع مصطفة في نسق واحد في مدخل المستوصف تحملُ تفّاحا ذا نوعية جيدة جداً وكنتُ أُغافله منتظراً الساعة التي يترك فيها خفارته للمستوصف وتفاحاته فأسطو وأتسلق وأقطفُ ما أشاءُ . مرةً صارحني القول ليس من أحدٍ سواك في المحاويل مَن يجرؤ على سرقة تفاحاتي يا ملعون ! سأخبرُ أباك .
تشهّى ذات يومٍ الموظف الصحّي السيد سُليمان أو داوود ونُخبة من موظفي المحاويل ومأمور المركز السيد رحيم صالح العسّاف ( أبو الصديق هشام ) ... تشّهوا أكلة جمّار فمن تُرى يقومُ بهذه المهمةِ غيرُ العم أبي مهدي ؟ اتى ب [ الهيم الحديد ] من بيته وقاد الرهط إلى إحدى البساتين المكتّظة بباسق النخيل وكنتً أتبعهم عَلناً لا خِلسةً وبموفقتهم وخاصةً العم عبيد فموافقته على حضوري معهم كانت ضرورية . توقف وقد إختار نخلةً بعينها كانت تحيطُ بها جملةٌ من الفسائل فخلع عقاله ويشماغه وسترته وشرع يضرب بالهيم بقوة جذور فسيلة كبيرة وقع عليها إختياره وسرعان ما رأيناها تقع أسيرةً بين يديه . طرحها أرضاً فقشّرها من ليفها وكربها وسعفها حتى وصل رأسها أو قلبها الأبيض المغري كما كنا نسميه فقسّم أعالي هذا القلب على ضيوفه بالتساوي ولم يغفل ذِكري فأعطاني قطعة من أسفل القلب فيها من الخشب أكثر مما فيها من الجمّار اللذيد الطعم . معه حق ، له معي ثارات أكبرها سرقتي لتفاحات المستوصف وبعض مشاكسات أخرى منها سرقة ورود حديقة المستوصف وبعض شجيراته الصغيرة .
حادث طريف مع السيد سليمان أبي داوود : هُرعتُ إليه ذات مساء باكياً أنَّ والدتي ماتت. صدّقني الرجلُ الطيّب فحمل حقيبته وما فيها من أدوية فقدته إلى بيتنا . طرق الباب فخرجت والدتي له فذُهل الرجلُ ! قال لها أخبرني عدنان أنكِ توفيتِ ! ضحكت والدتي وضحك أبو داوود إذْ قالت له كنتُ نائمة وحين أنام أنام عميقاً لا توقظني حتى أصوات المدافع ! حاول مرةً قلع أحد أسناني المتسوسة بدون مخدّر البنج فما كان متوفراً في مستوصف المحاويل . عالج السن المنخوبة طويلاً فكان عصيّاً على القلع واشتدّت معاناتي فتوسّلت إليه أنْ يتركني مع علّتي فطاوعني الرجل . ما أنْ غادرتُ المستوصف حتى إلتقيت بصديق وزميل مدرسة لي إسمه جعفر باقر . سألني وقد رآني خائفاً شاحب الوجه عمّا حصل لي فقلت له كاذباً ومبالغاً في قصتي مع قلع سني . قلتُ لم يستطعْ أبو داوود قلع سنّي وسبّب لي آلاماً مُبرِّحةً فوقعتُ من شدّة ألمي على الأرض . سارع الملعون فتساءل من أبي داوود عن صحة هذا الخبر ّ . إضطرتني ظروفي الصحية يوماً أنْ أراجعَ أبي داوود فعاتبني بكل أدب وود كيف أُبالغ وأكذب في أخباري ؟ سلامٌ عليك أيها الرجل الطيّب الصالح .
السيّد جبّار جاسم
لم تحدث أيةُ مشاكل بين هؤلاء الغرباء وبين أهالي المحاويل سوى بعض حوادث إنقلاب حافلاتهم العسكرية بمن فيها وما فيها من قنابل مدفعية ثقيلة وقد كنتُ شاهدَ ثلاث حوادثَ منها كان ضحية إحداها رجلٌ من بغداد يُدير مقهى المرحوم مجيد المحِمَدْ والد الصديقين حميد وشهيد الذي توفي مبكّراً للأسف وكان أحد أصدقائي الخُلّص . دخلت الحافلة الضخمة المقهى وكان الرجل جالساً في مدخلها يستلم نقود زبائن المقهى الذين يغادرونها كما كانت الأمور في ذلك الزمان إذْ تتم عملية دفع ثمن المشروب لحظة المغادرة . والحادثة الثانية في إنقلاب شاحنة تحمل قنابل إنحرفت بعد عبورها جسر المحاويل الوحيد المتواضع يومذاك فهوت في ساقية تتفرع من النهر لتستقرَّ على جدار دار الأخوة السيد جبّار جاسم وجليل وشقيق لهم ثالث وهي عائلة ليست من المحاويل أصلاً . كان والدهم الشيخ الوقور معتزلاً الحياة لا يغادر داره ولا يختلط بناس المحاويل لكنه كان يمارس مهمات دينية وأخرى إنسانية من قبيل إشفاء المرضى من بعض علاّتهم كالصداع والشقيقة والوسواس . ما كان الرجلُ الناحل الملتحي سحّاراً وما إدّعى السحرَ أبداً لكنه كان يمارس طقوساً بدائيةً خاصة مع تلاوة آياتٍ قرآنية همساً . ترك ولده الأصغر السيد جبّار المدرسة ليدير دكاناً متواضعاً من أملاك العم خليل المحياوي ( أبو تِرمةْ ) . ولثقته بنفسه وعفّة هذه النفس ومعرفته لمبادئ الحساب إستطاع في زمنٍ قياسيٍّ أنْ يطوّر شغلته فإبتنى محلاً كبيراً في أحد أركان دارهم مطلاّ على نهر المحاويل وفي هذا المحل الجديد غدا هو ومحله من مشاهير المحلات في هذه الناحية يتبضّع القرويون منه والأهالي على حدٍّ سواء وخاصةً أهالي قرية ألبو مصطفى . سلامٌ عليك أخي السيد جبّار أيها النبيل العفيف النزيه إذْ كنتُ طفلاً أُقضي بعض الأوقات جالساً في وسط دكانه خاصةً حين تُلجئهُ حاجةٌ طبيعيةٌ للذهاب لقضائها في دارهم . كان يرتاحُ منّي ويأتمنني وأثق وعائلتي به رغم صغر سنّي حتى أنَّ المرحومة والدتي كانت تكلّفني أنْ يقومَ بتفسير بعض أحلامها خاصةً تلك التي كانت تزعجها أو تؤرّقها وكان ينفّذ المهمة بسرور ودون أجور أو هبات . مرةً واحدةً ، واحدةً فقط لم تتكرر ... سمح لي أنْ أدخلَ بيتهم وأن أدخلَ حديقتهم لأقطف تين إحدى شجرات التين الأسود . سألتني شقيقته الوحيدة المصون لماذا دخلت الدار ؟ قلت لها وافقَ أخوكِ جبّار أنْ أقطفَ بعض تين حديقتكم فسمحت لي دون إعتراض . ترك أخوه الأكبر منه السيد جليل بغداد فابتاع له جبار حافلة خشبية الهيكل فشرع يسّيرها لنقل المسافرين بين المحاويل والحلة . وله شقيق ثالث هو الأكبر في العائلة كان يزور أهله أيامَ الحميس والجمعة ويساهم في إدارة محلهم بعض الوقت . كان موظفاً في بغداد لا أتذكّرُ إسمه .
السيد يوسف أبو فخري الحديثي
ذكرتُ حوادثَ إنقلاب بعض حافلات الجيش البريطاني فكانت الحادثة الثالثة مع دار العم السيد يوسف عبد الرحمن الحديثي أبي فخري وعبد الأمير والصديق العزيز إبراهيم . إنحرفت حافلة عسكرية كبيرة عن الطريق الرئيس الذي يربط المحاويل ببغداد العاصمة لتستقر ضيفاً ثقيلاً على جدار بيت أبي فخري المطلِّ مباشرةً على هذا الطريق . لا أعرف هل كانت السلطات العسكرية البريطانية تقدّمُ تعويضاتٍ لأهالي الدور المتضررة أم لا ؟ السيد يوسف وشقيقه السيد كامل أبو الصديق فاهم ليسوا من المحاويل بل يحملون لقب
" الحديثي " . كانت لوالدهما السيد عبد الرحمن مزارع في بعض أطراف المحاويل وكان الشقيقان يشرفان عليها . كان السيد يوسف شغوفاً بالخيول وكان لها إصطبّل خاص يشغل جزءاً من بستان له كبير فيه أشجار فاكهة وكروم ونخيل . يتذكّرُ أهالي المحاويل السائس الهندي ( ياسين ) راعي إصطبّل خيول السيد يوسف لكنْ لا أحد فيهم يعرف أصل هذا السائس الهندي ولا كيف وصل المحاويل ولا كيف وقع عليه إختيار السيد يوسف . ما كان ياسين يغادر الإصطبل والبستان وكان يرتدي الزي العراقي الشعبي من عقال ويشماغ ودشداشة وكان ظاهرةً غريبة عجيبة في محاويل ذلكم الزمان وما أكثرَ ما جلب المستعمرُ البريطاني للعراق من عجائب وغرائب !! كان منظر ياسين مألوفا لنا نحن الأطفال حين يقود الخيول واحداً بعد الآخر لترتوي من ماء النهر الجاري حيث كنّا نسبح ونغطُّ ونرمي أجسادنا النحيلة من أعالي الشجر المطلِّ على النهر . ما كان هذا الياسين يختلطُ بأحدٍ ولا يرتادُ مقاهي المدينة وكان فظّاً مع الأطفال حين يداعبونه بالقول أو الإشارة أو النكتة . ما كان يجاملُ من بين الأطفال إلاّ السيد كامل السيد حسن أبو طربيس وهو رجل دين تقيٍّ جاء إلى المحاويل من بعض تخوم وضواحي مدينة الحلة وأقام مع عائلته فيها وله غير الصديق وزميل الدراسة السيد كامل ولدان آخران هما الأكبرعلي ويحييى أصغر الجميع . الطريف انَّ السيد علي كان يقومُ أحياناً بزيارات ميدانية للقرى والأرياف المحيطة بالمحاويل بدلَ أبيه لعقد عقود الزواج وجمع الخمس والنذور والصدقات لكنه ما كان يستخدم فرسَ والده البيضاء بل يركب حماراً خاصاً به لا يمتطيه سواهُ . كان السيد كامل إذاً هو الطفل الوحيد بيننا مَن كانت له حظوة لدى الرجل الغريب الكثير الغموض السائس السيد ياسين .
ترك السيد يوسف أبو فخري داره المطلة على الشارع الرئيس وربما أجّرها بيتاً أو دائرةً حكوميةً ليقيمَ في دار أخرى له تقع في دواخل ناحية المحاويل قريباً من خان المحاويل المهجور . ثم ترك هذا الدار وعاد لذاك المطلِّ على الشارع العام إثرَ تعرّضه ذات ليلة ظلماء إلى حادث إطلاق رصاص من ناحية الخان وهو في طريقه لبيته فردَّ على الفور على جهة إطلاق النار بوابلٍ من نيران مسددسه الشخصي الذي ما كان يفارقه . سُجلَّ الحادث ضدَّ مجهول لكنَّ إشاعةً راجت بين الأهالي أنَّ { فلاناً إبن فلان } كان هو مَن حاول إغتيال السيد يوسف . كان صيفاً يرتاد في الأماسي مقاهي المحاويل ليلتقي مع والدي الذي كان من أقرب أصدقائه إليه وكانت بينهما إتفاقية طريفة غير مكتوبة تقضي أنْ يُتحفَه والدي مرةً في العام ببعض البطانيات لتغطية وتدفئة خيوله شتاءً مقابل { كواني } الشعير في موسم حصاده وتذريته عَلَفاً لحصان أبي ... مصالح متبادلة عادلة ومتكافئة أليس كذلك ؟ كنتُ شديد التعلّق بمسبحة يد أبي فخري الكهرب ذات اللون بل الألوان النادرة التي يتمازج فيها اللون الوردي الساحر باللون الأصفر ثم البرتقالي ولم أرَ في حياتي شبيهاً لتلك المسبحة وقد كبرتُ وغدوتُ من جامعي مسابح الكهرب . طمعتُ فيها وتمنيتُ لو يهديها العم أبو فخري لي بدل كواني الشعير فأنا لا شكَّ أفضلُ من حصان والدي !! كيف إنتهى مصير هذه التُحفة النادرة ؟
وجّه وجيهُ قصبة الصباغيّة السيد علي الكاظم مرةً دعوةً لمدير مركز شرطة المحاويل السيد ( أحمد فدعم ) فقام السيد يوسف بتنظيم وتمويل السفرة من المحاويل إلى الصباغية حيث نقل الضيوفَ السيد كرحات الحَمَد بسيارته الباص خشبي الهيكل وكنتُ أحدهم برفقة والدي. كان سروري بهذه السفرة بالغاً خاصةً وقد رأيتُ العجب في بستان أبي حسين السيد علي الكاظم من نخيل وأشجار البرتقال التي لا عدَّ لها . هناك لعب الضيوفُ مع مضيّفهم الورق في حين كان فلاحو البستان منشغلين بذبح خروف وسلخه ثم شيّه على النار . خصّني العم السيد يوسف بجميل عنايته دون سائر الحضور فكان يقدّم لي قطع اللحم المشوي ملفوفةً بخبز التنور الحار . في طريق العودة إلى المحاويل رأيتُ أرنباً فطلبت من مدير مركز شرطة المحاويل أنْ يصيده لي فلّبى طلبي فوراً إذْ سدد نحوه إطلاقةً من بندقية الصيد التي كانت معه لكنها طاشتْ وهرب الأرنب . ما كنا نأكل لحوم الأرانب لكني أردته ألعوبةً حقيقية لي .
نرى مما تقدّمَ ظاهرة جديرة بالتوقف والإهتمام مفادها أنَّ مَن ياتي إلى المحاويل من مدائنَ وأصقاع أخرى يحلو له المقام في هذه المدينة بين ظهراني أهلها الأخيار الكرام وتتطور مصالحه ويُنجب ويتناسل ويتصاهر مع أهل المحاويل . فجميعُ ما سقتُ من أسماء ذواتٍ هم من غير أهالي المحاويل في الأساس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق